مفاهيم القرآن الجزء ٤

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-221-8
الصفحات: 407

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106095 / تحميل: 7212
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢١-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

اجل إن اللّه الّذي منح الحرارة للنّار والاضاءة للقمر ، والاشعاع للشمس لقادر على سلب هذه الآثار وانتزاعها من تلك الاشياء وتجريدها ، ولهذا صحَّ وصفُه بمسبب الاسباب ، ومعطلها.

غير ان جميع هذه الحوادث الخارقة والآيات الباهرة لم تستطع ان توفر لابراهيم الحرية الكاملة في الدعوة والتبليغ ، فقد قررت السلطة الحاكمة وبعد مشاورات ومداولات إبعاد « إبراهيم » ونفيه ، وقد فتح هذا الأَمرُ صفحة جديدة في حياة ذلك النبيّ العظيم ، وتهيأت بذلك اسبابُ رحلته إلى بلاد الشام وفلسطين ومصر وارض الحجاز.

هجرة الخليل عليه‌السلام :

لقد حكمت محكمة « بابل » على « إبراهيم » بالنفي والإبعاد من وطنه ، ولهذا اضطرّعليه‌السلام ان يغادر مسقط رأسه ، ويتوجه صوبَ فلسطين ومصر ، وهناك واجه استقبال العمالقة الذين كانوا يحكمون تلك البقاع وترحيبهم الحار به ونعم بهداياهم الّتي كان من جملتها جارية تدعى « هاجر ».

وكانت زوجته « سارة » لم تُرزق بولد إلى ذلك الحين ، فحركت هذه الحادثة عواطافها ومشاعرها تجاه زوجها الكريم إبراهيم ولذلك حثته على نكاح تلك الجارية عله يُرْزَقُ منها بولد ، تقرّ به عينه وتزدهر به حياته.

فكان ذلك ، وولدت « هاجر » لإبراهيم ولداً ذكراً سمي باسماعيل ، ولم يمض شيء من الزمان حتّى حبلت سارة هي أيضاً وولدت ـ بفضل اللّه ولطفه ـ ولداً سمي باسحاق(١) .

وبعد مدة من الزمان أمر اللّه تعالى « إبراهيم » بان يذهب بإسماعيل واُمه « هاجر » إلى جنوب الشام « أي ارض مكة » ويُسكِنهما هناك في واد غير معروف إلى ذلك الحين واد لم يسكنه أحدٌ بل كانت تنزل فيه القوافل التجارية

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ١١٨ و ١١٩.

١٤١

الذاهبة من الشام إلى اليمن ، والعائدة منها إلى الشام ، بعض الوقت ثم ترحل سريعاً ، وأما في بقية أوقات السنة فكانت كغيرها من أراضي الحجاز صحراء شديدة الحرارة ، خالية عن أي ساكن مقيم.

لقد كانت الاقامة في مثل تلك الصحراء الموحشة عملية لا تطاق بالنسبة لأمرأة عاشت في ديار العمالقة والفت حياتهم وحضارتهم ، وترفهم وبذخهم.

فالحرارة اللاهبة والرياح الحارقة في تلك الصحراء كانت تجسّد شبح الموت الرهيب امام ابصار المقيمين.

وإبراهيم نفسه قد انتابته كذلك حالةٌ من التفكير والدهشة لهذا الامر ، ولهذا فإنّه فيما كان عازماً على ترك زوجته « هاجر » وولده « إسماعيل » في ذلك الواد قال لزوجته « هاجر » وعيناه تدمعان : « إن الّذي أمرني أن أضعَكُمْ في هذا المكان هو الّذي يكفيكم ».

ثمّ قال في ضراعة خاصة : «ربِّ اجْعِلْ هذا بَلَداً آمِناً وَاْرزُقْ أهْلَهُ مِنَ الَثمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِر »(١) .

وعندما انحدر من ذلك الجانب من الجبل التفت اليهما وقال داعياً : «رَبَّنا إنّي أسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَتي بِواد غَيْر ذِيْ زَرْع عِنْد بَيْتكَ الُمحَرَّم رَبَّنا لِيُقيْمُوا الصّلاة فَاجْعَلْ أفْئدَةً مِنَ النّاسِ تَهْويْ إلَيْهِمْ وَاْرزُقْهُمْ مِنَ الَّْثمراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون »(٢) .

إنَ هذا السفرة والهجرة وإن كانت في ظاهرها امراً صعباً ، وعملية لا تطاق ، إلا أن نتائجها الكبرى الّتي ظهرت في ما بعد أوضحت وبيّنت أهميّة هذا العمل ، لأنّ بِناء الكعبة ، وتأسيس تلك القاعدة العظمى لأهل التوحيد ، ورفع راية التوحيد في تلك الربوع ، وخلق نواة نهضة ، عميقة ، دينية ، انبثقت على يد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشعّت من تلك الديار إلى أنحاء العالم ، كلُ ذلك كان من ثمار تلك الهجرة.

__________________

١ ـ البقرة : ١٢٦.

٢ ـ إبراهيم : ٣٧.

١٤٢

عين زمزم كيف ظهرت؟

لقد غادر « إبراهيم »عليه‌السلام أرض مكة تاركاً زوجته وولده « إسماعيل » بعيون دامعة ، وقلب يملأوه الرضا بقضاء اللّه والامل بلطفه وعنايته.

فلم تمض مدة إلا ونفد ما ترك عندهما من طعام وشراب ، وجف اللبن في ثديي « هاجر » ، وتدهورت أحوال الرضيع « إسماعيل » ، وكانت دموع الام الحزينة تنحدر على حجره ، وهي تشاهد حال وليدها الّذي قد أخذ العطش والجوع منه مأخذاً.

فانطلقت من مكانها فجأة تبحث عن الماء حتّى وصلت إلى جبل « الصفا » فرأت من بعيد منظر ماء عند جبل « مروة » ، فاسرعت إليه مهرولة ، غيران الّذي رأته وظنته ماء لم يكن الاّ السراب الخادع ، فزادها ذلك جزعاً وحزناً على وليدها ممّا جعلها تكرر الذهاب والاياب إلى الصفا والمروة أملا في أن تجد الماء ولكن بعد هذا السعي المتكرر ، والذهاب والاياب المتعدد بين الصفا والمروة عادت إلى وليدها قانطةً يائسةً.

كانت أنفاس الرضيع الظامئ ودقّات قلبه الصغير قد تباطأت بل واشرفت على النهاية ، ولم يعد ذلك الرضيع الظامئ قادراً على البكاء ولا حتّى على الانين.

ولكن في مثل هذه اللحظة الحرجة الصعبة استجاب اللّه دعاء خليله وحبيبه « إبراهيم » ، إذ لاحظت هاجر الماء الزلال وهو ينبع من تحت اقدام « اسماعيل ».

فسرت تلك الام المضطربة ـ الّتي كانت تلاحظ وليدها وهو يقضي اللحظات الاخيرة من حياته ، وكانت على يقين بانه سرعان ما يموت عطشاً ، وجهداً ـ سروراً عظيما بمنظر الماء ، وبرق في عينيها بريق الحياة ، بعد ان اظلمت الدنيا في عينيها قبل دقائق ، فشربت من ذلك الماء العذب ، وسقت منه رضيعها الظامئ ، وتقشعت بلطف اللّه وعنايته وبما بعثه من نسيم الرحمة الربانية كل غيوم اليأس ، وسحُب القنوط الّتي تلبدت وخيمت على حياتها.

١٤٣

ولقدادى ظهور هذه العين الّتي تدعى بزمزم في ان تتجمع الطيور في تلك المنطقة وتحلق فوق تلك البقعة الّتي لم يُعهد أن حلَّقت عليها الطيور ، وارتادتها الحمائم ، وهذا هو ما دفع بجرهم وهي قبيلة كانت تقطن في منطقة بعيدة عن هذه البقعة ان تتنبه إلى ظهور ماء فيها لما رأت تساقط الطيور وتحليقها ، فأرسلت واردين ليتقصيا لها الخبر ويعرفا حقيقة الأمر ، وبعد بحث طويل وكثير ، انتهيا إلى حيث حلت الرحمة الالهية ، وعندما اقتربا إلى « هاجر » وشاهدا بام عينيهما « امرأة » و « طفلا » عند عين من الماء الزلال الّذي لم يعهداه من قبل عادا من فورهما من حيث أتيا ، وأخبرا كبار القبيلة بما شاهداه ، فاخذت الجماعة تلو الجماعة من تلك القبيلة الكبيرة تفد إلى البقعة المباركة ، وتخيم عند تلك العين لتطرد عن « هاجر » وولدها مرارة الغربة ، ووحشة الوحدة ، وقد سبب نمو ذلك الوليد المبارك ورشده في رحاب تلك القبيلة في ان يتزوج إسماعيل هذا من تلك القبيلة ، ويصاهرهم ، وبذلك يحظى بحمايتهم له ، وينعم بدفاعهم ورعايتهم ومحبتهم له. فانه لم يمض زمانٌ حتّى أختار « إسماعيل » زوجة من هذه القبيلة ، ولهذا ينتمي ابناء « إسماعيل » إلى هذه القبيلة من جهة الاُم.

تجديد اللقاء :

كان إبراهيمعليه‌السلام بعد أن ترك زوجته « هاجر » وولده « إسماعيل » في ارض « مكة » بأمر اللّه ، يتردد على ولده بين فينة واُخرى.

وفي احدى سفراته ولعلّها السفرة الاُولى دخل « مكة » فلم يجد ولده « إسماعيل » في بيته ، وكان ولده الّذي أصبح رجلا قوياً ، قد تزوج بامرأة من جرهم.

فسأل « إبراهيم » زوجته قائلا : اين زوجك؟ فقالت : خرج يتصيَّد ، فقال لها : هل عندك ضيافة؟ قالت : ليس عندي شيء وما عندي أحد ، فقال لها إبراهيم : « إذا جاء زوجك فأَقرئيه السلام وقولي له : فَلْيغيّر عتبة بابه ».

١٤٤

وذهب إبراهيمعليه‌السلام منزعجاً من معاملة زوجة ابنه « إسماعيل » له وقد قال لها ما قال.

ولمّا جاء إسماعيلعليه‌السلام وجد ريح ابيه فقال لامرأته : هل جاءك احد؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخّفِة بشأنه ، قال : فماذا قال لك : قالت : قال لي أقْرئي زوجك السلام وقولي له : فليغيّر عتبة بابه!!

فطلقها وتزوج اُخرى ، لأن مثل هذه المرأة لا تصلح ان تكون زوجة وشريكة حياة(١) .

