البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 98854
تحميل: 3842


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98854 / تحميل: 3842
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

ورابعا : عود الروح في القيامة الكبرى إلى البدن الأصلي مع تغاير الصور دون العنصر في المحشر الذي هو المعاد الأكبر.

وخامسا : فيما بعد المعادات ، وفي أحوال النار والجنّة والأعراف الواقعة بينها وأهلها على وفق العقل والنقل.

نعم ، في بعض الاعتقادات لا بدّ من ملاحظة النقل خاصّة ؛ إذ لا مدخل للعقل فيه ، كتعلّق الروح بالبدن المثالي في غير النبيّ والوصيّ ، بمعنى عدم احتياجهما إليه مع تسلّطهما على التصرّف فيه ، مثل ما روي في الكافي في باب زيارات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « ما من نبيّ ولا وصيّ نبيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيّام حتّى يرفع روحه ولحمه وعظمه إلى السماء ، وإنّما يؤتى مواضع آثارهم ، ويبلّغونهم من بعيد السّلام ، ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب »(١) . إلى غير ذلك.

[ إثبات امكان وجود عالم مماثل ]

وإلى مثل ما ذكرنا أشار المصنّف مع شرح الشارح القوشچي بقوله :« حكم المثلين واحد والسمع دلّ على إمكان التماثل ».

اختلفوا في أنّه هل يمكن وجود عالم آخر مماثل لهذا العالم أم لا؟ ذهب المليون إلى إمكانه ، وذهب بعض الأوائل إلى امتناعه.

واحتجّ المصنّف على إمكانه بدليلين : عقلي وسمعي :

أمّا العقلي فهو أنّ حكم المثلين واحد ، وإذا كان أحد المثلين ممكنا كان الآخر أيضا ممكنا ، وإلاّ لم يكونا مثلين ما فرضناهما مثلين.

وأمّا السمعي فقوله تعالى :( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) (٢) .

__________________

(١) « الكافي » ٤ : ٥٦٧ ، كتاب الحجّ ، ح ١ ؛ « تهذيب الأحكام » ٦ : ١٠٦ ، ح ١٨٦.

(٢) يس (٣٦) : ٨١.

٢٤١

واحتجّ من زعم أنّ مثل هذا العالم ممتنع بوجهين :

أحدهما : أنّه لو وجد عالم آخر [ لكان كرة مثل هذا العالم ولا يمكن وجود كرتين متماثلتين إلاّ بتحقّق فرجة بينهما.

الثاني : أنّه لو وجد عالم آخر ](١) مثل هذا العالم ، لكان فيه أيضا العناصر الأربعة ، فإن لم تطلب أمكنة عناصر هذا العالم لزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها ، وإن طلبت ليكون في الأمكنة الأخر بالقسر دائما.

والجواب عن الأوّل : أنّا لا نسلّم أنّ العالم كرة ، ولو سلّم فلا نسلّم وجوب الخلاء بينهما ، لم لا يجوز أن يكونا في ثخن جسم آخر؟

وعن الثاني : أنّا لا نسلّم أنّه يلزم اختلاف متّفقات الطبائع في مقتضياتها.

أقول : يجوز أن يقتضي كلّ في عالمه مكانا مماثلا لمكان مماثله ، مثلا أرض كلّ عالم تقتضي مركز هذا العالم ، ونار كلّ عالم تقتضي محيط هذا العالم.

وإنّما لم يسند المنع بما أسند في المشهور ، أعني يجوز أن يكون طبائع عناصر عالم مخالفة لطبائع عناصر عالم آخر وإن كانت مماثلة لها في الجسميّة ؛ لأنّ اختلاف طبائع عناصر العالمين ينافي تماثلهما.

وإلى هذين الجوابين أشار بقوله :( والكرويّة ووجوب الخلاء ، واختلاف المتّفقات ممنوعة ).

واختلفوا في أنّ العالم هل يصحّ أن يعدم ويفنى أم لا؟ فذهب الفلاسفة إلى امتناعه ؛ ذهابا إلى قدمه ، وما ثبت قدمه امتنع عدمه. وذهب الكراميّة والجاحظ إلى أنّ العالم محدث ومع ذلك ممتنع الفناء.

وذهب الاشاعرة وأبو عليّ إلى أنّ جواز فناء العالم يعلم بالعقل.

وذهب أبو هاشم إلى أنّه إنّما يعرف بالسمع.

__________________

(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.

٢٤٢

والمصنّف اختار أنّ جواز عدمه يعلم بالعقل ، ووقوع عدمه بالسمع. أمّا الأوّل فلأنّه ممكن والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ؛ إذ لو امتنع عليه العدم لزم الانقلاب من الإمكان إلى الوجوب.

وإلى هذا المعنى أشار بقوله :( والإمكان يعطي جواز العدم ).

أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الممكن يجوز أن يمتنع فناؤه أعني عدمه الطارئ بعد وجوده ، ولا يلزم من ذلك انقلابه من الإمكان الذاتي إلى الوجوب الذاتي ، وإنّما كان يلزم لو امتنع عليه العدم مطلقا طارئا كان أو مبتدأ. وقد مرّ بيان ذلك مستقصى في مبحث أنّ المعدوم لا يعاد.

وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الدلائل السمعيّة تدلّ على وقوع العدم. مثل قوله تعالى :( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (١) ،( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) (٢) والآخريّة في حقّه تعالى إنّما تتحقّق أن لو بقي بعد فناء ما سواه. وقوله تعالى :( يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (٣) إلى غير ذلك من النصوص القطعيّة.

