إستقصاء الإعتبار الجزء ١

إستقصاء الإعتبار0%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-173-7
الصفحات: 501

إستقصاء الإعتبار

مؤلف: الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-173-7
الصفحات: 501
المشاهدات: 40067
تحميل: 2785


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40067 / تحميل: 2785
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: 964-319-173-7
العربية

وفيه : أنّ إخبار العدل مجال القول فيه واسع ، بالنظر إلى إمكان أن يقال : إنّ الآية لا تخلو من إجمال ، كما يعرف مما قرّرناه في مواضع ، منها حاشية التهذيب ، وحينئذ فالمرجع إلى الإجماع ، ومعه يشكل الحال بعد التصريح من البعض باعتبار ملاحظة الجرح(١) ، فليتأمّل.

وأمّا من جهة الكشّي فالأمر كما ذكرت ، إلاّ أنّ التكليف بالاطلاع على غيره مع تعذّره منتف ، ولا مانع من الاكتفاء به ، على أنّه يمكن استفادة الجرح من غيره ، ككتاب الشيخ ، وفهرسته ، وغيرهما ، فليتدبّر.

فإنّ قلت : أصالة عدم الجرح ما المُخرج منها ليحتاج إلى البحث عن الجارح؟.

قلت : كأنّ الوجه في البحث كثرة الجرح ، كما في العام ؛ فإنّ أصالة عدم التخصيص موجودة إلاّ أنّه لمّا غلب التخصيص اعتبر الفحص عنه.

واحتمال الفرق بأنّه لما اشتهر أنّه ما من عامّ إلاّ وقد خصّ احتيج إلى البحث عن المخصص ، بخلاف الجرح.

قلت : الاعتبار في العام ليس من جهة ما اشتهر ؛ بل لأنّ كثرة التخصيص اقتضت انتفاء الأصل ، على معنى أنّ ظنّ بقاء العام يضعّف بالكثرة ، وهذا يأتي مثله في الجرح.

فإنّ قلت : الأمر في العام ممكن حيث اشتهر أنّه ما [ من ] عامّ إلاّ وقد خصّ ، لا من ثبوت هذا ؛ بل لأنّه يضعّف ظنّ العموم به إذا أُضيف إلى كثرة التخصيص ، بخلاف الجرح ؛ فإنّ موجب(٢) ظنّ العدالة لا يضعّف بكثرة الجرح ؛ إذ لا مؤيّد له.

__________________

(١) كما في معالم الأُصول : ٢٠٩.

(٢) ليس في « د ».

٢٢١

قلت : التأييد مع عدم ثبوت ما ذكر محل كلام ، ولو نوقش فيه أمكن أنّ يقال : إنّ مفهوم آية :( إن جاءكم فاسق ) يقتضي تحقّق عدم الفسق ، والإخبار بالعدالة من دون البحث عن الجرح لا يفيد عدم الفسق ، بل ظن العدالة ، وانتفاء الفسق بالأصل ، فلا يتحقق عدم الفسق(١) ، وحينئذ لا يتم العمل إلاّ بالبحث.

فإنّ قلت : هذا يقتضي حصول يقين عدم الفسق ، وتحققه واضح الإشكال ، بل المعتبر الظنّ بانتفائه.

قلت : إذا تحقق الإجماع على الظنّ كفى في المطلوب.

فإنّ قلت : ما ذكرته في الآية يقتضي العلم بالعدالة ، والحال أنّ اعتباره لا دليل عليه.

قلت : اقتضاء ما ذكرته لا وجه له ، بل غاية المراد حصول ظن العدالة ، بحيث يحصل ظنّ عدم الفسق.

فإنّ قلت : إذا كان مفهوم الآية عدم الفسق فلا بُدّ من العلم به ؛ لأنّ ظاهر : « إن جاءكم » من له صفة الفسق ، فلا بُدّ من حصول انتفاء صفة الفسق ، كما هو مفاد المفهوم ، وانتفاء صفة الفسق لا يتحقق إلاّ بالعلم.

قلت : انتفاء صفة الفسق يتحقق بالظن ؛ لتعذر العلم ، فلا يكلّف به.

فإنّ قلت : مع إخبار الثقة بالعدالة تحقق عدم الفسق ظنا ؛ نظراً إلى الأصل ، فأيّ حاجة إلى اعتبار البحث عن الجرح؟

قلت : وجه الاحتياج أنّ ظاهر الآية اعتبار انتفاء وصف الفسق علماً ، ولمّا تعذّر اعتبر ما يقرب منه ، وهو ظنّ الراجح الحاصل بالبحث عن الجرح.

__________________

(١) في « فض » زيادة : بل.