وقد يتساءل أحد : لماذا لم يمكث إبراهيمعليه‌السلام هناك قليلا ليرى ولده إسماعيل بعد عودته من الصيد ، وقد قطع تلك المسافة الطويلة ، وكيف سمح لنفسه بان يعود بعد تلك الرحلة الشاقة من دون ان يحظى برؤية ابنه العزيز؟!

يجيب ارباب التاريخ على ذلك بان إبراهيم انما استعجل في العودة من حيث اتى لوعد اعطاه لزوجته سارة بأن يعود اليها سريعاً ، ففعل ذلك حتّى لا يخلف. وهذا من اخلاق الانبياء.

ثمّ إن « إبراهيم » سافر مرة اُخرى إلى أرض مكة بأمر اللّه ، وليبني الكعبة الّتي تهدمت في طوفان « نوح » ، ليوجّه قلوب المؤمنين الموحدين إلى تلك النقطة.

إن القرآن الكريم يشهد بأن أرض « مكة » قد تحولت إلى مدينة بعد بناء الكعبة قبيل وفاة إبراهيمعليه‌السلام ، لأن إبراهيم دعا بُعَيد فراغه من بناء الكعبة قائلا :

«رَبِّ اجْعَلْ هذا البَلَد آمِناً وَاجْنُبْني وَبَنِيِّ أنْ نَعْبُدَ الأَصْنام »(٢) على حين دعا عند نزوله مع زوجته ، وابنه إسماعيل في تلك الأَرض قائلا :

«رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً »(٣) .

وهذا يكشف عن ان مكة تحولت إلى مدينة عامرة في حياة الخليل

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٢ ، ص ١١٢ نقلا عن قصص الأنبياء.

٢ ـ إبراهيم : ٣٥.

٣ ـ البقرة : ١٢٦.

١٤٥

عليه‌السلام ، بعد ان كانت صحراء قاحلة ، وواد غير ذي زرع.

* * *

ولقد كان من المُستحْسَن اسْتكمالا لهذا البحث أن نشرح هنا كيفية بناء الكعبة المعظمة ، ونستعرض التاريخ الاجمالي لذلك ، بيد أننا لكي لا نقصر عن الهدف المرسوم لهذا الكتاب اعرضنا عن ذلك وعمدنا إلى ذكر بعض التفاصيل عن أبرز واشهر أجداد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التاريخ.

٢ ـ قُصَيُّ بنُ كلاب :

إن أسلاف الرَّسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم على التوالي : عَبْدُ اللّه ، عَبْد الْمُطَّلِبْ ، هاشِم ، عبدُ مَناف ، قُصّيّ ، كِلابٌ ، مُرَّة ، كَعْب ، لُؤيّ ، غالِب ، فِهْر ، مالِك ، النَضر ، كِنانة ، خُزيمَة ، مدُركة ، إلياس ، مُضَر ، نَزار ، مَعدّ ، عَدنان(١) .

من المسلّم أنّ نسب النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عدنان هو ما ذُكر ، فلا خلاف فيه ، إنما وقع الخلاف في عدد ، واسماء من هم بعد عدنان إلى إسماعيلعليه‌السلام ، ولذلك لم يجز التجاوز عنه لحديث رواه ابن عباس عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : « إذا بَلَغَ نَسَبي إلى عَدْنان فأَمْسِكُوا »(٢) هذا مضافاً إلى أَن النبيّ نفسه كان إذا عدّد أجداده فبلغ إلى عدنان أمسك ، ونهى عن ذكر من بعده إلى إسماعيل ، وقد روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : كَذِبَ النَسّابُونَ.

ولهذا فإننا نكتفي بذكر من اُتفِق عليه ، ونعمد إلى الحديث عن حياة كلِ واحد منهم.

ولقد كان كلُ من ذكرنا أسماءهم هنا معروفين ، ومشهورين في تاريخ

__________________

١ ـ التاريخ الكامل : ج ٢ ، ص ٢ ـ ٢١.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٥ ، ص ١٠٥ عن مناقب ابن شهرآشوب ، وكشف الغمّة : ج ١ ، ص ١٥.

١٤٦

العرب ، بيد أن حياة طائفة منهم ترتبط بتاريخ الإسلام ، ولهذا فاننا نقف عند حياة « قصيّ » ومَن لحقه إلى والد النبيّ « عبد اللّه » ونعرض عن ذكر حياة غيرهم من أجداده وأسلافهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّن لا علاقة له بهذه الدراسة(١) .

أمّا « قُصَيّ » وهو الجدّ الرابع لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُمّة « فاطمة » الّتي تزوجت برجل من بني كلاب ورزقت منه بولدين هما : « زهرة » و « قصي » إلاّ أن زوج فاطمة قد توفي ، وهذا الاخير لم يزل في المهد ، فتزوجت بزوج آخر يدعى ربيعة ، وسافرت معه إلى الشام ، وبقي « قصيّ » يحظى برعاية أبوية من ربيعة حتّى وقع خلاف بين قصيّ وقوم ربيعة ، واشتد ذلك الخلاف حتّى انتهى إلى طرده من قبيلتهم ، ممّا أحزن ذلك أُمّه ، واضطرت إلى إرجاعه إلى « مكة ».

وهكذا اتت به يد القدر إلى « مكة » ، وسبّبت قابلياته الكامنة الّتي برزت في تلك المدينة في تفوقه على أهل مكة وبخاصة قريش.

وسرعان ما احتلَّ قصيّ هذه المقامات العالية ، وشغل المناصب الرفيعة ، مثل حكومة « مكة » وزعامة قريش ، وسدانة الكعبة المعظمة ، وصار رئيس تلك الديار دون منازع.

ولقد ترك ( قصيّ ) من بعده آثاراً كثيرة وعديدة منها تشجيع الناس على بناء المساكن والبيوت حول الكعبة المعظمة ، وتأسيس مكان للشورى ليجتمع فيه رؤساء القبائل العربية من اجل التداول في الامور وحل المشاكل يدعى بدار الندوة.

وقد توفي « قصيّ » في القرن الخامس الميلادي وخلف من بعده ولدين هما :

« عبد الدار » و « عبد مناف ».

٣ ـ عبد مناف :

وهو الجدّ الثالث لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسمه « المغيرة » ولقبه

__________________

١ ـ لقد بحث ابن الأثير في الكامل حول حياتهم فراجع : ج ٢ ، ص ١٥ ـ ٢١.

١٤٧

« قمر البطحاء » ، وكان أصغر من اخيه « عبد الدار » إلا أنه كان يحظى بمكانة خاصة عند الناس دون أخيه ، وكان شعاره التقوى ، ودعوة الناس إلى حسن السيرة وصلة الرحم ، بيد انه مع ما كان له من المكانة القوية لم ينافس اخاه « عبد الدار » في المناصب العالية الّتي كان يشغلها.

فقد كانت الزعامة لاخيه عبد الدار حسب وصيّة أبيهما « قصيّ ».

ولكن بعد وفاة هذين الأَخوين وقع الخصام والتنازع بين أَبنائهما على المناصب ، وانتهى ذلك بالصراع الطويل إلى اقتسام المناصب والمقامات ، وتقرر ان يتولى ابناء عبد الدار سدانة الكعبة ، وزعامة دار الندوة ، ويتولى ابناء عبد مناف سقاية الحجيج وضيافتهم ووفادتهم.

وقد بقي هذا التقسيم المتفق عليه ساري المفعول إلى زمن ظهور الإسلام(١) .

٤ ـ هاشم :

وهو الجدُّ الثاني لنبي الإسلام واسمه « عَمْرو » ولقبه « العُلاء » وهو الّذي وُلِدَ مع « عبد شمس » توأمين ، وأخواه الاخران هما : « المطلب » و « نوفل ».

هذا وثمة خلاف بين ارباب السيَر وكتاب التاريخ في أن هاشماً وعبد شمس كانا توأمين ، وأن هاشما ولد واصبعٌ واحدة من اصابع قدمه ملصقة بجبهة « عبد شمس » وقد نزعت بسيلان دم ، فتشاءم الناس لذلك(٢) يقول الحلبي في سيرته : فكانوا يقولون : سيكون بينهما دم فكان بين ولديهما اي بين بني العباس

__________________

١ ـ لم تكن هناك مناصب للكعبة يوم اُسّست ورُفعَ قواعدُها بل حدث كل ذلك تدريجاً بحكم المقتضيات والتطوّرات ، وكانت هذه المناصب التي استمرت إلى زمن ظهور الإسلام عبارة عن :

١ ـ سدانة الكعبة.

٢ ـ سقاية الحجيج.

٣ ـ رفادتهم وضيافتهم.

٤ ـ زعامة المكيين وقيادة جيشهم. ولم يكن هذا الأخير منصباً ذا صبغة دينية.

٢ ـ تاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ١٣.

١٤٨

( وهم من اولاد هاشم ) وبين بني امية ( وهم من اولاد عبد شمس )(١) .

وكأنّ كاتب السيرة قد تجاهل الحوادث المحزنة والمؤسفة الّتي وقعت بين بني امية وابناء عليعليه‌السلام في حين أن تلك الحوادث الدامية الّتي تسببها بنو امية واُهرقَت فيها دماء ذرية رسول الله وعترته الطاهرة ، اقوى شاهد على تلك العداوة بين هاتين الطائفتين ، ولكننا لا ندري لماذا تجاهل ذكرها مؤلف السيرة الحلبية ولم يشر اليها مطلقاً؟!

ثم ان من خصوصيات أبناء « عبد مناف » حسبما يُستفاد من الأدب الجاهلي ، وما جاء فيه من أشعار ، أنهم توفوا في مناطق مختلفة.

فهاشم ـ مثلا ـ توفي في « غزة » وعبد شمس مات في مكة ، ونوفل في ارض العراق ، والمطلب في ارض اليمن(٢) .

وكان من سجايا هاشم واخلاقه الفاضلة أنه كان كلّما هَلَّ هلال شهر ذي الحجة قام صبيحته ، وأسند ظهره إلى الكعبة المشرفة ، وخطب قائلا :

« يا معشر قريش إنكم سادة العرب وأحسنها وجوهاً ، وأعظمها احلاماً ( اي عقولا ) وأوسط العرب ( أي أشرَفها ) أنساباً ، واقرب العرب بالعرب أرحاماً.

