البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٣

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-371-766-6
الصفحات: 453

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-371-766-6
الصفحات: 453
المشاهدات: 40455
تحميل: 3834


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40455 / تحميل: 3834
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-371-766-6
العربية

وأجيب بأنّ غيبته كانت بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفى منقبة أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام يده في البيعة مقام يده.

[ في خصائص عليّعليه‌السلام ]

( وعليّ عليه‌السلام أفضل لكثرة جهاده وعظم بلائه في وقائع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في غزاة بدر ) وهي أوّل حرب امتحن بها المؤمنون لقلّتهم وكثرة المشركين ، فقتل عليّ الوليد بن عتبة ، ثمّ شيبة ، ثمّ ابن ربيعة ، ثمّ العاص بن سعد ، ثمّ سعد بن العاص ، ثمّ حنظلة بن أبي سفيان ، ثمّ طعيمة بن عدي ، ثمّ نوفل بن خويلد ، ولم يزل يقاتل حتّى قتل نصف المشركين ، والباقي من المسلمين وثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتلوا النصف الآخر ، ومع ذلك كانت الراية في يد عليّ(١) .

وفي غزاة( أحد ) جمع له رسول الله بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، وكان يسمّى كبش الكتيبة فقتله عليّ فأخذ الراية غيره فقتله عليّعليه‌السلام ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتّى قتل تسعة نفر ، فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم ، فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّ ، وضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّعليه‌السلام فنظر إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إفاقته وقال له : « اكفني هؤلاء » فهزمهم عنه فكان أكثر المقتولين منه(٢) .

وفي( يوم الأحزاب ) وقد بالغ في هذا اليوم في قتل المشركين ، وقتل عمرو بن عبد ودّ ، وكان بطل المشركين وطلب البراز مرارا فامتنع عنه المسلمون وعليّ يروم مبارزته والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمنعه من ذلك لينظر صنيع المسلمين فلمّا رأى امتناعهم أذن له وعمّمه بعمامته ودعا له. قال حذيفة : لمّا دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافّة ما خلا عليّاعليه‌السلام فإنّه برز إليه ، فقتله الله تعالى على يد

__________________

(١) « كشف المراد » : ٣٨٢ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٣ : ١٤٣ ؛ « المعجم الكبير » ١١ : ٣١١ ، الرقم ١٢١٠١.

(٢) « كشف المراد » : ٣٨٢ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ٨٢ ؛ « شرح نهج البلاغة » ١٥ : ٧.

٣٤١

عليّعليه‌السلام ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة ، وكان الفتح في ذلك اليوم على يد عليّ ، وقال النبيّ : لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين(١) .

( وفي غزاة خيبر ) واشتهار جهاده فيها غير خفيّ وفتح الله تعالى على يده ؛ فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصر حصنهم ستّة عشر يوما ، وكانت الراية بيد عليّ فأصابه رمد فسلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية إلى أبي بكر ، وانصرف مع جماعة فرجعوا منهزمين خائفين ، فدفعها من الغد إلى عمر ففعل مثل ذلك ، فقال : « لأسلمنّ الراية غدا إلى رجل يحبّه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله كرّارا غير فرّار ائتوني بعليّ » فقيل : به رمد ، فتفل في عينيه فدفع الراية إليه فقتل مرحبا ، فانهزم أصحابه وغلقوا الأبواب وفتح عليّ الباب واقتلعه وجعله جسرا على الخندق وعبروا وظفروا ، فلمّا انصرفوا أخذه بيمينه ورماه أذرعا وكان يغلقه عشرون رجلا ، وعجز المسلمون من نقله حتّى نقله سبعون رجلا ، وقال عليّ : « ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ولكن قلعته بقوّة ربّانيّة »(٢) .

وفي غزاة( حنين ) وقد سار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشرة آلاف من المسلمين فتعجّب أبو بكر من كثرتهم وقال : لن نغلب اليوم لقلّة ، فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى تسعة نفر : عليّ والعبّاس وابنه الفضل ، وأبو سفيان بن الحارث ، ونوفل بن الحارث ، وعبد الله بن الزبير ، وعتبة ومصعب ابنا أبي لهب فخرج أبو جزول فقتله عليّ فانهزم المشركون وأقبل النبيّ وسارقوا العدوّ فقتل عليّ أربعين وانهزم الباقون وغنمهم المسلمون(٣) .

__________________

(١) « كشف المراد » : ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ؛ « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٧٦ ؛ « مناقب آل أبي طالب » ٣ : ١٥٩ وما بعدها.

(٢) « مناقب آل أبي طالب » ٣ : ١٥٢ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ١٧٦ ـ ١٨٥ ؛ « الأمالي » للصدوق : ٤١٥ ، المجلس ٧٧ ، ح ١٠ ؛ « إثبات الهداة » ٤ : ٤٧٩ ، الرقم ٧٣.

(٣) « إعلام الورى » ١ : ٣٨٦ ؛ « كشف المراد » : ٣٨٣ ؛ « الإرشاد » للمفيد ١ : ١٤٠ وما بعدها.

٣٤٢

( وغيرها من الوقائع ) (١) المأثورة والغزوات المشهورة التي نقلها أرباب السير.

فيكون عليّ أفضل ؛ لقوله تعالى :( فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ) (٢) ؛( ولأنّه أعلم لقوّة حدسه ، وشدّة ملازمته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ؛ لأنّه في صغره كان في حجره وفي كبره كان ختنا له يدخله كلّ وقت ، وكثرة استفادته منه ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غاية الحرص على إرشاده.

وقال حين نزل قوله تعالى :( وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (٣) : « اللهمّ اجعلها أذن عليّعليه‌السلام » ، قال عليّعليه‌السلام : « ما نسيت بعد ذلك شيئا »(٤) ، وقال : « علّمني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب من العلم فانفتح لي من كلّ باب ألف باب من العلم »(٥) .

( ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أقضاكم عليّ » (٦) فاستند الفضلاء في جميع العلوم إليه ) كالأصول الكلاميّة والفروع الفقهيّة وعلم التفسير وعلم التصوّف وعلم النحو وغيرها ، فإنّ حرفة المشايخ تنتهي إليه وابن العبّاس رئيس المفسّرين تلميذه ، وأبو الأسود الدؤلي دوّن النحو بإرشاده(٧) .

( وأخبر هو بذلك ) حيث قال : « والله لو كسرت إليّ الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما نزلت من آية في برّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو

__________________

(١) كغزوة بني قريظة والحديبيّة ويوم فتح مكّة وغيرها.

(٢) النساء (٤) : ٩٥.

(٣) الحاقّة (٦٩) : ١٢.

(٤) « نور الثقلين » ٥ : ٤٠٢ ، الرقم ١٠ ـ ١١ ؛ « مجمع البيان » ١٠ : ١٠٧ ؛ « تفسير البرهان » ٤ : ٣٧٦.

(٥) « الإرشاد » للمفيد ١ : ٣٤ ؛ « إعلام الورى » ١ : ٢٦٧.

(٦) « تهذيب الأحكام » ٦ : ٢٢١ ، ح ٥٢١ ؛ « وسائل الشيعة » ٢٧ : ١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ح ٩ ؛ « دعائم الإسلام » ١ : ٩٢.

(٧) « الفصول المختارة » : ٩١ ؛ « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١ : ١٨ ـ ٢٠.

٣٤٣

أرض أو ليل أو نهار إلاّ أنا أعلم فيمن نزلت؟ وفي أيّ شيء نزلت من آية؟ »(١) وإذا كان أعلم كان أفضل.

( ولقوله تعالى : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) (٢) ) ليس المراد به نفسه ؛ لأنّ أحدا لا يدعو نفسه. كما لا يأمر نفسه.

وليس المراد فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ؛ لأنّهم اندرجوا في قوله تعالى :( أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) (٣) فلا بدّ وأن يكون شخصا آخر غير نفسه وغير فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام وليس غير عليّ بالإجماع ، فتعيّن أن يكون عليّا.

وبيان دلالته على كونه أفضل الصحابة أنّ دعاءه للمباهلة يدلّ على أنّه في غاية الشفقة والمحبّة لعليّ وإلاّ لقال المنافقون : إنّ الرسول لم يدع للمباهلة من يحبّه ويحذر عليه من العذاب.

( ولكثرة سخائه على غيره ) يدلّ على ذلك ما اشتهر عنه من إيثار المحاويج على نفسه وأهل بيته حتّى جاد بقوته وقوت عياله وبات طاويا هو وإيّاهم ثلاثة أيّام حتّى أنزل الله في حقّهم :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (٤) .

وتصدّق في الصلاة بخاتمه ونزل في شأنه :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (٥) .

( وكان أزهد الناس بعد النبيّ ) لما تواتر ، وتصدّق مرّة أخرى بجميع ما يملكه وقد كان يملك حينئذ أربعة دراهم لا غير فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، وإعراضه عن لذّات الدنيا مع اقتداره عليها ؛ لاتّساع أبواب الدنيا عليه ، ولهذا قال : « يا دنيا يا دنيا إليك عنّي أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك هيهات غرّي غيري ،

__________________

(١) « تفسير فرات الكوفي » ١ : ١٨٨ ، الرقم ٢٣٩ ـ ٢١.

(٢) آل عمران (٣) : ٦١.

(٣) آل عمران (٣) : ٦١.

(٤) الإنسان (٧٦) : ٨.

(٥) المائدة (٥) : ٥٥.

٣٤٤

لا حاجة لي فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير »(١) .

وقال : « والله فدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم »(٢) .

وكان أخشن الناس أكلا وشربا ولم يشبع من طعام.

وقال عبد الله بن رافع : دخلت يوما فقدّم جرابا مختوما ، فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا ، فأكلنا منه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لم ختمته؟ فقال : « خفت هذين الولدين يلتّانه بزيت أو سمن »(٣) .

وهذا شيء اختصّ به عليّعليه‌السلام ولم يشاركه غيره فيه ولم ينل أحد بعض درجته ، وكان نعلاه من ليف ويرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى ، وقلّ أن يأتدم ، فإن فعل فبالملح أو الخلّ ، فإن ترقّى فبنبات الأرض ، فإن ترقّى فبلبن. وكان لا يأكل اللحم إلاّ قليلا ويقول : « لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان »(٤) .

( وأعبدهم ) حتّى روي أنّ جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده ، وكان يحافظ على النوافل ، وكانوا يستخرجون النصول من جسده وقت الصلاة ؛ لالتفاته بالكليّة إلى الله تعالى واستغراقه في المناجاة معه(٥) .

( وأحلمهم ) حتّى ترك عبد الرحمن بن ملجم في دياره وجواره يعطيه العطاء مع علمه بحاله ، وعفا عن مروان حين أخذ يوم الجمل مع شدّة عداوته له ، وقوله فيه : « ستلقى الأمّة منه ومن ولده يوما أحمر » ، وعفا عن سعيد بن العاص وكان عدوّا له غاية العداوة ، ولمّا حارب معاوية سبق أصحاب معاوية إلى الشريعة فمنعوه من

__________________

(١) « نهج البلاغة » : ٦٦٦ ، الرقم ٧٧.

(٢) المصدر السابق : ٧٠٢ ، الرقم ٢٣٦ ، قصار الحكم.

(٣) « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ١ : ١٤٨.