٢٢٢

وما عساه يقال : إنّ مفاد الآية : إن جاءكم من تعلمون فسقه ، فالمفهوم منها عدم العلم بالفسق ، وهو يتحقق مع الإخبار بالعدالة من دون البحث.

فالجواب عنه : ما ذكره الوالد(١) قدس‌سره : من أنّ الظاهر من الآية اعتبار العلم بانتفاء وصف الفسق ، كما حقّقه في الأصول ، موجِّها له بأنّ العلم أمر خارج عن مدلول اللفظ ، كما في قولنا : أعط الفقير مثلاً ، فإنّ المستفاد منه إعطاء من له صفة الفقر ، أمّا العلم بها أو الظنّ فمن خارج ، والآية كذلك ، فتقدير من علم فسقه ليكون المفهوم من لم يعلم فرع دخول العلم في اللفظ.

ولو نوقش في هذا(٢) يمكن أنّ يقال : إنّ مرجع الاستدلال على الاكتفاء بخبر العدل هو اتّفاق المتأخّرين ، ومع عدم البحث عن الجرح لا اتّفاق ، فليتأمّل.

وإذا عرفت حقيقة الحال فاعلم أنّ من قبيل ما نحن فيه ما لو قال الثقة(٣) : روى الشيخ مثلاً في الصحيح ، فإنّ اكتفينا في التوثيق بمجرد ( ذكر الثقة )(٤) من دون التصريح باسم الرجل يلزم الحكم بالصحة حينئذٍ من دون الرجوع إلى الأُصول ، وإن اعتبرنا التصريح لنبحث عن الجرح لزم عدم الاكتفاء بمجرد ما ذكر.

فإنّ قلت : الفرق ربما يوجّه بأنّ الصحة لا تستلزم التوثيق ، لجواز‌

__________________

(١) معالم الأصول : ٢٠١.

(٢) في « فض » زيادة : وإن أمكن دفعه.

(٣) في « فض » : الفقيه.

(٤) في « فض » : ذكره.

٢٢٣

الاعتماد على قرائن توجبها ، ومن ثم حكموا بصحة أحاديث غير الموثقين ، نظراً إلى الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم.

قلت : الصحة بتقدير الإطلاق يراد بها ما رواه الثقة ، وأمّا الصحة التي ذكرتها فهي عند المتقدمين ، والكلام في اصطلاح المتأخّرين ، وسنذكر إن شاء الله في الكتاب ما لا بُدّ منه في ذلك(١) .

وما عساه يقال : إنا قد وجدنا العلاّمة وصف أخباراً بالصحة في المختلف والمنتهى ، مع أنّ في الطرق رجالاً لم يذكر توثيقهم في الخلاصة ، فكيف يُحكم بالتوثيق إذا وصف الرواية بالصحة؟.

قلت : لعل المكتفي بوصفه يجوّز أن يكون استفاد توثيق الرجل بعد الخلاصة ، وإن كان الحق أنّ في المقام تأمّلاً ، كما سنوضح الوجه فيه(٢) .

أمّا ما ذهب إليه البعض من أنّ العدل إذا قال : أخبرني عدل ، لم يكن كافياً في التزكية ؛ لأنّه قد يتجوّز بهذا ففيه نظر واضح.

كما أنّ ما قاله البعض ، من أنّ قول العدل : حدثني بعض أصحابنا ، يفيد تعديل المروي عنه(٣) .

واضح الإشكال ، إلاّ بتقدير ما قدّمناه ، من اعتناء الأصحاب بالرواية عن غير الضعيف(٤) ، فليتأمّل(٥) .

المتن :

كأنّ الشيخ فهم منه المنافاة ، من حيث تقرير السائل على قوله : فإن‌

__________________

(١) انظر ج ٢ : ١٧٢ ١٧٣.

(٢) انظر ج ٢ : ٢٥٨ ٢٦١.

(٣) معارج الأُصول : ١٥١.

(٤) راجع ص : ٤٩ ٥١.

(٥) من قوله : فإن قلت ، في ص ٢٢٠ إلى هنا ساقط من « رض ».

٢٢٤

اغتسل رجع غَسله بالفتح أي ماء الغسل ؛ فلولا أن رجوع الماء مضرّ لما كان لخوفه فائدة.

وأمرهعليه‌السلام بنضح ما ذكره ، قد اختلفت فيه الآراء.

فقيل : إنّ متعلق النضح الأرض ، والحكمة اجتماع أجزائها ، فيمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء(١) .

وقيل : إن متعلقه بدن المغتسِل ، والمقصود بلّه ، لتعجيل(٢) الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه ، وعوده إلى الماء إلى الوهدة(٣) .

