البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 100692
تحميل: 4034


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100692 / تحميل: 4034
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) (١) .

( يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ ) (٢) .

( وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً ) (٣) .

( أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ) (٤) . إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

فالمعاد الجسماني من ضروريّات دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّه أمر ممكن أخبر به الصادق فيجب التصديق والإيمان به.

وإنّما قلنا : إنّه ممكن ؛ لأنّ المراد به جمع الأجزاء المتفرّقة ، وهو ممكن بالضرورة.

قوله : « ولا يجب إعادة فواضل المكلّف » ، إشارة إلى جواب شبهة تقريرها : أنّ المعاد الجسماني غير ممكن ؛ لأنّه لو أكل إنسان إنسانا حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل ، فهذا الجزء إمّا أن لا يعاد أصلا وهو المطلوب ، أو يعاد في كلّ واحد منهما وهو محال ؛ لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آن واحد في شخصين متباينين ، أو يعاد في أحدهما وحده فلا يكون الآخر معادا بعينه وهو ـ مع إفضائه إلى الترجيح بلا مرجّح ـ يثبت مقصودنا ، وهو أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها كما زعمتم.

تقرير الجواب : أنّ المعاد إنّما هو في الأجزاء الأصليّة ، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره لا جميع الأجزاء على الإطلاق ، وهذا الجزء فضل في الإنسان الآكل ، فلا يجب إعادته فيه ، وهذا معنى قول المصنّف : ولا يجب إعادة فواضل المكلّف ، ثمّ إن كان من الأجزاء الأصليّة للمأكول أعيد فيه وإلاّ فلا.

__________________

(١) النساء (٤) : ٥٦.

(٢) ق (٥٠) : ٤٤.

(٣) البقرة (٢) : ٢٥٩.

(٤) العاديات (١٠٠) : ٩ ـ ١٠.

٢٨١

( وعدم انخراق الأفلاك ، وحصول الجنّة فوقها ، ودوام الحياة مع الاحتراق ، وتولّد البدن من غير التوالد ، وتناهي [ القوى ] الجسمانيّة استبعادات ).

احتجّ المنكرون للمعاد على امتناع حشر الأجساد : بأنّه لو ثبت المعاد الجسماني فإمّا أن يكون عود الروح إلى البدن في عالم العناصر وهو التناسخ ، أو في عالم الأفلاك فهو يوجب انخراق الأفلاك وهو محال. وبأنّه يلزم تولّد البدن من غير التوالد ، وذلك عند البعث ، وهو ممتنع.

وعلى امتناع وجود الجنّة : بأنّه لا يمكن حصولها في عالم العناصر ولا في عالم الأفلاك ؛ لأنّها لا يسعها ؛ لقوله تعالى :( وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) (١) . فبالضرورة يكون فوق الأفلاك أعني خارجها ، وذلك محال ؛ لأنّ الفلك المحيط بجميع الأفلاك محدّد للجهات ، وبه ينتهي عالم الجسمانيّات.

وعلى امتناع تأبيد الثواب والعقاب : بأنّه يلزم دوام الحياة مع الاحتراق ، وعدم تناهي القوى الجسمانيّة ؛ لأنّ وصول الثواب دائما ووصول العقاب بالنسبة إلى البعض يوجب التحريكات غير المتناهية.

وأجاب المصنّف عن هذه الوجوه : بأنّها استبعادات ، ولا امتناع في شيء ممّا ذكر ؛ فإنّ الأفلاك حادثة كما ذكر ، فيكون عدمها جائزا ، وإن كان عدمها جائزا كان انخراقها أيضا جائزا ، على أنّ عود الروح إلى البدن في عالم العناصر لا يوجب التناسخ. وحصول الجنّة فوق الأفلاك جائز.

وما ذكر من حديث المحدّد فهو مسألة فلسفيّة لا نسلّمها ، ودوام [ الحياة مع دوام ](٢) الاحتراق ممكن. والتولّد أيضا ممكن كما في حقّ آدمعليه‌السلام ، والقوى الجسمانيّة قد لا تتناهى انفعالاتها وكذا فعلها [ بواسطة ](٣) .

__________________

(١) الحديد (٥٧) : ٢١.

(٢) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) الزيادة أثبتناها من المصدر.

٢٨٢

[ في استحقاق الثواب والعقاب ]

( ويستحقّ الثواب ) وهو النفع المستحقّ المقارن للتعظيم والإجلال( والمدح ) ، وهو قول ينبئ عن ارتفاع حال الغير مع قصد الترفّع فيه( بفعل الواجب والمندوب وفعل ضدّ القبيح ) وهو الترك له على مذهب من يثبت الترك ضدّا ،( والإخلال به ) أي بالقبيح( بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه ) ، يعني يشترط في استحقاق الفاعل الثواب والمدح بفعل الواجب أن يفعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه.

( والمندوب كذلك ) أي يشترط في استحقاق الفاعل الثواب والمدح بفعله أن يفعله لندبه أو لوجه ندبه( والضدّ ؛ لأنّه ترك قبيح ) أي إنّما يستحق فاعل ضدّ القبيح الثواب والمدح إذا فعله لأنّه ترك قبيح.

( والإخلال به ) أي بالقبيح( لأنّه إخلال به ) فإنّه إذا فعله لأنّه إخلال بالقبيح يستحقّ الثواب والمدح. فإنّه لو فعل الواجب أو المندوب لا لما ذكرنا لم يستحقّ مدحا ولا ثوابا لهما ، وكذا لو ترك القبيح أو أخلّ به لغرض آخر من لذّة وغيرها لم يستحقّ المدح والثواب ، وإنّما يستحقّ المدح والثواب بفعل الطاعة ؛ لأنّ الطاعة مشقّة ألزمها الله تعالى للمكلّف ، وظاهر( أنّ المشقّة من غير عوض ، ظلم وهو قبيح ) لا يصدر من الحكيم ، والعوض لا يكون إلاّ نفعا.

