إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 964-319-179-6
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59719 / تحميل: 5930
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٩-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بخلاف الغرس(١) .

فإن قال صاحب الغرس : لا تقلعه وعلَيَّ أُجرة الأرض ، لم يُجبر صاحب الأرض عليه ؛ لأنّ أحداً لا يملك الانتفاع بملك غيره بأُجرته إلّا برضاه.

ولو انعكس الفرض ، فقال صاحب الأرض : أقرّه في الأرض وادفع إلَيَّ الأُجرة ، وقال الغارس : اقلعه وعليك ما نقص ، لم تجب إجابته ؛ لأنّ صاحب الغرس لا يُجبر على اكتراء الأرض له.

ولو قال صاحب الأرض : خُذْ قيمته ، وقال الغارس : بل أقلعه وعلَيَّ ما نقص ، فالقول قول الغارس ؛ لأنّا لا نجبره على بيع ماله.

ولو قال ربّ الأرض : اقلعه وعلَيَّ ما نقص ، وقال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، قدّم قول صاحب الأرض ؛ لأنّا لا نجبره على ابتياع مال غيره.

ولو قال ربّ الأرض : خُذ القيمة ، وقال الغارس : خُذ الأُجرة وأقرّه في الأرض ، أو قال الغارس : ادفع إلَيَّ قيمته ، وقال ربّ المال : ادفع إلَيَّ الأُجرة وأقرّه ، لم يُجبَر واحد منهما على ذلك.

مسألة ٢١٦ : إذا أذن المالك للعامل في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق فعل ما يتولّاه المالك من عرض القماش على المشترين والراغبين ونشره وطيّه وإحرازه وبيعه وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق واستئجار ما يعتاد للاستئجار له ، كالدلّال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته ، كانت الأُجرة عليه خاصّةً ، ولو‌ عمل بنفسه ما يستأجر له عادةً ، لم يستحق أُجرةً ؛ لأنّه متبرّع في ذلك ،

____________________

(١) راجع : التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٩٩.

٤١

وفي الأوّل استأجر لما يجب عليه فعله ، فتكون الأُجرة عليه.

مسألة ٢١٧ : لو خصّص المالك الإذنَ ، تخصّص ، فلا يجوز للعامل التعدّي ، فإن خالف ضمن ، ولا يبطل القراض بالتخصيص ، فلو قال له : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، أو لا تبع إلّا على زيد ، أو لا تشتر إلّا ثمرة بستانٍ معيّن ، أو نخلة بعينها ، أو لا تشتر إلّا ثوباً بعينه ، جاز ، ولزم هذا الشرط ، وصحّ القراض ، سواء كان وجود ما عيّنه عامّاً في الأصقاع والأزمان ، أو في أحدهما ، أو خاصّاً فيهما ، وسواء قلّ وجوده وعزّ تحصيله وكان نادراً ، أو كثر ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة وأحمد(١) - لأنّه لـمّا جاز أن تكون المضاربة خاصّةً في نوعٍ جاز أن تكون خاصّةً في رجلٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، كالوكالة.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : في الرجل يعطي الرجل مضاربةً فيخالف ما شرط عليه ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما »(٢) .

وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي المال مضاربةً وينهى أن يخرج به ، فيخرج به ، قال : « يضمن المال ، والربح بينهما »(٣) .

وفي الصحيح عن رجلٍ(٤) عن الصادقعليه‌السلام : في رجلٍ دفع إلى رجلٍ‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٥ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٥ / ١٢٤٩ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٣٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٦.

(٤) كذا قوله : « رجل » في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدله في المصدر : « جميل ».

٤٢

مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربةً ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط »(١) .

وقال الشافعي ومالك : يشترط في صحّة القراض أن لا يضيّق المالك على العامل بالتعيين ، فلو عيّن المالك نوعاً بعينه ، فإن كان ممّا يندر وجوده كالياقوت الأحمر والخَزّ الأدكن والخيل البُلق والصيد حيث يوجد نادراً ، فسد القراض ؛ لأنّ هذا تضييق يُخلّ بمقصوده ، وهو التقليب وطلب الربح.

وإن لم يكن نادرَ الوجود فإن كان ممّا يدوم شتاءً وصيفاً - كالحبوب والحيوان والخَزّ والبَزّ - صحّ القراض ، وإن لم يدم كالثمار الرطبة ، فوجهان ، أحدهما : إنّه لا يجوز ، كما إذا قارضه مدّةً معيّنة ، ومَنَعه من التصرّف بعدها.

ولو قال : لا تشتر إلّا من رجلٍ بعينه ، أو سلعة بعينها ، لم يصح القراض - وبه قال مالك - لأنّ ذلك [ يمنع ](٢) مقصود القراض ، وهو التقليب وطلب الربح ، لأنّه إذا لم يشتر إلّا من رجلٍ بعينه فإنّه قد لا يبيعه ، وقد يطلب منه أكثر من ثمنه ، وكذا السلعة ، وإذا كان كذلك لم يصح ، كما لو قال : لا تبع ولا تشتر إلّا من فلان(٣) .

والجواب : نمنع كون هذا الشرط مانعاً من مقصود القراض.

نعم ، إنّه يكون مخصّصاً للإطلاق ، وذلك جائز بالإجماع ، فكذا هنا.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ / ٨٥٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٤ - ٣١٦ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ - ١٩٧ ، الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨٧ / ٣٤٥٥ ، الاستذكار ٢١ : ١٤١ / ٣٠٨١٣ ، و ١٤٢ / ٣٠٨١٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٤ / ١٢٤٩ ، المغني ٥ : ١٨٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢٥ - ١٢٦.

٤٣

فروع :

أ - لو شرط أن لا يشتري إلّا نوعاً بعينه ، وذلك النوع يوجد في بعض السنة وينقطع ، جاز عندنا وعند أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : لا يجوز(٢) ؛ لأنّ الشافعي قال بعد هذه المسألة : وإن اشترط أن يشتري صيداً موجوداً كما إذا قارضه مدّةً وشرط أنّها إذا انقضت لا يبيع ولا يشتري ، فإنّه لا يصحّ القراض(٣) .

والصحيح عندهم : الأوّل(٤) ؛ لأنّ ذلك لا يمنع مقصود المضاربة ، بخلاف ما إذا قدّره بمدّةٍ ؛ لأنّه قد تنقضي المدّة وبيده أعيان لا فائدة فيها إلّا ببيعها ، فإذا منعه البيع تعذّر المقصود بالمضاربة ، وما ذكرناه لا يوجد فيه ذلك ، فافترقا ، على أنّا نمنع بطلان القراض مع الاقتران بالمدّة ، أقصى ما في الباب أنّ هذا التأقيت لا يفيد إلّا منع العامل من العمل بعدها ،

ب - لو قال : اشتر هذا الشي‌ء - وكان ممّا ينقطع - فإذا انقطع فتصرَّف في كذا ، جاز.

أمّا عندنا : فظاهر.

وأمّا عند الشافعي : فلدوام القراض(٥) .

ج - لا فرق عندنا بين أن يقول : لا تشتر إلّا هذه السلعة وإلّا هذا العبد ، وبين أن يقول : لا تشتر هذا العبد ولا هذه السلعة في الجواز.

____________________

(١ و ٢ و ٤) حلية العلماء ٥ : ٣٤٥.

(٣) لم نهتد إلى مظانّه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٥) راجع : بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ - ٣٨٥ ، والبيان ٧ : ١٧٣ ، والعزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، وروضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٤

ومَنَع الشافعي من الأوّل - كما تقدّم(١) - دون الثاني ؛ لأنّ للعامل السعي فيما سواهما ، وهو كثير لا ينحصر(٢) .

د - لا فرق عندنا بين أن يقول المالك : لا تبع إلّا من فلان ولا تشتر إلّا من فلان ، وبين أن يقول : لا تبع من فلان ، أو لا تشتر منه في جواز القراض ووجوب الامتثال.

وفرّق أكثر الشافعيّة فجوّزوا الثاني دون الأوّل(٣) على ما مرّ(٤) .

وقال بعضهم : إنّ الثاني لا يجوز أيضاً كالأوّل(٥) .

ه - لا فرق بين أن يعيّن شخصاً للمعاملة وسلعةً للشراء لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالبا ، وبين شخصٍ ينقطع عنده ذلك المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً في جواز القراض معهما.

وأكثر الشافعيّة على عدم الفرق في عدم الجواز معهما(٦) .

وقال بعض الشافعيّة : يجوز في الأوّل دون الثاني ، فقال : إذا كان الشخص - الذي نصّ المالك على تعيين المعاملة معه - بيّاعاً لا ينقطع عنده المتاع الذي يتّجر على نوعه غالباً ، جاز تعيينه(٧) .