ويحكى عن ابن إدريس إنكار الأوّل ، محتجّاً بأنّ اشتداد الأرض بالرشّ يوجب إسراع نزول الماء إلى الوهدة(٤) ؛ والحقّ أنّ الأرضين مختلفة في ذلك.

أمّا الوجه الثاني : فهو يشعر بأنّ ما يتقاطر من البدن عن بعض الأعضاء يتحقق به الغسالة ؛ وإشكاله واضح ، والأخبار المعتبرة تدفع ذلك ، وقد أوضحنا الحال في حاشية الفقيه.

والذي يقال هنا : إنّ ظاهر النص إقرار السائل ، وأنّ خوفه يندفع بما ذكر ، وكأنّ الوجه الأول له قرب إلى ذلك ، غير أنّ الأخبار الدالة على عدم صيرورة الماء مستعملاً بالتقاطر من الأعضاء توجب حمل الخبر على الاستحباب.

فمن الأخبار : صحيح الفضيل ، قال : سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الجنب‌

__________________

(١) انظر البيان : ١٠٤.

(٢) في « فض » : ليعجل ، وفي « د » : ليتعجل.

(٣) حكاه عن الصهرشتي في المعتبر ١ : ٨٨ وانظر الذكرى ١ : ١٢.

(٤) السرائر ١ : ٩٤.

٢٢٥

يغتسل فينضح من الأرض في الإناء ، فقال : « لا بأس ، هذا ممّا قال الله( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) »(٢) وغير ذلك من الروايات(٣) ، وحينئذٍ يحمل الخوف في الرواية على إرادة المرجوحيّة.

أمّا ما قاله الشيخرحمه‌الله : من أنّ المراد بالغسل غير غسل الجنابة.

قد يتوجّه عليه : أنّ مقتضى الخبر الأوّل أنّ الماء الذي يغتسل به من الجنابة لا يجوز أنّ يتوضأ به ، وأمّا عدم جواز الاغتسال به فلا يدل عليه إلاّ من حيث قوله : « لا بأس أنّ يتوضّأ بالماء المستعمل » فإنّه يدل على عدم جواز غير الوضوء بمفهوم لا يصلح حجّة ، وحينئذ لا وجه لحمل الشيخ هذا الخبر على غير غسل الجنابة من الأغسال المسنونات.

على أنّ غير الجنابة أعم من المسنون.

وكأنّ الشيخ فهم من قوله : « وأشباهه » أشباه غسل الجنابة وهي الواجبة ، لكن قد علمت أنّ الحديث إنّما يتضمن المنع من الوضوء حسب ، والمفهوم لا يصلح لإثبات حكم.

ولعل الشيخ يحتجّ بهذا المفهوم ؛ لرجوعه إلى مفهوم الوصف ، لكن لا أفهم وجهه.

ويحتمل أنّ يكون الشيخرحمه‌الله فهم من هذا الحديث جواز استعمال الماء المستعمل ، من حيث إنّ النضح لا يمنع وصول الماء إلى الوهدة ، فإذا اكتفى بالنضح دل على الجواز ، والخبر الأول دل على المنع في غسل الجنابة ، فيختص هذا بغير غسل الجنابة ، ويضم إلى ذلك عدم القائل‌

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩.

٢٢٦

بالفصل بين الوضوء والغسل.

وممّا يؤيده قوله : ويجوز أنّ يكون هذا لمن ليس على بدنه شي‌ء من النجاسة ؛ لأنّه لو كان هناك نجاسة لنجس الماء ، ولم يجز استعماله على حال.

فإنّ هذا الكلام يقتضي أنّه غير قائل بالمنع في المستعمل في الجنابة ، بل على سبيل الاستحباب ، ومن ثَمّ حمل هذا الحديث على الخالي من النجاسة ، حيث إنّ النضح لا يخلو من إصابة الماء ، وقوله : ولو كان هناك نجاسة لنجس الماء ، صريح الدلالة على أنّ النضح لا يمنع وصول الماء ، فليتأمّل.

ومن هنا يعلم أنّ الحديث الأول لو حمل الجنب فيه على من بدنه لا يخلو من نجاسة ليساوي ماء المغسول به الثوب ، أمكن ، إلاّ أنّ تخصيص الوضوء غير ظاهر الوجه ، والله تعالى أعلم بالحال.

قوله :

والذي يدل على أنّه مخصوص بحال الاضطرار ، ما رواه أحمد ابن محمّد ، عن موسى بن القاسم البجلي وأبي قتادة ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أيغتسل (١) من الجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا يبلغ صاعاً للجنابة ، ولا مُدّاً للوضوء ، وهو متفرّق ، فكيف يصنع ، وهو يتخوّف أنّ تكون السباع قد شربت‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٣ زيادة : به.