( ولا يصحّ الابتداء به ) إذ لو أمكن الابتداء به كان التكليف عبثا ،( وكذا يستحقّ العذاب ) وهو الضرر المستحقّ المقارن للإهانة ،( والذمّ ) وهو قول ينبئ عن اتّضاع(١) حال الغير مع قصده( بفعل القبيح والإخلال بالواجب ؛ لاشتماله على اللطف ) وذلك لأنّ المكلّف إذا علم أنّ المعصية يستحقّ لها العقاب فإنّه يبعد عن فعلها ويقرب إلى فعل ضدّها ، واللطف على الله تعالى واجب( ولدلالة السمع ) من القرآن

__________________

(١) في النسخ : « مبنيّ على الضياع » وما أثبتناه من المصدر.

٢٨٣

والأحاديث على أنّ فعل القبيح والإخلال بالواجب سبب لاستحقاق العقاب.

ولمّا كان لسائل أن يقول : لو كان الإخلال بالواجب سببا لاستحقاق الذمّ ، والإخلال بالقبيح سببا لاستحقاق المدح ، لكان المكلّف إذا أخلّ بالواجب وبالقبيح كان مستحقّا للمدح والذم أيضا ، فيلزم اجتماع الاستحقاقين ، أي استحقاق المدح والذمّ في مكلّف ، وهو ممتنع.

أجاب بقوله :( ولا امتناع في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين ) استحقاق المدح باعتبار الإخلال بالقبيح ، واستحقاق الذمّ باعتبار الإخلال بالواجب( وإيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح ) ذهب أبو القاسم البلخي إلى أنّ إيجاب هذه التكاليف وقع شكرا للنعم التي أنعم الله تعالى بها فلا يستحقّ المكلّف بها ثوابا(١) فبيّن المصنّف بطلانه ، بأنّ إيجاب المشقّة في شكر المنعم قبيح عند العقلاء ؛ إذ يقبح عقلا أن ينعم الإنسان على غيره نعمة ثمّ يكلّفه ويوجب عليه شكره على تلك النعمة من غير أن يصل إليه ثواب ، والقبيح لا يصدر عن الله تعالى ، فتعيّن أن يكون إيجاب التكاليف لاستحقاق الثواب( ولقضاء العقل به مع الجهل ) دليل آخر على بطلان هذا المذهب.

تقريره : أنّ العقل يقضي بوجوب شكر المنعم مع الجهل بالتكاليف [ الشرعيّة ، وقضاء العقل بوجوب الشكر مع الجهل بالتكاليف يوجب الحكم بأنّ التكاليف ](٢) ليست شكرا.

أقول : فيه منع ظاهر.

( ويشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلّف به ) الواجب أو المندوب( أو الإخلال به ) أي بالقبيح( شاقّا ) والمقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقّة فإذا انتفت انتفى الثواب.

__________________

(١) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٠٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٤٧ ؛ وانظر « شرح الأصول الخمسة » للقاضي عبد الجبّار : ٦١٧ ـ ٦١٨.

(٢) الزيادة أثبتناها من المصدر.

٢٨٤

( ولا يشترط ) في استحقاق الثواب بفعل الطاعة( رفع الندم على فعل الطاعة ) فإنّ الطاعة حالة صدورها عن الفاعل ممتنع الندم عليها فلا فائدة في اشتراط رفعه. مع أنّها سبب لاستحقاق الثواب [ نعم ، رفع الندم شرط في بقاء استحقاق الثواب ](١) .

( و) كذا( لا ) يشترط في استحقاق الثواب( انتفاء النفع العاجل إذا فعل ) الفعل المكلّف به( للوجه ) أي إذا أوقعه لوجه الوجوب أو للوجوب ، أو لوجه الندب أو للندب.

( ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة ؛ للعلم الضروري باستحقاقهما مع فعل موجبهما ).

ذهب المعتزلة إلى أنّ الثواب يجب أن يقترن بالتعظيم ، والعقاب يجب أن يقترن بالإهانة(٢) واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّا نعلم بالضرورة أنّ من فعل الفعل الشاقّ المكلّف به فإنّه يستحق التعظيم والإجلال ، وكذلك من فعل القبيح يستحقّ الإهانة والاستخفاف.

( ويجب دوامهما ) ذهب المعتزلة إلى أنّه يجب دوام ثواب أهل النعيم وعقاب أهل الجحيم(٣) .

واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بوجوه :

الأوّل : أنّ دوام الثواب على الطاعة ، وكذا دوام العقاب على المعصية يبعث المكلّف على فعل الطاعة ويزجره عن المعصية ، فيكون لطفا ، واللطف واجب.

وإليه أشار بقوله :( لاشتماله على اللّطف ).

__________________

(١) الزيادة أثبتناها من المصدر.

(٢) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » ٤١٠ ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » ٥ : ١٣٠ ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : ٦٦٧.

(٣) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٠ ـ ٤١١ ؛ وفي « مناهج اليقين » : ٣٤٩ ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » ٥ : ١٢٩ ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : ٦٦٧.

٢٨٥

الثاني : أنّ المدح والذمّ دائمان ؛ إذ لا وقت إلاّ ويحسن فيه مدح المطيع وذمّ العاصي ، وهما معلولا الطاعة والمعصية ، فيجب دوام الثواب والعقاب ؛ لأنّ دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول الآخر.

