إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 964-319-179-6
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59701 / تحميل: 5927
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٩-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

من الإمامعليه‌السلام . وحينئذٍ يدلّ على أنّ المراد بالأمر في الآية بخصوص الإمام في الفريضة فيتمّ ما تقدم منّا. واحتمال أنْ يكون من الصدوق بعد رواية زرارة ، وأوّله « ولا تقرأنّ » يمكن الاكتفاء به في تصحيح خبر التهذيب لما كرّرنا القول فيه.

وممّا يؤيد كونه من خبر زرارة أنّه روى عنه في أوّل كتاب الصلاة(١) ما يفيد النهي عن القراءة في الأخيرتين.

فإنْ قلت : لا يمكن إرادة الأمر في الآية من الخبر ؛ لأنّهعليه‌السلام قال : « إنّما أمر بالجهر لينصت » إلى آخره. والآية تضمنت الأمر بالإنصات لا الجهر.

قلت : المقصود أنّ الخبر يدل على أنّا مأمورون بالجهر بسبب الأمر بالإنصات ؛ وحاصل المراد أنّه تعالى لمّا أمرنا بالإنصات حال قراءة الإمام ، ولمّا كان وجوب الإنصات مستلزماً لوجوب الجهر كان الجهر مأموراً به من حيث الآية.

فإنْ قلت : يلزم ممّا ذكرت الدور ؛ لأنّ الأمر بالجهر يتوقف على الأمر بالإنصات والحال أنّ الأمر بالإنصات موقوف على الأمر بالجهر.

قلت : الأمر بالجهر لازم للأمر بالإنصات ، غاية الأمر أنّ الوجوب قد يلزم منه نوع توقف من كل منهما ، وجوابه غير خفي. نعم سيأتي في بعض الأخبار ما يدلّ على عموم الآية ، وستسمع القول في ذلك إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت هذا : فالخبر المبحوث عنه بتقدير الوجوب لذاته لا يمنع‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٨ / ٦٠٥.

١٢١

من العدول للمعارض كما ستسمعه. والتأويل في الآية لا مانع منه ، بل ربما كان الأمر فيها للاستحباب عموماً ومن جملته الفريضة بالنسبة إلى الإمام كما يعرف بالتأمّل.

ثم إنّ الخبر تضمن أنّه مع عدم السماع يقرأ ؛ وهو يتناول عدم سماع القراءة أصلاً وعدم سماع القراءة من غير همهمة ، لكن ما يأتي يقيّده.

والثاني : كما ترى يدل على الصلاة التي يجهر فيها ، وهذا أعم من تعين الجهر وعدمه ، فلا يدلّ على تعينه وهو محتاج إلى التقييد كالأوّل.

والثالث : دالّ على الإنصات والتسبيح في النفس ، فإنْ حمل على مدلول الأخبار الأُول وهو الإنصات مع السماع دلّ على أنّ الإنصات في الأخبار الأُول يراد به عدم القراءة ، فلا ينافي التسبيح ، لكن لا بُدّ من الجمع بين الإنصات والتسبيح في النفس ، وحينئذٍ فالإنصات إمّا أنْ يراد به تدبّر المعاني أو مجرد السماع.

وإنْ حمل الخبر على الإطلاق ( من وجه بمعنى جواز الإنصات والتسبيح حتى في الجهرية مع السماع وحينئذٍ يكون الإنسان مخيراً بين القراءة وبين ما ذكر أمكن ؛ إلاّ أنّ إطلاق هذا الخبر محتاج إلى تقييد ، فإنّ مدلول ما سبق )(١) أنّ مع عدم السماع في الجهرية القراءة ، إلاّ أنْ يقال بالتخيير بين القراءة والإنصات والتسبيح ؛ وغير بعيد احتمال التخيير ، وعلى هذا فالأمر في الأوّل ليس على حقيقته ، بل إمّا للاستحباب أو للفرد الكامل ؛ وحينئذٍ يستبعد حمل النهي على التحريم بل لا بُدّ من تقييد للأوّل من حيث النهي.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٢٢

والرابع : كما ترى يدل على أنّ سماع الهمهمة كافٍ ، وبقية ما قلناه فيما عدا الثالث يأتي فيه.

والخامس : وإنْ دل على النهي عن القراءة مطلقاً إلاّ أنّه يمكن حمله على المقيد إمّا بالحمل على الجهرية أو على عدم رجحان القراءة فلا ينافي غيره ، ولقد(١) كان على الشيخ ذكر هذا في مقام المعارض.

والسادس : واضح الحال بما قررناه سابقاً(٢) ؛ والحاصل أنّ دلالته على الكراهة محتمل احتمالاً ظاهراً. أمّا احتمال إرادة عدم علمه بقراءة الإمام على معنى أنّ المأموم لا يتيقن أنّ الإمام قرأ أو نسي القراءة فبعيد بل لا وجه له.

وأمّا السابع : فقد مضى فيه القول(٣) . وبقية الأخبار غير خفية المعاني.

ومن هنا يعلم أنّ ما اختاره شيخناقدس‌سره من تحريم القراءة على المأموم مطلقاً ، إلاّ إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع ولا همهمة فإنّه يستحب له القراءة(٤) . محل تأمّل.

نعم روى الصدوق عن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : « كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة »(٥) ويمكن أنْ يحمل على القراءة بوجه التعيّن. والظاهر أنّ الصدوق يحمله على نحو ما قلناه ، لأنّه نقل بعض‌

__________________

(١) في « م » : ولكن.

(٢) في ص ١١٧ ١١٨.

(٣) في ص ١١٨.

(٤) المدارك ٤ : ٣٢٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٥ / ١١٥٥ ، الوسائل ٨ : ٣٥٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٤.

١٢٣

الأخبار المذكورة هنا ، وروى خبر الحلبي الحسن هنا في الصحيح(١) .

والشيخ روى في زيادات الصلاة من التهذيب خبر أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) . وهو صحيح. وأمّا طريق الصدوق فقد يتوقف فيه ؛ لأنّه ذكر الطريق إلى زرارة وحده ومحمّد بن مسلم وحده ، ومع الاجتماع لا يعلم الطريق لاحتمال اختصاص الطريق بالاتّحاد لما يعلم من مشيخته ، وقد قدّمنا هذا(٣) ، فليتأمّل.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الهمهمة : الكلام الخفي ، وتنويم المرأة الطفل بصوتها ، وتردد الزئير في الصدر من الهمّ ، ونحو أصوات البقر(٤) . ولا يخفى أنّ احتمال الأوّل بعيد من المراد لكن في حيز الإمكان. وقد روى الشيخ في التهذيب في الموثق عن سماعة ما يقتضي أنّ سماع الصوت مع عدم فقه ما يقوله يجزئ عن القراءة خلف الإمام(٥) . فتأمّل.

قوله :

باب وجوب القراءة خلف من لا يقتدي به.

محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٥ / ١١٥٦ ، الوسائل ٨ : ٣٥٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٠.

(٣) في ص ٢١٤٠.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ١٩٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٤ / ١٢٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١٠.

١٢٤

قال : « إذا صلّيت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ».

سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن علي بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله وأبي جعفرعليهما‌السلام في الرجل يكون خلف إمام لا يقتدى به ، فسبقه الإمام بالقراءة ، قال : « إن كان قد قرأ أُمّ الكتاب أجزأ ويقطع ويركع ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبيه بكير بن أعين قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الناصب يؤمّنا ، ما تقول في الصلاة معه؟ فقال : « أمّا إذا هو جهر فأنصت للقرآن واسمع ، ثم أركع واسجد أنت لنفسك ».

الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب ، عن ابي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة تجهر فيها بالقراءة ، فقال : « إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له » قلت : فإنّه يشهد عليّ بالشرك! قال : « إن عصى الله فأطع الله » فرددت عليه فأبى أنْ يرخّص لي ، قال : قلت له : فأُصلّي إذاً(١) في بيتي ثم أخرج إليه ، فقال : « أنت وذاك ».

فالوجه في هذين الخبرين حال التقية والخوف ، لأنّه إذا كانت الحال كذلك جاز للإنسان أنْ يقرأ فيما بينه وبين نفسه ولا يرفع صوته ، يدل على ذلك ‌ :

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٣٠ / ١٦٦١ زيادة : أنا.

١٢٥

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن إسحاق ومحمّد بن أبي حمزة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يجزئك إذا كنت معهم القراءة مثل حديث النفس ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة ، قال : « اقرأ لنفسك وإنْ لم تسمع نفسك فلا بأس ».

السند :‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : مرسل ، وعلي بن أسباط مضى القول فيه مفصلاً(١) .

والثالث : فيه بكير بن أعين ، وقد مضى ما يقتضي أنّ الكشي روى فيه خبراً معتبراً : أنّ أبا عبد اللهعليه‌السلام قال لمّا بلغه وفاته : لقد أنزله الله بين رسوله وبين أمير المؤمنينعليهما‌السلام (٢) . وهذا ربما يفيد المدح ، إلاّ أنّه موقوف على أن يراد بالمدح في الرجال ما يتناول مثل هذا.