٢٢٧

منه؟ فقال : « إذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفّاً من الماء بيد واحدة ، ولينضحه خلفه ، وكفّاً أمامه ، وكفّاً عن يمينه ، وكفّاً عن شماله ، فإنّ خشي أنّ لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يكفيه (١) ، وإن كان الوضوء غسل وجهه ويمسح (٢) يده على ذراعيه ورأسه ورجليه ، وإن كان الماء متفرقاً وقدر أن يجمعه ، وإلاّ اغتسل من هذا وهذا (٣) ، فإنّ كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أنّ يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه ».

السند‌

صحيح كما تقدم في ذكر الطريق إلى أحمد بن محمّد(٤) ، وهو ابن عيسى ؛ لأنّه الراوي عن موسى بن القاسم في النجاشي(٥) ، ومن هنا يتّضح أنّ ما سبق من احتمال ابن خالد بعيد.

وأمّا موسى بن القاسم ومن معه فلا ريب في جلالة شأنهم.

المتن :

ظاهره بمعونة آخره أنّ النضح خوفاً من عود الماء المستعمل ؛ لأنّ قوله في آخره : « فلا عليه أنّ يغتسل ويرجع الماء فيه » يدل على حصول مرجوحيّة مع رجوع الماء.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : يجزيه.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : ومسح.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٣ : ومن هذا ، وفي « د » : أو هذا.

(٤) راجع ص ١٧٥.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠٥ / ١٠٧٣.

٢٢٨

وما قاله الشيخ من أنّه مخصوص بحال الضرورة له وجه ، إلاّ أنّ عبارته لا تخلو من شي‌ء ؛ فإنّه لم يتقدم هذا الوجه من الحمل(١) ، وكأن مراده ذكر وجه الحمل على الضرورة في ضمن ما يدل عليه.

أمّا ما قاله شيخناقدس‌سره في بعض فوائده على الكتاب : من أنّ الذي يظهر أنّ النضح للأرض لإلقاء الخبث المتوهم الحاصل في وجه الماء ، كما يدل عليه قولهعليه‌السلام في رواية الكاهلي : « إذا أتيت ماءً وفيه قلّة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك وتوضّأ »(٢) وفي رواية أبي بصير : « إن عرض في قلبك منه شي‌ء فقل هكذا يعني أفرج الماء بيدك ثم توضّأ »(٣) .

ففيه تأمّل يظهر ممّا قلناه في الرواية.

وما ذكره من الروايتين لا دلالة في الأُولى على ما قاله.

أمّا الثانية : ففيها دلالة على تفريج الماء ، وهو أمر آخر ، على أنّه لو سلّم يقال في الخبر المبحوث عنه بجواز النضح للأمرين.

ثم الخبر فيه دلالة على الاكتفاء بالمسح في الغسل للضرورة ، اللهم إلاّ أنّ يكون المسح إضافياً بالنظر إلى الرأس : ( لكن لا يخفى أنّه يدلّ على تصادق الغَسل والمسح )(٤) .

__________________

(١) لا يخفى أنّه قد تقدم هذا الوجه من الحمل في الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٢ ، والظاهر سقوطه من نسخة صاحب الاستقصاء ، راجع ص ٢٠٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣ / ١ ، الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٣ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٤.

(٤) بدل ما بين القوسين في « رض » : لكن لا يخفى أنّه يدل على تصادف الغسل والمسح ، ومن أوضح الأدلة قوله : ويمسح يده على ذراعيه ، وفي « فض » : المراد أنّ مسح الجلد كناية عن قدر مائة ، بالنسبة إلى أنّ الرأس زيادة مائة مطلوبة ، فالكلام في الغسل ربما الترادف ، فيجوز كونه في الغسل ويجوز فيه الوضوء منه.

٢٢٩

قوله :

باب الماء يقع فيه شي‌ء ينجّسه

ويستعمل في العجين وغيره‌

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن موسى بن عمر ، عن أحمد ابن الحسن الميثمي ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبير(١) قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن البئر ، تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب ، فتموت ، فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبر؟ قال : « إذا أصابته النار فلا بأس بأكله ».

وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن أبي عمير ، عمّن رواه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في عجين عُجن وخُبز ثم عُلم بأنّ الماء كان (٢) فيه ميتة ، قال : « لا بأس ، أكلت النار ما فيه ».

السند‌

أمّا الأوّل : فرجاله إلى محمّد بن علي بن محبوب قد تقدم فيهم القول(٣) .

وأمّا موسى بن عمر : فالظاهر انّه ابن يزيد ؛ لأنّ الراوي عنه سعد بن عبد الله ، وسعد في مرتبة محمّد بن علي بن محبوب ، بخلاف موسى بن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٤ زيادة : « عن جدّه ».