(٤) المصدر السابق ١ : ٢٦.

(٥) المصدر السابق : ٢٧.

٣٤٥

الماء ، فلمّا اشتدّ عطش أصحابه حمل عليهم وفرّقهم وملك الشريعة ، فأراد أصحابه أن يفعلوا ذلك فنهاهم عن ذلك ، وقال : « افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك »(١) .

( وأشرفهم خلقا وأطلقهم وجها ) حتّى نسب إلى الدعابة به مع شدّة بأسه وهيبته.

قال صعصعة بن صوحان : كان فينا كأحدنا في لين جانب وشدّة تواضع وسهولة قياد ، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه(٢) .

( وأقدمهم إيمانا ) يدلّ على ذلك ما روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « بعثت يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء ، ولا أقرب من هذه المدّة »(٣) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوّلكم إسلاما عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام »(٤) .

وما روي عن عليّ أنّه كان يقول : « أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن بالله ورسوله ، لا يسبقني إلى الصلاة إلاّ نبيّ الله »(٥) ، وكان قوله مشهورا بين الصحابة ولم ينكر عليه منكر فدلّ على صدقه ، وإذا ثبت أنّه أقدم إيمانا من الصحابة كان أفضل منهم ؛ لقوله تعالى :( السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٦) وروي أنّه قالعليه‌السلام على المنبر بمشهد من الصحابة : « أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل إيمان أبي بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم »(٧) ، ولم ينكر عليه منكر فيكون أفضل من أبي بكر.

( وأفصحهم لسانا ) على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة ، وقال البلغاء : إنّ كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق(٨) ،( وأسدّهم رأيا وأكثرهم حرصا على إقامة

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٢ ـ ٢٤.

(٢) المصدر السابق : ٢٥.

(٣) « كنز الفوائد » : ٢١.

(٤) « المستدرك » للنيسابوري ٣ : ١٣٦.

(٥) « بحار الأنوار » ٣٨ : ٢٠٣ و ٢٤١ و ٢٥٧.

(٦) الواقعة (٥٦) : ١٠.

(٧) « الاحتجاج » ٢ : ٣١١.

(٨) راجع « بحار الأنوار » ٤١ : ١٤٥.

٣٤٦

حدود الله تعالى ) ولم يتساهل في ذلك أصلا ، ولم يلتفت إلى القرابة والمحبّة( وأحفظهم لكتاب الله العزيز ) ؛ فإنّ أكثر أئمّة القراءة كأبي عمرو وعاصم وغيرهما يسندون قراءتهم إليه ، فإنّهم تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي ، وهو تلميذ عليّعليه‌السلام .

( ولإخباره بالغيب ) وذلك كإخباره بقتل ذي الثدية ، ولمّا لم يجده أصحابه بين القتلى قال : « والله ما كذبت »(١) ، فاعتبر القتلى حتّى وجده وشقّ قميصه ووجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعر ينجذب كتفه مع جذبها ويرجع مع تركها.

وقال له أصحابه : إنّ أهل النهروان قد عبروا فقالعليه‌السلام : « لم يعبروا » فأخبروه مرّة ثانية ، فقال : « لم يعبروا » فقال جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه : إن وجدت القوم قد عبروا كنت أوّل من يقاتله ، قال : فلمّا وصلنا النهر لم نجدهم عبروا فقال : « يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر »(٢) ، وذلك يدلّ على اطّلاعه على ما في ضميره.

وأخبرعليه‌السلام بقتل نفسه في شهر رمضان.

وقيل له : قد مات خالد بن عويطة بوادي القرى ، فقال : « لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، صاحب لوائه حبيب بن حمّاد »(٣) ، فقام رجل من تحت المنبر وقال : والله إنّي لك لمحبّ وأنا حبيب ، قال : « إيّاك أن تحملها ولتحملنّها فتدخل لها من هذا الباب » وأومأ إلى باب الفيل ، فلمّا بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام جعل على مقدّمته خالدا وحبيب صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل(٤) ،( واستجابة دعوته ) فإنّه لغاية شهرته غنيّ عن البيان.

( وظهور المعجزات عنه ) وقد أشير إلى ذلك فيما تقدّم.

__________________

(١) « خصائص الأئمّة » : ٦١ ؛ « بحار الأنوار » ٣٣ : ٣٩٠.

(٢) « بحار الأنوار » ٤١ : ٣١٢.

(٣) « المناقب » ٢ : ٢٧٠ ؛ نفس المصدر السابق ٤٢ : ١٦٢.

(٤) « بحار الأنوار » ٣٤ : ٢٩٨.

٣٤٧

( واختصاصه بالقرابة والأخوّة ) ؛ فإنّهعليه‌السلام لمّا آخى بين الصحابة اتّخذ عليّا أخا لنفسه(١) .

( ووجوب المحبّة ) ؛ فإنّهعليه‌السلام كان من أولي القربى ومحبّة أولي القربى واجبة ؛ لقوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) .

( والنصرة ) لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلّ عليه قوله تعالى في حقّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) . والمراد بصالح المؤمنين عليّعليه‌السلام على ما صرّح به المفسّرون(٤) . والمراد بالمولى هو الناصر.

( ولمواساة الأنبياء ) يدلّ على ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب »(٥) ، أوجب مساواته للأنبياء في صفاتهم ، والأنبياء أفضل من باقي الصحابة ، فكان عليّ أفضل من باقي الصحابة ؛ لأنّ المساوي للأفضل أفضل.

( وخبر الطائر ) ، أهدي إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر مشويّ فقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي »(٦) ، فجاء عليّ وأكل ، والأحبّ إلى الله تعالى أفضل.

