البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 100677
تحميل: 4032


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100677 / تحميل: 4032
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

قلت : صدقت يا سيّدي ومولاي.

قال : « فتحبّ أن تئوب إلى أهلك؟ »

قلت : نعم يا سيّدي ، وأبشّرهم بما أتاح الله عزّ وجلّ لي. فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة ، وخرج ومشى معي خطوات فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد ، فقال : أتعرف هذا البلد؟

قلت : إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأستاباد وهي تشبهها.

قال : فقال : هذه أستاباد امض راشدا. فالتفتّ فلم أره ، ودخلت أستاباد وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون دينارا ، فوردت همذان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما أتاح الله لي ويسرّه عزّ وجلّ ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير(١) .

ومنها : الخبر المشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي : كان رجل من أهل الخير والصلاح ويدعى حسين له عيال وأطفال ، فأصابه فالج فمكث مدّة لا يقدر على القيام وإنّما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته ، ومكث على ذلك مدّة مديدة ، فدخل على عياله وأهله بذلك شدّة شديدة واحتاجوا إلى الناس واشتدّ عليهم البأس ، فلمّا كان سنة عشرين وسبعمائة هجريّة في ليلة من لياليها بعد ربع الليل نبّه عياله ، فانتبهوا في الدار فإذا الدار والسطح قد امتلأ نورا يأخذ بالأبصار ، فقالوا : ما الخبر؟

فقال : إنّ الإمامعليه‌السلام جاءني وقال لي : « قم يا حسين ».

فقلت : يا سيّدي ، أتراني أقدر على القيام؟ فأخذ بيدي وأقامني فذهب ما بي وها أنا صحيح على أتمّ ما ينبغي(٢) .

ومنها : ما قال الفاضل العلاّمة في « البحار » :

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٢ : ٤٠ ـ ٤٢ ، ح ٣٠ ، نقلا عن « كمال الدين » ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ، ح ٢٠.

(٢) المصدر السابق : ٧٣ ـ ٧٤ ، ذيل ح ٥٥.

١٢١

من الحكايات التي سمعتها عمّن قرب من زماننا : ما أخبرني جماعة عن السيّد الفاضل أمير علاّم ، قال : كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدّسة بالغريّ ـ على مشرّفها السّلام ـ وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدّسة فأقبلت إليه ، فلمّا قربت منه عرفت أنّه أستاذنا الفاضل العالم التقيّ الزكيّ مولانا أحمد الأردبيلي ـ قدّس الله روحه ـ فأخفيت نفسي عنه حتّى أتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ، ودخل الروضة فسمعته يتكلّم كأنّه يناجي أحدا ، ثمّ خرج وأغلق الباب ، فمشيت خلفه حتّى خرج من الغريّ وتوجّه نحو مسجد الكوفة ، فكنت خلفه بحيث لا يراني حتّى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنينعليه‌السلام عنده ومكث طويلا ، ثمّ رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغريّ فكنت خلفه حتّى قرب من الحنّانة فأخذني سعال لم أقدر على دفعه فالتفت إليّ فعرفني ، فقال : أنت مير علاّم؟ قلت : نعم. قال : ما تصنع هاهنا؟

قلت : كنت معك حيث دخلت الروضة المقدّسة إلى الآن ، وأقسم عليك بحقّ صاحب القبر أن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية.

فقال : أخبرك على أن لا تخبر أحدا ما دمت حيّا ، فلمّا توثّق ذلك منّي قال : كنت أفكّر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ ، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنينعليه‌السلام وأسأله عن ذلك ، فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة ، وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك ، فسمعت صوتا من القبر أن ائت مسجد الكوفة واسأل عن القائمعليه‌السلام فإنّه إمام زمانك ، فأتيت عند المحراب وسألته عنها وأجبت ، وها أنا أرجع إلى بيتي(١) .

ومنها : ما قال الفاضل العلاّمة في « البحار » :

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٢ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، باب نادر فيمن رآهعليه‌السلام قريبا من زماننا.

١٢٢

أخبرني بعض الأفاضل الكرام والثقات الأعلام ، قال : أخبرني بعض من أثق به ، يرويه عمّن يثق به ويطريه أنّه قال : لمّا كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلا من المسلمين ليكون ادعى إلى تعميرها ، وأصلح بحال أهلها ، وكان هذا الوالي من النواصب ، وله وزير أشدّ نصبا منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيتعليهم‌السلام ، ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة ، فلمّا كان في بعض الأيّام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي ، فإذا كان مكتوبا عليها : لا إله إلاّ الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول الله.

فتأمّل الوالي ورأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر ، فتعجّب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين؟

فقال له : أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون ينكرون البراهين ، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة ، فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل ، وإن أبوا إلاّ المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين الثلاث : إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون ، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا محيص لهم عنها ، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم ونأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه ، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمّانة ، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف : من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار ، فتحيّروا في أمرها فلم يقدروا على جواب وتغيّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم. فقال كبراؤهم : أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلاّ فاحكم فينا ما شئت.

