مفاهيم القرآن الجزء ٢

مفاهيم القرآن0%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
الصفحات: 627

مفاهيم القرآن

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف:

الصفحات: 627
المشاهدات: 182642
تحميل: 3541


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 627 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182642 / تحميل: 3541
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

داخل النفوس البشريّة، وإثارتها من مكامنها، وإلى ذلك يشير قول الإمام عليّعليه‌السلام وهو يصف مهمّة الأنبياء: « فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول »(١) .

ولأجل ذلك أيضاً أمر الله سبحانه نبيّه محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يذكّر الناس بما خلقوا وفطروا عليه فقال:( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ) ( الغاشية: ٢١ ).

ولقد أشبعنا الكلام ـ في الجزء الأوّل ـ عند البحث عن المعرفة الفطريّة، وقلنا بأنّ الدين، واُصول فروعه الكليّة مركوزة في النفس البشريّة، وهو شيء أشار إليه قوله سبحانه:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( الروم: ٣٠ ).

فما هو المفطور عليه البشر هو الدين بمعناه الوسيع الشامل للعقيدة والأخلاق والقيم والسجايا وقد روى الفريقان عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: « ما من مولود إلّا يولد على الفطرة ثمّ أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. ثُمّ قال:( فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) »(٢) .

عوامل تكوين الشخصيّة

وتتلخّص عوامل تكوين الشخصيّة وأجواء التربية في ثلاث اُمور أساسيّة هي :

١. الوراثة.

٢. التعليم.

٣. البيئة.

ولقد اهتم الإسلام بهذه الاُمور الثلاثة اهتماماً بالغاً، ورسم لها برامج ومناهج

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة الاُولى.

(٢) تفسير البرهان ٣: ٣٦١، التاج الجامع للاُصول ٤: ١٨٠.

٤٢١

دقيقة ورصينة ليمكن تكوين الشخصيّة الإنسانيّة المتكاملة والنفسيّة البشريّة الفاضلة ؛ وإليك تفصيل القول في كلّ واحد منها :

١. الوراثة

يرى علماء التربية والنفس للابتداء في تربية النشء مبدءاً معيّنا في عمر الإنسان، يعتقدون أنّه الوقت المناسب للتهذيب والتربية بيد أنّ الإسلام لا يرى ذلك بل يعتقد أنّ العناية بأمر الطفل يجب أن تبدأ منذ اللقاء الأوّل بين والديه، ومنذ انعقاد نطفته بل وقبل ذلك. لأنّ الإسلام يرى أنّ أكثر ما ينطوي عليه الأبوان من أخلاق وصفات تنتقل ـ بالوراثة ـ إلى أبنائهم، وتؤثّر على شخصيّتهم، ومسيرهم ومصيرهم، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلميّة بالكناية البليغة، والاشارة الحسيّة اللطيفة حيث قال:( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) ( الأعراف: ٥٨ ).

إنّ الله سبحانه لم يكن يريد أن يقرّر للناس ما هم عارفونه، ومطّلعون عليه من ظواهر الطبيعة من أنّ الأرض الطيبة يكون نباتها طيباً، والخبيثة لا يُخرج منها إلّا النكد، بل كان يريد الإشارة إلى الدور الحسّاس الذي يلعبه عامل الوراثة وأخلاق الأبوين في المولود. وإلى ذلك يشير شيخ الأنبياء نوحعليه‌السلام حيث يدعو الله سبحانه أن لا يبقي من قومه الكفرة أحداً في الأرض لأنّهم إن بقوا لا يلدوا إلّا فاجراً كفّاراً إذ قال الله عنه:( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إلّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) ( نوح: ٢٦ ـ ٢٧ ).

وهي تكشف عن أنّ صلاح الوالدين يهيّء الأرضيّة لصلاح الولد كما أنّ فسادهما يهيّء الأرضيّة لفساده وانحرافه. كما قال الإمام عليّعليه‌السلام : « حُسنُ الأخلاق بُرهانُ كرم الأعراق »(١) .

__________________

(١) غرر الحكم: ٣٧٩.

٤٢٢

وإلى هذا الناموس الطبيعيّ ( الوراثة ) أشارت جملة كبيرة من الأحاديث، والمناهي الواردة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومين.

فقد نهى الإسلام عن التزوّج بالمرأة الحمقاء تجنّباً لمساوئ هذا الزواج إذ قال النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إيّاكُم وتزويج الحمقاء فإنّ صُحبتها بلاء، وولدُها ضياع »(١) .

كما نهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تزويج الفاسق: « من زوّج كريمته من فاسق فقد قطع رحمه »(٢) .

ولتأثير الوراثة على الشخصيّة الإنسانيّة نرى أنّ الإمام عليّعليه‌السلام يأمر عامله الأشتر في عهده بالاتّصال بذوي المروءات وأصحاب الأحساب الكريمة حيث يقول: « ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسّوابق الحسنة ثمّ أهل النجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة فإنّهُم جماع من الكرم وشعب من العُرف »(٣) .

