مفاهيم القرآن الجزء ٤

مفاهيم القرآن14%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-221-8
الصفحات: 407

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106133 / تحميل: 7214
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢١-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

٣٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين ربيعة ومضر »(١) .

٣٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الرجل من أُمّتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنّة، وإنّ الرجل ليشفع للقبيلة، وإنّ الرجل ليشفع للعصبة، وإنّ الرجل ليشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل »(٢) .

٣٥. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يصف الناس ( أهل الجنة ) صفوفاً، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول يا فلان أما تذكر يوم استقيت فسقيتك شربة ؟ قال: فيشفع له، ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً، فيشفع له »(٣) .

٣٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: « لا يصبر على لاوائها ( أي المدينة ) وشدّتها إلّا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة »(٤) .

٣٧. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لخادمه: « ما حاجتك ؟ » قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، قال: « ومن دلّك على هذا » ؟ قال: ربي، قال: « أما فأعنّي بكثرة السجود »(٥) .

٣٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمد وقال: أللّهمّ انزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي »(٦) .

٣٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء: « أللّهمّ رب هذه

__________________

(١) مسند أحمد: ٥ / ٢٥٧.

(٢) مسند أحمد: ٣ / ٢٠ و ٦٣، وسن الترمذي: ٤ / ٤٦.

(٣) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٢١٥.

(٤) موطأ مالك: ٢ / ٢٠١، ومسند أحمد: ٢ / ١١٩ و ١٣٣ ومواضع أُخر من هذا الكتاب.

(٥) مسند أحمد: ٣ / ٥٠٠، وبهذا المضمون ما في ٤ / ٥٩.

(٦) مسند أحمد: ٤ / ١٠٨.

٣٢١

الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته » حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(١) .

٤٠. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. ثم صلّوا عليّ فانّه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله عزّ وجلّ لي الوسيلة، فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة »(٢) .

٤١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي »(٣) .

٤٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة »(٤) .

٤٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« تعلّموا القرآن فإنّه شافع لأصحابه يوم القيامة »(٥) .

٤٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ سورة من القرآن ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي ( تبارك الذي بيده الملك ) »(٦) .

__________________

(١) صحيح البخاري: ١ / ١٥٩، وبهذا المضمون ما في مسند أحمد: ٣ / ٣٥٤، وسنن ابن ماجة: ١ / ٢٣٩، وسنن الترمذي: ١ / ١٣٦، وسنن النسائي: ٢ / ٢٢، وسنن أبي داود: ١ / ١٢٦.

(٢) سنن أبي داود: ١ / ١٢٤، وصحيح مسلم: ٢ / ٤، وسنن الترمذي: ٥ / ٢٤٦ و ٢٤٧، وسنن النسائي: ٢ / ٢٢، ومسند أحمد: ٢ / ١٦٨.

(٣) مسند أحمد: ١ / ٧٢. ولا يتوهم أنّ هذا الحديث تكريس للقومية المبغوضة في الإسلام، لأنّ من المعلوم أنّ المراد العرب المسلمين فيكون بمنزلة « من غش مسلماً فليس بمسلم » لأنّ المسلم يوم ذاك كان منحصراً في العرب.

(٤) مسند أحمد: ٦ / ٤٤٨، وصحيح مسلم: ٨ / ٢٤.

(٥) مسند أحمد: ٥ / ٢٥١، وباختصار يسير في: ٥ / ٢٤٩.

(٦) مسند أحمد: ٢ / ١٩٩ و ٣٢١، وسنن الترمذي: ٤ / ٢٣٨.

٣٢٢

٤٥. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفّعان »(١) .

٤٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أقربكم مني غداً وأوجبكم عليَّ شفاعة: أصدقكم لساناً، وأدّاكم لأمانتكم، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس »(٢) .

٤٧. روى أنس بن مالك عن أبيه قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يشفع لي يوم القيامة فقال « أنا فاعل » قال: قلت: يا رسول الله: فأين أطلبك ؟ قال: « اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط »، قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط، قال: « فاطلبني عند الميزان ». قلت: فإن لم ألقك عند الميزان، قال: « فاطلبني عند الحوض فإنّي لا أُخطئ هذه الثلاث المواطن »(٣) .

