البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ١

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-371-377-6
الصفحات: 508

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-371-377-6
الصفحات: 508
المشاهدات: 56433
تحميل: 4383


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 508 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56433 / تحميل: 4383
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي
ISBN: 964-371-377-6
العربية

٦١
٦٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله الواجب الوجود بالذات ، الواحد من جميع الجهات ، الذي تكون صفاته الذاتيّة عين الذات ، الذي أنشأ بقدرته سلسلة الممكنات ، وخلق الهواء وأجرى الماء ورمى بالرياح زبده في الهواء لحصول سبع سماوات ، وخلق آدم وحوّاء واصطفى من ولدهما أنبياء وأوصياء مع المعجزات الباهرات ، ولا تغيب عنه ذاته ، فهو عالم بذاته بالذات ، وأحكم الأشياء ، فهو عالم بجميع الجزئيّات ، ويدلّ على إرادته تخصيص بعضها ببعض الأوقات ، وبعث الرسل لإتمام الغرض بالطاعات.

والصلاة والسلام على المبعوث لتقوية العقول وشفيع العرصات لنجاة أمّته عن النار ودخول الجنّات ، محمّد وآله الذين هم سادة السادات.

أمّا بعد ، فيقول خادم بساتين المذهب الجعفري من مذاهب الشرع المحمّدي ، محمّد جعفر الأسترآبادي : إنّ معرفة أصول الدين على وفق أصول المذهب الجعفري واجبة عينا على جميع المكلّفين بمقدار قدرتهم ولو بالدليل السكوتي ، كما يجب تحصيل البصيرة فيها بالدليل الإسكاتي كفاية على البعض ؛ لدفع شبه المبطلين وتشكيك المضلّين والضالّين وحيرتهم.

والعلم الباحث عنها ـ وهو علم الكلام ـ أشرف العلوم الدينيّة وأعظم المطالب الشرعيّة ، مع رشاقة مسائله ووثاقة دلائله وعظم منافعه ، سيّما إذا كان على وجه المطابقة التامّة للعقل والنقل.

٦٣

وقد كان كتاب التجريد ـ من مصنّفات خاتم المحقّقين ، أفضل الحكماء والمتكلّمين ، سلطان العالمين في العالمين ، نصير الملّة والدين ، محمّد بن محمّد الطوسي أعلى الله مقامه في علّيّين ـ كتابا ممتازا من بين الكتب المؤلّفة في هذا الفنّ ؛ لاحتوائه على ما خلت عنه زبر السابقين ، واشتماله على ما لم تشتمل عليه صحائف الآخرين ، مع جودة ترتيب المسائل ، ووجازة الدلائل ، وغاية تجريد الفوائد ، ونهاية تهذيب الأصول والعقائد.

وقد ارتكب الشرّاح في شرحه التطويل والإطناب في المبادي ، والإيجاز في بيان أحوال المبدأ والمعاد مع أنّه المقصود الأصلي.

أردت أن أشرحه على عكس طريقتهم ، سالكا في شرح المقدّمة مسلك العلاّمة مع كونه في شرح ذي المقدّمة شرحا جامعا للأدلّة العقليّة والنقليّة مع التميّز بين أصول الدين وأصول المذهب وبيان ما يترتّب عليهما من أحكام الدنيا والآخرة.

وأردت أن أسمّيه بعد أن أتمّمه بـ « البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة » فإنّه الكلمة العليا الجامعة.

٦٤

[ المقدمة ]

ولا بدّ قبل الشروع في المقصود من تقديم مقدّمة نافعة مشتملة على أمور خمسة :

[ الأمر ] الأوّل : في تعريف علم الكلام.

اعلم أنّ العلم الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد إمّا أن يكون بحثه على قانون العقل من غير ملاحظة كونه مطابقا للنقل ، أو على قانون العقل المطابق للنقل.

وكلّ منهما إمّا أن يكون بطريق النظر والفكر ، أو بطريق الكشف والرياضة.

والأوّل هو حكمة المشّاء ، والثاني من الأوّل هو حكمة الإشراق ، والأوّل من الثاني هو علم الكلام ، والثاني من الثاني هو علم التصوّف.