مسألة ٢١٨ : يجوز للمالك أن يطلق المشيئة إلى العامل في شراء أيّ نوعٍ شاء وبيع أيّ نوعٍ أراد ، ولا يشترط في صحّة القراض تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ؛ لأنّ الغرض تحصيل الفائدة والاسترباح ، فربما رأى العامل المصلحة في نوعٍ يخفى عن المالك ، فكان له أن يفوّض الأمر إليه‌

____________________

(١) في ص ٤٢.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٣ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

(٤) في ص ٤٢.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠١.

٤٥

تحصيلاً للغاية الذاتيّة.

وللشافعيّة قولان في اشتراط تعيين نوعٍ يتصرّف فيه العامل ، كالخلاف في الوكالة.

والظاهر عندهم : إنّه لا يشترط ؛ لأنّ الوكالة نيابة محضة ، والحاجة تمسّ إليها في الأشغال الخاصّة ، والقراض معاملة يتعلّق بها غرض كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فمهما كان العامل أبسط يداً كان أفضى إلى مقصودها(١) .

ونحن نجوّز تعميم المشيئة للوكيل.

مسألة ٢١٩ : لا خلاف في أنّه إذا جرى تعيين صحيح ، لم يكن للعامل مجاوزته ، ولا له العدول عنه ، كما في سائر التصرّفات المستفادة من الإذن ، فإن تجاوز ضمن ، وإن ربح كان الربح بينهما على ما شرطاه ؛ لما تقدّم(٢) من الروايات.

ولما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربةً وينهاه عن أن يخرج به إلى أرض أُخرى ، فعصاه ، فقال : « هو له ضامن ، والربح بينهما إذا خالف شرطه وعصاه »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فالإذن في البزّ يتناول كلّ ما يُلبس من المنسوج من الإبريسم أو القطن أو الكتّان أو الصوف ، ولا يتناول البُسُط والفُرُش.

وفي الأكسية احتمال ؛ لأنّها ملبوسة ، لكن بائعها لا يُسمّى بزّازاً.

والأقرب : اتّباع الاسم.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٣ - ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في ص ٤١ - ٤٢.

(٣) تقدّم تخريجه في ص ٨ ، الهامش (٩)

٤٦

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

مسألة ٢٢٠ : قد بيّنّا أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين لكلٍّ منهما فسخها متى شاء ، وهي تتضمّن تصرّف العامل في رقبة مال ربّ المال بإذنه ، فكان جائزاً كالوكالة ، فلا معنى للتأقيت فيها ، ولا يعتبر فيها بيان المدّة ، بخلاف المساقاة ؛ لأنّ العامل في المساقاة لا يتصرّف في رقبة المال ، وإنّما يعمل في إصلاح المال ، ولهذا افتقرت المساقاة إلى مدّةٍ معلومة ، والمقصود من المساقاة الثمرة ، وهي تنضبط بالمدّة ، فإنّ للثمرة أمداً معيّناً ووقتاً مضبوطاً ، أمّا المقصود من القراض فليس له مدّة مضبوطة ، فلم يشترط فيه التأقيت.

إذا عرفت هذا ، فلو وقّت القراض فقال : قارضتك على هذا المال سنةً ، فلا يخلو إمّا أن يُطلق أو يُقيّد.

فإن أطلق واقتصر ، لم يلزم التأقيت ، ولكلٍّ من المالك والعامل فسخ القراض قبل السنة.

نعم ، إنّه يفيد منع العامل بعد ذلك من التصرّفات إلّا بإذنٍ مستأنف ؛ لأنّ الأصل عصمة مال الغير ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلّا بإذن مالكه ، والإذن لم يقع عامّاً ، فيتبع ما عيّنه المالك.

وإن قيّد فقال : قارضتك سنةً فإذا انقضت لا تبع ولا تشتر ، فالأقوى(٢) عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، ولأنّه مقتضى الإطلاق.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٥ ، البيان ٧ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فالأقرب » بدل « فالأقوى ».

٤٧

وقال الشافعي : يبطل القراض ؛ لأنّه شرط شرطاً فاسداً فأفسده ؛ لأنّ عقد القراض يقع مطلقاً ، فإذا شرط قطعه لم يصح ، كالنكاح ، ولأنّ هذا الشرط ليس من مقتضى العقد ، ولا له فيه مصلحة ، فلم يصح ، كما لو قال : على أن لا تبع ، وإنّما لم يكن من مقتضاه ؛ لأنّ القراض يقتضي ردّ رأس المال تامّاً ، فإذا منعه من التصرّف لم يكن له ذلك ، ولأنّ هذا الشرط يؤدّي إلى الإضرار بالعامل وإبطال غرضه ؛ لأنّ الربح والحظّ قد يكون في تبقية المتاع وبيعه بعد سنةٍ ، فيمنع ذلك مقتضاه(١) .

ونحن نمنع فساد العقد ؛ فإنّه المتنازع. نعم ، إنّه لا يلزم وقوع العقد مطلقاً ، ولا ينافي قطعه بالشرط ، كسائر الشروط في العقود ، والمقيس عليه ممنوع على ما يأتي ، وإنّما يقتضي القراض ردّ رأس المال لو لم يمنعه المالك ، وبالشرط قد منعه ، وإضرار العامل ينتفي بدفع أُجرته إليه ، ومراعاة مصلحة العامل كمراعاة مصلحة المالك ، فقد يكون المالك محتاجاً إلى رأس ماله.

مسألة ٢٢١ : لو قال : قارضتك سنةً على أنّي لا أملك منعك فيها ، فسد القراض ؛ لأنّ القراض من العقود الجائزة لكلٍّ من المتعاقدين فسخه ، فلا يجوز أن يشترط فيه لزومه ، كالشركة والوكالة ؛ لأنّه شرط ما ينافي مقتضى العقد ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أنّي(٢) لا أملك الفسخ قبل‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢ ، المغني ٥ : ١٨٥ - ١٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٨.

(٢) في « خ » والطبعة الحجريّة : « أن » بدل « أنّي ».

٤٨

انقضائها ، وبه قال الشافعي(١) أيضاً.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا انقضت السنة فلا تشتر بعدها وبِعْ ، صحّ القراض ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، وكذا لو قال : قارضتك سنةً على أن لا تشتر بعد السنة ولك البيع ؛ لأنّ لصاحب المال أن يرجع عن القراض أيّ وقتٍ شاء ، ويتمكّن من منع العامل من الشراء مهما شاء ، فإذا شرط منعه من الشراء ، كان قد شرط ما يقتضيه الإطلاق ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد.

ولو قال : قارضتك سنةً فإذا مضت فلا تبع بعدها ، فالأقرب : الصحّة.

وقال الشافعي : إنّه يبطل ، وصار كما لو شرط منعه من التصرّف مطلقاً بعد السنة ؛ لأنّه يُخلّ بمقصود العقد ، ويخالف مقتضاه.

أمّا أنّه يُخلّ بالمقصود : فلأنّه قد لا يجد راغباً في المدّة ، فلا تحصل التجارة والربح.

وأمّا مخالفة مقتضاه : فلأنّه قد يكون عنده عروض عند انقضاء السنة ، وقضيّة عقد القراض أن ينضّ العامل ما في يده في آخر الآمر ليتميّز رأس المال عن الربح(٣) .

وقد بيّنّا أنّ للعامل مع فسخ العقد الأُجرة ، وهو يدفع المحاذير.

ولو قال : قارضتك سنةً ، وأطلق ، فقد بيّنّا الجواز عندنا ، وعدم‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١١ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٣) الوسيط ٤ : ١٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٤٩

اللزوم.

وللشافعيّة وجهان :

أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ قضيّة انتفاء القراض امتناع التصرّف بالكلّيّة ، ولأنّ ما يجوز فيه الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت ، كالبيع والنكاح.

والثاني : يجوز ، ويُحمل على المنع من الشراء دون البيع ، استدامةً للعقد(١) .

على أنّ لهم وجهاً ضعيفاً فيما إذا قارضه سنةً وشرط أن لا يشتري بعدها ، قاضياً بالبطلان ؛ لأنّ ما وضعه على الإطلاق من العقود لا يجوز فيه التأقيت(٢) .

لكن المعتمد عندهم : الجواز(٣) .

تذنيب : لو قال : قارضتك الآن ولكن لا تتصرّف حتى يجي‌ء رأس الشهر ، جاز ؛ عملاً بمقتضى الشرط - وهو أحد وجهي الشافعيّة - كما جاز في الوكالة.

والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ، كما لو قال : بعتك بشرط أن لا تملك إلّا بعد شهرٍ(٤) .

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٢ و ٣) الوسيط ٤ : ١١٠ ، البيان ٧ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٢.

