مفاهيم القرآن الجزء ٤

مفاهيم القرآن9%

مفاهيم القرآن مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: مفاهيم القرآن
ISBN: 964-357-221-8
الصفحات: 407

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106073 / تحميل: 7212
الحجم الحجم الحجم
مفاهيم القرآن

مفاهيم القرآن الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
ISBN: ٩٦٤-٣٥٧-٢٢١-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

العقل ، بل إنّ علاقته ترتبط مع قلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومعنى هذا الكلام :

أنّ القرآن لم يرد على الرسول بقوّة العقل وبالاستدلال العقلي ، بل كان هذا قلب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث ارتقى إلى حالة لا يمكن لن-ا تصوّره-ا ، وفي تلك الحالة حصل على قابليّةِ أدراك ومشاهدة تلك الحقائق المتعالية ، وها هي آيات سورة النجم وسورة التكوير توضّح كيفيّة هذا الارتباط إلى حدٍّ ما.

نقرأ في سورة النجم :

( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) : يقول القرآن ذلك ، ليبيِّن أنّ مستوى هذه المسائل فوق حَيِّز عمل العقل الحديث هنا عن المشاهدة والاعتلاء.

ونقرأ في سورة التكوير :

( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآَهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ) .

خصائص القلب

يعتبر القلب من وجهة نظر القرآن وسيلة للمعرفة

٨١

أيضاً ، وإنّ القسم الأكبر من نداءات القرآن تخاطب قلب الإنسان ، تلك النداءات التي لا طاقة لسماعها إلاّ بواسطة أذن القلب ؛ ولذلك فإنّ القرآن يؤكّد كثيراً بالمحافظة على هذه الوسيلة ، والعمل على تكاملها.نلتقي في القرآن كثيراً بأمور مثل تزكية النفس وصفاء القلب :

( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ) ( سورة الشمس : آية : ٩ ).

و( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( سورة المطففين : آية : ١٤ ).

وحول إنارة القلب يقول :( ... إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً... ) ( سورة الأنفال : آية : ٢٩ ).

و( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) ( سورة العنكبوت : آية : ٦٩ ).

وفي مقابل ذلك ، فإنّ الأعمال القبيحة تسود روح الإنسان وتسلب منه الاتجاهات الطاهرة النقيّة ، وقد تكرّر هذا الحديث في القرآن.يقول عن لسان المؤمنين :

( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) ( سورة آل عمران : آية : ٨ ).

٨٢

وفي وصف المسيئين يقول :( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( سورة المطففين : آية : ١٤ ).

( ... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ... ) ( سورة الصف : آية : ٥ ).

ويتحدّث القرآن عن قساوة القلوب وتختمها :

( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ... ) ( سورة البقرة :آية:٧).

و( ... وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ... ) ( سورة الأنعام : آية : ٢٥ ).

و( .... كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ) ( سورة الأعراف : آية : ١٠١ ).

و( ... فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) ( سورة الحديد : آية : ١٦ ).

كلّ هذه التأكيدات تُبيّن أنّ القرآن يريد جوّاً روحيّاً ، ومعنويةً عالية للإنسان. ويوجب على كلّ فرد أنْ يحافظ على سلامة ونقاء هذا الجو.

٨٣

وبالإضافة إلى ذلك ، ففي الجوّ الاجتماعي المريض ، وحيث تصبح أكثر جهود الإنسان لنظافة البيئة عقيمة غير موفّقة ، يؤكّد القرآن أنْ يستغل البشر كلَّ طاقاته في سبيل تصفية وتزكية بيئته الاجتماعيّة.

يصرّح القرآن بأنّ ذلك الإيمان والعشق والمعرفة ، والتوجهات السامية ، وتأثيرات القرآن ، وقبول نصائحه ، كلّ ذلك يرتبط بابتعاد الإنسان والمجتمع الإنساني عن الدنيا ، والرذائل ، والأهواء النفسيّة ، والشهوات.

يشير التأريخ البشري أنّ القوى الحاكمة عندما أرادت السيطرة على مجتمع ما واستثماره ، تسعى لإفساد روح المجتمع ؛ ولهذا الغرض تُهيّئ وسائل الشهوة للناس ، وتحرّضهم على الشهوات.

والنموذج الذي يدعو إلى الاعتبار من هذا الأسلوب القذر ، الفاجعة التي حدثتْ للمسلمين في إسبانيا المسلمة ، التي كانت تُعدّ من مواطن النهضة ، ومن أكثر الدول الأوروبِّيَّة حضارة وتقدّماً.

ولأجل إخراج إسبانيا من أيدي المسلمين ، بدأ

٨٤

وهكذا استطاعوا القضاء على عزيمة المسلمين ، وقوّتهم ، وإرادتهم ، وشجاعتهم ، وإيمانهم ، وصفاء نفوسهم ، وبدّلوهم إلى أشخاص أذلاّء ضعفاء فاسدين ، يتبعون الشهوات ويشربون الخمور ويرتكبون الفواحش والمنكرات.وواضح جدّاً أنّ التغلّب على مثل هؤلاء الأشخاص لم يكن أمراً صعباً.

لقد انتقم المسيحيّون من حكومة المسلمين التي مضى عليها ( ٣٠٠ - ٤٠٠ عاماً ) ، انتقاماً يخجل التاريخ من تذكّره وتذكّر تلك الجرائم.

أولئك المسيحيّون الذين يسلمون الطرف الأيسر من وجوههم إلى مَن لَطَمَ على يمينها - حسب تعاليم السيّد المسيح - ، أجروا بحراً من دماء المسلمين في الأندلس ،

٨٥

وبيّضوا - بذلك -وجه جنكيز ( المغولي ) ، وطبيعي أنّ فشل المسلمين كان نتيجة هممهم المنحطّة وفساد نفوسهم ، وجزاء عدم اتّباعهم للقرآن وتعاليمه.

وفي زماننا أيضاً ، أينما وضع الاستعمار رجله ، يستند على ذلك الموضوع الذي حذّر منه القرآن ، أي أنّه يسعى ليُفسد القلوب ، فإذا فسد القلب لا يستطيع العقل أنْ يعمل شيئاً ، بل تصبح نفسه قيداً أكبر في أيدي وأرجل الإنسان.