وقد ينظر في ذلك ؛ لأنّ المدح بالنسبة إلى الرواية يقتضي نوع صلاح بالنسبة إلى الإخبار ، وقد صرّح الأصحاب في بحث الشهادة : أنّ من حصلت له الولاية لا يلزم قبول شهادته ؛ لتوقفها على تحقق شرط عدم كثرة السهو وإن كان الشخص متصفاً بالعدالة ؛ ومن ثَم قيل : نرجو شفاعة من‌

__________________

(١) راجع ج ١ ص ١٤٧.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٤١٩ / ٣١٥.

١٢٦

لا تقبل شهادته. وعلى هذا فما ورد في شأن بكير لا يدلّ على المدح المعتبر.

فإنْ قلت : من أين اعتبار ما ذكرت في المدح ولم يصرّحوا به؟

قلت : ربما يلوح ذلك من ذكره في الرواة ؛ لأنّ الخبر الحسن عند التأمّل به يقتضي ذلك ، إذ لا يخرج عن مشابهة الشهادة ؛ إلاّ أنْ يقال : إنّ هذا نوع من الإخبار ، فلا يتم ما قلناه ، وفي البين كلام. ( ومن هنا يعلم أنّ قول العلاّمة : بكير بن أعين مشكور(١) ، فيه ما فيه )(٢) .

وما عساه يقال : من أنّ عبد الله بن بكير ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه(٣) ، فلا يضرّ الاحتمال في أبيه.

يمكن الجواب عنه : بما أسلفناه. في معنى الإجماع المذكور في أوّل الكتاب مفصّلاً(٤) ، والحاصل أنّ المعنى في هذا لو كان كما ظن لكان الشيخ أعلم به ، وقد ردّ بعض أخبار فيها من أجمع على تصحيح ما يصح عنه بالإرسال ، فعلم أنّ مرادهم بالإجماع قبول روايات الرجل من دون القرائن.

فإنْ قلت : ردّ الشيخ بالإرسال لا يقتضي ما ذكرت ، لأنّ مقصوده به عدم ثبوت القرائن على الصحة فاكتفى بذكر الإرسال. والذي يؤيد هذا أنّ الخبر لو لم يكن مرسلاً لا يعمل به الشيخ ، فعلم أنّ الإرسال لا يؤثّر من حيث هو وإنما أتى به ( لما ذكرناه.

قلت : هذا الوجه قد قدّمت مثله في أوّل الكتاب ، ولم أر من نبّه )(٥)

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ٢٨.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « م ».

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣.

(٤) راجع ج ١ ص ٥٩ ٦٢.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

١٢٧

عليه ؛ إلاّ أنّه لا يضر بما قلناه ، إذ المقصود منه عدم استفادة المعنى الذي فهمه بعض الأصحاب من : أنّ الإجماع على تصحيح ما يصح عن الرجل يفيد أنّ الطريق إذا صح إليه كفى(١) . والحال أنّ ردّ الشيخ الخبر بالإرسال مع الوصف المذكور يأباه ، فليتأمّل.

فإن قلت : على تقدير مدح بكير فالخبر حسن أو موثق.

قلت : الظاهر من تعريف الموثق شموله ، لكن اللازم من هذا أنّ العامل بالموثق عامل بالحسن ، ولا أعلم ذلك. وبعض محققي المعاصرين عرّف الموثق بما لا يقتضي دخول مثل هذا فيه(٢) ، مع عدّه الخبر في الموثق(٣) . وفيه ما فيه.

أمّا ما قد يقال : من أنّ اللازم من ثبوت الإجماع وصف الخبر بالصحيح.

فيمكن دفعه : بأنّ الصحيح عند المتقدمين له معنى آخر فليتأمّل.

والرابع : صحيح على ما تقدم(٤) .

والخامس : فيه محمّد بن إسحاق ، وهو ابن عمار ؛ لرواية محمّد بن أبي عمير عنه في الفهرست(٥) ؛ وفي النجاشي ثقة عين(٦) . والعلاّمة نقل‌

__________________

(١) ج ١ ص ٥٩ ٦٢.

(٢) البهائي في الحبل المتين : ٥ ، زبدة الأصول : ٦٢. ولكنه ذكر في المسألة في حاشية مشرق الشمسين : ٢٦ ، ثم قال : فإن رجّحنا الحسن على الموثق كما هو الأظهر فموثق ، وإن عكسنا فحسن.

(٣) لم نعثر على عدّه هذا الخبر من الموثق ، ولكنه ذكر في باب موجبات الوضوء خبراً رواه عبد الله بن بكير عن أبيه بكير بن أعين ، وعدّه من الموثق. الحبل المتين : ٣٦.

(٤) راجع ج ١ ص ٦٩ ، ج ٦ ص ١٩١ ، ١٩١ ، ٤٠٧.

(٥) الفهرست : ١٤٩ / ٦٣١.

(٦) رجال النجاشي : ٣٦١ / ٩٦٨.

١٢٨

عن ابن بابويه : أنّه واقفي(١) .

ومحمّد بن أبي حمزة هو الثقة بغير ارتياب فلا يضر وقف غيره لو خلا من الإرسال. والوجه في الجزم بابن أبي حمزة رواية ابن أبي عمير عنه في الفهرست(٢) .

وما عساه يقال : إنّ ابن أبي عمير داخل في المجمع على تصحيح ما يصح عنهم(٣) .

جوابه يعلم مما تقدم عن قريب ، ونزيد الحال هنا وضوحاً بأنّ الإجماع على التصحيح لو تم فيه المعنى السابق لما كان لقول بعض الأصحاب : إنّه لا يروي إلاّ عن ثقة فائدة(٤) . إذ لو روى عن ضعيف لا يضر بالحال.

والعجب من بعض محققي المعاصرين سلّمه الله أنّه فهم المعنى السابق في الإجماع ، وحكم بقبول مراسيل ابن أبي عمير في الأُصول ذاكراً روايته عن الثقة(٥) . فليتأمّل.

والسادس : واضح الصحة بعد ما كرّرناه(٦) في رجاله.

المتن :

في الأوّل : يحتمل أنْ يراد بالإمام فيه من أهل الخلاف لتصريح كثير‌

__________________

(١) خلاصة العلاّمة : ١٥٨ / ١٢٣.

(٢) الفهرست : ١٤٨ / ٦٣٠.

(٣) انظر رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٥٠.

(٤) الدراية : ٤٩.

(٥) الحبل المتين : ٥ ، مشرق الشمسين : ٣٥ ٣٠ ، زبدة الأصول : ٦٣.

(٦) راجع ج ١ ص ١٤١ ، ١٧٥ ، ج ٦ ص ٣٤٦.

١٢٩

من الأخبار به ؛ ويحتمل إرادة ما يعم المؤمن غير الجامع للشرائط على احتمال تقيته خوفاً منه ، وكذلك الثاني.

وما عساه يقال : إنّ تقية المؤمن من أين جوازها؟.

يمكن أن يجاب عنه : بأنّ الكليني روى في باب التقية أخباراً يقتضي بإطلاقها التناول لما ذكر ، فمن ذلك :

ما رواه عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به »(١) .

وروى عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى بن سام ومحمّد بن مسلم وزرارة قالوا : سمعنا أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « التقية في كل شي‌ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له »(٢) .

وما قد يقال : من أنّ التقية عند الإطلاق تنصرف إلى المعروف وهو تقية المخالف ، وحينئذٍ يفيد الخبران اشتراط الضرورة.

يمكن الجواب عنه : بمنع التقييد من السياق ، مضافاً إلى أنّ ما دل على تقية العامّة في الصلاة قريب التنصيص ، والمعارض وهو ما ذكر فيه احتمال إرادة عدم اختصاص التقية بالمخالف بل هي في كل ما يضطر إليه الإنسان ، فلا يتم التخصيص.

( ثم إنّ دلالته على ما ذكرناه من حيث ظهور الشمول ، والأخبار الواردة في هذا الباب لا تقتضي تخصيص )(٣) الأوّلين.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢١٩ الايمان والكفر ب ٩٧ ح ١٣.

(٢) الكافي ٢ : ٢٢٠ الايمان والكفر ب ٩٧ ح ١٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٣٠

ثم إنّ الثاني المبحوث عنه : الظاهر أنّ فاعل « قرأ » فيه للرجل المأموم ؛ والقطع كناية عن عدم قراءة السورة أمّا كاملة أو بعضها. واحتمال أن يعود للإمام والمعنى أنّ الإمام إنْ كان قرأ الفاتحة أجزأ المأموم فيقطع قراءته إن كان قرأ بعيد ، بل لا وجه له إلاّ بغاية التكلف ؛ ولا يخفى أنّ الخبر لا يدلّ على وجوب السورة ولا على عدمه.

والثالث : كما ترى ظاهر الدلالة على الناصب ، وأنّه إذا جهر يجب الإنصات والسماع. وقوله : « واركع » كأنّ المراد به الإتيان بالأفعال والأقوال بقصد الانفراد ، وحينئذٍ يدل على الاكتفاء بقراءة الإمام ظاهراً(١) .