( وخبر المنزلة وخبر الغدير ) وقد مرّ ذكرهما( وغيره ) من الأخبار التي تقدّم ذكر بعضها.

__________________

(١) « كشف الغمّة » ١ : ٣٢٦ ـ ٣٣٠ ؛ « العمدة » لابن بطريق ١ : ٢٠٩.

(٢) النور (٢٤) : ٢٢ ؛ الروم (٣٠) : ٣٨ ؛ الشورى (٤٢) : ٢٣.

(٣) التحريم (٦٦) : ٤.

(٤) « مجمع البيان » ١٠ : ٥٩ ؛ « الدرّ المنثور » ٨ : ٢٢٤ ؛ « نور الثقلين » ٥ : ٣٧٠ ؛ « تفسير البرهان » ٤ : ٣٥٣.

(٥) « الأمالي » للمفيد : ١٤ ، المجلس ٢ ، ح ٣ ؛ « الأمالي » للطوسي : ٤١٦ ـ ٤١٧ ، المجلس ١٤ ، ح ٩٣٨ ؛ « البداية والنهاية » ٧ : ٣٥٧ ؛ « اللآلئ المصنوعة » ١ : ٣٥٦.

(٦) « كشف الغمّة » ١ : ١٥٠ ؛ « بشارة المصطفى » : ١٦٥ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ١٦٣ ـ ١٧٦ ، ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ؛ « العمدة » لابن بطريق : ٣٠٣ ـ ٣١٣ ؛ « كنز العمّال » ١٣ : ١٦٧ ، الرقم ٣٦٥٠٧ و ٣٦٥٠٨.

٣٤٨

( ولانتفاء سبق كفره ) فإنّه لم يكفر بل من حين بلوغه كان مسلما مؤمنا بخلاف باقي الصحابة ، فإنّهم كانوا قبل بعثة النبيّ كفرة.

( ولكثرة الانتفاع به ) ، يعني انتفاع المسلمين به أكثر من انتفاعهم بغيره ، يدلّ على ذلك كثرة حروبه وشدّة بلائه وقوّة شوكة الإسلام به.

( وتميّزه بالكمالات النفسانيّة ) كالعلم والشجاعة والسخاوة وحسن الخلق( والبدنيّة ) كمزيد القوّة وشدّة البأس( والخارجيّة ) من كونه ابن عمّ رسول الله وزوج البتول وأبا السبطين إلى غير ذلك.

وأجيب بأنّه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتّصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات ، إلاّ أنّه لا يدلّ على الأفضليّة ، بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله تعالى ، بعد ما ثبت من الاتّفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضليّة أبي بكر ثمّ عمر ، ودلالة الكتاب والسنّة والآثار والأمارات على ذلك.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى :( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ) (١) على أنّها نزلت في أبي بكر ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده نعمة تجزى وهي نعمة التربية.

وأمّا السنّة : فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر » ،(٢) ودخل في الخطاب عليّعليه‌السلام فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل والمساوي بالاقتداء سيّما عند البيعة.

وقولهعليه‌السلام : « لو كنت متّخذا خليلا دون ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلا ، لكن هو شريكي في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أمّتي »(٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأين مثل أبي بكر كذّبني الناس وصدّقني وآمن بي ، وزوّجني ابنته

__________________

(١) الليل (٩٢) : ١٧ ـ ١٩.

(٢) « مسند أحمد » ٩ : ٧٤ ، ح ٢٣٣٠٥ ؛ « مجمع الزوائد » ٩ : ٤٠ ، ح ١٤٣٥٦.

(٣) « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٣٨ ، ح ٣٤٥٦ ـ ٣٤٥٨ ؛ « لقط اللآلئ » : ٥١.

٣٤٩

وجهّزني بماله وواساني بنفسه ، وجاهد معي ساعة الخوف »(١) .

وقوله لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر : « أتمشي أمام من هو خير منك والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر »(٢) .

ومثل هذا الكلام وإن كان ظاهره نفي أفضليّة الغير ، لكن إنّما يساق لإثبات أفضليّة المذكور ؛ ولهذا أفاد أنّ أبا بكر أفضل من أبي الدرداء.

والسرّ في ذلك أنّ الغالب من حال كلّ اثنين هو التفاضل دون التساوي ، فإذا نفيت أفضليّة أحدهما ثبتت أفضليّة الآخر.

وعن عمرو بن العاص قال : قلت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال : « عائشة » قلت : من الرجال؟ قال : « أبوها » قلت : ثمّ من؟ قال : « عمر »(٣) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان بعدي نبيّ لكان عمر »(٤) .

وعن عبد الله بن حنطب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال : « هذان السمع والبصر »(٥) .

وأمّا الأثر : فعن ابن عمر كنّا نقول ـ ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّ ـ : أفضل أمّة النبيّ بعده أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان.

وعن محمّد بن الحنفيّة قلت لأبي : أيّ الناس أفضل بعد النبيّ؟ قال : « أبو بكر » ، قلت : ثمّ من؟ قال : « عمر » ، وخشيت أن أقول : من؟ فيقول : عثمان ، قلت : ثمّ أنت؟

قال : « ما أنا إلاّ رجل من المسلمين »(٦) .

__________________

(١) « الموضوعات » ١ : ٣١٧.

(٢) « كنز العمّال » ١١ : ٥٥٦ ، ح ٣٢٦٢٢.

(٣) « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٣٩ ، ح ٣٤٦٢ ، « صحيح مسلم » ٤ : ١٨٥٦ ، ح ١٣٨٤.

(٤) « المعجم الكبير » ١٧ : ٣١٠ ، ح ٨٥٧ ؛ « كنز العمّال » ١١ : ٥٧٨ ، ح ٣٢٧٤٥.

