إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

إستقصاء الإعتبار12%

إستقصاء الإعتبار مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 964-319-179-6
الصفحات: 463

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧
  • البداية
  • السابق
  • 463 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 59699 / تحميل: 5927
الحجم الحجم الحجم
إستقصاء الإعتبار

إستقصاء الإعتبار الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٧٩-٦
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

والشيخ قال : إنّه واقفي في رجال الكاظمعليه‌السلام من كتابه(١) وقد تكرر القول في مثل هذا(٢) . أمّا معمر بن رئاب فلم أره في رجال الأصحاب ؛ لكن في صحيح مسلم يروي عن عبد الرزاق بن همام(٣) ، فالظاهر أنّه منهم. وفي التهذيب رواه : عن سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير(٤) . وهو الصواب.

[والسابع (٥) ] : فيه أبو بصير.

المتن :

في الأول : يدل على أنّ القنوت يوم الجمعة في الأُولى ؛ وربما شمل الظهر ، ويقرب استبعاده أنّ الصدوق روى في الفقيه : أنّ من صلّى وحده يوم الجمعة فعليه قنوت واحد قبل الركوع في الركعة الأُولى. وقد ردّ الرواية بتفرد حريز بها عن زرارة(٦) . وتضمنت أيضاً أنّ في الجمعة قنوتين ، وقد قدّمنا ذلك. لكن الظاهر من الرواية هنا صلاة الجمعة ، ولا يبعد عدم دلالتها على الحصر بعد دلالة غيرها على أنّ في الجمعة قنوتين. وحينئذٍ ربما كانت الفائدة في ذكر القنوت في الركعة الأُولى فقط التنبيه على مغايرة غيرها ؛ ( وإنْ حصلت المغايرة في الثانية أيضاً بالبَعدية للركوع ، إلاّ أنّ وجود القنوت بعده في الجملة ولو قضاءً كافٍ ؛ فليتأمّل )(٧) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٩ / ٥.

(٢) في ج ٤ ص ٨٩.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٢١٢ / ٢١ ، وفيه : عبد الرزاق بن همام عن معمر.

(٤) التهذيب ٣ : ١٧ / ٦١.

(٥) في النسخ : والسادس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧.

(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».

٤١

وأمّا الثاني : فالظاهر منه اعتبار الجماعة في كون القنوت في الأُولى سواء كانت ظهراً أو جمعةً ؛ ويبعده ما سبق. وحينئذٍ فالمراد صلاة الجمعة ، إلاّ أنّ مقابلة الوحدان غير واضحة الوجه ، إذ الظهر لو صلّيت جماعة فا(١) المشهور كذلك ، والأولى لو حملت على ما يشمل الظهر تناولت فعل الظهر فرادى ، إلاّ أنّه يمكن تخصيصها. والحاصل أنّ عدم معلومية القائل يسهل الخطب ، ويوجب نوع تعجب في الأخبار ، ولعلّ ضيق المجال بسبب أهل الخلاف هو الموجب لهذا.

والثالث : يظهر القول فيه من غيره.

أمّا الرابع : فظاهر الدلالة على أنّ صلاة الجمعة فيها القنوت في الأُولى ، وغيرها في الثانية قبل الركوع جماعةً وفرادى ؛ فيخصّ به عموم غيره أو يقيد إطلاقه. لكنه لا يأبى الجمع بينه وبين ما دلّ على القنوتين في الجمعة ؛ لاحتمال إرادة الفرق في الجملة ، وهو حاصل ، وقد قدّمنا فيما مضى(٢) ما يمكن استفادة القنوتين في الجمعة منه.

والخامس : ما ذكره الشيخ فيه من التقية له وجه وجيه [كالسادس (٣) ].

أمّا الاستدلال على التقية [ بالسابع(٤) ] ففيه نظر ؛ إلاّ أن يحمل على ما ذكره بعض أهل الخلاف : من جواز القنوت في جميع الصلوات عند‌

__________________

(١) في « م » و « فض » : في.

(٢) في ص ١٦٨٦.

(٣) ما بين المعقوفين ساقط من « فض » وفي « م » و « رض » : كالخامس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : بالسادس ، والصحيح ما أثبتناه.

٤٢

الشدائد(١) . وفي المتن كلام أنهيته فيما مضى من باب القنوت(٢) ، ولا يخفى على من راجع الخبر سابقاً ما في التغاير بين ما هنا وهناك الموجب لنوع تعجّب ، والله أعلم بالحقائق.

قوله :

باب العدد الذي يجب عليهم الجمعة.

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقلّ منهم ، الإمام وقاضيه والمدعي حقاً والمدعى عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام ».

علي بن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن العباس(٣) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أدنى ما يجزئ في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه ».

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ١ : ٨٢٣.

(٢) في ص ١٦٨٠.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦٠٩ : عن أبي العباس.

٤٣

قال محمّد بن الحسن : ليس بين هذين الخبرين تناقض ؛ لأنّ الفرض يتعلق بالعدد(١) إذا كانوا سبعة ، أمّا إذا كان العدد خمساً كان ذلك مستحباً مندوباً إليه ولم يكن فرضاً واجباً ، وإن نقص عن الخمسة فلا ينعقد الجمعة أصلاً. والذي يدلّ على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد ، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم ، والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها ، إلاّ خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي ».

عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « لا تكون الجمعة ما لم يكن القوم خمسة ».

علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة قال : كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول : « لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهطٍ الإمام وأربعة ».

السند :

في الأوّل : قد تقدم الكلام في أحمد بن محمّد بن يحيى في أوّل الكتاب(٢) وأنّ التوقف فيه غير معلوم من مشايخنا الذي عاصرناهم بل وغيرهم من مشايخهم(٣) . والعباس فيه ابن معروف ، فالخبر معدود من الصحيح.

__________________

(١) في النسخ زيادة : الذي.

(٢) راجع ج ١ ص ٩١ ٩٢.

(٣) في « م » زيادة : ومن قاربهم.

٤٤

والثاني : ليس فيه إلاّ الحكم بن مسكين بعد من علم ، فإنّه مهمل في الرجال(١) . ومحمّد بن الحسين هو ابن أبي الخطاب.

والثالث : ليس فيه من يتوقف في شأنه إلاّ العبّاس كما يعرف من الرجال(٢) ؛ لكن في التهذيب عن أبي العباس(٣) ، والظاهر أنّه الصواب.

والرابع : صحيح على ما مضى(٤) .

والخامس : ضعيف(٥) .

والسادس : حسن(٦) .

المتن :

في الأوّل : قد استدل به ( جديقدس‌سره في جملة ما سنذكره )(٧) على وجوب الجمعة من غير حضور إمام الأصل أو من نصبه(٨) ، وعليها اعتمد شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب وغيرها ، وأضاف إليها موافقة لجديقدس‌سره صحيح محمّد بن مسلم الآتي(٩) وكذلك صحيح الفضل بن عبد الملك‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٦.

(٤) راجع ج ١ : ١٤٧ ، ١٥٢ وج ٦ : ٥٠.

(٥) بعثمان بن عيسى ، فإنه واقفي مذموم ، انظر رجال النجاشي : ٣٠٠ / ٨١٧ ، وتقدم في ج ١ : ٧١ و ٣٩١ ، وج ٢ : ٤٢٣ ، وج ٣ : ١٥٩ ، ٢٤٤ وج ٥ : ١٧٤ وج ٦ : ٣٩.

(٦) بإبراهيم بن هاشم المعبّر عنه بأبيه.

(٧) ما بين القوسين ساقط عن « فض ».

(٨) روض الجنان : ٢٩٠.

(٩) في ص : ٥١.

٤٥

الآتي(١) وفي نظري القاصر أنّ فيه تأمّلاً لتضمن الروايات الإذن من الإمامعليه‌السلام ولا إشكال معها.

وما عساه يقال : إنّ أحكامهمعليهم‌السلام لا يختص بزمنهم لما هو معلوم.

يمكن الجواب عنه : بأنّ هذا في غير ما يقرب بالوكالة ، وقد وقع النزاع بين الأصحاب في المنصوبين من الأئمّةعليهم‌السلام للقضاء بعد موت الإمام الناصب لهم ، والخلاف مذكور في باب القضاء.