٥٠

والفرق ظاهر.

البحث الخامس : في الربح.

وشروطه أربعة :

الأوّل : اختصاصه بالمتعاقدين ، فلو شرط بعض الربح لغيرهما ، لم يصح ، سواء كان قريباً أو بعيداً ، كما لو قال : على أن يكون لك ثلث الربح ، ولي الثلث ، ولزوجتي أو لابني أو لأجنبيٍّ الثلثُ الآخَر ، ويبطل القراض ؛ لأنّه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمال.

أمّا لو شرط عمل الثالث فإنّه يصحّ ، ويكون في الحقيقة هنا عاملان لا واحد.

ولو كان المشروط له عبدَ المالك أو عبدَ العامل ، فقد بيّنّا أنّه يجوز ؛ لأنّه يكون ما شرطه للعبد للمالك ، فقد ضمّ المالك أو العامل إلى حصّته حصّةً أُخرى.

ولو قال : نصف الربح لك ونصفه لي ومن نصيبي نصفه لزوجتي ، صحّ القراض ، وكان ما عيّنه للزوجة وعداً منه لها إن شاء أعطاها وإن شاء منعها.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتَك نصفَه أو ابنك ، لم يلزم الشرط ، فإن أوجبه فالأقوى : البطلان.

وقال بعض الشافعيّة : إن أوجب ذلك عليه فسد القراض ، وإلّا‌

٥١

لم يفسد(١) .

الشرط الثاني : أن يكون الربح مشتركاً بينهما ، فلو شرط أن يكون جميع الربح للمالك بأن قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لي ، فسد القراض - وبه قال الشافعي(٢) - لمنافاة الشرط مقتضاه ؛ فإنّ مقتضاه الاشتراك في الربح ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَعليه‌السلام : عن مال المضاربة ، قال : « الربح بينهما ، والوضيعة على المال »(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّه يبطل القراض ، ويكون بضاعةً(٤) .

وقال مالك : يصحّ القراض ، ويكون الربح للمالك ؛ عملاً بشرطه ، لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح لأحدهما جعل كأنّه وهب له الآخَر نصيبه ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ الهبة لا تصحّ قبل حصول الموهوب.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ١٩٥ ، البيان ٧ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٩ ، الوسيط ٤ : ١١١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٩ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ / ٤٥٢.

(٤) الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٠٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٥٨١ / ٣٤١٨ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٣ / ١١١٦ ، المغني ٥ : ١٤٤ - ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٥) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

٥٢

ولو قال : قارضتك على أن يكون جميع الربح لك ، فسد القراض أيضاً عندنا - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لما تقدّم(٢) .

وقال مالك : يصحّ ، ويكون الربح بأسره للعامل ؛ لأنّهما دخلا في القراض ، فإذا شرط الربح للعامل أو المالك ، كان لمن جعل له ، كأنّ المالك قد وهبه نصيبه من الربح ، فلا يمنع ذلك صحّة العقد(٣) .

وقد تقدّم(٤) بطلانه ، وأنّ هذا الشرط منافٍ للقراض ؛ لاقتضاء القراض كون الربح بينهما ؛ لأنّه عبارة عن أن يكون من أحدهما المال ومن الآخَر العمل ، وذلك يقتضي الاشتراك ، فإذا شرطا ما يخالف ذلك فسد ، كشركة العنان إذا شرطا أن يكون الربح لأحدهما.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : قارضتك على أن يكون الربح كلّه لك ، فالقراض فاسد.

وما حكمه؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه قراض فاسد ؛ رعايةً للّفظ.

والثاني : إنّه قرض صحيح ؛ رعايةً للمعنى(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٢٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، المغني ٥ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٢) في ص ٥١.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٣٨ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٢ / ١١١٦ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، المغني ٥ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣٢.

(٤) في ص ٥١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨١ ، البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٥ - ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٣

ولو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لي ، فهو قراض فاسد أو إبضاع؟ فيه الوجهان للشافعيّة(١) .

أمّا لو قال : خُذْ هذه الدراهم وتصرَّفْ فيها والربح كلّه لك ، فهو قرض صحيح ، وبه قال ابن سريج(٢) ، بخلاف ما لو قال : قارضتك على أنّ الربح كلّه لك ؛ لتصريح اللّفظ بعقدٍ آخَر.

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

وليس جيّداً.

وعن بعضهم : إنّ الربح والخسران للمالك ، وللعامل أُجرة المثل ، ولا يكون قرضاً ؛ لأنّه لم يملكه(٤) .

ولو قال : تصرَّفْ في هذه الدراهم والربح كلّه لي ، فهو إبضاع.

مسألة ٢٢٢ : لو ضمّن المالكُ العاملَ ، انقلب القراض قرضاً ، وكان الربح بأسره للعامل ؛ لأنّ عقد القراض ينافي الضمان.

ولما رواه محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن مُضاربه فليس له إلّا رأس المال ، وليس له من الربح شي‌ء »(٥) .

وعن محمّد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام قال : « مَنْ ضمّن تاجراً فليس له إلّا رأس ماله ، وليس له من الربح شي‌ء »(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإن أراد المالك الاستيثاق ، أقرضه بعضَ المال ،

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٢٠ ، البيان ٧ : ١٧٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) البيان ٧ : ١٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٥) التهذيب ٧ : ١٨٨ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ - ١٢٧ / ٤٥٣.

(٦) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ - ١٩٣ / ٨٥٢.

٥٤

وضاربه على الباقي ، ويكون ذلك قرضاً صحيحاً وقراضاً جائزاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما سائغ ، ولم يحدث عند الاجتماع شي‌ء زائد.

ولما رواه عبد الملك بن عتبة قال : سألتُ بعضَ هؤلاء - يعني أبا يوسف وأبا حنيفة - فقلت: إنّي لا أزال أدفع المال مضاربةً إلى الرجل فيقول : قد ضاع ، أو قد ذهب ، قال : فادفع إليه أكثره قرضاً والباقي مضاربةً ، فسألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « يجوز »(١) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة الكاظمَعليه‌السلام : هل يستقيم لصاحب المال إذا أراد الاستيثاق لنفسه أن يجعل بعضه شركةً ليكون أوثق له في ماله؟ قال : « لا بأس به »(٢) .

الشرط الثالث : أن تكون الحصّة لكلٍّ منهما معلومة ، فلو قارضه على أن يكون له في الربح شركة أو نصيب أو حصّة أو شي‌ء أو سهم أو حظّ أو جزء ، ولم يبيّن ، بطل القراض ، ولا(٣) يحمل الشي‌ء ولا السهم ولا الجزء على الوصيّة ؛ اقتصاراً بالنقل على مورده ، ولا خلاف في بطلان القراض مع تجهيل الربح.

ولو قال : خُذْه مضاربةً ولك من الربح مثل ما شرطه فلان لعامله ، فإن علما معاً ما شرطه فلانٌ صحّ ؛ لأنّهما أشارا إلى معلومٍ عندهما ، ولو جهلاه معاً أو أحدهما بطل القراض ؛ لأنّه مجهول.

ولو قال : والربح بيننا ، ولم يقل : نصفين ، صحّ ، وحُكم بالنصف للعامل والنصف للمالك ، كما لو أقرّ بالمال ، ولو قال : إنّه بيني وبين فلان ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ - ١٨٩ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٨٩ / ٨٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١٢٧ / ٤٥٦.

(٣) فيما عدا « ج » من النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « ولم » بدل « ولا ».

٥٥

فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، فكذا هنا ، والأصل في ذلك أصالة عدم التفاوت ، وقد أضاف الربح إليهما إضافة واحدة ، لم يرجّح فيها أحدهما على الآخَر ، فاقتضى التسوية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفساد ؛ لأنّه لم يبيّن ما لكلّ واحدٍ منهما ، فأشبه ما إذا شرطا أن يكون الربح بينهما أثلاثاً ، ولم يبيّن صاحب الثلثين مَنْ هو ، ولا صاحب الثلث مَنْ هو ، ولأنّ التثنية تصدق مع التفاوت كصدقها مع التساوي ، والعامّ لا دلالة له على الخاصّ(١) .

ونحن نمنع صدقها بالتواطؤ ، بل دلالتها على التنصيف أقوى ، وعليه يُحمل إطلاقها ، ويفتقر التفاوت إلى قرينةٍ.

مسألة ٢٢٣ : لو قال : خُذْ هذا المال مضاربةً ، ولم يُسمّ للعامل شيئاً من الربح ، فسد القراض ، وكان الربح بأسره لربّ المال ، وعليه أُجرة المثل للعامل ، والوضيعة على المالك - وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّ المضارب إنّما يستحقّ بالشرط ولم يوجد.