(٢) ليس ي الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٥.

(٣) راجع ص ٦٣ ، ٩١.

٢٣٠

عمر بن بزيع ؛ فإنّ الراوي عنه حماد فمرتبته أبعد ، وابن يزيد ليس بثقة.

وأما أحمد بن الحسن الميثمي : فهو ثقة على ما في النجاشي ، ونقل عن الكشيّ ما هذه صورته : قال أبو عمرو الكشّي : كان واقفاً ، وذكر هذا عن حمدويه ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، قال : أحمد بن الحسن واقف ، وقد روى عن الرضاعليه‌السلام ، وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث يعتمد عليه(١) . انتهى.

ولا يخفى أنّ قول النجاشي : وهو على كل حال ، ربما أشعر بارتضائه بنقل الكشي.

وفيه : أنّ الحسن بن موسى غير ثقة ، بل قيل فيه : إنّه من وجوه أصحابنا(٢) ، ولعل قول النجاشي اعتماداً على الحسن بن موسى لكون لفظ « من وجوه أصحابنا » يفيد التوثيق ، أو أنّ قوله : وعلى كل حال ، لا يقتضي الاعتراف بما نقل ، بل على سبيل التسليم.

وأمّا أحمد بن محمّد بن عبد الله بن الزبير : فهو مجهول الحال.

وأمّا الثاني : فضمير عنه فيه كأنّه راجع إلى محمّد بن علي بن محبوب ، بقرينة ما يأتي من الحديث بعده ، وهذا غير طريقة الشيخرحمه‌الله إلاّ أنّ له نظائر.

ومراسيل ابن أبي عمير قد تقدم الكلام فيها(٣) .

المتن :

في الخبر الأول : لا يخفى أنّه لا يدل على طهارة العجين النجس‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٧٤ / ١٧٩ ، وهو في رجال الكشّي ٢ : ٧٦٨ / ٨٩٠.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢ / ٨٥.

(٣) في ص ٩٩ ١٠٠.

٢٣١

بالنار إذا صار خبزاً ، إلاّ بعد ثبوت نجاسة البئر بالملاقاة ، أو حصول التغيّر في أحد الأوصاف ، وبدون ذلك لا يدل.

فإنّ قيل : لا بُدّ من حمل الخبر على أنّ البئر ينجس ماؤها وإلاّ لكان قول الإمامعليه‌السلام : « إذا أصابته النار فلا بأس » لا فائدة فيه.

قلت : لعل الإمامعليه‌السلام أراد أنّ النفرة تزول بالنار ، لأنّ النار مطهِّرة له ، وهذا المعنى يستعمل في البئر ، كما ينبّه عليه مراجعة الأخبار ، فالاستدلال به على هذا الحكم أعني طهارة العجين إذا صار خبزاً بالنار لا يخلو من تأمّل ، وظاهر المصنف في هذا الكتاب القول بذلك ، كما يفهم من أول الكتاب في المشي على القاعدة ، وإن كان الشيخ مضطرباً في هذه الحال ، وفي التهذيب لم يقل ذلك ، نعم في باب المياه من النهاية قال بالطهارة إذا صار خبزاً(١) ، وفي باب الأطعمة منها قال بعدم جواز أكل ذلك الخبز(٢) ؛ فهو مضطرب الأقوال.

والخبر الثاني له ظهور في الدلالة على الطهارة ، فالعامل بمراسيل ابن أبي عمير كأنّه لما نظر إلى المعارض الآتي الذي فيه رواية ابن أبي عمير بإرسالٍ ربما يرجع إلى المسند رجّحه على هذا الخبر ، وإلاّ فهو دليل لا ينكر ظهوره ، ومن ثم نقل الوالدقدس‌سره : أنّ جمهور الأصحاب نفوا حصول الطهارة(٣) ، مع أنّ الجمهور قائلون بقبول المراسيل من ابن أبي عمير(٤) .

والاستدلال بأصالة النجاسة بعد الرواية لا وجه له ، إلاّ من حيث إنّ الخبرين المعتبرين لمّا تعارضا وكان مع أحدهما الأصل يرجّح عليه ،

__________________

(١) النهاية : ٨.

(٢) النهاية : ٥٩٠.

(٣) معالم الفقه : ٤٠٥.

(٤) انظر العدة ١ : ٣٨٦ والذكرى : ٤.

٢٣٢

والعجب من الشيخ أنّه لم يجعل هذا مرجّحاً ، ولعله يدل على أنّ الأصل المذكور في المؤيدات غير الاستصحاب ، فتأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا وما أحسبه إلاّ حفص بن البختري قال ، قيل لأبي عبد اللهعليه‌السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : « يباع ممن يستحلّ أكل الميتة ».

عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يدفن ولا يباع ».

فالوجه في هذين الخبرين أنّ نحملهما على ضرب من الاستحباب ، ويحتمل أنّ يكون المراد بالخبرين الماء الذي تغيّر أحد أوصافه ، والخبران الأوّلان متناولان لماء البئر الذي ليس ذلك حكمه ، ويمكن تطهيره بالنزح ؛ لأنّ ذلك أخفّ نجاسة من الماء المتغيّر بالنجاسة.

السند‌

أمّا الأول فلا يبعد من الصحة عند بعض متأخري الأصحاب النافين لقبول مراسيل ابن أبي عمير ، بعد صحة الطريق إلى محمّد بن علي بن محبوب بواسطة أحمد بن محمّد بن يحيى ، وقد تقدم(٢) .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٦ : أصحابنا.

(٢) في ص ٦٣.

٢٣٣

( والوجه في القرب )(١) أنّ الظاهر من قول ابن أبي عمير : ولا أحسبه إلاّ حفص بن البختري ، أنّه اعتماد على الظنّ ، وظاهرهم العمل به.

وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ العمل بالظن موقوف على الدليل ، والذي هو مظنّة في مثل هذا المقام الإجماع ، وتحقّقه في غاية البُعد ، كما يعلم بالتأمّل الصادق.

وبتقدير العمل بالظن فالرجل المذكور وهو حفص بن البختري قد وثّقه النجاشي ، وغير بعيد أنّ يكون التوثيق من أبي العباس ؛ لأنّه قال : كوفي ثقة روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأبي الحسنعليه‌السلام ، ذكره أبو العباس ، وكان بينه وبين آل أعين نبوة فغمزوا عليه بلعب الشطرنج(٢) (٣) ، ويحتمل أن يرجع الذكر للرواية عن أبي عبد الله وأبي الحسن ، لا للتوثيق.

وأمّا توثيق العلاّمة(٤) فهو تابع للنجاشي.

و(٥) المعروف بين المتأخّرين عدم التوقف في حال حفص(٦) ، إلاّ المحقق في المعتبر ، فإنّه حكم بضعفه في مسألة شك الإمام مع حفظ المأموم(٧) .

__________________

(١) في « د » و « فض » : الوجه في القرب من.

(٢) رجال النجاشي : ١٣٤ / ٣٤٤.

(٣) في « ض » زيادة : إلى أن قال : وقال ابن نوح : إلخ ، وهذا يدل على أنّ الأوّل ابن عقدة ، غير أنّ الأوّل يحتمل.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٥٨ / ٣.

(٥) في « رض » زيادة : العبارة التي حكيتها وجدتها في نسخة للنجاشي ، إلاّ أنّ شيخنا المحقق أيده الله تعالى في كتاب الرجال لم ينقلها ، أعني قوله : وقال ابن نوح. وتحقيق الحال موقوف على مراجعة النسخ المعتبرة ، إلاّ ان المعروف.

(٦) من هنا إلى قوله : شيخنا أيّده الله ، في ص ٢٢٣ ، ساقط من « رض ».

(٧) المعتبر ٢ : ٣٩٥.

٢٣٤

ولا يبعد أنّ يكون نظره إلى ما ذكرناه ، من حيث اشتراك أبي العباس بين ابن نوح وابن عقدة الجارودي ، على أنّ في ابن نوح نوع كلام ، كما يظهر من الفهرست ، وإنّ كان دفعه ممكناً ؛ لأنّ الشيخ قال : إنّه حكي عنه مذاهب فاسدة مثل القول بالرؤية(١) . والحاكي غير معلوم.

ويؤيّد هذا أنّ النجاشي لا يخفى عليه الحال ، ولم يتعرض لشي‌ء من ذلك.

فإنّ قلت : الذي ذكره الشيخ : أحمد بن محمّد بن نوح ، والنجاشي قال : أحمد بن علي بن نوح(٢) ، فلعلّه غيره.

قلت : الظاهر الاتّحاد ، كما يعلم من المراجعة لكتاب شيخنا أيّده الله في الرجال(٣) .

فإنّ قلت : لعل المحقق اعتمد في الضعف على ما قاله النجاشي : من أنّ آل أعين غمزوا عليه بما ذكر ، وآل أعين فيهم من هو ثقة.

قلت : لا يبعد أنّ يكون آل أعين ليس المراد جميعهم ؛ لما هو الظاهر من أنّ سبب الغمز هو النبوة المقتضية للميل إلى الهوى ، وصدور هذا من الثقة بعيد.