يا معشر قريش إنكم جيرانُ بيت اللّه تعالى اكرمكُمُ اللّه تعالى بولايته ، وخصكم بجواره ، دون بني إسماعيل ، وانه ياتيكم زوّار اللّه يعظمون بيته فهم أضيافه وأحق من اكرم أضياف اللّه انتم ، فاكرموا ضيفه وزوّاره ، فانهم يأتون شعثاً غبراً من كل بلد على ضوامر كالقداح ، فاكرموا ضيفه وزوّار بيته ، فوربّ هذه البنية لو كان لي مال يحتمل ذلك لكفيتكموه ، وأنا مخرجٌ من طَيب مالي وحلاله ما لم يُقطعْ فيه رحم ، ولم يؤخذْ بظلم ، ولم يُدخل فيه حرامٌ ، فمن شاء منكم ان يفعل مثل ذلك فعلَ ، وأسألكم بحرمة هذا البيت أن لا يخرج رجلٌ منكم من ماله لكرامة زوّار بيت اللّه وتقويتهم إلا طيباً لم يؤخذ ظلماً ، ولم يقطع فيه رحمٌ ، ولم يؤخذ غصباً »(٣) .

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٤.

٢ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٥.

٣ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٦.

١٤٩

ولقد كانت زعامة « هاشم » وقيادته نافعة للمكيّين من جميع النواحي ، وكان لها تأثيرٌ كبيرٌ في تحسين أوضاعهم.

ولقد سبّب كرمُه وما قام به من إطعام واسع في سنوات الجدب القاسية في تخفيف شدة الوطأة عن أهل مكة ، وبالتالي ادى إلى عدم احساسهم بالقحط ، وآثار الجدب.

كما أنّ من خطواته البارزة واعماله النافعة جداً لتحسين الحالة التجارية للمكيّين هو ما عقده مع أمير « غسان » من المعاهدة ، الأمر الّذي دفع بأخيه « عبد شمس » إلى أن يعاهد أمير الحبشة ، وبأخويه الآخرين « المطلب » و « نوفل » إلى ان يعاهدا أمير اليمن وملك ايران تكون القوافل التجارية بموجب تلك المعاهدات للجانبين في أمان ، من العدوان والتعرض.

وقد أزالت هذه المعاهداتُ الكثير من المشاكل ، وكانت وراء ازدهار التجارة في « مكة المكرمة » حتّى عهد بزوغ شمس الإسلام.

ثم ان من أعمال « هاشم » وخطواته النافعة تأسيسُه لرحلتي قريش اللتين يتحدث عنهما القرآن الكريم إذ يقول : « رحْلة الشتاء والصْيف » وهما رحلة إلى الشام ، وكانت في الصيف ، ورحلة إلى اليمن ، وكانت في الشتاء ، وقد استمرت هذه السيرة حتّى ما بعد ظهور الإسلام ايضاً.

اُميّة بن عبد شمس يحسد هاشماً :

ولقد حسد « اُمية بن عبد شمس » أبن أخي هاشم عمَّه « هاشماً » على ماحظي به من المكانة والعظمة ، والنفوذ إلى قلوب الناس وجذبها نحوه بسبب خدماته وأياديه ، وما كان يقوم به من بذل وانفاق ، وحاول جاهداً ان يقلده ويتشبه بهاشم في سلوكه ولكنه رغم كل ما قام به من جهود ومحاولات لم يستطع أن يتشبه به ويتخذ سيرته ، وكما لم يستطع بايقاعه وطعنه به ان يُقلل من شأنه بل زاده رفعة وعظمة.

لقد كان لهيب الحسد في قلب « اُمية » يزداد اشتعالا يوماً بعد يوم ، حتى

١٥٠

دفع به إلى ان يدعو عمَّه « هاشماً » للذهاب إلى كاهن من كهنة العرب للمنافرة عنده فتكون الرياسة والزعامة لمن يمدحه ذلك الكاهن ، وكانت عظمة « هاشم » وسموّ مقامه تمنع من منافرة ابن اخيه ( اُميّة ) إلاّ أنه رضي بالمنافرة هذه تحت اصرار ( اُميّة ) بشرطين :

١ ـ أن يعطي المغلوبُ خمسين من النيَاق سود الحدق تنحر بمكة.

٢ ـ جلاء المغلوب عن مكة عشر سنين.

ومن حسن الحظِّ أن ذلك الكاهن نَطق بمدح « هاشم » بمجرد أن وقعت عيناه عليه فقال : « والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر لقد سبق هاشمُ اُميّة إلى المآثر » إلى آخر كلامه. وهكذا قضى لهاشم بالغلبة فأخذ الابل فنحرها وأطعمها واضطر أُمية إلى الجلاء عن مكة والعيش بالشام عشر سنين(١) .

وقد استمرتْ آثارُ هذا الحسد التاريخي إلى ١٣٠ عاماً بعد ظهور الإسلام ، وتسببت في جرائم وفجائع كبرى عديمة النظير في التاريخ.

ثم ان القصة السابقة مضافاً إلى انها تبين مبدأ العداوة بين الأُمويين والهاشميين تبيّن أيضاً علل نفوذ الاُمويين في البيئة الشامية ، ويتبين أن علاقات الأُمويين العريقة بأهل هذه المنطقة هي الّتي مَهّدت لقيام الحكومة الأموية في تلك الديار.

هاشم يَتَزوَّج

كانت « سلمى » بنت « عمرو الخزرجي » امرأة شريفة في قومها ، قد فارقت زوجها بطلاق ، وكانت لا ترضى بالزواج من أحد ، ولدى عودة « هاشم » من بعض أسفاره نزل في يثرب أياماً فخطبها إلى والدها ، فرغبت سلمى فيه لشرفه في قريش ، ولنبله وكرمه ، ورضيت بالزواج منه بشرطين : أحدهما أن لا تلد ولدها

__________________

١ ـ الكامل لابن الاثير : ج ٢ ، ص ١٠ ، والسيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٤.

١٥١

إلاّ في اهلها ، وحسب هذا الاتفاق بقيت « سلمى » مع زوجها « هاشم » في مكة بعض الوقت حتّى إذا ظهر عليها آثار الحمل رجعت إلى : « يثرب » وهناك وضعت ولداً اسموه « شيبة ». وقد اشتهر في ما بعد ب‍ « عبد المطلب ».

وكتب المؤرخون في علة تسميته بهذا الاسم بأن هاشماً لما أحسّ بقرب انصرام حياته قال لاخيه « المطلب » : يا أخي أدرك عبدك شيّبة. ولذلك سُمّيَ شيبة بن هاشم : « عبد المطلب ».

وقيل أن أحد المكيين مرّ على غلمان يلعبون في زقاق من ازقة يثرب ، وينتضلون بالسهام ، ولما سبق أحدُهم الآخرين في الرمي قال مفتخراً : « أنا ابنُ سيّد البطحاء » فسأله الرجل عن نسبه وابيه فقال : أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف ، فلما قدم الرجلُ مكة اخبر « المطلب » أخي « هاشم » بما سمعه ورآه ، فاشتاق « المطلبُ » إلى ابن أخيه فذهب إلى المدينة ، ولما وقعت عيناه على ابن اخيه « شيبة » عرف شبه أخيه هاشم ، وتوسَّم فيه ملامحه ، ففاضت عيناه بالدموع ، وتبادلا قُبُلات الشوق ، والمحبة ، وأراد أن ياخذه معه إلى « مكة » وكانت اُمُه تمانع من ذلك ، ولكن ممانعتها كانت تزيد من عزم العمّ على أخذه إلى « مكة » واخيراً تحققت اُمنية العم فقد استطاع « المطلبُ » أن يحصل على اذن اُمه ، فاردفه خلفه وتوجّه حدب « مكة » تدفعه رغبة طافحة إلى إيصاله إلى والده هاشم.

وفعلت شمسُ الحجاز واشعتها الحارقة فعلتها في هذه الرحلة فقد غيَّرت لون وجه شيبة وأبلت ثيابه ، ولهذا ظنَّ أهل « مكة » عند دخوله مع عمه « مكة » أنه غلام اقتناه « المطلبُ » فكان يقول بعضهم لبعض : هذا عبد المطلب ، وكان المطلب ينفي هذا الامر ، ويقول : إنما هو ابن أخي هاشم وما هو بعبدي ، ولكن ذلك الظن هو الآخر فعل فعلتَه ، وعُرف « شيبة » بعبد المطلب(١) .

وربما يقال : أن سبب شهرته بهذا الإسم هو انه تربى وترعرع في حجر عمّه

__________________

١ ـ الكامل لابن الاثير : ج ٢ ، ص ٦ ، وتاريخ الطبري : ج ٢ ، ص ٨ و ٩ ، السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٦.

١٥٢

« المطلب » وكانت العربُ تسمي من يترعرع في حجر أحد وينشأ تحت رعايته عبداً لذلك الشخص تقديراً لجهوده وتثميناً لرعايته.

٥ ـ عبدُ المطّلب :

عبدُ المطّلب بن هاشم وهو الجدّ الأول للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان رئيس قريش وزعيمها المعروف ، وكانت له مواقف بارزة ، وأعمال عظيمة في حياته ، وحيث أن ما وقع من الحوادث في ايام حكمه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الإسلام ولهذا يتعين علينا دراسة بعض تلكم الحوادث والوقائع.

لا شك أن المرء مهما تمتع بنفسية قوية فانه سيتأثر ـ في المآل ـ ببيئته وعاداتها ، وتقاليدها ، الّتي تصبغ فكره ، بصبغة خاصة ، وتطبع عقليته بطابع معين.

بيد أن هناك بين الرجال من يقاوم تاثير العوامل البيئية بمنتهى الشهامة والشجاعة ، ويصون نفسه من التلوث بشيء من أدرانها وأقذارها.

وبطلُ حديثنا هنا هو احد النماذج الصادقة لاولئك الرجال العظماء لان في حياته صفحات مشرقة عظيمة ، وسطوراً لا معة تنبئ عن نفسيته القوية ، وشخصيته الشامخة.

فان الّذي يعيش ثمانين عاماً في وسط اجتماعي تسود فيه الوثنية ، ومعاقرة الخمر ، والربا ، وقتل الأنفس البريئة ، والفحشاء حتّى ان هذه الامور كانت من العادات والتقاليد الشائعة ، ولكنه مع ذلك لم يعاقر الخمر طوال حياته ، وكان ينهى عن القتل والخمر والفحشاء ، ويمنع عن الزواج بالمحارم ، والطواف بالبيت المعظم عرياناً ، وكان ملتزماً بالوفاء بالعهد ، واداء النذر بلغ الامر ما بلغ ، لهو ـ حقاً ـ نموذجٌ صادقٌ من الرجال الذين يندر وجودُهم ، ويقل نظيرهم في المجتمعات.