٤٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: « أنا سيد الناس يوم القيامة ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفّع، فارفع رأسي فأقول: يا ربي أُمّتي يا ربي أُمّتي يا ربي أُمّتي، فيقول: يا محمد ادخل من أُمّتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة »(٤) .

٤٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعاً »(٥) .

__________________

(١) مسند أحمد: ٢ / ١٧٤.

(٢) تيسير المطالب في أمالي الإمام علي بن أبي طالب تأليف السيد يحيى بن الحسين من أحفاد الإمام زيد ( المتوفّى عام ٤٢٤ ه‍ ): ٤٤٢ ـ ٤٤٣.

(٣) سنن الترمذي: ٤ / ٦٢١، الحديث ٢٤٣٣، الباب ٩ من كتاب صفة القيامة.

(٤) سنن الترمذي: ٤ / ٦٢٢، الحديث ٢٤٣٤، الباب ١٠ من كتاب صفة القيامة.

(٥) صحيح مسلم: ١ / ١٣٠.

٣٢٣

٥٠. أخرج ابن مردويه عن طلق بن حبيب قال: كنت أشد الناس تكذيباً بالشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار، فقال: يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنّة رسول الله منّي ؟ إنّ الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذبوا ثم أُخرجوا منها، ثم أهوى بيديه إلى أُذنيه فقال: صمّتا إن لم أكن سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « يخرجون من النار بعد ما دخلوا »، ونحن نقرأ كما قرأت.

وعن ابن أبي حاتم عن يزيد الفقير قال: جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدّث، فحدّث انّ ناساً يخرجون من النار، قال: وأنا يومئذ أنكر ذلك فغضبت وقلت: ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد تزعمون انّ الله يخرج ناساً من النار والله يقول:( يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا ) (١) فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم، فقال: دعوا الرجل إنّما ذلك للكفار، فقرأ:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ القِيَامَةِ ) (٢) حتى بلغ( وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ) (٣) أما تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى قد جمعته، قال: أليس الله يقول:( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) (٤) فهو ذلك المقام، فإنّ الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في النار ما شاء لا يكلّمهم، فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم قال: فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به »(٥) .

هذه خمسون حديثاً رواها أهل السنّة عن النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو أضفنا إليها الصور المختلفة لكل حديث لتجاوز عدد الأحاديث المائة حديث، ولكن

__________________

(١) المائدة: ٣٧.

(٢) المائدة: ٣٦.

(٣) المائدة: ٣٧.

(٤) الإسراء: ٧٩.

(٥) تفسير ابن كثير: ٢ / ٥٤، كما في حياة الصحابة للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي: ٣ / ٤٧١ ـ ٤٧٢.

٣٢٤

اكتفينا بهذا المقدار وأشرنا إلى المواضع التي نقلت فيها صورها المختلفة والناظر فيها يذعن بأنّ الاعتقاد بالشفاعة كان أمراً مسلماً بين جماهير المسلمين كما يذعن بأنّها لم تكن عندهم مطلقة عن كل قيد، بل لها شرائط خصوصاً في جانب المشفوع له، وانّ هناك شفعاء، وسنشير في خاتمة المطاف إلى فذلكة الروايات وعضادتها في المواضع المختلفة.

هلم معي نقرأ ما روته الإمامية في هذا الباب من الأحاديث الكثيرة عن النبي الأكرم والأئمّة المعصومين، ولأجل الحفاظ على سهولة الإرجاع إليها نحافظ على التسلسل المذكور في الأحاديث السابقة.

أحاديث الشفاعة عند الشيعة الإمامية

٥١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي لأشفع يوم القيامة وأُشفّع، ويشفع عليٌّ فيشفّع، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون »(١) .

٥٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُعطيت خمساً أُعطيت الشفاعة »(٢) .