واحتمال الاعتماد على عدم الفرق بين المأذون وسائر الأحكام. فيه أوّلاً : أنّه ينبغي التنبيه عليه وذكر دليله. وثانياً : أنّ جريان أحكام الأئمةعليهم‌السلام على من بعدهم ( غير الأحكام الشرعية )(٢) إذا لم يكن إجماعياً ، فإثبات الاستمرار موقوف على النص ولم يعلم ، وقد ذكرت هذا في موضع من الأُصول عند استدلال بعض محققي المعاصرين سلمه الله بالمقبولة المشهورة على ثبوت التحري.

ولعلّ الأولى الاستدلال في المقام بالرابع من حيث قولهعليه‌السلام : « والجمعة واجبة على كل أحد ».

وما عساه يقال : من احتمال تعلق هذا بقولهعليه‌السلام : « يجمع القوم » إلى آخره. فإنّ هذا إذنٌ ، فكأنّهعليه‌السلام قال بعد الإذن : والجمعة واجبة. فيه(٣) بُعد.

وربما كان أظهر منه ما رواه الصدوق في الفقيه بلفظ : قال أبو جعفرعليه‌السلام لزرارة بن أعين : « إنّما فرض الله عزّ وجلّ على الناس من الجمعة إلى‌

__________________

(١) في ص : ٥٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « م » : غير التحليل والتحريم.

(٣) في النسخ : وفيه ، والأنسب ما أثبتناه.

٤٦

الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ؛ فيها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة وهي الجمعة »(١) الحديث. والطريق إلى زرارة صحيح.

وروى أيضاً بلفظ : قال زرارة : قلت له : على من تجب الجمعة؟ قال : « تجب على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقلّ من خمسة »(٢) الحديث. ويؤيدهما بعض الأخبار المطلقة.

وما استدل به لاعتبار الإمام أو من نصبه سنتكلم فيه ، غير أنّ في البين كلاماً من جهة خبر الواحد ذكرته في محل آخر(٣) ؛ وأظن عدم التصريح به أولى.

أمّا الاستدلال بالآية الشريفة(٤) فقد اعتمد عليه شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب ، وقبله جدّيقدس‌سره (٥) ولجدي فيها كلام في الرسالة(٦) بعضه محل تأمّل.

ويمكن أن يقال : إنّ خطابها من خطاب المشافهة ، وهو مخصوص بالموجودين حال الخطاب كما هو رأي المحققين(٧) ، والتعدّي بالإجماع ، فلا يتم في موضع النزاع.

ويمكن الجواب : بأنّ الإجماع على أنّ الأمر للموجودين شامل لنا ، والأمر في الآية موجود فيكفي. وفيه : أنّ الأمر للموجودين مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٤ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٢ ح ٤.

(٣) راجع ج ١ ص ٢١ ٢٧.

(٤) الجمعة : ٩.

(٥) روض الجنان : ٢٩٠.

(٦) رسائل الشهيد : ٥١.

(٧) معالم الأصول : ١١٢ ، المستصفى ٢ : ٨٣ ، المحصول ١ : ٣٩٣.

٤٧

واللازم وجوب الجمعة معه ولا كلام فيه ؛ إلاّ أن يقال : إنّ ضميمة الخصوصيات في الأمر كحضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان شرطاً لم يتم الحكم بوجوب شي‌ء من أوامر القرآن ، لكونهعليه‌السلام داخلاً. وفيه : أنّ ما خرج بالإجماع عدم اشتراطه فيه لا إشكال فيه بخلاف محل النزاع.

وربما يقال : إنّ دعوى مدخليتهعليه‌السلام متوقفة على الدليل ، بل الأمر مطلق.

وفيه : أنّ الظاهر ( احتياج عدم المدخلية )(١) إلى الدليل ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فقد استدل به بعض المشترطين للإمام أو قاضيه. وضعف السند فيها يمنع من العمل بها على ما ذكره شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب وفي نظري القاصر أنّ هذا يدفعه ذكر الصدوق لمتنها في الفقيه(٢) .

ولعلّ الأولى أنْ يقال : إنّ من المعلوم عدم اشتراط جميع من ذكره فيها في الجمعة ، وإذا لم يشترط فهو قرينة على أنّ المراد اجتماع هذا العدد.

وما عساه يقال : من أنّه لا يلزم من عدم اشتراط البعض بالإجماع عدم اشتراط المختلف فيه.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الخبر إذا لم يكن صريحاً ، ومعارضه الدالّ على الإطلاق موجود فلا يتم الاستدلال.

وقد يشكل بأنّ المعارض لا يخرج عن الإطلاق ، وهذا مقيد. وفيه : أنّ المقيد غير صريح ، ومعه فالخروج عن الإطلاق مشكل. والحقّ أنّ جعل الخبر مناط الاستدلال محل تأمّل.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : عدم احتياج المدخلية.

(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢.

٤٨

أمّا ما ينقل من دعوى الإجماع على انتفاء العيني حال الغيبة ففيه : أنّ الإجماع لا يخرج عن كونه خبراً مرسلاً ، لأنّ مدعية على ما حكاه جديقدس‌سره في الرسالة(١) : المحقق في المعتبر حيث قال : السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة ، وهو قول علمائنا(٢) . وكذلك العلاّمة في التذكرة حيث قال : يشترط في وجوب الجمعة السلطان ونائبه عند علمائنا أجمع(٣) . وتبعهما على ذلك بعض المتأخّرين عنهما(٤) وقد ذكر جديقدس‌سره في الرسالة ما يقتضي اختصاص الحكم بحال حضورهعليه‌السلام (٥) .

والوجه فيما قلناه من أنّ هذا الإجماع كالخبر المرسل لأن تحقّقه في زمن مدعية يكاد أن يلحق بالممتنعات العادية ، فلا بُدّ أن يحمل مرادهم على أنّه ثبت عندهم بنقل العدل ، ولمّا لم يعلم الناقل كان الإخبار به كالمرسل.

وما عساه يقال : إنّ هذا يوجب سوء الظن في الناقلين ؛ إذ الظاهر من إطلاقهم العلم بدخول المعصوم ، والحال خلافه.

يمكن الجواب عنه : بالاعتماد منهم على معلومية عدم تحققهم الإجماع إلاّ من جهة الإخبار ، وإذا رجع الأمر إلى الخبر المرسل فالأخبار الواردة في الجمعة على الإطلاق لها نوع ترجيحٍ ؛ إلاّ أن يقال : إنّ كثرة المدعين للإجماع مرجحة. وفيه نظر بيّن ، يعلم وجهه من مراجعة الرسالة.

وقد ذكر العلاّمة في المنتهى : أنّه لو لم يكن الإمام ظاهراً هل يجوز‌

__________________

(١) رسائل الشهيد : ٧٠.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٧٩.

(٣) التذكرة ٤ : ١٤٤.

(٤) جامع المقاصد ٢ : ٣٧١.

(٥) رسائل الشهيد : ٧٢.

٤٩

فعل الجمعة؟ قال الشيخ في النهاية : يجوز إذا أمنوا الضرر وتمكّنوا من الخطبة. وذكر في الخلاف : أنّه لا يجوز. وهو اختيار المرتضى وابن إدريس وسلاّر ؛ وهو الأقوى عندي. لنا ما تقدم من اشتراط الإمام أو نائبه ، فمع الغيبة تجب الظهر لفوات الشرط(١) . انتهى. وهذا لا يخلو من غرابة منه كما يعلم من الرسالة(٢) .

أمّا ما ادعاه البعض(٣) من اشتراط الفقيه حال الغيبة ، وإلاّ لم تشرع ؛ فأدلته مدخولة كما يعرف ممّا أشرنا إليه.

وما ذكره الشيخ في دفع التناقض بين الخبرين من حمل الخمسة على الاستحباب. يريد به : أنّ مع السبعة وجوب الجمعة عيناً ، ومع الخمسة تخييراً ، فتكون الجمعة أفضل الفردين ، وهو المعبّر عنه بالاستحباب. وهذا محلّ تأمّل ؛ لعدم صلاحية ما يدل عليه ، أمّا الأخبار فلأنّ الجمع لا ينحصر فيما ذكر ، بل يجوز أن يحمل ما دلّ على الخمسة على الأقلّ فضيلة والسبعة على الأكمل.

وما عساه يقال : إنّ كون الخمسة أقل فضيلة ، إن أُريد به أنّ مع عدم وجود السبعة يكون ثواب الخمسة أقل منها على تقدير وجودها فهو غير مناسب للحكمة ، وإن كان مع وجود السبعة فلا معنى له.

يمكن الجواب عنه : بنحو ما قدّمناه في موضع من الكتاب ، من جواز تفضيل بعض العبادات وإن لم يمكن(٤) غيرها.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٣٦.