فأمهلهم ، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين فاجتمعوا في مجلس

١٢٣

وأجالوا الرأي في ذلك ، فاتّفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة ففعلوا ، ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة ، فقالوا لأحدهم : اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجّة الله علينا ، لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء ، فخرج وبات طول ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ويستغيث بالإمامعليه‌السلام حتّى أصبح ولم ير شيئا ، فأتاهم وأخبرهم.

فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر ، فازداد قلقهم وجزعهم فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمّد بن عيسى ، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة ، فدعا وبكى وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليّة عنهم واستغاث بصاحب الزمانعليه‌السلام فلمّا كان آخر الليل إذ هو برجل يخاطبه ويقول : « يا محمّد بن عيسى ، ما لي أراك على هذه الحالة؟ لما ذا خرجت إلى هذه البريّة؟ ».

فقال له : أيّها الرجل ، دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلاّ لإمامي ولا أشكوه إلاّ إلى من يقدر على كشفه عنّي.

فقال : « يا محمّد بن عيسى ، أنا صاحب الزمان فاذكر حاجتك ».

فقال : إن كنت هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك.

فقال له : « نعم ، خرجت لمّا دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به ».

قال : فلمّا سمعت ذلك توجّهت إليه ، وقلت : نعم يا مولاي ، قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا.

فقالعليه‌السلام : « يا محمّد بن عيسى ، إنّ الوزير ـ لعنه الله ـ في داره شجرة رمّان ، فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمّانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ، ثمّ وضعهما على الرمّانة وشدّهما عليها وهي صغيرة فأثّر فيها وصارت هكذا. فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له : جئتك بالجواب

١٢٤

ولكنّي لا أبديه إلاّ في دار الوزير ، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ترى فيها غرفة ، فقل للوالي : لا أجيبك إلاّ في تلك الغرفة ، وسيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولم ترض إلاّ بصعودها ، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدّم عليك ، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جليّة الحال.

وأيضا يا محمّد بن عيسى ، قل للوالي : إنّ لنا معجزة أخرى وهي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلاّ الرماد والدخان ، وإن أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته ».

فلمّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمامعليه‌السلام فرح فرحا شديدا وقبّل بين يدي الإمامعليه‌السلام فانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور ، فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي ، وفعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمامعليه‌السلام وظهر كلّ ما أخبره ، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال : من أخبرك بهذا؟

فقال : إمام زماننا وحجّة الله علينا.

فقال : ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمرعليهم‌السلام ، فقال : الوالي : مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ثمّ أقرّ بالأئمّةعليهم‌السلام إلى آخرهم وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

قال : وهذه القصّة مشهورة عند أهل البحرين ، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس(١) .

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥٢ : ١٧٨ ـ ١٨٠ ، باب نادر فيمن رآهعليه‌السلام قريبا من زماننا.

١٢٥

[ فضائل سائر الأئمّة في الصواعق المحرقة ]

اعلم : أنّ ابن حجر ذكر في صواعقه نبذا من فضائل سائر الأئمّةعليهم‌السلام ينبغي ذكرها ؛ لما مرّ من أنّ « الفضل ما شهدت به الأعداء » ؛ حيث قال في بيان ما يتعلّق بمولانا الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

إنّه آخر الخلفاء الراشدين بنصّ جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولي الخلافة بعد قتل أبيه بمبايعة أهل الكوفة فأقام بها ستّة أشهر وأيّاما ، خليفة حقّ وإمام عدل وصدق تحقيقا لما أخبر به جدّه الصادق المصدوقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة » ، فإنّ تلك الستّة أشهر هي المكمّلة ، فكانت خلافته منصوصا عليها وقام عليها إجماع من ذكر فلا مرية في حقيّتها ؛ ولذا أناب معاوية عنه وأقرّ له بذلك ثمّ ذكر الأحاديث الواردة في فضائله(١) .

ومنها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرّة وإليه مرّة ويقول : « إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين »(٢) .

ومنها : أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هما ريحانتاي من الدنيا » ،(٣) يعني الحسن والحسينعليهما‌السلام .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الحسن والحسينعليهما‌السلام سيّدا شباب أهل الجنّة »(٤) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حالة كون الحسن والحسين على وركيه : « هذان ابناي وابنا ابنتي اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما »(٥) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : « الحسن والحسين »(٦) .

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٢) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٦٩ ، ح ٣٥٣٦.

(٣) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « صحيح البخاري » ٣ : ١٣٧١ ، ح ٣٥٤٣.

(٤) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٦٥٦ ، ح ٣٧٦٨.

(٥) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٦٥٧ ، ح ٣٧٦٩.

(٦) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٦٥٨ ، ح ٣٧٧٢.