وإليه أشار بقوله :( ولدوام المدح والذمّ ).

الثالث : أنّ الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الألم بانقطاعه ، والعقاب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه ، فلم يكن الثواب والعقاب خالصين عن شوب ، لكن يجب خلوصهما ، لما سيأتي متّصلا بهذا البحث.

وإلى ذلك أشار بقوله :( ولحصول نقيضهما لولاه ) أي يلزم بانقطاع الثواب الذي هو النفع حصول ضرر الألم الذي هو نقيضه ، وبانقطاع العقاب الذي هو الضرر حصول نفع السرور الذي هو نقيضه.

( ويجب خلوصهما ) أي خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب. أمّا الثواب ؛ فلأنّه لو لم يكن خالصا لكان أنقص حالا من العوض والتفضّل إذا كانا خالصين ، وأنّه غير جائز.

وإلى هذا أشار بقوله :( وإلاّ لكان الثواب أنقص حالا من العوض والتفضّل على تقدير حصوله ) أي حصول الخلوص( فيهما ) أي في العوض والتفضّل. وأمّا العقاب فلأنّه( أدخل في باب الزجر ) من الثواب ، فيجب خلوصه بالطريق الأولى.

وإلى هذا أشار بقوله : ( وهو أدخل في باب الزجر ).

ولمّا كان لسائل أن يقول : إنّ الثواب لا يخلص عن الشوائب ؛ لأنّ أهل الجنّة درجاتهم متفاوتة ، فمن كان أدنى مرتبة يكون مغتمّا إذا شاهد من هو أعظم درجة ؛ ولأنّه يجب على أهل الجنّة الشكر على نعم الله تعالى ، ويجب عليهم الإخلال بالقبائح ، وكلّ ذلك مشقّة ، فلا يكون الثواب خالصا من الشوب.

وأيضا فإنّ أهل النار يتركون القبائح فيجب أن يثابوا بتركها ، فلا يكون عقابهم

٢٨٦

خالصا عن شوب من الثواب.

أجاب عنه فقال :( وكلّ ذي مرتبة في الجنّة لا يطلب الأزيد من مرتبته ) فلا يكون مغتمّا بمشاهدة من هو أعظم درجة منه( ويبلغ سرورهم بالشكر إلى حدّ انتفاء المشقّة ، وغناهم بالثواب ينفي عنهم مشقّة ترك القبائح ، وأهل النار ملجئون إلى ترك القبائح ) فلا يثابون به فيكون عقابهم خالصا عن الشوب.( ويجوز توقّف الثواب على شرط وإلاّ لأثيب العارف بالله تعالى خاصّة ).

ذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّ الثواب يجوز أن يتوقّف على شرط.

واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّه لو لم يجز توقّف الثواب على شرط ، لكان العارف بالله تعالى وحده من غير أن يصدّق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رسالته مثابا ، والتالي باطل بالاتّفاق.

بيان الملازمة : أنّ العارف بالله تعالى وحده من غير أن يصدّق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له معرفة مستقلّة ، فلو لم يجز توقّف الثواب على شرط لوجب أن يثاب بالمعرفة المستقلّة وإن لم يصدّق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

( والإحباط باطل ؛ لاستلزامه الظلم ، ولقوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (١) ).

ذهب جماعة من المعتزلة إلى الإحباط والتكفير ، على معنى أنّ المكلّف يسقط ثوابه المتقدّم بمعصيته المتأخّرة ، وتكفّر ذنوبه المتقدّمة بطاعته المتأخّرة(٢) ، ونفاه المحقّقون ، واختاره المصنّف ، واحتجّ عليه بأنّه ظلم ؛ لأنّ من أطاع وأساء وكانت إساءته أكثر يكون بمنزلة من لم يحسن ، ومن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ ، وإن تساويا يكون مساويا لمن لم يصدر عنه أحدهما ، وليس كذلك عند

__________________

(١) الزلزال (٩٩) : ٧.

(٢) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٣ ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٦٢٤.

٢٨٧

العقلاء ؛ ولقوله تعالى :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) ، والإيفاء بوعده واجب.

ثمّ القائلون بالإحباط والتكفير اختلفوا. فقال أبو عليّ : إنّ المتأخّر يسقط المتقدّم ويبقى هو على حاله.

وقال أبو هاشم : ينتفي الأقلّ بالأكثر وينتفي من الأكثر بالأقلّ ما ساواه ويبقى الزائد مستحقّا ، وإن تساويا صارا كأن لم يكن ، وهذا هو الموازنة(١) .

والمصنّف أراد إبطال مذهب أبي هاشم فقال :( ولعدم الأولويّة إذا كان الآخر ضعفا ، وحصول المتناقضين مع التساوي ).

تقريره : أنّا لو فرضنا استحقاق المكلّف خمسة أجزاء من الثواب وعشرة أجزاء من العقاب ، فإسقاط إحدى الخمستين من العقاب دون الأخرى ليس أولى من العكس ، فإمّا أن يسقطا معا فهو خلاف مذهبه ، أو لا يسقط شيء منهما وهو المطلوب.

ولو فرضنا أنّه استحقّ خمسة أجزاء من الثواب وخمسة أجزاء من العقاب ، فإنّ تقدّم إسقاط أحدهما للآخر لم يسقط الباقي بالمعدوم ؛ لاستحالة صيرورة المغلوب والمعدوم غالبا ومؤثّرا ، وإن تقارنا لزم وجودهما وعدمهما معا ؛ لأنّ علّة عدم كلّ واحد منهما وجود الآخر ، فلو عدما دفعة وجدا دفعة ؛ لأنّ العلّة موجودة حال حدوث المعلول وهما موجودان حال كونهما معدومين فيلزم الجمع بين النقيضين.