٥٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله أعطاني مسألة فادّخرت مسألتي لشفاعة المؤمنين من أُمّتي يوم القيامة ففعل ذلك »(٣) .

٥٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ من أُمّتي من سيدخل الله الجنة بشفاعته أكثر من مضر »(٤) .

٥٥. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي »(٥) .

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب: ٢ / ١٥، وبهذا المضمون في مجمع البيان: ١ / ١٠٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ١ / ١٥٥.

(٣) أمالي الشيخ الطوسي: ٣٦.

(٤) مجمع البيان: ١٠ / ٣٩٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣٧٦.

٣٢٥

٥٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيت نبيكم »(١) .

٥٧. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا، فشفّعني فيه، فيقول: اذهب فأخرجه من النار فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها »(٢) .

٥٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي »(٣) .

٥٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه »(٤) .

٦٠. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام، وزكّت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت علياً بعدي، دخلت الجنة بشفاعة بنتي فاطمة »(٥) .

أحاديث الشفاعة عن الإمام عليعليه‌السلام

٦١. قال عليٌّعليه‌السلام : « لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة »(٦) .

٦٢. قال عليٌّعليه‌السلام : « ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء »(٧) .

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب: ٢ / ١٤.

(٢) مجمع البيان: ١٠ / ٣٩٢.

(٣) مجمع البيان: ١ / ١٠٤. ويقول الطبرسي: إنّ هذا الحديث مما قبلته الأمّة الإسلامية.

(٤) مجمع البيان: ١ / ١٠٤.

(٥) أمالي الصدوق: ٢٩١.

(٦) خصال الصدوق: ٦٢٤.

(٧) خصال الصدوق: ١٥٦.

٣٢٦

٦٣. قال عليٌّعليه‌السلام لولده محمد بن الحنفية: « إقبل من متنصل عذره، فتنالك الشفاعة »(١) .

٦٤. قال عليٌّعليه‌السلام : « اعلموا أنّ القرآن شافع ومشفع وقائل ومصدق، وانّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه »(٢) .

٦٥. قال عليٌّعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أُمّتي فيشفّعني الله فيهم، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذريتي »(٣) .

٦٦. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إنّ للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا فلم أزل واقفاً على الصراط أدعو وأقول: رب سلّم شيعتي ومحبي وأنصاري ومن تولاّني في دار الدنيا، فإذا النداء من بطنان العرش قد أُجيبت دعوتك وشفّعت في شيعتك، ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاّني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا اله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت »(٤) .

٦٧. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « سمعت النبي يقول: إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد: يا رسول الله إنّ الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك، فكافهم بما شئت، فأقول :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ٤ / ٢٧٩.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧١.

(٣) أمالي الصدوق: ١٧٧.

(٤) بحار الأنوار: ٨ / ٣٩ نقلاً عن أمالي الصدوق: ٣٩.

٣٢٧

يا رب الجنة فأُبوّؤهم منها حيث شئت، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به »(١) .

٦٨. عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال: « قالت فاطمةعليها‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم ويوم الأهوال ويوم الفزع الأكبر ؟ قال: يا فاطمة عند باب الجنة ومعي لواء الحمد وأنا الشفيع لأمّتي إلى ربي. قالت: يا أبتاه فإن لم ألقك هناك، قال: القيني على الحوض وأنا أسقي أُمّتي، قالت: يا أبتاه إن لم ألقك هناك، قال: القيني على الصراط وأنا قائم أقول رب سلم أُمّتي، قالت: فإن لم ألقك هناك، قال: القيني وأنا عند الميزان، أقول: ربي سلم أُمّتي، قالت: فإن لم ألقك هناك قال: القيني على شفير جهنم أمنع شررها ولهبها عن أُمّتي فاستبشرت فاطمة بذلك، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها »(٢) .

أحاديث الشفاعة عن سائر أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام

٦٩. قال الحسنعليه‌السلام : « إنّ النبي قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل، وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم »(٣) .