والرابع : الكلام فيه كالأوّل والثاني من جهة الإمام ، وظاهره لزوم الإنصات لقراءة الإمام ، وحينئذٍ ينافي ما تقدم من أنّ الآية الخطاب فيها للمؤمنين خلف الإمام في الفريضة ، والوجه في ذلك أنّ مقتضى هذا الخبر الشمول لصلاة المخالف ، وصدق الإمام عليه محل كلام ؛ ويمكن أنْ يقال في الجمع : بأنّه لا مانع من صدق الإمام ظاهراً ؛ أمّا صدق الفريضة فبالنسبة إلى المأموم ، ويجوز بالنسبة إلى الإمام أيضاً.

نعم في ظاهر الخبر المبحوث عنه ما يفيد العموم من حيث قوله : « إذا سمعت كتاب الله » إلى آخره. ولعلّ المراد الخصوص ، واستعمال « إذا » في العموم دائماً محل تأمّل. أو يقال : إنّه لا مانع من العموم في الآية ، والخبر السابق بنوع من التوجيه تقدّم(٢) . وحمل الشيخ لهما على القراءة في نفسه لا يخلو من بُعد ، إلاّ أنّه وجه للجمع إنْ ثبت عدم القائل بالإنصات من دون قراءة.

__________________

(١) ليس في « م ».

(٢) في ص ١١٩.

١٣١

والخامس المستدل به : ربما دل على أنّ القراءة ليست حقيقة على معنى القراءة خفية ، إلاّ أنّ حمله على ما قاله ممكن لولا أنّ ما قيده في التقية لا يدلّ عليه الخبران ، على أنّ الظاهر من الخبر الرابع استبعاد عدم القراءة أصلاً ، فلولا أنّه فهم ذلك لما كان له وجه. أو يقال : إنّ الخبر يدل بسبب الاستبعاد على وجوب الجهر. إلاّ أنّ مثل هذا لا يصلح للاستدلال ، لا بالنسبة إلى السند ، فإنّه واضح ، بل من جهة الاستبعاد إذ لا يعلم وجهه لاحتمال إرادة القراءة على الوجه الأكمل وهو الجهر.

والسادس : صريح في أنّ القراءة ليست إخفاتية فيؤيّد ما ذكرناه في الخامس ؛ أو يقال : إنّ الإخفاتية لا يشترط فيها إسماع النفس كما قاله الأصحاب(١) ، أو أنّ سماع القراءة مفسرة غير معتبر بل يكفي السماع في الجملة ، لكن الإنصات المأمور به في الخامس ربما يتحقق مع الإخفات. وغير بعيد الحمل على التقية في الخبرين ، كما يعلم من مذهب بعض أهل الخلاف(٢) ، إلاّ أنّ بعضهم قائل بالقراءة(٣) . والترجيح محل تأمّل.

قوله :

فأمّا ما رواه سعد ، عن موسى بن الحسين والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أحمد بن عائذ قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجّلوني إلى ما أنْ أُؤذّن وأُقيم فلا أقرأ شيئاً حتى إذا ركعوا‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢٢٦ ، روض الجنان : ٢٦٥.

(٢) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد ١ : ١٥٤.

(٣) حكاه عن الشافعي في بداية المجتهد ١ : ١٥٤.

١٣٢

فأركع معهم ، أفيجزئني ذلك؟ قال : « نعم ».

فالوجه في قوله : « لا أقرأ » محمول على ما زاد على الحمد ، لأنّ قراءة الحمد لا بُدّ منها ، يدلّ على ذلك أنّ أحمد بن محمّد بن أبي نصر راوي الحديث روى هذه القصّة بعينها ، وقال : إنّي لا أتمكّن من قراءة ما زاد على الحمد ، فقال له : « نعم ».

روى ذلك : سعد ، عن موسى بن الحسين والحسن بن علي ، ( عن أحمد بن هلال )(١) ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجّلوني إلى ما أنْ أُؤذّن وأُقيم فلا أقرأ إلاّ الحمد حتى يركع ، أيجزئني ذلك؟ قال : « نعم يجزئك الحمد وحدها ».

ويحتمل أنْ يكون الخبر مخصوصاً بحال التقية ، فإنّ ذلك يجوز إذا أتى بالركوع والسجود.

روى ذلك : الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن الحصين ، عن محمّد بن الفضيل ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّي أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم ، فلا يمكنني أنْ أُؤذّن وأُقيم وأُكبّر ، فقال لي : « فإذا كان ذلك (٢) فادخل معهم واعتدّ بها ، فإنّها من أفضل ركعاتك » قال إسحاق : فلمّا سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد قلت للغلام : انظر أُقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال : نعم ، فقمت مبادراً فدخلت المسجد فرأيت (٣) الناس قد ركعوا فركعت‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٣١ / ١٦٦٦ : وإذا كان كذلك.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣١ / ١٦٦٦ : فوجدتُ.

١٣٣

مع أوّل صف أدركت ، فاعتددت بها ، ثمّ صلّيت بعد الانصراف أربع ركعات ، ثم انصرفت وإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا إليّ من المخزوميّين والأُمويين ، ثم قالوا : يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك خيراً فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل لنا ، فقلت : وأيّ شي‌ء ذلك؟ قالوا : اتّبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنّك لا تقتدي (١) بالصلاة معنا ، فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا وصلّيت بصلاتنا ( فرضي الله عنك وجزاك ) (٢) خيراً ، قال ؛ فقلت لهم : سبحان الله لمثلي (٣) يقال هذا؟! قال : فعلمت أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلاّ وهو يخاف عليّ هذا وشبهه.

السند :‌

في الأوّل : كما ترى فيه موسى بن الحسين فيما رأيت من النسخ الآن ، وفي التهذيب موسى بن الحسن(٤) ، والظاهر أنّه الصواب ، وقد قدّمنا القول في موسى بن الحسن من أنّه مشترك(٥) ، ولا يبعد كونه الثقة ، إلاّ أنّ الفائدة هنا منتفية بعد أحمد بن هلال المضعّف من الشيخ في هذا الكتاب(٦) ، واشتراك الحسن بن علي(٧) ، وربما يدّعى ظهور ابن فضّال ؛

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٣١ / ١٦٦٦ : لا تعتد.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٣٢ / ١٦٦٦ : رضي الله عنك وجزاك الله.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣٢ / ١٦٦٦ : المِثلي.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٧ / ١٣١.

(٥) راجع ج ١ ص ٢٩٥ وج ٦ ص ٣٨٥.

(٦) الاستبصار ٣ : ٢٨ / ٩٠.

(٧) هداية المحدثين : ١٩٠.

١٣٤

لما قد يظهر من الرجال في ترجمة أحمد بن محمّد بن أبي نصر(١) ، إلاّ أنّ في البين احتمالاً. وأمّا أحمد بن عائذ فهو ثقة.

والثاني : هو الأوّل.

والثالث : فيه محمّد بن الحصين ، ومحمّد بن الفضيل ، وهما مشتركان(٢) ، وإسحاق بن عمّار تكرّر القول فيه(٣) .

المتن :

في الأوّلين : ما ذكره الشيخ فيه أوّلاً قد يشكل بجواز رواية ابن أبي نصر السؤالين ، إلاّ أنّ البعد فيه غير خفي. أمّا ما قاله ثانياً فقد يظنّ أنّه يقتضي عدم تعرضه فيما سبق للتقية ، والحال أنّه ذكرها ، وجوابه أنّ المراد تقية خاصة ، لكن استدلاله بالخبر الأخير قد يشكل بجواز كون الواقعة خاصة لدفع الضرر عن إسحاق. ويمكن الجواب : بأنّ الظاهر العموم في الجواب وإنّما الواقع أحد الجزئيات.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ شيخناقدس‌سره قال في المدارك عند قول المحقق : ولو كان الإمام ممّن لا يقتدى به وجبت القراءة ـ : لا ريب في وجوب القراءة ؛ لانتفاء القدوة ، وكونه منفرداً في نفس الأمر وإنْ تابعه ظاهراً ، ولا يجب الجهر بها في الجهرية قطعاً ؛ للأصل ، وصحيحة علي بن يقطين وذكر الرواية السابقة ثم قال : ويجزئه الفاتحة مع تعذّر قراءة السورة إجماعاً ، ولو ركع الإمام قبل إكمال الفاتحة قيل : قرأ في ركوعه ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٧٥ / ١٨٠.

(٢) هداية المحدثين : ٢٣٥ ، ٢٤٩.

(٣) راجع ج ١ ص ٢٤١ ، ج ٣ ص ٢٠٣.

١٣٥

وقيل : تسقط القراءة ، وبه قطع الشيخ في التهذيب ، واستدلّ بما رواه إسحاق بن عمّار وذكر الرواية المبحوث عنها ثم قال : وهي وإنْ كانت واضحة المتن لكنّها قاصرة من حيث السند(١) . انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ خبر معاوية بن وهب السابق ينافي الجزم بوجوب القراءة على الإطلاق ، وخبر الحلبي الأوّل على تقدير العمل به يقتضي التخيير في القراءة وعدمها جمعاً ، أو يحمل على القراءة في النفس(٢) ، وعدم التعرض للأخبار غير واضح الوجه ، وخبر علي بن يقطين قد سمعت القول فيه من اقتضائه ثبوت واسطة بين الجهر والإخفات ، فإنْ أرادقدس‌سره وجوب القراءة على نحو قراءة الصلاة فالرواية لا تدلّ على ذلك ، وغيرها لم يذكره. ثم إنّ رواية إسحاق وضوح متنها مع ما قدّمناه محل تأمّل ، والله تعالى أعلم.