ولذلك نرى أنّ المستعمرين والمستثمرين لا يخشون من افتتاح المدارس والجامعات ، بل ويقْدِمون بأنفسهم على تأسيسها ، ولكنّهم يسعون من طرف آخر لإفساد قلوب ونفوس الطلاّب والتلاميذ بكلّ طاقاتهم.

إنّهم يدركون تماماً هذه الحقيقة ، وهي أنّ المريض في قلبه وروحه لا يستطيع أنْ يعمل شيئاً ، ويتقبّل كلّ ذلّة ، واستثمار ، وإساءة.

يهتمّ القرآن كثيراً بنقاء وعلوّ روح المجتمع ، حيث يقول في الآية الشريفة :( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ

٨٦

وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ... ) ( سورة المائدة : آية : ٢ ).

ابحثوا أوّلاً : عن كلّ عمل خير ، وابتعدوا عن كلّ سوء ورذالة.

وثانياً : اعملوا معاً وبصورة اجتماعيّة ولا تعملوا منفردين.

وبالنسبة إلى القلب ، اذكر بعض النقاط على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ؛ ليكون ختاماً حسناً لهذا الموضوع :

مكتوب في كتب السيرة أنّ شخصاً حضر عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : إنّ لي أسئلة أريد أنْ أعرضها عليكم.

فسأله الرسول : هل تريد أنْ تسمع أجوبة أَمْ ترغب في طرح الأسئلة فقط.فأجاب : إنّه يريد الجواب.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -ما معناه - : جئتُ تسأل عن البرّ والإحسان والإثم والعدوان ؟

أجاب : نعم.

فجمع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة من أصابعه ووضعها على صدر الرجل براحة قائلا : ( اسْتَفْتِ قلبَكَ ، وإنْ أفتاك المفتون ).

ثمّ أضاف - ما معناه - :( لقد خُلق القلب بحيث

٨٧

يرتبط مع الحسنات ويرتاح معها ، ولكنّه يضطرب وينزجر من السيّئات والقبائح ، تماماً مثل بدن الإنسان ، فإذا ورده شيء لا يتجانس معه ، يُغَيِّر نظامه ، وهكذا روح الإنسان تتعرّض للاختلال والاضطراب بواسطة الأعمال السيّئة ) .

إنّ ما يسمّى عندنا بعذاب الضمير ناشئ عن عدم تجانس الروح مع المفاسد والسيّئات والآثام.

يشير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه النقطة ، وهي أنّ الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة ويخلص نفسه لمعرفة الحقيقة ، لا يمكن لقلبه - في هذه الحالة - أنْ يخونه ، وسوف يهديه إلى مسير الهداية المستقيم.

والإنسان - أساساً - يبحث صادقاً عن الحق والحقيقة الخالصة المحضة.

٨٨

يرد الرسول على مَن سأله عن البر : ( استفت قلبك ) ، أي أنّك لو كنتَ تريد البر حقيقة ، فإنّ ما يطمئنّ قلبُك به ويسكن ضميرُك له هو البر ، ولكن إذا كنتَ ترغب شيئاً غير أنّ قلبك لم يطمئن له ، فتيقّن أنّه هو الإثم.

وفي مكان آخر يسأل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن معنى الإيمان ؟

فيجيب ( ما معناه ) :( المؤمن هو الذي إذا ارتكب عملاً سيّئاً تعرّض للندم وعدم الراحة ، وإذا ارتكب عملاً صالحاً سرّ وفرح ) .

عن عبد الله بن القاسم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ( إذا تخلّى المؤمن من الدنيا ، سما ووجد حلاوة حبّ الله ، وكان عند أهل الدنيا كأنّه قد خولط ، وإنّما خالط القوم حلاوة حب الله ، فلم يشتغلوا بغيره ) ، أي إنّ المؤمن إذا زهد في الدنيا ، يسمو ويرتفع ويحسّ حلاوة محبّة الله ، ويتصوّر أهل الدنيا أنّه قد جُنّ ، في حين أنّ حلاوة حبّ الله جعلتْه في غنى عنهم ، وشغله حبُّ الله عن غيره.

قال ( الراوي ) وسمعتُه ( الإمام الصادق ) يقول :

٨٩

( إنّ القلب إذا صفا ضاقتْ به الأرض حتّى يسمو ) ( أصول الكافي : ٢/١٣٠ )

عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شابٍّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه ، قد نَحُفَ جسمه وغارتْ عيناه في رأسه.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :كيف أصبحتَ يا فلان ؟

قال : أصبحتُ يا رسول الله موقناً.

فعجب رسول الله من قوله وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لكلّ يقين حقيقة ، فما حقيقة يقينك.

فقال : إنّ يقيني يا رسول الله ، هو الذي أحزنني وأسهر ليلي ، وأظمأ هواجري ، فعزفتْ نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نُصِبَ للحساب ‎ ، وحُشِرَ الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون ، على الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها

٩٠

معذّبون مصطرخون ، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : ( هذا عبد نوّر الله قلبَه بالإيمان ) ، ثمّ قال له : ( إلزَم ما أنت عليه ).

فقال الشاب : ادع الله لي يا رسول الله أنْ أُرزق الشهادة معك ، فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يلبث أنْ خرج في بعض غزوات النبي ، فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر ) ( أصول الكافي - كتاب الإيمان والكفر - : ٢/٥٣ ).

يقول القرآن بأنّ صفاء القلب يوصِل الإنسان إلى مقام يقول عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام : ( لو كُشِفَ لي الغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيْنَا ).

إنّ القرآن بتعاليمه يريد أنْ يُربّي أناساً مسلّحين بسلاح العلم والعقل ، ويستفيدون من سلاح القلب أيضاً ، ويستخدمون هذَين السلاحين في أحسن أساليبه وأسمى كيفيّاته في طريق الحق.وإنّ أئمّتنا وتلامذتهم الصالحين المؤمنين نماذج حيّة واضحة لهؤلاء الأناس.