٧٠. عن الحسينعليه‌السلام وهو ينقل كلام جده معه في منامه قائلاً: « حبيبي يا حسين كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك مذبوحاً بأرض كربلا على أيدي عصابة من أُمّتي وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة »(٤) .

__________________

(١) بحار الأنوار: ٨ / ٣٩ ـ ٤٠، نقلاً عن أمالي الصدوق: ١٨٧.

(٢) بحار الأنوار: ٨ / ٣٥، نقلاً عن أمالي الصدوق: ١٦٦.

(٣) خصال الصدوق: ٣٥٥.

(٤) مكاتيب الأئمّة: ٢ / ٤١.

٣٢٨

٧١. قال علي بن الحسينعليه‌السلام في الدعاء الثاني من صحيفته: « عرّفه في أهله الطاهرين، وأُمّته المؤمنين من حسن الشفاعة، أجل ما وعدته »(١) .

٧٢. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : « أللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد وشرّف بنيانه وعظّم برهانه، وثقّل ميزانه، وتقبل شفاعته »(٢) .

٧٣. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : « فإنّي لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدّمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته إلّا شفاعة محمد وأهل بيته عليه وعليهم سلامك »(٣) .

٧٤. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : « إلهي ليس لي وسيلة إليك إلّا عواطف رأفتك ولا ذريعة إليك إلّا عوارف رحمتك، وشفاعة نبيك نبي الأمّة »(٤) .

٧٥. قال علي بن الحسينعليه‌السلام : « صل على محمد وآله واجعل توسّلي به شافعاً يوم القيامة نافعاً إنّك أنت أرحم الراحمين »(٥) .

٧٦. قال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : « إنّ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شفاعة في أُمّته »(٦) .

٧٧. قال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : « من تبع جنازة مسلم أُعطي يوم القيامة أربع شفاعات »(٧) .

٧٨. قال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : « يشفع الرجل في القبيلة، ويشفع

__________________

(١) الصحيفة السجادية: الدعاء الثاني.

(٢) الصحيفة السجادية: الدعاء الثاني والأربعون.

(٣) الصحيفة السجادية: الدعاء الثامن والأربعون.

(٤) ملحقات الصحيفة: ٢٥٠.

(٥) ملحقات الصحيفة: ٢٢٩.

(٦) المحاسن للبرقي: ١٨٤.

(٧) التهذيب: ١ / ٤٥٥.

٣٢٩

الرجل لأهل البيت، ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله، فذلك المقام المحمود »(١) .

٧٩. قال محمد بن علي الباقرعليه‌السلام : « إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً، فعند ذلك يقول أهل النار فمالنا من شافعين، ولا صديق حميم »(٢) .

٨٠. سئل محمد بن علي الباقرعليه‌السلام عن أرجى آية في كتاب الله فقال الإمامعليه‌السلام للسائل ( بشر بن شريح البصري ): « ما يقول فيها قومك ؟ » قال: قلت يقولون:( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللهِ ) قال: لكنّا أهل البيت لا نقول بذلك قال السائل: قلت: فأيّ شيء تقولون فيها ؟ قال: نقول: «( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) الشفاعة، والله الشفاعة، والله الشفاعة »(٣) .

٨١. دخل مولى لامرأة علي بن الحسينعليه‌السلام على أبي جعفر ( الباقر )عليه‌السلام يقال له أبو أيمن فقال: يغرون الناس فيقولون شفاعة محمد، قال: فغضب أبو جعفر حتى تربد وجهه، ثم قال: « ويحك يا أبا أيمن أغرّك أن عف بطنك وفرجك، أما والله لو قد رأيت أفزاع يوم القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد، ويلك وهل يشفع إلّا لمن قد وجبت له النار »(٤) .

٨٢. عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « لفاطمة وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر ،

__________________

(١) مناقب محمد بن شهر آشوب: ٢ / ١٤.

(٢) الكافي: ٨ / ١٠١، وبهذا المضمون في تفسير فرات الكوفي: ١٠٨.

(٣) تفسير فرات الكوفي: ١٨.