وكون علم التصوّف أو نحوه باحثا عن أحوال المبدأ والمعاد لا يستلزم حقّيّته ؛ لأنّ البحث قد يكون على وجه فاسد وإن كان اعتقاد الباحث أنّه بحث على قانون العقل المطابق للنقل العرفي أو الذوقي. ولو سلّم فلا يلزم حقّيّة جميع المذاهب كمذاهب علماء الكلام.

وبالجملة ، فعلم الكلام علم باحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل بطريق النظر والفكر.

ويسمّى علم الكلام ؛ لكونه سببا للقدرة على الكلام في الأحوال المذكورة التي هي أهمّ المقاصد حتّى كأنّه لا كلام غيره ، أو لأنّ مباحثه كانت مصدّرة بقولهم :

٦٥

« الكلام في كذا وكذا » ، أو لأنّ أشهر الاختلافات فيه كانت في مسألة كلام الله أنّه حادث أو قديم؟ أو لأنّه كثر الكلام فيه مع المخالفين والردّ عليهم ما لا يكثر في غيره.

وأحوال المبدأ شاملة لأصول أربعة : التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة ؛ لأنّ المبدأ بالاختيار ـ بعد ملاحظة وجوبه بالذات الموجب لكماله ذاتا وفعلا المراد من التوحيد والعدل ـ لا بدّ أن يكون فعله لغرض عائد إلى العباد ، وهو لا يتمّ إلاّ بالقابليّة الحاصلة بالطاعة الموقوفة على المعرفة الموقوفة غالبا على النبوّة والإمامة.

ويمكن اندراج أحوال النبوّة والإمامة في المعاد ؛ لأنّه عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب ، ولا يكون ذلك إلاّ بالطاعة والمعصية الموقوفتين على التكليف الموقوف على النبيّ والإمام.

وحكي عن صاحب المواقف أنّه عرّف علم الكلام بأنّه « علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه »(١) بمعنى أنّه مسائل أو ملكة يحصل بها الاقتدار التامّ ، كما يفهم من صيغة الافتعال ، الذي يكون مصاحبا لهذا العلم على الدوام ، كما يفهم من إطلاق المعيّة المحترز بها عن السببيّة الحقيقيّة المستفادة من كلمة « الباء » ردّا على الأشعري ، ويكون متعلّقا بإثبات الأحكام الأصليّة الاعتقاديّة الصرفة المأخوذة من الشريعة كما يفهم من الإطلاق ، ويكون بإيراد الحجج ودفع الشبه ولو بزعم المستدلّ لغيره أو مطلقا ، فيخرج علم الميزان الذي يستنبط منه صورة الدليل ، وعلم الجدل الذي يتوصّل به إلى حفظ أيّ وضع يراد من غير اقتدار تامّ واختصاص بالعقائد.

وكذا يخرج علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة ، بل علم الله والملائكة ؛ لعدم كونه على الوجه المذكور.

__________________

(١) « شرح المواقف » ١ : ٣٤ ـ ٣٥.

٦٦

وكذا علم المقلّد إن كان علما ، وكذا علم الفقه المدوّن لحفظ الأحكام العمليّة التي يكون المقصود بالذات منها العمل وإن كان الاعتقاد بها أيضا مقصودا ، مع أنّه راجع إلى الاعتقاد بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة أنّها ممّا جاء به.

ودخل علم الصحابة وإن كان في ذلك الزمان غير مسمّى بالكلام ، كما لم يسمّ علمهم بالفرعيّات فقها.

وقد يعرّف بـ « أنّه العلم بالقواعد الشرعيّة الاعتقاديّة المكتسبة عن أدلّتها اليقينيّة »(١) .

وقد يعرّف بـ « أنّه صناعة نظريّة يقتدر بها على إثبات العقائد الدينيّة »(٢) و(٣) .

[ الأمر ] الثاني : في بيان موضوع علم الكلام.