إلاّ أنّ يقال : إنّ إظهار الجرح بلعب الشطرنج سببه النبوة ، وإنّ كان الرامي ثقة ، والوجه في ذلك أنّ الثقة قد يتحرّز عن القدح في الفاسق من غير سبب ، لكون الاحتياط فيه ، بناءً على جواز غيبة الفاسق ، ومع النبوة ترك الاحتياط ، وهو لا يضر بحال الثقة. ويشكل الحال في الثقة بأنّه‌

__________________

(١) الفهرست : ٣٧ / ١٠٧.

(٢) رجال النجاشي : ٨٦ / ٢٠٩ ، وفيه : احمد بن علي بن العباس بن نوح.

(٣) منهج المقال : ٤٧.

٢٣٥

لا يخرج عن اتّباع الهوى المقتضي لنوع ريب.

ويمكن الجواب : بأنّ القدح بما ذكر في الثقة(١) محل تأمّل.

أما احتمال أنّ يقال : بأنّ لعب الشطرنج مع عدم الإصرار لا يضر بالحال ؛ففيه : أنّ الظاهر الإصرار على ما ذكر.

وبالجمله فالأمر من جهة الغمز لا يخلو من نظر.

وأمّا من جهة أبي العباس فلا يبعد ادعاء إرادة الرواية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وبتقدير إرادة ما يشمل التوثيق احتمال انصراف أبي العباس إلى ابن نوح قريب ؛ لأنّه شيخ النجاشي ، وابن عقدة بينه وبينه واسطة كما ذكره شيخنا أيّده الله(٢) ، ( وفي البين كلام فليتأمّل )(٣) .

وأمّا الثاني : فهو من مراسيل ابن أبي عمير ، وليس فيه ارتياب بعد ما تقدم ، إلاّ من جهة الإرسال.

المتن :

في الخبر الأوّل ظاهر في العجين إذا عُجن بالماء النجس ، وأنّه يباع من مستحلّ أكل الميتة ، ولا ريب أنّه ما لم يخبز بالنار نجس ، فحكمه في البيع ما تضمنته الرواية ، وهذا لا ينافي الروايتين بتقدير الدلالة على الطهارة إذا خبز.

وكأنّ الشيخرحمه‌الله فهم منه أنّ السؤال عن العجين إذا خبز بالنار فاحتاج إلى الحمل بما ذكره ، ونحن مشينا أوّلاً على اعتقاد الشيخ ، فلم‌

__________________

(١) في « فض » : النهاية.

(٢) من قوله : إلاّ المحقق ، في ص ٢٢١ ، إلى هنا ، ساقط من « رض ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « رض ».

٢٣٦

نذكر هذا الوجه ، فلا يعترض علينا بما هو ظاهر.

والخبر الثاني : لا يبعد عن الأوّل في إرادة نفس العجين ، والجمع بين الخبرين بالتخيير بين البيع ممّن يستحل أكل الميتة وبين الدفن ، ويحتمل ترجيح الدفن من حيث اشتمال الرواية على النهي عن البيع.

أمّا ما قاله الشيخرحمه‌الله من الحمل على ضرب من الاستحباب فمجمل المرام ؛ لأنّه إنّ أراد به أنّ البيع والدفن كلاهما مستحب على حد سواء ، ففيه : أنّ في الثانية ما يفيد نوع رجحان ، كما أشرنا إليه من النهي.

وإنّ أراد استحباب عدم الأكل سواء بيع أو دفن ، فالكلام لا يساعد عليه صريحاً ، ودليل الاستحباب المذكور مدخول.

أمّا الحمل الآخر : فالذي يخطر بالبال من معناه أنّ يراد بالخبرين الأخيرين الماء الذي تغيّر بالنجاسة ، وهذا يباع ما عُجن به لمستحل الميتة أو يدفن ، والخبران الأوّلان يراد بالماء فيهما ماء البئر إذا لم يتغيّر ؛ لأنّ تطهيره بالنزح دليل على كونه أخفّ نجاسة من المتغيّر المتوقف على نزح الجميع على اعتقاد الشيخ.

وبعد هذا التقرير في كلام الشيخ أُمور :

الأوّل : قوله يراد بالخبرين تغيّر أحد أوصافه شامل للبئر مع التغير ، ونزح الجميع كنزح البعض في كونه مطهّراً من دون احتياج إلى ماءٍ آخر ، فإنّ كان حكم ماء البئر أخفّ لكون تطهيره بالنزح فهو حاصل بالجميع.

واحتمال أنّ يقال : إنّ نزح جميع الماء أبلغ المطهرات لا أنّه أخفّ.

فيه : أنّ نزح الجميع قد يكون بالتراوح مع غزارة الماء ، فلا يكون أبلغ إذا أزالت النار تغيّره ، إلاّ أنّ يقال : إنّ النّار إنّما تجفّف الماء ولا تُزيل‌

٢٣٧

التغيّر.