١٢٦

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل وقد حمل الحسن على رقبته فلقيه رجل فقال : نعم المركب ركبت يا غلام ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ونعم الراكب »(١) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي فيجيء الحسن وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير ، فيجلس على ظهره ومرّة على رقبته ، فيرفعه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفعا رقيقا فلمّا فرغ من الصلاة قالوا : يا رسول الله ، إنّك تصنع بهذا الصبيّ شيئا لا تصنعه بأحد؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ هذا ريحانتي وإنّ هذا ابني سيّد ، وحسبي أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين »(٢) . إلى غير ذلك(٣) .

ثمّ ذكر بعض آثاره وأنّهعليه‌السلام كان مطلاقا للنساء ، وكان لا يفارق امرأة إلاّ وهي تحبّه ، وأحصوها تسعين امرأة. وقال عليّعليه‌السلام : « يا أهل الكوفة ، لا تزوّجوا الحسن فإنّه رجل مطلاق » ،(٤) فقال رجل من همذان نزوّجه فما رضي أمسك وما كره طلّق ،(٥) إلى غير ذلك ممّا دلّ على حلمه وكرمه وزهده ووقاره.

ثمّ ذكر الآيات الواردة في فضائل أهل البيت كآية التطهير والمباهلة والمودّة في القربة وغيرها(٦) ، ثمّ ذكر الأحاديث الواردة فيهم إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك »(٧) . وفي أخرى : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »(٨) .

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ١٣٧ ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري ٤ : ١٦٢ ، باب حبّ الصبيان من رحمة الله تعالى ، ح ٤٨٤٧.

(٢) « الصواعق المحرقة » : ١٣٨ ؛ « حلية الأولياء » ٢ : ٣٥ ، ح ١٣٢.

(٣) راجع « الصواعق المحرقة » : ١٣٨.

(٤) « الصواعق المحرقة » : ١٣٩ ؛ « بحار الأنوار » ٦ : ٥٦ ، باب تطليق المرأة غير الموافقة ، ح ٥.

(٥) « الصواعق المحرقة » : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٦) المصدر السابق : ١٤٣ ـ ١٧١.

(٧) « الصواعق المحرقة » : ١٨٦ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ١٤٨ ، ح ١٢٩١.

(٨) « الصواعق المحرقة » : ١٨٦ ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري ٣ : ٨١ ، باب مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، ح ٣٣٦٥ ؛ « تأريخ بغداد » ١٢ : ٩١ ؛ « المناقب » لابن المغازلي : ١٤٩ ، ح ١٧٥.

١٢٧

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صنع صنيعة إلى أحد من خلف عبد المطلب في الدنيا فعليّ مكافأته إذا لقيني »(١) .

ومنها : أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمّتي »(٢) .

ومنها : أنّه [ قال ]صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أثبتكم على الصراط أشدّكم حبّا لأهل بيتي ولأصحابي »(٣) .

ومنها : أنّه قال : « إنّ هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قطّ قبل هذه الليلة استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني بأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ، وأنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة »(٤) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم »(٥) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « كلّ بني أنثى ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فإنّي أنا وليّهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم »(٦) .

ومنها : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « فاطمة بضعة منّي يبغضني من يبغضها ويغبطني من يغبطها »(٧) .

ومنها : رواية عليّعليه‌السلام أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من آذى شعرة منّي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله »(٨) .

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على غاية جلالتهم ونهاية فضيلتهم.

ثمّ ذكر أحوال مولانا الحسينعليه‌السلام وقضيّة كربلاء وحمل رأسه إلى ابن زياد ويزيد

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « تأريخ بغداد » ١٠ : ١٠٣.

(٢) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « المستدرك » للحاكم النيسابوري ٣ : ١٤٩.

(٣) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « كنز العمّال » ١٢ : ٩٦ ، ح ٣٤١٥٧.

(٤) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٦٦١ ـ ٦٦٢ ، ح ٣٧٨١.

(٥) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٣٦٠ ، ح ٣٩٦٢.

(٦) « الصواعق المحرقة » : ١٨٨ ؛ « المعجم الكبير » للطبراني ٢٢ : ٤٢٣ ، ح ١٠٤٢.

(٧) « الصواعق المحرقة » : ١٨٨ ، مع اختلاف ؛ « سنن الترمذي » ٥ : ٣٦٠ ، ح ٣٩٦١.

(٨) « الصواعق المحرقة » : ١٨٧ ؛ « الأمالي » للصدوق : ٤٥١ ، المجلس ١٦ ، ح ١٠٠٦.

١٢٨

وأخذ راهب الدير له في أثناء الطريق عارية في ليلة بعوض عشرة آلاف دينار وتغسيله له وتطييبه ، ووضعه على فخذه والنور منه ساطع إلى السماء وإسلامه لذلك ، وخروجه من الدير وخدمته لأهل البيت(١) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا سيّد الساجدين زين العابدينعليه‌السلام ، وأنّ عبد الملك حمله مقيّدا من المدينة بأثقلة من حديد ووكّل به حفظة ، فدخل عليه الزهري لوداعه ، فبكى وقال : وددت أنّي مكانك ، فقال : « أو تظنّ أنّ ذلك يكربني لو شئت لما كان وأنّه ليذكّرني عذاب الله ».