(٢) رسائل الشهيد : ٧٤.

(٣) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٩.

(٤) في « م » و « رض » : لم يكن.

٥٠

وما يقال : من أنّ الاستحباب في مثل هذا إن أُريد به بمعناه الأُصولي فلا يتم ؛ لأنّ المستحب ما يجوز تركه لا إلى بدل ، وهذا ليس كذلك ؛ وإن أُريد غيره فإثباته لا بُدّ له من دليل.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الكامل لا بدل له ، فيتحقق المعنى الأُصولي ، وقد أوضحنا الحال في محل آخر.

ثم إنّ ما ذكره الشيخ من التخييري في [ الخمسة(١) ] والعيني في السبعة جمعاً يقتضي تحقق التخييري والعيني حال حضور الإمامعليه‌السلام ؛ إذ الأخبار يفيد ذلك حينئذٍ ، والقول بالتخييري حال الحضور لا أعلم الآن القول به ، وعلى تقدير الاعتماد على أنّ الشيخ قائل بذلك هنا فهو لازم.

ولا يذهب عليك أنّ المستفاد من الأخبار هو العيني ؛ وما يقال : إنّ الأمر لا يختص بالعيني. فيه : أنّه خلاف(٢) المستفاد من الأُصول. أمّا دعوى الإجماع على انتفاء العيني حال الغيبة فالكلام فيها كما سبق.

وقد نقل عن جدّيقدس‌سره أنّه أجاب في شرح الإرشاد بعدم تكافؤ أخبار الخمسة والسبعة ، بل أخبار الخمسة أصحّ(٣) ؛ فلا وجه للحمل من الشيخ. وغير خفي اندفاعه بعد ما ذكرناه من روايات الصدوق ، وعذرهقدس‌سره عدم وجود من لا يحضره الفقيه عنده ؛ وروايات الشيخ كأنّه نظر منها إلى ما هنا من اشتراك العباس(٤) ، وما قيل في أبان بن عثمان(٥) ؛ والحال أنّ دفع القول في أبان واضح ، والعباس على ما في التهذيب(٦) سهو. لكن‌

__________________

(١) في النسخ : الجمعة ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) ليس في « م ».

(٣) روض الجنان : ٢٨٥.

(٤) هداية المحدثين : ٨٩.

(٥) رجال النجاشي : ١٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٦.

٥١

لا يخفى أنّ رواية أبي العباس لا إشعار فيها بأنّ الخمسة تفيد الوجوب تخييراً والسبعة عيناً كما ذكره بعض الأصحاب(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المشي مع ظاهر الأخبار المطلقة يقتضي الوجوب عيناً لولا ما أشرنا إليه سابقاً من نوع شك لنا في العمل بخبر الواحد ؛ وحينئذٍ فاشتراط الإمام أو نائبه ، أو أنّ الشرط مخصوص بحال الحضور أو يشمل الغيبة ، أو أنّ المراد بالنائب الخاص أو العام الشامل للفقيه حال الغيبة ، أو الوجوب على تقديره عيني أو تخييري يتوقف على الأدلة المقيّدة للأخبار. والدخل فيما ذكروه يعلم من الرسالة الشريفة لجدي(٢) قدس‌سره وإن كان في بعض المباحث فيها لنا نوع كلام ، وإنّما اختصرنا هنا اكتفاءً بغير هذا المحل ممّا كتبناه في المقام.

وما تضمنه الخبر الأخير من قوله : « الإمام وأربعة » لا يدل على إمام الأصل ، بل احتمال إمام الجماعة ربما يدعى ظهوره ، والتعريف لا ينفيه ، بجواز أن يكون للدلالة على الإمام الجامع للشرائط المذكورة في كلام الأصحاب.

قوله :

باب القوم يكونون في قرية

هل يجوز لهم أن يجمعوا أو لا.

الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن أُناس في قرية هل يصلّون الجمعة ( جماعة؟ قال : « يصلّون ) (٣) أربعاً إذا لم يكن من يخطب ».

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٣٨.

(٢) رسائل الشهيد : ٥١.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

٥٢

عنه ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإذا كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر ، وإنما جُعلت ركعتين لمكان الخطبتين ».

عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة قال : حثّنا أبو عبد اللهعليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : « لا(١) ، إنّما عنيت عندكم ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن بكير قال : حدّثني زرارة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله عليك »(٢) قال : قلت : كيف أصنع؟ قال(٣) : « صلّوا جماعة ، يعني صلاة الجمعة ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمّد ، ( عن محمّد )(٤) بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليعليه‌السلام قال : « لا جمعة إلاّ في مصر يقام فيه الحدود ».

فالوجه في هذا الخبر التقية ؛ لأنّه موافق لمذاهب كثير من العامة ، وكذلك :

ما رواه محمّد بن أحمد ( بن يحيى )(٥) ، عن أبي جعفر ، عن‌

__________________

(١) لفظة : لا ، ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٥ ، والتهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٥.

(٢) لفظة : عليك ، ليست في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦. والتهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٨.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦ زيادة : قال.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض » و « م ».

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٥٣

أبيه ، عن حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام قال : « ليس على أهل القرى جمعة ، ولا خروج في العيدين ».

فالوجه فيه أيضاً التقية ، ويجوز أن يكون عنى من بعدت قريته عن البلد أكثر من فرسخين ، ولم يكن فيهم العدد الذي يجب عليهم الجمعة ، ولا حصلت فيهم شرائطهم(١) .

السند :

في الأوّل : لا ارتياب فيه.

والثاني : كذلك على ما قدّمناه في أبان(٢) ، والفضل ثقة ، والظاهر من كثرة رواية أبان بن عثمان عن الفضل أنّ السابق في الخبر أبو العباس الفضل ابن عبد الملك ، لا العباس كما في النسخة التي نقلت منها.

والثالث : صحيح.

والرابع : فيه عبد الملك وهو مشترك(٣) ، ولا يبعد أن يكون ابن أعين ، وحاله لا يقتضي إدخال حديثه في الموثق ، وقد وصفه في المختلف به(٤) ، وكأنه استفاد ما ذكرناه من ابن أعين ، ( لما يظهر من الرجال في الجملة(٥) ، أو أنّه غير ابن أعين ، ولا أدري وجهه. أمّا وصف الخبر بالموثق من حيث ابن أعين )(٦) فقد يظن أنّ العلاّمة استفاد مدحه من زيارة الصادقعليه‌السلام

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٨ : الشرائط.

(٢) راجع ج ١ : ١٨٣ ، وج ٢ : ١٧٧ ، وج ٣ : ٢٠٢.

(٣) كما في هداية المحدثين : ١٠٧.

(٤) المختلف ٢ : ٢٥٢.

(٥) رجال الكشي ١ : ٤٠٩.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

٥٤

قبره ، كما حكاه الصدوق في مشيخة الفقيه(١) ، وفيه ما لا يخفى.

والخامس : محمّد بن يحيى فيه لا يبعد كونه الخثعمي ، لظن وجوده مصرحاً في بعض الأسانيد ، مع ( مناسبته بالرواية )(٢) عن طلحة المذكور كونه عاميّاً.

والسادس : أبو جعفر فيه أحمد بن محمّد بن عيسى ، وقد تقدم القول في أبيه(٣) ، وحفص بن غياث كذلك(٤) .

المتن :

في الأوّل : مضى القول فيه بما يغني عن الإعادة(٥) ، وما يقتضيه ظاهره من قوله : « إذا لم يكن من يخطب » أنّ وجود من يخطب على الإطلاق يقتضي عدم الصلاة أربعاً ، جوابه واضح إذا ثبت المقيّد ، غاية الأمر أنّ بعض ما ذكره من رأينا كلامه من الشروط قد يتوقف فيه ، والإجماع وإن ادّعي على اشتراط الإيمان والبلوغ والعقل والعدالة وطهارة المولد والذكورة ، إلاّ أنّ ثبوت مثل هذا الإجماع محل كلام ، وبتقدير ثبوته فالأيمان قد ذكر فيه البعض اشتراط كونه عن دليل(٦) ، ولعلّ المراد به ما يحصل الاطمئنان للنفس به بأيّ طريقٍ كان.

وأمّا العدالة فالمذكور في تعريفها : أنّها ملكة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة. قيل : ويتحقق التقوى بمجانبة الكبائر ، وهي‌

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٩٧.

(٢) في « فض » مناسبة ما لروايته.

(٣) راجع ج ١ ص ١٩٦.