وأجيب بأنّ كلّ واحد من العملين يؤثّر في الاستحقاق الناشئ عن الآخر حتّى يبقى من أحد الاستحقاقين بقيّة بحسب رجحانه ، فليس الكاسر والمنكسر واحدا ، كما لم يتّحدا في المزاج أيضا.

والحقّ أنّه ليس هاهنا تأثير وتأثّر حقيقي ، بل معنى إحباط الطاعة واستحقاق الثواب أنّ الله تعالى لا يثيبه عليها ، ومعنى الموازنة أنّه لا يثيبه عليها ويترك العقوبة

__________________

(١) حكى عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٣ ؛ وراجع أيضا « شرح الأصول الخمسة » :

٦٢٥ ـ ٦٣١.

٢٨٨

على المعصية بقدرها ، وحينئذ يخرج الجواب عن الصورة الأولى أيضا ؛ فإنّ إسقاط إحدى الخمستين وإن لم يكن أولى من الأخرى ، لكنّ المختار يرجّح أيّهما شاء على ما مرّ من أمثلة الهارب والجائع وغيرهما.

( والكافر مخلّد ، وعذاب صاحب الكبيرة منقطع ؛ لاستحقاق الثواب بإيمانه ، ولقبحه عند العقلاء ).

اتّفق المسلمون على أنّ عذاب الكفّار المعاندين دائم لا ينقطع. والكافر المبالغ في الاجتهاد الذي لم يصل إلى المطلوب ، زعم الجاحظ والعنبري أنّه معذور ؛ لقوله تعالى :( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) ؛ ولأنّ تعذيبه مع بذله الجهد والطاعة من غير تقصير قبيح عقلا(٢) .

وذهب الباقون إلى أنّه غير معذور ، وادّعوا الإجماع عليه قبل ظهور المخالفين ، قالوا : كفّار عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين قتلوا وحكم النبيّ بخلودهم في النار لم يكونوا عن آخرهم معاندين ، بل منهم من اعتقد الكفر بعد بذل المجهود ، ومنهم من بقي على الشكّ بعد إفراغ الوسع ، وختم الله على قلوبهم ولم يشرح صدرهم للإسلام فلم يهتدوا إلى حقيقة ، ولم ينقل عن أحد قبل المخالفين هذا الفرق الذي ذكره الجاحظ والعنبري.

وقوله تعالى :( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) خطاب على أهل الدين لا إلى الخارجين من الدين ، وكذلك أطفال المشركين عند الأكثرين ؛ لدخولهم في العمومات ، ولما روي أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « هم في النار ». حين سألت خديجة عن حالهم(٣) ، وقالت المعتزلة وبعض الأشاعرة : لا يعذّبون بل هم خدم أهل الجنّة ؛

__________________

(١) الحجّ (٢٢) : ٧٨.

(٢) حكاه عن العنبري والجاحظ العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٥٧ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٣٤.

(٣) « الفقيه » ٣ : ٣١٧ ، ح ١٥٤٣ ؛ « بحار الأنوار » ٥ : ٢٩٤ ، ح ٢١ ، عن عليّ ؛ « العلل المتناهية » ٢ : ٩٢٤ ، ح ١٥٤١ ، عن عائشة.

٢٨٩

لما ورد في الحديث(١) ؛ ولأنّ تعذيب من لا جرم له ظلم(٢) .

وأمّا أنّ عذاب صاحب الكبيرة هل هو منقطع أم لا؟ فذهب أهل السنّة والإماميّة من الشيعة وطائفة من المعتزلة إلى أنّه ينقطع(٣) ، واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّ صاحب الكبيرة يستحقّ الثواب بإيمانه ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (٤) ، ولا شكّ أنّ الإيمان أعظم أعمال الخير ، فإن استحقّ العقاب بالمعصية ، فإمّا أن يقدّم الثواب على العقاب وهو باطل بالاتّفاق ، أو بالعكس وهو المطلوب. وبأنّه لو لم ينقطع عذابه ، يلزم أنّه إذا عبد الله تعالى مكلّف مدّة عمره ثمّ عمل كبيرة في آخر عمره لا ينقطع عذابه وهو قبيح عقلا.

( والسمعيّات متأوّلة ، ودوام العقاب مختصّ بالكافر ) السمعيّات التي تمسّك المعتزلة بها في عدم انقطاع عذاب صاحب الكبيرة مثل قوله تعالى :( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ) (٥) ،( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ) (٦) ،( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ) (٧) . متأوّلة إمّا بتخصيص العمومات بالكفّار ، أو بحمل الخلود على المكث الطويل.

وأمّا قولهم : إنّ الثواب والعقاب ينبغي أن يكونا دائمين لما تقدّم ، فإن أريد بدوام العقاب دوام عقاب الكفّار فمسلّم وإلاّ فممنوع.

( والعفو واقع ؛ لأنّه حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، ولا ضرر عليه في تركه المكلّف فحسن إسقاطه ؛ ولأنّه إحسان ؛ وللسمع ).

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٥ : ٢٩١ ، ح ٦.

(٢) انظر « شرح المقاصد » ٥ : ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٣) « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٤ ؛ وانظر « شرح المقاصد » ٥ : ١٣٥.

(٤) الزلزال (٩٩) : ٧.

(٥) الجنّ (٧٢) : ٢٣.

(٦) النساء (٤) : ٩٣.

(٧) النساء (٤) : ١٤.

٢٩٠

اتّفقت الأمّة على أنّ الله تعالى يعفو عن الصغائر مطلقا وعن الكبائر بعد التوبة ، ولا يعفو عن الكفر قطعا.

