البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 100584
تحميل: 4022


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100584 / تحميل: 4022
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

يا أبا محمّد » ، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار ، قال : « أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصا؟ » قلت : أعود كما كنت ، قال : فمسح على عيني فعدت كما كنت(١) .

ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفرعليه‌السلام بين مكّة والمدينة وأنا أسير على حمار لي وهو على بغلته إذ أقبل ذئب من رأس الجبل حتّى انتهى إلى أبي جعفرعليه‌السلام فحبس البغلة ودنا الذئب حتّى وضع يده على قربوس السرج ومدّ عنقه إلى أذنه وأدنى أبو جعفرعليه‌السلام أذنه منه ساعة.

ثمّ قال : « امض فقد فعلت » ، فرجع مهرولا ، قال : قلت : جعلت فداك لقد رأيت عجبا!؟ قال : « وتدري ما قلت؟ » قال : قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إنّه قال لي : يا ابن رسول الله ، إنّ زوجتي في ذلك الجبل قد تعسّر عليها ولادتها فادع الله أن يخلّصها ولا يسلّط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم ، قلت : فقد فعلت »(٢) .

ومنها : ما روي عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فشكوت إليه الحاجة ، قال : فقال : « يا جابر ، ما عندنا درهم » ، فلم ألبث أن دخل عليه الكميت فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي حتّى أنشدك قصيدة؟ قال : فقال : « أنشد » ، فأنشده قصيدة ، فقال : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثانية؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » ، قال : فأخرج بدرة فدفعها إليه ، قال : فقال له : جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة؟ قال له : « أنشد » ، فأنشد ، فقال له : « يا غلام ،

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٣٧ ، ح ١٣ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٦٩ ، باب ٣ ، ح ١.

(٢) المصدر السابق : ٢٣٩ ، ح ٢٠ ، نقلا عن « الاختصاص » : ٣٠٠.

٦١

أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه » ، قال : فأخرج بدرة ودفعها إليه ، فقال الكميت : جعلت فداك ما أحبّكم لغرض الدنيا وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أوجب الله عليّ من الحقّ ، قال : فدعا له أبو جعفرعليه‌السلام ، ثمّ قال : « يا غلام ، ردّها مكانها ».

قال : فوجدت في نفسي وقلت : قال : « ليس عندي درهم » ، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم ، قال : فقام الكميت وخرج ، قلت له : جعلت فداك قلت ليس عندي درهم وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم! فقال لي : « يا جابر ، قم وادخل البيت » ، قال : فقمت ودخلت البيت فلم أجد منه شيئا ، قال : فخرجت إليه فقال لي : « يا جابر ، ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا لكم » ، فقام فأخذ بيدي وأدخلني البيت ، ثمّ قام وضرب برجله الأرض فإذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ، ثمّ قال لي : « يا جابر ، انظر إلى هذا ولا تخبر به أحدا إلاّ من تثق به من إخوانك ، إنّ الله أقدرنا على ما نريد ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها »(١) .

ومنها : ما روي عن أبي عتيبة قال : كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام ، فدخل رجل فقال : أنا من أهل الشام أتولاّكم وأبرأ من عدوّكم ، وأبي كان يتولّى بني أميّة وكان له مال كثير ولم يكن له ولد غيري ، وكان مسكنه بالرملة وكان له جنينة يتخلّى فيها بنفسه ، فلمّا مات طلبت المال فلم أظفر به ولا أشكّ أنّه دفنه وأخفاه منّي ، قال أبو جعفرعليه‌السلام : « أفتحبّ أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟ » قال : أي والله إنّي لفقير محتاج ، فكتب أبو جعفرعليه‌السلام كتابا وختمه بخاتمه ، ثمّ قال : « انطلق بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع حتّى تتوسّطه ، ثمّ تنادي : يا درجان يا درجان ، فإنّه يأتيك رجل معتمّ فادفع إليه كتابي وقل : أنا رسول محمّد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام فإنّه يأتيك بأبيك فاسأله عمّا بدا لك » ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، ح ٢٣ ، نقلا عن « الاختصاص » ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، و « بصائر الدرجات » : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، باب ٢ ، ح ٥.

٦٢

فأخذ الرجل الكتاب وانطلق.

قال أبو عتيبة : لمّا كان من الغد أتيت أبا جعفرعليه‌السلام لأنظر ما حال الرجل؟ فإذا هو على الباب ينتظر أن يؤذن له ، فأذن له فدخلنا جميعا ، فقال الرجل : الله يعلم عند من يضع العلم ، قد انطلقت البارحة وفعلت ما أمرت فأتاني الرجل ، فقال : لا تبرح من موضعك حتّى آتيك به فأتاني برجل أسود ، فقال : هذا أبوك؟ قلت : ما هو أبي ، قال : غيّره اللهب ودخان الجحيم والعذاب الأليم ، قلت : أنت أبي؟ قال : نعم. قلت : فما غيّرك عن صورتك وهيئتك؟ قال : يا بنيّ كنت أتولّى بني أميّة وأفضّلهم على أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعذّبني الله بذلك ، وكنت أنت تتولاّهم وكنت أبغضك على ذلك وحرّمتك مالي فزويته عنك وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق يا بنيّ ، إلى جنّتي فاحفر تحت الزيتونة وخذ المال مائة ألف درهم فادفع إلى محمّد بن عليّعليهما‌السلام خمسين ألفا والباقي لك ، ثمّ قال : وأنا منطلق حتّى آخذ المال فآتيك بمالك.

قال أبو عتيبة : فلمّا كان من قابل سألت أبا جعفرعليه‌السلام : ما فعل الرجل صاحب المال؟ قال : « قد أتاني بخمسين ألف درهم فقضيت بها دينا عليّ وابتعت بها أرضا بناحية خيبر ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي »(١) .

ومنها : ما روي عن جابر الجعفي قال : خرجت مع أبي جعفرعليه‌السلام إلى الحجّ وأنا زميله إذ أقبل ورشان(٢) فوقع على عضادتي محمله فترنّم(٣) ، فذهبت لآخذه فصاح بي : « مه يا جابر ، فإنّه استجار بنا أهل البيت » ، فقلت : وما الذي شكا إليك؟ فقال : « شكا إليّ أنّه يفرخ في هذا الجبل منذ ثلاثين سنة ، وأنّ حيّة تأتيه فتأكل فراخه ،

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، ح ٣٣ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٥٩٧ ـ ٥٩٩ ، ح ٩ وفيه « أبو عيينة ».