وذلك لما في هذه الناحية من الأثر الطيّب على فكر الإنسان وسلوكه وشخصيّته ونفسيّته.

ونهى عن تزويج الزانية والزاني إذ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا تزوّجوا المرأة المستعلنة بالزّنا ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزّنا إلّا أن تعرفوا منهما التّوبة »(٤) .

ثمّ أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في رواية اُخرى إلى تأثير الزنا في نفسيّة الطفل المتولّد من الزنا بقوله: « ثانيهما: أنّه يحنّ إلى الحرام الّذي خُلق منهُ، وثالثُها: الاستخفافُ بالدّين »(٥) .

ولعلّه يكون لولد الزنا هذه الحال لأنّ والديه حينما يقومان بالزنا، يشعران بأنّهما ينقضان القانون، وهي صفة تنتقل إلى وليدهما ـ بالوراثة ـ فيكون الولد المتولّد منهما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤: ٥٦.

(٢) الكافي ١: ٥٤.

(٣) نهج البلاغة: قسم الكتب ( الكتاب ٥٣ ).

(٤) مكارم الأخلاق: ١٠٤.

(٥) سفينة البحار ١: ٥٦٠.

ومن أراد الوقوف على بقيّة الروايات في هذا الباب وتأثير الوراثة على الطفل فليرجع إلى الجزء الرابع عشر من الوسائل من الصفحة ٤٧ إلى الصفحة ٥٧.

٤٢٣

مهيّئاً لنقض القانون، ويسهل ذلك عنده.

ولهذا حثّ الإسلام حثّاً شديداً على اختيار الزوجة الصالحة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دسّاس »(١) .

وقال: « إيّاكم وخضراء الدّمن »

قيل: وما خضراء الدمن ؟

قال: « المرأة الحسناء في منبت سوء »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « طوبى لمن كانت اُمّه عفيفةً »(٣) .

وقال الحسين بن بشّار الواسطي كتبت إلى أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّ لي قرابة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء قال: « لا تزوّجه إن كان سيّء الخلق »(٤) .

وأنت إذا تصفّحت الأحاديث المرويّة في هذا المجال لوجدت أنّ الإسلام اعتبر صلاح الوالدين اللبنة الاُولى في صلاح الولد واستقامته. وقد صار هذا القانون معروفاً بين الناس حتّى عاد شاعرهم يقول :

ينشأ الصغير على ما كان والده

إنّ الاُصول عليها تنبت الشجر

ولابدّ من القول بأنّ ما ذكر حول عامل الوراثة، وأثره في تكوين شخصيّة الطفل ؛ لا يعني أنّ ما يرتسم في شخصيّة الطفل من أبويه ـ بالوراثة ـ لا يتغيّر ولا يخضع للتبدّل والتحوّل بحيث لا يمكن أن تؤثّر فيه عوامل اُخرى تقضي على ما ورثه من كريم السجايا وشريف الأخلاق أو سيّئها، بل يعني أنّ الوراثة، وصلاح الأبوين يعتبر عاملاً مقتضياً لصلاح الطفل وأرضيّة مناسبة لتنشئته نشأة صالحة مستقيمة، ما لم يمنع مانع، ولم يطرأ طارئ، كما حدث لولد نوح وغيره، وكذا العكس.

وهكذا يكون عامل الوراثة وصلاح الوالدين أوّل مدرسة للتربية السليمة ،

__________________

(١) غرر الحكم: ٣٧٩.

(٢) المحجّة البيضاء ٢: ٥٢، بحار الأنوار ٢٢: ٥٤.

(٣) بحار الأنوار ٢٣: ٧٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٤: ٥٤.

٤٢٤

وتكوين الشخصيّة الصالحة. نعم إنّ صلاح الوالدين من حيث الصفات الذاتيّة وحده لا يكفي في نشأة الولد نشأة صالحة، بل يفرض الإسلام على الأبوين أن يتعاهدا ولدهما بالتربية العمليّة، والأدب السليم فقال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشرّه وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه »(١) .

وقال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم »(٢) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « خير ما ورّث الآباء الأبناء الأدب »(٣) .

وحيث أنّ الكتب الأخلاقيّة الإسلاميّة قد تكفّلت بالبحث المفصّل والعميق في وظيفة الوالدين، فقد طوينا الكلام عنها في هذا الباب خاصّة، وفي مجالات التربية عامّة.

وفي الحقيقة يكون ما ذكرناه هنا دراسة عابرة للإشارة إلى وجود منهج التربية في الحكومة الإسلاميّة، والتفصيل موكول إلى الكتب المعدّة لذلك، ويكفي لمعرفة أهميّة التزكية والتهذيب، ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام : « أحبّ إخواني من أهدى إليّ عيوبي »(٤) .

