فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء ٢

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة0%

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
الصفحات: 465

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف:

الصفحات: 465
المشاهدات: 124766
تحميل: 5209


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 465 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124766 / تحميل: 5209
الحجم الحجم الحجم
فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة

فضائل الخمسة من الصحّاح الستّة الجزء 2

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

الطبعة الرابعة

جميع الحقوق محفوظة للناشر

١٤٠٢ هـ ـ ١٩٨٢ م

٥
٦

ب سْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ

الحمد للّٰه رب العالمين والصلوة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمّد خاتم النبيين وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة على اعدائهم ومعادي اوليائهم وموالي اعدائهم اجمعين من الان الى يوم الدين.

(أما بعد) فهذا هو الجزء الثانى من كتابنا الموسوم (بفضائل الخمسة من الصحاح الستة) نقدمه الى القراء الكرام راجين منهم ان يمنوا علينا بملاحظاتهم حوله وان ينبهونا على مواقع الزلل والخطاء فان المرء عرضة للخطاء والنسيان ، وقديماً قيل : «إنّ من ألف استهدف» ومن اللّه نستمد التوفيق وهو المعين.

المؤلف

٧
٨

باب

في قول النبي (ص) : علي وليكم من بعدي

[صحيح الترمذي ج ٢ ص ٢٩٧] روى بسنده عن عمران بن حصين قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم جيشاً واستعمل عليهم على ابن أبي طالب عليه السلام فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فقالوا : إذا لقينا رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم أخبرناه بما صنع علي ، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدؤا برسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على النبى صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، فقام أحد الاربعة فقال : يا رسول اللّه ألم تر إلى علي بن أبى طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، ثم قام الثانى فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال : ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن علياً منى وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدى.

[أقول] ورواه أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده (ج ٤ ص ٤٣٧)

٩

باختلاف يسير في اللفظ ، وقال فيه : فقال : دعوا علياً دعوا علياً دعوا علياً إن عليا وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدى ، ورواه أبو داود الطيالسى أيضاً في مسنده (ج ٣ ص ١١١) باختلاف يسير في اللفظ ، وقال فيه : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : ما لهم ولعلي؟ إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدى ، ورواه أبو نعيم أيضاً في حليته (ج ٦ ص ٢٩٤) والنسائى أيضاً في خصائصه مختصراً (ص ١٩ وص ٢٣) وقال فيه : والغضب يبصر في وجهه فقال : ما تريدون من علي؟ إن عليا منى وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي ، وذكره المحب الطبري أيضاً في الرياض النضرة (ج ٢ ص ١٧١) وقال : خرجه الترمذي وأبو حاتم وخرجه أحمد ، وأورده المتقى أيضاً في كنز العمال (ج ٦ ص ١٥٤) بطريقين وقال : أخرجه ابن أبي شيبة (وفى ص ٣٩٩) وقال : أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير وصححه.

[مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥ ص ٣٥٦] روى بسنده عن بريدة قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بعثتين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب عليه السلام وعلى الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعلىّ على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده ، قال : فلقينا بنى زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين ، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية ، فاصطفى على عليه السلام امرأة من السبى لنفسه ، قال بريدة : فكتب معى خالد بن الوليد إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم يخبره بذلك ، فلما أتيت النبى صلى اللّه عليه (وآله) وسلم دفعت الكتاب فقريء عليه ، فرأيت الغضب في وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، فقلت : يا رسول اللّه هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتنى أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : لا تقع في علي فإنه منى وأنا منه وهو وليكم بعدي ، وإنه منى وأنا منه ، وهو وليكم بعدى.

[أقول] ورواه النسائى أيضاً في خصائصه باختلاف يسير (ص ٢٤)

١٠

والهيثمى أيضاً في مجمع الزوائد (ج ٩ ص ١٢٧) وقال : رواه أحمد والبزار باختصار ، والمتقى أيضاً في كنز العمال (ج ٦ ص ١٥٤) مختصراً ، وقال :
أخرجه ابن أبي شيبة (وص ١٥٥) وقال : أخرجه الديلمى عن على عليه السلام وأورده المناوى أيضاً في كنوز الحقائق (ص ١٨٦) وقال : أخرجه الديلمى ولفظه : إن علياً وليكم من بعدي.