ثمّ أخرج رجليه من القيد وفكّ يده من الغلّ ، ثمّ قال : لأجزت معهم على هذا يومين من المدينة ، فما مضى يومان إلاّ وفقدوه حين طلع الفجر وهم يرصدونه ، فطلبوه فلم يجدوه ، فقال الزهري فقدمت على عبد الملك فسألني عنه فأخبرته ، فقال : قد جاءني يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال : « ما أنا وأنت؟ » فقلت : أقم عندي ، فقال : « لا أحبّ ».

ثمّ خرج ، فو الله لقد امتلأ قلبي منه خيفة ، ومن ثمّ كتب عبد الملك للحجّاج أن تجنّب دماء بني عبد المطّلب وأمره بكتم ذلك ، فكوشف به زين العابدين فكتب إليه : « أنّك كتبت للحجّاج يوم كذا أمرا في حقّنا بني عبد المطّلب بكذا وكذا وقد شكر الله لك ذلك » ، وأرسل به إليه ، فلمّا وقف عليه وجد تأريخه موافقا لتأريخ كتابه للحجّاج ، ووجد مخرج الغلام موافقا لمخرج رسوله للحجّاج ، فعلم أنّ زين العابدين كوشف بسرّه ، فسر به وأرسل إليه مع غلامه يوقر راحلته دراهم وكسوة ، وسأله أن لا يخليه من صالح دعائه(٢) .

وقال الفرزدق في شأنه إذ أقبل حتّى استلم وتنحّى له الناس الذين كان عند

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ١٩٢ ـ ٢٠٠.

(٢) المصدر السابق : ٢٠٠.

١٢٩

هشام ، نظم :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى إلى ذروة العز التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم(١)

ثمّ ذكر أحوال مولانا الباقرعليه‌السلام فقال : هو باقر العلوم وجامعه ، وعمر بطاعة الله أوقاته ، وله من مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين ، وكفاه شرفا أنّه قال [ له ] جابر ـ وهو صغير ـ : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : كنت جالسا عنده ، والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقال : « يا جابر ، يولد له مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة ينادي مناد : ليقم زين العابدين فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإذا أدركته يا جابر ، فأقرئه منّي السّلام »(٢) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا الصادقعليه‌السلام وفضله وكماله ، ثمّ حكى عن الليث بن سعد أنّه قال : حججت سنة ثلاث عشرة ومائة ، فلمّا صلّيت العصر في المسجد رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو ، فقال : « يا ربّ يا ربّ » ، حتّى انقطع نفسه ، ثمّ قال : « يا حيّ يا حيّ » ، حتّى انقطع نفسه ، ثمّ قال : « إلهي إنّي أشتهي العنب فأطعمنيه ، اللهمّ وإنّ برداي قد خلقا فاكسني ».

قال الليث : فو الله ما استتمّ كلامه حتّى نظرت إلى سلّة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وإذا ببردان موضوعان لم أر مثلهما في الدنيا ، فأراد أن يأكل

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ٢٠٠.

(٢) « الصواعق المحرقة » : ٢٠١ ؛ « بحار الأنوار » ٤٦ : ١٢٥.

١٣٠

فقلت : أنا شريكك فقال : « ولم؟ » فقلت : لأنّك دعوت وكنت أؤمّن ، قال : « فتقدّم وكل » ، فتقدّمت وأكلت عنبا لم آكل مثله قطّ ما كان له عجم ، فأكلنا حتّى شبعنا ولم تتغيّر السلّة ، فقال : « لا تدّخر ولا تخبّئ منه شيئا ».

ثمّ أخذ أحد البردين ودفع إليّ الآخر فقلت : أنا بي غنى عنه فاتّزر بأحدهما وارتد بالآخر وأعطى برديه الخلقين فقيرا سأله ، قلت : من هذا؟ قال : جعفر الصادقعليه‌السلام فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئا فلم أقدر عليه(١) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا الكاظمعليه‌السلام قال : سمّي كاظما لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم.

قال : ومن بديع كراماته ما حكي من شقيق البلخي أنّه خرج حاجّا سنة تسع وأربعين ومائة فرآه بالقادسية منفردا عن الناس ، فقال في نفسه : هذا فتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس لأمضينّ إليه ولأوبخنّه فمضى إليه ، فقال : « يا شقيق ،( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ ) » الآية ،(٢) فأراد أن يحالله فغاب عن عينيه ، فما رآه إلاّ بواقصة يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر ، فجاء إليه ليعتذر فخفّف صلاته وقال له : «( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) » الآية ،(٣) فلمّا نزلوا زبالة رآه على بئر سقطت ركوته فيها فدعا فطغى الماء حتّى أخذها فتوضّأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رمل فطرح منه فيها وشرب ، فقلت : أطعمني من فضل ما رزقك الله تعالى ، فقال : « يا شقيق ، لم تزل أنعم الله علينا ظاهرة فأحسن ظنّك بربّك » فناولنيها ، فشربت منها فإذا سويق وسكّر ما شربت والله ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي شرابا ولا طعاما ، ثمّ لم أره إلاّ بمكّة وهو بغلمان

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ٢٠١ ـ ٢٠٣.