* * *

٢. التعليم(٥)

عندما تتكوّن اُسس الشخصيّة وقواعدها في نفسيّة الطفل ـ بالوراثة ـ يأتي دور المعلّم، الذي يمثّل المدرسة التربويّة الثانية بعد مدرسة الأبوين وعامل الوراثة. فعلى

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣: ١٣٥، ورسالة الحقوق في آخر كتاب مكارم الأخلاق.

(٢) مجموعة ورّام ١: ٦.

(٣) غرر الحكم: ٣٩٣.

(٤) تحف العقول: ٣٦٦.

(٥) سوف يوافيك أنّ الحكومة الإسلاميّة يجب أن تقوم بمسؤوليّة التعليم والتثقيف الصحيح السليم.

٤٢٥

يدي المعلّم الصالح والمربّي الطيّب تنمو السجايا والصفات الحسنة، وتتكامل التربية لدى الطفل ولهذا يكون دور التعليم ـ في مصير الطفل ـ دوراً حسّاساً بالغ الخطورة جداً.

ففي هذه الفترة ـ بالذات ـ تتّخذ الشخصيّة شكلها الكامل تقريباً، ومن هنا حرص الدين الإسلاميّ على أن يكون جوّ التعليم جوّاً سليماً طاهراً وصالحاً للغاية، وذلك لأنّ قلب الطفل أسرع قبولاً لما يلقى فيه، فهو يتقبّل كلّ شيء من معلّمه، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ ولذلك قال الإمام عليّ لولده الحسنعليهما‌السلام : « وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما اُلقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك »(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام لأبي جعفر الأحول حينما بعثه للتبليغ والتعليم: « عليك بالأحداث فإنّهم أسرع إلى كلّ الخير »(٢) .

إنّ هذه الفترة من أخطر الفترات وأكثرها حسّاسية في حياة الطفل ولذلك قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة »(٣) .

ولقد كان للتربية الصالحة والتعليم السليم آثاراً جليلة في التاريخ البشريّ فهاهو عمر بن عبد العزيز سليل الشجرة الملعونة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تتغيّر طباعه وتتحوّل سجاياه إذ يتولاّه معلّم صالح بتربية صالحة فينشأ على خلاف ما نشأ عليه آباؤه وأسلافه ويفعل عكس ما يفعلوه.

قال عمر بن عبد العزيز: ( كنت غلاماً أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود فمرّ بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ونحن نلعن عليّاً، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وزدي، فلمّا رآني قام فصلّى وآطال في الصلاة شبه المعرض عنّي حتّى أحسست منه ذلك فلمّا انفتل من صلاته كلح في وجهي.

فقلت له: ما بال الشيخ ؟

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٣: ٧١.

(٢ و ٣) الكافي ٦: ٩٣، ٤٧.

٤٢٦

فقال لي: يا بنيّ أنت اللاعن عليّاً منذ اليوم ؟!

قلت: نعم.

قال: فمتى علمت أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟

فقلت: يا أبت، وهل كان ( عليّ ) من أهل بدر ؟

فقال: ويحك ! وهل كانت بدر كلّها إلّا له ؟

فقلت: لا أعود.

فقال: الله إنّك لا تعود.

قلت: نعم.

فلم ألعنه بعدها.

ثمّ كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة، وهو حينئذ أمير، فكنت أسمع أبي يمرّ في خطبته تهدر شقاشقه حتّى يأتي إلى لعن عليّعليه‌السلام فيجمجم ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم به، فكنت أعجب من ذلك.

فقلت له يوماً: يا أبت أنت أفصح الناس وأخطبهم فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك حتّى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييّاً ؟

فقال: يا بنيّ أنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتّبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلّمي أيام صغري فأعطيت الله عهداً لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لاُغيرنّه فلمّا منّ الله عليّ بالخلافة أسقطت ذلك، وجعلت مكانه( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) وكتبت إلى الافاق فصار سنّة(١) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤: ٥٨ المتوفّى (٦٥٥).

٤٢٧

٣. البيئة

إنّ للبيئة والمحيط أثراً كبيراً في تربية الشخصيّة البشريّة وتكوينها فالبيئة الصالحة الطاهرة تساعد على النشأة الصالحة، وعلى العكس تكون البيئة الفاسدة.

ويضرب القرآن الكريم لنا مثلاً عن تأثير البيئة في شخصيّة الإنسان وسلوكه، ومن المعلوم أنّ القرآن الكريم إذا ضرب مثلاً على أمر اختار نموذجاً كبيراً ومثلاً بارزاً جدّاً فهو يمثل لمن أثّرت البيئة الفاسدة في سلوكه ومصيره بامرأتي لوط ونوح إذ قال:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) ( التحريم: ١٠ ).

ولذلك حرص الإسلام على طهارة المجتمع وسعى في تطهيره من كلّ فساد وانحراف ؛ فأكّد مثلاً على اختيار الصديق الصالح لما له من الأثر على شخصيّة صديقه وخلقه وسلوكه قال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أراد الله به خيراً رزقه خليلاً صالحاً إن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً: « أسعد النّاس من خالط كرام النّاس »(٢) .