اعلم أنّ موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة التي تعرض لذاته أو لجزئه أو لأمر يساويه ، كالتعجّب العارض للإنسان لذاته ، والحركة بالإرادة اللاحقة له بواسطة أنّه حيوان ، والضحك العارض له بواسطة التعجّب المساوي في الوجود.

وموضوع هذا العلم هو المبدأ والمعاد ؛ لكون البحث فيه عن عوارضهما الذاتيّة ولو بحسب الاعتبار في الصفات الثبوتيّة الحقيقيّة ، وكذا الوجود أو الصانع الواجب من حيث هو صانع لغرض عائد إلى العباد في المعاد.

وحكي عن المتقدّمين من علماء الكلام أنّهم جعلوا موضوعه الموجود بما هو موجود ؛ لرجوع مباحثه إليه ، لكون نظرهم في أعمّ الأشياء ، وهو الموجود المنقسم إلى القديم والمحدث المنقسم إلى الجوهر المنقسم إلى الحيوان والنبات والجماد ،

__________________

(١) « شرح المقاصد » ١ : ١٦٥.

(٢) « شوارق الإلهام » المقدّمة ، في تعريف علم الكلام.

(٣) هناك عدّة تعاريف لعلم الكلام ـ مضافا إلى ما ذكره الشارح هنا ـ تطلب في « شرح المقاصد » ١ : ١٦٥ ، التعليقة الثانية.

٦٧

وإلى العرض المنقسم إلى ما يشترط فيه الحياة كالعلم والقدرة ، وما لا يشترط فيه كالطعم واللون(١) .

وفيه نظر ؛ لعدم انحصار الأمر في الموجود ، وعدم اقتصار النظر على صرف الوجود.

وعن القاضي الأرموي ـ من المتأخّرين ـ أنّ موضوع علم الكلام ذات الله تعالى ؛ لأنّه يبحث عن صفاته الثبوتيّة والسلبيّة ، وأفعاله المتعلّقة بأمر الدنيا : ككيفيّة صدور العالم عنه بالاختيار ، وحدوث العالم ، وخلق الأعمال ، وكيفيّة نظام العالم بالبحث عن النبوّة وما يتبعها ؛ أو بأمر الآخرة كبحث المعاد وسائر السمعيّات ، فيكون الكلام هو العلم الباحث عن أحوال الصانع من صفاته الثبوتيّة والسلبيّة وأفعاله المتعلّقة بأمر الدنيا والآخرة(٢) .

وتبعه صاحب الصحائف ـ على ما حكي عنه ـ إلاّ أنّه زاد فجعل الموضوع ذات الله من حيث هي ، وذوات الممكنات من حيث إنّها تحتاج إلى الله ، وجهة الوحدة هي الوجود ، فكان هو العلم الباحث عن أحوال الصانع وعن أحوال الممكنات من حيث احتياجها إلى الله تعالى على قانون الإسلام ، بناء على كون البحث عن الأمور العامّة ونحوها استطرادا موجبا لتكميل الصناعة ، أو على سبيل الحكاية لكلام المخالف ، قصدا إلى تزييفه أو لتوقّف بعض المسائل(٣) .

وفيه أيضا نظر.

وعن أكثر المتأخّرين : أنّ موضوع علم الكلام هو المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدينيّة ، كما أنّه يبحث عن أحوال الصانع من القدم والوحدة والإرادة وغيرها ، وأحوال الجسم والعرض من الحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء

__________________

(١) حكاه التفتازاني عن الغزالي في « شرح المقاصد » ١ : ١٧٦.

(٢) نقل عنه في « شرح المواقف » ١ : ٤٢ ـ ٤٣ و « شرح المقاصد » ١ : ١٨٠.

(٣) حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » ١ : ١٨٠.

٦٨

وقبول الفناء ، ونحو ذلك ممّا هي عقيدة إسلاميّة أو وسيلة إليها.

وكلّ هذا بحث عن أحوال المعلوم ، يعني مفهومه لا مصداقه وإن كان محمولات المسائل أخصّ منه ، بناء على أنّ العرض الذاتي يجوز أن يكون أخصّ من معروضه(١) .