وقال الحسن وابن سيرين والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ؛ لأنّه لو قال : والربح بيننا ، كان بينهما نصفين ، وكذا إذا لم يزد شيئاً(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٢ ، الوسيط ٤ : ١١٣ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، البيان ٧ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٣٩ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢١٧ - ٢١٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٣ ، المغني ٥ : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٣١.

(٣) نفس المصادر ما عدا « الحاوي الكبير » و « بحر المذهب » و « حلية العلماء ».

٥٦

وهو ممنوع ؛ لأنّ قوله : « مضاربةً » يقتضي أنّ له جزءاً من الربح مجهولاً ، فلا يصحّ.

ولو قال : على أنّ ثلث الربح لك وما بقي فثلثه لي وثلثاه لك ، صحّ.

وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل ؛ لأنّ الحساب من عدد لثلثه ثلاث ، وأقلّه تسعة.

هذا إذا علما عند العقد أنّ المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو ، فإن جهلاه أو أحدهما ، فوجهان للشافعيّة ، أحدهما : الصحّة(١) .

وهو حسن ؛ لسهولة معرفة ما تضمّنه اللّفظ.

وكذا لو قال : على أنّ لك من الربح سُدس رُبْع عُشْر الثُّمْن ، وهُما لا يعرفان قدره عند العقد ، أو أحدهما.

ولو قال : لك الرُّبْع ورُبْع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثُمنٍ ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ؛ لأنّها أجزاء معلومة.

ولو قال : لك ثلث الربح ورُبْع ما بقي ، فله النصف.

الشرط الرابع : أن يكون العلم به من حيث الجزئيّة المشاعة ، كالنصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك من الأجزاء الشائعة ، لا بالتقدير ، فلو قال : قارضتك على أنّ لك من الربح مائة والباقي بيننا بالسويّة ، فسد القراض ؛ لأنّه ربما لا يربح إلّا ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما.

وكذا إذا قال : على أنّ لي من الربح مائة والباقي بيننا ، لم يصح القراض.

وكذا لو قال : لك نصف الربح سوى درهم ، أو : لك نصف الربح‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٣.

٥٧

ودرهم.

مسألة ٢٢٤ : لو دفع إليه ألفين وقال : قارضتك على هاتين الألفين على أن يكون لك ربح ألفٍ منهما ولي ربح الألف الأُخرى ، فإمّا أن تكونا متميّزتين أو ممتزجتين.

فإن كانتا متميّزتين وشرط تميّزهما ، لم يصح القراض ؛ لأنّه لا شركة بينهما في الربح ؛ إذ كلّ واحدةٍ من الألفين متميّزة عن الأُخرى ، وربح إحداهما بعينها للمالك لا يشاركه العامل فيه ، وربح الأُخرى بعينها للعامل لا يشاركه المالك فيه ، مع أنّ كلّ واحدةٍ منهما مال قراضٍ ، فلا يوجد فيه مقتضى القراض فيبطل ، ولأنّه ربما يختصّ الربح بإحداهما دون الأُخرى ، فيحصل كلّ الربح لأحدهما ويمنع الآخَر منه ، وذلك منافٍ لمقتضى القراض.

وإن كانتا ممتزجتين غير متميّزتين ، فالأقرب : الصحّة ، ويُحمل على الإشاعة والتسوية في الربح ؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين قوله : الربح بيننا نصفين ، ولا بينه وبين أن يقول : نصف ربح الألفين لك ونصفه لي ، وهو قول بعض الشافعيّة(١) .

وقال ابن سريج : لا يصحّ ؛ لأنّه خصّصه بربح بعض المال ، فأشبه ما إذا كان الألفان متميّزين ، وما إذا دفع إليه ألفاً على أن يكون له ربحها ليتصرّف له في ألف أُخرى(٢) .

والفرق ظاهر.

ولو قال : على أنّ لي ربح أحد الثوبين ولك ربح الآخَر ، أو : على أنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٥٨

لي ربح إحدى السفرتين ولك ربح الأُخرى ، أو : على أنّ لك ربح تجارة شهر كذا ولي ربح تجارة شهر كذا ، لم يصح.

إذا عرفت هذا ، فإذا دفع إليه مالاً قراضاً وشرط أن يكون له نصف ربحه ، جاز ، وكذا لو شرط له ربح نصفه.

ولو قال : على أنّ لك من الربح عشرةً ولي عشرة ، احتُمل البطلانُ ؛ لعدم العلم بحصولهما ، والصحّةُ إن قصد التناسب في مطلق الربح ، قلّ عن ذلك أو كثر أو ساواه.

مسألة ٢٢٥ : لو دفع إليه مالاً قراضاً وشرط عليه أن يولّيه سلعة كذا إذا اشتراها برأس المال ، احتُمل الصحّة ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المسلمون(١) عند شروطهم »(٢) ، والبطلانُ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه ربما لا يحصل الربح إلّا منها.

ولو شرط أن يلبس الثوب الذي يشتريه ويركب الدابّة التي يشتريها ، قال الشافعي : يبطل القراض أيضاً ؛ لأنّ القراض جُوّز على العمل المجهول بالعوض المجهول [ للحاجة ](٤) - ولا حاجة إلى ضمّ ما ليس من الربح إليه ، ولأنّه ربما ينتقص بالاستعمال ويتعذّر عليه التصرّف(٥) .

والأقوى عندي : الجواز.

تذنيب : لو دفع إليه ألفاً قراضاً على أنّ الربح بينهما ، وشرط المالك‌

____________________

(١) في النُّسَخ الخطّيّة : « المؤمنون ».

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣) ، وفي التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، والاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، والجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣ : « المؤمنون ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٣ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٢ ، البيان ٧ : ١٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٠٤.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « للراحة ». والمثبت من المصدر.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٣) ما عدا « التهذيب ».

٥٩

أن يدفع إليه ألفاً يعمل بها بضاعةً بحيث يكون الربح بأسره للمالك فيها ، فالوجه : صحّة القراض والشرط معاً.

وقيل : يصحّ القراض ، ويبطل الشرط(١) .

وقيل : يبطلان معاً(٢) .

مسألة ٢٢٦ : لو دفع إلى عاملٍ ألفَ درهمٍ ، فقال له : اعمل على هذه وربحها لي ، ودفع إليه ألفاً أُخرى وقال : اعمل على هذه ويكون ربحها لك ، فإن قصد القراض ، بطل ؛ لأنّه شرط أن يكون جميع الربح في إحداهما للمالك وفي الأُخرى للعامل ، وهو باطل ؛ لأنّه لا يجوز أن ينفرد أحدهما بالربح ؛ لأنّ الربح يحصل بالمال والعمل معاً ، فلا يصحّ في واحدةٍ من الألفين.

وإن لم يقصد القراض ، صحّ ، وكان ما شرطه المالك له بضاعةً ، وما شرطه العامل لنفسه قرضاً.

ولو دفع الألفين وقال : قارضتك على هذه على أن يكون ربح ألفٍ منها لي وألف لك ، فالأقوى : الصحّة - وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور(٣) - لأنّه بمنزلة أن يقول : نصف الربح لي ونصفه لك ؛ لأنّه بمعناه.

قال ابن سريج : وهذا غلط ؛ لأنّ وضع القراض على أن يكون كلّ جزءٍ من المال ربحه بينهما ، فإذا شرط ربح ألفٍ فقد شرط لنفسه الانفراد بربح جزءٍ منه ، فكان فاسداً ، بخلاف ما إذا شرط نصف الربح ؛ لأنّ شرطه لم يتضمّن الانفراد بجزءٍ منه(٤) .

____________________

(١) كما في شرائع الإسلام ٢ : ١٤٥.

(٢) قال به الطوسي في المبسوط ٣ : ١٩٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٦٦.

(٣) بحر المذهب ٩ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠.

(٤) راجع : العزيز شرح الوجيز ٦ : ١٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

والثامن : فيه نوح بن شعيب ، وفيه كلام قدّمناه مفصّلاً(١) ، والحاصل أنّ حاله لا يزيد عن الإهمال.

والتاسع : كما ترى يروي فيه علي بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، ولا ريب أنّه غير تامّ ؛ إذ علي بن الحسين لم يلق أحمد بن الحسن ، والنسخ التي وقفت عليها متفقة على ما نقلته ، والظاهر أنّه علي بن الحسن أخو أحمد كما في التهذيب في الزيادات(٢) . وفي الرجال : إنّ علياً يروي عن أخيه أحمد(٣) . وبالجملة : فوصفه بالموثق على تقدير علي بن الحسن موقوف على سلامة طريقه إليه في المشيخة ، وفيه ابن عبدون وابن الزبير.