وقد ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيضاً أنّه قال: « المرء على دين خليله وقرينه »(٣) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام : « واحذر صحابة من يفيل رأيه وينكر عمله فإنّ الصّاحب معتبر بصاحبه »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « لا تصحب الشّرّير فإنّ طبعك يسرق من طبعه شرّاً وأنت لا تعلم »(٥) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من يصحب صاحب السّوء لا يسلم »(٦) .

__________________

(١ و ٢) بحار الأنوار ١٥: ٥١.

(٣) وسائل الشيعة ٤: ٢٠٧.

(٤) غرر الحكم: ٧٢٣.

(٥) ابن أبي الحديد ٢٠ الكلمة ١٤٧ص ٢٧٢.

(٦) مستدرك الوسائل ٢: ٦٥.

٤٢٨

وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكلّ قرين بالمقارن مُقتدي

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ولأجل ذلك قرّر الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي من شأنهما تطهير المجتمع كما منع من التجاهر بالمعصية لأنّ ذلك يهوّن الذنب ويزيل قبحه، ويجرّ إلى الانحراف الأخلاقيّ وإلى ذلك أشار الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: « إنّ المعصية إذا عمل بها العبدُ سرّاً لم يضرّ إلّا عاملها فإذا عمل بها علانيةً ولم يغيّر عليه أضرّت بالعامّة »(١) .

ثمّ انّ الإسلام لم يكتف بتوجيه العناية إلى الاُمور الثلاثة المذكورة، وتقوية ما فطر عليه الإنسان، بل جعل له روادع وزواجر اُخرى فأكّد دور :

١. العقل.

٢. الأنبياء وأوصيائهم.

واعتبرهما حجّتين ملزمتين، قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « إنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة وأمّا الباطنة فالعقول »(٢) .

وأمّا العقل فقد حثّ الإسلام على إحيائه والاهتمام بنداءاته والأخذ بإرشاداته لأنّه قادر على تمييز الخير عن الشرّ إذ قال الإمام عليّعليه‌السلام : « كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل غيّك من رُشدك »(٣) .

ومنع من كلّ ما يميت العقل ويقضي على نوره، ويعطل أثره فمنع عن شرب الخمر وتعاطيه مثلاً إذ قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٤٠٧.

(٢) الكافي ١: ١١.

(٣) نهج البلاغة: قسم الحكم ( الرقم ٤٢١ ).

٤٢٩

رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( المائدة: ٩٠ ).

وأمّا الأنبياء: فقد جهزهم سبحانه بكلّ ما يمكّنهم من تربية الناس تربية صالحة من برامج وتعاليم في هذا المجال.

والجدير بالذكر أنّ الإسلام اتّخذ طريقين حيويين ليجعل تعاليمه أكثر نفوذاً في النفوس وأكثر توفيقاً ونجاحاً في مجال التربية والتزكية وهما :

أوّلاً: إنّه بيّن للناس فلسفة الأحكام والتعاليم وعللها النفسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والصحّية ولم يكتف بتقديم النصائح الجافّة، وذلك ليقف الناس بأنفسهم على المفاسد التي تكمن في المناهي وأضرار المعاصي وإلى هذا يشير ما قاله الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : « إن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم، قيل: لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلّا بالأمر والنّهي والمنع من الفساد والتغاصب »(١) .

وكنموذج من هذه العلل نذكر ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام : « حرّم الله الخمر لفعلها وفسادها لأنّ مدمن الخمر تورّثه الإرتعاش وتذهب بنوره، وتهدم مروّته وتحمله أن يجسر على ارتكاب المحارم وسفك الدّماء، وركوب الزّنا ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك ولا يزيد شاربها إلّا كلّ شرّ »(٢) .

ولذلك علّل القرآن الكريم تحريمه للخمر والميسر بقوله سبحانه:( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ( المائدة: ٩١ ).

وقد ألّف علماء الإماميّةرحمهم‌الله كتباً متعدّدة نظّموا فيها ما روي عن النبّي وأئمّة أهل البيت ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ حول فلسفة الأحكام وعللها ونخصّ بالذكر كتاب

__________________

(١) عيون أخبار الرضا: ١٠١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧: كتاب الأطعمة والأشربة: ٢٤٤.

٤٣٠

( علل الشرائع ) تأليف الشيخ الصدوق المتوفّى ( ٣٨١ ه‍ )رحمه‌الله .