واختلفوا في جواز العفو عن الكبائر بدون التوبة ، فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّه جائز عقلا غير جائز سمعا(١) .

وذهب الباقون إلى وقوعه عقلا وسمعا.(٢) واختاره المصنّف ، واحتجّ على وقوعه عقلا بأنّ العقاب حقّ الله تعالى ، فجاز له إسقاط حقّه ، وبأنّ العقاب ضرر على المكلّف ، ولا ضرر على الله تعالى بإسقاطه ، وكلّ ما كان كذلك فإسقاطه حسن ، وكلّ ما هو حسن فهو واقع.

ولأنّ العفو إحسان والإحسان على الله تعالى واجب. وعلى وقوعه سمعا بالدلائل السمعيّة مثل قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) (٣) وقوله تعالى :( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (٤) . إلى غير ذلك من النصوص(٥) .

__________________

(١) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٥ ؛ وفي « مناهج اليقين » : ٣٥٨ ؛ وراجع أيضا « شرح المقاصد » ٥ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ؛ و « شرح الأصول الخمسة » : ٦٤٤.

(٢) المصدر السابق.

(٣) النساء (٤) : ٤٨.

(٤) الزمر (٣٩) : ٥٣.

(٥) في هامش « ب » : « أقول : ورد في أخبار كثيرة ما يدلّ على العفو عن المعاصي الصغيرة والكبيرة ، ففي الخبر : إنّ الله تعالى يحاسب عبده فترجّحت سيّئاته على حسناته ، فيأمر الله تعالى [ به ] إلى النار ، فإذا ذهب به فيقول الله تعالى لجبرئيلعليه‌السلام : أدرك عبدي واسأله هل جلست مع العلماء في الدنيا فأغفر له بشفاعتهم؟ فيسأله جبرئيل ، فيقول : لا ، أنت عالم بحال عبدك ، فيقول الله تعالى : اسأله هل أحبّ عالما؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول : اسأله هل جلست على مائدة مع العلماء قطّ؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول الله تعالى : اسأله هل سكنت مسكنا سكن فيه عالم؟ فيسأله ، فيقول : لا ، فيقول اسأله : هل يشبه اسمه باسم عالم؟ فإن وافق اسمه اسم عالم غفرت له ، فإن لم يوافق دعه ، فيقول الله لجبرئيلعليه‌السلام : اسأله هل أحببت رجلا يحبّ العلماء؟ فيسأله ، فيقول : نعم ، فيقول

٢٩١

فإن قيل : يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغائر أو عن الكبائر بعد التوبة.

قلنا : هذا ـ مع كونه عدولا عن الظاهر من غير دليل ، ومخالفة لأقاويل من يعتدّ به من المفسّرين بلا ضرورة ـ ممّا لا يكاد يصحّ في بعض الآيات كقوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) الآية ؛ فإنّ المغفرة بالتوبة تعمّ الشرك وما دونه ، فلا يكون(١) التفرقة بإثباتها لما دونه ، وكذا تعمّ كلّ واحد من العصاة فلا يلائم التعليق « لمن يشاء » المفيد للبعضيّة ، على أنّ في تخصيصها إخلالا بالمقصود ، أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفره ويغفر جميع ما سواه.

( والإجماع على الشفاعة ، فقيل : لزيادة المنافع ، ويبطل منّا في حقّه ).

اتّفق المسلمون على ثبوت الشفاعة ؛ لقوله تعالى :( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (٢) ، وفسّرت بالشفاعة. ثمّ اختلفوا فذهب المعتزلة إلى أنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب(٣) . وذهب طائفة [ إلى ] أنّ الشفاعة للعصاة من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إسقاط عقابهم.

وأبطله المصنّف بأنّ الشفاعة لو كانت لطلب زيادة المنافع للمؤمنين لكنّا شافعين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّا نطلب زيادة المنافع له ، وهو مستحقّ للثواب. والتالي باطل ؛ لأنّ الشفيع أعلى مرتبة من المشفوع له.

( ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب ) إشارة إلى جواب دليل المعتزلة.

تقريره : أنّ الله تعالى قال :( ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (٤) نفى الله

__________________

الله تعالى : خذ بيده وأدخله الجنّة فإنّه كان يحبّ رجلا في الدنيا كان ذلك الرجل يحبّ العلماء فغفرت له. إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة ».

(١) في المصدر : « فلا يصحّ » بدل « فلا يكون ».

(٢) الإسراء (١٧) : ٧٩.

(٣) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٥ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٥٧.

(٤) غافر (٤٠) : ١٨.

٢٩٢

تعالى قبول الشفاعة عن الظالمين ، فلا تكون الشفاعة ثابتة في حقّ العصاة.

تقرير الجواب : أنّه تعالى نفى الشفيع الذي يطاع ، ونفي شفيع خاصّ لا يستلزم نفي الشفيع مطلقا.

( وباقي السمعيّات متأوّلة بالكفّار ) إشارة إلى جواب استدلالهم بمثل قوله تعالى :( وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ) (١) ، وقوله تعالى :( يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ) (٢) ، وقوله تعالى :( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (٣) .

تقرير الجواب : أنّ هذه الآيات متأوّلة بتخصيصها بالكفّار ؛ جمعا بين الأدلّة ، على أنّا لا نسلّم العموم في الأزمان والأحوال ، وأنّ سوق الكلام لعموم السلب لا لسلب العموم. وأيضا الظالم على الإطلاق هو الكافر. ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة ؛ لأنّها طلب على خضوع ، والنصرة ربما تنبئ عن مدافعة ومغالبة.