إذا تقرّر هذا كلّه فليعلم أنّه بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّك قد سمعت من الأخبار سابقاً ما يقتضي الصلاة خلف المرضي(٣) ، والمذكور في كلام المتأخّرين العدالة ، وقد سبق في الجمعة تعريفها(٤) إجمالاً ، والمهم ( هنا بيان القول تفصيلاً ، فاعلم أنّ المنقول عن بعض الأصحاب المتأخّرين دعوى )(٥) الإجماع على اشتراط العدالة في صلاة الجماعة(٦) ، وعن ابن الجنيد أنّه ذهب إلى أنّ كل المسلمين على العدالة إلى أنْ يظهر‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٢٥.

(٢) في « فض » و « م » زيادة : خبر الحلبي.

(٣) تقدّم في ص : ١٠٩.

(٤) في ص : ٥٥.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) انظر المنتهى ١ : ٣٧٠.

١٣٦

ما يزيلها(١) ، وذهب آخرون إلى جواز التعويل على حسن الظاهر(٢) ، والكلام هنا في مواضع :

الأوّل : قد سمعت أنّ الإجماع منقول على اشتراط العدالة ، وأظنّ أنّه من العلاّمة(٣) والمحقق(٤) ، وقد قدّمنا أنّ الإجماع من المتأخّرين من قبيل الخبر المرسل ؛ لأنّ تحقق الإجماع في زمن المذكورين وأشباههم يكاد أنْ يلحق بالممتنعات العادية ، فلا بُدّ أنْ يكون على سبيل النقل ، وحيث لم يبيّن الأصل فهو مرسل ، وتخيل أنّه لا يكون إلاّ عن ثقة في ( الاكتفاء به ليكون خبراً مسنداً ؛ محل بحث ذكرناه في أوّل الكتاب(٥) ، وبتقدير كون الإجماع من )(٦) المتقدّمين للبحث فيه مجال ، كما يصرّح بنفيه العلاّمة والمحقّق.

ثمّ إنّ وجود الخلاف في هذه المسألة يحقق البحث ، والدليل من سوى الإجماع المنقول مشكل التحقق ؛ لأنّ الأخبار التي وقفت عليها ما سبق في هذا الكتاب ، وهو صحيح محمّد بن مسلم في باب الصلاة خلف العبد ، حيث قال فيه : عن العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به أنّه لا بأس به ، وكذلك صحيحه الآخر(٧) .

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥١٣.

(٢) كما في المبسوط ٨ : ٢١٧ ، الشرائع ٣ : ٢١ ، القواعد ٢ : ٦٤ ، مجمع الفائدة ٢ : ٣٥٤ ، المدارك ٤ : ٦٦ و ٣٤٧.

(٣) في المنتهى ١ : ٣٧٠.

(٤) في المعتبر ٢ : ٣٠٦.

(٥) راجع ج ٢ ص ٢٤٠.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٧) راجع ص ٧٣.

١٣٧

وفي باب القراءة خلف من يقتدى به حسن قتيبة ، حيث قال فيه : « خلف إمام ترضى به »(١) ، وموثق يونس بن يعقوب ، حيث قال فيه : « من رضيت به »(٢) .

وفي التهذيب روى عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن عمرو بن عثمان ومحمّد بن يزيد ، عن محمّد بن عذافر ، عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن إمامٍ لا بأس به في جميع أمره عارف ، غير أنّه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما(٣) ، أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّاً قاطعاً »(٤) .

وروى أيضاً بطريق غير سليم عن أبي ذر قال : إنّ إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً(٥) .

وروى بطريق فيه الإرسال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : « لا تصلّ خلف الغالي وإنْ كان يقول بقولك ، والمجهول ، والمجاهر بالفسق وإنْ كان مقتصداً »(٦) .

وروى بطريق فيه جهالة عن سعد بن إسماعيل ، عن أبيه قال : قلت للرضاعليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أُصلّي خلفه؟ قال : « لا »(٧) .

__________________

(١) راجع ص : ١٠٩.

(٢) راجع ص : ١٠٩.

(٣) في « رض » : يغلظه ، وفي « فض » : يغيظه ، وفي « م » : يغيظ ، وما أثبتناه من التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣١٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٧ ، الوسائل ٨ : ٣١٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٣١ / ١٠٩ ، الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٦.

(٧) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠ ، الوسائل ٨ : ٣١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ١٠.

١٣٨

وتقدّم عنه نقل رواية عنه بطريق فيه سهل بن زياد ، عن أبي عبيدة ، تضمنت أنّه يتقدّم القوم أقرؤهم(١) .

وروى أيضاً بطريق فيه مجاهيل وابن عقدة ، تضمّن السؤال عن القراءة خلف الإمام ، فقال : « إذا كنت خلف إمام تولاّه وتثق به فإنّه يجزيك قراءته »(٢) .

وروى عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إنْ كنت خلف الإمام في صلاةٍ لا تجهر فيها بالقراءة حتى تفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه » الحديث(٣) .

وروى في الزيادات عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهزيار ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إنّ مواليك اختلفوا ، فأُصلّي خلفهم جميعاً؟ فقال : « لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه(٤) »(٥) .

وروى هذا الحديث محمّد بن يعقوب ، عن علي بن محمّد ، عن سهل ، بزيادة في المتن(٦) ، لا يفيد نقلها ، وقدّمنا عنه رواية حسنة في الصلاة خلف العبد ، وفيها : « لا بأس به إذا كان فقيهاً ، ولم يكن هناك أفقه منه » وفيها قال : قلت : أُصلّي خلف الأعمى؟ قال : « نعم إذا كان له من يسدّده وكان أفضلهم »(٧) .

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣ / ١٢٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٥ / ١٢٤ ، الوسائل ٨ : ٣٥٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ٩.

(٤) في التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥ زيادة : وأمانته.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥ ، الوسائل ٨ : ٣١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٤ الصلاة ب ٥٥ ح ٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣٧٥ الصلاة ب ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ٨ : ٣٢٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ١ ، الوسائل ٨ : ٣٣٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٥.

١٣٩

ونقل الصدوق في الفقيه عن أبيه أنّه قال في رسالته : لا تصلّ خلف أحد ، إلاّ خلف رجلين ، أحدهما من تثق بدينه وورعه ، وآخر تتّقي سيفه وسطوته وشناعته على الدين ، إلى آخره(١) . وهذا يقتضي عمله بقول أبيه ، وهو مضمون بعض الأخبار في الجملة.

وروى عن إسماعيل الجعفي ، أنّه قال لأبي جعفرعليه‌السلام : رجل يحبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ولا يتبرّأ من عدوّه ، ويقول هو أحبّ إليّ ممن خالفه ، قال : « هذا مخلط وهو عدو فلا تصلّ وراءه ، ولا كرامة ، إلاّ أن تتّقيه »(٢) وطريقه إلى إسماعيل فيه كلام كإسماعيل ، إلاّ أنّ رواية الصدوق لها مزيّة كما سبق(٣) ، ورواه الشيخ(٤) بطريق خال من الارتياب الذي في طريق الصدوق ، إلاّ في إسماعيل ، وفيه ابن مسكان ، وأظنّ أنّ أمره هيّن ، وعلى كل حال فهو مؤيّد لرواية الصدوق.

وروى الصدوق أيضاً خبر عمر بن يزيد(٥) ، وليس في طريقه ارتياب. وروى الخبر السابق عن الشيخ المتضمن للمجهول والمغالي مرسلاً ، بهذه الصورة : وقال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة لا تصلّى خلفهم ، المجهول والمغالي ، وإنْ كان يقول بقولك »(٦) إلى آخره. ومزيّته ظاهرة. وروى خبر سعد بن إسماعيل(٧) السابق من الشيخ.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٨ ، الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٣.

(٣) في ص : ٥٨ ، ١٩٨٩ ، ١٩٩٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٨ / ٩٧.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٤.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١١ ، الوسائل ٨ : ٣١٥ أبواب صلاة الجماعة ب ١١ ح ٤ وفيهما : الغالي ، بدل : المغالي.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

اندفعت المطالبة عنه ، وبرئ المشتري من الحقّين ؛ لأنّ البائع قد ثبت بالبيّنة أنّه قبض ، والآذن قد ثبت أنّ وكيله - وهو البائع - قد قبض.

ولو شهد له الشريك الآذن ، لم تُقبل شهادته في نصيبه ؛ لأنّه لو ثبت ذلك لطالَب المشهود عليه بحقّه ، وذلك جرّ نفعٍ ظاهر ، فلا تُقبل ؛ للتهمة.

وهل تُقبل شهادته في نصيب البائع؟ قال بعض علمائنا : نعم(١) .

وللشافعيّة قولان مبنيّان على أنّ الشهادة إذا رُدّت في بعض ما شهدت به ؛ للتهمة ، فهل تردّ في الباقي؟(٢) .