(٤) المحاسن للبرقي: ١ / ١٨٣.

٣٣٠

فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عزّ وجل: صدقت يا فاطمة أنّي سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاّك وأحب ذريتك وتولاّهم من النار، ووعدي الحق، وأنا لا أُخلف الميعاد، وإنّما أُمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فاشفّعك ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك منّي ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة »(١) .

٨٣. قال جعفر بن محمدعليه‌السلام : « والله لنشفعنَّ لشيعتنا، والله لنشفعن لشيعتنا، والله لنشفعن لشيعتنا، حتى يقول الناس فما لنا من شافعين ولا صديق حميم »(٢) .

٨٤. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « لكل مؤمن خمس ساعات يوم القيامة يشفع فيها »(٣) .

٨٥. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا وأمّا التائبون فإنّ الله عزّ وجل يقول:( مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ) (٤) .

٨٦. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج، والمساءلة في القبر، والشفاعة »(٥) .

٨٧. قال معاوية بن عمار لجعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام :( مَن ذَا الَّذِي

__________________

(١) بحار الأنوار: ٨ / ٥١، نقلاً عن علل الشرائع: ١٧٨.

(٢) مناقب ابن شهر آشوب: ٢ / ١٤.

(٣) صفات الشيعة للشيخ الصدوق: ١٨١ الحديث ٣٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه: ٣ / ٣٧٦.

(٥) أمالي الصدوق: ١٧٧.

٣٣١

يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) ؟ قال: « نحن أُولئك الشافعون »(١) .

٨٨. سئل جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : عن المؤمن هل يشفع في أهله ؟ قال: « نعم المؤمن يشفع فيشفّع »(٢) .

٨٩. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « إذا كان يوم القيامة نشفع في المذنب من شيعتنا، وأمّا المحسنون فقد نجّاهم الله »(٣) .

٩٠. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « نمجّد ربنا ونصلّي على نبينا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا »(٤) .

٩١. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه، إلّا أن يكون ناصباً ولو أنّ ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٥) .

٩٢. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « إنّ الجار ليشفع لجاره والحميم لحميمه، ولو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين شفعوا في ناصب ما شفّعوا »(٦) .

٩٣. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفع فيهم حتى يبقى خادمه فيقول فيرفع سبابتيه يا رب خويدمي كان يقيني الحر والبرد فيشفّع فيه »(٧) .

__________________

(١) تفسير العيّاشي: ١ / ١٣٦. وبهذا المضمون في المحاسن للبرقي: ١٨٣.

(٢) المحاسن للبرقي: ١٨٤.

(٣) فضائل الشيعة: ١٠٩، الحديث ٤٥.

(٤) المحاسن: ١٨٣، وبهذا المضمون في البحار: ٨ / ٤١ عن الإمام الكاظم.

(٥) ثواب الأعمال: ٢٥١.

(٦) المحاسن للبرقي: ١٨٤.

(٧) بحار الأنوار: ٨ / ٥٦ و ٦١، نقلاً عن الاختصاص للمفيد وتفسير العيّاشي بتفاوت يسير.

٣٣٢

٩٤. كتب جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام إلى أصحابه: « واعلموا انّه ليس يغني عنهم من الله أحد من خلقه شيئاً لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه »(١) .

٩٥. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عزّ وجلّ قيل للعابد انطلق إلى الجنة، وقيل للعالم: قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم »(٢) .

٩٦. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام في تفسير قوله سبحانه:( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْداً ) لا يشفع ولا يشفع لهم ولا يشفعون إلّا من أذن له بولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده فهو العهد عند الله(٣) .

٩٧. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : « يا معشر الشيعة فلا تعودون وتتكلون على شفاعتنا، فوالله لا ينال شفاعتنا إذا ركب هذا ( الزنا ) حتى يصيبه ألم العذاب ويرى هول جهنم »(٤) .

٩٨: سئل جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عن المؤمنين هل له شفاعة، قال: « نعم »، فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد ؟ قال: « نعم إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحد إلّا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ »(٥) .