٩١

الفهرس

التعرف على القرآن الشهيد مرتضى المطهري ١

الفصل الأوّل ٣

ضرورة معرفة القرآن ٤

أقسام معرفة القرآن أوّلاً: المعرفة الإسناديّة أو الانتسابيّة: ٧

ثانياً : المعرفة التحليليّة: ١٤

ثالثاً : المعرفة الجذريّة : ١٦

أصالة ثلاثيّات المعرفة في القرآن * الأصالة الأولى هي أصالة الانتساب : ١٨

* الأصالة الثانية ، أصالة المواضيع : * الأصالة الثالثة هي أصالة القرآن الإلهيّة : ١٩

شروط التعرّف على القرآن * أحد الشروط الضروريّة لمعرفة القرآن : معرفة اللغة العربيّة :

* الشرط الآخر : هو الإلمام بتاريخ الإسلام : ٢٠

* الشرط الثالث : ٢١

هل يمكن معرفة القرآن ٢٦

الفصل الثاني ٣٦

المعرفة التحليليّة للقرآن * يجب أنْ نلاحظ تعريف القرآن لذات الله : ٣٧

* الموضوع الآخر والمعروض في القرآن هو موضوع العالَم.يجب أنْ نلاحظ نظرة القرآن حول العالم : * ومن المسائل العامّة الواردة في القرآن ، مسألة الإنسان ، يجب علينا أنْ نحلّل رأي القرآن بالنسبة للإنسان : * المسألة الأخرى هي مسألة المجتمع البشري : * وبهذه المناسبة ، يأتي الحديث عن التأريخ : ٣٨

* وهناك مواضيع كثيرة جدّاً وردتْ في القرآن ، نُشير إلى بعض منها بإيجاز ، من ضمن هذه المواضيع : * وبالطبع ، فإنّ لكلّ هذه البحوث الكلّيِّة شعب وفروع ( مختلفة ) ، فمثلاً : كيف يعرّف القرآن نفسه ؟ * إنّ أوّل ٣٩

٩٢

* نقطة يُصرّح بها القرآن - لدى التعريف عن نفسه - : * والتوضيح الآخر الذي يعرضه القرآن في تعريف نفسه : ٤٠

التعرّف على لغة القرآن ٤٢

المخاطبون في القرآن ٥٥

الفصل الثالث ٦٠

فطرة القرآن عن العقل ٦١

دلائل حجِّيَّة العقل ١ - الدعوة إلى التعقّل من قِبل القرآن : * وعلى سبيل المثال أذكر نموذجاً لإحدى التعابير العجيبة للقرآن ، يقول القرآن : ٦٢

* وفي آية أخرى ‎ ، يبحث ضمن عرض مسألة ٦٣

توحيديّة ، حول ( التوحيد الأفعالي والتوحيد الفاعلي ) ، بقوله : * وهناك آيات كثيرة أخرى يصادق القرآن على حجِّيَّة العقل فيها بالدلالة الالتزاميّة - إذا دلّ وجود أمر على أمر آخر ، تُطلق عليه اسم الدلالة - وللدلالة أنواع : ٦٤

٢ - الاستفادة من نظام العلّة والمعلول : ٦٥

٣ - فلسفة الأحكام : ٦٨

٤ - النضال مع انحرافات العقل : ٦٩

مواطن الخطأ من وِجهة نظر القرآن * من مواطن الخطأ التي يذكرها القرآن : ٧٣

نظرة القرآن عن القلب ٧٨

تعريف القلب ٧٩

خصائص القلب ٨١

الفهرس ٩٢

٩٣

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

نعم بقي هنا سؤال

وهو انّه إذا سلمنا انّ النبي والرسول لا يقصد منهما أزيد مما يفيده لفظهما بحسب المفهوم ولا فرق بينهما إلّا في المعنى الجوهري الذي يدلاّن عليه، وانّ ما ذكر من الفروق كلها خارج عن صلب المعنى وما وضع له اللفظ، فكيف نفسر قوله سبحانه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (١) وقوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٢) ؟

الجواب

إنّ مفاد هذه الآيات على ما حقّقناه واضح، أمّا فيما إذا وقعا وصفين لشخص واحد مثل قوله سبحانه:( وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (٣) وقوله سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ) (٤) فالمراد الدلالة على أنّه واجد لكلا المنصبين، ومتصف بكلتا الحيثيتين إذ للفرد الموحى إليه، المبعوث من الله سبحانه لإبلاغ أحكامه، شؤون ومناصب أو صفات وحالات، فبما انّه يوحى إليه وله اتصال بالمبدأ الأعلى ومطلع على الغيب أو منبئ عنه فهو نبي، وبما أنّه يتحمل رسالة من الله تعالى ويتم حجته على العباد، ويجب عليه إرشاد الناس وإنذارهم، فهو رسول( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (٥) .

__________________

(١) مريم: ٥٤.

(٢) الحج: ٥٢.

(٣) مريم: ٥٤.

(٤) الأعراف: ١٥٧.

(٥) النساء: ١٦٥.

٣٨١

وأمّا إذا استعملا على وجه يشيران إلى طائفة مثل قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (١) فإنّ الظاهر انّ كل واحد من اللفظين يشير إلى طائفة وجماعة واحدة ولا يدل على تعدد الطائفتين مصداقاً، وانّ الموصوف بالنبوة غير الموصوف بالرسالة حسب الوجود، بل يمكن أن يكون اللفظان بما لهما من المعنى حاكيين عن جماعة واحدة لهم شأن النبوة والرسالة، فيصير هدف الآية: انّا ما أرسلنا أحداً من هذه العصابة إلّا إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيته، غير انّه طلباً لجلية الحال وتوخياً في استيعاب كل واحد منهم بلا استثناء، وانّ الحكم يعم رسولهم ونبيّهم عطف أحدهما على الآخر، طلباً لشمول الحكم لهم جميعاً، وانّ بلوغهم مرتبة النبوة والرسالة، ما منعهم عن هذه الهواجس.

وان أبيت إلّا عن ظهور الآية في تعدّد الطائفتين وجوداً ومصداقاً وانّ هنا مجموعتين: أنبياء ورسلاً ويفترق بعضها عن بعضها فعندئذ نقول: قصارى ما يمكن أن يقال انّ كل واحد من اللفظين إذا انفرد بالذكر، لا يدل إلّا على المعنى الذي أشرنا إليه، من دون دلالة على أحد من هذه الفروق، ومن دون أن نلتزم بالتفرقة بينهما بواحد من هذه الفروق، مثلاً إذا قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٢) فلا يقصد من لفظ النبي، إلّا كونه المطّلع على الغيب والمنبئ عنه من دون أن يشير إلى واحد من هذه الفروق.

وإذا قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ) لا يقصد منه إلّا صاحب الرسالة والمبعوث إلى الناس لإبلاغ كلام، أو تنفيذ عمل من دون أن يدل على كونه ذا كتاب، أو شريعة جديدة، أو معايناً للملك، وآخذاً منه

__________________

(١) الحج: ٥٢.