ولو لم يكن للمشتري بيّنة بالقبض ، كان القولُ قولَ البائع مع يمينه ؛ لأنّه منكر ، والأصل عدم القبض ، فيحلف البائع أنّه لم يقبض ، فإذا حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الآذن ؛ لإقراره أنّ البائع قبض أوّلاً ما هو الحقّ ، ويزعم أنّ الذي قبضه ثانياً بيمينه ظلم ، فلا يستحقّ مشاركته فيه ، فإن نكل البائع عن اليمين رُدّت اليمين على المشتري ، فإذا حلف أنّه أقبض البائع جميع الثمن انقطعت المطالبة عنه ، ولو نكل المشتري أيضاً أُلزم بنصيب البائع.

وقال بعض الشافعيّة : لا يُلزم بنصيب البائع أيضاً ؛ لأنّا لا نحكم بالنكول(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ هذا ليس حكماً بالنكول ، وإنّما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداءً.

____________________

(١) لم نهتد إلى القائل به ، وراجع المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٤١ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٤ ، البيان ٦ : ٣٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦١

فإذا انفصلت(١) [ خصومة ](٢) البائع و(٣) المشتري فلو جاء الشريك الآذن وطالَب البائعَ بحقّه ؛ لزعمه أنّه قبض جميع الثمن ، فعليه البيّنة ، ويُقدَّم قول البائع مع اليمين أنّه لم يقبض إلّا نصيبه بعد الخصومة الجارية بينهما ، فإن نكل البائع حلف الآذن وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع البائع به على المشتري ؛ لأنّه يزعم أنّ شريكه ظَلَمه بما فَعَل ، ولا يمنع البائعَ من الحلف نكولُه عن اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنّها خصومة أُخرى مع خصمٍ آخَر.

هذا إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري وتبعتها خصومة الشريكين ، وأمّا إن تقدّمت خصومة الشريكين فادّعى الذي لم يبع قبضَ الثمن على البائع وطالَبه بحقّه وأنكر البائع ، قُدّم قوله مع اليمين ، وكان على الشريك الآذن البيّنة بأنّ البائع قبض الثمن ، ولا تُقبل شهادة المشتري له بحالٍ البتّة ؛ لأنّه يدفع عن نفسه ، فإن فُقدت البيّنة حلف البائع على أنّه ما قبض ، فإن نكل حلف الآذن على أنّه قبض ، وأخذ نصيبه من البائع.

ثمّ إذا انفصلت الخصومة بين الشريكين ، فلو طالَب البائع المشتري بحقّه ، وادّعى المشتري الأداءَ ، فعليه البيّنة ، فإن لم تكن بيّنة حلف البائع ، وقبض حقّه ، فإن نكل حلف المشتري وبرئ ، ولا يمنع البائعَ من أن يحلف ويطلب من المشتري حقَّه نكولُه في الخصومة الأُولى مع شريكه.

وللشافعيّة وجهٌ : إنّه يمنع ؛ بناءً على أنّ يمين الردّ كالبيّنة أو كإقرار المدّعى عليه؟ إن كانت كالبيّنة فكأنّه قامت البيّنة على قبضه جميعَ الثمن ،

____________________

(١) في « خ » : « انقضت » بدل « انفصلت ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « حكومة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « ث ، خ ، ر » : « مع » بدل « و».

٣٦٢

وإن كانت كالإقرار فكأنّه أقرّ بقبض جميع الثمن ، وعلى التقديرين يمنع عليه مطالبة المشتري(١) .

وضعّفه باقي الشافعيّة ؛ لأنّ اليمين إنّما تجعل كالبيّنة أو كالإقرار في حقّ المتخاصمين وفيما فيه تخاصمهما لا غير ، ومعلومٌ أنّ الشريك إنّما يحلف على أنّه قبض نصيبه ، فإنّه الذي يطالب به ، فكيف تؤثّر يمينه في غيره!؟(٢) .

وعلى ضعفه فقد قال الجويني : [ القياس ](٣) طرده فيما إذا تقدّمت خصومة البائع والمشتري ونكل البائع وحلف المشتري اليمينَ المردودة حتى يقال : تثبت للّذي لم يبع مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومةٍ ؛ لكون يمين الردّ بمنزلة البيّنة أو الإقرار(٤) .

مسألة ١٧٩ : لو باع الشريك - المأذون له في البيع - العبدَ ، ثمّ اختلف الشريكان‌ ، فادّعى البائع على الآذن بأنّه قبض الثمن بأسره من المشتري ، فأنكر الآذن القبضَ ، وصدّق المشتري المدّعي ، فإن كان الآذن في البيع مأذوناً له في القبض للثمن من جهة البائع ، برئ المشتري من حصّة البائع ؛ لأنّه قد اعترف بأنّ وكيله قد قبض.

ثمّ تُفرض حكومتان كما تقدّم.

فإن تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فالقول قول الذي لم يبع في عدم القبض ، فيحلف ويأخذ نصيبه ويسلّم إليه المأخوذ.

وإن تخاصم البائع والذي لم يبع ، حلف الذي لم يبع ، فإن نكل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥١٩.

٣٦٣

حلف البائع ، وأخذ منه نصيبه ، ولا رجوع له على المشتري.

ولو شهد البائع للمشتري على القبض ، لم تُقبل ؛ لأنّه يشهد لنفسه على الذي لم يبع.

وإن لم يكن الآذن في البيع مأذوناً له في القبض من جهة البائع ، لم تبرأ ذمّة المشتري عن شي‌ءٍ من الثمن.

أمّا عن حقّ الذي لم يبع : فلأنّه منكر للقبض ، والقول قوله في إنكاره مع اليمين.

وأمّا عن حقّ المباشر للبيع : فلأنّه لم يعترف بقبضٍ صحيح.

ثمّ لا يخلو إمّا أن يكون البائع مأذوناً من جهة الذي لم يبع في القبض ، أو لا يكون هو مأذوناً أيضاً.

فإن كان مأذوناً ، فله مطالبة المشتري بنصيبه من الثمن ، ولا يتمكّن من مطالبته بنصيب الذي لم يبع ؛ لأنّه لـمّا أقرّ بقبض الذي لم يبع نصيب نفسه فقد صار معزولاً عن وكالته.

ثمّ إذا تخاصم الذي لم يبع والمشتري ، فعلى المشتري البيّنة على القبض ، فإن لم تكن بيّنة فالقول قول الذي لم يبع.

فإذا حلف ، ففي مَنْ يأخذ حقّه منه للشافعيّة وجهان :

قال المزني منهم : إن شاء أخذ تمام حقّه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ ، وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأنّ الصفقة واحدة ، وكلّ جزءٍ من الثمن شائع بينهما ، فإن أخذ بالخصلة الثانية لم يبق مع البائع إلّا ربع الثمن(١) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب =

٣٦٤

و [ يفارق ](١) هذا ما إذا كان الذي لم يبع مأذوناً في القبض حيث لا يشاركه البائع فيما أخذه من المشتري ؛ لأنّ زعمه أنّ الذي لم يبع ظالمٌ فيما أخذه ، فلا يشاركه فيما ظلم به(٢) .

وقال آخَرون منهم ابن سريج : ليس له إلّا أخذ حقّه من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأنّ البائع قد انعزل عن الوكالة بإقراره : إنّ الذي لم يبع قَبَض حقَّه ، فما يأخذه بعد الانعزال يأخذه لنفسه خاصّةً(٣) .

وقال آخَرون : إنّه وإن انعزل فالمسألة تحتمل وجهين بناءً على أنّ مالكَي السلعة إذا باعاها صفقةً واحدة هل ينفرد أحدهما بقبض حصّته من الثمن؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا ، بل إذا انفرد بأخذ شي‌ءٍ شاركه الآخَر فيه ، كما أنّ الحقّ الثابت للورثة لا ينفرد بعضهم باستيفاء حصّته منه ، ولو فَعَل شاركه الآخَرون فيه ، وكذا لو كاتبا عبداً صفقةً واحدةً ، لم ينفرد أحدهما بأخذ حقّه من النجوم.

والثاني : نعم ، كما لو باع كلّ واحدٍ منهما نصيبَه بعقدٍ مفرد ، بخلاف الميراث والكتابة ، فإنّهما لا يثبتان في الأصل بصفة التجزّي ؛ إذ لا ينفرد‌

____________________

= - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٠ - ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يقارب ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٤٤ ، الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٥

بعض الورثة ببعض أعيان التركة ، ولا تجوز كتابة البعض من العبد ، فلذلك لم يجز التجزّي في القبض(١) .

ولو شهد البائع للمشتري على أنّ الذي لم يبع قد قبض الثمن ، فعلى قول المزني لا تُقبل شهادته ؛ لأنّه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه(٢) ، وعلى قول ابن سريج تُقبل(٣) .

وإن لم يكن البائع مأذوناً في القبض ، قال بعض الشافعيّة : للبائع مطالبة المشتري بحقّه هنا ، وما يأخذه يسلم له ، وتُقبل هنا شهادة البائع للمشتري على الذي لم يبع(٤) .

وقال آخَرون : ينبغي ثبوت الخلاف في مشاركة صاحبه فيما أخذه ، ويُخرَّج قبول الشهادة على الخلاف(٥) .

مسألة ١٨٠ : لو غصب واحد نصيبَ أحد الشريكين بأن نزّل نفسه منزلته‌ ، فأزال يده ولم يُزل يدَ صاحبه الآخَر ، بل استولى على العبد ومَنَع أحدَهما الانتفاع به دون الآخَر ، فإنّه يصحّ من الذي لم يغصب نصيبه بيع نصيبه ، ولا يصحّ من الآخَر بيع نصيبه ، إلّا من الغاصب ، أو ممّن يتمكّن من انتزاعه من يد الغاصب.