[الهيثمي في مجمعه ج ٩ ص ١٢٨] قال : وعن بريدة قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم علياً عليه السلام أميراً على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل فقال : إن اجتمعتما فعلي على الناس ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ على عليه السلام جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها فاخبر النبى صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ما صنع ، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم في منزله وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة؟ فقلت : خيراً فتح اللّه على المسلمين فقالوا : ما أقدمك؟ قلت : جارية أخذها علي من الخمس فجئت لأخبر النبى صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فقالوا : فاخبر النبى فانه يسقط من عين النبى ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم يسمع الكلام ، فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون علياً؟ من تنقص علياً فقد تنقصني ، ومن فارق علياً فقد فارقني ، إن علياً مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة ابراهيم وأنا أفضل من ابراهيم (ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَاَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التى أخذ وأنه وليكم بعدى؟ فقلت : يا رسول اللّه بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديداً ، قال : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام (قال) رواه الطبرانى في الأوسط.

[مسند أبي داود الطيالسى ج ١١ ص ٣٦٠] روى بسنده عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم قال لعلي عليه السلام : أنت ولي كل مؤمن بعدى.

[تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج ٤ ص ٣٣٩] روى بسنده عن علي

١١

ابن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : سألت اللّه فيك خمساً فأعطاني أربعاً ومنعني واحدة ، سألته فأعطانى فيك أنك أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ، وأنت معى ، معك لواء الحمد ، وأنت تحمله ، وأعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدى.

[أقول] وذكره المتقى أيضاً في كنز العمال(ج ٦ ص ٣٩٦) وقال : أخرجه ابن الجوزى ، وذكره أيضاً (في ج ٦ ص ١٥٩) وقال : أخرجه الخطيب والرافعى عن على عليه السلام.

[كنز العمال ج ٦ ص ٤٠١] قال : عن على عليه السلام لما نزلت هذه الآية :( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ ) دعا ـ أي النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ـ بنى عبد المطلب وصنع لهم طعاماً ليس بالكثير فقال : كلوا بسم اللّه من جوانبها فان البركة تنزل من ذروتها ، ووضع يده أولهم فأكاوا حتى شبعوا ثم دعا بقدح فشرب أولهم ثم سقاهم فشربوا حتى رووا ، فقال أبو لهب : لقدما سحركم ، وقال ـ أي النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ـ : يا بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجىء به احد قط ، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه وإلى اللّه ، وإلى كتابه ، فنفروا وتفرقوا ، ثم دعاهم الثانية على مثلها فقال أبو لهب كما قال في المرة الأولى ، فدعاهم ففعلوا مثل ذلك ، ثم قال لهم ـ ومدّ يده ـ من يبايعنى على أن يكون أخى وصاحبى ووليكم من بعدى ، فمددت يدى وقلت : أنا أبايعك ـ وأنا يومئذ أصغر القوم ـ فبايعني على ذلك ، قال : وذلك الطعام أنا صنعته (قال) أخرجه ابن مردويه.

[الرياض النضرة ج ٢ ص ٢٠٣] قال : عن عمرو بن ميمون قال : إنى لجالس عند ابن عباس إذ أتاه سبعة رهط فقالوا : يابن عباس ، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو من هؤلاء ، قال : بل أقوم معكم ـ وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ـ قال : فانتدوا يتحدثون فلا أدري ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف وقعوا في رجل له عشر ، وساق الحديث في فضل على عليه السلام (إلى أن قال) وقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : أنت ولي كل مؤمن بعدي (الحديث) قال : أخرجه بتمامه أحمد والحافظ أبو

١٢

القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال ، قال : وأخرج النسائي بعضه.

[أقول] وذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه (ج ٩ ص ١١٩) وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار ، وقد تقدم ذكر هذا الحديث بتمامه في باب آية التطهير ، فراجع.

[أُسد الغابة لابن الأثير ج ٥ ص ٩٤] في ترجمة وهب بن حمزة قال : روى حديثه يوسف بن صهيب عن ركين عن وهب بن حمزة قال : صحبت علياً عليه السلام من المدينة إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره فقلت : لئن رجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم لاشكونك اليه ، فلما قدمت لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال : لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدى.