(٢) الورشان نوع من الطيور.

(٣) ترنم الحمام : إذا طرب بصوته وتغنّى.

٦٣

فسألني أن أدعو الله عليها ليقتلها ، ففعلت وقد قتلها الله ».

ثمّ سرنا حتّى إذا كان وجه السحر قال لي : « انزل يا جابر » ، فنزلت فأخذ بخطام الجمل ، ونزل فتنحّى عن الطريق ثمّ عمد إلى روضة من الأرض ذات رمل ، فأقبل فكشف الرمل يمنة ويسرة وهو يقول : « اللهمّ اسقنا وطهّرنا » ، إذ بدا حجر أبيض بين الرمل فاقتلعه فنبع له عين ماء أبيض صاف فتوضّأ وشربنا منه ، ثمّ ارتحلنا فأصبحنا دون قرية ونخل فعمد أبو جعفرعليه‌السلام إلى نخلة يابسة فيها ، فدنا منها وقال : « أيّتها النخلة ، أطعمينا ممّا خلق الله فيك » ، فلقد رأيت النخلة تنحني حتّى جعلنا نتناول من ثمرها ونأكل وإذا أعرابيّ يقول : ما رأيت ساحرا كاليوم ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا أعرابيّ ، لا تكذبنّ علينا أهل البيت ؛ فإنّه ليس منّا ساحر ولا كاهن ولكن علّمنا أسماء من أسماء الله تعالى نسأله بها فنعطى وندعو فنجاب »(١) .

ومنها : ما روي عن عبّاد بن كثير البصري قال : قلت للباقرعليه‌السلام : ما حقّ المؤمن على الله؟ فصرف وجهه ، فسألته عنه ثلاثا ، فقال : « من حقّ المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي لأقبلت » ، قال عبّاد : فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحرّكت مقبلة فأشار إليها « قرّي فلم أعنك »(٢) .

ومنها : ما روي عن المفضّل بن عمر بينما أبو جعفرعليه‌السلام بين مكّة والمدينة إذا انتهى إلى جماعة على الطريق وإذا رجل من الحجّاج نفق(٣) حماره وقد بدّد متاعه وهو يبكي ، فلمّا رأى أبا جعفرعليه‌السلام أقبل إليه ، فقال له : يا ابن رسول الله ، نفق حماري وبقيت منقطعا فادع الله تعالى أن يحيي لي حماري ، قال : فدعا أبو جعفرعليه‌السلام فأحيا الله له حماره(٤) .

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٤٨ ، ح ٣٨ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٠٤ ـ ٦٠٥ ، ح ١٢.

(٢) المصدر السابق ، ح ٣٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٧٢ ، ح ١.

(٣) « نفق الفرس والدابّة : مات ». « لسان العرب » ١٠ : ٣٥٧ ، « ن ف ق ».

(٤) المصدر السابق : ٢٦٠ ، ذيل ح ٦١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ١٩٩.

٦٤

ومنها : ما روي عن أبي بصير للباقرعليه‌السلام : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج! فقال : « بل ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج ، أتحبّ أن تعلم صدق ما أقوله وتراه عيانا » ، فمسح يده على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيرا ، فقال : « انظر يا أبا بصير ، إلى الحجيج » ، قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير والمؤمن بينهم كالكوكب اللامع في الظلمات ، فقال أبو بصير : صدقت يا مولاي ، ما أقلّ الحجيج وأكثر الضجيج ، ثمّ دعا بدعوات فعاد ضريرا ، فقال أبو بصير في ذلك ، فقالعليه‌السلام : « ما بخلنا عليك يا أبا بصير ، وإن كان الله تعالى ما ظلمك وإنّما خار لك ، وخشينا فتنة الناس بنا وأن يجهلوا فضل الله علينا ، ويجعلونا أربابا من دون الله ونحن له عبيد لا نستكبر عن عبادته ، ولا نسأم من طاعته ، ونحن له مسلمون »(١) .

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قوله تعالى :( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (٢) ، فدفع أبو جعفرعليه‌السلام بيده وقال : « ارفع رأسك » ، فرفعت فوجدت السقف متفرّقا ورمق ناظري في ثلمة حتّى رأيت نورا حار عنه بصري ، فقال : « هكذا رأى إبراهيم ملكوت السماوات ، وانظر إلى الأرض ثمّ ارفع رأسك » ، فلمّا رفعته رأيت السقف كما كان ، ثم أخذ بيدي وأخرجني من الدار وألبسني ثوبا ، وقال : « غمّض عينيك ساعة » ، ثمّ قال : أنت في الظلمات التي رآها ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا ، ثمّ تخطّى خطا ، وقال : « أنت على رأس عين الحياة للخضر » ، ثمّ خرجنا من ذلك العالم حتّى تجاوزنا خمسة ، فقال : « هذه ملكوت الأرض » ، ثمّ قال : « غمّض عينيك » ، وأخذ بيدي فإذا نحن في الدار التي كنّا فيها وخلع عنّي ما كان ألبسنيه ، فقلت : جعلت فداك كم ذهب من اليوم؟ فقال : « ثلاث ساعات »(٣) .

__________________

(١) المصدر السابق : ٢٦١ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٢٠٠ ، ح ٦٢.

(٢) الأنعام (٦) : ٧٥.

(٣) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٦٨ ، ح ٦٥ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٢١٠.

٦٥

ومنها : ما روي عن إسماعيل بن أبي حمزة قال : ركب أبو جعفرعليه‌السلام يوما إلى حائط له من حيطان المدينة ، فركبت معه إلى ذلك الحائط ومعنا سليمان بن خالد ، فقال له سليمان بن خالد : جعلت فداك يعلم الإمام ما في يومه؟ فقال : « يا سليمان ، والذي بعث محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة واصطفاه بالرسالة إنّه ليعلم ما في يومه وفي شهره وفي سنته ».