والعاشر : ضمير « عنه » في الظاهر يرجع لعلي بن الحسين ، وقد يظن تمامية روايته عن محمّد بن الوليد على أنّه الخزّاز ؛ إذ الراوي عنه في الرجال سعد والصفّار(٤) ، وعلي بن الحسين ( يروي عن سعد ، إلاّ أنّ الممارسة تدفعه ؛ لأنّ رواية علي بن الحسين )(٥) عن سعد لا تقتضي روايته عن محمّد بن الوليد ، وحينئذٍ يترجح كون الصواب علي بن الحسن ، ( لأنّه في مرتبة سعد )(٦) . وفي التهذيب صرّح بأنّ الراوي عن محمّد بن الوليد علي بن الحسن(٧) .

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٢٦٧ ، ج ٢ ص ١٥٠ ١٥١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣٣٤ / ١٠٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٨٠ / ١٩٤ ، الفهرست : ٢٤ / ٦٢.

(٤) النجاشي : ٣٤٥ / ٩٣١ ، الفهرست : ١٤٨ / ٦٢٥.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٧) التهذيب ٣ : ٣٣٤ / ١٠٤٦.

٤٤١

وممّا يؤيد كون محمّد بن الوليد هو الخزاز أنّ الشيخ في التهذيب كما سمعت روى الاولى عن سعد(١) ، وهو يروي عن محمّد بن الوليد الخزّاز ، وعلى ما هو الظن من أنّ علي بن الحسين هنا سهو ، وإنّما هو علي بن الحسن ، ( فاتحاد مرتبة علي بن الحسن )(٢) وسعد يقرّب كون محمّد بن الوليد الخزّاز ، مضافاً إلى اشتراك الخزّاز مع أحمد ومن معه في الفطحية على ما في الكشّي(٣) .

وفي الرجال : محمّد بن الوليد الصيرفي شباب ضعيف ذكره العلاّمة(٤) (٥) غير مصرّح بمرتبته ، إلاّ أنّ في الكافي في باب ما عند الأئمّةعليهم‌السلام من سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد شباب الصيرفي ، عن أبان بن عثمان(٦) . وهذا يقتضي بعد مرتبته في الجملة ، إلاّ أنّ احتماله في حيّز الإمكان ، وقد يبعد احتماله ؛ لعدم شهرته في الروايات ، وفيه ما فيه.

أمّا غير الرجلين فمن أصحاب الصادقعليه‌السلام في كتاب الشيخ(٧) . وبالجملة : فالمقصود بيان حقيقة الحال وإنْ كانت الثمرة منتفية.

المتن :

في الأخبار الثلاثة الأُول : ظاهر الدلالة على الصلاة بعد الدفن ، إلاّ‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٠ / ٤٦٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣٥ / ١٠٦٢.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٢٥٧ / ٦٢ ؛ وفيه : سيار ، بدل : شباب.

(٥) في « فض » زيادة : وهو.

(٦) الكافي ١ : ٢٣٦ / ٩.

(٧) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٨ ، ٣٣٥ / ٤٤ ، ٣٢٠ / ٦٥٠ ، ٢٥٠ / ٤٣٦.

٤٤٢

أنّ الأوّل يدلّ على جواز الصلاة لمن صلّى على الميت قبل الدفن وبعده ، ومن لم يصلّ أصلاً ، سواء صلّى غيره عليه أم لا ، من حيث الإطلاق.

والثاني : خاص بمن فاتته الصلاة ، ومتناول لمن صلّي عليه ومن لم يصلِّ عليه ، وتقييد الأوّل به ممكن.

والثالث : كالثاني ، إلاّ أنّ الفرق بينهما حاصل ، من حيث إنّ الثاني بمقتضى مفهوم الشرط يفيد وجود البأس إذا لم تفت الصلاة ، ومع المنافاة يحتاج إلى تقييد المطلق كما قرّر في الأُصول ؛ وأمّا الثالث : فلا يفيد منافاةً ، بل ذكر أحد أفراد المطلق ، ومثل هذا كثيراً ما يغفل عنه ، وقد نبّهنا عليه في الكتاب غير مرّة ، كما بيّنّا أنّ منافاة المقيّد إنّما تتمّ بتقدير حجيّة مفهوم الوصف ، فليتأمّل.

وأمّا الرابع : فالذي يظهر أنّه لا ينافي ما تقدم إلاّ من جهة إطلاق الصلاة فيه ، وتبادر غير صلاة الجنازة من الصلاة كأنّه معلوم ، بل تبادر اليومية ربما يدّعى ، فالعجب من الشيخ حيث ذكر الخبر وتكلّف توجيهه بغير ما ذكرناه.

والخامس : فيما يظن أنّه غير منافٍ إلاّ من جهة إطلاق أوّل الأخبار الشامل لمن صلّي عليه ، وهذا يدلّ على أنّ من صلّي عليه لا يصلّى عليه بعد الدفن ، غاية الأمر احتمال ظهور كونه مقلوباً ربما يوجب بطلان الصلاة ، وربما لا يوجب البطلان والإعادة قبل الدفن على الاستحباب ، وتصريح بعض الأصحاب بوجوب جعل رأس الميت إلى يمين المصلّي(١) إنْ كان للإجماع أمكن القول به إنْ ثبت ، وإنْ كان للرواية المذكورة مع‌

__________________

(١) كالعلاّمة في المنتهى ١ : ٤٥٧ وإرشاد الأذهان ١ : ٢٦٢ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٣٩.

٤٤٣

التأسّي أمكن المناقشة في الرواية والتأسّي. وعلى تقدير تمامية الدلالة يجوز الاكتفاء بالصلاة إذا دفن وإنْ كان مقلوباً ، أو يخصّ جواز الصلاة على القبر بغير هذا النوع.

والسادس : له ظهور في المنافاة.

وما ذكره الشيخ في الوجه الأوّل لم يذكر دليله ، ومجرّد الجمع لا يقتضي ما ذكره ، وقد أشار إلى هذا العلاّمة في المختلف قائلاً : إنّه لم يقف على مستند(١) . ثم إنّ الوجه المذكور لا يخفى عدم تماميته في خبر عمّار بعد ما قدّمناه.

وأمّا الوجه الثاني ، ففيه : أنّ بعض الأخبار تضمّن الفوات ، والدعاء لا يختصّ بذلك ، كما أنّ نفي الجواز كذلك ، والخبر المستدلّ به لا يدفع ما قلناه ، ولا يعيّن مراد الشيخ ، وخبر محمّد بن مسلم يزيد الإشكال الذي أشرنا إليه من الفوات ، ويمكن حمله على وجهٍ يوافق غيره بالتخيير.

وأمّا الوجه الثالث : فله وجه. والخبر المستدلّ به أوّلاً لا يأتي على جميع الأخبار ، وحمله على رجحان الترك ممكن ، والخبر الثاني كذلك ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المنقول في المسألة من الأقوال غير ما ذكره الشيخ عن سلاّر الصلاة إلى ثلاثة أيّام ، وعن ابن الجنيد ما لم تتغير الصورة ، وعن ابن بابويه عدم التقدير بوقت(٢) .

وفي المختلف استقرب العلاّمة الصلاة على القبر إنْ لم يصلّ على الميت أصلاً ودفن بغير صلاة ، وإلاّ فلا ، واستدلّ على الحكم الأوّل بخبر‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣١٤.

(٢) حكاه عن الثلاثة في المختلف ٢ : ٣١٣ ، وهو في المراسم : ٨٠.

٤٤٤

السكوني المتضمن لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تَدَعُوا أحداً من أمّتي بلا صلاة »(١) ووجّه الاستدلال بأنّه عام للمدفون وغيره. واستدلّ على عدم كون الدفن مانعاً بخبر هشام بن سالم الأوّل والخبر الثاني ، وعلى الحكم الثاني بالخبر المرسل وهو السادس ، ( وبخبر محمّد بن مسلم أو زرارة(٢) واصفاً له بالحسن(٣) . ولا يخفى عليك الحال في هذا الاستدلال )(٤) .

وينقل عن المحقّق في المعتبر الجزم بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقاً ، وأنّه قال : ولا أمنع الجواز(٥) ، واستدلّ على عدم الوجوب بأنّ المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنيا فساوى من فني في قبره. وعلى الجواز بالأخبار الواردة بالإذن في الصلاة على القبر ، كصحيحة هشام.

وأنت خبير بما يتوجه على استدلاله الأوّل ، وأمّا الثاني فوجاهته ظاهرة.

والعجب من شيخناقدس‌سره أنّه اختار عدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقاً ، ثم قال : لكن لا يبعد اختصاص الجواز بيوم الدفن(٦) . ووجه التعجّب أنّ الخبر الصحيح عنده لا معارض له يصلح لذلك ، فالمنع مطلقاً والاختصاص بيوم الدفن غير واضح الدليل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

__________________

(١) تقدّم في ص ٣٦٧.