(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٣) طه (٢٠) : ٨٢.

١٣١

وغاشية وأمور على خلاف ما كان عليه بالطريق(١) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا الرضاعليه‌السلام قال : وهو أنبههم ـ أي أولاد مولانا الكاظمعليه‌السلام وهم سبعة وثلاثون ـ ذكرا وأجلّهم قدرا ، ومن ثمّ أحلّه المأمون محلّ مهجته وأنكحه ابنته وأشركه في مملكته وفوّض إليه أمر خلافته ، فإنّه كتب بيده كتابا سنة إحدى ومائتين بأنّ عليّا الرضاعليه‌السلام وليّ عهده وأشهد عليه جمعا كثيرين(٢) .

وقال : قيل للمتوكّل : جرّب فيه ما يقال : إنّ الله حرّم لحم أولاد الحسين على السباع ، فأمر بثلاثة من السباع فجيء بها في صحن قصره ، ثمّ دعاه فلمّا دخل أغلق الباب عليه والسباع قد أصمّت الأسماع من زئيرها ، فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه وقد سكنت ، فتمسّحت به ودارت حوله وهو يمسحها بكمّه ، ثمّ ربضت فصعد للمتوكّل وتحدّث معه ساعة ، ثمّ نزل ففعلت معه كفعلها الأوّل حتّى خرج فأتبعه المتوكّل بجائزة عظيمة ، فقيل للمتوكّل : افعل كما فعل ابن عمّك فلم يجرأ عليه ، وقال : أتريدون قتلي؟ ثمّ أمرهم أن لا يفشوا ذلك(٣) .

وقيل : إنّ صاحب هذه القصّة هو عليّ العسكري ؛ لأنّ الرضاعليه‌السلام توفّي في خلافة المأمون اتّفاقا ولم يدرك المتوكّل(٤) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا الجواد محمّد التقيّعليه‌السلام وقال : وممّا اتّفق أنّه بعد موت أبيه بسنة كان واقفا والصبيان يلعبون في أزقّة بغداد إذ مرّ المأمون ، ففرّوا ووقف محمّد ـ وعمره تسع سنين ـ فألقى الله محبّته في قلبه ، فقال له : يا غلام ، ما منعك من الانصراف؟ فقال له مسرعا : « يا أمير المؤمنين ، لم يكن في الطريق ضيق فأوسّعه لك ، وليس لي جرم فأخشاك ، والظنّ بك حسن أن لا تضرّ من لا ذنب له » ، فأعجبه كلامه

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٢) المصدر السابق : ٢٠٤.

(٣) المصدر السابق : ٢٠٥.

(٤) المصدر السابق.

١٣٢

وحسن صورته ، فقال له : ما اسمك واسم أبيك؟ قال : « محمّد بن عليّ الرضاعليه‌السلام » ، فترحّم على أبيه وساق جواده وكان معه بزاة للصّيد.

فلمّا بعد عن العمار أرسل بازا على درّاجة فغاب عنه ، ثمّ عاد من الجوّ في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة ، فتعجّب من ذلك غاية التعجّب ، ورجع فرأى الصبيان على حالهم ومحمّد عندهم ففرّوا إلاّ محمّدا ، فدنا منه فقال : يا محمّد ، ما في يدي؟ قال : « يا أمير المؤمنين ، إنّ الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكا صغارا يصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفىعليه‌السلام ».

فقال له : أنت ابن الرضا حقّا. وأخذه معه ، وأحسن إليه وبالغ في إكرامه ، ولم يزل مشفقا به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه ، وعزم على تزويجه ابنته أمّ الفضل ، وصمّم على ذلك فمنعه العبّاسيّون من ذلك ؛ خوفا من أنّه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه ، فذكر لهم إنّما اختاره لتميّزه على كافّة أهل الفضل علما ومعرفة وحلما على صغر سنّة ، فتنازعوا في اتّصاف محمّد بذلك ، ثمّ تواعدوا على أن يرسلوا إليه يحيى بن أكثم ، ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمّدا ، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواصّ الدولة ، فأمر المأمون بفراش حسن لمحمّد فجلس عليه فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه.

فقال له الخليفة : أحسنت أبا جعفر ، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو بمسألة واحدة فقال : « ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراما ، ثمّ حلّت له عند ارتفاعه ، ثمّ حرمت عليه عند الظهر ، ثم حلّت له عند العصر ، ثمّ حرمت عليه في المغرب ، ثمّ حلّت له العشاء ، ثمّ حرمت عليه نصف الليل ، ثمّ حلّت له الفجر؟ ».