ولو باع الغاصب والذي لم يغصب نصيبه جميعَ العين في عقدٍ واحد ، صحّ في نصيب المالك ، ووقف نصيب الآخَر إن أمضاه المغصوب منه صحّ ، وإلّا فلا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٢٧١ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٣٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٠.

٣٦٦

وقالت الشافعيّة : يصحّ في نصيب مَنْ لم يغصب منه ، ويبطل في الآخَر ، ولا يُخرَّج على الخلاف في تفريق الصفقة عندهم ؛ لأنّ الصفقة تتعدّد بتعدّد البائع(١) .

ومنهم مَنْ قال : يبنى القول في نصيب المالك على أنّ أحد الشريكين إذا باع نصفَ العبد مطلقاً ينصرف إلى نصيبه أو يشيع؟ وجهان ، فإن قلنا : ينصرف إلى نصيبه ، صحّ بيع المالك في نصيبه ، وإن قلنا بالشيوع ، بطل البيع في ثلاثة أرباع العبد ، وفي ربعه قولان.

ولا يُنظر إلى هذا البناء فيما إذا باع المالكان معاً وأطلقا ، ولا يُجعل كما إذا أطلق كلّ واحدٍ منهما بيعَ نصف العبد ؛ لأنّ هناك تناول العقد الصحيح جميعَ العبد(٢) .

مسألة ١٨١ : قد بيّنّا(٣) أنّ شركة الأبدان باطلة ، سواء اشترك العمل أو اختصّ بأحدهما وتقبّل الآخَر.

فلو قال واحد لآخَر : أنا أتقبّل العمل وأنت تعمل والأُجرة بيننا بالسويّة أو على نسبة أُخرى ، لم يصح عند علمائنا - وبه قال زفر(٤) - ولا يستحقّ العامل المسمّى ، بل له أُجرة المثل.

وقال أحمد : تصحّ الشركة ؛ لأنّ الضمان يستحقّ به الربح بدليل شركة الأبدان ، وتقبّل العمل يوجب الضمان على المتقبّل ، ويستحقّ به الربح ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٤٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، البيان ٦ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٢ - ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢١.

(٣) في ص ٣١٢ ، المسألة ١٤٢.

(٤) المغني ٥ : ١١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧.

٣٦٧

فصار كتقبّله المالَ في المضاربة ، والعمل يستحقّ به العامل الربح كعمل المضاربة ، فينزَّل منزلة المضاربة(١) .

والحكم في الأصل ممنوع.

مسألة ١٨٢ : الربح في شركة الأبدان على نسبة العملين ، لا على الشرط الذي شرطاه‌ ، عند علمائنا ؛ لأنّ الشركة باطلة على ما تقدّم(٢) بيانه.

وقال أحمد : إنّها صحيحة ، والشركة على ما اتّفقوا عليه من مساواةٍ أو تفاضلٍ ، ولكلٍّ منهما المطالبة بالأُجرة ، وللمستأجر دفعها إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإلى أيّهما دفع برئ منها ، وإن تلفت في يد أحدهما من غير تفريطٍ فهي من ضمانهما معاً ؛ لأنّهما كالوكيلين في المطالبة ، وما يتقبّله كلّ واحدٍ منهما من عملٍ فهو من ضمانهما يطالب به كلّ واحدٍ منهما ، ويلزمه عمله ؛ لأنّ هذه الشركة لا تنعقد إلّا على الضمان ، ولا شي‌ء منها تنعقد عليه الشركة حال الضمان ، فكأنّ الشركة تتضمّن ضمان كلّ واحدٍ منهما عن الآخَر ما يلزمه.

ولو أقرّ أحدهما بما في يده ، قُبِل عليه وعلى شريكه ؛ لأنّ اليد له ، فيُقبل إقراره بما فيها ، ولا يُقبل إقراره بما في يد شريكه ولا بدَيْنٍ عليه(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل.

ولو عمل أحدهما دون صاحبه ، فالكسب للعامل خاصّةً عندنا ، وإن حصل من الآخَر سفارة فله أُجرته عليها.

وقال أحمد : إذا عمل أحدهما خاصّةً ، كان الكسب بينهما على‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٣ و ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٧ و ١٨٨.

(٢) في ص ٣١٢ - ٣١٣ ، المسألة ١٤٢.

(٣) المغني ٥ : ١١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٨.

٣٦٨

ما شرطاه ، سواء ترك العمل لمرضٍ أو غيره ، ولو طالَب أحدهما الآخَر أن يعمل معه ، أو يقيم مقامه مَنْ يعمل ، فله ذلك ، فإن امتنع فللآخَر الفسخ(١) .

وهو باطل عندنا على ما سلف(٢) .

ولو كان لقصّارٍ أداةٌ ولآخَر بيتٌ ، فاشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا والكسب بينهما ، جاز ، والأجر بينهما على ما شرطاه ، عند أحمد ؛ لأنّ الشركة وقعت على عملهما ، والعمل يستحقّ به الربح في الشركة ، والآلة والبيت لا يستحقّ بهما شي‌ء(٣) .

وعندنا أنّ هذه الشركة باطلة ، وقد سلف(٤) .

مسألة ١٨٣ : إذا كانت الشركة باطلةً ، قسّما الربح على قدر رؤوس أموالهما‌ ، ويرجع كلٌّ منهما على الآخَر بأجر عمله - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّ المسمّى يسقط في العقد الفاسد ، كالبيع الفاسد إذا تلف المبيع في يد المشتري ، والنماء فائدة مالهما ، فيكون تابعاً للأصل ، كالثمرة.

والرواية الأُخرى لأحمد : إنّهما يقتسمان الربح على ما شرطاه ، ولا يستحقّ أحدهما على الآخَر أجر عمله ، وأجراها مجرى الصحيحة ؛ لأنّه عقد يصحّ مع الجهالة ، فيثبت المسمّى في فاسده ، كالنكاح(٦) .

____________________

(١) المغني ٥ : ١١٤ و ١١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٩.

(٢) في ص ٣٤٠ - ٣٤١ ، المسألة ١٦١.

(٣) المغني ٥ : ١١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٩١.

(٤) في ص ٣٤٥ ، المسألة ١٦٥.

(٥) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٦ ، الفقه النافع ٣ : ٩٩٦ / ٧٢١ ، البيان ٦ : ٣٣٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

(٦) المغني ٥ : ١٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٨.

٣٦٩

إذا عرفتَ هذا ، فلو كان مال كلّ واحدٍ منهما متميّزاً ، وكان ربحه معلوماً ، كان لكلٍّ ربحُ ماله ، ولا يشاركه الآخَر فيه.

ولو ربح في جزءٍ منه ربحاً متميّزاً وباقيه مختلطاً ، كان له تمام ما تميّز(١) من ربح ماله ، وله بحصّة باقي ماله من الربح.

مسألة ١٨٤ : ليس لأحد الشريكين أن يكاتب الرقيق ، ولا يعتق على مالٍ ولا غيره ، ولا يزوّج الرقيق‌ ؛ لأنّ الشركة منعقدة على التجارة ، وليست هذه الأنواع تجارةً ، لا سيّما تزويج العبد ؛ فإنّه محض ضررٍ.

وليس له أن يُقرض ولا يحابي ؛ لأنّه تبرّع.

وليس له أن يشارك بمال الشركة ولا يدفعه مضاربةً ؛ لأنّ ذلك يُثبت في المال حقوقاً ، ويستحقّ غير المالك ربحه ، وليس له ذلك إلّا بإذن ربّ المال.

وليس له أن يمزج مال الشركة بماله ، ولا مال غيره ؛ لأنّه تعيّب في المال.

وليس له أن يستدين على مال الشركة ، فإن فَعَل فربحه له ، وعليه خسرانه.

وقال بعض العامّة : إذا استدان شيئاً ، لزم الشريكين معاً ، وربحه لهما وخسرانه عليهما ؛ لأنّ ذلك تملّك مالٍ بمالٍ ، فأشبه الصرف(٢) .

وهو غلط ؛ لأنّه أدخل في الشركة أكثر ممّا رضي الشريك أن يشاركه فيه ، فلم يجز ، كما لو ضمّ إلى مال الشركة شيئاً من ماله ، ويفارق الصرف ؛ لأنّه بيع وإبدال عينٍ بعينٍ ، فهو كبيع الثياب بالدراهم.

____________________

(١) في « ج » والطبعة الحجريّة : « يتميّز ».

(٢) المغني ٥ : ١٣٠ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٣.

٣٧٠

وليس له أن يُقرّ على مال الشركة ، فإن فَعَل لزم في حقّه دون صاحبه ، سواء أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ ؛ لأنّ شريكه إنّما أذن له في التجارة ، والإقرار ليس منها.

ولو أقرّ بعيبٍ في عينٍ باعها أو أقرّ الوكيل على موكّله بالعيب ، لم يُقبَل ، خلافاً لأحمد(١) .