ثمّ قال : « يا سليمان ، أما علمت أنّ روحا ينزل عليه في ليلة القدر فيعلم ما في تلك السنة إلى ما في مثلها من قابل وعلم ما يحدث في الليل والنهار ، والساعة ترى ما يطمئنّ إليه قلبك » ، قال : فو الله ما سرنا إلاّ ميلا ونحو ذلك حتّى ، قال : « الساعة يستقبلك رجلان سرقا سرقة قد أضمرا عليها » ، فو الله ما سرنا إلاّ ميلا حتّى استقبلنا الرجلان ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام لغلمانه : « عليكم بالسارقين » ، فأخذا حتّى أتي بهما ، فقال : « سرقتما » ، فحلفا بالله أنّهما ما سرقا ، فقال : « والله لئن أنتما لم تخرجا ما سرقتما لأبعثنّ إلى الموضع الذي وضعتما فيه سرقتكما ، ولأبعثنّ إلى صاحبكما الذي سرقتماه حتّى يأخذكما ويرفعكما إلى والي المدينة فرأيكما » ، فأبيا أن يردّا الذي سرقاه.

فأمر أبو جعفرعليه‌السلام غلمانه أن يستوثقوا منهما قال : « فانطلق أنت يا سليمان ، إلى ذلك الجبل » ، وأشار بيده إلى ناحية من الطريق ، « فاصعد أنت وهؤلاء الغلمان فإنّ في قلّة الجبل كهفا فادخل أنت فيه بنفسك تستخرج ما فيه وتدفعه إلى مولى هذا ، فإنّ فيه سرقة لرجل آخر ولم يأت وسوف يأتي » ، فانطلقت وفي قلبي أمر عظيم ممّا سمعت حتّى انتهيت إلى الجبل ، فصعدت إلى الكهف الذي وصفه لي فاستخرجت منه عيبتين حتّى أتيت بهما أبا جعفرعليه‌السلام ، فقال لي : « يا سليمان ، إن بقيت إلى الغد رأيت العجب بالمدينة ».

فرجعنا إلى المدينة ، فلمّا أصبحنا أخذ أبو جعفرعليه‌السلام بأيدينا فأدخلنا معه إلى والي المدينة وقد دخل المسروق منه برجال براء ، فقال : هؤلاء سرقوها وإذا الوالي

٦٦

يتفرّسهم ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « إنّ هؤلاء براء وليس هم سرّاقه وسرّاقه عندي » ، ثمّ قال لرجل : ما ذهب لك؟ قال : عيبة فيها كذا وكذا فادّعى ما ليس له وما لم يذهب منه ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « لم تكذب؟ » فقال : أنت أعلم بما ذهب منّي ، فهمّ الوالي أن يبطش به حتّى كفّه أبو جعفرعليه‌السلام ، ثمّ قال للغلام : « ائتني بعيبة كذا وكذا » ، فأتى بها ، ثمّ قال للوالي : « إن ادّعى فوق هذا فهو كاذب مبطل في جميع ما ادّعى عندي ، وعندي عيبة أخرى لرجل آخر وهو يأتيك إلى أيّام وهو رجل من أهل بربر ، فإذا أتاك فارشده إليّ فإنّ عيبته عندي ، وأمّا هذان السارقان فلست ببارح من هاهنا حتّى تقطعهما » ، فأتي بالسارقين فكانا يريان أنّه لا يقطعهما بقول أبي جعفرعليه‌السلام ، فقال أحدهما : لم تقطعنا ولم نقرّ على أنفسنا بشيء؟ قال : ويلكما شهد عليكما من لو شهد على أهل المدينة لأجزت شهادته.

فلمّا قطعهما قال أحدهما : والله يا أبا جعفر ، قطعتني بحقّ ، وما سرّني أنّ الله جلّ وعلا أجرى توبتي على يد غيرك وأنّ لي ما حازته المدينة ، وأنّي لأعلم أنّك لا تعلم الغيب ولكنّكم أهل بيت النبوّة وعليكم نزلت الملائكة وأنتم معدن الرحمة ، فرقّ له أبو جعفرعليه‌السلام ، وقال له : « أنت على خير » ، ثمّ التفت إلى الوالي وجماعة الناس فقال : « والله ، لقد سبقته يده إلى الجنّة بعشرين سنة » ، فقال سليمان بن خالد لأبي حمزة : يا أبا حمزة ، رأيت دلالة أعجب من هذا؟ فقال أبو حمزة : العجيبة في العيبة الأخرى ، فو الله ما لبثنا إلاّ قليلا حتّى جاء البربريّ إلى الوالي وأخبره بقصّتها ، فأرشده الوالي إلى أبي جعفرعليه‌السلام فأتاه ، فقال له أبو جعفرعليه‌السلام : « ألا أخبرك بما في عيبتك قبل أن تخبرني؟ » فقال البربري : إن أنت أخبرتني بما فيها علمت أنّك إمام فرض الله طاعتك ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « ألف دينار لك وألف دينار لغيرك ومن الثياب كذا وكذا » ، قال : فما اسم الرجل الذي له الألف دينار؟ قال : « محمّد بن عبد الرحمن وهو على الباب ينتظرك ، تراني أخبرك إلاّ بالحقّ » ، فقال البربري : آمنت بالله وحده لا شريك له وبمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشهد أنّكم أهل بيت الرحمة

٦٧

الذين أذهب الله عنكم الرجس وطهّركم تطهيرا(١) .

ومنها : ما روي عن جابر ، قال : لمّا أفضت الخلافة إلى بني أميّة ، سفكوا في أيّامهم الدم الحرام ، ولعنوا أمير المؤمنينعليه‌السلام على منابرهم ألف شهر ، واغتالوا شيعتهم في البلدان وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم ، ومالأتهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا ، وصارت محنتهم على الشيعة لعن أمير المؤمنينعليه‌السلام فمن لم يلعنه قتلوه ، فلمّا فشا ذلك في الشيعة وكثر وطال اشتكت الشيعة إلى زين العابدينعليه‌السلام وقالوا : يا ابن رسول الله ، أجلونا عن البلدان وأفنونا بالقتل الذريع ، وقد أعلنوا لعن أمير المؤمنينعليه‌السلام في البلدان وفي مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى منبره ولا ينكر عليهم منكر ولا يغيّر عليهم مغيّر ، فإن أنكر واحد منّا على لعنه قالوا : هذا ترابيّ ، ورفع ذلك إلى سلطانهم وكتب إليه : أنّ هذا ذكر أبا تراب بخير حتّى ضرب وحبس ، ثمّ قتل.