٩٩. قال جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام أو محمد بن علي الباقرعليه‌السلام

__________________

(١) الكافي: ٨ / ١١.

(٢) بحار الأنوار: ٨ / ٥٦، نقلاً عن عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق.

(٣) تفسير علي بن إبراهيم القمي: ٤١٧ ونقل عن الإمام الباقر أيضاً كما في البحار: ٨ / ٢٧.

(٤) الكافي: ٥ / ٤٦٩، ومن لا يحضره الفقيه: ٤ / ٢٨.

(٥) تفسير العيّاشي: ٢ / ٣١٤، والمحاسن: ١ / ١٨٤، ومع زيادات في بحار الأنوار: ٨ / ٤٨.

٣٣٣

في تفسير قوله:( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) قال: « هي الشفاعة »(١) .

١٠٠. عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن شفاعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة قال: « يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربه، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا عند ربك، فيقول: إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح، فيأتون نوحاً، فيردّهم إلى من يليه، ويردّهم كل نبي إلى من يليه، حتى ينتهون إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه، فيقول: انطلقوا، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمان، ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء الله فيقول عزّ وجلّ ارفع رأسك واشفع تشفّع، وسل تعط وذلك قوله:( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) »(٢) .

١٠١. عن عيص بن القاسم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « انّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكنّي وعدت الشفاعة ـ ثمّ قال: والله أشهد أنّه قد وعدها ـ فما ظنّكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثراً عليكم غيركم، ثم قال: إنّ الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلى من ؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة فقال: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلى من ؟ فيقال: إلى

__________________

(١) تفسير العيّاشي: ٢ / ٣١٤.

(٢) بحار الأنوار: ٨ / ٣٥ ـ ٣٦ ح ٧، نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم: ٣٨٧.

الذنب الذي ورد في الحديث بمعنى ما يتبع الإنسان لا بمعنى المعصية، وعلى كل حال فحسنات الأبرار سيئات المقربين.

٣٣٤

إبراهيم »(١) .

١٠٢. عن سماعة عن أبي إبراهيم في قول الله تعالى:( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) قال: « يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين عاماً ويؤمر الشمس فيركب على رؤوس العباد ويلجمهم العرق، ويؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئاً، فيأتون آدم فيتشفعون منه فيدلّهم على نوح، ويدلّهم نوح على إبراهيم، ويدلّهم إبراهيم على موسى، ويدلّهم موسى على عيسى، ويدلّهم عيسى، فيقول: عليكم بمحمد خاتم البشر، فيقول: محمد أنا لها، فينطلق حتى يأتي باب الجنة فيدق فيقال له: من هذا ـ والله أعلم ـ: فيقول محمد ! فيقال: افتحوا له، فإذا فتح الباب استقبل ربه فيخر ساجداً، فلا يرفع رأسه حتى يقال له تكلّم وسل تعط واشفع تشفع، فيرفع رأسه فيستقبل ربه، فيخر ساجداً، فيقال له مثلها فيرفع رأسه حتى أنّه ليشفع من قد أحرق بالناس، فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأمم أوجه من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قول الله تعالى:( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) »(٢) .

١٠٣. قال موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « لـمـّا احتضر أبي ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام قال لي: يا بني إنّه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة »(٣) .

١٠٤. قال موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي، فإنّ الرجل منهم ليشفع بعدد ربيعة ومضر »(٤) .

__________________

(١) بحار الأنوار: ٨ / ٤٧ ـ ٤٨ ح ٤٨، وذيل الحديث موافق لما تقدمه، ولأجل ذلك تركناه.

(٢) بحار الأنوار: ٨ / ٤٨ ـ ٤٩ ح ٥١، نقلاً عن تفسير العيّاشي. والمراد من « استقبل ربه » استقبل رضوانه أو باب رحمته أو ما يناسب ذلك، كما ورد في الحديث المروي عن الإمام الصادق.