وإلى هذا المعنى أشار بقوله :( والسمع دلّ عليه ) أي على العدم.

وقوله :( ويتأوّل في المكلّف بالتفرّق كما في قصّة إبراهيم عليه‌السلام ) إشارة إلى جواب دخل مقدّر تقديره : أنّ القول بوقوع العدم ينافي القول بالمعاد ؛ لأنّ إعادة المعدوم ممتنعة ، فإذا وقع العدم امتنعت الإعادة ، فلم يتحقّق المعاد.

وتقرير الجواب : أنّه لا إشكال في غير المكلّفين فإنّه يجوز أن يعدم بالكلّيّة ولا يعاد. وأمّا بالنسبة إلى المكلّفين فإنّه يتأوّل العدم بتفرّق الأجزاء ، ويتأوّل المعاد بجمع تلك الأجزاء وتأليفها بعد التفريق.

والذي يصحّح هذا التأويل قصّة إبراهيمعليه‌السلام فإنّه طلب إراءة إحياء الموتى حيث

__________________

(١) الرحمن (٥٥) : ٢٦.

(٢) الحديد (٥٧) : ٣.

(٣) الأنبياء (٢١) : ١٠٤.

٢٤٣

قال :( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) قال الله تعالى :( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ) ،(١) فإنّه يظهر منه أنّه أراد بإحياء الموتى تأليف الأجزاء المتفرّقة بالموت.

( وإثبات الفناء غير معقول ؛ لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ، ولانتفاء الأولويّة ، ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).

ذهب أبو عليّ وأبو هاشم وأتباعهما إلى أنّ الله تعالى يخلق لكلّ جوهر فناء ، فقال أبو هاشم : إنّ فناء واحدا يكفي لإفناء الكلّ ، والمصنّف أبطل هذا المذهب.

ولمّا كان مشتملا على ثلاثة دعاو :

أحدها : أنّ الفناء موجود.

وثانيها : أنّه مناف لما سواه من الموجودات.

وثالثها : أنّه يفنى به الموجودات ، جعل إبطال كلّ منها وجها على حدة.

أمّا إبطال أنّ الفناء موجود ؛ فلأنّه لو كان موجودا وقد كان معدوما قبل وإلاّ لم يكن ما فرضناه فانيا موجدا أصلا. فعدمه إمّا لذاته ، فيلزم الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي أو الوجوب ، وإلاّ لم يقبل الوجود. وإمّا بسبب وجود ضدّه ، وحينئذ يستلزم التسلسل. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل ).

وأمّا إبطال أنّه مناف لما سواه ؛ فلأنّه لو كان قائما بذاته كان جوهرا فلا يكون ضدّا للجوهر ، وإن كان قائما بغيره فلا بدّ وأن يكون قائما بجوهر ابتداء أو بواسطة ، فلا يكون على هذا التقدير أيضا ضدّا للجوهر ، فلا يكون على التقديرين منافيا للجوهر. وإلى هذا المعنى أشار بقوله : « لأنّه إن قام بذاته لم يكن ضدّا ، وكذا إن قام بالجوهر ».

وأمّا إبطال أنّه يفنى به الموجودات ؛ فلأنّ إعدامه لموجود ليس أولى من إعدام ذلك الموجود إيّاه ، أعني منعه من الدخول في الوجود ، بل يقال : هذا أولى من ذلك ؛

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٦٠.

٢٤٤

لما اشتهر من أنّ الدفع أسهل من الرفع.

وإلى هذا أشار بقوله : ( ولانتفاء الأولويّة ).

( وإثبات بقاء لا في محلّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو اجتماع النقيضين.

وإثباته في محلّ يستلزم توقّف الشيء على نفسه ، إمّا ابتداء أو بواسطة ).

ذهبت طائفة إلى أنّ الجوهر باق ببقاء قائم بذاته فإذا انتفى ذلك البقاء انتفى الجوهر. والمصنّف أبطل هذا المذهب ، وقال في إبطاله : وإثبات بقاء لا في محلّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو اجتماع النقيضين ؛ وذلك لأنّ البقاء لا يخلو إمّا أن يكون جوهرا أو عرضا. فإن كان الأوّل يلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّه لا يمكن أن يكون كلّ من الجوهرين ـ أعني الجوهر الذي هو باق بالبقاء والجوهر الذي هو البقاء ـ شرطا للآخر ؛ لاستحالة الدور ، فيكون أحدهما شرطا للآخر من غير عكس ، فيلزم الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّه لم يكن جعل أحدهما شرطا للآخر أولى من العكس. وإن كان الثاني يلزم اجتماع النقيضين ؛ لأنّه باعتبار أن يكون قائما بذاته لا يكون في محلّ ، وباعتبار كونه عرضا يكون في محلّ ، فيلزم اجتماع النقيضين.

وذهب جماعة من الأشاعرة إلى أنّ الجوهر باق ببقاء قائم به ، فإذا أراد الله تعالى إعدام الجوهر لم يوجد البقاء فانتفت الجوهريّة.

فأبطل المصنّف ذلك المذهب بأنّ حصول البقاء في المحلّ يستلزم توقّف الشيء على نفسه إمّا ابتداء أو بواسطة ؛ وذلك لأنّ حصول البقاء في المحلّ يتوقّف على حصول المحلّ في الزمان الثاني ، فحصوله في الزمان الثاني إمّا نفس البقاء ، فيلزم توقّف الشيء على نفسه ابتداء ، أو معلول البقاء ، فيلزم توقّف الشيء على نفسه بواسطة(١) .