ولو أقرّ بقبض ثمن المبيع أو أجر المكاري والحمّال وأشباه ذلك ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّه من توابع التجارة ، فكان له ذلك كتسليم المبيع وأداء ثمنه.

ولو رُدّت السلعة عليه بعيبٍ ، قَبِلها ، أو أعطى أرشها.

ولو حطّ من الثمن شيئاً أو أسقط دَيْناً لهما عن [ غريمهما ](٢) لزم في حقّه ، وبطل في حقّ شريكه ؛ لأنّ ذلك تبرّع ، والتبرّع يمضى في حصّته دون شريكه.

ولو كان لهما دَيْنٌ حالّ فأخّر أحدهما حصّته من الدَّيْن ، جاز - وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٣) - لأنّه أسقط حقّه من التعجيل ، فصحّ أن ينفرد به أحدهما ، كالإبراء.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز(٤) .

مسألة ١٨٥ : قد بيّنّا أنّ الشركة تتضمّن نوع وكالةٍ ، ولا يتعدّى الشريك حدّ الوكالة ، فليس له أن يبيع نَسْأً.

____________________

(١) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٠.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيرهما ». والمثبت كما في المغني ٥ : ١٣١.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ١٣١ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

٣٧١

وإذا اشترى بجنس ما عنده دَفَعه ، وإن اشترى بغير جنسه لم يكن له أن يستدين الجنس ويصرفه في الثمن ؛ لأنّا منعناه من الاستدانة ، لكن له أن يبيع بثمنٍ من النقد الذي عيّنه ويدفع.

وليس له أن يودع إلّا مع الحاجة ؛ لأنّه ليس من الشركة ، وفيه غرور ، أمّا مع الحاجة فإنّه من ضرورة الشركة ، فأشبه دفع المتاع إلى الحمّال ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.

والثانية : يجوز ؛ لأنّه عادة التجّار ، وقد تدعو الحاجة إلى الإيداع(١) .

والعادة لا تقضي على الشرع ، والحاجة مسوّغة كما قلنا.

وليس له أن يوكّل فيما يتولّاه بنفسه ، كالوكيل.

وفي إحدى الروايتين عن أحمد : الجواز(٢) .

فإن وكّل أحدهما بإذن صاحبه جاز ، وكان لكلٍّ منهما عزله.

وليس لأحدهما أن يرهن بالدَّيْن الذي عليهما إلّا بإذن صاحبه أو مع الحاجة.

وعن أحمد روايتان(٣) .

وليس لأحدهما السفر بالمال المشترك إلّا بإذن صاحبه. والأقرب : إنّ له الإقالة ؛ لأنّها إمّا بيعٌ عند جماعةٍ من العامّة(٤) ، وهو يملك البيع ، أو فسخٌ عندنا ، وهو يملك الفسخ ، ويردّ بالعيب ، كلّ ذلك مع المصلحة.

ولو قال له : اعمل برأيك ، جاز أن يعمل كلّ ما يصلح في التجارة من الإبضاع والمضاربة بالمال والمشاركة وخلطه بماله والسفر والإيداع والبيع نسيئةً والرهن والارتهان والإقالة ونحو ذلك ؛ لأنّه فوّض إليه الرأي في‌

____________________

(١ - ٣) المغني ٥ : ١٣٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٢.

(٤) راجع ج ١٢ - من هذا الكتاب - ص ١١٧ ، الهامش (٣)

٣٧٢

التصرّف الذي تقتضيه الشركة ، فجاز له كلّ ما هو من التجارة ، فأمّا ما يكون تمليكاً بغير عوضٍ - كالهبة والحطيطة لغير فائدةٍ والقرض والعتق ومكاتبة الرقيق وتزويجه - فلا يفعله إلّا بإذنه ؛ لأنّه إنّما فوّض إليه العمل برأيه في التجارة ، وليس ذلك منها.

ولو أخذ أحد الشريكين مالاً مضاربةً ، فربحه له دون صاحبه ؛ لأنّه يستحقّ ذلك في مقابلة عمله ، وليس ذلك من المال الذي اشتركا فيه.

مسألة ١٨٦ : قد بيّنّا أنّ الشركة من العقود الجائزة لكلٍّ منهما فسخها والرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة‌ ؛ لأنّ الإنسان مسلّط على ماله ، فكان له المطالبة بإفرازه من مال غيره وتمييزه عنه ، وليس لأحدهما مطالبة الآخَر بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان الأعواض إذا لم يتّفقا على البيع ، ولا يصحّ التأجيل في الشركة.

ولو كان بعض المال في أيديهما والآخَر غائب عنهما فاقتسما الذي في أيديهما والغائب عنهما ، صحّت في المقبوض ، دون الغائب [ عن ](١) الناس ؛ لأنّ الباقرعليه‌السلام سُئل عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كلّ واحدٍ منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخَر ، قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله!؟ »(٢) .

وسأل [ عبد الله بن سنان ](٣) الصادقَعليه‌السلام : عن رجلين بينهما مال منه‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « على ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٥ - ١٨٦ / ٨١٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والطبعة الحجريّة : « معاوية بن عمّار » وهو في سند الحديث ٨٢٠ من التهذيب ٧ : ١٨٦ ، والمثبت من المصدر.

٣٧٣

دَيْنٌ ومنه عينٌ ، فاقتسما العين والدَّيْن فتوى(١) الذي كان لأحدهما من الدَّيْن أو بعضه وخرج الذي للآخَر [ أيردّ ](٢) على صاحبه؟ قال : « نعم ، ما يذهب بماله!؟ »(٣) .

مسألة ١٨٧ : لو كان لرجلين دَيْنٌ بسببٍ واحد إمّا عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره ، فقبض أحدهما منه شيئاً ، فللآخَر مشاركته فيه - وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل(٤) - لما تقدّم(٥) في المسألة السابقة في رواية [ عبد الله بن سنان ](٦) عن الصادق(٧) .

ولأنّ تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدَّيْن في الذمّة من غير رضا الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ لهما والباقي بينهما.

ولغير القابض الرجوعُ على القابض بنصفه ، سواء كان باقياً في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ؛ لأنّ الحقّ ثبت في ذمّته لهما على وجهٍ سواء ، فليس له تسليم حقّ أحدهما إلى الآخَر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ءٍ ؛ لأنّ حقّه ثابت في أحد المحلّين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقّه من الآخَر.

وليس للقابض منعه من [ الرجوع على ](٧) الغريم بأن يقول : أنا‌

____________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يراد ». والمثبت من المصدر.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٦ / ٨٢١.

(٤) المغني ٥ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨١.

(٥) آنفاً.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « معاوية بن عمّار ». والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٧) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣٧٤

أُعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة إليه من أيّهما شاء قبض ، فإن قبض من شريكه شيئاً رجع الشريك على الغريم بمثله.

وإن هلك المقبوض في يد القابض ، تعيّن حقّه فيه ، ولم يضمنه للشريك ؛ لأنّه قدر حقّه فيما تعدّى بالقبض ، وإنّما كان لشريكه مشاركته ؛ لثبوته في الأصل مشتركاً.

ولو أبرأ أحد الشريكين الغريمَ من حقّه ، برئ منه ؛ لأنّه بمنزلة قبضه منه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ ؛ لأنّه لم يقبض شيئاً من حقّ الشريك.

ولو أبرأ أحدهما من جزءٍ مشاع ، سقط من حقّه ، وبسط ما يقبضانه من الغريم على النسبة ، فلو أبرأ أحدهما الغريمَ من عُشْر الدَّيْن ثمّ قبضا من الدَّيْن شيئاً ، قسّماه على قدر حقّهما في الباقي ، للمُبرئ أربعة أتساعه ، ولشريكه خمسة أتساعه.

وإن قبض(١) نصف الدَّيْن ثمّ أبرأ أحدهما من عُشْر الدين كلّه ، نفذت البراءة في خُمس الباقي ، وما بقي بينهما على ثمانية ، للمُبرئ ثلاثة أثمانه ، وللآخَر خمسة أثمانه ، فما قبضاه بعد ذلك اقتسماه على هذا.

ولو اشترى أحدهما بنصيبه من الدَّيْن ثوباً ، قال بعض العامّة : كان للآخَر إبطال الشراء ، فإن بذل له المشتري نصف الثوب ولا يبطل البيع ، لم يلزمه(٢) ذلك(٣) .

وإن أجاز البيع ليملك [ نصف ] الثوب جاز ، ويبنى على بيع الفضولي

____________________

(١) الظاهر : « قبضا ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزم ». والمثبت من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

٣٧٥

هل يقف على الإجازة أو لا؟ فعندنا نعم ، وبين العامّة خلاف(١) .

ولو أجّل أحدهما نصيبه من الدَّيْن جاز ، فإنّه لو أسقط حقّه جاز فتأخيره أولى ، فإن قبض الشريك بعد ذلك [ شيئاً ] لم يكن لشريكه الرجوعُ عليه بشي‌ءٍ.

هذا إذا أجّله في عقدٍ لازم ، وإن لم يكن في عقدٍ لازم كان له الرجوعُ ؛ لأنّ الحالّ لا يتأجّل بالتأجيل ، فوجوده كعدمه.