فقال يحيى : لا أدري ، فقال محمّد : « هي أمة نظرها أجنبيّ بشهوة وهي حرام ، ثمّ اشتراها ارتفاع النهار ، وأعتقها الظهر ، وتزوّجها [ العصر ] ، وظاهر منها المغرب ، وكفّر العشاء ، وطلّقها رجعيّا نصف الليل ، وراجعها الفجر ».

١٣٣

فعند ذلك قال المأمون للعبّاسيّين : قد عرفتم ما كنتم تنكرونه ، ثمّ زوّجه في ذلك المجلس ابنته أمّ الفضل ، ثمّ توجّه بها إلى المدينة ، فأرسلت تشتكي منه لأبيها أنّه تسرّى عليها ، فأرسل إليها أبوها : أنا لم أزوّجك له لتحرّمي عليه حلالا فلا تعودي لمثله.

قال : يقال : إنّه سمّ عن ذكرين وبنتين(١) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا [ عليّ ] العسكريعليه‌السلام واستصوب كونه ممتحنا بقضيّة السباع.

ثمّ ذكر أحوال مولانا الحسن العسكريعليه‌السلام قال : وقع لبهلول معه أنّه رآه وهو صبيّ يبكي والصبيان يلعبون فظنّ أنّه يتحسّر على ما في أيديهم ، فقال : أشتري لك ما تلعب به ، فقال : « يا قليل العقل ، ما للعب خلقنا » ، فقال له : فلما ذا خلقنا؟ قال : « للعلم والعبادة » ، فقال له : من أين لك ذلك؟ قال : « من قول الله تعالى :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (٢) ».

ثمّ سأله أن يعظه فوعظه بأبيات ، ثمّ خرّ الحسن مغشيّا عليه ، فلمّا أفاق قال له : ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فقال : « إليك عنّي ، إنّي رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتّقد إلاّ بالصغار ، وإنّي أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم »(٣) .

ولمّا حبس قحط الناس بسرّ من رأى قحطا شديدا فأمر الخليفة المعتمد بن المتوكّل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيّام فلم يسقوا ، فخرج النصارى ومعهم راهب كلّما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة فارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على الخليفة ، فأمر بإحضار الحسن الخالص وقال له :

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ٢٠٦.

(٢) المؤمنون (٢٣) : ١١٥.

(٣) « الصواعق المحرقة » : ٢٠٦ ـ ٢٠٧.

١٣٤

أدرك أمّة جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يهلكوا ، فقال الحسن : « يخرجون غدا وأزيل الشكّ إن شاء الله ».

وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم ، فلمّا خرج الناس للاستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيّمت السماء ، فأمر الحسنعليه‌السلام بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدميّ ، فأخذه من يده وقال : استسق فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فتعجّب الناس من ذلك.

فقال الخليفة للحسن : ما هذا يا أبا محمّد؟

فقال : « هذا عظم نبيّ ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف عن عظم نبيّ تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر » ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن إلى داره ، وأقام عزيزا مكرّما وصلات الخليفة تصل إليه كلّ وقت إلى أن مات بسرّ من رأى ودفن عند أبيه ، وعمره ثمان وعشرون سنة ، ويقال : إنّه سمّ أيضا(١) .

ثمّ ذكر أحوال مولانا صاحب الزمانعليه‌السلام وقال : عمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله الحكمة(٢) .

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله أنّه قال : « لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتّى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي »(٣) .

وفي بعض الأخبار الأخر زيادة « واسم أبيه اسم أبي »(٤) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « سيكون بعدي خلفاء ، ومن بعد الخلفاء أمراء ، ومن بعد الأمراء ملوك ، ومن بعد الملوك جبابرة ، ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٢) المصدر السابق : ٢٠٨.

(٣) « الصواعق المحرقة » : ١٦٣ ؛ « سنن الترمذي » ٤ : ٥٠٥ ، ح ٢٢٣٠ ؛ « سنن أبي داود » ٤ : ١٠٤ ، ح ٤٢٨٢.

(٤) « الصواعق المحرقة » : ١٦٣ ؛ « سنن أبي داود » ٤ : ١٠٤ ، ح ٤٢٨٢ ؛ « كنز العمّال » ١٤ : ٢٦٦ ، ح ٣٨٦٦١.

١٣٥

قسطا وعدلا كما ملئت جورا »(١) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « المهديّ رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ »(٢) .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا أنّه قال : « المهديّ من ولد العبّاس عمّي »(٣) .

والتعارض بينهما مدفوع بأنّهما مهديّان أحدهما من آل النبيّ والآخر عمر بن عبد العزيز الملقّب بالمهديّ إشارة إلى أنّه محتاج إلى الهادي وحمل الخبر « لا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم » ، على أنّ المراد ولا مهديّ كامل الكمال المطلق إلاّ عيسى(٤) .