(أقول) وذكره المناوى أيضاً في فيض القدير في الشرح (ص ٣٥٧) وقال فيه : أخرج الطبرانى (إلى أن قال) : لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدى ، وذكره الهيثمى أيضاً في مجمعه (ج ٩ ص ١٠٩) وقال أيضاً : فهو أولى الناس بكم بعدي ، وقال : رواه الطبراني ، وذكره ابن حجر أيضاً في إصابته (ج ٦ القسم ١ ص ٣٢٥) وقال : لا تقولن هذا لعلى فانه وليكم بعدى وأورده المتقي أيضاً في كنز العمال (ج ٦ ص ١٥٥) وقال : لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي ـ يعني علياً عليه السلام ـ ثم قال : أخرجه الطبراني عن وهب بن حمزة.

١٣

باب

في الاستدلال بحديث (علي وليكم من بعدي)

على خلافة علي عليه السلام بعد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بلا فصل

] أقول] قول النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : (علي وليكم من بعدي) الذى قد عرفت جملة من طرقة في الباب السابق هو من الأدلة القوية والنصوص الجلية على خلافة على عليه السلام من بعد النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بلا فصل ، والاستدلال به يتوقف على بيان السند والدلالة جميعاً.

] اما السند] فقد رواه جمع من أعاظم الصحابة كعلي عليه السلام وابن عباس ، وعمران بن حصين ووهب بن حمزة ، وبريدة الأسلمي ، وإنه قد خرجه كما تقدم وعرفت جمع من أئمة الحديث كالترمذي في صحيحه والنسائى صاحب الصحيح في خصائصه ، والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وأبى داود الطيالسى في مسنده وهو من مشايخ البخارى ، وأبى نعيم في حليته والخطيب البغدادى في تاريخه ، وأبى حاتم ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير الطبري ، والبزار ، والطبرانى ، وابن الجوزى ، والرافعى ، وابن مردويه والحافظ أبي القاسم الدمشقى في الموافقات وفى الأربعين الطوال ، ويوسف ابن صهيب ، والديلمى وغيرهم ممن لم اظفر به في هذه العجالة.

١٤

(هذا) وقد ذكر المحب الطبري في الرياض النضرة (ج ١ ص ١٥٢) جملة من الأحاديث التي قد تمسك بها الشيعة لخلافة علي عليه السلام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بلا فصل ، فذكر حديث المنزلة وحديث الغدير ، ثم قال : ومنها ـ وهو أقواها سنداً ومتناً ـ حديث عمران بن حصين إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي (إلى أن قال) وحديث بريدة لا تقع في علي فانه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي.

] أقول] إن المحب الطبري وإن بالغ في حديث عمران وبريدة فجعلهما أقوى سنداً ومتناً من أحاديث المنزلة وأحاديث الغدير ، ولكن مع ذلك كله كلامه لا يخلو عن شهادة بقوة سندهما ومتنهما جداً ، هذا كله حال السند.

] واما الدلالة] فهي ظاهرة جداً بعد ملاحظة القرينة اللفظية المتصلة بالحديث الشريف وهي كلمة من بعدي ، وتوضيحه : إن للفظ الوالي في اللغة معاني متعددة كالمحب والصديق والناصر والجار والحليف وغير ذلك ، ومن أظهر معانيه وأشهرها هو مالك الأمر فكل من ملك أمر غيره بحيث كان له التصرف في أموره وشئونه فهو وليه ، فالسلطان ولي الرعية أى يملك أمرهم وله التصرف في أمورهم وشئونهم والأب أو الجد ولي الصبى أو المجنون أي يملك أمره وله التصرف في أموره وشؤونه ، وهكذا ولي المرأة في نكاحها أو ولي الدم أو الميت ، (وقد يقال) إن الولي قد جاء بمعنى الأولى بالتصرف فالسلطان ولي الرعية والأب أو الجد ولي الصبى أو المجنون ، وهكذا إلى غيرها من الأمثلة يكون بهذا المعنى أي أولى بالتصرف ، ويؤيده في المقام ورود بعض أخبار الباب كما تقدم بلفظ قوله : فهو أولى الناس بكم بعدي (كما قد يقال) إن الولي قد جاء بمعنى المتصرف فالسلطان مثلاً ولي الرعية يكون بهذا المعنى أي هو المتصرف في أمورهم وهكذا ولي الصبي وغيره ، وعلى كل حال إن الولي بما له من المعنى المعروف الظاهر المشهور ـ سواء عبرنا عنه بمالك الأمر أو بالأولى بالتصرف أو بالمتصرف ـ لا يكاد يطلق إلا على كل من له تسلط وتفوق على غيره وكان له التصرف في أموره وشؤونه ، ثم من المعلوم أن إرادة