(٥) « كنز العمّال » ١١ : ٥٦٢ ، ح ٣٢٦٥٣.

(٦) « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٤٢ ، ح ٣٤٦٨.

٣٥٠

وعن عليّعليه‌السلام : « خير الناس بعد النبيّين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ الله أعلم »(١) .

وعنهعليه‌السلام لمّا قيل له : أما توصي؟ « ما أوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أوصي ، ولكن إن أراد الله بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيّهم على خيرهم »(٢) .

وأمّا الأمارات : فما تواتر في أيّام أبي بكر من اجتماع الكلمة وتألّف القلوب وتتابع الفتوح وقهر أهل الردّة وتطهير جزيرة العرب عن الشرك وإجلاء الروم عن الشام وأطرافها وطرد فارس عن حدود السواد وأطراف العراق مع قوّتهم وشوكتهم ووفور أموالهم وانتظام أحوالهم.

وفي أيّام عمر من فتح جانب المشرق إلى أقصى خراسان وقطع دولة العجم وثلّ عرشهم الراسبي البنيان الثابت الأركان ، ومن ترتيب الأمور وسياسة الجمهور وإفاضة العدل وتقوية الضعفاء ، ومن إعراضه عن متاع الدنيا وطيّباتها وملاذّها وشهواتها.

وفي أيّام عثمان من فتح البلاد وإعلاء لواء الإسلام وجمع الناس على مصحف واحد ، مع ما كان له من الورع وتجهيز جيوش المسلمين والاتّفاق في نصرة الدين والمهاجرة هجرتين وكونه ختنا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ابنتين والاستحياء من أدنى شين ، ولشرفه بقوله عليه الصلاة والسّلام : « عثمان رفيقي في الجنّة »(٣) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّه يدخل الجنّة بغير حساب(٤) »(٥) .

[ ذكر بعض الأدلة على إمامة عليّعليه‌السلام ]

اعلم أنّ العلاّمةرحمه‌الله قد ذكر في الألفين ألف دليل على إمامة سيّد الوصيّين

__________________

(١) « سنن ابن ماجة » ١ : ٣٩ ، ح ١٠٦.

(٢) ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٣٧٩.

(٣) « كنز العمّال » ١١ : ٥٨٧ ، الرقم ٣٢٨٠٨ و ٣٢٨٥٥ ـ ٣٢٨٥٧.

(٤) انظر « الرياض النضرة في مناقب العشرة » ٣ : ٣٤.

(٥) انتهى ما نقله المصنّف عن الشارح القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٣٦٧ ـ ٣٨٠.

٣٥١

عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام أمير المؤمنين ، وألف دليل على إبطال شبه الطاعنين فينبغي ذكر أدلّة متينة منها لتحصل زيادة اطمئنان وبصيرة فيها فأقول :

[١] من جملة تلك الأدلّة : أنّ الإمامة عندنا من جملة ما هو أعظم أركان الدين ، وأنّ الإيمان لا يثبت بدونها ، وعندهم أنّها ليست من أركان الدين بل من فروع الدين ، لكنّها من المسائل الجليلة والمطالب العظيمة ؛ فكيف يجوز استناد مثل هذا الحكم إلى اختيار المكلّف وإرادته ، ولو جاز ذلك فجاز فيما هو أدون منه من أحكام الفروع.

[٢] ومنها : أنّ الله تعالى في غاية الرحمة والشفقة على الخلق ، فكيف يهمل تعالى أمر نصب الرئيس مع شدّة الحاجة إليه ووقوع النزاع العظيم من تركه أو مع استناده إلى اختيار المكلّفين ، فإنّ كلّ واحد منهم يختار رئيسا ، وذلك فتح باب عظيم للفساد ، ومناف للحكمة الإلهيّة؟! تعالى الله من ذلك.

[٣] ومنها : أنّ الله تعالى قد بيّن جميع الأحكام الشرعيّة أجلّها وأدونها ، حتّى بيّن تعالى كيفيّات الأكل والشرب وأحكام دخول الخلاء والخروج منه والعلامات الجليلة والحقيرة ، فكيف يهمل مثل هذا الأصل العظيم ، ويجعل أمره إلى اختيار المكلّفين مع علمه تعالى بتباين آرائهم وتنافر طباعهم؟!

[٤] ومنها : أنّ القول باستناد الإمامة إلى الاختيار مناقض للغرض ومناف للحكمة ، والقصد من نصب الإمام امتثال الخلق لأوامره ونواهيه والانقياد إلى طاعته وسكون نائرة الفتن وإزالة الهرج والمرج ، وإبطال التغلّب والمقاهرة ، وإنّما يتمّ هذا الغرض ويكمل المقصود لو كان الناصب للإمام غير المكلّفين ؛ لأنّه لو استند إليهم الاختيار لاختار كلّ منهم من يميل طبعه إليه ، وفي ذلك ثوران لفتن عظيمة ووقوع هرج ومرج بين الناس ، فيكون نصب الإمام مناقضا للغرض من نصبه ، وهو باطل.

[٥] ومنها : أنّ وجوب طاعة الإمام حكم عظيم من أحكام الدين ، فلو جاز استناده إلى المكلّفين لجاز استناد جميع الأحكام إليهم ، وذلك يستلزم الاستغناء من

٣٥٢

بعثة الأنبياء ؛ لأنّهم إنّما بعثوا كبعث الأحكام ، فإذا كان أصلها مستغنى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان غيره أولى.

[٦] ومنها : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما فيجب أن يثبت التعيين بالنصّ لا بالاختيار ؛ لخفاء العصمة عنّا ، لأنّها من الأمور الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى.