(٤) راجع ج ١ ص ١٩٦.

(٥) في ص : ٤٥.

(٦) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٨٩.

٥٥

ما توعد عليها بالنار في الكتاب أو السنّة ، وعدم الإصرار على الصغيرة فعلاً أو حكماً ، وهو فعلها مع قصد ذلك مرّةً أُخرى. وقيل : عدم الندامة والتوبة(١) .

وقد فُسّرت المروءة بأنّها ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغار المحرّمات مع عدم الإصرار ، كسرقة لقمة ، وتطفيف الميزان بحبة ، والأكل في السوق والمجامع ، وأمثال ذلك(٢) . والاستدلال على هذا لا يخلو من إشكال ، ( وسيجي‌ء(٣) تفصيل الحال )(٤) .

( ولا يخفى أنّ ما عرّفنا به العدالة مأخوذ من كلام بعض الأصحاب وفيه نوع كلام ، إلاّ أنّه أولى من تعريف جديقدس‌سره في الروضة في باب صلاة الجماعة ، من أنها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى ، التي هي القيام بالواجبات وترك المنهيات الكبيرة مطلقاً والصغيرة مع الإصرار عليها(٥) . ووجه الأولوية أنّه لا وجه لذكر الإصرار وعدمه في التروك كما لا يخفى )(٦) . وإطلاق النص ربما يساعد على نفي غير ما قام عليه الدليل السالم من الريب(٧) .

__________________

(١) كما في مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٣٥١.

(٢) انظر روض الجنان : ٢٨٩ ، مجمع الفائدة ٢ : ٣٥١.

(٣) في ص : ١٦٠ و ١٤٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في « م » ، وفي « فض » مكتوب بعد قوله : والمجامع ، والأولى ما أثبتناه من « رض ».

(٥) الروضة البهية ١ : ٣٧٨.

(٦) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٧) في « فض » زيادة : ظاهره.

٥٦

وأمّا الثاني : ففيه دلالة على أنّه إذا كان لهم من يخطب جمعوا صريحة(١) ، كما أنّ دلالته على إطلاق الجمعة على الظهر كذلك ، واحتمال إرادة : صلّوا ما يقوم مقام الجمعة. بعيد.

الثالث : ربما استأنس به بعض الأصحاب(٢) في إفادته الوجوب التخييري ، من حيث قوله : حثّنا ؛ إذ العيني لا يناسبه ذلك.

وأجاب عنه جديقدس‌سره في الرسالة : بأنّ زرارة قد روى ما يدل على العيني ، وأراد به ما رواه الشيخ في التهذيب عنه ، من قولهعليه‌السلام : « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة » الحديث(٣) .

ثم قالقدس‌سره ما ملخصه : والذي يظهر أنّ السرّ في التهاون بصلاة الجمعة يعني الموجب للحثّ ما عهده من قاعدة المذهب أنّهم لا يقتدون بالمخالف والفاسق ، والجمعة إنّما تقع غالباً من أئمّة أهل الخلاف ، وخصوصاً في المدن المعتبرة ، وزرارة من الكوفة ، وهي أشهر مدن الإسلام ، وإمام الجماعة فيها مخالف ، فكان يتهاون لهذا الوجه(٤) ، انتهى.

وقد يقال : إنّه يجوز كون الحثّ على فعلها تقيةً معهم ، لكون زرارة مشهوراً عند أهل الخلاف ، وربّما يؤيد هذا أنّ إقامة الجمعة على مذهب أهل الحق من زرارة يخالف الأمر بالتقية ، سيّما بما ذكره في مثل الكوفة.

ثم إنّ رواية زرارة ( المتضمنة لقولهعليه‌السلام )(٥) إنّ الله فرض كذا وكذا مع روايته الحثّ ، لو [ حملتا(٦) ] على التخيير لا تضاد ، لجواز الفرض‌

__________________

(١) ليست في « رض » و « فض ».

(٢) حكاه الشهيد الثاني في الرسائل : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧.

(٤) رسائل الشهيد الثاني : ٦٠ بتفاوت يسير.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٦) في النسخ : حمل ، والأولى ما أثبتناه.

٥٧

تخييراً في بعض الصلوات المذكورة ، إلاّ أن يقال : إنّ سياق الخبر تساوي الصلوات في الوجوب عيناً ، وفيه : احتمال الفرض عيناً بالشروط.

ولعلّ الأولى أن يقال في إلزام المستدل بالرواية على التخييري ـ : إنّ مع وجود الإمامعليه‌السلام وأمره كيف يتصور التخييري؟ وربما يجاب عن هذا : بأنّ كلام الشيخ صريح في التخييري حال الحضور كما سبق.

وفيه : أنّ كلام الشيخ بتقدير الاعتماد عليه يفيد التخيير في العدد الخاص(١) لا مطلقاً ، فليتأمّل.

وممّا قد يؤيد ما ذكرناه من احتمال فعل الجمعة تقيةً من زرارة آخر الرواية.

وأمّا الرابع : فقد ذكره من أشرنا إليه في الاستيناس للتخييري ، وكلام جديقدس‌سره فيهما واحد(٢) .

وأمّا الخبران الأخيران فالتقية فيهما متوجهة ، وأمّا غيرها فأظن أنّ تركه أولى ، لأنّ(٣) فقدان الشرائط لا فرق فيه بين القرية وغيرها.

قوله :

باب سقوط الجمعة عمن كان على رأس أكثر من فرسخين‌

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن ابن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجمعة ، فقال : « تجب على من‌

__________________

(١) في « رض » : في العدد الحاصل. ، وفي « م » : وفي العدد إذ الخاص.

(٢) في ص : ٥٧.

(٣) في النسخ : ان ، والصحيح ما أثبتناه.

٥٨

كان منها على رأس فرسخين ، فإن زاد على ذلك فليس عليه شي‌ء ».

محمّد بن علي بن محبوب ، عن علي بن السندي ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة(١) ، عن زرارة قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : « الجمعة واجبة على من إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنّة إلى يوم القيامة ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب ؛ لأنّ الفرض متعلق بمن كان على رأس فرسخين.

السند :

في الأوّل : حسن.

والثاني : فيه علي بن السندي ، وقد قدّمنا(٢) فيه كلاماً يغني عن الإعادة.

والثالث : صحيح.

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ من كان على رأس فرسخين عليه حضور‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦٢١ : عن عمر بن أُذينة.

(٢) في ج ١ ص ٣٣١.

٥٩

الجمعة واجب ، وإن زاد لا يجب عليه ذلك.

والثاني : يدل على وجوب الحضور على من كان على فرسخين. وقد تضمنت رواية زرارة في الفقيه والتهذيب سقوط الجمعة عمّن كان على رأس فرسخين(١) ، فعدم التعرض من الشيخ لدفع التنافي غريب ، ولعلّ ما دلّ على الفرسخين محمول على الزيادة ، لكن نقل العلاّمة في المختلف الخلاف بين الأصحاب ، فقال : من كان على رأس أزيد من فرسخين لم يجب عليه الحضور إلى الجمعة ، فإن تمّ عنده العدد وجب عليه إقامتها عنده والحضور ، وإلاّ فلا ، ومن كان على رأس فرسخين فما دون وجب عليه الحضور إن لم يتم عنده العدد ، وإلاّ وجب عليه أحد الأمرين ، إمّا الحضور أو إقامتها عنده ، هذا هو المشهور ، وذهب إليه الشيخان ، والسيّد المرتضى ، وأبو الصلاح ، وسلاّر ، وابن إدريس ، وقال الشيخ أبو جعفر بن بابويه في المقنع : وضعها الله عن تسعة إلى أن قال ـ : ومن كان على رأس فرسخين ، ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، وهو قول ابن حمزة.

ثم إنّ العلاّمة استدل على الأوّل وهو مختاره بعموم الأمر المتناول لمن كان بينه وبينها قدر فرسخين ، ولزوم المشقّة مع إيجابها على من زاد ، وأصالة براءة الذمّة ، وبالخبرين المبحوث عنهما ، وزاد ما تركه أولى من ذكره ، ثم نقل احتجاج ابن بابويه برواية زرارة ، وبأنّ فيه مشقّة ، وأجاب بأنّ زرارة قد روى وجوبها على من كان على رأس فرسخين ، فيحتمل أن يكون الراوي عنه قد سها عن لفظة « أزيد » ومطلق المشقّة غير معتبر إجماعاً ؛ لعدم انفكاك التكليف عنها. انتهى(٢) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ، التهذيب ٣ : ٢١ / ٧٧.