[ الأمر ] الثالث : أنّ فائدة علم الكلام الترقّي من حضيض التقليد إلى ذروة اليقين

وإرشاد المسترشدين ـ بإيضاح الحجج لهم ـ إلى عقائد الدين ، وإلزام المعاندين بإقامة البراهين ، وحفظ عقائد الدين عن الاختلال لشبه المبطلين ، وحصول مبنى فروع الدين بإثبات وجود صانع حكيم قادر عالم مرسل للمرسلين إلى المكلّفين ، وحصول الإخلاص في الأفعال ، الموجب للفوز باليقين.

[ الأمر ] الرابع : أنّ علم الكلام أشرف العلوم موضوعا وغاية ودليلا ؛ لأنّ دلائله يقينيّة يحكم بصحّة مقدّماتها صريح العقل ، وقد تأيّدت بالنقل ، وهو الغاية في الوثاقة.

[ الأمر ] الخامس : أنّه لا بدّ في مقام الاستدلال من التميّز بين أصول الدين وأصول المذهب ، ومعرفة ما يترتّب عليهما ، بأن يجعل الكلام في كلّ أصل من الأصول في خمسة فصول مع ذكر وصل بعد كلّ فصل مذكور في كلّ أصل.

فالأصل في بيان ما يتحقّق به الإسلام في الجملة ، والفصل في تفصيل ما يتحقّق به الإسلام وما يتحقّق به الإيمان ، والتميّز بين أصول الدين وأصول المذهب ، والوصل في بيان ما يترتّب على الاعتقادات وجودا وعدما من استحقاق الجنّة أو النار ، والرحمة والنعمة ، أو النقمة ، والكفر المقابل للإسلام ، الموجب للحكم

__________________

(١) انظر : « شرح المقاصد » ١ : ١٧٣.

٦٩

بالنجاسة ، ونحوها من أحكام الدنيا ، والخلود في النار ونحوه من أحكام الآخرة ، أو الكفر المقابل للإيمان الموجب للخلود ونحوه من أحكام الآخرة خاصّة ، أو مع بعض أحكام الدنيا ـ أيضا ـ كجواز الاقتداء وإعطاء الزكاة وقبول الشهادة ونحو ذلك وعدمها ، وغير ذلك من الثمرات العلميّة والعمليّة ؛ حذرا عن الخلط والغفلة.

بيان ذلك إجمالا : أنّ أصول الدين خمسة :

الأوّل : التوحيد الذي هو كمال الواجب الوجود بالذات في الذات.

الثاني : العدل الذي هو كمال الواجب بالذات في الأفعال.

الثالث : النبوّة التي هي الرئاسة الإلهيّة بالأصالة في الجملة للبشر المعصوم الأعلم على المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

الرابع : الإمامة التي هي الرئاسة الإلهيّة العامّة على وجه النيابة الخاصّة للبشر المعصوم المنصوب المنصوص الأعلم بعد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع المكلّفين في أمر الدنيا والدين.

الخامس : المعاد الذي هو عبارة عن عود الأرواح إلى الأجساد للحساب والثواب والعقاب.

وتوهّم كون العدل والإمامة من أصول المذهب ـ دفعا للزوم كفر كثير من المسلمين كالمخالفين ـ صادر عن عدم الفرق بين العدل المقابل للجور والعدل المقابل للجبر ؛ فإنّ الأوّل من أصول الدين ، فيكفر من يقول بالجور ، والثاني من أصول المذهب.

وكذا الإمامة ، فإنّ جواز وقوع الرئاسة المذكورة في الشريعة ووقوعها من أصول الدين ، ولهذا يكفّر أمثال الخوارج ، والإمامة المقيّدة بسائر القيود كسائر الاعتقادات من أصول المذهب ، فيخرج منكرها عن المذهب.

وإيضاح ذلك : أنّ أصول الدين عبارة عن اعتقادات عليها بناء شريعة سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يتحقّق الدين إلاّ بها ، ولا يدخل المكلّف فيه ولا يعدّ بدونها

٧٠

من المسلمين ، ولا تترتّب بدونها آثاره ، كحقن الدم وحفظ المال والعرض.