[٧] ومنها : أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل أهل زمانه دينا وورعا وعلما وسياسة ، فلو ولّينا أحدنا باختيارنا لم نأمن أن يكون باطنه كافرا أو فاسقا ، فيخفى علينا أمر علمه والمقايسة بينه وبين غيره في الكمالات ، وإذا جهلنا الشرط كيف يصحّ أن يناط هذا الأمر ويستند إلى اختيارنا.

[٨] ومنها : أنّ الإمام كما أنّه لطف باعتبار أنّ الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من التنازع والهرج والمرج ، وكان ذلك علّة في وجوب نصبه كذلك كونه منصوصا عليه معيّنا من عند الله ، فإنّ الناس مع الإمام المنصوص عليه من قبل الله تعالى أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الهرج والمرج ممّا إذا كان تعيينه مستندا إلى اختيار المكلّفين ومفوّضا إلى تعيين العامّة ، فإنّه لا فساد أعظم من ذلك ولا اختلاف أشدّ منه ، فيكون تعيينه من قبل الله تعالى واجبا ، كما وجب أصل تعيينه.

وإنكار كون الناس أقرب إلى الصلاح مع التنصيص على الإمام وبعدهم مع التفويض إلى الاختيار مكابرة محضة وإنكار للضرورة ؛ فإنّ كلّ عاقل يجزم بذلك ، ويحكم بأنّ المنكر معاند جاحد.

[٩] ومنها : أنّ الصفات المشترطة في الإمام خفيّة لا يمكن الاطّلاع للبشر كالإسلام والعدالة والعفّة والشجاعة وغيرها من الكيفيّات النفسيّة ، فلو كان نصبه منوطا باختيار العامّ لكان إمّا أن يشترط العلم بحصولها في المنصوب بالاختيار ، وهو تكليف ما لا يطاق أو يشترط الظنّ وقد نهي من اتّباعه في الآيات ، وتجويزه في بعض المواضع لا يخرجه عن الحجيّة في غير محلّ التخصيص.

[١٠] ومنها : أنّه لو ثبت الإمام بالاختيار لكان لمن أثبتها باختياره أن يبطلها

٣٥٣

ويزيلها باختياره ، كما في الأمير والقاضي ، والتالي باطل والمقدّم مثله. وتوهّم كونه كوليّ المرأة في أنّه يملك التزويج دون الطلاق فاسد ؛ فإنّ الشارع جعل لإزالة قيد النكاح سببا مخصوصا غير منوط باختيار العامّة لمصلحتهم.

[١١] ومنها : أنّ الإمام خليفة الله والرسول ، فلو ثبتت إمامته بالاختيار ، لما كان خليفة لهما ؛ لأنّهما لم يستخلفا ولم ينصّا عليه وعدم كفاية التفويض إلى اختيارنا في الاستناد إليه تعالى كما في الأحكام الفرعية.

[١٢] ومنها : أنّه قد أوجب الله تعالى الوصيّة كما في كتابه وحثّ عليها رسول الله ، حتّى قال : « من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهليّة »(١) ، فكيف يليق أن ينسب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ترك هذا الواجب المجمع على وجوبه المنصوص في القرآن والمتواتر عليها من الأخبار؟ فكيف يوجب على الأمّة ثمّ يتركه من غير نسخ ولا إبطال؟ ولو نسب الكفّار إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئا لم ينسبوا بأعظم من ذلك ، وإذا امتنع منه أن يترك الوصيّة بطل القول بالاختيار مع أنّ الوصيّة في الدين أعظم من الوصيّة في الأمور الدنيويّة فكيف يتصوّر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو مبدأ الخير ومنبع الدين ومعلّمه والمرشد إليه والدالّ عليه أن يهملها ويجعلها منوطة بمن يتلاعب بها ويوصلها إلى غير مستحقّها؟ فيجب أن يوصي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما وصّى إبراهيم لبنيه وكذلك يعقوب.

[١٣] ومنها : أنه لو وجب لغير الإمام نصبه لوجب أن يكون أعلم منه ، من جهة العلم بعلمه وفضله ، وأنّه أفضل من الآخر من غير واسطة وإخبار غيره ، فيكون أولى منه.

[١٤] ومنها : أنّه لو وجب نصب الرعيّة على أهل جميع البلاد المتباعدة والأصقاع المتعدّدة يلزم الهرج والمرج وإثارة الفتن وانتشار التنازع بين الرؤساء لو اختار أهل كلّ بلد رئيسا أو الإخلال بالواجب لو ترك الكلّ أو البعض ، ولو وجب على أهل

__________________

(١) « وسائل الشيعة » ١٩ : ٢٥٩ ، ح ٨ ؛ « المقنعة » : ٦٦٦ ، باب الوصيّة.

٣٥٤

بعض البلاد يلزم الترجيح بلا مرجّح واللوازم باطلة ، فالمقدّم أيضا باطل ، فيجب على الله تعالى.

[١٥] ومنها : أنّ الإجماع واقع على أنّ قوله تعالى :( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) (١) ،( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (٢) ، وغيرهما من الآيات مطلقة غير مقيّدة ، فالخطاب إمّا للأمّة أو للإمام ، والأوّل باطل ، للإجماع على أنّ الحدود لا يتولاّها إلاّ الإمام أو من أذن له الإمام ، وأنّه ليس للأمّة أن يأمر الجلاّد بالقطع من دون أن يتولّى ذلك الأمر الإمام. والحمل على وجوب نصب الأئمّة على الأمّة إخراج الكلام عن حقيقته من غير ضرورة ولا دلالة.