(٢) أي الخبر الثامن من المبحوث عنها.

(٣) المختلف ٢ : ٣١٤.

(٤) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٥) حكاه عنه في المدارك ٤ : ١٨٨ ، وهو في المعتبر ٢ : ٣٥٨.

(٦) المدارك ٤ : ١٨٨.

٤٤٥

قوله :

باب الصلاة على الجنازة مرّتين‌

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « كبّر أمير المؤمنينعليه‌السلام على سهل ابن حنيف وكان بدرياً خمس تكبيرات ، ثم مشى ساعةً ، ثم وضعه وكبّر عليه خمسةً أُخرى ، فصنع مثل ذلك حتى كبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة ».

علي بن الحسين ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (١) ، قال : قلت : أرأيت إنْ فاتتني تكبيرة أو أكثر؟ قال : « تقضي ما فاتك » قلت : استقبل القبلة؟ قال : « بلى وأنت تتبع الجنازة ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج على جنازة امرأةٍ من بني النجّار فصلّى عليها فوجد الحَفَرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي‌ء قوم إلاّ قال لهمعليه‌السلام : صلّوا عليها ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين(٢) ، عن سعد ( بن عبد الله ) (٣) ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن غياث بن كلوب بن فَيْهَس البجلي ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على جنازة ، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة عليها ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٧ : عن أبي جعفرعليه‌السلام .

(٢) في « م » : الحسن.

(٣) ما بين القوسين ليس في الاستبصار ١ : ٤٨٤ / ١٨٧٨.

٤٤٦

( فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الجنازة لا يصلّى عليها مرّتين ، ادعوا له وقولوا خيراً ».

فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية ، ويجوز أنْ يكون قولهعليه‌السلام : « إنّ الجنازة لا يصلّى عليها )(١) مرّتين » وجوباً وإنْ جاز أن يصلّى عليها مرّتين ندباً واستحباباً ، وإنّما الواجب دفعة واحدة وما زاد فإنّه مستحب مندوب إليه.

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على جنازة ، ( فلمّا فرغ جاء ناس فقالوا : يا رسول الله لم ندرك الصلاة عليها ، فقال : لا يصلّى على جنازةٍ )(٢) مرّتين ، ولكن ادعوا له ».

فالوجه في هذه الرواية أيضاً ما قدّمناه في الخبر الأوّل سواء.

السند :‌

في الأوّل : حسن.

والثاني : تقدّم القول في رجاله عن قريب في باب عدد التكبيرات وغيره ممّا بعد.

والثالث : مضى القول فيه أيضاً(٣) ، والحاصل أنّ غياث بن كلوب مهمل ، لكن في النجاشي(٤) والفهرست(٥) أنّ الحسن بن موسى الخشّاب‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) راجع ج ١ ص ١٨٢ ، ٢٧٩ ، ج ٢ ص ٢٣٧ ، ج ٣ ص ٧٦ ، ٣٥٢.

(٤) رجال النجاشي : ٣٠٥ / ٨٣٤.

(٥) الفهرست : ١٢٣ / ٥٥٠.

٤٤٧

يروي عنه ، وفي رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام أنّ الصفّار يروي عنه(١) . ولا يخفى عدم بعد مرتبة الحسن عن الصفّار ؛ لأنّ الصفّار مذكور في رجال العسكريعليه‌السلام من كتاب الشيخ(٢) كالحسن(٣) ، غاية الأمر أنّ الصفّار يروي عن الحسن في الرجال(٤) ، ولا بعد في روايته عنه ( وعمّن يروي الحسن عنه ، )(٥) واحتمال المغايرة ينفيه أنّ في رجال من لم يرو : غياث بن كلوب بن فيهس البجلي ، وفي الرواية المبحوث عنها بعينه ، واحتمال المشاركة في الوصف مع المغايرة في غاية البعد ، فليتأمّل.

أمّا الرابع : ففيه وهب بن وهب ، وهو أبو البختري ، وقد مضى أنّه كان قاضياً عاميّاً(٦) .

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة ، إلاّ أنّ في التهذيب روى عن عقبة ، عن جعفر ، قال : سُئل جعفرعليه‌السلام عن التكبير على الجنائز ، وساق الحديث على ما مضى ذكره في باب عدد التكبيرات ، إلى أنْ قال : « أما بلغكم أنّ رجلاً صلّى عليه عليعليه‌السلام » إلى أنْ قال : ثم قال : « إنّه عقبي بدري أُحدي ، وكان من النقباء الذين اختارهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاثني عشر ، وكانت له خمس مناقب فصلّى عليه لكلّ منقبةٍ صلاة »(٧) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٨٩ / ٣.

(٢) رجال الطوسي : ٤٣٦ / ١٦.

(٣) رجال الطوسي : ٤٣٠ / ٥.

(٤) الفهرست : ٤٩ / ١٦٠.

(٥) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٦) راجع ج ١ ص ٣٢٣ ، ج ٣ ص ١٨٦.

(٧) التهذيب ٣ : ٣١٨ / ٩٨٥ ، الوسائل ٣ : ٨٦ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ١٨.

٤٤٨

وهذا الحديث كما ترى ينبئ عن كون الخبر المبحوث عنه فيه نوع اختصاص ، والأمر سهل ؛ غير أنّ في البين احتمال اختصاص سهل بما ذكر من المناقب ، فلا يدلّ على جواز تكرار الصلاة مطلقاً ، وقد ذكر هذا العلاّمة في المختلف قائلاً : إنّ حديث سهل مختصّ بذلك الشخص إظهاراً لفضله ، كما خصّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه بسبعين تكبيرة(١) ، انتهى.

وقد يقال : إنّ التعليل بإظهار الفضيلة على الإطلاق محلّ كلام ؛ لما نقلناه من خبر التهذيب ، ولعلّ الخبر المتضمن للصلاة على حمزة(٢) يدلّ على مطلق الفضيلة.

وفي المختلف نقل في المسألة أنّ المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت ، وقال ابن أبي عقيل : لا بأس بالصلاة على من صلّي عليه مرّة ، فقد صلّى أمير المؤمنينعليه‌السلام على سهل بن حنيف خمس مرّات. وقال ابن إدريس : ( تكره جماعةً ، وتجوز فرادى. وقال الشيخ في الخلاف : من صلّى خلف جنازة )(٣) يكره له أنْ يصلّي عليها ثانياً. وهو يشعر باختصاص الكراهة بالمصلّي المتّحد(٤) ، انتهى.

ولا يخفى أنّ الخبر المبحوث عنه خاص بالجماعة ، لكن الشيخ في التهذيب روى عن أبي بصير أنّ علياًعليه‌السلام كبّر على سهل بن حنيف خمساً وعشرين ( تكبيرة ، قال : « كبّر خمساً خمساً ، كلّما أدركه الناس قالوا : يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل ، فيضعه » الحديث(٥) . وهو‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٢١١ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣١ / ٩٧٠ ، الوسائل ٢ : ٥٠٩ أبواب غسل الميت ب ١٤ ح ٨.

(٣) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٤) المختلف ٢ : ٣٠٩ ، وهو في السرائر ١ : ٣٦٠ ، وفي الخلاف ١ : ٧٢٦.

(٥) التهذيب ٣ : ١٩٧ / ٤٥٥ ، الوسائل ٣ : ٨١ أبواب صلاة الجنازة ب ٦ ح ٥.

٤٤٩

يدلّ على نوع اختصاص أيضاً مع الجماعة.

وأمّا الثاني : فذكره في مقام تكرار الصلاة لدلالة عجزه على ذلك ، وفيه دلالة على رجحان الصلاة ثانياً وما زاد جماعةً وفرادى.

وما تضمّنه من قوله : « بلى وأنت تتبع الجنازة » يدلّ على الاستقبال مع المشي في الصلاة لأجل إتمامها ، وقد قدّمنا القول في هذا(١) ، والعجب من عدم ذكر الشيخ هذا الخبر هناك.

والثالث : كما ترى في ظاهره المنافاة ، وحمل الشيخ الأوّل له وجه ، إلاّ أنّ فعل أمير المؤمنينعليه‌السلام المكروه مستبعد.

ويمكن أنْ يوجّه نفي الكراهة في فعلهعليه‌السلام نظراً إلى حصول المناقب لسهل ، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مع حمزة لنحو ذلك ، وحينئذٍ فإطلاق الكراهة من الشيخ محلّ تأمّل مع عمله بالأخبار ، أمّا الحمل على بيان الجواز فقد قدّمنا القول فيه غير مرّة.

وأمّا الوجه الثاني من الحمل فمن البعد بمكان ؛ لأنّ الأمر بالدعاء ظاهر في نفي أصل الصلاة ، ولو كان المنفي الوجوب لأتىعليه‌السلام بما يدلّ على التخيير.