وأصول المذهب عبارة عن اعتقادات عليها بناء المذهب الجعفري والإمامي ، ولا يدخل المكلّف في المذهب الاثني عشري إلاّ بها ، ويتوقّف عليها ترتّب أحكام الإيمان الخاصّ ، كجواز إعطاء الزكاة وقبول الشهادة والاقتداء.

ولكلّ واحد من الأصول الخمسة جهة تقتضي دخوله في أصول الدين ، وجهة أخرى تقتضي دخوله في أصول المذهب ؛ فإنّ التوحيد بحسب الذات ـ مثلا ـ بمعنى أنّه لا شريك له في الذات من أصول الدين ، والتوحيد بحسب الصفات بمعنى أنّ صفاته الذاتيّة عين ذاته من أصول المذهب. والعدل في مقابل الجور من أصول الدين ، والعدل في مقابل الجبر من أصول المذهب. والنبوّة بمعنى كون محمّد بن عبد الله رسولا خاتم النبيّين من أصول الدين ، وبمعنى كونه بشرا معصوما رسولا ـ مثلا ـ من أصول المذهب. والإمامة المطلقة من أصول الدين ، والمقيّدة من أصول المذهب. والمعاد بمعنى عود الأرواح إلى الأجساد في الجملة من أصول الدين ، وإلى القالب المثالي في البرزخ والأصلي في المحشر مع خلود الكفّار وأمثالهم في النار واختصاص الإماميّة بالجنّة وكونهم فرقة ناجية ومن عداهم هالكة ونحو ذلك من أصول المذهب ، فلا بدّ من التميّز ؛ حذرا عن الخلط والغفلة وترتّب المفسدة وفوت المصلحة.

ولنشرع في شرح الكتاب ، فنقول ـ بعون الله الملك الوهّاب ـ : قال المصنّف العلاّمة أعلى الله مقامه :

٧١

بسم الله الرحمن الرحيم

امتثالا للحديث المشهور : « كلّ أمر ذي بال لم يبدأ باسم الله تعالى فهو أبتر »(١) الدالّ على لزوم الابتداء العرفي بلفظ « الله » الذي هو اسم الذات ، واقتداء بكتاب الله ، بمعنى « أبتدئ في المقصود » أو « أقرأ ـ مثلا ـ متلبّسا باسم الله المحمود ـ أو ـ بعون الله المعبود » الذي هو الذات الواجب الوجود الجامع لصفات الكمال والجمال ، والمنزّه عن صفات النقص وهو صاحب الجلال والذي تكون صفاته الذاتية عين الذات. وهو الكامل في الأفعال ، الذي يكون فعله حسنا خاليا عن الظلم والقبح في كلّ حال ، ومعلّلا بغرض عائد إلى العباد على الوجه الأصلح في المآل ، وله اللطف المقرّب إلى الطاعات ، المبعّد عن المعاصي والسيّئات.

الموصوف هنا برعاية الاستخدام ، أو من باب توصيف المتعلّق بوصف المتعلّق كما في( الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (٢) ، أو بملاحظة عدم إهمال اللفظ ، وكون المراد اللفظ الدالّ على الذات ، وكون الملحوظ باعتبار اللسان اللفظ الموجب لامتثال الحديث ، وباعتبار الجنان الذات المصحّح للتوصيف ، كما في سائر العبادات اللفظيّة ، أو بحمل الاسم على مطلق ما يدلّ على الذات ـ بأنّه الرحمن المتفضّل بجميع أنواع الإحسان على جميع الخلق حتّى غير الإنسان ، بإخراجهم عن كتم الأعدام إلى الوجود ، وإعطاء الحياة والصحّة والعلم والقدرة والمساكن وبسط الرزق من نحو المآكل

__________________

(١) « تفسير الإمام العسكري » : ٢٥ ؛ « بحار الأنوار » ٩٢ : ٢٤٢ / ٢٠ ؛ « سنن الدار قطني » ١ : ٢٢٩.

(٢) يس (٣٦) : ٢.