١٥

الجار أو الحليف أو ما أشبه ذلك من لفظ الولي في الحديث الشريف مما لا يناسب المقام ، بل مما لا محصل له أصلاً ـ كما قدمنا ـ فيبقى المحب والصديق والناصر ومالك الأمر أو الأولى بالتصرف أو المتصرف على اختلاف التعابير في المعنى الأخير ، كما أن من المعلوم أن لفظة (من بعدي) مما ينافي إرادة المحب أو الصديق أو الناصر ، إذ كونه عليه السلام محباً للمسلمين أو صديقاً أو ناصراً لهم مما لا ينحصر بما بعد زمان النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بل هو عليه السلام كان كذلك في زمان النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فإذا ينحصر المراد من الولي في الحديث الشريف بالمعنى الأخير وهو مالك الأمر أو الأولى بالتصرف أو المتصرف في أمور المسلمين وفى شئونهم ، وذلك لما فيه من المناسبة الشديدة مع كلمة من بعدي فيتعين هو من بين سائر المعانى وهو معنى الإمام والخليفة كما هو واضح لمن أنصف.

(ثم إن بعض علماء السنة) قد أورد على الاستدلال بالحديث الشريف بأمور ضعيفة :

] منها] ما ملخصه : إنا نقول : إن علياً عليه السلام هو مالك الأمر أو الأولى بالتصرف في أمور المسلمين ، أو هو المتصرف في شؤونهم ولكن بعد عثمان ، ولعمري إن هذا غريب جداً فان ظاهر قوله صلى اللّه عليه (وآله) وسلم : إن علياً وليكم من بعدي ـ بحيث يفهمه أهل العرف واللسان ـ هو أنه وليكم من بعدي بلا فصل لا من بعد مماتي وممات أبي بكر وعمر وعثمان فان هذا المعنى البعيد لا يصار اليه إلا بدليل قاطع من النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ولا دليل قطعا ، مضافاً إلى أن هذا الحديث الشريف لو سلم كونه من النصوص الدالة على خلافة علي عليه السلام كما هو مفروض الخصم في هذا الإيراد الأول لبطلت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ووجه البطلان هو أن خلافة هؤلاء الثلاثة باعتراف من قال بخلافتهم لم تكن بنص من النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بل كان باجماع الأمة ، كما زعموا في أبي بكر وبتنصيص أبي

١٦

بكر ، كما في خلافة عمر ، وبرأى عبد الرحمن بن عوف الذى هو أحد الستة في الشورى ، كما في خلافة عثمان ، ومن المعلوم أن إجماع الأمة أو تنصيص أبي بكر أو رأي أهل الشورى إنما ينفع ـ على القول به ـ إذا لم يكن هناك نص من النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم على شخص مخصوص وإلا فلا ينفع ذلك ، وعليه فاذا ثبت التنصيص من النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم كما اعترف به الخصم في هذا الإيراد على شخص مخصوص فالاجماع وتنصيص أبي بكر ورأي عبد الرحمن بن عوف كل ذلك باطل جداً كما هو واضح.

] ومنها [إن الحديث الشريف مما يجب حمله على كونه عليه السلام ولي المسلمين من بعد النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم مع الفصل لا بلا فصل وذلك لوجهين (أحدهما) إن النبی صلى اللّه عليه (وآله) وسلم قد أخبر بكون علي عليه السلام ولي المسلمين من بعده ولم يقع بعده بلا فصل فيجب حمله على كونه ولياً من بعده مع الفصل كي لا يلزم كذب النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم (ثانيهما) إنه لو حملناه على كونه عليه السلام وليا من بعد النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم بلا فصل لزم من ذلك مفسدة عظيمة وهى نسبة الأمة إلى الاجتماع على الضلالة واعتقاد خطأ جل الصحابة على تولية أبي بكر ولعمرى إن هذا الإيراد أضعف من سابقه ، إذ النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم لم يخبر عن الولاية المجعولة لعلي عليه السلام من قبل الخلق كي يلزم كذب النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم لو حملنا الحديث على من بعده بلا فصل ، بل هو قد أخبر عن ولايته الواقعية التي هي منصب إلهى ومقام ربانى لا تدور مدار اجتماع الأمة عليه وتفرقهم عنه ، ولذا لو لم يكونوا قد بايعوه حتى بعد أبي بكر وعمر وعثمان لم يلزم كذب النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، وأما دعوى أنه يلزم حينئذ تخطئة جل الأصحاب الذين بايعوا أبا بكر ، فقد مضى الجواب عنها مفصلاً في باب الاستدلال بحديث الغدير ، (فراجع ف ي اواخر الجزء الأول ).