وذكر قبل ذلك عند ذكر قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ) (٥) وذكر قول جمع من المفسّرين أنّه نزل في المهديّ اختلاف الناس في أنّ المهديّ(٦) من ولد فاطمة يخرج ويبايعه ناس من أهل مكّة بين الركن والمقام أو عمر بن عبد العزيز واسمه محمّد بن عبد الله بن المنصور فيوافق ما ورد : « أنّ اسمه يوافق اسمي واسم أبيه اسم أبي »(٧) .

ثمّ ذكر عن بعض أنّه قال : والشيعة ترى فيه أنّه المنتظر والقائم المهديّ وهو صاحب السرداب عندهم ، وأقاويلهم فيه كثيرة ، وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى.

وعن بعض أنّ مولانا العسكريّعليه‌السلام لم يكن له ولد لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لمّا مات(٨) .

__________________

(١) « الصواعق المحرقة » : ١٦٦ ؛ « المعجم الكبير » للطبراني ٢٢ : ٣٧٥ ، ح ١٣٧ ؛ « كنز العمّال » ١٤ : ٢٧٤ ، ح ٣٨٧٠٤.

(٢) « الصواعق المحرقة » : ١٦٤ ؛ « كنز العمّال » ١٤ : ٢٦٤ ، ح ٣٨٦٦٦.

(٣) « الصواعق المحرقة » : ١٦٦ ؛ « كنز العمّال » ، ح ٣٨٦٦٣.

(٤) انظر « الصواعق المحرقة » : ١٦٥.

(٥) الزخرف (٤٣) : ٦١.

(٦) « الصواعق المحرقة » : ١٦٢.

(٧) المصدر السابق : ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٨) المصدر السابق : ١٦٧ ـ ١٦٨.

١٣٦

ثمّ قال : والحاصل أنّهم تنازعوا في المنتظر بعد وفاة العسكري على عشرين فرقة ، وأنّ الجمهور غير الإماميّة على أنّ المهديّ غير الحجّة. فذكر تمسّكهم بكون غيبة شخص هذه المدّة المديدة من خوارق العادة ، وأنّه لو كان هو لوصفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، وأنّ المقرّر في الشريعة المطهّرة أنّ الصغير لا تصحّ ولايته فكيف تجوز إمامة من عمره خمس سنين؟! وكيف يصحّ أن يقال : إنّه أوتي الحكم صبيّا مع أنّه لم يخبر به؟! ولقد أحسن القائل :

ما آن للسرداب أن يلد الذي

كلّمتموه بجهلكم ما آنا

فعلى عقولكم العفاء فإنّكم

ثلّثتم العنقاء والغيلانا

وعن فرقة من الشيعة أنّ الإمام المهديّ هو أبو القاسم محمّد بن عليّ بن عمر بن الحسين السبط.

وعن فرقة أنّه محمّد بن الحنفيّة وأنّه بجبال رضوى(١) ، إلى غير ذلك.

ثمّ ذكر تعجّبه من قول الإماميّة من جهة كون مولانا صغيرا لم يظهر خرق العادة(٢) . ولا يخفى ما فيه بعد ملاحظة ما ذكرنا.

[ في أسرار الأئمّة عليهم السلام ]

ثمّ اعلم أنّه ذكر في بعض كتب الأخبار لسائر الأئمّة الأطهار أيضا نبذا من الأسرار في فصول أخر.

فصل [١] : في أسرار مولانا الحسن المجتبىعليه‌السلام

فمن ذلك أنّ معاوية لعنه الله لمّا أراد حرب عليّعليه‌السلام وجمع أهل الشام سمع بذلك ملك الروم فقيل له : رجلان قد خرجا يطلبان الملك ، فقال : من أين؟ فقيل له :

__________________

(١) المصدر السابق : ١٦٨.

(٢) المصدر السابق : ١٦٩.

١٣٧

بالكوفة رجل ، وبالشام رجل ، فقال : صفوهما ، فوصفوهما ، فقال : الشامي مبطل والحقّ في يد الكوفي.

ثمّ كتب إلى معاوية أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين أن ابعث إليّ أعلم أهل بيتك ؛ حتّى أجمع بينكما وأنظر في الإنجيل من أحقّ بالملك منكما وأخبركما؟

فبعث إليه معاوية ابنه يزيد لعنهما الله ، وبعث إليه أمير المؤمنين ابنه الحسنعليهما‌السلام فلمّا دخل يزيد أخذ بيده وقبّلها ثمّ قبّل رأسه ، ولمّا دخل الحسنعليه‌السلام قام الرومي وانحنى على قدميه فقبّلهما ، فجلس الحسنعليه‌السلام لا يرفع بصره ، فلمّا نظر ملك الروم إليهما ثمّ أخرجهما ثمّ استدعى يزيد وحده وأخرج له ٣١٣ صندوقا فيها تماثيل الأنبياء وصورهم قد زيّنت بزينة كلّ نبيّ ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثمّ سأله عن أرزاق العباد وعن أرواح المؤمنين وأرواح الكفّار أين تجتمع بعد الموت؟ فلم يعرف.