أجل إن شخصية اودعت يد المشيئة الربانية بين حناياها نور النبي الاكرم أعظم قائد عالمي ، يجب ان يكون إنساناً طاهر السُلوك ، نقيَّ الجيب منزهاً عن أي نوع من أنواع الانحطاط ، والفساد.

١٥٣

هذا ويستفاد من بَعض قصصه وكلماته القصار أنه كان أحد الرجال المعدودين الذين كانوا يؤمنون باللّه واليوم الآخر في تلك البيئة المظلمة ، وكان يردِّدُ دائماً : « لَنْ يخرج من الدنيا ظلومٌ حتّى ينتقم منه ، وتصيبُه عقوبة واللّه ان وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسنُ بإحسانِه ، ويعاقَبُ فيها المسيء باساءته »(١) اي ان الظلوم شأنه في الدنيا أن تصيبه عقوبة ، فاذا خرج ولم تصبه العقوبة فهي معدّة له في الآخرة.

ولقد كان « حرب بن اُمية » من أقربائه ، وكان من اعيان قريش ووجوهها أَيضاً ، وكان يجاور يهودياً فاتفق أن وقع بينه وبين حرب نزاع في بعض اسواق تهامة ، تبودلت بينهما فيه كلمات جارحة ، وانتهى ذلك إلى مقتل اليهودي بتحريك من « حرب » ، ولما علم « عبدُ المطّلب » بذلك قطع علاقته بحرب ، وسعى في أستحصال دية اليهودي المقتول من « حرب » ودفعها إلى اولياء القتيل ، وهذه القصة تكشف عن حبّ عبد المطلب للمستضعفين والمظلومين وحبه للحق والعدل.

حَفرُ زَمزَم :

منذ أن ظهرت عين زمزم نزلت عندها قبيلة جُرهم الّتي كانت بيدها رئاسة مكة طوال سنين مديدة ، وكانت تستفيد من مياه تلك العين ، ولكن مع ازدهار أمر التجارة في « مكة » ، واقبال الناس على الشهوات والمفاسد آل الأمر إلى جفاف تلك العين ، ونضوب مائها بالمرة(٢) .

ويقال : أن قبيلة « جُرهُم » لما واجهت تهديداً من جانب قبيلة خزاعة

__________________

١ ـ السيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٤.

٢ ـ لا ريب أنّ تفشي الذنوب والمعاصي بين الناس من عوامل نزول البلايا والكوارث ولا يبعد أن تكون الأعمال المخزية من موجبات الجدب والقحط والمجاعات ، وهذه الحقيقة مضافاً إلى انطباقها على القواعد الفلسفية ممّا صرح به القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، راجع سورة الأعراف ، الآية : ٩٦.

١٥٤

واضطرت إلى مغادرة تلك الديار ، وايقن زعيمها « مضامن بن عمرو » بانه سرعان ما يفقد زعامته ، ويزول حكمه وسلطانه بفعل هجوم العدو ، امر بان يُلقى الغزالان الذهبيان ، والسيوف الغالية الثمن الّتي كانت قد اُهديت إلى الكعبة ، في قعر بئر زمزم ، ثم يملأ البئر بالتراب ويعفى اثره إعفاء كاملا حتّى لا يهتدي خصومه إلى مكانه ابداً ، حتّى إذا عادت إليه زعامته وعاد إلى مكة استخرج ذلك الكنز الدفين ، واستفاد منه. ثم نشب القتال بين « جرهم » و « خزاعة » واضطرت « جرهم » وكثير من ابناء اسماعيل إلى مغادرة « مكة المكرمة » ، والتوجه إلى ارض اليمن ، ولم يرجع أحدٌ منهم إلى « مكة » ابداً.

ووقعت زعامة مكة منذ هذا التاريخ بيد « خزاعة » حتّى بزغ نجم قريش في سماء مكة بوصول قصيّ بن كلاب ( الجدَ الرابع لنبي الإسلام ) إلى سدة الزعامة والرئاسة ، ثم بعد مدة انتهى امر الزعامة إلى « عبد المطلب » فعزم على أن يحفر بئر « زمزم » من جديد ، ولكنه لم يعرف بموقع البئر معرفة كاملة حتّى إذا عثر عليه بعد بحث طويل قرّر ان يهيء هو وولده « حارث » مقدمات ذلك.

وحيث أنه « يوجد في المجتمع دائماً من يتحجّج ويجادل ـ بسبب سلبيته ـ ليمنع من أي عمل ايجابي مفيد ، انبرى منافسوا « عبد المطلب » إلى الاعتراض على قراره هذا وبالتالي التفرد باعادة حفر بئر زمزم ، لكيلا يذهب بفخر هذا العمل العظيم ، وقالوا له : إنها بئر أبينا اسماعيل ، وان لنا فيها حقاً فاشركنا معك » ولكن « عبد المطلب » رفض هذا الطلب لبعض الاسباب ، فقد كان « عبد المطلب » يريد ان يتفرد بحفر زمزم ، ويسبّل ماءها ليسقي منها جميع الحجيج دون مانع ولا منازع ، ويحول بذلك دون المتاجرة به ولم يكن ليتسنى له ذلك إلاّ إذا قام بحفر زمزم بوحده دون مشاركة من قريش.

وقد آل هذا الأمر إلى النزاع الشديد فتقرر أن يتحاكموا إلى كاهن من كهنة العرب وعقلائهم والقبول بما يقضي به ، فتوجه « عبد المطلب » ومنافسوه إلى ذلك الكاهن وقطعوا الصحارى القاحلة بين الحجاز والشام ، وفي منتصف الطريق أصابهم جهدٌ وعطش شديدان ، ولمّا تيقَّنوا بالهلاك ، وقرب الوفاة اخذوا

١٥٥

يفكرون في كيفية الدفن إذا هلكوا وماتوا ، فاقترح « عبد المطلب » ان يبادر كلُ واحد إلى حفر حفرته حتّى إذا أدركهُ الموت دفنه الآخرون فيها ، فاذا استمر بهم العطش وهلكوا يكون الجميع ( ما عدا من بقي منهم على قيد الحياة ) قد اُقبروا ، ولم تغد ابدانهم طعمة للوحوش والطيور فأيَّد الجميع هذا الاقتراح(١) ، واحتفر كل واحد منهم حفيرة لنفسه ، وجلسوا ينتظرون الموت بوجوه واجمة ، وعيون ذابلة ، وفجأة صاح عبد المطلب : « واللّه إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضربُ في الأرض ونبتغي لأنفسنا لعجزٌ » وحثهم على البحث عن الماء في تلك الصحراء بصورة جماعية عسى ان يجدوا ما ينقذهم من الموت ، فركب عبد المطلب وركب مرافقوه ، واخذوا يبحثون عن الماء يائسين غير مصدّقين ، ولم يمض شيء حتّى ظهرت لهم عين ماء عذبة انقذتهم من الموت المحتم ، وعادوا من حيث جاؤوا وهم يقولون لعبد المطلب : « قد واللّه قضى لك علينا يا عبد المطلب ، واللّه لا نخاصمك في زمزم أبداً ، إن الّذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الّذي سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشداً وتنازلوا له لينفرد بحفر زمزم ويكون إليه أمره دون منازع ، ولا شريك »(٢) .

فعمد « عبد المطلب » وولده الوحيد الحارث إلى حفر البئر ، ونشأ من ذلك تلٌ هائلٌ من التراب حول البئر ، وفجأة عثر « عبد المطلب » على الغزالين المصاغين من الذهب ، والسيوف المرصعة المهداة إلى الكعبة ، فشبَّ نزاع آخر بين « قريش » وبين « عبد المطلب » على هذه الاشياء ، واعتبرت « قريش » نفسها شريكة في هذا الكنز ، وتقرر ان يلجأوا إلى القرعة لحل هذا المشكلة ، فخرجت القرعة باسم « عبد المطلب » ، وصار جميع ذلك الكنز إليه دون « قريش » ، ولكن عبد المطلب خصَ بتلك الاشياء الكعبة فصنع من السيوف باباً للكعبة ، وعلق الغزالين الذهبيّين فيها.

__________________

١ ـ ولعلّ احجام الآخرين من الاداء بالاقتراح وهو اليأس المطلق من تحصيل الماء.

٢ ـ تاريخ اليعقوبي : ج ١ ، ص ٢٠٦ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٤٢ ـ ١٤٧.

١٥٦

التفاني في سبيل الوفاء بالعهد والنذر :

رغم ان العرب الجاهليين كانوا غارقين في الفساد الأخلاقي فانهم كانوا يتحلون ببعض الصفات الحسنة ، والخصال المحبَّبة.

وللمثال كان نقض العهود من أقبح الافعال في نظرهم ، فاذا عقدوا عهوداً مع القبائل العربية أو ثقوها بالأيمان ، المغلظة المؤكدة ، والتزموا بها إلى الاخير ، وربما نذروا النذور الثقيلة واجتهدوا في اداءها مهما كلف ذلك من مشقة وثمن.

ولقد أحسَّ « عبد المطلب » عند حفر بئر زمزم بالضعف في قريش لقلة اولاده ، ولهذا نذر إذا رزقه اللّه تعالى عشرة بنين أن يقدم أحدهم قرباناً للكعبة ولم يُطلِعْ احداً على نذره هذا.

ولم يمض زمان الاّ وبلغ عَدَدُ ابنائه عشرة ، وبذلك حان أوان وفائه بنذره الّذي نذر ، وهو ان يذبح احدهم قرباناً للكعبة.

ولا شك ان تصور مسألة كهذه فضلا عن تنفيذه كان امراً في غاية الصعوبة على عبد المطلب ، ولكنه كان في نفس الوقت يخشى ان يعجز عن تحقيق هذا الامر فيكون من الناقضين للعهد ، التاركين لاداء النذر ، ومن هنا قررأن يشاور ابناءه في هذا الامر ، وبعد ان يكسب رضاهم وموافقتهم يختار احدهم للذبح بالقرعة(١) .

وتمت عملية القرعة ، فاصابت « عبدَ اللّه » والد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاخذ عبد المطلب بيد ابنه ، وتوجَّه من فوره إلى حيث يذبحه فيه.

ولما علمت قريش رجالُها ونساؤها بقصة النذر المذكور وما آلت إليه عملية القرعة حَزِنَ الناس والشباب خاصة لذلك حزنا شديداً وبكوا وضجوا ، وقال أحدُهم ليتني ذبحت مكان هذا الشاب.