٧٢

والمشارب على وجه الجود ، من غير قطع موادّ الرزق وإن انقطعوا عن الطاعة ، فهو المحسن بهذه الصفة العامّة التي تكون خاصّة في الدنيا على المؤمنين والكافرين بل جميع المخلوقين بإعطاء ما به قوامهم ، كحفظ التركيب في الجمادات ، وذلك مع التنمية في النباتات ، وذلك مع الحسّ والحركة بالإرادة والأرزاق في الحيوانات ، وذلك مع إدراك المعقولات في الإنسان الذي هو أشرف الموجودات ، فإنّه أحسن كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.

والموصوف ـ كما زبر ـ بأنّه الرحيم المحسن في الآخرة بالصفة الخاصّة على المؤمنين بالغفران والنعيم الأبدي والجنان ، وإعطاء الحور والقصور والفواكه والمشارب والمآكل والطيور ، سيّما الرضوان.

ولا يخفى أنّ هذا المعنى إشارة إلى الأصول الخمسة التي هي رأس العقائد الدينيّة لانفتاح باب التوحيد من كمال الذات المنافي للإمكان وفقد الصفات وزيادتها ووجود الشريك المستلزم للاحتياج أو العجز ونحو ذلك ، وباب العدل من التنزّه عن النقائص المتحقّقة في الظلم وخلق العباد مجبورين أو نحو ذلك ، بل يمكن استفادة سائر أصول الدين من ذلك.

مضافا إلى اقتضاء « الرحمن » و « الرحيم » من جهة كون النبوّة والإمامة والمعاد من فروع اللطف الذي هو أحد أجزاء العدل ، مع أنّ تخصيص المؤمنين بالرحمة الأخرويّة الدالّة على المعاد ليس إلاّ من جهة القابلية الحاصلة من الطاعة الموقوفة على المعرفة الموقوفة على النبيّ والوصيّ.

ثمّ شرع لمثل ما مرّ في الحمد الذي هو عبارة عن الثناء باللسان على الجميل الاختياري كما هو المشهور ، أو الثناء على الجميل الاختياري ولو بغير اللسان ، ليدخل حمد الله ، كما هو المنصور ، أو إظهار صفات الكمال بالقول أو الفعل ليكون حمده تعالى لذاته حمدا على سبيل الحقيقة ؛ لكونه من أفضل أفراده ؛ لأنّه تعالى كشف عن صفات كماله ببسط بساط الوجود وموائد الجود على ممكنات لا تحصى

٧٣

وذرّات لا تتناهى ، كما اختاره صالح العلماء ، فقال :

(أمّا بعد حمد ) ذات تكون عين صفاتها التي لا يمكن تصوّرها إلاّ بها ، ومنها أنّه ( واجب الوجود ) الذي هو أخصّ صفاته ، وهو فرد منه ، وتوحيده تعالى عبارة عن توحيد فرد هذا المفهوم ، فكان ذكره بمنزلة ذكر الذات ، مع أنّ الحمد على الوصف مشعر بعلّيّة مبدأ الاشتقاق ، فكأنّه قال : أحمده على كونه واجب الوجود بالذات المتبادر عند الإطلاق و ( على نعمائه ) التي هي من الفواضل الواصلة إلينا التي لا تحصى ، فلا يمكن التعدّي إلى الفضائل التي لا تصل إلينا.

(والصلاة ) وطلب الرحمة ( على سيّد أنبيائه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الذي هو خاتم النبيّين المستلزم للفضل عليهم ( وعلى أكرم أحبّائه ) وهو عليّعليه‌السلام إن أريد من اسم التفضيل الزيادة على جميع من عداه ؛ للزوم المطابقة إفرادا وجمعا حينئذ ، ولكن لا بدّ من إرادة من لا أكرم منه إن قلنا بتساوي الأئمّةعليهم‌السلام أو الأكرم في وقته. وإن أريد الزيادة على من أضيف إليه ، فيمكن إرادة جميع أصحابه الموصوفين بزيادة الكرم على من عداهم من محبوبي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو خصوص الأئمّة الاثني عشر ؛ لعدم اشتراط المطابقة حينئذ.