[١٦] ومنها : أنّ الإنسان مدني بالطبع لا يمكن أن يعيش منفردا ؛ لافتقاره في بقائه إلى مأكل وملبس ومسكن لا يمكن أن يفعلها بنفسه بل يفتقر إلى مساعدة غيره ، بحيث يفرغ كلّ منهم لما يحتاج إليه صاحبه حتّى يتمّ نظام النوع ، ولمّا كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتناوش فإنّ كلّ واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما في يد غيره ، فتدعوه قوّته الشهويّة إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيه فيؤدّي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة الفتن ، فلا بدّ من نصب إمام معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي ، ويمنعهم من التغلّب والقهر ، وينتصف للمظلوم من الظالم ، ويوصل الحقّ إلى مستحقّه لا يجوز عليه الخطأ ولا السهو ولا المعصية ، وإلاّ لم يتمّ النظام.

[١٧] ومنها : أنّ الله تعالى قادر على نصب الإمام المعصوم ، والحاجة داعية إليه ، ولا مفسدة فيه ، والكلّ ظاهر فيجب نصبه.

[١٨] ومنها : أنّه لو كان الإمام غير معصوم لزم تخلّف المعلول عن علّته التامّة ، لكنّ التالي باطل ، فالمقدّم مثله.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٣٨.

(٢) النور (٢٤) : ٢.

٣٥٥

بيان الملازمة : أنّ تجويز الخطإ على المكلّف موجب لإيجاب كونه مرءوسا لإمام من غير احتياج إليه.

[١٩] ومنها : أنّه اختلفت الأمّة في مسائل ليست في كتاب الله ولا السنّة المتواترة والإجماع عليها ، والقياس ليس بحجّة ؛ لما بيّن في الأصول ، وأخبار الآحاد لا تصلح للإفادة الشرعيّة ؛ لقوله تعالى :( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (١) ، فلا بدّ من معصوم يعرف الحقّ والباطل ، وذلك هو الإمام.

[٢٠] ومنها : أنّ القرآن إنّما أنزل ليعلم ويعمل به ، وهو مشتمل على ألفاظ مشتركة مجملة وآيات متشابهة ومتعارفة ، وقد وقع الاختلاف فيها بين المفسّرين ، فلا بدّ من عالم معصوم يبيّن الحقّ من الباطل ، ويعتمد عليه وهو الإمام.

[٢١] ومنها : قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وكلّ من أمر الله بطاعته فهو معصوم ؛ لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم مطلقا ؛ لأنّه قبيح عقلا.

[٢٢] ومنها : قوله تعالى :( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) (٣) ، فإنّ طريق غير المعصوم قد يكون غير الصراط المستقيم ، فلا بدّ من المعصوم في كلّ زمان ؛ إذ لا يختصّ هذا الدعاء لقوم دون قوم.

[٢٣] ومنها : قوله تعالى( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (٤) ؛ إذ كلّ من صدر منه ذنب في وقت ما كان للشيطان عليه سلطان في الجملة ، وهو ينافي قوله تعالى :( لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) (٥) بمقتضى النكرة المنفيّة ، ويدلّ هذا على عصمة قوم من

__________________

(١) النجم (٥٣) : ٢٨.

(٢) النساء (٤) : ٥٩.

(٣) الفاتحة (١) : ٦.

(٤) الحجر (١٥) : ٤٢.

(٥) الإسراء (١٧) : ٦٥.

٣٥٦

ابتداء وجودهم إلى آخر عمرهم من الصغائر والكبائر عمدا وسهوا وتأويلا ، وكلّ من أثبت ذلك أثبت عصمة الإمام ؛ إذ كلّ من قال بعصمة الأنبياء قال بعصمة الإمام ، فالفرق خرق للإجماع المركّب.

[٢٤] ومنها : قوله تعالى :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ؛ فإنّ غير المعصوم لا يهدي إلاّ أن يهدى ، وقد لا يهدي مع أنّه يهدى فلا يجوز اتّباعه.

[٢٥] ومنها : قوله تعالى :( الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) (٢) ؛ إذ نفي الريب من جميع الوجوه وفي جميع الأزمنة لا يكون إلاّ بوجود معصوم مبيّن لمعانيه ، وذلك هو الإمام.

[٢٦] ومنها : قوله تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٣) .

وجه الاستدلال أنّه تعالى وصفهم بالعدالة المطلقة لأجل الشهادة على الناس ، ولا بدّ أن يكون الشاهد منزّها عن مخالفة الرسول في شيء أصلا حتّى يكون للمشهود عليه لمخالفته حجّة عليه ، ولا يكون كذلك إلاّ المعصوم.

[٢٧] ومنها : أنّ غير المعصوم إمّا أن يكفي في تقريب نفسه من الطاعة وتبعيده عن المعصية أو لا يكفي ، فإن كان الأوّل استغنى عن الإمام مطلقا ولم يحتجّ إلى إمام ، وإن كان الثاني فإذا لم يكف في تقريب نفسه فالأولى أن يكفي في تقريب غيره ، ولا يصلح.

[٢٨] ومنها : أنّ الجزم بالنجاة يحصل باتّباع الإمام المعصوم لا غيره.

[٢٩] ومنها : قوله تعالى :( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) ؛ فإنّ الأمر بالمقاتلة

__________________

(١) يونس (١٠) : ٣٥.

(٢) البقرة (٢) : ١ ـ ٢.

(٣) البقرة (٢) : ١٤٣.

(٤) البقرة (٢) : ١٩٠.

٣٥٧

يقتضي وجود رئيس معصوم ؛ لئلاّ يتحقّق سفك الدماء وإتلاف الأموال بغير حقّ.

[٣٠] منها : قوله تعالى :( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ) (١) ؛ لدلالته على أنّ مقامه تعالى في كلّ الأوقات إخراج المؤمنين من كلّ ظلمة إلى النور ، بقرينة الجمع المعرّف باللام ، فيدلّ على ثبوت المعصوم في كلّ عصر ، فيستحيل أن يكون الإمام غيره مع أنّ مقتضى رحمته تعالى جعل طريق يوصل إليه ، وليس إلاّ بوجود المعصوم في كلّ عصر.