فدعا الحسنعليه‌السلام وقال : إنّما بدأت حتّى يعلم أنّك تعلم ما لا يعلم ، وأنّ أباك يعلم ما لا يعلم أبوه ، وأنّ أباك ربّاني هذه الأمّة ، وقد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمّدا والوزير عليّا ، ونظرت إلى الأوصياء فرأيت أباك فيها وصيّ محمّد ، فقال الحسنعليه‌السلام للرومي : « سلني عمّا بدا لك من علم التوراة والإنجيل والفرقان أخبرك ».

فدعا الأصنام ، فأوّل صنم عرضه عليه على صفة القمر فقال الحسنعليه‌السلام : « هذه صفة آدم أبي البشر ».

ثمّ عرض عليه آخر على صفة الشمس ، فقال : « هذه صفة حوّاء أمّ البشر ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة شيث بن آدمعليه‌السلام ، وهذا أوّل من بعث وكان عمره في الدنيا ١٠٤٠ سنة ».

١٣٨

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة نوحعليه‌السلام صاحب السفينة وكان عمره في الدنيا ١٤٠٠ ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة إبراهيمعليه‌السلام عريض الصدر طويل الجبهة ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة موسى بن عمرانعليه‌السلام ، وكان عمره ٢٤٥ وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة سنة ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة إسرائيلعليه‌السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة يوسفعليه‌السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة سليمانعليه‌السلام ».

ثمّ عرض عليه آخر ، فقال : « هذه صفة شعيبعليه‌السلام ».

ثمّ زكريّاعليه‌السلام ، ثمّ عيسى بن مريم روح اللهعليه‌السلام وكلمته وكان عمره في الدنيا ٣٢ سنة ثمّ رفعه الله إليه ثمّ يهبط إلى الأرض بدمشق ويقتل الدجّال ».

ثمّ عرضت عليه أصنام الأوصياء والوزراء فأخبر بأسمائها ، ثمّ عرضت عليه أصنام في صفة الملوك ، وقال له ملك الروم : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة والإنجيل ، فقال الحسنعليه‌السلام : « هذه صفة الملوك ».

فقال الملك عند ذلك : أشهد لكم يا آل محمّد ، أنّكم أوتيتم علم الأوّلين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وألواح موسى ، وإنّا نجد في الإنجيل أنّ أوّل فتنة هذه الأمّة وثوب شيطانها الضليل على ملك بينهما واجتراؤه على ذرّيّته.

ثمّ قال للحسنعليه‌السلام أخبرني عن سبعة أشياء خلق الله تعالى لم تركض في رحم ، فقالعليه‌السلام : « آدمعليه‌السلام وحوّاءعليهما‌السلام وكبش إسماعيلعليه‌السلام وناقة صالحعليه‌السلام وإبليس والحيّة والغراب الذي في القرآن ».

ثمّ سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسنعليه‌السلام : « في السماء الرابعة ينزل بقدر

١٣٩

ويبسط بقدر ».

وسأله عن أرواح المؤمنين أين تكون؟ فقالعليه‌السلام : « تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كلّ ليلة جمعة وهي العرش الأدنى ، ومنها يبسط الله الأرض ويطوّلها وإليها المحشر ».

ثمّ سأله عن أرواح الكفّار ، فقال : « تجمع في وادي حضرموت عند مدينة اليمن ، ثمّ يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب وتتبعها ريح شديدة فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس ، فأهل الجنّة عن يمينها وأهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة ، فيفوق الناس عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنّة دخلها ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (١) ».

فالتفت الملك إلى يزيد لعنه الله وقال : هذا بقيّة الأنبياء وخليفة الأوصياء ووارث الأصفياء وثاني النقباء ورابع أهل الكساء والعالم بما في الأرض والسماء ، فلا يقاس هذا بمن طبع على قلبه وهو من الضالّين.

ثمّ كتب إلى معاوية : أنّ من آتاه الله العلم والحكمة بعد نبيّكم وحكم بالتوراة والإنجيل وأخبار الغيب فالحقّ والخلافة له ومن نازعه فإنّه آثم.

ثمّ كتب إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ الحقّ لك وأنّ الخلافة فيك وفي ولدك إلى يوم القيامة ، فقاتل من قاتلك يعذّبه الله بيدك ، ومن حاربك وعصاك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين(٢) .

ومن ذلك كراماتهعليه‌السلام ما روي عن مولانا الباقرعليه‌السلام : « أنّ جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسنعليه‌السلام : يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما عندك من أسرار عجائب أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي كان يرينا إيّاها شيئا نريد أن ترينا إيّاه؟

__________________

(١) الشورى (٤٢) : ٧.

(٢) « مشارق أنوار اليقين » : ٨٦ ـ ٨٨ ؛ « تفسير القمّي » ٢ : ٢٤١ ـ ٢٤٦ ، مع اختلاف.

١٤٠