الثاني : أنّ الخبر الثاني من الأوّلين معلل بأنّ النار أكلت ما فيه ، وهو شامل للمتغيّر من الماء وغيره.

الثالث : أنّ الخبر الثاني من الأولين ليس فيه دلالة على أنّه ماء بئر بوجه من الوجوه ، ولو فرض الحمل عليه من غير قرينة فالباب أوسع من ذلك ، فإنّ ما ذكرناه في ماء البئر من عدم النجاسة والتقريب من الإمامعليه‌السلام (١) أولى في توجيه الحديثين حينئذٍ.

الرابع : قوله لأنّ ذلك أخفّ نجاسةً إما أنّ تعود الإشارة إلى البئر ، أو إلى غير المتغيّر من البئر وغيره.

فإنّ عادت إلى البئر يصير غير المتغير من البئر أخفّ نجاسةً من المتغيّر منه ، والخبران الأخيران ليسا بتقدير التغيّر خاصّين بالبئر.

وإنّ عادت إلى الأعم لم يتم التعليل المطلوب إثباته ، كما هو واضح ، هذا.

وسيأتي من الشيخ في حكم البئر ما يقتضي القول بأنّ البئر لا تنجس ، وإنّما يجب النزح ، وإنّ احتمل القول بالنجاسة أيضاً ، والكلام هنا أيضاً لا يخلو من مخالفة لما سيأتي ، وستعلم الحال إذا انتهى إلى هناك المقال(٢) .

قوله :

باب الماء الذي تسخنه الشمس‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن‌

__________________

(١) ص ٢١٩.

(٢) راجع ص ٢٣٩ ٢٤٠.

٢٣٨

أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن حمزة بن يعلى ، عن محمّد بن سنان ، قال : حدثني بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « لا بأس أنّ يتوضّأ بالماء الذي يوضع في الشمس ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : « دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عائشة وقد وضعت قمقمتها(١) في الشمس ، فقال : يا حميراء ما هذا؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي ، قال : لا تعودي فإنّه يورث البرص ».

فمحمول على ضرب من الكراهية دون الحظر.

السند‌

قد تقدم الأوّل(٢) سوى حمزة بن يعلى ، وهو ثقة ، وفيه أيضاً إرسال.

وأمّا الثاني : فقد تقدم أيضاً(٣) سوى درست ، وهو ابن أبي منصور واقفي غير موثق.

وإبراهيم بن عبد الحميد ، قال الشيخ في الفهرست : إنّه ثقة(٤) ، وفي كتاب الرجال : إنّه واقفي(٥) ؛ ولا منافاة في كلام الشيخ ، والنجاشي لم يذكر الوقف ولا التوثيق(٦) .

__________________

(١) القمقمة : وعاء من صفر يستصحبه المسافر مجمع البحرين ٦ / ١٤١ ( قمقم ).

(٢) راجع ص ١١١ ، ٩٤.

(٣) راجع ص ٦٤ ، ٧٥ ٨٢ ، ١٢٤ ١٢٥.

(٤) الفهرست : ٧ / ١٢.

(٥) رجال الطوسي : ٣٤٤ / ٢٦.

(٦) رجال النجاشي : ٢٠ / ٢٧.

٢٣٩

المتن :

وإنّ كان ظاهره في الأوّل والثاني مجرد الوضع في الشمس ، من غير تسخين للماء ، إلاّ أنّ الشيخ فهم ذلك ، وكأنّه الظاهر من الروايتين.

مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع في الخلاف(١) على الماء إذا سخنته الشمس ، مؤيّداً برواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضّؤوا به ، ولا تغتسلوا به ، ولا تعجنوا به ، فإنّه يورث البرص »(٢) .

وذكر الوالدقدس‌سره : أنّ النهي في هذه الرواية ورواية إبراهيم بن عبد الحميد إنّما حمل على الكراهة مراعاةً للجمع بينه وبين رواية محمّد بن سنان ، كما ذكره الشيخ ، لكنه خص الروايتين المبحوث عنهما.

وزاد بعض في توجيه الكراهة : بأنّ العلّة المذكورة راجعة إلى المصلحة الدنيوية ، وذلك قرينة كون النهي للإرشاد ، على حد قوله تعالى( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٣) .

واعترض : بأنّ العود إلى المصلحة الدنيويّة لا يدل على عدم التحريم ، كيف ووجوب دفع الضرر مما لا ريب فيه.

وأُجيب : بأنّ دفع الضرر إنما يجب مع العلم أو الظنّ ، وهما منفيان(٤) .

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٥ / ٥ ، علل الشرائع : ٢٨١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٢.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) معالم الفقه : ١٧٢.

٢٤٠