[٣١] ومنها : قوله تعالى :( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (٢) ؛ لدلالته على مطلوبيّة الاستباق إلى جميع الخيرات ، وذلك موقوف على معرفتها ، وذلك موقوف على معرفة الخطاب الإلهي ولا يحصل إلاّ من المعصوم.

[٣٢] ومنها : قوله تعالى :( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ـ إلى قوله تعالى ـ :( وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) (٣) ؛ فإنّ نصب الإمام نعمة جميع النعم مستحقرة عندها ، فلو لم ينصب الإمام لم يكن قد أتمّ النعم مع أنّ العلّة في بعث الرسل التقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية والهداية إلى ما لم يعلم ، وهذا الداعي موجود بالنسبة إلى الإمام مع القدرة عليه ، فيدلّ العقل على وجود الإمام المعصوم في كلّ زمان ، ويطابقه قوله تعالى :( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ ) (٤) ؛ لدلالته على أنّ المراد من إنزال الكتب الهداية الموقوفة على المعرفة الموقوفة على وجود الإمام المعصوم.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٧.

(٢) المائدة (٥) : ٤٨.

(٣) البقرة (٢) : ١٥٠ ـ ١٥١.

(٤) آل عمران (٣) : ٣ ـ ٤.

٣٥٨

[٣٣] ومنها : قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) ـ إلى قوله تعالى ـ :( وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (١) ؛ فإنّ دفع الذين في قلوبهم زيغ ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ، وردعهم عن ذلك يستلزم ثبوت المعصوم ؛ لأنّ غيره لا ترجيح لقول بعضهم على بعض فكلّ منهم يدّعي ما يخالف غيره ، وذلك هو الفتنة.

[٣٤] ومنها : قولهعليه‌السلام : « لا تجتمع أمّتي على الخطاء »(٢) ؛ لدلالته بمقتضى كون لام التعريف لتعريف الجنس على عدم اجتماع الأمّة على جنس الخطإ وماهيّته من حيث هي هي فيدلّ على وجود المعصوم في كلّ عصر ؛ إذ لم يكن منهم معصوم من أوّل عمره إلى آخره لجاز في زمان عدم المعصوم فعل كلّ واحد نوعا من الخطإ مغايرا لما يفعله الآخر ، فيكونوا قد اجتمعوا على جنس الخطإ ، لكنّه منفيّ بالخبر ، فدلّ على ثبوت معصوم بينهم من أوّل عمره إلى آخره في كلّ عصر فثبت مطلوبنا ؛ لاستحالة كون الإمام غيره.

[٣٥] ومنها : قوله تعالى :( وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ) (٣) ؛ فإنّ معرفة جميع الصالحات ليست إلاّ للمعصوم ، فيجب في كلّ عصر لعموم كلّ عصر من جهة حذف المتعلّق. ومثله سورة والعصر.

[٣٦] ومنها : قوله تعالى :( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٤) ؛ فإنّ الأمر بكلّ معروف والنهي عن كلّ منكر لا يكون إلاّ من المعصوم ، ونحوه آيات أخر أمثالها.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ٧.

(٢) « كشف الخفاء » ٢ : ٤٧٠ ، ح ٢٩٩٩ ؛ « سنن ابن ماجة » ٢ : ١٣٠٣ ، ح ٣٩٥٠ باب السواد الأعظم ؛ « الشافي » ١ : ٢٣٦ ؛ « المقاصد الحسنة » : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، ح ١٢٨٨.

(٣) آل عمران (٣) : ٥٧.

(٤) آل عمران (٣) : ١٠٤.

٣٥٩

[٣٧] ومنها : قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) (١) ؛ فإنّ حقّ تقاته لا يمكن إلاّ بالعلم اليقيني بالأحكام ، وذلك لا يكون إلاّ من المعصوم.

[٣٨] ومنها : قوله تعالى :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ؛ فإنّ الاعتصام بحبل الله يقينا بامتثال أوامر الله اليقينيّة والامتناع من مناهيه الواقعيّة ، وعدم الافتراق في الحقّ ، لا يكون إلاّ بوجود معصوم في كلّ عصر يحملهم على الاجتماع.

[٣٩] ومنها : قوله تعالى :( وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (٣) ؛ فإنّ ذلك لا يعلم إلاّ من المعصوم.

[٤٠] ومنها : قوله تعالى :( وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) (٤) ؛ فإنّه يدلّ على ثبوت المعصوم ؛ فإنّ غيره ظالم.

[٤١] ومنها : قوله تعالى :( يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) (٥) ؛ فإنّ نصب الإمام من أعظم الأمور ، فيكون مستندا إلى الله.

[٤٢] ومنها : أنّ اللطف ـ الذي هو مقرّب إلى الطاعة ومبعّد عن المعصية الذي هو الشرط في التكليف ـ إنّما هو عصمة الإمام ، فهي واجبة بالقصد الأوّل.

[٤٣] ومنها : أنّ الإمامة إنّما وجبت لرفع المفسدة التي يمكن حصولها من خطإ المكلّف وتحصيل المصلحة الناشئة من فعله ؛ إذ لو لم يجز الخطأ علي شيء من المكلّفين لم تجب الإمامة ، فلو لم يكن الإمام معصوما مع وجود الإمامة لم تحصل العلّة الدافعة لتلك المفسدة والمحصّلة للمصلحة مع زيادة مفسدة فيها ، وهو جواز

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٠٢.

(٢) آل عمران (٣) : ١٠٣.

(٣) آل عمران (٣) : ١٣٣.

(٤) آل عمران (٣) : ١٤٠.

(٥) آل عمران (٣) : ١٥٤.

٣٦٠