(٢) المختلف ٢ : ٢٤١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أحدهما أولى من الآخَر.

ولبعض الشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه كمالٍ في يد ثالثٍ يتداعاه اثنان ؛ لأنّه لم يثبت لأحدهما يدٌ عليه(١) .

فإن قلنا بالأوّل فإن أقام كلٌّ منهما بيّنةً أو حلفا أو نكلا فهو بينهما ، وإن أقام أحدهما البيّنةَ أو حلف ونكل صاحبه قُضي له.

وإن قلنا بالثاني لو أقام كلٌّ منهما بيّنةً ، فعلى الخلاف في تعارض البيّنتين ، وإن نكلا أو حلفا وُقف المال بينهما.

وسواء قلنا بالوجه الأوّل أو الثاني فإنّ المال يُترك في يد المدّعى عليه إلى أن تنفصل الحكومة بينهما على أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه لا بدّ من وضعه عند أمينٍ ، وهذا أمين لم تظهر منه خيانة ، والثاني : إنّه يُنزع منه ؛ لأنّ مطالبتهما بالردّ تتضمّن عزله(٢) .

وهذان القولان للشافعيّة فيما إذا طلب أحدهما الانتزاعَ والآخَر التركَ ، فأمّا إن اتّفقا على أحد الأمرين فإنّ الحاكم يتبع رأيهما(٣) .

ويمكن أن يكون هذا مبنيّاً على أنّه يجعل المال كأنّه في يدهما ، وإلّا فيتبع الحاكم رأيه.

هذا إذا صدّقاه في النسيان ، وإن كذّباه فيه وادّعى كلّ واحدٍ منهما علمَه بأنّه المالك ، وقالا : إنّك تعلم لـمَن الوديعة منّا ، فالقول قول المستودع مع يمينه ، ويحلف ؛ لأنّه لو أقرّ بها لأحدهما كانت له ، فإذا ادّعي عليه العلم سُمعت دعواه ، ويحلف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٨ - ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢١

فإن حلف ، كفاه يمين واحدة على نفي العلم - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ المدّعى شي‌ء واحد ، وهو علمه بعين المال ، فكفاه يمين واحدة.

وقال أبو حنيفة : يحلف يمينين لكلّ واحدٍ منهما يميناً ، كما لو أنكر أنّها لهما(٢) .

والفرق : إنّه إذا أنكرهما فقد أنكر دعويين ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يدّعي عليه أنّها له ، فهنا دعويان ، فإذا حلف كان كأنّهما صدّقاه.

وهل للحاكم تحليفه على نفي العلم إذا لم يدّعه الخصمان؟ للشافعيّة وجهان(٣) .

ثمّ إذا حلف المدّعى عليه ، فالحكم كما لو صدّقاه في النسيان من أنّه يُقرّ في يده ؛ لأنّه لا فائدة في نقله ، فإنّه مستودع ، ولم تظهر منه خيانة ، أو يُنقل عنه ؛ لأنّه قد اعترف بأنّه لا حقّ له فيها(٤) فيُنقل عنه.

وقال بعضهم : إنّه يُنزع المال منه هنا وإن لم يُنزع هناك ؛ لأنّه خائن عندهما بدعوى النسيان(٥) .

وإن نكل عن اليمين ، رُدّت اليمين عليهما ، فإن نكلا فإمّا أن نقول : يُقسم المال بينهما ، أو يُوقف حتى يصطلحا على الخلاف ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر قُضي بها للحالف.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٢) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ١٩٢ / ١٨٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، المغني ٧ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤) أي : في الوديعة. والظاهر بحسب السياق : « فيه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٢

وإن حلفا ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقسم بينهما ؛ لأنّه في أيديهما - وهو الأصحّ عند الشافعيّة - كما لو أقرّ بها لهما.

والثاني : يُوقف حتى يصطلحا - وبه قال ابن أبي ليلى - لأنّه لا يعلم المالك منهما(١) .

وعلى القول بالقسمة فإنّ المستودع يغرم القيمة ، وتُقسَم بينهما أيضاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما أثبت بيمين الردّ جميعَ العين ولم يحصل له سوى نصفها(٢) .

هذا أشهر ما قاله الشافعيّة فيما إذا نكل المستودع(٣) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يغرم القيمة مع العين إذا حلفا(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّ المستودع إذا نكل لا تُردّ اليمين عليهما ، بل يوقف ؛ بناءً على أنّهما لو حلفا يوقف المال بينهما ، فلا معنى لعرض اليمين(٥) .

وإن قلنا بردّ اليمين ، فالأقرب : إنّ الحاكم يُقدّم مَنْ رأى تقديمه منهما في الحلف.

ويحتمل القرعة بينهما.

وإذا حلفا وقُسّمت العين بينهما والقيمة ، فإن لم ينازع أحدهما الآخَر فلا بحث ، وإن نازع وأقام البيّنة على أنّ جميع العين له سُلّمت إليه ، ورُدّت‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٤٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١ ، المغني ٧ : ٢٩٥ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٢٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١١.

٢٢٣

القيمة على المستودع.

وإن لم تكن بيّنة ونكل صاحبه عن اليمين فحلف واستحقّ العين ، فيردّ نصفَ القيمة الذي أخذه ؛ لأنّه عاد إليه المُبدل ، والناكل لا يردّ ما أخذ ؛ لأنّه استحقّه بيمينه على المستودع ، ولم يعد إليه الـمُبدل ، ونكوله كان مع صاحبه ، لا مع المستودع.

مسألة ٧٠ : لو قال المستودع في الجواب : هذا المال وديعة عندي ولا أدري أهو لكما أو لأحدكما أو لغيركما‌ ، وادّعيا عليه العلمَ ، كان القولُ قولَه مع اليمين ، فإذا حلف على نفي العلم تُرك في يده إلى أن تقوم بيّنة ، وليس لأحدهما تحليف الآخَر ؛ لأنّه لم يثبت لواحدٍ منهما فيه يدٌ ولا استحقاق ، بخلاف الصورة الأُولى.

ولو ادّعى عليه اثنان غصبَ مالٍ في يده ، كلّ واحدٍ منهما يقول : غصبتَه منّي ، فقال : غصبتُه من أحدكما ولا أعرف عينه ، فالقول قوله مع اليمين أيضاً ، فعليه أن يحلف لكلّ واحدٍ منهما على البتّ على أنّه لم يغصب(١) ، فإذا حلف لأحدهما تعيّن المغصوب للثاني ، فلا يحلف له.

مسألة ٧١ : تشتمل على فروع متبدّدة :

لو تعدّى في الوديعة ثمّ بقيت في يده مدّة ، لزمه أُجرة مثلها عن تلك المدّة ؛ لأنّه خرج عن الأمانة ، ودخل في الخيانة من حين التعدّي ، فكان كالغاصب عليه عوض المنافع وإن لم ينتفع.

ولو دخل خاناً فجعل حماره في صحن الخان ، وقال للخاني : احفظه كي لا يخرج ، وكان الخاني ينظر إليه ، فخرج في بعض غفلاته ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قصّر في الحفظ بالغفلة.

وقال القفّال من الشافعيّة : لا يضمن ؛ لأنّه لم يقصّر في الحفظ‌

____________________

(١) الظاهر : « لم يغصب منه » أو « لم يغصبه ».

٢٢٤

المعتاد(١) .

وهو ممنوع.

ولو وقع في خزانة المستودع حريق ، فبادر إلى نقل الأمتعة وقدّم أمتعته على الوديعة ، فاحترقت الوديعة ، لم يضمن ، كما لو لم يكن فيها إلّا ودائع فأخذ في نقلها كلّها فاحترق ما تأخّر نقله.

ولو ادّعى ابن مالك الوديعة أنّ أباه قد مات وأنّ المستودع علم بذلك ، وطلب الوديعة ، فأنكر المستودع ، فللولد تحليفه على نفي العلم ، فإن نكل حلف المدّعي.

ولو مات المالك وطلب الوارث الوديعةَ ، فامتنع المستودع من الدفع إليه ليتفحّص ويبحث هل في التركة وصيّة؟ ففي كونه متعدّياً ضامناً إشكال أقربه ذلك.

ولو وجد لقطةً وعرف مالكها ولم يُخبره حتى تلفت ، ضمن.

وكذا قيّم الصبي والمسجد إذا كان في يده مال فعزل نفسه ولم يُخبر الحاكم حتى تلف المال ، كان ضامناً.