__________________

١ ـ هذه القضية ذكرها كثير من المؤرخين وكتّاب السيرة ، وهذه القصّة إنّما هي جديرة بالاهتمام من جهة أنها تجسّد مدى إيمان « عبد المطلب » وقوّة عزمه ، وصلابة إرادته ، وتبين جيّداً كم كان مصرّاً على الوفاء بعهوده والتزاماته.

١٥٧

فاقترحت قريشٌ على عبد المطلب بان يفدي « عبد اللّه » ، واظهروا استعدادهم لدفع الفدية إذا جاز ذلك ، فتحيّر « عبد المطلب » تجاه تلك المشاعر الساخنة ، والاعتراضات القوية ، وراح يفكّر في عدم الوفاء بنذره ، ويفكر في نفس الوقت في الحصول على مخلص معقول من هذه المشكلة ، فقال له أحدهم : لا تفعل وانطلق إلى أحد كهنة العرب عسى أن يجد لك حلا.

فوافق « عبد المطلب » واكابر قريش على هذا الاقتراح ، وتوجهوا بأجمعهم نحو « يثرب » قاصدين ذلك الكاهن ، ولما قدموا عليه سألوه في ذلك فاستمهلهم يوماً واحداً ، ولما كان اليومُ الثاني دخلوا عليه فقال لهم : كم دية المرء عندكم؟ قالوا : عشرٌ من الابل.

فقال : إرجعوا إلى بلادكم ، وقَرّبوا عشراً من الإبل واضربوا عليها وعلى صاحبكم « أي عبد اللّه » القداح فان خرجت القرعة على صاحبكم فزيدوا عشراً ، حتّى يرضى ربُكم ، وإن خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربُكم ونجا صاحبكم وكانت عنه فداء.

فهدَّأ اقتراحُ الكاهن لهيبَ المشاعر الملتهّبة لدى الناس ، لأن نحر مئات الابل كان أسهل عليهم من أن يشاهدوا شاباً مثل « عبد اللّه » يتشحط في دمه.

ولهذا فانهم فور عودتهم إلى « مكة » بادروا إلى اجراء القرعة في مجمع كبير من الناس وزادوا عشراً عشراً حتّى إذا بلغ عدد الإبل مائة خرجت القداح على الإبل ، ونجا « عبد اللّه » من الذبح ، فأحدث ذلك فرحة كبيرة لدى الناس ، بيدَ أَن « عبد المطلب » طلب أن تُعاد عملية القرعة قائلا : « لا واللّه حتّى أضربَ ثلاثاً » ، وأنما أراد ذلك ليستيقن ان ربه قد رضي عنه ، ولكن في كل مرة كانت القداح تخرج على الإبل المائة فنحرت الابلُ ثم تركت لا يمنع عنها انسانٌ ولا سبع(١) .

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ١٥٣ ، وبحار الانوار : ج ١٦ ، ص ٧٤ ، وقد نُقلّ عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « أنا ابْن الذبيحين » يقصدُ بالأَول جدّه إسماعيلعليه‌السلام والثاني أباه « عبد اللّه » الّذي كاد أن ينحر ولكنه نجا من الذبح كما نجا جدُّه إسماعيلعليه‌السلام .

١٥٨

حادثة عام الفيل :

عندما يحدُثُ أمرٌ عظيم في امّة من الاُمم وخاصة إذا كان ذا جذور دينية أو ذا مدلولات قومية أو سياسية فانه سرعان ما يتحول ـ بفعل اعجاب الناس عامة به ـ إلى مبدأ للتاريخ.

فقيام النبي موسى يعتَبر مبدأ للتاريخ عند اليهود ، ومولد السيّد المسيح يعتبر مبدأ للتاريخ عند النصارى ، والهجرة النبوية الشريفة تعتبر مبدأ للتاريخ عند المسلمين.

وهذا يعني أن كل امّة من الاُمم تقيس حوادثها من حيث الزمان بذلك الحدث الّذي تعتبره بداية تاريخها.

وأحياناً تتخذُ الاُمم والشعوب بعض الحوادث مبدأ للتاريخ مع انها تملك مبدأ سياسياً للتاريخ ، كما نلاحظ ذلك في بلاد الغرب وشعوبه ، فقد اتخذت الثورةُ الفرنسية ، وثورة اكتوبر الشيوعية مبدأ للتاريخ في فرنسا ، والاتحاد السوفياتي ، بحيث اصبح يقاس بهما كل ما وقع من الحوادث بعدهما.

ولكن الشعوب غير المتحضرة الّتي لم تمتلك مثل تلك الثورات والحركات السياسية والدينية كان من الطبيعي أن تتخذ الحوادث الخارقة للعادة مبدأ لتاريخها بدلا من الثورات والتحوّلات الاجتماعية ، وهذا ما حدث عند العرب وقبل الإسلام.

فانهم ـ بسبب حرمانهم من حضارة صحيحة ـ اتخذوا من بعض الوقائع المفجعة والمرة ـ كالحرب والزلزال ، والمجاعة والقحط أو الحوادث غير الطبيعية ، الخارقة العادة مبدأ لتاريخهم.

ولهذا نجد مبادئ متعددة للتاريخ عند العرب ، آخرها : ضجة عام الفيل وهجوم « أبرهة » على « مكة » بهدف الكعبة المشرفة ، الّتي صارت في ما بعد مبدأ للتاريخ تؤرخ ـ بقية الحوادث والوقائع اللاحقة.

ونظراً لأهمية هذا الحدث التاريخي العظيم الّذي وقع عام ٥٧٠ وأتفقت فيه

١٥٩

ولادة النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاننا نتناول هذه القصة بالعرض والتحليل :

ما هي عوامل هذه الحادثة؟

لقد ذكرت قصة أصحاب الفيل في القرآن بصورة مختصرة ، وسوف ننقل ـ هنا ـ الآيات الّتي نزلت حول هذه القصة بعد حوادثها.

يكتب المؤرخون عن علة هذه الحادثة ان ملك اليمن « تُبان أسعد » والد ذي نواس بعد ان أرسى قواعد حكمه مر في احدى رحلاته على يثرب ( المدينة ) ، وقد كانت ل‍ « يثرب » في ذلك الوقت مكانةٌ دينيةٌ مرموقةٌ فقد قطنها جماعة من اليهود(١) ، وبنوا فيها عدداً من المعابد والهياكل ، فأكرم اليهودُ مقدم ملك اليمن ، ودعوه إلى دينهم ليستطيعوا في ظل حكمه حماية أنفسهم من أذى المسيحيين الروميين ، والمشركين العرب.

ولقد تركت دعوتهم وما رافقها من اساليب مؤثرة اثرها في نفس ذلك الامير واختار اليهودية ، واجتهد في بثها ونشرها. ثم ملك من بعده ابنه « ذونواس » الّذي جدّ في بث اليهودية والتحق به جماعة خوفاً.

بيد أن اهل نجران الّذين كانوا قد دانوا بالمسيحية قبل ذلك امتنعوا من تغيير دينهم وترك المسيحية واعتناق اليهودية ، وقاوموا « ذي نواس » مقاومة شديدة ، فشق ذلك على ملك اليمن ، واغضبه فتوجه احد قادته إلى نجران على رأس جيش كبير لتأديب المتمردين من أهلها فعكسر هذا الجيش على مشارف نجران ، واحتفر قائدة خندقاً كبيراً ، واوقد فيه ناراً عظيمة ، وهدّد المتمردين بالاحراق بالنار.

ولكن أهل نجران الذين احبّوا المسيحية واعتنقوها برغبة كبيرة اظهروا شجاعة كبرى ، واستقبلوا الموت حرقاً ، وغدوا طعمة للنيران.

يقول المؤرخ الإسلاميُّ « ابنُ الاثير الجزري » بعد ذكر هذه القصة : لما قتل

__________________

١ ـ وفاء الوفا : ج ١ ، ص ١٥٧ ، والسيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢١ و ٢٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

نعم بقي هنا سؤال

وهو انّه إذا سلمنا انّ النبي والرسول لا يقصد منهما أزيد مما يفيده لفظهما بحسب المفهوم ولا فرق بينهما إلّا في المعنى الجوهري الذي يدلاّن عليه، وانّ ما ذكر من الفروق كلها خارج عن صلب المعنى وما وضع له اللفظ، فكيف نفسر قوله سبحانه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (١) وقوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٢) ؟

الجواب

إنّ مفاد هذه الآيات على ما حقّقناه واضح، أمّا فيما إذا وقعا وصفين لشخص واحد مثل قوله سبحانه:( وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (٣) وقوله سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ) (٤) فالمراد الدلالة على أنّه واجد لكلا المنصبين، ومتصف بكلتا الحيثيتين إذ للفرد الموحى إليه، المبعوث من الله سبحانه لإبلاغ أحكامه، شؤون ومناصب أو صفات وحالات، فبما انّه يوحى إليه وله اتصال بالمبدأ الأعلى ومطلع على الغيب أو منبئ عنه فهو نبي، وبما أنّه يتحمل رسالة من الله تعالى ويتم حجته على العباد، ويجب عليه إرشاد الناس وإنذارهم، فهو رسول( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (٥) .

__________________

(١) مريم: ٥٤.

(٢) الحج: ٥٢.

(٣) مريم: ٥٤.

(٤) الأعراف: ١٥٧.

(٥) النساء: ١٦٥.

٣٨١

وأمّا إذا استعملا على وجه يشيران إلى طائفة مثل قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (١) فإنّ الظاهر انّ كل واحد من اللفظين يشير إلى طائفة وجماعة واحدة ولا يدل على تعدد الطائفتين مصداقاً، وانّ الموصوف بالنبوة غير الموصوف بالرسالة حسب الوجود، بل يمكن أن يكون اللفظان بما لهما من المعنى حاكيين عن جماعة واحدة لهم شأن النبوة والرسالة، فيصير هدف الآية: انّا ما أرسلنا أحداً من هذه العصابة إلّا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيته، غير انّه طلباً لجلية الحال وتوخياً في استيعاب كل واحد منهم بلا استثناء، وانّ الحكم يعم رسولهم ونبيّهم عطف أحدهما على الآخر، طلباً لشمول الحكم لهم جميعاً، وانّ بلوغهم مرتبة النبوة والرسالة، ما منعهم عن هذه الهواجس.