( وقيل في إسقاط المضارّ. والحقّ صدق الشفاعة فيهما ، وثبوت الثاني له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (٤) ). ذهب طائفة إلى أنّ الشفاعة بالنسبة إلى العصاة في إسقاط المضارّ عنهم.

والحقّ عند المصنّف صدق الشفاعة فيهما ، أي في زيادة المنافع لهم وفي إسقاط المضارّ عنهم ؛ إذ يقال : يشفع فلان لفلان إذا طلب له زيادة منافع وإسقاط مضارّ.

أقول : وحينئذ يعود وجه الإبطال المذكور ، أعني لزوم كوننا شافعين للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويمكن الجواب عنهما باعتبار زيادة قيد « فيهما » ، أعني كون الشفيع أعلى حالا من المشفوع له. ثمّ بيّن ثبوت الشفاعة بالمعنى الثاني للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ».

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧.

(٢) البقرة (٢) : ٤٨.

(٣) المدّثّر (٧٤) : ٤٨.

(٤) تقدّم في ص ٢٤٩ ، التعليقة ٢.

٢٩٣

( والتوبة ) وهي الندم على المعصية في الحال والعزم على تركها في الاستقبال. والتحقيق : أنّ ذكر العزم إنّما هو للتقرير والبيان لا للتقييد والاحتراز ؛ إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخلو عن ذلك العزم البتّة على تقدير الخطور والاقتدار( واجبة لدفعها الضرر ) الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب ، فما يدفع به الضرر أيضا يكون واجبا( ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بواجب ). هذا عند المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليّين. وأمّا عند الأشاعرة فوجوبها بالسمع ؛ لقوله تعالى :( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (١) ،( تُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً ) (٢) . ونحو ذلك.

ويندم على القبيح لقبحه وإلاّ ( لانتفت التوبة ) ؛ فإنّ من ندم على المعصية لإضرارها ببدنه أو إخلالها بعرضه أو ماله أو الغرض آخر لا يكون تائبا( وخوف النار إن كان الغاية فكذلك ) يعني إن كان الندم على المعصية لخوف النار لا يكون ذلك توبة كما إذا ندم عليها لإضرارها بالبدن ؛ لما ذكرنا أنّ المعتبر هو الندم لقبح المعصية لا لغرض آخر.( وكذلك الإخلال بالواجب ) ؛ لأنّ الندم عليه إنّما يكون توبة إذا كان ؛ لأنّه إخلال بالواجب.

وأمّا إذا كان الندم لخوف المرض أو النقصان بماله أو عرضه أو لخوف النار لم يكن توبة.( فلا تصحّ من البعض ). أي إذا ثبت أنّ الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إنّما يكون توبة إذا كان الندم ؛ لأنّه قبيح أو إخلال ، يلزم أن لا تصحّ التوبة من بعض القبائح دون بعض ؛ لأنّه إذا ندم من فعل قبيح دون قبيح يظهر أنّه لم يندم على القبيح لقبحه بل لأمر آخر يوجد في بعض دون بعض. وهذا مذهب أبي هاشم(٣) .

__________________

(١) التحريم (٦٦) : ٨.

(٢) النور (٢٤) : ٣١.

(٣) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٦٢ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢٩٤

وذهب أبو عليّ إلى أنّه تصحّ التوبة من قبيح دون قبيح.

واحتجّ عليه بأنّ الندم على قبيح دون قبيح يصحّ كما أنّ الإتيان بواجب دون واجب يصحّ(١) ؛ وذلك لأنّه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب عليه فعل الواجب لوجوبه. ولو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحّة الندم على قبيح دون قبيح لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحّة الإتيان بواجب دون واجب.

وردّه المصنّف بقوله :( ولا يتمّ القياس على الواجب ) للفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ فإنّ ترك القبيح لكونه نفيا لا يحصل إلاّ بترك جميع القبائح ، بخلاف الإتيان بالواجب لكونه إثباتا يحصل بإتيان واجب دون واجب.

أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الكلام في الواجبات التي صدر من الشارع الأمر بكلّ واحد منها على حدة كالصلاة والصوم والزكاة مثلا لا في أفراد واجب أمر الشارع بالإتيان بواحد منها لا على التعيين كإعتاق رقبة أيّ رقبة كانت. وظاهر أنّ الامتثال لا يحصل بإتيان واحد منها ، بل بإتيان الجميع كما في ترك القبيح من غير فرق.

( ولو اعتقد فيه الحسن لصحّت التوبة ) أي لو اعتقد التائب في بعض القبائح الحسن صحّت توبته عن قبيح اعتقد قبحه دون قبيح اعتقد حسنه ؛ لحصول شرط التوبة وهو الندم على القبيح لقبحه( وكذا المستحقر ) أي إذا استحقر التائب أحد الفعلين واستعظم الآخر من حيث القبح حتّى اعتقد بالحقير أنّ وجوده بالنسبة إلى العظيم كالعدم وتاب عن العظيم دون الحقير تصحّ توبته ؛ لأنّه تاب عنه لقبحه ، كمن قتل ولد الغير وكسر قلما له فتاب عن قتل الولد دون كسر القلم صحّت توبته.

( والتحقيق : أنّ ترجيح الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه ) أي على الندم عن هذا البعض ( خاصّة ) دون البعض الآخر ؛ لانتفاء الترجيح الداعي بالنسبة إليه

__________________

(١) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٦٢.

٢٩٥

( وأنّ اشتراك الدواعي في الندم على القبيح لقبحه ).