وصل : هذا الاعتقاد الذي ذكرنا من أصول المذهب الجعفري ، ومنكره خارج عن المذهب.

__________________

(١) « شرح تجريد العقائد » للقوشجي : ٣٨٠ ـ ٣٨٢.

٢٤٥

الفصل الثاني : في المعاد الجسمانيّ العنصريّ الترابيّ

وعود الأرواح إلى الأجساد الأصليّة العنصريّة الترابيّة التي تصير رميما بعد نفخة الصور يوم النشور في المحشر والقيامة الكبرى للحساب والثواب والعقاب.

وينبغي هنا بيان أمور :

منها : أنّه يجب الاعتقاد بالميزان ؛ لقوله تعالى :( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (١) .( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (٢) .

والظاهر أنّ للميزان كفّتين وشاهينا ، وأنّ الوزن يكون بجعل الأعمال مجسّمة ؛ لجواز أن يصير ما هو الأعراض في هذه النشأة جواهر في النشأة الأخرى ، كما تدلّ عليه بعض الأخبار الدالّة على أنّ الأعمال الصالحة تصوّر بصورة حسنة تكون أنيسا لعاملها(٣) . ونحوها. فلا وجه لإنكار بعض المعتزلة ذهابا إلى أنّها أعراض لا يمكن وزنها ، بل المراد به العدل الثابت في كلّ شيء ؛ ولذا ذكر بلفظ الجمع ، وإلاّ فالميزان المشهور واحد ، مضافا إلى إمكان وزن صحائف الأعمال.

ومثل ذلك ما قيل من : أنّ الميزان هو الإدراك ، فميزان الألوان البصر ، والأصوات

__________________

(١) الأنبياء (٢١) : ٤٧.

(٢) القارعة (١٠١) : ٦ ـ ٩.

(٣) « المحاسن » ١ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ، ح ١٠٣٦ ؛ « بحار الأنوار » ٦ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، ح ٥٠.

٢٤٦

السمع ، والطعوم الذوق ، وكذا سائر الحواسّ ، وميزان المعقولات العقل ؛ وذلك لظهور بعض الآيات في خلافه.

ولا ينافيه ما روي عن الصادقعليه‌السلام من : « أنّ الموازين الأنبياء والأوصياء »(١) ؛ لأنّ لكلّ آية ظهرا وبطنا.

ومنها : وجود الصراط ؛ لما روي من أنّه جسر ممدود على متن جهنّم يرده الأوّلون والآخرون ، أحدّ من السيف ، وأدقّ من الشعر »(٢) ، ولعلّ المراد من ورود كلّ أحد النار في قوله تعالى :( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها ) (٣) هو المرور عليه.

والإنكار بعد الفجرة(٤) ـ تمسّكا بأنّه غير ممكن ، مع أنّه تعذيب ولا عذاب على الصلحاء ، فالمراد طريق الجنّة والنّار ، أو الأدلّة الواضحة ، أو العبادات ، أو الأعمال السيّئة التي يؤاخذ عليها ـ لا وجه له ؛ لإمكان المرور كالطيران على الهواء ، كما يدلّ عليه ما روي أنّ منهم من هو كالبرق الخاطف ، ومنهم من هو كالريح الهابّة ، ومنهم من هو كالجواد ، ومنهم من يمشي على رجليه وتعلّق يديه ، ومنهم من يكبّ على وجهه(٥) .

ومنها : الحساب ، كما قال تعالى :( إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) (٦) ،( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .(٧) ونحو ذلك من الآيات والأخبار.

ومنها : تطاير الكتب ، كما يدلّ عليه قوله تعالى :( كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي

__________________

(١) « معاني الأخبار » : ٣١ ؛ عنه في « بحار الأنوار » ٧ : ٢٤٩ ، ح ٦.

(٢) « الأمالي » للصدوق : ١٤٩ ، المجلس ٣٣ ، ح ٤.

(٣) مريم (١٩) : ٧١.

(٤) كذا في جميع النسخ.

(٥) « بحار الأنوار » ٨ : ٦٤ ، ح ١.

(٦) آل عمران (٣) : ١٩٩.

(٧) الانشقاق (٨٤) : ٧ ـ ٨.

٢٤٧

عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً ) (١) . والمراد من الطائر صحيفة الأعمال التي تطير إلى صاحبها.

ومنها : في بطلان الإحباط ، وجواز العفو ، ووقوع الشفاعة.

اعلم أنّ معنى الإحباط عبارة عن إسقاط الثواب المتأخّر للمكلّف بإساءته المتقدّمة وبالعكس على وجه الحتم واللزوم.

وهذا مخالف للعقل والنقل.

أمّا العقل ؛ فلاستلزامه الظلم فيما إذا كان الثواب مثلا أكثر.

وأمّا النقل ؛ فلقوله تعالى :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٢) .

وأمّا قوله تعالى :( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (٣) ، فلا يستلزم الإحباط المتنازع فيه ؛ إذ إحباط الشرك غير مستلزم لإحباط كلّ واحدة من المعاصي لكلّ واحدة من الحسنات ، مضافا إلى عدم دلالة الآية على العكس ، والإحباط لا يتمّ إلاّ به.

وأمّا قوله تعالى :( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٤) ، فهو مخصوص ببعض الحسنات كالحسنة المذكورة في بعض الأخبار من قراءة بعض الأدعية ونحوها كما يقتضيه سبب النزول(٥) .