وان أبيت إلّا عن ظهور الآية في تعدّد الطائفتين وجوداً ومصداقاً وانّ هنا مجموعتين: أنبياء ورسلاً ويفترق بعضها عن بعضها فعندئذ نقول: قصارى ما يمكن أن يقال انّ كل واحد من اللفظين إذا انفرد بالذكر، لا يدل إلّا على المعنى الذي أشرنا إليه، من دون دلالة على أحد من هذه الفروق، ومن دون أن نلتزم بالتفرقة بينهما بواحد من هذه الفروق، مثلاً إذا قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٢) فلا يقصد من لفظ النبي، إلّا كونه المطّلع على الغيب والمنبئ عنه من دون أن يشير إلى واحد من هذه الفروق.

وإذا قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ) لا يقصد منه إلّا صاحب الرسالة والمبعوث إلى الناس لإبلاغ كلام، أو تنفيذ عمل من دون أن يدل على كونه ذا كتاب، أو شريعة جديدة، أو معايناً للملك، وآخذاً منه

__________________

(١) الحج: ٥٢.

(٢) الأحزاب: ٤٥.

٣٨٢

الوحي، فإنّ واحداً من هذه المعاني لا يخطر ببال أي عربي عند سماع هذين اللفظين.

نعم إذا اجتمعا في الذكر، وأشارا إلى طائفتين مثل قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ، فالاعتراف بظهور الآية فيما ادّعاه القائل من دلالة اللفظين على أنّ هنا طائفتين، مختلفتين، لكل منهما صفة وخاصية، يدفعنا إلى إبداء الفرق بينهما بأحد من الوجوه المذكورة في كلمات القوم مضافاً إلى ما يفيده لفظهما فيكون وزان النبي والرسول وزان الظرف والجار والمجرور والفقير والمسكين، « إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا » وقد عرفت حال الوجوه السالفة، وأقربها إلى الاعتبار هو الوجه الرابع المؤيد ببعض الروايات.

الثاني: منصب النبوة أسمى من مقام الرسالة

انّ منصب النبوّة أسمى من مقام الرسالة، والنبي بما هو نبي، أشرف من الرسول بما هو رسول، لما عرفت انّ الحيثية المقومة للنبوة، هي الاتصال بالله واستعداد النفس لوعي ما ينزل به الوحي من المبدأ الأعلى، والحيثية المقومة للرسالة هي تحمل تنفيذ عمل أو ابلاغ قول من المرسل، وأين شرف الاتصال بالله والمبدأ الأعلى من شرف تحقيق عمل في الخارج أو إبلاغ كلام عن شخص إلى الغير ؟

وقد عرفت أنّ النبي لم يستعمل في القرآن إلّا في الإنسان الموحى إليه، المبعوث من ناحيته سبحانه إلى الناس، وأمّا الرسول فقد توسع فيه القرآن ولا يختص بالإنسان الموحى إليه من الله، بل يستعمل في الأعم.

وبذلك يمكن أن يقال: إنّ النبي في مصطلح القرآن أفضل من مطلق الرسول، فإنّ في توصيف الشخص بكونه نبياً يدل على كونه قد احتل مكانة مرموقة، وليس كذلك عند وصفه بكونه رسولاً، إذ يحتمل أن يكون نبياً مرسلاً من

٣٨٣

جانب الله أو من جانب نبيه، أو شخص ثالث ولا يتأتى مثل هذا الاحتمال في النبي وبذلك يعلم سر إطراء عدة من الأنبياء بالرسالة أوّلاً وبالنبوة ثانياً، قال سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ) (١) ويقول سبحانه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (٢) وقال عز اسمه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (٣) ، وقال عزّ من قائل:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٤) .

ترى أنّه سبحانه عندما أراد إطراء نبي من الأنبياء وتوصيفه بما فيه من الصفات، يصفه أوّلاً بكونه رسولاً ثمّ يردفه بكونه نبياً، وما ذاك إلّا لـما أوضحناه من سمو مقام النبي وكرامته على مطلق الرسول وأحقيته منه عند الإطلاق، فلو كان الأمر على ما اشتهر بين الناس من أحقية الرسول وأفضليته، لما صحّ له سبحانه أن يترقى من الوصف العالي إلى ما هو أنزل منه، خصوصاً إذا كان في مقام الإطراء والمدح، كما هو الحال في الآيات كلّها غير الرابعة.

الثالث: النبوة أساس رسالة الإنسان من الله

النبوة أساس رسالة الإنسان من الله سبحانه، إذ رسالة الإنسان من جانب الله سبحانه لإبلاغ أمره أو زجره لا تتحقّق إلّا باتصاف الرسول بالنبوة وارتقاء نفس النبي إلى حد يقدر معه على وعي الوحي، ويصبح به جديراً بنزول كلام الرب عليه، إذ الرسول الذي أمرنا الله بوجوب اتباعه واقتفائه، وحرمة التخلف

__________________

(١) الأعراف: ١٥٧.

(٢) مريم: ٥٤.

(٣) مريم: ٥١.

(٤) الحج: ٥٢.

٣٨٤

عن أمره ونهيه، كما هو صريح قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) (١) هو المبعوث من جانب الله، المبلّغ عنه أحكامه ودساتيره، المؤدي عنه سبحانه كل ما يقوله، من صغير وجليل، ولا يصير الإنسان مؤدياً عنه سبحانه إلّا إذا استمسك بباب الوحي واعتصم به واستند إليه في قوله ونقله وإبلاغه واتصف بالتنبّؤ به(٢) .

الرابع

قد تبين في الأمر المتقدم، انّ القسم الخاص من الرسول(٣) أعني: الإنسان المبعوث من جانب الله سبحانه، هو نفس النبي مصدقاً وانّ النسبة بينهما من حيث المصداق هي التساوي، وعلى ذلك فلا فرق بين أن تقول: « محمد رسول الله وخاتم النبيين » أو تقول: « وخاتم الرسل » للتلازم بين الأمرين، من حيث المصداق، فلو فرض أنّه أوصد باب النبوة وختم نزول الوحي إلى أي إنسان ( كما تشير إليه مادة النبأ والنبوة ) فعند ذاك يختتم باب الرسالة الإلهية أيضاً بلا ريب وتردّد، لأنّها تحقيق ما تحمّله النبي من جانب الله عن طريق الوحي، فإذا انقطع الوحي، والاتصال بالمبدأ الأعلى والاطلاع على ما عنده سبحانه، فعند ذاك، فقد أحد أركان الرسالة، أو ركنها الركين، أي التبليغ من جانب الله مستنداً إلى الوحي

__________________

(١) النساء: ٦٤.

(٢) ويدل على ذلك ما استفاض نقله عن الصادقينعليهما‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً وانّ الله تعالى اتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً، وانّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وانّ الله تعالى اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ». ( الكافي: باب طبقات الأنبياء والرسل: ٩٤ ).

(٣) قد عرفت أنّ الرسول في القرآن هو صاحب الرسالة سواء تحملها من الله، أو من جانب نبيّه أو من جانب شخص عادي، ولأجل ذلك خصصنا الكلام بالقسم الخاص.

٣٨٥

فتصير الرسالة عندئذ منتفية بانتفاء موضوعها.

فإذا كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتماً للنبيّين، أي مختوماً به الوحي والاتصال فهو خاتم الرسل والمرسلين(١) طبعاً، لأنّ رسالة الإنسان من جانب الله سبحانه، عبارة عنبيان وإبلاغ ما أخذه منه عن طريق الوحي، فلا تستقيم رسالة أي إنسان منجانبه سبحانه، إذا انقطع الوحي والاتصال به تعالى، ولا يقدر أن يتقول أي ابن أُنثى بالرسالة من ناحيته عز وجل، إذا كانت النبوة موصدة باعترافه.

وبذلك يعلم أنّ كلا اللفظين ( « خاتم النبيين » و « خاتم الرسل ) » وإن كانا مفيدين لمعنى واحد، إلّا أنّ اختيار الأوّل على الثاني لأجل أنّ النبوة أساس للرسالة من جانب الله، حيث إنّه يجب أن يعتمد الرسول في إبلاغه وإنذاره وإرشاده، على الوحي والاتصال بالله سبحانه، ولا يفيده إلّا لفظ النبي دون غيره، فإذا أصحر المتكلم بإنهاء الوحي وانقطاعه من السماء إلى الأرض إلى يوم القيامة وقال « إنّه خاتم النبيين » أي انّه آخر من يوحى إليه، وانّه لن يوحى من بعده إلى أحد يلزم منه ختم باب الرسالة الخاصة بطريق أولى، ويكون من باب إفادة المقصد ببيّنة وبرهان، كما لا يخفى(٢) وأمّا ختم الرسالات الأُخر، كرسالة الملك من الله سبحانه فلا صلة له بالبحث، سواء أكان بابها مفتوحاً أو موصداً، وأمّا الرسالة من جانب النبي والرسول، فلا نبي بعده، حتى يكون لهذا النبي، رسول وأمّا الرسالة من

__________________

(١) المراد، القسم الخاص من الرسالة، لا الرسالة من جانب النبي ولا من جانب الشخص العادي.

(٢) قال العلّامة الطباطبائي ـ دام ظلّه ـ بعد ما اختار في معنى الرسالة والنبوة ما أوضحنا، وأقمنا برهانه ـ ما هذا لفظه: ولازم ذلك أن ترتفع الرسالة بارتفاع النبوة، فإنّ الرسالة من أنباء الغيب فإذا انقطعت الأنباء، انقطعت الرسالة. الميزان: ١٦ / ٣٤٦.

٣٨٦

ناحية فرد عادي، فهو خارج عن المقصود.

هذا ما أوصلنا إليه التدبر في آيات الذكر الحكيم وكلمات الفطاحل الأعلام، ونردف المقام بالبحث عن الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٨٧

بحث وتنقيب

قد اضطربت الروايات المروية عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، حول تفسير الرسول والنبي، اضطراباً يعسر إرجاعها إلى أمر واحد إلّا بإمعان وتدبّر عميق، وتلك المأثورات على أقسام ننقلها تحت أقسام، حتى تسهل الإشارة إليها :

الأوّل: ما يسوق منصبي النبوة والرسالة إلى أربع درجات ولا يفرّق بينهما قيد شعرة :

أخرج الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي(١) ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور عنه قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات(٢) فنبي منبئ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبييرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحد، وعليه امام، مثل ما كان إبراهيم على لوط(٣) ، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت

__________________

(١) قال الغضائري: حديثه يعرف تارة وينكر أُخرى، ويجوز أن يخرج شاهداً، وقد استثنى ابن الوليد وابن نوح وابن بابويه من روايات « محمد بن أحمد بن يحيى » ما رواه عن « أبي يحيى الواسطي » وقرّره الشيخ في فهرسته والنجاشي في رجاله. راجع قاموس الرجال: ٥ / ٤٣.