] ومنها [إنه لم لا يجوز أن يكون المراد من الولي في الحديث الشريف هو المحب أي هو محبكم من بعدي ويكون المراد من بعدي هي البعدية في الرتبة لا من بعد وفاته صلى اللّه عليه (وآله) وسلم ، أي أنا المتقدم في محبة المسلمين ثم

١٧

علي عليه السلام من بعدي في الدرجة الثانية ، ويرده أن من له أدنى معرفة يتضح له أن هذا الإيراد أضعف من الكل ، إذ لا إشكال في أن الحديث الشريف مما له معنى ظاهر عرفي يفهمه كل أحد من أهل العرف واللسان ؛ فهو وليكم من بعدي أي من بعد وفاتي ، ومع وجود هذا المعنى الظاهر الذى يفهمه أهل العرف واللسان لا وجه لرفع اليد عنه والأخذ بالاحتمال البعيد الذي لم يحتمله إلا بعضهم تعصباً وعناداً ، ولعمري إن مثل هذه الاحتمالات الواهية في قبال ما للحديث الشريف من المعنى الظاهر الواضح ليس إلا من قبيل حركة المذبوح أو تشبث الغريق بكل حشيش ، واللّه الهادي لمن يشاء إلى سواء السبيل.

١٨

باب

انّ قوله تعالى : إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ

وَاَلَّذِينَ آمَنُوا (الخ) نزلت في علي عليه السّلام

] الفخر الرازي في تفسيره الكبير [ فى سورة المائدة ، في ذيل تفسير قوله تعالى :( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَيُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَهُمْ رٰاكِعُونَ ) (قال) وروى عن أبي ذر رضي اللّه عنه أنه قال : صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد أنى سألت في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه (وآله) وسلم فما أعطانى أحد شيئاً وعلي عليه السلام كان راكعاً فأومأ اليه بخنصره اليمنى ـ وكان فيها خاتم ـ فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم فقال : اللهم إن أخى موسى عليه السلام سألك فقال : رَبِّ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي (إلى قوله) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فأنزلت قرآنا ناطقا ، سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ف‍ اِشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي عليا اُشْدُدْ بِهِ ظهري ، قال أبو ذر : فو اللّه ما أتم رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ : إنما وليكم اللّه ورسوله إلى آخرها (أقول)

١٩

وذكره الشبلنجي أيضاً في نور الأبصار (ص ١٧٠) وقال : نقله أبو اسحاق أحمد الثعلبي في تفسيره.

[الزمخشري في الكشاف] في تفسير قوله تعالى :( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاٰةَ وَيُؤْتُونَ اَلزَّكٰاةَ وَهُمْ رٰاكِعُونَ ) في سورة المائدة ، قال ما لفظه : وقيل : هو حال ـ أي لفظ وهم راكعون ـ من (يؤتون الزكاة) بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة وأنها نزلت في علي عليه السلام حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته (قال) فان قلت : كيف صح أن يكون لعلي عليه السلام واللفظ لفظ جماعة (قلت) جىء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ (أقول) وقال أبو السعود والبيضاوي في تفسير الآية الشريفة ما يقرب من قول الزمخشري وقالا : إن فيه دلالة على أن صدقة التطوع تسمى زكاة.

[تفسير ابن جرير الطبري ج ٦ ص ١٨٦] روى بسنده عن عتبة ابن حكيم في هذه الآية ،( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا ) ، (قال) علىّ ابن أبي طالب عليه السلام (أقول) وذكره السيوطي في الدر المنثور وقال : أخرجه ابن جرير عن السدير وعتبة بن حكيم.

[أيضاً تفسير ابن جرير ج ٦ ص ١٨٦] روى بسنده عن غالب ابن عبيد اللّه قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله :( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ ) ، الآية (قال) نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام تصدق وهو راكع.

[السيوطى في الدرّ المنثور] في ذيل تفسير قوله تعالى :( إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اَللّٰهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ، في سورة المائدة قال : وأخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال : تصدّق علي عليه السلام بخاتمه وهو راكع فقال النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم للسائل : من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل

٢٠