والحديث المنقول في هذا المقام من : « أنّ الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنب الكبائر »(٦) . مضافا إلى عدم دلالة الآية على إذهاب السيّئات تقتضي

__________________

(١) الإسراء (١٧) : ١٣.

(٢) الزلزلة (٩٩) : ٧ ـ ٨.

(٣) الزمر (٣٩) : ٦٥.

(٤) هود (١١) : ١١٤.

(٥) انظر « تفسير مجمع البيان » ٥ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، ذيل الآية ١١٤ من سورة هود (١١).

(٦) « بحار الأنوار » ٧٩ : ٣١٩.

٢٤٨

العكس بالإجماع المركّب فيتمّ المطلوب.

قلت : الإجماع المركّب ممنوع ، مع أنّ مقتضى قوله تعالى :( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ) (١) و( إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) (٢) . ونحوهما المتناسبين لرحمته الواسعة عدم العكس ، وهما مقدّمان ؛ لقوّتهما بالاشتهار والكثرة والاعتبار. هذا مضافا إلى إمكان إرادة أنّ الحسنات تقتضي عدم صدور السيّئات ، تقتضي لغلبتها.

ويظهر ممّا ذكرنا الجواب عن الاستدلال للإحباط بقوله تعالى :( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (٣) ونحوه ؛ إذ إبطال شيء خاصّ لا يستلزم العموم ، مضافا إلى أنّه بيان لشرط مقبوليّة الصدقات أو نحوها.

فإن قلت : عدم الإحباط يستلزم عدم خلوص الثواب والعقاب. أمّا مع الاجتماع فظاهر ، وأما مع التعاقب ؛ فلأنّ انتظار ما يخالف الواقع يهوّن ذلك الواقع.

قلت : إنّ العقاب مقدّم مع عدم تذكّر الثواب ؛ لشدّة العقاب فيكون خالصا.

وأمّا العفو ، فمع التوبة جائز كتابا وسنّة وإجماعا بل وعقلا ؛ لقوله تعالى :( إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) (٤) ونحوه ، وبدونها فالظاهرين من الإطلاقات بل العمومات كقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٥) ، وقوله تعالى :( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٦) ذلك(٧) . والتخصيص بما تاب عنه خلاف الظاهر.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ١٩٥.

(٢) التوبة (٩) : ١٢٠.

(٣) البقرة (٢) : ٢٦٤.

(٤) طه (٢٠) : ٨٢.

(٥) النساء (٤) : ٤٨.

(٦) الزمر (٣٩) : ٥٣.

(٧) خبر لقوله : « فالظاهر ».

٢٤٩

ويؤيّده الاعتبار ؛ إذ الثواب والعقاب حقّ الله فجاز له إسقاط حقّه من غير ضرر فيه ، فهو حسن ، وكلّ ما هو حسن فهو واقع ، مضافا إلى أنّه إحسان فيصدر من أهل الكرم ، وإن كان الذنب حقّ آدمي يجب الإيصال إليه أو إلى وارثه ونحوه إن أمكن بردّ المال أو تسليم البدل أو العفو أو الدية إلى الوارث ، ويجب الغرم عليه مع التعذّر ، ويجب الإرشاد إن كان الذنب اعتلالا ، ويجب الاعتذار على المغتاب مع بلوغه ، ومع عدمه يستغفر له.

والظاهر عدم وجوب تجديد التوبة بعد تذكّر المعصية ، وكذا عدم وجوب تفصيل المعصية ولو مع الإمكان عند التوبة.

وأمّا الشفاعة ، فهي واقعة بالإجماع والكتاب والسنّة كقوله تعالى :( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) (١) ونحوه.

وما روي من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حقّت شفاعتي لمن أعان ذرّيّتي بيده ولسانه وماله »(٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا : المكرم لذرّيّتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم عند اضطرارهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه »(٤) .

وما روي من « أنّ أدنى المؤمن يشفع من أهله سبعين عاصيا »(٥) ، وفي بعض الأخبار ورد أزيد من ذلك بمراتب(٦) . ولا حاجة إلى بيانه ؛ لكثرته وشهرته كقوله

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٥٥.

(٢) « إعلام الدين » : ٢٥٣ ؛ « بحار الأنوار » ٨ : ٣٠ ؛ « مجمع الزوائد » ١٠ : ٣٧٨.

(٣) « جامع الأخبار » : ١٤٠.

(٤) « بشارة المصطفى » : ٣٦ ؛ « صحيفة الرضا » : ٤٠ ؛ « بحار الأنوار » : ٩٥ : ٢٢٥ ، ح ٢٤.

(٥) راجع باب الشفاعة في « بحار الأنوار » ٨ : ٣٠ و ٥٦ ـ ٥٧ ، ح ٧٠ ، نقلا عن « روضة الكافي » ٨ : ١٠١ ، ح ٧٢ ، بتفاوت في الألفاظ.

(٦) « بشارة المصطفى » : ٣٨.

٢٥٠

تعالى :( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (١) ، وقوله تعالى :( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (٢) . كما نقل عن المعتزلة التمسّك بهما ؛ حيث نفى الله قبول الشفاعة عن الظالمين(٣) ، فلا ينافي ما ذكرنا ؛ لأنّه تعالى نفى الشفيع المطاع والناصر الدافع بالغلبة لا مطلق الشفيع والناصر على وجه الطلب بالخضوع ، مضافا إلى لزوم التخصيص بالكفّار جمعا بين الأدلّة.