(٢) الأحزاب: ٤٥.

٣٨٢

الوحي، فإنّ واحداً من هذه المعاني لا يخطر ببال أي عربي عند سماع هذين اللفظين.

نعم إذا اجتمعا في الذكر، وأشارا إلى طائفتين مثل قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ، فالاعتراف بظهور الآية فيما ادّعاه القائل من دلالة اللفظين على أنّ هنا طائفتين، مختلفتين، لكل منهما صفة وخاصية، يدفعنا إلى إبداء الفرق بينهما بأحد من الوجوه المذكورة في كلمات القوم مضافاً إلى ما يفيده لفظهما فيكون وزان النبي والرسول وزان الظرف والجار والمجرور والفقير والمسكين، « إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا » وقد عرفت حال الوجوه السالفة، وأقربها إلى الاعتبار هو الوجه الرابع المؤيد ببعض الروايات.

الثاني: منصب النبوة أسمى من مقام الرسالة

انّ منصب النبوّة أسمى من مقام الرسالة، والنبي بما هو نبي، أشرف من الرسول بما هو رسول، لما عرفت انّ الحيثية المقومة للنبوة، هي الاتصال بالله واستعداد النفس لوعي ما ينزل به الوحي من المبدأ الأعلى، والحيثية المقومة للرسالة هي تحمل تنفيذ عمل أو ابلاغ قول من المرسل، وأين شرف الاتصال بالله والمبدأ الأعلى من شرف تحقيق عمل في الخارج أو إبلاغ كلام عن شخص إلى الغير ؟

وقد عرفت أنّ النبي لم يستعمل في القرآن إلّا في الإنسان الموحى إليه، المبعوث من ناحيته سبحانه إلى الناس، وأمّا الرسول فقد توسع فيه القرآن ولا يختص بالإنسان الموحى إليه من الله، بل يستعمل في الأعم.

وبذلك يمكن أن يقال: إنّ النبي في مصطلح القرآن أفضل من مطلق الرسول، فإنّ في توصيف الشخص بكونه نبياً يدل على كونه قد احتل مكانة مرموقة، وليس كذلك عند وصفه بكونه رسولاً، إذ يحتمل أن يكون نبياً مرسلاً من

٣٨٣

جانب الله أو من جانب نبيه، أو شخص ثالث ولا يتأتى مثل هذا الاحتمال في النبي وبذلك يعلم سر إطراء عدة من الأنبياء بالرسالة أوّلاً وبالنبوة ثانياً، قال سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ) (١) ويقول سبحانه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (٢) وقال عز اسمه:( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (٣) ، وقال عزّ من قائل:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٤) .

ترى أنّه سبحانه عندما أراد إطراء نبي من الأنبياء وتوصيفه بما فيه من الصفات، يصفه أوّلاً بكونه رسولاً ثمّ يردفه بكونه نبياً، وما ذاك إلّا لـما أوضحناه من سمو مقام النبي وكرامته على مطلق الرسول وأحقيته منه عند الإطلاق، فلو كان الأمر على ما اشتهر بين الناس من أحقية الرسول وأفضليته، لما صحّ له سبحانه أن يترقى من الوصف العالي إلى ما هو أنزل منه، خصوصاً إذا كان في مقام الإطراء والمدح، كما هو الحال في الآيات كلّها غير الرابعة.

الثالث: النبوة أساس رسالة الإنسان من الله

النبوة أساس رسالة الإنسان من الله سبحانه، إذ رسالة الإنسان من جانب الله سبحانه لإبلاغ أمره أو زجره لا تتحقّق إلّا باتصاف الرسول بالنبوة وارتقاء نفس النبي إلى حد يقدر معه على وعي الوحي، ويصبح به جديراً بنزول كلام الرب عليه، إذ الرسول الذي أمرنا الله بوجوب اتباعه واقتفائه، وحرمة التخلف

__________________

(١) الأعراف: ١٥٧.

(٢) مريم: ٥٤.

(٣) مريم: ٥١.

(٤) الحج: ٥٢.

٣٨٤

عن أمره ونهيه، كما هو صريح قوله سبحانه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) (١) هو المبعوث من جانب الله، المبلّغ عنه أحكامه ودساتيره، المؤدي عنه سبحانه كل ما يقوله، من صغير وجليل، ولا يصير الإنسان مؤدياً عنه سبحانه إلّا إذا استمسك بباب الوحي واعتصم به واستند إليه في قوله ونقله وإبلاغه واتصف بالتنبّؤ به(٢) .

الرابع

قد تبين في الأمر المتقدم، انّ القسم الخاص من الرسول(٣) أعني: الإنسان المبعوث من جانب الله سبحانه، هو نفس النبي مصدقاً وانّ النسبة بينهما من حيث المصداق هي التساوي، وعلى ذلك فلا فرق بين أن تقول: « محمد رسول الله وخاتم النبيين » أو تقول: « وخاتم الرسل » للتلازم بين الأمرين، من حيث المصداق، فلو فرض أنّه أوصد باب النبوة وختم نزول الوحي إلى أي إنسان ( كما تشير إليه مادة النبأ والنبوة ) فعند ذاك يختتم باب الرسالة الإلهية أيضاً بلا ريب وتردّد، لأنّها تحقيق ما تحمّله النبي من جانب الله عن طريق الوحي، فإذا انقطع الوحي، والاتصال بالمبدأ الأعلى والاطلاع على ما عنده سبحانه، فعند ذاك، فقد أحد أركان الرسالة، أو ركنها الركين، أي التبليغ من جانب الله مستنداً إلى الوحي

__________________

(١) النساء: ٦٤.

(٢) ويدل على ذلك ما استفاض نقله عن الصادقينعليهما‌السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً وانّ الله تعالى اتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً، وانّ الله اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً، وانّ الله تعالى اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ». ( الكافي: باب طبقات الأنبياء والرسل: ٩٤ ).

(٣) قد عرفت أنّ الرسول في القرآن هو صاحب الرسالة سواء تحملها من الله، أو من جانب نبيّه أو من جانب شخص عادي، ولأجل ذلك خصصنا الكلام بالقسم الخاص.

٣٨٥

فتصير الرسالة عندئذ منتفية بانتفاء موضوعها.