وقد يقال : يمكن قراءة « عليّ » بالاسم المجرور المعطوف على « سيّد أنبيائه ».

فتأمّل.

(فإنّي ) جواب « أمّا » فإنّها ك‍ « مهما يكن من شيء » ولهذا تجب الفاء في الجواب (مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام ) الباحث عن أحوال المبدأ والمعاد على قانون العقل المطابق للنقل ( وتقريرها )(١) على الوجه الخالي عن الإملال والإخلال ( على أبلغ ) ال ( نظام ) والترتيب ( مشيرا إلى غرر فرائد الاعتقاد ) يعني الحكم الشرعي غير المتعلّق بالعمل الذي هو كالفريدة الغرّاء ، يعني اللؤلؤ الكبير

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة ف « تقريره ». والظاهر ما أثبتناه. وبدلها في « تجريد الاعتقاد » : « وترتيبها ».

٧٤

( و ) إلى معنى دقيق مثل ( نكت ) جمع نكتة ، وهي أرض منكوتة بقضيب ونحوه يعني ( مسائل الاجتهاد ) المتعلّقة بالاعتقاد ( ممّا قادني الدليل [ إليه ](١) وقوي اعتمادي عليه ، والله أسأل العصمة ) من الزلّ ( والسداد ) عن الخلل ( وأن يجعله ذخرا ليوم المعاد ، وسمّيته بتجريد العقائد ، ورتّبته على ستّة مقاصد ) لبيان المقصود الأصلي وما يتوقّف عليه إثباته من أمور عامّة ونحوها.

ووجه الترتيب : أنّ ما يتوقّف عليه الكلّ مقدّم على الكلّ ، وهو باب الأمور العامّة. وما يتوقّف عليه خصوص التوحيد ـ بإثبات الصانع وصفاته وكمال أفعاله ، المتوقّف على حدوث المصنوع ـ هو أحوال الجوهر والعرض. والتوحيد الشامل للعدل موقوف عليه للنبوّة ، وهي للإمامة ، وهما معا للمعاد الجسماني ؛ لتوقّف تفاصيله على بيان من الله والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمامعليه‌السلام .

فمجموع مقاصد علم الكلام منحصر في ستّة :

المقصد الأوّل : في الأمور العامّة.

والثاني : في الجواهر والأعراض.

والثالث : في إثبات الصانع وصفاته وأفعاله المتعلّقة بمباحث العدل.

والرابع : في النبوّة.

والخامس : في الإمامة.

والسادس : في المعاد الذي لا يستقلّ بإثبات تفاصيله العقل بل يحتاج إلى النقل من الكتاب والسنّة النبويّة والإماميّة.

__________________

(١) أضفناه من « تجريد الاعتقاد ».

٧٥
٧٦

المقصد الأوّل

في الأمور العامّة

[ وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في الوجود والعدم

الفصل الثاني : في الماهيّة ولواحقها

الفصل الثالث : في العلّة والمعلول ]

٧٧
٧٨

( المقصد الأوّل في الأمور العامّة ) التي لا تختصّ بقسم من أقسام الموجود من الواجب والجوهر والعرض ، كالوجود والعلّيّة والوجوب والإمكان العامّ ، وما يتعلّق بذلك ، كبحث الامتناع والعدم ؛ لكونهما في مقابل الوجود والإمكان ، مع أنّ العدم هنا بمعنى رفع الوجود عدوليّا كان أو سلبيّا من أحوال الموجود ، ولهذا أفرد بابها وقدّم على باب باحث عن أحوال مختصّة ببعضها ممّا يتعلّق به غرض علميّ ويترتّب عليه مقصود أصليّ.

(وفيه فصول ) ثلاثة ؛ لانحصار الأمور العامّة التي يتعلّق بالبحث عنها غرض علميّ في الوجود والعدم وأحوالهما وفي الماهيّة وأحوالها وفي المركّب من الماهيّة والوجود أو العدم وأحواله ، وهو العلّة والمعلول.

٧٩
٨٠