(٢) ويحتمل أن يكون المراد، انقسام مجموع الصنفين إلى أربعة، لا كل واحد، وعندئذ يخرج الحديث عن الدلالة على هذا القسم.

(٣) الظاهر من التمثيل ب‍ « لوط » من جهة انّ عليه إماماً، لا من جهة انّه لا يعاينه حتى ينافي قوله سبحانه:( ولـمّاجَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ) ( هود: ٧٧ ) ولا من جهة انّه لم يبعث إلى أحد حتى ينافي قوله تعالى:( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ المُرْسَلِينَ ) ( الصافات: ١٣٣ ).

٣٨٨

ويعاين الملك، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس، قال الله تعالى:( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (١) ( قال: يزيدون ثلاثين ألفاً ) وعليه إمام، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين ( الملك ) في اليقظة وهو إمام مثل أُولي العزم(٢) ، وقد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام حتى قال الله:( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً »(٣) .

والرواية مع قطع النظر عمّا تحتاج إليه من توجيه، كما أشرنا إليه في التعليقة، تخالف ما استظهرناه من الآيات من كون كل نبي مبعوثاً إلى الناس، وانّه ليس لنا نبي لا يعدو نفسه، كما هو نص الرواية، إلّا على بعض الوجوه، كما هو الحال في بدء الوحي وقبل الأمر بالإنذار، ولكنّه يؤيد ما أوضحناه من كونه النسبة بين الرسول(٤) والنبي هي المساواة حسب المصداق.

وأمّا ما أخرجه الكليني بسند موثق عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أُولو العزم من الرسل، وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».(٥) فليس من أحاديث هذا الباب، بل غايته انّ هناك نبياً ومرسلاً، وأمّا تساوي النبوة والرسالة، والنبي والرسول فلا يستفاد منه أصلاً.

__________________

(١) الصافّات: ١٤٧.

(٢) قد حدّد أولو العزم بقيود أربعة: من رؤية في المنام، وسماع صوت الملك، ومشاهدته، وهو إمام.

(٣) الكافي: ١ / ١٧٤، ١٧٥، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة.

(٤) المراد الرسالة من الله فلا تغفل.

(٥) الكافي: ١ / ٨٤، باب طبقات الأنبياء والرسل.

٣٨٩

الثاني: ما يخصص النبوة بتجلّي الله لنبيه في اليقظة، ولا يطلقها على غيره من مراتب الوحي(١) .

روى الصدوق عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك: الغشية التي تصيب رسول الله إذا أُنزل عليه الوحي ؟ فقال: « ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلّى الله له »، قال: ثم قال: « تلك النبوة يا زرارة » وأقبل يتخشع(٢) .

ويمكن توجيهه بحملها على الدرجة الكاملة من النبوة، وإن كانت النبوة غير منحصرة في هذا القسم، كما ينبئ عنه قولهعليه‌السلام تلك النبوة، فلا ينافي ما أوضحناه.

وأمّا حديث الغشية، فقد أوضحه الإمام في رواية أُخرى بقوله: « إنّ جبريل إذا أتى النبي لم يدخل عليه حتى يستأذنه، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد، وإنّما ذلك عند مخاطبة الله عزّ وجلّ إياه بغير ترجمان وواسطة »(٣) .

الثالث: ما يظهر منه اختصاص النبوة بالإيحاء في المنام، والرسالة بمعاينة الملك(٤) .

__________________

(١) وقد نقله قولاً في مجمع البحرين مادة « نبأ ».

(٢) التوحيد: ١١٥، طبعة مكتبة الصدوق.

(٣) راجع البحار: ١٨ / ١٠٢.

(٤) الظاهر انّ المراد من الملك في هاتيك الروايات هو جبرئيل، ولو كان مطلق من كلّمه الملك أو رآه رسولاً، يلزم أن تكون سارة زوجة إبراهيم ومريم بنت عمران رسولتين، بل كل من كلّمه الملكان ببابل، رسولاً، وعند ذلك يمكن أن يقال: إنّ المراد من الملك فيها هو جبرئيل وله بين الملائكة شأن عظيم وهو رسول كريم، ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.

وقد جعل المجلسي في « مرآة العقول »: ١ / ١٣٤ هذا المعنى أحد الاحتمالات.

٣٩٠

أخرج الكليني عن أحمد بن محمد(١) ومحمد بن يحيى(٢) عن محمد بن الحسين(٣) ، عن علي بن حسان(٤) عن ابن فضال(٥) عن علي بن يعقوب الهاشمي(٦) ، عن مروان بن مسلم(٧) عن بريد(٨) عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام في قوله عزّ وجل:( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) قلت: جعلت فداك: ليست هذه قراءتنا، فما الرسول والنبي والمحدّث ؟ قال: « الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه، والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد، والمحدّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة » قلت: أصلحك الله كيف يعلم إنّ الذي رأى في النوم حق وانّه الملك ؟ قال: « يوفق لذلك حتى يعرفه، لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الأنبياء »(٩) .

الرابع: ما يظهر منه انّ للنبي شأنين ( الإيحاء إليه في المنام وسماع صوت

__________________

(١) ولعلّه العاصمي كما احتمله المجلسي في مرآته، وليس المراد أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، لأنّ الكليني لا يروي عنه إلّا بواسطة.

(٢) العطار القمي.

(٣) محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وهو ثقة جليل.

(٤) علي بن حسان الواسطي، لا الهاشمي، لأنّه لا يروي إلّا عن العمش وهو ثقة جليل.

(٥) أي الحسن بن الفضال، لا ابناه: علي بن الحسن، وأحمد بن الحسن، وهو إمامي ثقة، وكان فطحياً ولكنه استبصر.

(٦) لم يعنون في كتب الرجال، والظاهر من متن الحديث انّه كان إمامياً، ولو كان مطعوناً، لذكر في كتب الرجال.

(٧) ثقة جليل.

(٨) العجلي ثقة جليل عديل زرارة ومحمد بن مسلم، فالخبر وإن لم يكن صحيحاً اصطلاحاً إلّا أنّه حجة ومعتبر.

(٩) الكافي: ١ / ٨٥، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث.

٣٩١

الملك بلا معاينة، وللرسول شؤون ثلاثة وهي هذان الأمران مضافاً إلى معاينة الملك ) :

١. أخرج الكليني عن عدة(١) من أصحابنا، عن أحمد بن محمد(٢) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر(٣) عن ثعلبة بن ميمون(٤) عن زرارة،(٥) قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل:( وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) ما الرسول وما النبي ؟ قال: « النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك »، قلت: الإمام ما منزلته ؟ قال: « يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين »، ثم تلا هذه الآية:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) (٦) ( ولا محدث ).

٢. أخرج الكليني عن محمد بن يحيى،(٧) عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول،(٨) قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرسول والنبي والمحدّث ؟ قال: « الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل قبلا، فيراه ويكلّمه

__________________

(١) العدة التي يروي الكليني بواسطتهم عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عبارة عن: محمد بن يحيى العطار، داود بن كورة، أحمد بن إدريس، علي بن إبراهيم، وعلي بن موسى الكمنداني، صرّح بذلك النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، والعلاّمة الحلي في خاتمة خلاصته، نعم عدّ صاحب الوسائل « محمد بن موسى » مكان « علي بن موسى الكمنداني » وهو من هفوات قلمه الشريف قدس الله سره.

(٢) أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، من أجلاّء أصحابنا القميين، ثقة، فقيه.

(٣) البزنطي من أصحاب الرضا والجوادعليهما‌السلام ، ثقة جليل.

(٤) أحد فقهاء الطائفة الأجلاّء.

(٥) أمره في الفقاهة والجلالة غني عن البيان، فالرواية صحيحة، رجالها كلّهم ثقات.

(٦) الحج: ٥٢.

(٧) محمد بن يحيى العطار، ثقة جليل.

(٨) مؤمن الطاق، محمد بن علي بن النعمان، ثقة جليل، فالحديث صحيح، رجاله كلهم ثقات.

٣٩٢

فهذا الرسول »(١) .

وأمّا النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيمعليه‌السلام ونحو ما كان رأى رسول الله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة، وكان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه جبرئيل ويكلّمه بها قبلاً ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة وأمّا المحدث فهو الذي يحدث، فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه(٢) .

أقول: أثبت الحديث في صدره للنبي أمراً واحداً وهو انّه يرى في منامه، لكنه استدركه في ذيله وأثبت له أمرين، وهو انّه يرى في منامه ويسمع صوت الملك ولا يراه في اليقظة، ولعل تعريف النبي بالرؤية في المنام، للإيعاز إلى أقل ما تتحقق به النبوة، مثل ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى من أسباب النبوة قبل الوحي.

أضف إليه انّ ما أثبته ذاك الحديث للإمام من سماع صوت الملك بلا معاينة ولا رؤية في المنام، أثبته الحديث السابق للإمام.

ثمّ إنّ رفع الاختلاف بين القسمين ( الثالث والرابع ) سهل، فإنّ القسم الثالث وان أثبت للنبي شأناً واحداً وأثبت ذاك شأنين إلّا إنّ الرابع يقدّم على الثالث، لأنّه تعرض لأمر لم يتعرّض له الآخر، والمثبت مقدم على الساكت ولا

__________________

(١) لـمّا كانت الوظيفة المحولة على الرسول أشد وأشق من النبي غير الرسول، وبما انّه في إبلاغ رسالاته مضطر إلى ملابسة الناس وأحوالهم من جميع المشارب والأذواق والعقليات المختلفة، وهو معرض لصنوف ثقيلة من الأذى والسخرية والجدال والمشاحنة، اقتضى ذلك، اختصاص الرسول بالمعاينة، إذ هو عند ذاك في حاجة إلى تقوية روحه وتثبيت جناحه وتشجيعه على التحمل والصبر ومعاينة الملك، وربما تزود العاين بكل هذه الأسلحة الروحية لمواجهة هذه المواقف الصعبة، ولأجله قالعليه‌السلام : الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلمه.

(٢) الكافي: ١ / ١٧٦، باب الفرق بين النبي والرسول والمحدّث.

٣٩٣

يعدان متعارضين، أضف إلى ذلك إنّ كثيراً منها ليست في مقام التحديد، بل في مقام انّ النبوة تتحقق بالرؤية في المنام، أو برؤية الملك في اليقظة بلا تكلم معه، فما يثبت للنبي شأنين، لا صراحة فيه، في اجتماعهما معاً، كما يستفاد ذلك أيضاً، من رواية « المعروفي » الآتية.