فإذا كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاتماً للنبيّين، أي مختوماً به الوحي والاتصال فهو خاتم الرسل والمرسلين(١) طبعاً، لأنّ رسالة الإنسان من جانب الله سبحانه، عبارة عنبيان وإبلاغ ما أخذه منه عن طريق الوحي، فلا تستقيم رسالة أي إنسان منجانبه سبحانه، إذا انقطع الوحي والاتصال به تعالى، ولا يقدر أن يتقول أي ابن أُنثى بالرسالة من ناحيته عز وجل، إذا كانت النبوة موصدة باعترافه.

وبذلك يعلم أنّ كلا اللفظين ( « خاتم النبيين » و « خاتم الرسل ) » وإن كانا مفيدين لمعنى واحد، إلّا أنّ اختيار الأوّل على الثاني لأجل أنّ النبوة أساس للرسالة من جانب الله، حيث إنّه يجب أن يعتمد الرسول في إبلاغه وإنذاره وإرشاده، على الوحي والاتصال بالله سبحانه، ولا يفيده إلّا لفظ النبي دون غيره، فإذا أصحر المتكلم بإنهاء الوحي وانقطاعه من السماء إلى الأرض إلى يوم القيامة وقال « إنّه خاتم النبيين » أي انّه آخر من يوحى إليه، وانّه لن يوحى من بعده إلى أحد يلزم منه ختم باب الرسالة الخاصة بطريق أولى، ويكون من باب إفادة المقصد ببيّنة وبرهان، كما لا يخفى(٢) وأمّا ختم الرسالات الأُخر، كرسالة الملك من الله سبحانه فلا صلة له بالبحث، سواء أكان بابها مفتوحاً أو موصداً، وأمّا الرسالة من جانب النبي والرسول، فلا نبي بعده، حتى يكون لهذا النبي، رسول وأمّا الرسالة من

__________________

(١) المراد، القسم الخاص من الرسالة، لا الرسالة من جانب النبي ولا من جانب الشخص العادي.

(٢) قال العلّامة الطباطبائي ـ دام ظلّه ـ بعد ما اختار في معنى الرسالة والنبوة ما أوضحنا، وأقمنا برهانه ـ ما هذا لفظه: ولازم ذلك أن ترتفع الرسالة بارتفاع النبوة، فإنّ الرسالة من أنباء الغيب فإذا انقطعت الأنباء، انقطعت الرسالة. الميزان: ١٦ / ٣٤٦.

٣٨٦

ناحية فرد عادي، فهو خارج عن المقصود.

هذا ما أوصلنا إليه التدبر في آيات الذكر الحكيم وكلمات الفطاحل الأعلام، ونردف المقام بالبحث عن الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

٣٨٧

بحث وتنقيب

قد اضطربت الروايات المروية عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، حول تفسير الرسول والنبي، اضطراباً يعسر إرجاعها إلى أمر واحد إلّا بإمعان وتدبّر عميق، وتلك المأثورات على أقسام ننقلها تحت أقسام، حتى تسهل الإشارة إليها :

الأوّل: ما يسوق منصبي النبوة والرسالة إلى أربع درجات ولا يفرّق بينهما قيد شعرة :

أخرج الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي(١) ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور عنه قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات(٢) فنبي منبئ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبييرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ولم يبعث إلى أحد، وعليه امام، مثل ما كان إبراهيم على لوط(٣) ، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت

__________________

(١) قال الغضائري: حديثه يعرف تارة وينكر أُخرى، ويجوز أن يخرج شاهداً، وقد استثنى ابن الوليد وابن نوح وابن بابويه من روايات « محمد بن أحمد بن يحيى » ما رواه عن « أبي يحيى الواسطي » وقرّره الشيخ في فهرسته والنجاشي في رجاله. راجع قاموس الرجال: ٥ / ٤٣.

(٢) ويحتمل أن يكون المراد، انقسام مجموع الصنفين إلى أربعة، لا كل واحد، وعندئذ يخرج الحديث عن الدلالة على هذا القسم.

(٣) الظاهر من التمثيل ب‍ « لوط » من جهة انّ عليه إماماً، لا من جهة انّه لا يعاينه حتى ينافي قوله سبحانه:( ولـمّاجَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ) ( هود: ٧٧ ) ولا من جهة انّه لم يبعث إلى أحد حتى ينافي قوله تعالى:( وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ المُرْسَلِينَ ) ( الصافات: ١٣٣ ).

٣٨٨

ويعاين الملك، وقد أُرسل إلى طائفة قلّوا أو كثروا، كيونس، قال الله تعالى:( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) (١) ( قال: يزيدون ثلاثين ألفاً ) وعليه إمام، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين ( الملك ) في اليقظة وهو إمام مثل أُولي العزم(٢) ، وقد كان إبراهيم نبياً وليس بإمام حتى قال الله:( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) من عبد صنماً أو وثناً لا يكون إماماً »(٣) .

والرواية مع قطع النظر عمّا تحتاج إليه من توجيه، كما أشرنا إليه في التعليقة، تخالف ما استظهرناه من الآيات من كون كل نبي مبعوثاً إلى الناس، وانّه ليس لنا نبي لا يعدو نفسه، كما هو نص الرواية، إلّا على بعض الوجوه، كما هو الحال في بدء الوحي وقبل الأمر بالإنذار، ولكنّه يؤيد ما أوضحناه من كونه النسبة بين الرسول(٤) والنبي هي المساواة حسب المصداق.

وأمّا ما أخرجه الكليني بسند موثق عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: « سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أُولو العزم من الرسل، وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».(٥) فليس من أحاديث هذا الباب، بل غايته انّ هناك نبياً ومرسلاً، وأمّا تساوي النبوة والرسالة، والنبي والرسول فلا يستفاد منه أصلاً.

__________________

(١) الصافّات: ١٤٧.

(٢) قد حدّد أولو العزم بقيود أربعة: من رؤية في المنام، وسماع صوت الملك، ومشاهدته، وهو إمام.

(٣) الكافي: ١ / ١٧٤، ١٧٥، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة.

(٤) المراد الرسالة من الله فلا تغفل.

(٥) الكافي: ١ / ٨٤، باب طبقات الأنبياء والرسل.

٣٨٩

الثاني: ما يخصص النبوة بتجلّي الله لنبيه في اليقظة، ولا يطلقها على غيره من مراتب الوحي(١) .