ومنها : ما ورد في أحوال المكلّفين في المحشر الذي لا ريب فيه ، كما قال الله تعالى :( وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ ) (٤) . و( وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ) (٥) . و( أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (٦) .

وقال تعالى :( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (٧) .

وقال الله تعالى :( أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ ) (٨) .

( وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ ) (٩) .

( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ) (١٠) .

( إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ) (١١) .

__________________

(١) غافر (٤٠) : ١٨.

(٢) البقرة (٢) : ٢٧٠.

(٣) « متشابه القرآن » ٢ : ١١٨ ـ ١١٩.

(٤) آل عمران (٣) : ١٥٨.

(٥) الحجر (١٥) : ٢٥.

(٦) الحجّ (٢٢) : ٧.

(٧) يس (٣٦) : ٧٨ ـ ٧٩.

(٨) الصافّات (٣٧) : ١٦ ـ ١٨.

(٩) الأحقاف (٤٦) : ٦.

(١٠) القمر (٥٤) : ٢٦.

(١١) الواقعة (٥٦) : ١ ـ ٢.

٢٥١

( قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) (١) .

( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ ) (٢) .

( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ ) (٣) .

( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (٤) ،( إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (٥) ،( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (٦) .

( يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٧) .

( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ) (٨) . إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على تحقّق المعاد الجسماني وجميع أجزاء هذا البدن في القيامة الكبرى.

وعن هشام بن الحكم أنّه قال الزنديق للصادقعليه‌السلام : أنّى للروح بالبعث والبدن قد بلي والأعضاء قد تفرّقت ، فعضو في بلدة قد تأكلها سباعها ، وعضو بأخرى مزّقة هوامّها ، وعضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟ قال : « إنّ الذي أنشأه من غير شيء أو صوّره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأ ».

قال : أوضح لي ذلك؟ قال : « الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسنين في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا منه خلق. وما تقذف به السباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وأنّ تراب الروحانيّين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض فتربو

__________________

(١) الواقعة (٥٦) : ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) المجادلة (٥٨) : ٦.

(٣) التغابن (٦٤) : ٧.

(٤) الملك (٦٧) : ١٥.

(٥) البقرة (٢) : ٢٠٣.

(٦) القيامة (٧٥) : ١.

(٧) الإنسان (٧٦) : ٧.

(٨) المطفّفين (٨٣) : ١٠ ـ ١١.

٢٥٢

الأرض ثمّ تمخّض مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب [ إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح ] فتعود الصور بإذن الله تعالى المصوّر كهيئتها وتلج الروح فيها »(١) .

وعنهعليه‌السلام : « إذا أراد الله أن يبعث أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال »(٢) .

إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على وقوع المعاد الجسماني كما هو اتّفاق الملّيّين. وهو من ضروريّات الدين.

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد فتغشّاهم ظلمة شديدة فيضجّون إلى ربّهم ويقولون : يا ربّنا ، اكشف عنّا هذه الظلمة » فساق الحديث إلى أن ذكر ظهور نور ذرّيّة رسول الله لهم « فيجيء النداء : اشفعوا في محبّيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم فيشفعون »(٣) .

إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنّهم في المحشر حفاة عراة يتوقّفون في المحشر كالسكارى حتّى يعرقوا عرقا شديدا ، فيقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام الناس فيبكيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى من يصرف عنه من شيعة عليّعليه‌السلام فيقول له الملك : الله يقول : قد وهبتهم لك يا محمّد ، وصفحت لهم عن ذنوبهم ، وألحقهم بك وبمن كانوا يقولون فيلحقون في حزبهم(٤) .

وأنّهم يقفون قياما على أقدامهم حتّى يلجئهم فينادوا : ربّ حاسبنا ولو إلى النار ، فيبعث الله رياحا فيضرب بينهم ، فصار المجرمون إلى النار ومن كان في قلبه إيمان

__________________

(١) « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٠.

(٢) « الأمالي » للصدوق : ١٤٩ ، المجلس ٣٣ ، ح ٥ ؛ « تفسير القمّي » ٢ : ٢٥٣.

(٣) « الأمالي » للصدوق : ٢٣٤ ، المجلس ٤٧ ، ح ١٨ ، مع اختلاف يسير.

(٤) « تفسير القمّي » ٢ : ٦٤ ؛ وراجع « بحار الأنوار » ٧ : ١٠١ ـ ١٠٢ ، ح ٩ ، و ٨ : ١٧ ، ح ١ ، و ٦٥ : ٥٨ ـ ٥٩ ، ح ١٠٨.

٢٥٣

إلى الجنّة(١) .

وأنّ : « في القيامة خمسين موقفا ، لكلّ موقف ألف سنة »(٢) .

وأنّه : « يسأل كلّهم عن جسده فيما أبلاه ، وعمره فيما أفناه ، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّ أهل البيتعليهم‌السلام »(٣) .

وأنّه : يكون فيه الميزان القسط الذي يقال : إنّ له لسانا شاهينا وكفّتين يصوّر الأعمال الحسنة بصورة حسنة والسيّئة بصورة قبيحة فتوضع في كفّة الميزان(٤) .

وأنّه : « ليكون فيه تطاير الكتب فكلّ إنسان طائره في عنقه »(٥) يجعل عمله من خير أو شرّ في عنقه كالطوق.

وأنّه : تنشر صحف الأعمال فينظر كلّ إلى كتابه(٦) .