ومَنْ كان قيّماً لصبيٍّ أو مجنونٍ أو سفيهٍ ولم يبع أوراق شجره التي تُقصد بالبيع حتى يمضي وقتها ، كان ضامناً ، أمّا لو أخّر البيع لتوقّع زيادةٍ لم يضمن.

وكذا قيّم المسجد في أشجاره.

ولو دفع إلى رسوله خاتماً علامةً ليمضي إلى وكيله(٢) ويقبض منه شيئاً ، وقال : إذا قبضتَه تردّ الخاتمَ علَيَّ ، فقبض المأمور بقبضه ولم يردّ الخاتم بل وضعه في حرزه ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه قبضه على أنّه يردّه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٢.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « خاتماً ليمضي إلى وكيله علامةً ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٢٥

فإذا لم يردّه كان ضامناً.

ويحتمل عدمه ؛ لأنّه ليس عليه الردّ ولا مئونته ، بل عليه التخلية.

ولو دفع قبالةً إلى غيره وديعةً ففرّط فيها ، ضمن قيمة الكاغذ مكتوباً ، ولا شي‌ء عليه ممّا في القبالة.

وكذا لو أودع إنساناً وثيقةً وقال : لا تردّها إلى زيدٍ حتى يدفع ديناراً ، فردّها قبله ، فعليه قيمة القبالة مكتوبة الكاغذ وأُجرة الورّاق.

مسألة ٧٢ : لو دخل الحمّام فنزع ثيابه وسلّمها إلى الحمّامي ، وجب عليه حفظها ، فإن فرّط ضمن ، وإن لم يفرّط لم يضمن.

وإن لم يسلّم إليه الثياب ، لم يضمن ، سواء احتفظها أو غفل عنها ولم يراعها وكان مستيقظاً ، عند علمائنا ؛ لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ، ولم يأخذه على حفظ الثياب ، ولم يستودع شيئاً ، وصاحبها لم يودعه ثيابه ، وخَلْعُه في المسلخ والحمّامي جالس في مكانه مستيقظاً ليس استيداعاً.

وقد روى من طريق الخاصّة غياث بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام أُتي بصاحب حمّامٍ وُضعت عنده الثياب فضاعت ، فلم يُضمّنه ، وقال : إنّما هو أمين »(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إذا سُرقت الثياب والحمّامي جالس في مكانه مستيقظ ، فلا ضمان عليه ، فإن نام أو قام من مكانه ولا نائب هناك ضمن وإن لم يستحفظه المالك عليها ؛ قضاءً للعادة(٢) .

وهو خطأ ؛ لما تقدّم.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام عن أبيهعليه‌السلام : « إنّ عليّاًعليه‌السلام كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٨ - ٢١٩ / ٩٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣١٣.

٢٢٦

لأنّه إنّما أخذ الجُعْل على الحمّام ولم يأخذه على الثياب »(١) .

مسألة ٧٣ : لو ادّعى صاحب اليد أنّ المال وديعة عنده ، وادّعى المالك الإقراض(٢) ، قُدّم قول المالك مع اليمين‌ ؛ لأنّ المتشبّث يزيل بدعواه ما ثبت عليه من وجوب الضمان بالاستيلاء على مال الغير ، فكان القولُ قولَ المالك.

ولما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً ألف درهم فضاعت ، فقال الرجل : كانت عندي وديعة ، وقال الآخَر : إنّما كانت عليك قرضاً ، قال : « المال لازم له ، إلّا أن يقيم البيّنة أنّها كانت وديعة »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهذا التنازع إنّما تظهر فائدته لو تلف المال ، أو كان غائباً لا يعرفان خبره ، أو لا يتمكّن من دفعه إلى مالكه ، ولو كان باقياً يتمكّن مَنْ هو في يده من تسليمه فلا فائدة فيه.

ولو انعكس الفرض ، فادّعى المالكُ الإيداعَ والقابضُ الإقراضَ ، قُدّم قول المالك ؛ لأنّ المال إن كان باقياً فالأصل استصحاب ملكيّة المالك ، وإن كان تالفاً فالأصل براءة ذمّة القابض ، وقد وافق المالك الأصل.

مسألة ٧٤ : ولا فرق بين الذهب والفضّة وبين غيرهما من الأموال في هذا الحكم‌ ، وهو عدم الضمان مع عدم التفريط ، وثبوته معه ، بخلاف العارية على ما سيأتي ؛ لأنّ الاستئمان لا يستعقب الضمان.

ولما رواه زرارة - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن وديعة الذهب والفضّة ، قال : فقال : « كلّ ما كان من وديعةٍ ولم تكن‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٤ / ٨٦٩.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « الاقتراض ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٨.

٢٢٧

مضمونةً فلا تلزم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فالبضاعة أمانة في يد العامل ؛ لأصالة البراءة ، وحكمها في عدم الضمان مع عدم التفريط حكم الوديعة ؛ للأصل.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان »(٢) .

مسألة ٧٥ : إذا استودع مالاً واتّجر به بغير إذن صاحبه‌ ، فإن كانت التجارة بعين المال فالربح للمالك إن أجاز المعاوضات ، وإلّا بطلت بأسرها ، وإن كانت في الذمّة ونقد مال الوديعة عن دَيْنٍ عليه فالربح للعامل ، وعليه ردّ المال.

وقد روى أبو سيار مسمع عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي كنت استودعت رجلاً مالاً فجحدنيه وحلف لي عليه ، ثمّ إنّه جاءني بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إيّاه ، فقال لي : إنّ هذا مالك فخُذْه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتُها في مالك ، فهي لك مع مالك واجعلني في حلٍّ ، فأخذتُ منه المال وأبيتُ أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي كنت استودعته وأتيت أستطلع رأيك فما ترى؟ قال : فقال : « خُذْ نصف الربح ، وأعطه النصف ، وحلِّه ، إنّ هذا رجل تائب ، والله( يُحِبُّ التَّوّابِينَ ) »(٣) .

وهذه الرواية محمولة على الإرشاد على فعل الأولى بقرينة قوله : « فما ترى؟ » والإمامعليه‌السلام أرشده إلى المعتاد بين الناس من قسمة ربح التجارة نصفين.

مسألة ٧٦ : مَن استودع من اللّصّ مال السرقة ، لم يجز له ردّها عليه ،

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٩ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ / ١ ، الفقيه ٣ : ١٩٣ / ٨٧٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٩ / ٧٩٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩٣.

٢٢٨

بل يردّها على مالكها إن عرفه بعينه ، فإن كان قد مات ردّها على ورثته ، ولو لم يعرف مالكها أبقاها في يده أمانةً إلى أن يظهر المالك ، فإن لم يمكن معرفته كان بمنزلة اللقطة يُعرّفها سنةً ، فإن تعذّر المالك تصدّق بها عنه ، وكان عليه ضمانها ، وإن شاء حفظها لمالكها ؛ لما رواه حفص بن غياث عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ من المسلمين أودعه رجلٌ من اللّصوص دراهم أو متاعاً واللّصّ مسلمٌ هل يردّ عليه؟ قال : « لا يردّه ، فإن أمكنه أن يردّه على صاحبه فَعَل ، وإلّا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيُعرّفها حولاً ، فإن أصاب صاحبها ردّها عليه ، وإلّا تصدّق بها ، فإن جاء بعد ذلك خيّره بين الأجر والغرم ، فإن اختار الأجر فله ، وإن اختار الغرم غرم له ، وكان الأجر له »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإن كان الظالم قد مزج الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز ، لم يجز للمستودع حبسها ، ووجب عليه ردّ الجميع إليه.

ويحتمل عندي ردّ قدر ما يملكه اللّصّ ، واحتفاظ الباقي لمالكه. والقسمة هنا ضروريّة.

ولو خاف من الظالم لو منعها عنه ، جاز له ردّها عليه.

مسألة ٧٧ : يجب ردّ الوديعة إلى مالكها وإن كان كافراً‌ ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (٢) .

وقد روى الفضيل عن الرضاعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجلٍ استودع رجلاً من مواليك مالاً له قيمة ، والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر على أن لا يعطيه شيئاً ، والمستودع رجل خبيث خارجيّ شيطان ، فلم أدع شيئاً ، فقال : « قل له : يردّ عليه ، فإنّه ائتمنه عليه بأمانة الله » قلت : فرجل‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ - ١٨١ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ / ٤٤٠.

(٢) النساء : ٥٨.