وعن أحمد رواية أُخرى : إنّ ما يقبضه أحدهما له ، دون صاحبه ؛ لأنّ ما في الذمّة لا ينتقل إلى العين إلّا بتسليمه إلى غريمه أو وكيله ، وما قبضه أحدهما فليس لشريكه فيه قبض ولا لوكيله ، فلا يثبت له فيه حقٌّ ، وكان لقابضه(٢) ؛ لثبوت يده عليه بحقٍّ ، فأشبه ما لو كان الدَّيْن بسببين ، ولأنّ هذا يشبه الدَّيْن في الذمّة ، وإنّما يتعيّن حقّه بقبضه ، فأشبه تعيينه بالإبراء ، ولأنّه لو كان لغير القابض حقٌّ في المقبوض لسقط بتلفه كسائر الحقوق ، ولأنّ هذا القبض إن كان بحقٍّ لم يشاركه غيره فيه ، كما لو كان الدَّيْن بسببين ، وإن كان بغير حقٍّ لم يكن له مطالبته ؛ لأنّ(٣) حقّه في الذمّة لا في العين ، فأشبه ما لو أخذ غاصب منه مالاً ، فعلى هذا ما قبضه القابض يختصّ به ، دون شريكه ، وليس لشريكه الرجوعُ عليه ، فإن اشترى بنصيبه ثوباً أو غيره صحّ ، ولم يكن لشريكه إبطال الشراء ، وإن قبض أكثر‌

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « له قبضه » بدل « لقابضه ». والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولأنّ ». والصحيح ما أثبتناه بدون الواو ، كما في المصدر.

٣٧٦

من حقّه بغير إذن شريكه لم يبرأ الغريم ممّا زاد على حقّه(١) .

والمشهور ما قلناه أوّلاً.

ولا تصحّ قسمة ما في الذمم ؛ لأنّ الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل ، والقسمة تقتضي التعديل ، والقسمة من غير تعديلٍ بيعٌ ، ولا يجوز بيع الدَّيْن بالدَّيْن ، فلو تقاسما ثمّ تَوى(٢) بعض المال ، رجع مَنْ تَوى ماله على مَنْ لم يَتْو ، وبه قال ابن سيرين والنخعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وفي الأُخرى : يجوز ذلك ؛ لأنّ الاختلاف لا يمنع القسمة ، كما لو اختلفت الأعيان ، وبه قال الحسن وإسحاق(٣) .

وهذا إذا كان في ذممٍ متعدّدة ، فأمّا في ذمّةٍ واحدة فلا يمكن القسمة ؛ لأنّ معنى القسمة إفراز الحقّ ، ولا يتصوّر ذلك في ذمّةٍ واحدة.

مسألة ١٨٨ : قد بيّنّا أنّه إذا تساوى المالان تساوى الشريكان في الربح‌ ، وإن تفاوت المالان تفاوتا في الربح على النسبة ، فإن شرطا خلاف ذلك جاز عندنا ، وصحّت الشركة ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، خلافاً للشافعي(٥) .

فلو كان لأحدهما ألف وللآخَر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرّف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين فإن كان صاحب الألفين شرط على نفسه العمل فيهما أيضاً ، صحّ عندنا.

وقال الشافعي : تفسد الشركة ، ويكون الربح على قدر المالين ،

____________________

(١) المغني ٥ : ١٩٨ - ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٨٢ - ١٨٣.

(٢) راجع الهامش (١) من ص ٣٩.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٦٨ / ٥٠ ، المغني ٥ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٤.

(٤) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٣.

(٥) راجع الهامش (٢) من ص ٣٥٢.

٣٧٧

ويجب لكلّ واحدٍ منهما على الآخَر أُجرة عمله في نصيبه(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا كانت الشركة فاسدةً لم يجب لواحدٍ منهما أُجرة ؛ لأنّ العمل لا يقابله عوض في الشركة الصحيحة فكذلك الفاسدة(٢) .

والمعتمد عندنا : إنّ الشركة إذا فسدت كان لكلٍّ منهما أُجرة مثل عمله - كما هو قول الشافعي - لأنّ المتشاركين إذا شرطا في مقابلة عملهما ما لم يثبت ، يجب أن يثبت عوض المثل ، كما لو شرطا في الإجارة شرطاً فاسداً.

وما ذكره في الصحيحة فإنّما لم يستحق في مقابلة العمل عوضاً ؛ لأنّه لم يشترط في مقابلته شيئاً ، وفي مسألتنا بخلافه.

ولو شرط صاحب الألفين العمل على صاحب الألف خاصّةً ، صحّت الشركة ، وكانت شركةً وقراضاً عند الشافعي ، ويكون لصاحب الألف ثلث الربح بحقّ ماله ، والباقي - وهو ثلثا الربح - بينهما ، لصاحب المال ثلاثة أرباعه ، وللعامل ربعه ، وذلك لأنّه جعل النصف له ، فجعلنا الربح ستّة أسهم منها ثلاثة شرط حصّة ماله منها سهمان ، وسهم هو ما يستحقّه بعمله على مال شريكه [ و ](٣) حصّة مال شريكه أربعة أسهم ، للعامل سهم ، وهو الربع(٤) .

وعندنا أنّه يكون شركةً صحيحة ؛ عملاً بالشرط.

ولو كان لرجلين ألفا درهم فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٩٦ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٩٦ و ٩٧ ، البيان ٦ : ٣٣٣.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « من ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٣٢ - ١٣٣ ، البيان ٦ : ٣٣٤ ، المغني ٥ : ١٣٦ - ١٣٧.

٣٧٨

ويكون الربح بينهما نصفين ، فإنّ هذا ليس بشركةٍ ولا قراض ؛ لأنّ شركة العنان تقتضي أن يشتركا في المال والعمل ، والقراض يقتضي أن يكون للعامل نصيب من الربح في مقابلة عمله ، وهنا لم يشرط له ، فإذا عمل كان الربح بينهما نصفين على قدر المالين ، وكان عمله في نصيب شريكه معونةً له منه وتبرّعاً ؛ لأنّه لم يشترط لنفسه في مقابلته عوضاً.

مسألة ١٨٩ : لو اشتريا عبداً وقبضاه فأصابا به عيباً فأراد أحدهما الإمساكَ والآخَر الردَّ ، لم يجز‌ ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

وقال الشافعي : يجوز(٢) .

وقد سلف(٣) ذلك في كتاب البيوع(٤) .

إذا تقرّر هذا ، فإذا اشترى أحد الشريكين عبداً فوجد به عيباً ، فإن أرادا الردَّ كان لهما.

وإن أراد أحدهما الردَّ والآخَر الإمساك ، فإن كان قد أطلق الشراء ولم يذكر أنّه يشتريه له ولشريكه لم يكن له الردّ ؛ لأنّ الظاهر أنّه يشتريه لنفسه ، فلم يلزم البائع حكماً بخلاف الظاهر.

وإن كان قد أعلمه أنّه يشتريه بمال الشركة أو له ولشريكه ، لم يكن لأحدهما الردّ وللآخَر الأرش على ما تقدّم.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : ليس له الردّ ؛ لأنّه إنّما أوجب إيجاباً واحداً ، فلا يبعّض‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٣)

(٢) البيان ٦ : ٣٤٢ ، وراجع ج ١١ - من هذا الكتاب - ص ١٧٢ ، الهامش (٤)

(٣) في ج ١١ ، ص ١٧٢ ، المسألة ٣٤٠.

(٤) في النسخ الخطّيّة : « البيع ».

٣٧٩

عليه.

والثاني : له الردّ ؛ لأنّه إذا كان يقع الشراء لاثنين ، كان بمنزلة أن يوجب لهما ، ولو أوجب لهما كان في حكم العقدين ، كذا هنا(١) .

وإذا باع أحد الشريكين عيناً من أعيان الشركة وأطلق البيع ثمّ ادّعى بعد ذلك أنّه باع ماله ومال شريكه بغير إذنه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه يخالف ظاهر قوله ، فإن ادّعى ذلك شريكه ، كان عليه إقامة البيّنة أنّه شريكه فيه ، فإذا قامت البيّنة به وادّعى المشتري أنّه أذن للبائع في البيع ، كان القولُ قولَه : إنّه لم يأذن ، مع يمينه ، فإذا حلف فسخ البيع في نصيبه إن لم يجز البيع ، ولا ينفسخ في الباقي إلّا برضا المشتري.

وللشافعي قولان مبنيّان على تفريق الصفقة(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا كان لكلٍّ من الرجلين عبد بانفراده ، صحّ بيعهما معاً صفقةً واحدة ومتعدّدة‌ ، اتّفقت قيمتهما أو اختلفت ، عندنا.

وللشافعي قولان :

أحدهما : يصحّ مطلقاً ؛ لأنّ جملة الثمن معلومة في العقد.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : إنّ البيع فاسد ؛ لأنّ العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين ، فتكون حصّة كلّ واحدٍ منهما مجهولةً ؛ لأنّ ما يخصّ كلّ واحدٍ من العبدين من الثمن غير معلومٍ في العقد ، بخلاف ما لو كان العبدان لواحدٍ ؛ لوحدة العقد(٣) .

وهو غلط ؛ إذ مجموع الثمن في مقابلة مجموع الأجزاء ، وهُما‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٣٧ ، البيان ٦ : ٣٤٢.

(٢) راجع بحر المذهب ٨ : ١٣٨.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463