وأنّه يكون فيه « الوسيلة »(٧) ، و « اللواء »(٨) ، و « الكوثر » الذي ورد : « أنّه نهر يجري تحت عرش الله وماؤه أشدّ بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، حصاه الزبرجد الياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك »(٩) .

وأنّه يكون فيه الشفاعة ، ونحو ذلك. يكون من كان له ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام يومئذ من فزع آمنين(١٠) .

اعلم أنّ المعاد الجسماني ـ كما أشرنا إليه ـ ممّا وقع فيه الاختلاف بين العلماء ، فمنهم من هدى الله ، ومنهم من حقّ عليه الضلالة. والحقّ أنّه بهذا الجسم من غير

__________________

(١) « تفسير القمّي » ٢ : ٢١٦.

(٢) « الكافي » ٨ : ١٤٣ ، ح ١٠٨ ؛ « تفسير القمّي » ٢ : ٣٨٦.

(٣) « الأمالي » للطوسي : ٥٩٣ ، المجلس ٢٦ ، ح ١٢٢٧.

(٤) راجع « بحار الأنوار » ٧ : ٢٤٤.

(٥) راجع الإسراء (١٧) : ١٣ و ١٤.

(٦) راجع الإسراء (١٧) : ١٣ و ١٤.

(٧) « بحار الأنوار » ٧ : ٣٢٦ ، ح ٢.

(٨) « الأمالي » للصدوق : ٢٦٦ ، المجلس ٣ ، ح ١٠٢.

(٩) « الأمالي » للمفيد : ٢٩٤ ، المجلس ٣٥ ، ح ٥.

(١٠) « الكافي » ١ : ١٨٥ ، باب معرفة الإمام ، ح ١٤.

٢٥٤

نقيصة وتصفية بطرح الرديء ونحوه ، سواء قلنا باللطيف أم لا.

[ ما قاله الشيخ المعاصر في المعاد الجسمانى ]

قال الشيخ المعاصر في جواب السؤال ـ عن أنّك تقول : إنّ للإنسان جسمين وجسدين ، وفي المعاد بعد الموت لا تعود الروح إلى هذا البدن العنصري الطبيعي المركّب من الأخلاط الأربعة ؛ إذ لا حسّ له ولا شعور له ـ كلاما مشتملا على هذه العبارة :

« من يعترض ، إنّما اعترض ؛ لأنّه ما عرف المقصود ، ولا علم أيضا أنّه من كلام أئمّته ؛ فلذا قال ما قال ، مع أنّي لم أقل من هذا شيئا ولكنّه ما فهم مرادي. ومعنى كلامي ومرادي هو أنّ الإنسان له جسدان وجسمان :

الجسد الأوّل مركّب من العناصر الأربعة المعروفة المحسوسة ، وهو الآن في هذه الدنيا عبارة عن الكثافة العارضة ، وفي الحقيقة هو الجسد الصوري. ومثاله : إذا كان عندك خاتم من فضّة فإنّ صورته هي استدارة حلقته وتركيب موضع الفصّ المركّب منه مثلا ، فإذا كسرته وأذبته وجعلته سبيكة ، أو سحلته بالمبرد وجعلته سحالة ، ثمّ بعد ذلك صغت تلك الفضّة ـ أعني السبيكة أو السحالة ـ خاتما على هيئة الأوّل ، فإنّ الصورة الأولى هي الجسد الصوري لا تعود ، ولكن صنعته على هيئة كالأولى ، فهذا الخاتم في الحقيقة فهو ذلك الخاتم الأوّل بعينه من حيث مادّته ، وهو غيره من جهة صورته.

نعني بالجسد العنصري ـ الذي هو الكثافة البشريّة ـ هذه الصورة التي هي الجسم الصوري ؛ لأنّ اعتقادنا ـ الذي ندين الله به ، ونعتقد أنّ من لم يقل به ليس بمسلم ـ هو أنّ هذا الجسد الذي هو الآن موجود محسوس بعينه هو الذي يعاد يوم القيامة ، وهو الذي يدخل الجنّة أو النار ، وهو الخالد الذي خلق للبقاء ، وهو الذي نزل إلى هذه الدنيا من ألف ألف عام حتّى وصل إلى التراب ، ثمّ أخذ يصعد من النطفة والعلقة

٢٥٥

والمضغة والعظام وهكذا صاعدا ، في مقابلة تلك العوالم ألف ألف رتبة من الترقّي آخرها لا انتهاء لها ، فهي باقية ببقاء الله سبحانه بلا نهاية.

فهذا الجسد المحسوس هو بعينه المعاد ، وهو بعينه متعلّق الثواب والعقاب ، لا يشكّ في ذلك إلاّ من يشكّ في إسلامه ؛ لأنّ هذا من أصول الإسلام. ولكن أصله مادّة نوريّة كلّما نزلت جمدت ، مثل الحجر الأسود ، وهو ملك فلمّا نزل كان حجرا.

ومثل جبرئيل ، هو جوهر مجرّد عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فإذا أنزل لبس صورة دحية الكلبي أو غيره ، فكذلك هذا الجسم كان نورا مجرّدا عن المادّة العنصريّة والمدّة الزمانيّة ، فأخذ يتنزّل إلى أن وصل إلى الزمان والعناصر ، فلبس هيئتها وكثافتها أعني الصورة المعبّر عنها بالمادّة العنصريّة والكثافة البشريّة.