فلمّا سمع ذلكعليه‌السلام نظر إلى السماء وقال : « سبحانك ما أعظم شأنك إنّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أهملتهم وهذا كلّه بعينك ؛ إذ لا يغلب قضاؤك ولا يردّ تدبير محتوم أمرك ، فهو كيف شئت وأنّى شئت لما أنت أعلم به منّا » ، ثمّ دعا بابنه محمّد بن عليّ الباقرعليه‌السلام ، فقال : « يا محمّد ، » قال : « لبّيك » ، قال : « إذا كان غدا فاغد إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخذ الخيط الذي نزل به جبرئيلعليه‌السلام على رسول الله فحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه تحريكا شديدا فيهلكوا جميعا ».

قال جابررضي‌الله‌عنه : فبقيت متعجّبا من قولهعليه‌السلام ولا أدري ما أقول ، فلمّا كان من الغد جئته ، وكان قد طال عليّ ليلي حرصا لأنظر ما يكون من أمر الخيط ، فبينما أنا بالباب إذ خرج الباقرعليه‌السلام فسلّمت عليه فردّ السّلام ، وقال : « ما غدا بك يا جابر ، ولم تكن تأتينا في هذا الوقت؟ » فقلت له : لقول الإمامعليه‌السلام بالأمس : « خذ الخيط الذي أتى به جبرئيلعليه‌السلام وصر إلى مسجد جدّكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرّكه تحريكا ليّنا ولا تحرّكه

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، ح ٧٦ ، نقلا عن « رجال الكشّي » ٣٥٦ ـ ٣٦٠ ، ذيل الرقم ٦٦٤.

٦٨

شديدا فتهلك الناس جميعا » ، قال الباقرعليه‌السلام : « والله لو لا الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور ، لخسفت بهذا الخلق المنكوس في طرفة عين بل في لحظة ، ولكنّا عباد مكرمون لا نسبقه بالقول وبأمره نعمل يا جابر ».

قال : يا جابر ، فقلت : يا سيّدي ، ومولاي ولم تفعل بهم هذا؟ فقال لي أما حضرت بالأمس والشيعة تشكو إلى أبي ما يلقون من هؤلاء فقلت : يا سيّدي ومولاي نعم فقال : « إنّه أمرني أن أرعبهم لعلّهم ينتهون ، وكنت أحبّ أن تهلك طائفة منهم ويطهّر الله البلاد والعباد منهم ».

قال جابر رضوان الله عليه : فقلت : سيّدي ومولاي كيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا؟ فقال الباقرعليه‌السلام : « امض بنا إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأريك قدرة الله تعالى التي خصّنا بها وما منّ به علينا من دون الناس ».

فقال جابر رضوان الله عليه : فمضيت معه إلى المسجد فصلّى ركعتين ثمّ وضع خدّه على التراب وتكلّم بكلام ، ثمّ رفع رأسه وأخرج من كمّه خيطا رقيقا فاحت منه رائحة المسك ، فكان في المنظر أدقّ من سمّ الخياط ، ثمّ قال : « خذ يا جابر ، إليك طرف الخيط وامض رويدا وإيّاك أن تحرّكه » ، قال : فأخذت طرف الخيط ومشيت رويدا فقالعليه‌السلام : « قف يا جابر » ، ثمّ حرّك الخيط تحريكا خفيفا ما ظننت أنّه حرّكه من لينه ، ثمّ قالعليه‌السلام : « ناولني طرف الخيط » ، فناولته فقلت : ما فعلت به يا سيّدي؟ قال : « ويحك اخرج فانظر ما حال الناس؟ ».

قال جابر رضوان الله عليه : فخرجت من المسجد وإذا الناس في صياح واحد والصائحة من كلّ جانب ، فإذا بالمدينة قد زلزلت زلزلة شديدة وأخذتهم الرجفة والهدمة ، وقد خربت أكثر دور المدينة وهلك منها أكثر من ثلاثين ألفا رجالا ونساء دون الولدان ، وإذا الناس في صياح وبكاء وعويل وهم يقولون : إنّا لله وإنّا إليه راجعون خربت دار فلان وخرب أهلها ، ورأيت الناس فزعين إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يقولون : كانت هدمة عظيمة ، وبعضهم يقول : قد كانت زلزلة ،

٦٩

وبعضهم يقول : كيف لا نخسف وقد تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر فينا الفسق والفجور وظلم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله ليزلزل بنا أشدّ من هذا وأعظم أو نصلح من أنفسنا ما أفسدنا.

قال جابر رضوان الله عليه : فبقيت متحيّرا أنظر إلى الناس حيارى يبكون فأبكاني بكاؤهم وهم لا يدرون من أين أتوا ، فانصرفت إلى الباقرعليه‌السلام وقد حفّ به الناس في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يقولون : يا ابن رسول الله ، أما ترى إلى ما نزل بنا فادع الله لنا ، فقال لهمعليه‌السلام : « افزعوا إلى الصلاة والدعاء والصدقة ».

ثم أخذعليه‌السلام بيدي وسار بي فقال لي : « ما حال الناس؟ » فقلت : لا تسأل يا ابن رسول الله ، خربت الدور والمساكن وهلك الناس ورأيتهم بحال رحمتهم ، فقالعليه‌السلام : « لا4 ، أما إنّه قد أبقيت عليك بقيّة ولو لا ذلك لم ترحم أعداؤنا وأعداء أوليائنا » ، ثمّ قال : « سحقا سحقا وبعدا للقوم الظالمين ، والله لو لا مخافة مخالفة والدي لزدت في التحريك وأهلكتهم أجمعين ، وجعلت أعلاها أسفلها ، فكان لا يبقى فيها دار ولا جدار ، فما أنزلونا وأولياءنا من أعدائنا هذه المنزلة غيرهم ، ولكنّي أمرني مولاي أن أحرّك تحريكا ساكنا ».