ثانياً: إنّه أردف أوامره ونواهيه بالتبشير بالثواب الإلهيّ أو الإنذار والتخويف من العذاب. وبذلك حقّق الإسلام ويحقّق نجاحاً كبيراً في مجال التربية يفقده أي برامج آخر سواه، ويدلّ عليه أخلاق المسلمين وسلوكهم حاضراً وماضياً خاصّة، وهي كانت سبب تقدمهم في السابق، كما يدلّ عليه اعتراف الأجانب والأباعد قبل الأصدقاء والأقارب، فقد قال بعض الباحثين عن التربية في الإسلام :

( لا يستطيع أحد من المربّين والمؤرّخين أن ينكر أنّ التربية الإسلاميّة هي الأساس المتين لحضارة المسلمين، والمثل العليا في تلك التربية تتّفق مع الاتّجاهات الحديثة في عالم التربية اليوم )(١) .

ومن هنا يتحتّم على الحكومة الإسلاميّة أن تخطّط لمنهج التربية، وتوفّر أجواءها الصالحة وتخصّص الميزانيّات اللازمة لها، وتستخدم في هذا السبيل كلّ الأجهزة المناسبة من وسائل الإعلام والتوجيه والثقافة وعمارة المراكز الدينيّة والعباديّة وما شابه. ومن المعلوم أنّ هذه الوظيفة تندرج في نطاق مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقسمه الاجتماعيّ العامّ الذي سبق أن قلنا انّه من واجب الدولة ووظيفتها ومسؤوليّتها وصلاحيّاتها.

هذا وقد قام علماء الإسلام بتأليف كتب كثيرة في علم الأخلاق. ولهذا نجد الاُمّة الإسلاميّة في غنى عن كلّ كتاب أخلاقيّ مؤلّف على أساس الفكر الغربيّ.

ومن أراد التوسع في هذا الباب فليراجع كتاب « طهارة النفس » أو « تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق » تأليف الإمام أبي عليّ بن محمّد ابن مسكويه المتوفّى عام ( ٤٢١ ه‍ ). وقد أثنى عليه المحقّق الخواجا نصير الدين الطوسيّ بقوله :

بنفسي كتاباً حاز كلّ فضيلة

وصار لتكميل البريّة ضامناً

__________________

(١) النظام التربويّ في الإسلام: ١٨.

٤٣١

و « أحياء العلوم » للإمام الغزاليّ المتوفّى عام ( ٥٠٥ ه‍ ) وهوكتاب فريد في بابه لم يؤلّف مثله وإن كان فيه بعض الهنات و « جامع السعادات » للعلاّمة النراقيّ المتوفّى عام ( ١٢٠٩ ه‍ ) إلى غير ذلك من المؤلّفات الأخلاقيّة.

وفي الختام نشير إلى نكتة هامّة وهي أنّه يتحتّم على علماء الأخلاق المسلمين إخراج الأخلاق الإسلاميّة في ثوب عصريّ حديث يتمشّى مع الحاجات والمشكلات العصريّة الراهنة في الشباب وغيرهم.

كما يتحتّم عليهم أن يستفيدوا في تهذيب اجتماع المجتمع من جميع الوسائل والأساليب التربويّة والعلوم الحديثة.

مسؤوليّة التعليم

تحتلّ مسألة التعليم بعد التربية مكانة مرموقة وحسّاسة في برامج ومسؤوليّات الحكومة الإسلاميّة، لا تقل أهمّية عن المسائل الاُخرى.

وبما أنّ البحث في هذا المجال واسع النطاق مترامي الأطراف، لا يسع لنا التعمّق فيه، في هذه العجالة من الوقت، لهذا نكتفي هنا بالإشارة والتلميح إلى بعض الخطوط في هذا المجال، تاركين تفاصيلها للكتب المفصّلة المخصّصة لبيان هذا الجانب المهمّ من جوانب الإسلام الحنيف.

لقد دعا ( الإسلام ) الاُمّة الإسلاميّة دعوة أكيدة وشديدة إلى تحصيل العلم واكتسابه بكلّ وسيلة ممكنة، ومهما كلّف ذلك من الثمن، وتطلّب من الجهد، قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : « لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللّجج »(١) .

وينطلق هذا الموقف من اهتمام الإسلام بالعلم والمعرفة، فللعلم والمعرفة مكانة عظيمة في هذا الدين تتجلّى في خلال ما جاء حولها من الآيات والنصوص الحديثيّة، وما

__________________

(١) بحار الأنوار ١: ١٨٥.

٤٣٢

جاء حول أهل العلم ورجاله وطلاّبه من التجليل والتبجيل والاحترام والتكريم.

فقد قال سبحانه في كتابه الكريم:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ) ( الزمر: ٩ ).

وقال أيضاً:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) ( المجادلة: ١١ ).

ويكفي للتدليل على شدّة اهتمام الإسلام بالعلم والعلماء أنّه وردت مادّة ( العلم ) في الكتاب العزيز ما يقارب (٧٧٩) مرّة(١) .

وأيّ أمر أدل على هذا الاهتمام والعناية من افتتاح الله سبحانه وحيه لنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر العلم والقلم، فلقد ابتدأت الآيات التي نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مطلع البعثة الشريفة بالأمر بالقراءة، وتحدثت عن القلم، وتعليم الإنسان ما لم يعلم، إشارة إلى أعظم موهبة إلهيّة بعد نعمة الخلق والإيجاد، إذ قال تعالى:( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( سورة العلق: ١ ـ ٥ ).