(٣) الكافي: ٣ / ٢٧٠ ح١٥ و ٦ / ٤٠١ ح ٧، والتهذيب: ٩ / ١٠٧، وبهذا المضمون في من لا يحضره الفقيه: ١ / ١٣٣، ونقله الشيخ في التهذيب: ٩ / ١٠٦ عن الإمام الصادق.

(٤) بحار الأنوار: ٨ / ٥٩، وبهذا المضمون في أمالي الطوسي: ٦٣، وبشارة المصطفى: ٥٥.

٣٣٥

١٠٥. قال موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : « شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويتبرّأون من أعدائهم، وانّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فيشفّعه الله فيهم، لكرامته على الله عزّ وجلّ »(١) .

١٠٦. قال عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : ناقلاً عن عليعليه‌السلام : « من كذّب بشفاعة رسول الله لم تنله »(٢) .

١٠٧. قال عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : « مذنبو أهل التوحيد لا يخلّدون في النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم »(٣) .

١٠٨. قال عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ناقلاً عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي في أُمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه »(٤) .

١٠٩. قال عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ناقلاً عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله شفاعتي، ثمّ قالعليه‌السلام : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل »، قال الحسين بن خالد: فقلت للرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله عزّ وجلّ:( وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) قال: « لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه »(٥) .

١١٠. قال عليّ بن محمد الهاديعليه‌السلام كما في الزيارة الجامعة: « ولكم المودّة

__________________

(١) صفات الشيعة: ٤٥، الحديث الخامس.

(٢) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٦٦.

(٣) عيون أخبار الرضا: ٢ / ١٢٥.

(٤) عيون أخبار الرضا: ٢ / ٢٤، وباختصار يسير في بشارة المصطفى: ١٤٠.

(٥) أمالي الصدوق: ٥.

٣٣٦

الواجبة، والدرجات الرفيعة، والمقام المحمود، والمقام المعلوم عند الله عزّ وجلّ والجاه العظيم، والشأن الكبير، والشفاعة المقبولة »(١) .

١١١. قال الحسن بن عليّ العسكريعليه‌السلام ناقلاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في ضمن حديث: « لا يزال المؤمن يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه »(٢) .

١١٢. قال الحجّة بن الحسنعليه‌السلام في الصلوات المنقولة عنه: « أللّهمّ صلِّ على سيد المرسلين وخاتم النبيّين وحجّة رب العالمين، المرتجى للشفاعة »(٣) .

هذه هي الأحاديث الواردة عن طرق الشيعة الإمامية، وأنت إذا أضفتها إلى ما رواه أصحاب الصحاح والمسانيد يتجلّى لك موضوع الشفاعة في الشريعة الإسلامية من القطعية كما يتجلّى لك معناها إلى غير ذلك من الخصوصيات التي مر بيان الخلاف فيها.

ثمّ بقيت في المقام روايات مبعثرة في الكتب والصحاح والمسانيد، يستلزم جمعها إفراد رسالة في المقام، ولأجل ذلك اكتفينا بما ذكرناه.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ٢ / ٦١٦.

(٢) بحار الأنوار: ٨ / ٤٤.

(٣) مصباح المتهجد: ٢٨٤.

٣٣٧

بحث وتمحيص

حول الروايات الواردة في الشفاعة

قد بسطنا الكلام في ضوء الروايات التي نقلناها من الصحاح والمسانيد لأهل السنّة والمجاميع الحديثية للشيعة الإمامية، والواجب هنا هو الوقوف على مضمون هذه الروايات على وجه الاختصار وإليك ما تدل عليه تلك المأثورات :

١. يستفاد من الروايات المختلفة انّ الشفاعة من ضروريات التشيع وأنّ أئمّة أهل البيت يجاهرون بذلك، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية ٨٦، ١٠٦، ١٠٩.

٢. إنّ الدقة فيما مر من الروايات المتواترة تقضي ببطلان ما ذهب إليه المعتزلة في معنى الشفاعة، وأنّ الحق في الشفاعة هو ما عليه جمهور المسلمين من أنّه عبارة عن غفران الذنوب الكبيرة ببركة شفاعة الشفيع ودعائه، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية: ١، ٧، ١٥، ١٦، ٥٥، ٥٨، ٦٥، ٦٦، ٨٥، ١٠٩ وغيرها من الروايات.