ثمّ صعدعليه‌السلام المنارة ، وأنا أراه والناس لا يرونه فمدّ يده وأدارها حول المنارة فزلزلت المدينة زلزلة خفيفة وتهدّمت دور ، ثمّ تلا الباقرعليه‌السلام :( ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ) (١) ، وتلا أيضا :( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها ) (٢) ، وتلا :( فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ ) (٣) .

قال جابر : فخرجت العواتق من خدورهنّ في الزلزلة الثانية يبكين ويتضرّعن منكشفات لا يلتفت إليهنّ أحد ، فلمّا نظر الباقرعليه‌السلام إلى تحيّر العواتق رقّ لهنّ ، فوضع

__________________

(١) سبأ (٣٤) : ١٧.

(٢) هود (١١) : ٨٢.

(٣) النحل (١٦) : ٢٦.

٧٠

الخيط في كمّه وسكنت الزلزلة ، ثمّ نزل عن المنارة والناس لا يرونه ، وأخذ بيدي حتّى خرجنا من المسجد فمررنا بحدّاد اجتمع الناس بباب حانوته والحدّاد يقول : أما سمعتم الهمهمة في الهدم ، فقال بعضهم : بل كانت همهمة كثيرة ، وقال قوم آخرون بل والله كلام كثير ، إلاّ أنّا لم نقف على الكلام.

قال جابررضي‌الله‌عنه : فنظر إليّ وتبسّم ثمّ قال : « يا جابر ، هذا لما طغوا وبغوا » ، فقلت : يا ابن رسول الله ، ما هذا الخيط الذي فيه العجب؟ فقال : « بقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ونزل به جبرئيلعليه‌السلام ، ويحك يا جابر ، إنّا من الله تعالى بمكان ومنزلة رفيعة ، فلولا نحن لم يخلق الله تعالى سماء ولا أرضا ولا جنّة ولا نارا ولا شمسا ولا قمرا ولا جنّا ولا إنسا ، ويحك يا جابر ، لا يقاس بنا أحد ، يا جابر ، بنا والله أنقذكم الله وبنا نعشكم وبنا هداكم ونحن والله دللناكم على ربّكم ، فقفوا عند أمرنا ونهينا ولا تردّوا ما أوردنا عليكم ، فإنّا بنعم الله أجلّ وأعظم من أن يردّ علينا ، وجميع ما يردّ عليكم منّا ، فما فهمتموه فاحمدوا الله عليه وما جهلتموه فردّوه إلينا ، وقولوا : أئمّتنا أعلم بما قالوا ».

قال جابر رضوان الله عليه : ثمّ استقبله أمير المدينة المقيم بها من قبل بني أميّة قد نكب ونكب حواليه حرمته وهو ينادي : معاشر الناس ، احضروا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، وتقرّبوا به إلى الله تعالى ، وتضرّعوا إليه ، وأظهروا التوبة والإنابة ، لعلّ الله يصرف عنكم العذاب ، قال جابر ـ رفع الله درجته ـ فلمّا بصر الأمير بالباقرعليه‌السلام سارع نحوه ، وقال : يا ابن رسول الله ، أما ترى ما نزل بأمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هلكوا وفنوا؟ ثمّ قال له : أين أبوك حتّى نسأله أن يخرج معنا إلى المسجد فنتقرّب به إلى الله تعالى ، فيرفع عن أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البلاء؟ فقال الباقرعليه‌السلام : « يفعل إن شاء الله تعالى ، ولكن أصلحوا من أنفسكم وعليكم بالتوبة والنزوع عمّا أنتم عليه فإنّه لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ».

٧١

قال جابر رضوان الله عليه : فأتينا زين العابدينعليه‌السلام بأجمعنا وهو يصلّي فانتظرنا حتّى انفتل وأقبل علينا ، ثم قال لابنه سرّا : « يا محمّد ، كدت أن تهلك الناس جميعا » ، قال جابر : قلت : والله يا سيّدي ، ما شعرت بتحريكه حين حرّكه ، فقالعليه‌السلام : « يا جابر ، لو شعرت بتحريكه ما بقي عليها نافخ نار ، فما خبر الناس؟ » فأخبرناه فقال : « ذلك ممّا استحلّوا منّا محارم الله وانتهكوا من حرمتنا » ، فقلت : يا ابن رسول الله ، إنّ سلطانهم بالباب قد سألنا أن نسألك أن تحضر المسجد حتّى تجتمع الناس إليك يدعون الله ويتضرّعون إليه ويسألونه الإقالة ، فتبسّمعليه‌السلام ثم تلا :( أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ) (١) ، قلت : يا سيّدي ومولاي ، العجب أنّهم لا يدرون من أين أتوا ، فقالعليه‌السلام : « أجل » ، ثمّ تلا :( فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ ) (٢) « هي والله يا جابر ، آياتنا » الحديث(٣) .

وقد روي أنّهعليه‌السلام وضع يده على الأرض فقال لها : اسكني ، فسكنت(٤) .

ومنها : ما روي عن النعمان بن بشير قال : كنت مزاملا لجابر بن يزيد الجعفي ، فلمّا أن كنّا بالمدينة دخل على أبي جعفرعليه‌السلام فودّعه وخرج من عنده وهو مسرور ، حتّى وردنا الأخيرجة ـ أوّل منزل تعدل من فيد إلى المدينة ـ يوم جمعة فصلّينا الزوال ، فلمّا نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتاب فناوله فقبّله ووضعه على عينيه ، وإذا هو : من محمّد بن عليّ إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب ، فقال له : متى عهدك لسيّدي؟ فقال : الساعة ، فقال له : قبل الصلاة أو بعدها؟ فقال : بعد الصلاة ، قال : ففكّ الخاتم وأقبل يقرأه ويقبض وجهه حتّى أتى على آخره ، ثمّ أمسك

__________________

(١) غافر (٤٠) : ٥٠.

(٢) الأعراف (٧) : ٥١.

(٣) « بحار الأنوار » ٤٦ : ٢٧٤ ـ ٢٧٩ ، ح ٨٠ ، نقلا عن « عيون المعجزات » ٧٤ ـ ٧٩.

(٤) المصدر السابق ٤١ : ٢٥٤ ، ح ١٤. والحادثة وقعت في زمن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام .

٧٢

الكتاب ، فما رأيته ضاحكا ولا مسرورا حتّى وافى الكوفة ، فلمّا وافينا الكوفة ليلا بتّ ليلتي فلمّا أصبحت أتيته إعظاما له ، فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب قد علّقها وقد ركب قصبة وهو يقول :

أجد منصور بن جمهور

أميرا غير مأمور

وأبياتا من نحو هذا.

فنظر في وجهي فنظرت في وجهه ، فلم يقل لي شيئا ولم أقل له وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع عليّ وعليه الصبيان والناس ، جاء حتّى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون : جنّ جابر بن يزيد ، فو الله ما مضت الأيّام حتّى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه : أن انظر رجلا يقال له جابر بن يزيد الجعفي ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم : من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا : أصلحك الله كان رجلا له علم وفضل وحديث وحجّ فجنّ ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ، قال : فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب ، فقال : الحمد لله الذي عافاني من قتله ، قال : ولم تمض الأيّام حتّى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر(١) .

فصل [٥] : في بيان نبذ من معجزات مولانا وسيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام

على وفق ما انتخبت من « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن حنان بن سدير يقول : سمعت أبي ـ سدير الصيرفي ـ يقول : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطّى بمنديل ، فدنوت منه وسلّمت عليه فردّ السّلام ، ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل

__________________

(١) المصدر السابق ٤٦ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، ح ٨٥ ، نقلا عن « الكافي » ١ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، باب أنّ الجنّ يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ، ح ٧.

٧٣

منه ، فدنوت منه ، فقلت : يا رسول الله ، ناولني رطبة ، فناولني واحدة فأكلتها ، ثمّ قلت : يا رسول الله ، ناولني أخرى ، فناولنيها فأكلتها ، وجعلت كلّما أكلت واحدة سألته أخرى حتّى أعطاني ثماني رطبات فأكلتها ، ثمّ طلبت منه أخرى فقال لي : « حسبك » ، قال : فانتبهت من منامي.

فلمّا كان من الغد دخلت على جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام وبين يديه طبق مغطّى بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ، ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فعجبت لذلك فقلت : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولني فأكلتها ، ثمّ طلبت أخرى فناولني فأكلتها ، وطلبت أخرى حتّى أكلت ثماني رطبات ، ثمّ طلبت منه أخرى فقال لي : « لو زادك جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زدناك » ، فأخبرته الخبر ، فتبسّم تبسّم عارف بما كان(١) .

ومنها : ما روي عن سدير الصيرفي قال : جاءت امرأة إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فقالت له : جعلت فداك أبي وأمّي وأهل بيتي نتولاّكم ، فقال لها أبو عبد اللهعليه‌السلام : « صدقت فما الذي تريدين؟ » قالت له المرأة : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، أصابني وضح(٢) في عضدي فادع الله أن يذهب به عنّي ، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « اللهمّ إنّك تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي العظام وهي رميم ، ألبسها من عفوك وعافيتك ما ترى أثر إجابة دعائي » ، فقالت المرأة : والله لقد قمت وما بي منه قليل ولا كثير(٣) .

ومنها : ما روي عن ابن سنان قال : كنّا بالمدينة حين بعث داود بن عليّ إلى المعلّى بن خنيس فقتله ، فجلس أبو عبد اللهعليه‌السلام فلم يأته شهرا ، قال : فبعث إليه : أن

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ٦٣ ـ ٦٤ ، ح ٢ ، نقلا عن « الأمالي » للمفيد : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، المجلس ٣٩ ، ح ٦ ، و « الأمالي » للطوسي : ١١٤ ، ح ١٧٤ / ٢٨.

(٢) الوضح : بياض غالب في ألوان النساء قد انتشر في جميع الجسد.

(٣) المصدر السابق : ٦٤ ـ ٦٥ ، ح ٤.

٧٤

ائتني ، فأبى أن يأتيه ، فبعث إليه خمس نفر من الحرس ، فقال : ائتوني به فإن أبى فأتوني به أو برأسه.

فدخلوا عليه وهو يصلّي ونحن نصلّي معه الزوال ، فقالوا : أجب داود بن عليّ ، قال : « فإن لم أجب؟ » قال : أمرنا أن نأتيه برأسك ، فقال : « وما أظنّكم تقتلون ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قالوا : ما ندري ما تقول ، وما نعرف إلاّ الطاعة ، قال : « انصرفوا فإنّه خير لكم في دنياكم وآخرتكم » ، قالوا : والله لا ننصرف حتّى نذهب بك معنا أو نذهب برأسك ، قال : فلمّا علم أنّ القوم لا يذهبون إلاّ بذهاب رأسه وخاف على نفسه قالوا : رأيناه قد رفع يديه فوضعهما على منكبيه ، ثمّ بسطهما ، ثمّ دعا بسبّابته فسمعناه يقول : « الساعة الساعة » ، فسمعنا صراخا عاليا ، فقالوا له : قم ، فقال لهم : « أما إنّ صاحبكم قد مات وهذا الصراخ عليه ، فابعثوا رجلا منكم فإن لم يكن هذا الصراخ عليه قمت معكم » ، قال : فبعثوا رجلا منهم فما لبث أن أقبل ، فقال : يا هؤلاء ، قد مات صاحبكم وهذا الصراخ عليه ، وانصرفوا ، فقلت له : جعلنا الله فداك ما كان حاله؟ قال : « قتل مولاي المعلّى بن خنيس فلم آته منذ شهر فبعث إليّ أن آتيه فلمّا أن كان الساعة لم آته فبعث إليّ ليضرب عنقي ، فدعوت الله باسمه الأعظم فبعث الله إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله » ، قلت له : فرفع اليدين ما هو؟ قال : « الابتهال » ، قلت : فوضع يديك وجمعهما؟ قال : « التضرّع »(١) .

ومنها : ما روي عن أبي كهمش قال : كنت نازلا بالمدينة في دار فيها وصيفة كانت تعجبني ، فانصرفت ليلا ممسيا فاستفتحت الباب ففتحت لي ، فمددت يدي فقبضت على ثديها ، فلمّا كان من الغد دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال : « يا أبا كهمش ، تب إلى الله ممّا صنعته البارحة »(٢) .