٢٢٩

اشترى من امرأةٍ من بعض العبّاسيّين بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً : قد قبضت المال ، ولم تقبضه ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : « يمنعها أشدّ المنع ، فإنّما باعته ما لم تملكه »(١) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨١ / ٧٩٥.

٢٣٠

٢٣١

المقصد الثاني : في العارية‌

وفيه فصلان :

الأوّل : الماهيّة والأركان‌

فهنا بحثان :

الأوّل : الماهيّة.

العاريّة - بتشديد الياء - عقد شُرّع لإباحة الانتفاع بعينٍ من أعيان المال على جهة التبرّع. وشُدّدت الياء كأنّها منسوبة إلى العار ؛ لأنّ طلبها عار ، قاله صاحب الصحاح(١) .

وقال غيره : منسوبة إلى العارة ، وهي مصدر ، يقال : أعار يعير إعارةً وعارةً ، كما يقال : أجاب إجابةً وجابةً ، وأطاق إطاقةً وطاقةً(٢) .

وقيل : إنّها مأخوذة من « عار يعير » إذا جاء وذهب ، ومنه قيل للبطّال : العيّار ؛ لتردّده في بطالته ، فسُمّيت عاريةً ؛ لتحوّلها من يدٍ إلى يدٍ(٣) .

وقيل : إنّها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو أن يتداول القوم الشي‌ء بينهم(٤) .

وقال الخطّابي في غريبه : إنّ اللغة العالية : العاريّة ، وقد تُخفّف(٥) .

____________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٦١ « عور ».

(٢) كما في « الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي » المطبوع في مقدّمة « الحاوي الكبير » : ٣٠٠.

(٣) قاله الأزهري في الزاهر : ٣٠٠ ، وراجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والمغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨.

(٥) إصلاح الغلط - للخطّابي - : ٤٦ - ٤٧ / ٣٤ ، وحكاه عن غريبه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦٨ ، والنووي في روضة الطالبين ٤ : ٧٠.

٢٣٢

مسألة ٧٨ : العارية سائغة بالنصّ والإجماع.

أمّا النصّ : فالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) (١) والعارية من جملة البرّ.

وقال تعالى :( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (٢) قال أبو عبيدة(٣) : الماعون اسم لكلّ منفعةٍ وعطيّةٍ ، وأنشد فيه :

بأجود منه بماعونه

إذا ما سماؤهم لا تغم(٤)

وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنّهما قالا : الماعون العواريّ(٥) .

وفسَّر ذلك ابن مسعود فقال : ذلك القِدْر والدلو والميزان(٦) .

وروي عن عليٍّعليه‌السلام و [ ابن ](٧) عمر أنّهما قالا : الماعون : الزكاة(٨) .

وأمّا السنّة : فما رواه العامّة عن أبي أُمامة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في‌

____________________

(١) المائدة : ٢.

(٢) الماعون : ٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أبو عبيد ». وما أثبتناه من المصدر.

(٤) مجاز القرآن ٢ : ٣١٣ ، والبيت للأعشى ، راجع ديوانه : ٨٩ / ٣٩.

(٥) جامع البيان ٣٠ : ٢٠٤ - ٢٠٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٦) المحلّى ٩ : ١٦٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٨) النكت والعيون ٦ : ٣٥٢ ، المحرّر الوجيز ١٦ : ٣٧١ ، معالم التنزيل ٥ : ٦٣٣ ، زاد المسير ٩ : ٢٤٦ ، جامع البيان ٣٠ : ٢٠٣ ، التفسير الكبير ٣٢ : ١١٥ ، تفسير السمرقندي ( بحر العلوم ) ٣ : ٥١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٢٠ : ٢١٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ٣ : ٤٧٥ ، الحاوي الكبير ٧ : ١١٦ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، البيان ٦ : ٤٥٠.

٢٣٣

خطبته عام حجّة الوداع : « العارية مؤدّاة ، والمِنْحة مردودة ، والدَّيْن مقضيّ ، والزعيم غارم »(١) .

وعن أُميّة بن صفوان(٢) أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استعار منه يوم خيبر(٣) أدراعاً(٤) ، فقال : أغصباً يا محمّد؟ قال : « بل عارية مضمونة مؤدّاة »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة ، فاستعار منه سبعين درعاً بأطراقها(٦) ، قال : فقال : غصباً يا محمّد؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة »(٧) .

وعن سلمة عن الصادق عن الباقرعليهما‌السلام قال : « جاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صفوان بن أُميّة فسأله سلاحاً ثمانين درعاً ، فقال له صفوان : عارية مضمونة أو غصباً؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بل عارية مضمونة ، فقال : نعم »(٨) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ - ٢٩٧ / ٣٥٦٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٤٣٣ / ٢١٢٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٤١ / ١٦٦ ، سنن سعيد بن منصور ١ : ١٢٥ - ١٢٦ / ٤٢٧ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٨ / ٢١٧٩١ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ١٨١ / ١٤٧٩٦ ، و ٩ : ٤٨ - ٤٩ / ١٦٣٠٨ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٨ : ١٥٩ - ١٦٠ / ٧٦١٥.

(٢) في المصادر زيادة : « عن أبيه ».

(٣) فيما عدا مسند أحمد من المصادر : « حنين » بدل « خيبر ».

(٤) في « ث ، خ ، ر » : « أدرعاً » وكذا في بعض المصادر.

(٥) البيان ٦ : ٤٥١ ، وفي مسند أحمد ٤ : ٤٠٠ / ١٤٨٧٨ ، وسنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦٢ ، وسنن البيهقي ٦ : ٨٩ ، والمستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٧ بدون كلمة « مؤدّاة ».

(٦) واحدتها : الطراق ، وهي البيضة التي توضع على الرأس. القاموس المحيط ٣ : ٢٥٧ « طرق ».

(٧) الكافي ٥ : ٢٤٠ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ / ٨٠٣.

(٨) التهذيب ٧ : ١٨٢ / ٨٠٢.

٢٣٤

وأمّا الإجماع : فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها والترغيب فيها ، ولأنّه لـمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع ، ولذلك صحّت الوصيّة بالأعيان والمنافع جميعاً.

مسألة ٧٩ : العارية مستحبّة مندوب إليها مرغّب فيها‌ ؛ لأنّ اقتران المانع منها في الآية مع المرائي في صلاته(١) يدلّ على شدّة الحثّ عليها والتزهيد في منعها والترغيب في فعلها ، ولأنّها من البرّ وقد أمر الله تعالى بالمعاونة فيه(٢) .

وليست واجبةً في قول أكثر أهل العلم(٣) ؛ للأصل.

ولقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا أدّيتَ زكاة مالك فقد قضيتَ ما عليك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة »(٥) .

وسأله الأعرابي فقال له : ما ذا افترض الله علَيَّ من الصدقة؟ قال : « الزكاة » قال : هل علَيَّ غيرها؟ قال : « لا ، إلّا أن تتطوّع »(٦) .

وقيل : إنّها واجبة ؛ للآية(٧) ، ولما رواه أبو هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من صاحب إبلٍ لا يؤدّي حقّها » الحديث ، قيل : يا رسول الله وما حقّها؟ قال : « إعارة دلوها ، وإطراق فحلها ، ومنحة لبنها يوم وردها »(٨)

____________________

(١) الماعون : ٦ و ٧.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٨ ، سنن الترمذي ٣ : ١٤ / ٦١٨.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ / ١٧٨٩.

(٦) صحيح البخاري ١ : ١٨ ، و ٣ : ٢٣٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤١ / ١١ ، سنن أبي داوُد ١ : ١٠٦ / ٣٩١ ، سنن النسائي ١ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

(٧) الماعون : ٧.

(٨) المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

٢٣٥

فذمّ الله تعالى مانعَ العارية ، وتوعّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما ذكره في خبره(١) .

والجواب : المراد زيادة الترغيب ، على أنّ قول عليٍّعليه‌السلام حجّة في تفسيره الماعونَ بالزكاة(٢) ، ولا ريب في وجوبها.

ولو حملناها على العارية ، فالتوعّد إنّما وقع على الثلاث ، قال عكرمة : إذا جمع ثلاثتها فله الويل : إذا سها عن الصلاة ، وراءى ، ومنع الماعون(٣) .

البحث الثاني : في الأركان.

وهي أربعة :

الأوّل : الـمُعير‌.

وله شرطان : ملكيّة المنفعة ، وأهليّة التصرّف التبرّعيّة ، فلا تصحّ إعارة الغاصب للعين ؛ لأنّه منهيّ عن التصرّف في الغصب ، والإعارة تصرّف.