ولا يلزم من ذلك أن يكون الندم على البعض الذي تحقّق معه الترجيح لا لقبحه ؛ إذا لا يخرج الداعي بهذا الترجيح عن الاشتراك في كونه داعيا إلى الندم على القبيح لقبحه ، وهذا( كما في الدواعي إلى الفعل ) فإنّ الأفعال تقع بحسب الدواعي ، فإذا كان داعية بعض الأفعال راجحة على داعية بعض آخر ، اختصّ الفعل الذي يكون داعيه راجحة بالوقوع وإن اشترك مع غيره في الدواعي.

أقول : لا يخفى على المتأمّل أنّ محصّل ما ذكره من التحقيق عدم التفرقة بين ترك القبيح والإتيان بالواجب كما ذكره أبو عليّ ، فآخر كلامه يخالف أوّله.

( ولو اشترك الترجيح اشترك وقوع الندم ) فلا يصحّ الندم عن بعض دون بعض( وبه يتأوّل كلام أمير المؤمنين عليّ وأولاده عليهم‌السلام ) (١) . وهو أنّ التوبة لا تصحّ عن بعض دون بعض( وإلاّ لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب عنه المقيم على صغيرة ، والذنب وإن كان في حقّه تعالى من فعل قبيح كفى فيه الندم والعزم ) كما في ارتكاب الفرار من الزحف ، وقد يفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحدّ في الشراب.

( وفي الإخلال بالواجب اختلف حكمه في بقائه وقضائه وعدمهما ) يعني منه ما يبقى ويحتاج إلى الأداء كالزكاة ، فإنّه إذا أخلّ في إخراجها فالذنب يبقى إلى أن يؤدّي. ومنه ما يجب قضاؤه ، فإذا قضي سقط كالصلاة والصوم. ومنه ما لا يبقى ولا يقضى بل يسقط عنه بمجرّد الندم والعزم ، كما إذا ترك صلاة العيد أو صلاة الجنازة.

( وإن كان ) الذنب( في حقّ آدمي استتبع إيصاله ) إلى صاحب الحقّ( إن كان ظلما ) وأمكن الإيصال ؛ لبقاء صاحب الحقّ أو وارثه ، والإيصال إنّما يكون بردّ المال وتسليم البدن أو العضو إلى وليّ الجناية للاقتصاص( أو العزم عليه مع التعذّر )

__________________

(١) انظر « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٢٠ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٦٢.

٢٩٦

أي تعذّر الإيصال ، بأن لا يبقى صاحب الحقّ ولا وارثه( أو ) استتبع( الإرشاد إن كان ) الذنب( إضلالا وليس ذلك ) أي الذي ذكرنا من تسليم النفس وأداء الواجب أو قضائه أو إيصال الحقّ إلى صاحبه أو العزم عليه وغير ذلك( جزء ) من التوبة ، بل واجب آخر خارج عن التوبة ، فتركه لا يمنع سقوط العقاب بالتوبة.

قال إمام الحرمينرحمه‌الله تعالى : إنّ القاتل إن ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحّت توبته في حقّ الله تعالى ، وكان منعه القصاص من مستحقّه معصية مجدّدة تستدعي توبة أخرى ، ولا يقدح في التوبة عن القتل(١) .

( ويجب الاعتذار على المغتاب مع بلوغه ) أي إذا كان الذنب الذي يتعلّق بحقّ الآدمي هو الاغتياب ، وجب على المغتاب الاعتذار ممّن اغتابه إن بلغ الاغتياب إليه ؛ لأنّه أوصل إليه ضربا من الغمّ بسبب الاغتياب ، فوجب عليه الاعتذار عنه ، ولا يجب تفصيل ما اغتابه إلاّ إذا بلغه على وجه أفحش. فإن لم يبلغ إليه لا يلزمه الاعتذار عنه ؛ لأنّه لم يوصل إليه بسبب الاغتياب غمّا ، لكن يجب في كلا القسمين التوبة ؛ لأنّه خالف نهيه تعالى ؛ حيث قال :( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) (٢) .

( وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال ) ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على التائب الندم على التفصيل إن كان يعلم القبائح مفصّلا ، وإن علم بعضها مفصّلا وبعضها مجملا وجب التفصيل فيما علم تفصيلا(٣) .

وقال المصنّف : فيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على كلّ قبيح صدر منه وإن لم يذكره مفصّلا.

__________________

(١) حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٧١.

(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٣) حكاه التفتازاني عن بعض المعتزلة في « شرح المقاصد » ٥ : ١٧١ ؛ وحكاه العلاّمة عن قاضي القضاة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤٢٢.

٢٩٧

( وفي وجوب التجديد إشكال ) قال بعض المعتزلة : إذا تاب المكلّف عن المعصية ثمّ ذكرها وجب عليه تجديد التوبة ؛ لأنّه إذا ذكر المعصية ولم يندم عليها كان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم ورجوع إلى الإصرار(١) .

وقال المصنّف : فيه إشكال ؛ لأنّا لا نسلّم أنّه لو لم يندم عليها إذا ذكرها لكان مشتهيا لها ؛ إذ ربما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها ولا ابتهاج بها.

وكذا المعلول مع العلّة ـ أي فيه أيضا إشكال ـ فإنّه إذا صدرت العلّة عن المكلّف وجب الندم على العلّة مع المعلول ، كما إذا رمى فأصاب ، فإنّ الرمي علّة والإصابة معلولة له يجب الندم على الرمي والإصابة جميعا. وفيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على الرمي.

( وكذا وجوب سقوط العقاب بها ) فيه أيضا إشكال. ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على الله تعالى أن يسقط العقاب بالتوبة ، حتّى قالوا : إنّ العقاب بعد التوبة ظلم. واحتجّوا بأنّ العاصي قد بذل وسعه في التلافي والتدارك فيسقط عقابه ، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه يسقط ذنبه بالضرورة(٢) .