[ و ] مثل الماء ، هو لطيف ، فإذا جمد لبس الصورة الثلجيّة ، فإذا ذاب عاد إلى أصله من غير أن يختلف إلاّ بمحض الصورة المعبّر عنها بالجسد العنصري ، فإذا جمد ذلك الماء مرّة ثانية لم يعد إليه الجمود الأوّل فلبس جمودا ثانيا مع أنّه بعينه هو ذلك الماء لم يتغيّر مع أنّه قد تغيّر.

وهذا هو مرادنا بالجسد الأوّل الذي لا يعود ، فالموجود في الدنيا بعينه ـ وهو المرئيّ بالبصر ـ هو جسد الآخرة بعينه لكنّه كسر في أرض الجرز ، أرض القابليات ، وصيغ في العقول معنى ، ثمّ صيغ ذلك المعنى في رتبة الأرواح رقيقة ، ثمّ صيغت في النفوس نفسا ، ثمّ كسرت في الطبيعة وحصّصت حصصا في جوهر الهباء وتعلّقت بها الصور في المثال ، ثمّ كسرت في محدّد الجهات ، ومنه إلى الرياح ، ومنه إلى السحاب ، ومنه إلى المطر والأرض والنبات ، ثمّ صيغت نطفة ، ثمّ علقة ، ثمّ مضغة ، ثمّ عظاما ، ثمّ كسي لحما وأنشئ خلقا آخر فكان إنسانا في هذه الدنيا ، ثمّ كسر في القبور ، ثمّ يصفّى في الأرض ، بمعنى أنّ الأرض تأكل جميع ما فيه من الغرائب والأعراض الكثافات المعبّر عنها بالجسد العنصري ، ويخرج يوم القيامة هذا الجسد

٢٥٦

بعينه ، أعني الموجود في الدنيا بعينه هو الذي يخرج يوم القيامة بعد أن يصفّى.

ومعنى قولنا : بعد أن يصفّى هو أن يذهب عنه الجسد العنصري. ومعنى قولنا : هو أن يذهب الجسد العنصري يعني يذهب الكثافات الغريبة ، وهي الصورة الأولى ؛ لأنّه إذا صيغ ثانيا لا تعود الصورة الأولى.

فافهم ، فهذا مرادي وأبرأ إلى الله تعالى من غير هذا. وهذا هو مذهب أئمّة الهدىعليهم‌السلام . ».

فذكر حديثا مشتملا على أنّ رجلا لو أخذ لبنة فكسرها ثمّ ردّها إلى طينها فهي هي ، وهي غيرها(١) . إلى أن قال بعد ذكر مثال الخاتم : « فإنّه صيغ من الفضّة وبعد أن كسر ذهبت الصورة والهيئة التي هي بمنزلة الجسد الأوّل ، أعني العنصري ، وهو الكثافة الغريبة التي ليست في الحقيقة من الإنسان. ثمّ قال : « وهو الجسد الأوّل الفاني.

وأمّا الجسد الثاني فهو مركّب من عناصر أربعة ، لكنّها ليست من هذه العناصر الزمانيّة المعروفة الفانية ، بل من عناصر باقية جوهريّة نوريّة ، وهي من عناصر هورقليا في الإقليم الثامن الذي فيه الجنّتان المدهامّتان وجنان الدنيا ، وإليها تأوي أرواح السعداء من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، وهذا هو الجسد الثاني ، وهو الباقي ، وهو الذي نزل إلى الدنيا ، ولبس الكثافة البشريّة العنصريّة ، وهو بعينه هذا الجسد الموجود في هذه الدنيا إلاّ أنّه عليه غبار ووسخ ، وهو من العناصر المحسوسة ، وهذه الكثافة ليست من الجنّة حتّى تعود إليها وإنّما هي من هذه الدنيا ».

قال : « والحاصل أنّ عود كلّ شيء إلى أصله ممّا لا خلاف فيه ، فإذا ثبت بأنّ الكثافة من هذه العناصر ، وأنّ الإنسان إنّما تعلّقت به في هذه الدنيا ، وعاد إلى أصله كلّ شيء لم تصحبه الكثافة إلى الجنّة ».

__________________

(١) « الاحتجاج » ٢ : ٣٥٤ ؛ وعنه في « بحار الأنوار » ٧ : ٣٨ ، ح ٦.

٢٥٧

ثمّ قال : « الإنسان له جسدان وجسمان : فالجسد الأوّل من العناصر المحسوسة ، ونريد به هذه الصورة والتركيب في الدنيا ؛ لأنّه إذا مات وكان ترابا ذهبت هذه الصورة ».

قال : « وهذه الصورة الأولى هي الجسد الأوّل الذي لا يعود ، وهو مخلوق من العناصر المحسوسة وهو الكثافة.

والجسد الثاني ، وهو الذي يعود ، وهو مخلوق من عناصر هورقليا أعني العالم الذي قبل هذا العالم ، وفيه جنان الدنيا والجنّتان المدهامّتان ، وإليه تأوي أرواح المؤمنين. وهورقليا معناه ملك آخر ، وهذا اسم لتلك الأفلاك ، وفي أرضها بلدان جابرسا وجابلقا.