ولا فرق بين أن يكون غاصباً للعين أو للمنفعة في أنّه يحرم عليه إعارتها ، ولا يباح للمُستعير التصرّف ، فإن علم وتصرّف كان مأثوماً ضامناً للعين والمنفعة بلا خلاف.

ولا يشترط ملكيّة العين في الـمُعير ، بل ملكيّة المنفعة ، فلو استأجر عيناً جاز له أن يعيرها لغيره ، إلّا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه ، فيحرم عليه حينئذٍ الإعارة ، ولو لم يشرطه جاز ؛ لأنّه مالك للمنفعة ، ولهذا يجوز أخذ العوض عنها بعقد الإجارة.

____________________

(١) كما في المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٤.

(٢) راجع الهامش (٨) من ص ٢٣٢.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ١ : ٢٦٩ / ٤٣٧ ، الوسيط - للواحدي - ٤ : ٥٥٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٣٥٥.

٢٣٦

وكذا الموصى له بخدمة العبد وسكنى الدار يجوز لهما أن يعيراهما.

مسألة ٨٠ : وليس للمُستعير أن يعير‌ - وبه قال أحمد بن حنبل والشافعيّة في أصحّ الوجهين(١) - لأنّ الأصل عصمة مال الغير وصيانته عن التصرّف ، فلا يباح للمُستعير الثاني إلّا بدليلٍ ولم يثبت ، ولأنّه غير مالكٍ للمنفعة ، ولهذا لا يجوز له أن يؤجّر ، وإنّما أُبيح له الانتفاع ، والمستبيح لا يملك نقل الإباحة إلى غيره ، كالضيف الذي أُبيح له الطعام ليس له أن يُبيحه لغيره.

وقال أبو حنيفة : يجوز للمُستعير أن يعير - وهو الوجه الآخَر للشافعيّة - لأنّه تجوز إجارة المستأجر للعين ، فكذا يجوز للمُستعير أن يعير ؛ لأنّه تمليك على حسب ما مَلَك(٢) .

والفرق : إنّ المستأجر مَلَك بعقد الإجارة الانتفاعَ على كلّ وجهٍ ، فلهذا مَلَك أن يملكها ، وأمّا في العارية فإنّه مَلَك المنفعة على وجه ما أُذن له ، فلا يستوفيه بغيره ، فافترقا.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٢١٤ ، المغني ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٢١٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٢١ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٢٧ ، التنبيه : ١١٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٧١ ، بحر المذهب ٩ : ١٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٣ ، الوسيط ٣ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٩٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨١ ، البيان ٦ : ٤٦١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٧١ ، المغني ٥ : ٣٦٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٦٨ - ٣٦٩.

٢٣٧

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز للمُستعير أن يستوفي المنفعة بنفسه وبوكيله ، ولا يكون ذلك إعارةً للوكيل إذا لم تعد المنفعة إليه.

مسألة ٨١ : وشرطنا في الـمُعير جواز التصرّف ، فلا بدّ وأن يكون بالغاً عاقلاً جائز التصرّف‌ ، فلا تصحّ عارية الصبي ؛ لأنّه ممنوع من التصرّفات التي من جملتها الإعارة ، ولا عارية المجنون ، ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس ؛ لأنّ هؤلاء بأسرهم ممنوعون من التبرّعات ، والإعارة تبرّع.

وكذا ليس للمُحْرم إعارة الصيد ؛ لأنّه ممنوع من التصرّف فيه ، بل وليس مالكاً له عند الأكثر.

ولو أسلم عبد الكافر تحت يده ، وجب بيعه من المسلمين ، فيجوز للكافر إعارته للمسلم مدّة المساومة.

وكذا لو ورث أو مَلَك - إن قلنا بصحّة البيع - مصحفاً.

الركن الثاني : الـمُستعير.

وشرطه أن يكون معيّناً أهلاً للتبرّع عليه بعقدٍ يشتمل على إيجابٍ وقبولٍ ، فلو أعار أحد هذين ، أو أحد هؤلاء ، لم يصح ؛ لعدم التعيين ، وكلّ واحدٍ لا يتعيّن للإعارة ؛ لصلاحيّة الآخَر لها ، واستباحة منافع الغير لا تكون إلّا بوجهٍ شرعيّ ؛ لأنّ الأصل تحريم منافع الغير على غيره إلّا بإذنه ، ولم يثبت.

ولو عمّم الـمُستعير ، جاز ، سواء كان التعميم في عددٍ محصور ، كقوله : أعرتُ هذا الكتاب لهؤلاء العشرة ، أو في عددٍ غير محصورٍ ، كقوله : لكلّ الناس ، ولأيّ أحدٍ من أشخاص الناس ، أو : لمن دخل الدار.

وبالجملة ، الكلّيّ معيّن وإن لم يكن عامّاً ك‍ « أيّ رجل » و « أيّ داخل ». و « أحد الشخصين » مجهول.

٢٣٨

مسألة ٨٢ : شرطنا أن يكون أهلاً للتبرّع عليه‌ ؛ لأنّ من الأعيان ما لا يجوز لبعض الأشخاص الانتفاع بها ، فلا تجوز إعارتها لهم ، وذلك مثل الكافر يستعير عبداً مسلماً ، أو أمةً مسلمةً على إشكالٍ ينشأ : من جواز إعارتهم ، ومن السلطنة عليهم والتسلّط وإثبات السبيل ، وقد نفاه الله تعالى بقوله :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) بخلاف استئجاره الذي هو في مقابلة عوضٍ.

والأقرب : الكراهة.

وكذا لا يجوز للكافر استعارة المصحف من المسلم وغيره ؛ تكرمةً للكتاب العزيز ، وصيانةً عمّن لا يرى له حرمةً.

وأمّا استعارة أحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأحاديث أهل بيته الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام فإنّها مبنيّة على جواز شرائهم لها ، فإن منعناه منعنا من الإعارة ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٣ : لا يحلّ للمُحْرم استعارة الصيد من الـمُحْرم ، ولا من الـمُحلّ ؛ لأنّه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله ، وضمن للمالك قيمته. ولو تلف في يده ضمنه أيضاً بالقيمة لصاحبه الـمُحلّ ، وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرّد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو دفعه إلى صاحبه برئ منه ، وضمن لله تعالى.

ولو استعار الـمُحْرم صيداً من مُحْرمٍ ، وجب على كلّ واحدٍ منهما الفداء لو تلف.

ولو كان الصيد في يد مُحْرمٍ فاستعاره الـمُحلّ ، فإن قلنا : الـمُحْرم يزول ملكه عن الصيد ، فلا قيمة له على الـمُحلّ ؛ لأنّه أعاره ما ليس ملكاً‌

____________________

(١) النساء : ١٤١.

٢٣٩

له ، وعلى الـمُحْرم الجزاء لو تلف في يد الـمُحلّ ؛ لتعدّيه بالإعارة ، فإنّه كان يجب عليه الإرسال.

وإن قلنا : لا يزول ، صحّت الإعارة ، وعلى الـمُحلّ القيمة لو تلف الصيد عنده.

ولو تلف الصيد عند الـمُحلّ الـمُستعير من الـمُحْرم ، لم يضمنه الـمُحلّ ؛ لزوال ملك الـمُحْرم عنه بالإحرام ، وعلى الـمُحْرم الضمان ؛ لأنّه تعدّى بالإعارة لما يجب إرساله.

مسألة ٨٤ : الـمُستعير هو المنتفع قوّةً أو فعلاً بالعين المستحقّة للغير بإذنٍ منه بغير عوضٍ.

وقال بعض الشافعيّة : الـمُستعير كلّ طالبٍ أخذ المال لغرض نفسه من غير استحقاقٍ(١) .

وزاد بعضهم ، فقال : من غير استحقاقٍ وتملّكٍ(٢) .

وقصد بهذه الزيادة الاحترازَ عن المستقرض ، وقصد بنفي الاستحقاق الاحترازَ عن المستأجر.

واعتُرض عليه بوجهين :

الأوّل : ينتقض بالمستام والغاصب.

الثاني : التعرّض لكونه طالباً غير جيّدٍ ؛ للاستغناء عنه ، إذ لا فرق بين أن يلتمس الـمُستعير العارية ، وبين أن يبتدئ الـمُعير بها ، ولا تجوز الزيادة في الحدود(٣) .

____________________

(١) الغزالي في الوجيز ١ : ٢٠٤ ، والوسيط ٣ : ٣٧١.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463