روى الصدوق عن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك: الغشية التي تصيب رسول الله إذا أُنزل عليه الوحي ؟ فقال: « ذلك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلّى الله له »، قال: ثم قال: « تلك النبوة يا زرارة » وأقبل يتخشع(٢) .

ويمكن توجيهه بحملها على الدرجة الكاملة من النبوة، وإن كانت النبوة غير منحصرة في هذا القسم، كما ينبئ عنه قولهعليه‌السلام تلك النبوة، فلا ينافي ما أوضحناه.

وأمّا حديث الغشية، فقد أوضحه الإمام في رواية أُخرى بقوله: « إنّ جبريل إذا أتى النبي لم يدخل عليه حتى يستأذنه، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد، وإنّما ذلك عند مخاطبة الله عزّ وجلّ إياه بغير ترجمان وواسطة »(٣) .

الثالث: ما يظهر منه اختصاص النبوة بالإيحاء في المنام، والرسالة بمعاينة الملك(٤) .

__________________

(١) وقد نقله قولاً في مجمع البحرين مادة « نبأ ».

(٢) التوحيد: ١١٥، طبعة مكتبة الصدوق.

(٣) راجع البحار: ١٨ / ١٠٢.

(٤) الظاهر انّ المراد من الملك في هاتيك الروايات هو جبرئيل، ولو كان مطلق من كلّمه الملك أو رآه رسولاً، يلزم أن تكون سارة زوجة إبراهيم ومريم بنت عمران رسولتين، بل كل من كلّمه الملكان ببابل، رسولاً، وعند ذلك يمكن أن يقال: إنّ المراد من الملك فيها هو جبرئيل وله بين الملائكة شأن عظيم وهو رسول كريم، ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.

وقد جعل المجلسي في « مرآة العقول »: ١ / ١٣٤ هذا المعنى أحد الاحتمالات.

٣٩٠

أخرج الكليني عن أحمد بن محمد(١) ومحمد بن يحيى(٢) عن محمد بن الحسين(٣) ، عن علي بن حسان(٤) عن ابن فضال(٥) عن علي بن يعقوب الهاشمي(٦) ، عن مروان بن مسلم(٧) عن بريد(٨) عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام في قوله عزّ وجل:( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) قلت: جعلت فداك: ليست هذه قراءتنا، فما الرسول والنبي والمحدّث ؟ قال: « الرسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه، والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد، والمحدّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة » قلت: أصلحك الله كيف يعلم إنّ الذي رأى في النوم حق وانّه الملك ؟ قال: « يوفق لذلك حتى يعرفه، لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبيكم الأنبياء »(٩) .

الرابع: ما يظهر منه انّ للنبي شأنين ( الإيحاء إليه في المنام وسماع صوت

__________________

(١) ولعلّه العاصمي كما احتمله المجلسي في مرآته، وليس المراد أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، لأنّ الكليني لا يروي عنه إلّا بواسطة.

(٢) العطار القمي.

(٣) محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وهو ثقة جليل.

(٤) علي بن حسان الواسطي، لا الهاشمي، لأنّه لا يروي إلّا عن العمش وهو ثقة جليل.

(٥) أي الحسن بن الفضال، لا ابناه: علي بن الحسن، وأحمد بن الحسن، وهو إمامي ثقة، وكان فطحياً ولكنه استبصر.

(٦) لم يعنون في كتب الرجال، والظاهر من متن الحديث انّه كان إمامياً، ولو كان مطعوناً، لذكر في كتب الرجال.

(٧) ثقة جليل.

(٨) العجلي ثقة جليل عديل زرارة ومحمد بن مسلم، فالخبر وإن لم يكن صحيحاً اصطلاحاً إلّا أنّه حجة ومعتبر.

(٩) الكافي: ١ / ٨٥، باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث.

٣٩١

الملك بلا معاينة، وللرسول شؤون ثلاثة وهي هذان الأمران مضافاً إلى معاينة الملك ) :

١. أخرج الكليني عن عدة(١) من أصحابنا، عن أحمد بن محمد(٢) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر(٣) عن ثعلبة بن ميمون(٤) عن زرارة،(٥) قال: سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل:( وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) ما الرسول وما النبي ؟ قال: « النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاين الملك »، قلت: الإمام ما منزلته ؟ قال: « يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين »، ثم تلا هذه الآية:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) (٦) ( ولا محدث ).

٢. أخرج الكليني عن محمد بن يحيى،(٧) عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول،(٨) قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرسول والنبي والمحدّث ؟ قال: « الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل قبلا، فيراه ويكلّمه

__________________

(١) العدة التي يروي الكليني بواسطتهم عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عبارة عن: محمد بن يحيى العطار، داود بن كورة، أحمد بن إدريس، علي بن إبراهيم، وعلي بن موسى الكمنداني، صرّح بذلك النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، والعلاّمة الحلي في خاتمة خلاصته، نعم عدّ صاحب الوسائل « محمد بن موسى » مكان « علي بن موسى الكمنداني » وهو من هفوات قلمه الشريف قدس الله سره.

(٢) أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، من أجلاّء أصحابنا القميين، ثقة، فقيه.

(٣) البزنطي من أصحاب الرضا والجوادعليهما‌السلام ، ثقة جليل.

(٤) أحد فقهاء الطائفة الأجلاّء.

(٥) أمره في الفقاهة والجلالة غني عن البيان، فالرواية صحيحة، رجالها كلّهم ثقات.

(٦) الحج: ٥٢.

(٧) محمد بن يحيى العطار، ثقة جليل.

(٨) مؤمن الطاق، محمد بن علي بن النعمان، ثقة جليل، فالحديث صحيح، رجاله كلهم ثقات.

٣٩٢

فهذا الرسول »(١) .

وأمّا النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيمعليه‌السلام ونحو ما كان رأى رسول الله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة، وكان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه جبرئيل ويكلّمه بها قبلاً ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة وأمّا المحدث فهو الذي يحدث، فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه(٢) .

أقول: أثبت الحديث في صدره للنبي أمراً واحداً وهو انّه يرى في منامه، لكنه استدركه في ذيله وأثبت له أمرين، وهو انّه يرى في منامه ويسمع صوت الملك ولا يراه في اليقظة، ولعل تعريف النبي بالرؤية في المنام، للإيعاز إلى أقل ما تتحقق به النبوة، مثل ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى من أسباب النبوة قبل الوحي.