والجسم الأوّل هو الذي يلبسه الروح في البرزخ ما بين الموت إلى نفخة الصور الأولى ، فإذا نفخ في الصور بطل كلّ روح وكلّ متحرّك أربعمائة سنة ، ظهر ذلك الجسم عن أوساخ البرزخ وكثافاته بالنسبة إلى عالم الآخرة ، وهذه الكثافات هو مرادنا بالجسم الأوّل الذي لا يعود. ويبقى الجسم الثاني الصافي تحلّه الروح وتمضي معه إلى الجسد الثاني بين أطباق الثرى الباقي ، فتدخل بحسبها فيه فيخرج في النشورين : القبور والحساب ، بجسمه وجسده الصافيين ، وهما هذا الجسم والجسد الموجود في الدنيا بعينه وإنّما يظهر ».

ثمّ قال : « إنّ المعاد في هذا الجسد العنصري يدخل الجنّة بهذه الكثافة ، أو يصفّى عن الأعراض الغريبة التي ليست منه؟

فإن قلت : يدخل الجنّة بهذه الكثافة على هذه الحالة ، فقد خالفت العقل والنقل الدالّين على أنّ صفاء أبدان أهل الجنّة ومطاعمهم بحيث يأكلون ولا يتغوّطون ولا يبولون ».

إلى أن قال : « ولو لم يصف لبقيت فيه الأعراض والغرائب فلا يبقى في الجنّة بل يموت ويزول ؛ لأنّ علّة الموت والزوال إنّما هي ممازجة تلك الأعراض والكثافات

٢٥٨

الأجنبيّة الغريبة مثل الذهب ، فإنّك إذا أخذت مثقالا من الذهب ومزجته بمثقالين من النحاس والحديد ودفنت ذلك الممزوج في الأرض تأكل الأرض جميع ما فيه من الحديد والنحاس وتبقى أجزاء الذهب متخلّلة متفرّقة ».

إلى أن قال : « فلو دخلت أجسام الأناس الجنّة على هذه الحالة لفنيت ؛ لأنّ فيها أسباب الفناء. هذا على ظاهر الدليل. وأمّا على حقيقة الأمر ـ فكما أشرنا إليه من أنّ كلّ شيء يرجع إلى مبدئه وأصله ـ الإنسان لطيف ، وإنّما لحقته هذه الكثافات الغريبة في هذه الدنيا ؛ لأنّ هذه الدنيا دار تكليف لم تخلق للبقاء ، فلمّا خلق الخلق رحمة بهم أنزلهم في دار التكليف والمشقّة ؛ ليتزوّدوا منها لدار مفارقتهم ، وألزمهم مقتضى هذه الدار من لزوم الأعراض والغرائب والكثافة التي هي أسباب الانتقال ودواعي الزوال ؛ لئلاّ يبقوا في دار المشقّة دائما فلا يصلوا إلى دار الجزاء والحال أنّه سبحانه خلقهم وبرأهم رحمة بهم ليوصلهم إلى النعيم الدائم الذي لا ينفد ، والبقاء الدائم المخلّد.

فإذا قلت : إنّهم يعودون في هذا البدن العنصري وتريد به ـ مع ما هو عليه من الكثافة والغرائب التي يفنى بها ـ الجسد العنصري المحبوس البشري ، لزمك أنّهم لا يبقون في الجنّة ولا في النار ؛ لأنّ العلّة الموجبة للانتقال من هذه الدار هي تلوّث على ذلك الجسد اللطيف ـ أعني الثاني ـ والجسم النوراني ، وهما حقيقة الجسم الذي هو الإنسان ، وما سوى هذين فهي أعراض وكثافات »(١) .

[ ردّ مقالة الشيخ المعاصر ]

أقول : الظاهر أنّ ما ذكره من الأعراض والكثافات فينبغي أن يصفّي عنه الاعتقادات.

__________________

(١) هذا النقل عن الشيخ أحمد الأحسائي ، المعاصر للمصنّف ، إلاّ أنّ جلّ كتبه غير متوفّرة لدينا.

٢٥٩

أمّا أوّلا : فلأنّ ذلك مخالف للحكمة المقتضية ؛ لكون الإنسان مركّبا من أجزاء العالي والسافل ، وأنموذج العالم الأكبر قابلا لجميع العلوم ، كما يشهد بذلك قوله تعالى :( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) (١) .

وقولهعليه‌السلام :

وتزعم أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر(٢)

لدلالة الآية على أنّ الملائكة مع نورانيّتهم لم يكونوا قابلين للتعليم وإلاّ يستلزم الترجيح بلا مرجّح وعدم توجّه الجواب العياذ بالله ، فاحتيج إلى مادّة قابلة بالتركيب من أجزاء الجميع ، كما أنّ العنّين لا يمكن أن يتعلّم لذّة الجماع ، والأكمه لا يميّز بين الألوان ولو تليت عليه القرآن. والحديث أصرح من الآية ، إلى غير ذلك من الأدلّة العقليّة والنقليّة. وعلى ذلك يلزم كون الجميع معادا في المعاد.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ذلك خلاف اعتقاد أهل الإسلام المأخوذ من الشارع ونوّابهعليهم‌السلام ، وهو أنّ أجزاء الجسم من عناصر هذا العالم سيّما الأرض ولو بواسطة ، كما في بني آدم فإنّهم خلقوا من ماء حاصل من الأجزاء الأرضيّة ، كيف؟ وقد قال الله تعالى :( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى ) (٣) .

وقال تعالى :( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (٤) .

__________________

(١) البقرة (٢) : ٣١ ـ ٣٣.

(٢) « الديوان المنسوب للإمام عليّعليه‌السلام » : ٢٣٦.

(٣) طه (٢٠) : ٥٥.

(٤) آل عمران (٣) : ٥٩.

٢٦٠