والرابع : كالثالث.

ولا يخفى أنّ ظاهر النفي في الخبرين يتناول ما بعد الدفن ، فيؤيّدان بعض الأخبار السابقة ، إلاّ أنْ يحمل النفي على حال عدم الدفن ، لأنّه مورد الروايتين ؛ وفيه تأمّل ، إلاّ أنّ الأمر سهل.

__________________

(١) في ص ٤٣٢.

٤٥٠

قوله :

باب الصلاة على جنازةٍ معها امرأة‌

علي بن الحسن(١) ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران وسندي بن محمّد ومحمّد بن الوليد جميعاً ، عن عاصم بن حميد ، عن يزيد بن خليفة قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فسأله رجل من القميين(٢) فقال : يا أبا عبد الله أتصلّي النساء على الجنائز؟ قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان فيما هدر دم المغيرة بن أبي العاص » وحدّث حديثاً طويلاً ، وأنّ زينب بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله توفيت ، وأنّ فاطمة ( سلام الله عليها ) خرجت في نساءها فصلّت على أختها.

عنه ، عن العبّاس بن عامر ، عن أبي المعزى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنّه قال : « ليس ينبغي للمرأة الشابّة تخرج إلى جنازةٍ تصلّي عليها ، إلاّ أنْ تكون امرأة قد دخلت في السن ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن علي ، عن محمّد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيهعليهما‌السلام قال(٣) : « لا صلاة على جنازةٍ معها امرأة ».

فالوجه في هذه الرواية ضرب من الكراهية دون الحظر.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٨٥ / ١٨٨٠ : الحسين.

(٢) وهو عيسى بن عبد الله ، على ما في الكافي ٣ : ٢٥١ / ٨.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨١ زيادة : قال.

٤٥١

السند :‌

في الأوّل : علي بن الحسن فيه ابن فضّال على الظاهر(١) ، لتصريحه به في التهذيب في سندٍ غير هذا(٢) ، إلاّ أنّ روايته عن عبد الرحمن بن أبي نجران مستبعدة ؛ لأنّ ابن أبي نجران من أصحاب الرضاعليه‌السلام والجوادعليه‌السلام ، وعلي بن الحسن من أصحاب الهادي والعسكريعليهما‌السلام ، إلاّ أنّ التوجيه ممكن.

وأمّا سندي بن محمّد فهو ثقة ، والراوي عنه الصفّار وأحمد بن أبي عبد الله في الرجال(٣) ، فالمرتبة واضحة. وفي الرجال : إنّ الراوي عن ابن أبي نجران محمّد بن خالد(٤) ، وهو يؤيد البعد السابق. ومحمّد بن الوليد قد مضى أنّه الخزّاز على الظاهر مع احتمال غيره(٥) . وأمّا عاصم بن حميد فهو ثقة ، كما أنّ يزيد بن خليفة واقفي.

والثاني : فيه قرينة على أنّ علي بن الحسن هو ابن فضّال ؛ لأنّ الراوي عن العبّاس في النجاشي سعد(٦) ، وهو في مرتبة علي بن الحسن. وما في رجال من لم يرو عن الأئمّةعليهم‌السلام والفهرست من أنّ الراوي عنه أيّوب بن نوح(٧) فقد يظن بعده ، لكن التوجيه في حيّز الإمكان.

والثالث : محمّد بن علي فيه مشترك(٨) ، واحتمال ابن محبوب قد‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : للشيخ.

(٢) كما في التهذيب ٣ : ٣٢٦ / ١٠١٩ ، و ٤ : ٢٩٣ / ٨٩١.

(٣) الفهرست : ٨١ / ٣٣١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٣٥ / ٦٢٢ ؛ إلاّ أنّه فيه : عبد الله بن محمّد بن خالد.

(٥) في ص ٤٤٠.

(٦) رجال النجاشي : ٢٨١ / ٧٤٤.

(٧) رجال الطوسي : ٤٨٧ / ٦٥ ، الفهرست : ١١٨ / ٥١٧.

(٨) هداية المحدثين : ٢٤٤.

٤٥٢

يقرّبه الإطلاق ، وفيه ما فيه. وأمّا محمّد بن يحيى وغياث فقد تكرّر القول فيهما(١) .

المتن :

في الأوّل : لا يخلو من إجمال ، ولفظ « فيما » الظاهر أنّه زائد ؛ إذ(٢) ليس في التهذيب(٣) ، وعلى كلّ حال المقصود من الخبر غير خفي.

والثاني : ربما دلّ على كراهية خروج الشابّة من قوله : « ليس ينبغي ».

والثالث : حمل الشيخ له متوجه.

قوله :

باب من أحقّ بالصلاة على المرأة‌

الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : قلت له : المرأة تموت ، مَن أحقّ الناس بالصلاة عليها؟ قالعليه‌السلام : « زوجها » قلت : الزوج أحقّ بها من الأب والولد والأخ؟ قال : « نعم ويغسّلها ».

فأمّا ما رواه علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمّد بن أحمد(٤) ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال :

__________________

(١) راجع ج ١ : ٣٧٥ وج ٣ : ٢٩٥ ، ٤٣٨ وج ٥ : ٢٧٨ وج ٦ : ٣٠٩.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) التهذيب ٣ : ٣٣٣ / ١٠٤٣.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٨٦ / ١٨٨٤ : عن محسن بن أحمد.

٤٥٣

سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصلاة على المرأة ، الزوج أحقّ بها أو الأخ؟ قال : « الأخ ».

أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير(١) ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيّهما يصلّي عليها؟ فقال : « أخوها أحقّ بالصلاة عليها ».

فالوجه في هذين الخبرين ضرب من التقية ؛ لأنّهما موافقان لمذاهب العامّة.

تمّ الجزء الأوّل من الاستبصار فيما اختلف فيه من الأخبار ، ويتلوه كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى في الجزء الثاني ، والحمد لله وحده ، وصلّى الله على من لا نبي بعده وآله الطيبين الطاهرين الأئمّة المعصومين ، والحمد لله ربّ العالمين(٢) .

السند :‌

في الأوّل : تكرّر القول فيه(٣) .

والثاني : فيه محمّد بن أحمد في النسخة التي نقلت منها ، وفي اخرى محسن بن أحمد ، والظاهر أنّه الصواب ؛ لأنّ في التهذيب محسن بن‌

__________________

(١) في « رض » : عن أبي عمر.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٨٧ : تمّ الجزء الأوّل. ويتلوه في الجزء الثاني كتاب الزكاة بحمد الله ومنّه وحسنِ توفيقه والصلاة على سيّد المرسلين محمّد وعترته الطيبين الطاهرين.

(٣) راجع ج ١ ص ٧٢ ، ١٧٣ ، ٢٥٠ ، ٢٧٠ ، ج ٢ ص ٩٠ ، ١١٦ ١١٧ ، ١٩٩ ، ٢١٠ ، ج ٣ ص ١٠٧ ، ٢٥٦ ، ج ٤ ص ١٦ ، ٣٩٢ ، ج ٦ ص ٤٦ ، ١٧٩.

٤٥٤

أحمد(١) ، لكن ابتداء سند ، والطريق إليه في المشيخة غير مذكور ، وهو مذكور مهملاً في الرجال ، والراوي عنه أحمد بن محمّد بن خالد(٢) ، وهنا كما ترى على تقدير كونه محسن بن أحمد الراوي عنه علي بن الحسين بن بابويه ، والمرتبة لا توافقه.

وأمّا على تقدير محمّد بن أحمد فيحتمل أنْ يكون محمّد بن أحمد ابن الصلت ؛ لرواية علي بن الحسين عنه في باب ترتيب الجنائز(٣) ، لكن بيّنّا فيما سبق احتمال الوهم فيه وإنما هو أحمد بن محمّد بن الصلت(٤) ، وعلى تقدير أنْ يكون صحيحاً فروايته عن أبان بن عثمان في حيّز الإمكان. وفي الرجال رواية محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان موجودة(٥) .

وعلى تقدير كونه أحمد بن محمّد بن الصلت ، يبعد روايته عن أبان ابن عثمان ، بل الظاهر انتفاء احتمال الرواية ؛ لأنّ أحمد يروي عن ابن عقدة المتأخر ، وحينئذٍ لا بُدَّ من إبقائه على ما هو عليه من دون إبداء ذاك الاحتمال.

والفرق بين المقامين أنّ السابق روى فيه عن عبد الله بن الصلت ، وهو من أصحاب الجوادعليه‌السلام مع الرضاعليه‌السلام ، بخلاف أبان ، فإنّه من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام .

وبالجملة : فالحيرة في هذا الإسناد واقعة ، لا سيّما بعد ما سمعت من التهذيب.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٥ / ٤٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ٤٢٣ / ١١٣٣.

(٣) راجع ص ٣٨٣.

(٤) في ص : ٢٣٥٤.

(٥) الفهرست : ١٩ / ٥٢.

٤٥٥

والثالث : معلوم الحال بما تكرّر من المقال(١) ، والطريق في المشيخة : عن محمّد بن يعقوب ، عن العدّة(٢) ، وقد قدّمنا القول فيها(٣) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر ، وحمل الشيخ الخبرين الأخيرين متوجه على تقدير العمل بالأخبار ، أمّا من يتوقف عمله على الصحّة أو(٤) الحسن فالأمر بالنسبة إليه غير خفي ، والمشهور بين الأصحاب )(٥) على ما قيل مضمون الخبر الأوّل(٦) ، وحكى شيخنا عن المعتبر أنّ فيه الحكم بسلامة سند الأوّل ، وتعجّب منه(٧) ، وهو في محلّه ، وتأويل السلامة بموافقة الشهرة خروج عن الظاهر.

ثم إنّ الأحقّ في الخبر لا يخلو معناه من إجمال ، وينقل عن المنتهى أنّ فيه : وأحقّ الناس بالصلاة عليه أولاهم بالميراث ، قاله علماؤنا ؛ لأنّه أولى بماله ، فكذا بالصلاة عليه ، [ و ] لقوله تعالى( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٨) ولمرسلة ابن أبي عمير في الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يصلّي على الجنازة أولى الناس بها ، أو يأمر من‌

__________________

(١) راجع ص ٣٢٦ ٣٢٧.

(٢) مشيخة الإستبصار ( الإستبصار ٤ ) : ٣١٤.

(٣) في ص ٦٧.

(٤) في « رض » : و.

(٥) من بداية ص ٤٤٨ ، إلى هنا ساقطة عن « م ».

(٦) كما في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٨ ، والمدارك ٤ : ١٥٨ ، وفيه : المعروف من مذهب الأصحاب.

(٧) المدارك ٤ : ١٥٩ ، وهو في المعتبر ٢ : ٣٤٦.

(٨) الأنفال : ٧٥.

٤٥٦

يحبّ »(١) (٢) .

واعترض عليه بعض محققي المتأخرينرحمه‌الله بأنّ الأوّل قياس ، ودلالة الثاني غير واضحة ، والثالث مرسل ، وفيه إجمال من جهة عدم ظهور معنى الأولى بالجنازة(٣) ، انتهى.

والظاهر أنّ مراده بعدم ظهور معنى الأولى أنّه يحتمل إرادة الاستحباب ، إمّا على أنّه يستحب استئذانه ، أو يستحب له الفعل على معنى أنّ لفعله كمالاً في الثواب على غيره إذا فعل. ويحتمل إرادة الوجوب ، وستسمع الإشكال فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا عدم دلالة الآية فلأنّ المذكور في الكشّاف : أنّ الأولوية في الميراث في قوله تعالى( فِي كِتابِ اللهِ ) (٤) في حكمه وقسمته ، وقيل : في اللوح ، وقيل : في القرآن ، وهي آية المواريث(٥) ، انتهى.

وقد يقال : إنّ إرادة المواريث غير مجزوم بها ، بل هي احتمال ، لكن لا عموم في الآية ؛ إذ كون البعض أولى غير معلوم في أيّ شي‌ء ، وقوله سبحانه( فِي كِتابِ اللهِ ) محتمل لما ذكر غيره ، وعلى تقدير ما ذكره لا يتحقق العموم ، إلاّ أنْ يقال : إنّ الظاهر من الآية كون بعض اولي الأرحام أولى ببعضٍ على الإطلاق ، وهو معنى العموم. وفيه : أنّ احتمال قوله‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٧٧ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ١١٤ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٣ ح ١.

(٢) حكاه عنه في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٥ ، وهو في المنتهى ١ : ٤٥٠ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة المتن.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٤٥٦.

(٤) الأنفال : ٧٥.

(٥) الكشاف ٢ : ٢٤٠.

٤٥٧

تعالى( فِي كِتابِ اللهِ ) للقرآن يدلّ على أنّه مفصّل في كتاب الله ، فيحتاج إلى العلم به.

فإنْ قلت : الظاهر من الآية إرادة المواريث ؛ لقوله تعالى قبل الآية المذكورة( وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) الآية(١) . وقد ذكر في الكشّاف : أنّ الآية الأخيرة ناسخة للتوارث بالهجرة والنصرة(٢) .

قلت : تعيّن كون الآية الأُولى للتوارث بالهجرة والنصرة محلّ تأمّل ؛ لتوقفه على الثبوت ، وباب الاحتمال واسع ، هذا.

والرواية المرسلة رواها الشيخ في التهذيب عن محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه(٣) .

وقد روى الشيخ في التهذيب ما يقتضي أنّ المصلّي بدون إذن الولي غاصب(٤) ، لكن السند غير سليم.

وللأصحاب في المقام تفريعات يتوقف الكلام فيها على ثبوت الأصل.

وفي الفقيه نقل رواية أبي بصير(٥) ، واعتبارها حينئذٍ واضح مع الشهرة.

وينبغي أنْ يعلم أنّ جدّيقدس‌سره في شرح الإرشاد قال : إنّ ظاهر الأصحاب أنّ إذن الولي إنما يتوقف عليها الجماعة لا أصل الصلاة ؛ لوجوبها‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الكشاف ٢ : ٢٤٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٤ / ٤٨٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٦ / ٤٩٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٢ / ٤٧٤.

٤٥٨

على الكفاية ، فلا يناط برأي أحد من المكلّفين ، فلو صلّوا فرادى من دون إذن أجزأ(١) .

واعترض عليه شيخناقدس‌سره بأنّه لا منافاة بين كون الوجوب كفائياً وبين إناطته برأي بعض المكلّفين ، على معنى أنّه إنْ قام به سقط الفرض عن غيره ، وكذا إنْ أذن لغيره وقام به الغير ، وإلاّ سقط اعتباره(٢) ، انتهى.

وفي نظري القاصر : أنّ الاعتراض محلّ بحث ؛ لأنّ الوجوب الكفائي إنْ كان مشروطاً بالإذن فلا يتحقق بدونه ، والمفروض وصف الصلاة بالوجوب الكفائي على كلّ أحد ، وحينئذٍ فالتقسيم بأنّ الولي إنْ فعل أو أذن ، ينافي الوجوب على كلّ أحدٍ كفايةً. وغير بعيد أنْ يقال : إنّ المتوقف على الإذن الفعل لا الوجوب على حدّ الواجب العيني المتوقف فعله على شرط ، وقد أوضحت الحال في موضعٍ آخر.

والعجب منهقدس‌سره أنّه صرّح في المسالك(٣) وغيرها بأنّ الواجب الكفائي لا ينافيه التوقف على الإذن ، وفي شرح الإرشاد ذكر ما سمعت ، وإنْ كان إطلاق قولهقدس‌سره بعدم المنافاة على وجه الإجمال لا يخلو من شي‌ء أيضاً لولا احتمال ما قدّمناه.

وبالجملة : إنْ ثبت الإجماع على توقف الجماعة فلا كلام ، وإلاّ أمكن القول بالتوقف على الإذن في الصلاة جماعةً وفرادى إنْ تمّ الدليل ، وقد سمعت الكلام فيه.

أمّا ما يقال : من أنّ الأوامر العامّة بالصلاة على الأموات يحتاج‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣١١.

(٢) المدارك ٤ : ١٥٦.

(٣) المسالك ١ : ١٢.

٤٥٩

تخصيصها بالإذن إلى دليل ، والأدلّة المذكورة لا تصلح للتخصيص ، مضافاً إلى عدم النقل عن السلف من أنّهم كانوا يستأذنون ، والأصل يقتضي العدم.

ففيه : أنّ بعض ما ذكرناه من الأدلّة يصلح للتخصيص إنْ تمّ العموم ، وعدم النقل عن السلف محلّ كلام في إثبات الأحكام ، على أنّ ظاهر العلاّمة في المنتهى دعوى الإجماع على بعض الأحكام(١) ، والاحتياط مطلوب مع الإمكان ، وعلى الله سبحانه في جميع الأُمور التكلان.

وليكن هذا آخر الجزء الثالث من كتاب استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ، ويتلوه إن شاء الله تعالى في الرابع كتاب الزكاة ، والله سبحانه المسئول لتوفيق إكماله بجاه محمّدٍ المصطفى وآله.

واتّفق بتوفيق الله تمام هذا الجزء في أواخر شهر ذي الحجة الحرام سنة ١٠٣٧.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٥٠.

٤٦٠

461

462

463