واعترض بأنّ من أساء إلى غيره وهتك حرمته ثمّ جاء معتذرا لا يجب ـ بحكم العقل ـ قبول اعتذاره ، بل الخيرة إلى ذلك الغير إن شاء صفح وإن شاء جازاه.

( والعقاب يسقط بها لا بكثرة ثوابها ) اختلفوا في سقوط العقوبة ، فعند بعض المعتزلة بكثرة ثواب التوبة. وعند أكثرهم بنفس التوبة(٣) . واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّه لو كان بكثرة الثواب لما وقعت محبطة بدون الثواب لكنّها قد تقع.

وإلى هذا أشار بقوله :( لأنّها تقع محبطة ) ولما بقي فرق بين التوبة المتقدّمة على

__________________

(١) حكاه التفتازاني عن القاضي والجبائي في « شرح المقاصد » ٥ : ١٦٩.

(٢) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : ٥ : ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٣) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٤ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : ٥ : ١٦٧.

٢٩٨

المعصية والتوبة المتأخّرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها ، واللازم باطل ؛ للقطع بأنّ من تاب عن المعاصي كلّها ثمّ شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب. وإلى هذا أشار بقوله :( ولولاه لانتفى الفرق بين التقديم والتأخير ) ولما اختصّت التوبة عن معصية معيّنة بسقوط عقابها دون أخرى ؛ لأنّ نسبة كثرة الثواب إلى الكلّ على السويّة ، وإلى هذا أشار بقوله : « ولا اختصاص » أي لولاه لانتفى الاختصاص. واحتجّ الآخرون ، بأنّه لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة العاصي عند معاينة النار.

وأشار المصنّف إلى جوابه بقوله :( ولا تقبل في الآخرة ؛ لانتفاء الشرط ) فإنّ ندم العاصي عند المعاينة ليس لقبحها.

( وعذاب القبر واقع ؛ لإمكانه ، وتواتر السمع بوقوعه ) عذاب القبر للكافر والفاسق ممّا اتّفق عليه سلف الأمّة قبل ظهور الخلاف ، واتّفق عليه الأكثر بعده. وأنكره ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخّرين من المعتزلة(١) .

وللمثبتين : أنّه أمر ممكن أخبر به الصادق. أمّا إمكانه فظاهر. وأمّا إخبار الصادق به ؛ فلقوله تعالى :( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (٢) . عطف في هذه الآية عذاب القيامة على العذاب الذي هو عرض النار صباحا ومساء ، فعلم أنّه غيره وقبل قيام الساعة فهو في القبر ؛ ولقوله تعالى :( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (٣) ، وإحدى الحياتين ليس إلاّ في القبر ، ومن قال بالإحياء فيه قال بالعذاب أيضا ؛ وللأحاديث المتواترة المعنى ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران »(٤) .

__________________

(١) لمزيد الاطّلاع راجع « شرح المقاصد » ٥ : ١١٣.

(٢) غافر (٤٠) : ٤٦.

(٣) غافر (٤٠) : ١١.

(٤) « سنن الترمذي » ٤ : ٦٤٠ ، ح ٢٤٦٠ ؛ « مجمع الزوائد » ٣ : ٤٦ ، باب خطاب القبر.

٢٩٩

وكما أنّه روي أنّه عليه الصلاة والسّلام مرّ بقبرين ، فقال : « إنّهما يعذّبان وما يعذّبان عن كبيرة ؛ بل لأنّ أحدهما كان لا يستنزه عن البول ، وأمّا الثاني فكان يمشي بالنميمة »(١) ، وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « استنزهوا عن البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه »(٢) .

وكقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ سعد بن معاذ : « لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلف بها ضلوعه »(٣) . إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح.

واحتجّ المنكرون بقوله تعالى :( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (٤) ولو أحيوا في القبر لذاقوا موتتين.

والجواب : أنّ ذلك وصف لأهل الجنّة ، وضمير « فيها » للجنّة ، أي « لا يذوقون أهل الجنّة في الجنّة الموت ، فلا ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا بالموت ، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المسألة وقبل دخول الجنّة.

وأمّا قوله :( إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) فهو تأكيد لعدم موته في الجنّة على سبيل التعليق بالمحال ، كأنّه قيل : « لو أمكن ذوقهم الموتة لذاقوا في الجنّة الموت » ، لكنّه لا يمكن بلا شبهة ، فلا يتصوّر موتهم فيها.

قالوا : إنّما يمكن العمل بالظواهر الّتي تمسّكتم بها إذا لم تكن مخالفة للمعقول ، فإنّها على تقدير مخالفتها إيّاه يجب تأويلها وصرفها عن ظواهرها ، فلا يبقى لكم وجه احتجاج بها. ودليل مخالفتها للمعقول بأنّا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه إحياء ولا مساءلة ، والقول بهما مع عدم المشاهدة سفسطة ظاهرة.

__________________

(١) « سنن ابن ماجة » ١ : ١٢٥ ، ح ٣٤٧ ؛ « سنن أبي داود » ١ : ٦ ، ح ٢٠ ؛ « سنن النسائي » ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ، باب التنزّه عن البول ؛ « روضة الواعظين » ٢ : ٤٧١.

(٢) « سنن الدارقطني » ١ : ١٢٨ ، باب نجاسة البول ، ح ٧ ؛ « نيل الأوطار » ١ : ١١٤ ؛ « نصب الراية » ١ : ١٢٨.

(٣) « تأويل مختلف الحديث » : ٢٦٤ ، نحوه ؛ « مسند الربيع » : ٣٠٦.

(٤) الدخان (٤٤) : ٥٦.

٣٠٠