فهذه الآيات التي نزلت في بدء الدعوة وشروع الرسالة المحمديّة كانت بمثابة الخطب الافتتاحيّة التي يفتتح بها الرؤساء والقادة عهود حكمهم ورئاستهم ويبيّنون فيها منهج سياستهم وأهمّ الخطوط في برنامجهم للمستقبل، فكما أنّ هذه الخطب بحكم كونها ترسم السياسة المستقبليّة لذلك الرئيس ـ تأتي مدروسة الألفاظ، دقيقة المعاني، محسوبة العبارات وتكون مهمّة غاية الأهمّية لأنّها تعكس أهمّ أغراض الحاكم وأبرز اهتماماته، يكون افتتاح الوحي الإلهيّ بذكر العلم والقراءة والقلم وهو كناية عن الكتابة دليلا ـ وأيّ دليل ـ على العناية القصوى التي يحضى بها ( العلم ) في النظام الإسلاميّ.

وأيضاً يكفي للتدليل على هذه العناية الإسلاميّة القصوى بالعلم أنّ الله تعالى أقسم ـ في كتابه الكريم ـ بالقلم بقوله سبحانه:( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) ( القلم: ١ ).

__________________

(١) راجع لذلك: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم مادّة ( علم ).

٤٣٣

وهو أمر ذو دلالة قويّة جداً وخاصّة في ذلك العصر الذي كان الاهتمام فيه بالعلم منعدماً أو كاد أن يكون كذلك(١) .

على أنّ ما جاء في الأحاديث والأخبار من النصوص المتضمّنة لبيان مكانة العلم والعلماء يضاهي ما جاء في القرآن

وأنت ـ أيّها القارئ الكريم ـ لو راجعت الموسوعات الحديثيّة، ترى من كثب كيف اهتمّت الأخبار والروايات بهذا الأمر اهتماماً بالغاً لا تجد له نظيراً بالنسبة إلى سائر الموضوعات ؛ ممّا يعني أنّ ( العلم ) انفرد بهذا المقام في الأحاديث واختصّ به دون غيره وإليك فيما يلي طائفة من هذه الأحاديث :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فضلُ العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة »(٢) .

وقال أيضاً: « العلمُ رأس الخير كُلّه »(٣) .

وقال: « قليل من العلم خير من كثير من العبادة »(٤) .

ويروى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل ذات يوم إلى المسجد فإذا في المسجد مجلسان: مجلس يتفقّهون، ومجلس يدعون الله ويسألونه فقال :

« كلا المجلسين إلى خير، أمّا هؤلاء فيدعون الله، وأمّا هؤلاء فيتعلّمون ويفقّهون الجاهل. هؤلاء أفضل، بالتّعليم أرسلت »، ثمّ قعد معهم(٥) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « العلم أصل كلّ خير »(٦) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « العلم وراثة كريمة »(٧) .

وقالعليه‌السلام أيضاً: « قيمة كلّ أمرئ ما يحسنه »(٨) .

__________________

(١) روى البلاذري في فتوح البلدان: ٤٥٩، إنّ عدد من كان يحسن الكتابة في الأوس والخزرج كان قليلاً ولا يتجاوز (١١) شخصاً كما كان عدد من يحسن الكتابة في مكّة قليلاً أيضاً بحيث لا يتجاوز سبعة عشر كما في الصفحة ٤٥٧ من نفس الكتاب.

(٢) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٣) بحار الأنوار.

(٤) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٥) منية المريد: ١٣.

(٦) غرر الحكم: ٢٠.

(٧) بحار الأنوار ١: ١٦٧، ١٨٥، ١٦٩.

(٨) نهج البلاغة: قصار الكلمات ( الكلمة رقم ٨١ ).

٤٣٤

وقالعليه‌السلام أيضاً: « العلم ضالّة المؤمن »(١) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « العلم أصل كلّ حال سنيّ ومنتهى كلّ منزلة رفيعة »(٢) .

وقال الإمام الباقر محمّد بن عليّعليه‌السلام : « الرّوح عماد الدّين، والعلم عماد الرّوح، والبيان عماد العلم »(٣) .

إلى غير ذلك من مئات الأحاديث والأخبار الدالّة على أهمّية العلم ومكانته العليا وموضعه الأرفع في الدين الإسلاميّ.

ومن هنا أكّد الإسلام على المسلمين أن يكتسبوا العلم ويحصلوا على المعرفة فقد روي عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم »(٥) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : « الشّاخص في طلب العلم كالمجاهد في سبيل الله »(٦) .

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : « طلب العلم فريضة على كلّ حال »(٧) .

وقال: « لست اُحبّ أن أرى الشّابّ منكم إلّا غادياً في حالين: إمّا عالماً أو متعلّماً فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النّار والّذي بعث محمّداً بالحقّ »(٨) .