٣. إنّ الشفاعة كما تحفظ من دخول النار توجب خروج المذنب من النار بعد الدخول فيها، فلاحظ الأرقام التالية: ٢٦، ٥٠، ٥٧، ١٠٧ وغيرها.

٤. إنّ شفاعة الشافعين مشروطة بوجود مؤهلات في المشفوع لهم، وقد جاءت شروطها في الروايات، منها: أن لا يكون مشركاً، ومنها: أن يكون مسلماً ،

٣٣٨

ومنها: أن يكون مؤمناً، ومنها: أن يكون محباً لأهل البيت لا ناصباً لهم العداء، ومنها: أن لا يكون مستخفاً بالصلاة، غير أنّ من كان مؤدياً للأمانة، حسن الخلق وقريباً من الناس يشفع له قبل كل أحد، فلاحظ في ذلك كله الأرقام التالية: ٢، ٣، ٦، ٩، ١١، ١٧، ٢٤، ٩١، ٩٢، ١٠٣.

٥. إنّ القرآن وإنْ أجمل مسألة الشفيع ولم يصرّح في ذلك إلّا في مورد أو موردين غير انّ الأحاديث أعطت صورة مفصلة عن الشفعاء، وإليك أسماءهم مع الإشارة إلى الأحاديث الدالة عليها.

ألف. الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من الشفعاء، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية: ٤، ٥، ٧، ٨، ١٠، ١٤، ٥٦، ٦٩، ٧٣، ٧٤، ٧٦، ١٠٠، ١٠١.

ب. الملائكة من الشفعاء، فلاحظ الأرقام التالية: ١٨، ٢١، ٢٢.

ج. الأنبياء من الشفعاء، فلاحظ الأرقام التالية: ٢٠، ٢١، ٢٢.

د. أهل البيت من الشفعاء، فلاحظ الأرقام التالية: ٥١، ٥٦.

ه‍. علي من الشفعاء، فلاحظ الرقم التالي: ٦١.

و. فاطمة من الشفعاء، فلاحظ: ٦٠، ٨٢.

ز. العلماء من الشفعاء، فلاحظ: ٢٠، ٦٢، ٩٥.

ح. الشهداء من الشفعاء، فلاحظ: ٢٠، ٢٢، ٢٨، ٦٢.

ط. القرآن من الشفعاء، فلاحظ: ٤٣، ٤٤، ٥٦، ٦٤.

ي. متعلم القرآن والعامل به من الشفعاء، فلاحظ: ٢٩.

ك. شيعة أهل البيت من الشفعاء، فلاحظ: ٦١، ١٠٤.

ل. المؤمن من الشفعاء، فلاحظ: ٧٧، ٧٨، ٨٨، ٩١، ٩٣، ١٠٥، ١١١. ولو أُريد من المؤمن المعنى الأخص يرجع مفاد هذا القسم إلى القسم المتقدم.

٣٣٩

م. من بلغ التسعين يشفع، فلاحظ: ٣٠.

ن. من كان حافظاً للرحم مؤدياً للأمانة يشفع، فلاحظ: ٥٦.

ما ذكرناه عصارة هذه الروايات والوقوف على الجزئيات يتوقف على ملاحظتها واحدة بعد واحدة.

هذا تمام الكلام في بحث الشفاعة حسب الكتاب أوّلاً والسنّة ثانياً، وقد عرفت حقيقة المقال كما وقفت على الأشواك التي نبتت حولها ممن لا حظ لهم من معارف الكتاب والسنّة.

وكان الأولى إرداف البحث عن الشفاعة بالبحث عن الاحباط والتكفير ولكن نرجئ البحث عنهما إلى فترة أُخرى لعدم صلتهما بالنبوة الخاصة التي تدور عليها رحى أبحاثنا في هذا الجزء وما تقدم.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407