__________________

(١) المصدر السابق : ٦٦ ، ح ٩ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، باب ٢ ، ح ٢.

(٢) المصدر السابق : ٧١ ، ح ٢٨ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٤٢ ، باب ١١ ، ح ١.

٧٥

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن مهزم ، قال : خرجت من عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ليلة ممسيا فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أمّي معي ، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها ، فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام فلمّا دخلت عليه فقال لي مبتدئا : « يا أبا مهزم ، مالك والوالدة أغلظت في كلامها البارحة؟! أما علمت أنّ بطنها منزل قد سكنته ، وأنّ حجرها مهد قد غمزته ، وثديها وعاء قد شربته؟ » قلت : بلى ، قال : « فلا تغلظ لها »(١) .

ومنها : ما روي عن يونس بن ظبيان والمفضّل بن عمر وأبي سلمة بن السراج والحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا : كنّا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال : « لنا خزائن الأرض ومفاتيحها ، لو شئت أن أقول بإحدى رجليّ أخرجي ما فيك من الذهب لأخرجت » ، قال : فقال بإحدى رجليه فخطّها في الأرض خطّا فانفجرت الأرض ، ثمّ قال بيده فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها ، فقال : « انظروا فيها حسّا حسنا حتّى لا تشكّوا » ، ثمّ قال : « انظروا في الأرض » ، فإذا سبائك في الأرض كثيرة بعضها على بعض يتلألأ ، فقال له بعضنا : جعلت فداك أعطيتم كلّ هذا وشيعتكم محتاجون؟ فقال : « إنّ الله سيجمع لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة ، ويدخلهم جنّات النعيم ويدخل عدوّنا الجحيم »(٢) .

ومنها : ما روي عن جابر بن يزيد قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قوله تعالى :( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (٣) قال : كنت مطرقا إلى الأرض فرفع يده إلى فوق ، ثم قال لي : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع ، حار بصري دونه ، قال : ثمّ قال لي : « رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا » ، ثمّ قال لي : « أطرق » ، فأطرقت ،

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ٧٢ ، ح ٣٢ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٢٤٣ ، باب ١١ ، ح ٣.

(٢) المصدر السابق : ٨٧ ، ح ٨٨ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٣٧٤ ، باب ٢ ، ح ١ ؛ و « الاختصاص » : ٢٦٩.

(٣) الأنعام (٦) : ٧٥.

٧٦

ثمّ قال لي : « ارفع رأسك » ، فرفعت رأسي فإذا السقف على حاله ، قال : ثمّ أخذ بيدي وقام وأخرجني من البيت الذي كنت فيه وأدخلني بيتا آخر ، فخلع ثيابه التي كانت عليه ولبس ثيابا غيرها ، ثمّ قال : « غمّض بصرك » ، فغمّضت بصري ، وقال لي : « لا تفتح عينيك » ، فلبثت ساعة ، ثمّ قال لي : « أتدري أين أنت؟ » قلت : لا ، جعلت فداك ، فقال لي : « أنت في الظلمة التي سكنها ذو القرنين » ، فقلت له : جعلت فداك أتأذن لي أن أفتح عينيّ؟ فقال لي : « افتح فإنّك لا ترى شيئا » ، ففتحت عينيّ فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها موضع قدمي ، ثمّ سار قليلا ووقف ، فقال لي : « هل تدري أين أنت؟ » قلت : لا ، قال : « أنت واقف على عين الحياة التي شرب منها الخضرعليه‌السلام » ، وخرجنا من ذلك العالم إلى عالم آخر فسلكنا فيه فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه ومساكنه وأهله ، ثمّ خرجنا إلى عالم ثالث كهيئة الأوّل والثاني حتّى وردنا خمسة عوالم ، قال : ثم قال : « هذه ملكوت الأرض ولم يرها إبراهيم وإنّما رأى ملكوت السماوات وهي اثنا عشر عالما كلّ عالم كهيئة ما رأيت ، كلّما مضى منّا إمام سكن أحد هذه العوالم حتّى يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه ».

قال : ثمّ قال لي : « غضّ بصرك » ، فغضضت بصري ، ثمّ أخذ بيدي فإذا نحن في البيت الذي خرجنا منه ، فنزع تلك الثياب ولبس الثياب التي كانت عليه ، وعدنا إلى مجلسنا ، فقلت : جعلت فداك كم مضى من النهار؟ قالعليه‌السلام : « ثلاث ساعات »(١) .

ومنها : ما روي عن المعلّى بن خنيس قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام في بعض حوائجي ، قال : فقال لي : « ما لي أراك كئيبا حزينا؟ » قال : فقلت : ما بلغني عن العراق من هذا الوباء ، أذكر عيالي ، قال : « فاصرف وجهك » ، فصرفت وجهي ، قال : ثمّ قال : « ادخل دارك » ، قال : فدخلت ، فإذا أنا لا أفقد من عيالي صغيرا ولا كبيرا إلاّ

__________________

(١) المصدر السابق : ٩٠ ـ ٩١ ، ح ٩٦ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، باب ١٣ ، ح ٤ ؛ و « الاختصاص » :

٣٢٢ ـ ٣٢٣.

٧٧

وهو في داري بما فيها ، قال : ثمّ خرجت فقال لي : « اصرف وجهك » ، فصرفته فنظرت فلم أر شيئا(١) .

ومنها : ما روي عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان معه أبو عبد الله البلخي في سفر ، فقال له : « انظر هل ترى هاهنا جبّا؟ » فنظر البلخي يمنة ويسرة ثمّ انصرف ، فقال : ما رأيت شيئا ، قال : « بلى انظر » ، فعاد أيضا ، ثمّ رجع إليه فقال : ما أرى شيئا ، ثمّ قالعليه‌السلام بأعلى صوته : « ألا أيّها الجبّ الزاخر السامع المطيع لربّه اسقنا ممّا جعل الله فيك » ، قال : فنبع منه أعذب ماء وأطيبه وأرقّه وأحلاه ، فقال له البلخي : جعلت فداك سنّة فيكم كسنّة موسىعليه‌السلام (٢) .