__________________

(١ و ٣) بحار الأنوار ١: ١٦٩، ١٨١.

(٢) ـ بحار الأنوار ٢: ٣١ ـ ٣٢.

(٤) البحار ١: ١٧٧، وربّما ورد في بعض الأحاديث ذكر المسلم دون المسلمة والمراد به هو الجنس المسلم الشامل للذكر والاُنثى مثل( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) .

(٥) الكافي ١: ٣٠.

(٦) روضة الواعظين: ١٠.

(٧) بصائر الدرجات: ٣.

(٨) بحار الأنوار ١: ١٧٠، الحديث ٢٢.

٤٣٥

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة جدّاً.

وفي الوقت نفسه أوصى العلماء وأهل العلم أن يعلّموا الناس وينشروا الثقافة والعلم والمعرفة بينهم فقد روي عن الإمام عليّعليه‌السلام أنّه قال: « إنّ الله لم يأخذ على الجّهال عهداً بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال لأنّ العلم كان قبل الجهل »(١) .

وعن الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام أنّه قال: « زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله »(٢) .

ولقد روي أنّ الإمام عليّ لـمّا كان يفرغ من الجهاد يتفرّغ لتعليم الناس(٣) .

ولقد اعتبر الإسلام تعليم الأولاد وتثقيفهم حقّاً واجباً من حقوق الأبناء على آبائهم فعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من حقّ الولد على والده ثلاثة

يحسن اسمه

ويعلّمه الكتابة

ويزوّجه إذا بلغ »(٤) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّه قال: « الغلام يلعب سبع سنين ويتعلّم الكتابة سبع سنين ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين »(٥) .

وقد كشف الإمام عليّعليه‌السلام عن أنّ سنّ الطفولة هو أفضل فرصة لتلقّي العلم وأخذ المعرفة فقال: « وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القي فيها من شيء قبلته »(٦) .

ولذلك قالعليه‌السلام : « علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجّئة برأيها »(٧) .

__________________

(١ و ٢) الكافي ١: ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٢: ٤١٧.

(٤) مكارم الأخلاق: ١١٤.

(٥) وسائل الشيعة ٧: ١٩٤.

(٦) نهج البلاغة: الخطبة ٣١.

(٧) بحار الأنوار ٢: ١٦.

٤٣٦

فلا بدّ إذن من استغلال هذه الظاهرة واغتنام الفرصة وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتّسم بالتوازن وحسن السلوك وحبّ الفضيلة والمعرفة.

ولقد فتح الإسلام باب تحصيل العلوم في وجه الجميع نساء ورجالاً من دون أي قيد أو شرط، إلّا شرطاً واحداً هو أن يتمّ هذا التحصيل في جوّ سليم عار من أي فساد أخلاقيّ أو انحراف معنويّ.

وتحقيقاً لهذا الأمر السامي وهو تعميم الثقافة والعلم حظر على المعلّمين أن يأخذوا الاُجرة ـ على تعليمهم بعض العلوم.

هذا بعد أن رفع مكانة المعلّم، وكشف عن جليل مقامه، واعتبر حقّه من أعظم الحقوق.

قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : « وأمّا حقّ سائسك بالعلم فالتّعظيم له، والتّوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرّغ له عقلك وتحضره فهمك، وتزكّي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللّذات، ونقص الشّهوات وأن تعلم أنّك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجّهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه إذا تقلّدتها »(١) .

وروي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّعليه‌السلام أنّه قال: « إنّ رجلاً جاء إلى عليّ بن الحسين برجل يزعم أنّه قاتل أبيه فاعترف فأوجب عليه القصاص، وسأله أن يعفو عنه ليعظّم الله ثوابه فكأنّه لم تطب نفسه بذلك، فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للمدّعي للدّم الوليّ المستحقّ للقصاص :

إن كنت تذكر لهذا الرّجل عليك فضلاً فهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذّنب ».

قال: أُريد القود [ أي القصاص ] فإن أراد لحقه على أن اُصالحه على الدية

__________________

(١) تحف العقول ـ رسالة الحقوق ص ٢٦٠.

٤٣٧

صالحته وعفوت عنه فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فماذا حقّه عليك ».

قال: يا ابن رسول الله لقّنني توحيد الله ونبوّة محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمامة عليّ والأئمّة:

فقال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فهذا لا يفي بدم أبيك ؟

بلى والله يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأوّلين والآخرين سوى الأنبياء والأئمّة إن قتلوا، فإنّه لا يفي بدمائهم شيء إن يقنع منه الدية ».

قال: بلى.

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام للقاتل: « افتجعل لي ثواب تلقينك له حتّى أبذل لك الدية فتنجو من القتل » ؟.

قال: يا ابن رسول الله أنا محتاج إليها وأنت مستغن عنها فإنّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليّه هذا.