الخامس: ما يظهر منه انّ النبي يعاين الملك ولا يسمع كلامه حين المعاينة بخلاف الرسول فإنّه يعاينه حين التكلم :

أخرج الكليني عن علي بن إبراهيم(١) عن أبيه(٢) عن إسماعيل بن مرار(٣) ، قال كتب المعروفي إلى الرضاعليه‌السلام جعلت فداك: أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ؟ قال: « إنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم، والنبي ربّما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص »(٤) .

وظاهره انّ النبي يعاين الملك وان لم يسمع كلامه، وهذا مخالف لما أوردناه في القسمين الماضيين ( الثالث والرابع ) خصوصاً الأخير، فإنّ صريحه انّ النبي لا يعاين الملك. أللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ المنفي عنه فيهما معاينته مع سماع كلامه، والثابت له في هذا القسم هو المعاينة مع عدم سماع كلامه، ولم يظهر من القسمين سلبهما عن النبي.

__________________

(١) ثقة جليل.

(٢) إمامي ممدوح.

(٣) يروي عن يونس بن عبد الرحمان، قال ابن الوليد: كل ما روي عن يونس صحيح، غير ما انفرد به العبيدي، وهذه الجملة من خرّيت الفن توثيق له على وجه العام، فالحديث وان لم يكن صحيحاً لكنه معتبر.

(٤) الكافي: ١ / ١٧٦، باب الفرق بين النبي والرسول.

٣٩٤

إلى هنا تمَّ ما أورده الكليني في هذا الباب، واتضح عدم الفرق الجوهري بين الروايات التي نقلناها في القسم الثالث والرابع والخامس وأنّ مآل الجميع واحد.

السادس: ما يظهر منه انّ عدد المرسلين لا يعدو عن ثلاثمائة وثلاثة عشر والنبيين أكثر من المرسلين بكثير :

روى الفريقان عن أبي ذر، أنّه سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: قلت يا رسول الله كم النبيّون ؟ قال: « مائة وأربعة وعشرون ألف نبي »، قلت: كم المرسلون ؟ قال: « ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً »(١) .

القضاء بين هذه المأثورات

هذه المأثورات عن أهل البيت بين صحاح وحسان ولا منتدح للباحث عن التعرض لها وتوضيح مضامينها، فنقول :

أمّا القسم الأوّل والثاني فلا يخالف ما احتملناه من أنّ الرسول(٢) والنبي متساويان في الصدق وإن لم يكونا مترادفين، فإنّ القسم الأوّل يسوق النبيين والمرسلين معاً إلى أربع طبقات من دون أن يفرّق بينهما قدر شعرة، وأمّا على القول بكون النبي أعم ـ كما هو الحال في النبي الأعظم في بدء الوحي ـ فلا بد من توجيه الرواية على وجه لا يخالفه، كما قلنا، من أنّ كلاً من اللفظين يشير إلى جهة خاصة هي مدلولهما الوضعي على ما أوضحناه.

__________________

(١) بحار الأنوار: ١١ / ٣٢ من الطبعة الحديثة.

(٢) المراد من الرسول: الرسول من جانب الله سبحانه، لا مطلق الرسول، وقد عرفت أنّ القرآن يتوسع في إطلاق الرسول إلّا أنّ البحث في هذه الروايات إنّما هو عن الرسول الخاص الدائر في الألسن، لا مطلق الرسول.

٣٩٥

وأمّا القسم الثاني فهو وان كان يخص النبوة بتجلّي الرب له، إلّا أنّ ذلك من باب إطلاق الكلي على الفرد الكامل، كما في قوله سبحانه:( ذَٰلِكَ الكِتَابُ ) .

وأمّا القسم السادس فلم يثبت عندنا بسند صحيح يؤخذ به.

بقي القسم الثالث والرابع والخامس: وقد أرجعناها إلى أمر واحد وهو « انّ النبي من يوحى إليه في المنام، وربما يسمع بلا معاينة، وربّما عاين بلا تكلم، وأمّا الرسول فهو حائز لعامة المراتب، يوحى إليه في المنام ويسمع الصوت بلا معانية، وربّما يراه ويسمع صوته، فالرسول هو النبي الذي استكملت نفسه حتى استعد لمشاهدة رسول ربه(١) .

فيجب عند ذلك ملاحظة هذا القسم من الروايات :

فنقول: إنّ تلك المأثورات الواردة في الأقسام الثلاثة تهدف إلى أمر واحد، وهو انّ النبي أعم من الرسول، ولا يشترط فيه إلّا أقل مراتب الاتصال بالله، بخلاف الرسول، فهو النبي الذي وصل إلى مكانة مرموقة يقدر معها على معاينة الملك ووعي الوحي عنه. ويترتب على ذلك أُمور :

١. النبي أعم من الرسول، وهو أخص منه.

٢. الرسول أشرف من النبي.

٣. ختم النبوة يستدعي ختم الرسالة، فانّ الاختلاف بين المنصبين حسب تنصيص الروايات من قبيل اختلاف درجات حقيقة واحدة، فلا ينال بالدرجة الكاملة، إلّا إذا نيل بالناقصة منها، كما هو الحال في الدرجات العلمية، كشهادة الدكتوراه والليسانس.

فلو أوصد باب الكلية بوجوه المتخرجين من الثانوية، فلا يعقل أن يكون

__________________

(١) كما هو ظاهر الحديث الأوّل من القسم الرابع.

٣٩٦

قسم الدكتوراه مفتوحاً عليهم، فإنّ الطالب إنّما يتم دراسة الكلية وما بعدها واحداً بعد واحد.

وهذا الأمر الثالث مما أصفقنا عليه سواء أقلنا بما في الروايات، أم قلنا بما استظهرناه من الآيات من كون الرسول أعم من النبي، والرسول المصطلح يساوق النبي صدقاً، وان لم يكونا مترادفين.

وأمّا الأمر الأوّل فتمكن الموافقة معه، فالنبي يمكن أن يكون أعم من الرسول، أمّا لأنّ النبي ربّما لا يكون رسولاً في بعض الأحوال، كما هو الحال في بدء الوحي، وأمّا لما ذكر في هذه الروايات من أنّ الرسول يسمع كلامه مع معاينته في حال التكلم، بخلاف النبي.

وأمّا الأمر الثاني فالتصافق معه مشكل، إذ لو كان الرسول أشرف من النبي فلماذا أخّر النبي وقدم الرسول في كثير من الآيات مع كونها في مقام الإطراء، فهل يصح التدرج من الكامل إلى الناقص ؟ وقد قدمنا الآيات فلاحظ، ومنه يظهر الإشكال في أخصية الرسول على الوجه المذكور في الروايات، فإنّ لازمه التدرّج من الكامل إلى الناقص.

المحدَّث في السنّة

قد وقفت على الفرق بين الرسول والنبي كما وقفت على المراد منهما في الكتاب والسنّة، وبقي هنا بحث وهو: ما هو معنى المحدَّث ؟ فنقول :

اتفق أهل الحديث على أنّ في الأمّة الإسلامية أُناساً تكلّمهم الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهمون ويلقى في روعهم شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة، من المبدأ الأعلى أو ينكت لهم في قلوبهم من حقائق تخفى على غيرهم أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.

٣٩٧

وقد ورد هذا المعنى في الكتب الحديثية من الفريقين.

روى البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب ج ٢ ص ١٩٤، عن أبي هريرة قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أُمّتي منهم أحد فعمر ». وعند القوم أحاديث في هذا الصدد وفي ما ذكرناه كفاية.

وأخرج الكليني عن الأحول قال: سألت أبا جعفر عن الرسول والنبي والمحدَّث ؟ فقال: « وأمّا المحدَّث فهو الذي يحدَّث ولا يعاين ولا يرى في منامه ».

وفي حديث آخر عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام : قالا: « المحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة »(١) .

وقد روي عن ابن عباس انّه كان يقرأ:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ـ ولا محدَّث ـ(٢) .

وليس المراد هو سقوط تلك اللفظة من الذكر الحكيم، فإنّ ابن عباس أجل من أن ينسب إليه التحريف، وعلى كل تقدير فالقول بوجود المحدَّث بين الأمّة الإسلامية مما أطبقت عليه الروايات.

__________________

(١) الكافي: ١ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٢) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: ٦ / ٩٩.

٣٩٨

فهرس المواضيع

مقدمة الكتاب ٥

كلمة العلّامة الحجّة المحقق السيد مرتضى العسكري ٧

رسالة العلّامة الحجّة الشيخ سلمان الخاقاني ٩

خطاب العلّامة الحجة الحكيم المتأله الشيخ حسن الآملي ١١

مقدمة المؤلف: الإيمان بالغيب في الكتاب العزيز ١٣

أثر الحضارة المادية الحديثة على أفكار بعض المفكرين المسلمين ١٤

مناقشة آراء صاحب المنار في تفسير آيات من سورة البقرة ١٥

أجر الرسالة المحمدية في القرآن الكريم

شعار الأنبياء في طريق دعوتهم هو ( ما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ ) وفيه مقامات ٣١

المقام الأوّل: ما هو المراد من ( المَؤدَّةَ فِي القُربى ) ؟ ٣٦

٣٩٩

ماذا فهم الأوائل من ( المَؤدَّةَ فِي القُربَى ) ؟ ٣٨

أسئلة وأجوبتها ٤٢

السؤال الأوّل: لو أراد الله من الآية مودة القربى لقال: إلا مودة أقربائه، أو المودة للقربى ؟ ٤٢

السؤال الثاني: إنّ تفسير الآية بمودة أهل البيت غفلة لأن الآية وردت في سورة مكية ؟ ٤٣

السؤال الثالث: إن المحبة حالة قلبية غير اختيارية ؟ ٥٠

السؤال الرابع: كيف يأمر الرسول بمودة أقربائه مع أنا نجد في صفوفهم من عادى الله ورسوله ؟ ٥٤

المقام الثاني: التأليف بين هذه الآية والآيات الأُخر ٥٦

المقام الثالث: كيف يعود نفع المودّة إلى الناس ؟ ٦٤

المقام الرابع: المودّة في القربى نفس اتخاذ السبيل إلى الله ٦٧

وجه الجمع بين الأجرين الظاهريين ٦٩

المقام الخامس: مناقشة الاحتمالات الواردة حول آية المودَّة ٧٢

المقام السادس: في سرد الأحاديث الواردة حول الآية ٨١

معاجز النبي الأكرم ٦ وكراماته

النبي الأكرم ومعاجزه وكراماته ٨٩

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407