ومنها : ما روي عن سعد الإسكاف قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ذات يوم إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا وألطاف ، وكان فيما أهدي إليه جراب من قديد وحش ، فنشره أبو عبد اللهعليه‌السلام قال : « خذها فأطعمها الكلاب » ، قال الرجل : لم؟ قال : « ليس بذكيّ » ، فقال الرجل : اشتريته من رجل مسلم ، ثمّ ذكر أنّه ذكيّ ، فردّه أبو عبد اللهعليه‌السلام في الجراب وتكلّم عليه بكلام لم أدر ما هو؟ ثمّ قال للرجل : « قم فأدخله ذلك البيت » ، ففعل فسمع القديد يقول : يا أبا عبد اللهعليه‌السلام ، ليس مثلي يأكله الإمام ولا أولاد الأنبياء لست بذكيّ ، فحمل الرجل الجراب وخرج ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « أما علمت يا أبا هارون ، أنّا نعلم ما لا يعلم الناس؟ » قال : فخرج وألقاه على كلب لقيه(٣) .

ومنها : ما روي عن داود بن كثير الرقّي قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه موسى ابنه وهو ينتفض ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « كيف أصبحت؟ » قال : « في

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ٩١ ـ ٩٢ ، ح ٩٨ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ، باب ١٣ ، ح ٨ ، ونقلا عن « الاختصاص » : ٣٢٣.

(٢) المصدر السابق : ٩٢ ـ ٩٣ ، ح ١٠٣ ، نقلا عن « بصائر الدرجات » : ٥١٢ ـ ٥١٣ ، باب ١٨ ، ح ٢٨.

(٣) المصدر السابق : ٩٥ ، ح ١٠٧ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٢٤٢ ، وعن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٠٦ ، ح ١.

٧٨

كنف الله متقلّبا في نعم الله ، أشتهي عنقود عنب حرشي ورمّانة » ، قلت : سبحان الله هذا الشتاء؟! فقال : « يا داود ، إنّ الله قادر على كلّ شيء ، ادخل البستان ».

فدخلت فإذا شجرة عليها عنقود من عنب حرشي ورمّانة ، فقلت : آمنت بسرّكم وعلانيتكم ، فقطعتهما وأخرجتهما إلى موسى فقعد يأكل ، فقال : « يا داود ، والله لهذا فضل من رزق قديم خصّ الله به مريم بنت عمران من الأفق الأعلى »(١) .

ومنها : ما روي عن محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه المعلّى بن خنيس باكيا ، قال : « وما يبكيك؟ » قال : بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم فضل وأنّكم وهم شيء واحد ، فسكت ، ثمّ دعا بطبق من تمر فحمل منه تمرة فشقّها نصفين وأكل التمر وغرس النوى في الأرض فنبتت فحملت بسرا ، وأخذ منها واحدة فشقّها وأخرج منه رقّا ودفعه إلى المعلّى ، وقال : « اقرأ » ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ المرتضى والحسن والحسين وعليّ بن الحسين واحدا واحدا إلى الحسن بن عليّعليه‌السلام وابنه(٢) .

منها : ما روي عن يونس بن ظبيان قال : كنت عند الصادقعليه‌السلام مع جماعة فقلت : قول الله لإبراهيم :( فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَ ) (٣) أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس واحد؟ قال : « أتحبّون أن أريكم مثله؟ » قلنا : بلى ، قال : « يا طاوس » ، فإذا طاوس طار إلى حضرته ، ثمّ قال : « يا غراب » ، فإذا غراب بين يديه ، ثمّ قال : « يا بازيّ » ، فإذا بازيّ بين يديه ، ثمّ قال : « يا حمامة » ، وإذا حمامة بين يديه ، ثمّ أمر بذبحها كلّها وتقطيعها ونتف ريشها ، وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ، ثمّ أخذ برأس الطاوس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميّز من غيرها حتّى التصق ذلك كلّه برأسه ، وقام الطاوس بين يديه حيّا ، ثمّ صاح بالغراب كذلك وبالبازي

__________________

(١) المصدر السابق : ١٠٠ ، ح ١١٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦١٧ ، ح ١٦.

(٢) المصدر السابق : ١٠٢ ، ح ١٢٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٢٤ ، ح ٢٥.

(٣) البقرة (٢) : ٢٦٠.

٧٩

والحمامة كذلك فقامت كلّها أحياء بين يديه(١) .

ومنها : ما روي عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال : « قال لي أبي موسىعليه‌السلام : كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا ، فقال : بالباب ركب كثير يريدون الدخول عليك ، فقال لي : انظر إلى الباب ، فنظرت إلى جمال كثيرة عليها صناديق ورجل ركب فرسا ، فقلت : من الرجل؟ قال : رجل من السند والهند أردت الإمام جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، فأعلمت والدي بذلك ، فقال : لا تأذن للنجس الخائن ، فأقام بالباب مدّة مديدة فلم يؤذن له حتّى شفع له يزيد بن سليمان فأذن له ، فدخل الهندي وجثا بين يديه ، فقال : أصلح الله الإمام أنا رجل من السند والهند من قبل ملكهما بعثني إليك بكتاب مختوم وكنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي؟ أهكذا يفعل أولاد الأنبياء؟ قال : فطأطأ رأسه ، ثمّ قال :( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (٢) ، قال موسىعليه‌السلام : فأمرني أبي بأخذ الكتاب وفكّه فإذا فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس ، من ملك الهند ، أمّا بعد فقد هداني الله على يديك ، وأنّه أهدي إليّ جارية ولم أر أحسن منها ولم أجد أحدا يستأهلها غيرك ، فبعثتها إليك مع شيء من الحلي والجوهر والطيب ، ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة ، واخترت من الألف مائة ، واخترت من المائة عشرة ، واخترت من العشر واحدا ، وهو ميزاب بن حباب ، لم أر أوثق منه فبعثت على يده هذه.

فقال جعفرعليه‌السلام : ارجع أيّها الخائن فما كنت بالذي أتقبّلها ؛ لأنّك خائن فيما ائتمنت عليه. فحلف أنّه ما خان ، فقالعليه‌السلام : إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال : أو تعفيني من ذلك ، قال : اكتب إلى

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ١١١ ، ح ١٤٨ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٩٧ ، ح ٤.

(٢) ص (٣٨) : ٨٨.

٨٠