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : « فتستسلم للقتل أحبّ إليك من نزولك عن هذا التّلقين » ؟.

قال: بلى يا ابن رسول الله.

فقال عليّ بن الحسين لوليّ المقتول: « يا عبد الله قابل بين ذنب هذا إليك وبين تطوّله عليك، قتل أباك، حرمه لذّة الدنيا وحرمك التّمتع به فيها على أنّك إن صبرت وسلمت فرفيقك أبوك في الجنان، ولقّنك الإيمان فأوجب لك به جنّة الله الدائمة وأنقذك من عذابه الأليم، فإحسانه إليك أضعاف جنايته عليك، فإمّا أن تعفو عنه جزاءً على إحسانه إليك، لأُحدّثكما بحديث من فضل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير لك من الدّنيا بما فيها، وإمّا أن تأبى أن تعفو عنه حتّى أبذل لك الدية لتصالحه عليها ثمّ أخبرته بالحديث دونك فلمّا يفوتك من ذلك الحديث خير من الدّنيا بما فيها لو اعتبرت به ».

فقال الفتى: يا ابن رسول الله قد عفوت عنه بلا دية ولا شيء إلّا ابتغاء وجه الله

٤٣٨

ولمسألتك في أمره فحدّثنا يا ابن رسول الله بالحديث الخ »(١) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ معلّم الخيرات يستغفر له دوابّ الأرض وحيتان البحر وكلّ ذي روح في الهواء وجميع أهل السّماء والأرض »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « من علّم خيراً فله بمثل أجر من عمل به ».

قلت: فإن علّمه غيره أيجري ذلك ؟

قالعليه‌السلام : « إن علّمه النّاس كلّهم جرى له ».

قلت: فإن مات ؟ قال: « وإن مات »(٣) .

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما تصدّق النّاس بصدقة مثل علم ينشر ».

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من علّم مسلماً مسألةً فقد ملك رقبته » فقيل يا رسول الله: أيبيعه ؟ قال: « لا، ولكن يأمره وينهاه »(٤) .

ثمّ إنّ التاريخ الإسلاميّ مليء بالنساء العالمات اللواتي حظين بالمقام العلميّ السامي بفضل ما أتاح لهنّ الإسلام من فرصة التعليم واكتساب المعرفة، وحتّى كان منهنّ المحدثات والراويات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أهل بيته المطهّرينعليهم‌السلام .

فها هو ابن الأثير يذكر في كتابه طائفة منهنّ روين أحاديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منهنّ :

أسماء بنت يزيد السكن الأنصاريّة ابنة عمّ معاذ بن جبل.

وأسماء بنت يزيد الأنصاريّة من بني عبد الأشهل التي روت رواية شريفة جداً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن سألته عمّا يلحق بالنساء من الأجر والمثوبة من خدمة أزواجهنّ واستحسن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله سؤالها ومنطقها وأدبها.

واُميمة مولاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واُميمة بنت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف.

وجويريّة بنت الحارث الخزاعيّة المصطلقيّة.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) بحار الأنوار ٢: ١٢ ـ ١٣، ١٧، ١٦، ٤٢.

٤٣٩

وحواء بنت زيد السكن الأنصاريّة الأشهليّة.

وخولة بنت عبد الله الأنصاريّة.

وزينب بنت جحش الأسديّة.

وزينب بنت خباب بن الأرت ( ذكرها البخاريّ في من روى عن النبيّ ).

واُمّ صابر بنت نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

وهذه نماذج من الصحابيّات والراويات التي تزخر بأسماءهنّ كتب أسماء الصحابة والرواة.

كما عقد العلاّمة المامقانيّ في كتابه الرجاليّ فصلاً خاصّاً وموسّعاً في ذكر النساء اللواتي لهنّ رواية عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ويعتبرن من حملة الحديث فعدّ منهنّ نساء بارزات في مجالات العلم والثقافة وذات شخصيّات ومواقف نبيلة، ومن أراد الوقوف على كامل أسمائهنّ فليراجع الجزء الثالث / الصفحة ٦٩ ـ ٨٣ من هذا الكتاب.

وها نحن نذكر هنا بعضاً منهنّ على سبيل المثال لا الحصر :

اُمّ أيمن التي شهدت مع الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء بنت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في قضيّة فدك.

وأسماء بنت أبي بكر التي سمّاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بذات النطاقين إشارة لموقفها في حصار الشعب.

واُمّ حزام التي كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يكرمها ويزورها في بيتها، ويقيل عندها، وأخبرها بأنّها شهيدة.

واُمّ سلمة التي كانت تغزو مع رسول الله وروت عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث، وروى عنها ابنها انس.

واُمّ سلمة التي كانت من المهاجرات إلى الحبشة.

واُمّ كلثوم التي كانت جليلة القدر فصيحة بليغة.

وثويبة مولاة أبي لهب، وقد وقعت ضمن أسانيد الصدوق في كتاب من لا يحضره

٤٤٠