أضف إليه انّ ما أثبته ذاك الحديث للإمام من سماع صوت الملك بلا معاينة ولا رؤية في المنام، أثبته الحديث السابق للإمام.

ثمّ إنّ رفع الاختلاف بين القسمين ( الثالث والرابع ) سهل، فإنّ القسم الثالث وان أثبت للنبي شأناً واحداً وأثبت ذاك شأنين إلّا إنّ الرابع يقدّم على الثالث، لأنّه تعرض لأمر لم يتعرّض له الآخر، والمثبت مقدم على الساكت ولا

__________________

(١) لـمّا كانت الوظيفة المحولة على الرسول أشد وأشق من النبي غير الرسول، وبما انّه في إبلاغ رسالاته مضطر إلى ملابسة الناس وأحوالهم من جميع المشارب والأذواق والعقليات المختلفة، وهو معرض لصنوف ثقيلة من الأذى والسخرية والجدال والمشاحنة، اقتضى ذلك، اختصاص الرسول بالمعاينة، إذ هو عند ذاك في حاجة إلى تقوية روحه وتثبيت جناحه وتشجيعه على التحمل والصبر ومعاينة الملك، وربما تزود العاين بكل هذه الأسلحة الروحية لمواجهة هذه المواقف الصعبة، ولأجله قالعليه‌السلام : الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلاً فيراه ويكلمه.

(٢) الكافي: ١ / ١٧٦، باب الفرق بين النبي والرسول والمحدّث.

٣٩٣

يعدان متعارضين، أضف إلى ذلك إنّ كثيراً منها ليست في مقام التحديد، بل في مقام انّ النبوة تتحقق بالرؤية في المنام، أو برؤية الملك في اليقظة بلا تكلم معه، فما يثبت للنبي شأنين، لا صراحة فيه، في اجتماعهما معاً، كما يستفاد ذلك أيضاً، من رواية « المعروفي » الآتية.

الخامس: ما يظهر منه انّ النبي يعاين الملك ولا يسمع كلامه حين المعاينة بخلاف الرسول فإنّه يعاينه حين التكلم :

أخرج الكليني عن علي بن إبراهيم(١) عن أبيه(٢) عن إسماعيل بن مرار(٣) ، قال كتب المعروفي إلى الرضاعليه‌السلام جعلت فداك: أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبي والإمام ؟ قال: « إنّ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم، والنبي ربّما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، والإمام الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص »(٤) .

وظاهره انّ النبي يعاين الملك وان لم يسمع كلامه، وهذا مخالف لما أوردناه في القسمين الماضيين ( الثالث والرابع ) خصوصاً الأخير، فإنّ صريحه انّ النبي لا يعاين الملك. أللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ المنفي عنه فيهما معاينته مع سماع كلامه، والثابت له في هذا القسم هو المعاينة مع عدم سماع كلامه، ولم يظهر من القسمين سلبهما عن النبي.

__________________

(١) ثقة جليل.

(٢) إمامي ممدوح.

(٣) يروي عن يونس بن عبد الرحمان، قال ابن الوليد: كل ما روي عن يونس صحيح، غير ما انفرد به العبيدي، وهذه الجملة من خرّيت الفن توثيق له على وجه العام، فالحديث وان لم يكن صحيحاً لكنه معتبر.

(٤) الكافي: ١ / ١٧٦، باب الفرق بين النبي والرسول.

٣٩٤

إلى هنا تمَّ ما أورده الكليني في هذا الباب، واتضح عدم الفرق الجوهري بين الروايات التي نقلناها في القسم الثالث والرابع والخامس وأنّ مآل الجميع واحد.

السادس: ما يظهر منه انّ عدد المرسلين لا يعدو عن ثلاثمائة وثلاثة عشر والنبيين أكثر من المرسلين بكثير :

روى الفريقان عن أبي ذر، أنّه سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: قلت يا رسول الله كم النبيّون ؟ قال: « مائة وأربعة وعشرون ألف نبي »، قلت: كم المرسلون ؟ قال: « ثلاثمائة وثلاثة عشر جماً غفيراً »(١) .

القضاء بين هذه المأثورات

هذه المأثورات عن أهل البيت بين صحاح وحسان ولا منتدح للباحث عن التعرض لها وتوضيح مضامينها، فنقول :

أمّا القسم الأوّل والثاني فلا يخالف ما احتملناه من أنّ الرسول(٢) والنبي متساويان في الصدق وإن لم يكونا مترادفين، فإنّ القسم الأوّل يسوق النبيين والمرسلين معاً إلى أربع طبقات من دون أن يفرّق بينهما قدر شعرة، وأمّا على القول بكون النبي أعم ـ كما هو الحال في النبي الأعظم في بدء الوحي ـ فلا بد من توجيه الرواية على وجه لا يخالفه، كما قلنا، من أنّ كلاً من اللفظين يشير إلى جهة خاصة هي مدلولهما الوضعي على ما أوضحناه.

__________________

(١) بحار الأنوار: ١١ / ٣٢ من الطبعة الحديثة.

(٢) المراد من الرسول: الرسول من جانب الله سبحانه، لا مطلق الرسول، وقد عرفت أنّ القرآن يتوسع في إطلاق الرسول إلّا أنّ البحث في هذه الروايات إنّما هو عن الرسول الخاص الدائر في الألسن، لا مطلق الرسول.

٣٩٥

وأمّا القسم الثاني فهو وان كان يخص النبوة بتجلّي الرب له، إلّا أنّ ذلك من باب إطلاق الكلي على الفرد الكامل، كما في قوله سبحانه:( ذَٰلِكَ الكِتَابُ ) .

وأمّا القسم السادس فلم يثبت عندنا بسند صحيح يؤخذ به.

بقي القسم الثالث والرابع والخامس: وقد أرجعناها إلى أمر واحد وهو « انّ النبي من يوحى إليه في المنام، وربما يسمع بلا معاينة، وربّما عاين بلا تكلم، وأمّا الرسول فهو حائز لعامة المراتب، يوحى إليه في المنام ويسمع الصوت بلا معانية، وربّما يراه ويسمع صوته، فالرسول هو النبي الذي استكملت نفسه حتى استعد لمشاهدة رسول ربه(١) .

فيجب عند ذلك ملاحظة هذا القسم من الروايات :

فنقول: إنّ تلك المأثورات الواردة في الأقسام الثلاثة تهدف إلى أمر واحد، وهو انّ النبي أعم من الرسول، ولا يشترط فيه إلّا أقل مراتب الاتصال بالله، بخلاف الرسول، فهو النبي الذي وصل إلى مكانة مرموقة يقدر معها على معاينة الملك ووعي الوحي عنه. ويترتب على ذلك أُمور :

١. النبي أعم من الرسول، وهو أخص منه.

٢. الرسول أشرف من النبي.

٣. ختم النبوة يستدعي ختم الرسالة، فانّ الاختلاف بين المنصبين حسب تنصيص الروايات من قبيل اختلاف درجات حقيقة واحدة، فلا ينال بالدرجة الكاملة، إلّا إذا نيل بالناقصة منها، كما هو الحال في الدرجات العلمية، كشهادة الدكتوراه والليسانس.

فلو أوصد باب الكلية بوجوه المتخرجين من الثانوية، فلا يعقل أن يكون

__________________

(١) كما هو ظاهر الحديث الأوّل من القسم الرابع.

٣٩٦

قسم الدكتوراه مفتوحاً عليهم، فإنّ الطالب إنّما يتم دراسة الكلية وما بعدها واحداً بعد واحد.

وهذا الأمر الثالث مما أصفقنا عليه سواء أقلنا بما في الروايات، أم قلنا بما استظهرناه من الآيات من كون الرسول أعم من النبي، والرسول المصطلح يساوق النبي صدقاً، وان لم يكونا مترادفين.

وأمّا الأمر الأوّل فتمكن الموافقة معه، فالنبي يمكن أن يكون أعم من الرسول، أمّا لأنّ النبي ربّما لا يكون رسولاً في بعض الأحوال، كما هو الحال في بدء الوحي، وأمّا لما ذكر في هذه الروايات من أنّ الرسول يسمع كلامه مع معاينته في حال التكلم، بخلاف النبي.

وأمّا الأمر الثاني فالتصافق معه مشكل، إذ لو كان الرسول أشرف من النبي فلماذا أخّر النبي وقدم الرسول في كثير من الآيات مع كونها في مقام الإطراء، فهل يصح التدرج من الكامل إلى الناقص ؟ وقد قدمنا الآيات فلاحظ، ومنه يظهر الإشكال في أخصية الرسول على الوجه المذكور في الروايات، فإنّ لازمه التدرّج من الكامل إلى الناقص.

المحدَّث في السنّة

قد وقفت على الفرق بين الرسول والنبي كما وقفت على المراد منهما في الكتاب والسنّة، وبقي هنا بحث وهو: ما هو معنى المحدَّث ؟ فنقول :

اتفق أهل الحديث على أنّ في الأمّة الإسلامية أُناساً تكلّمهم الملائكة بلا نبوة ولا رؤية صورة، أو يلهمون ويلقى في روعهم شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة، من المبدأ الأعلى أو ينكت لهم في قلوبهم من حقائق تخفى على غيرهم أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.

٣٩٧

وقد ورد هذا المعنى في الكتب الحديثية من الفريقين.

روى البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب ج ٢ ص ١٩٤، عن أبي هريرة قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن من أُمّتي منهم أحد فعمر ». وعند القوم أحاديث في هذا الصدد وفي ما ذكرناه كفاية.

وأخرج الكليني عن الأحول قال: سألت أبا جعفر عن الرسول والنبي والمحدَّث ؟ فقال: « وأمّا المحدَّث فهو الذي يحدَّث ولا يعاين ولا يرى في منامه ».

وفي حديث آخر عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام : قالا: « المحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة »(١) .

وقد روي عن ابن عباس انّه كان يقرأ:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) ـ ولا محدَّث ـ(٢) .

وليس المراد هو سقوط تلك اللفظة من الذكر الحكيم، فإنّ ابن عباس أجل من أن ينسب إليه التحريف، وعلى كل تقدير فالقول بوجود المحدَّث بين الأمّة الإسلامية مما أطبقت عليه الروايات.

__________________

(١) الكافي: ١ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٢) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: ٦ / ٩٩.

٣٩٨

فهرس المواضيع

مقدمة الكتاب ٥

كلمة العلّامة الحجّة المحقق السيد مرتضى العسكري ٧

رسالة العلّامة الحجّة الشيخ سلمان الخاقاني ٩

خطاب العلّامة الحجة الحكيم المتأله الشيخ حسن الآملي ١١

مقدمة المؤلف: الإيمان بالغيب في الكتاب العزيز ١٣

أثر الحضارة المادية الحديثة على أفكار بعض المفكرين المسلمين ١٤

مناقشة آراء صاحب المنار في تفسير آيات من سورة البقرة ١٥

أجر الرسالة المحمدية في القرآن الكريم

شعار الأنبياء في طريق دعوتهم هو ( ما أسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ ) وفيه مقامات ٣١

المقام الأوّل: ما هو المراد من ( المَؤدَّةَ فِي القُربى ) ؟ ٣٦

٣٩٩

ماذا فهم الأوائل من ( المَؤدَّةَ فِي القُربَى ) ؟ ٣٨

أسئلة وأجوبتها ٤٢

السؤال الأوّل: لو أراد الله من الآية مودة القربى لقال: إلا مودة أقربائه، أو المودة للقربى ؟ ٤٢

السؤال الثاني: إنّ تفسير الآية بمودة أهل البيت غفلة لأن الآية وردت في سورة مكية ؟ ٤٣

السؤال الثالث: إن المحبة حالة قلبية غير اختيارية ؟ ٥٠

السؤال الرابع: كيف يأمر الرسول بمودة أقربائه مع أنا نجد في صفوفهم من عادى الله ورسوله ؟ ٥٤

المقام الثاني: التأليف بين هذه الآية والآيات الأُخر ٥٦

المقام الثالث: كيف يعود نفع المودّة إلى الناس ؟ ٦٤

المقام الرابع: المودّة في القربى نفس اتخاذ السبيل إلى الله ٦٧

وجه الجمع بين الأجرين الظاهريين ٦٩

المقام الخامس: مناقشة الاحتمالات الواردة حول آية المودَّة ٧٢

المقام السادس: في سرد الأحاديث الواردة حول الآية ٨١

معاجز النبي الأكرم ٦ وكراماته

النبي الأكرم ومعاجزه وكراماته ٨٩

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407