البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء ٤

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة0%

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

مؤلف: محمّد جعفر الأسترآبادي
تصنيف:

ISBN: 964-548-224-0
الصفحات: 535
المشاهدات: 98821
تحميل: 3839


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 535 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98821 / تحميل: 3839
الحجم الحجم الحجم
البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة

البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-548-224-0
العربية

صاحبك بما فعلت ، قال الهندي : إن علمت شيئا فاكتب ، فكان عليه فروة فأمره بخلعها ، ثمّ قام الإمام فركع ركعتين ، ثمّ سجد ، قال موسىعليه‌السلام فسمعته في سجوده يقول :

اللهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك أن تصلّي على محمّد عبدك ورسولك وأمينك في خلقك وآله ، وأن تأذن لفرو هذا الهندي أن يحكم بلسان عربيّ مبين يسمعه من في المجلس من أوليائنا ؛ ليكون ذلك عندهم آية من آيات أهل البيت فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم.

ثمّ رفع رأسه فقال : أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي ، فانتفضت الفروة وصارت كالكبش ، وقالت : يا ابن رسول الله ، ائتمنه الملك على هذه الجارية وما معها وأوصاه بحفظها ، حتّى صرنا إلى بعض الصحاري أصابنا المطر وابتلّ جميع ما معنا ، ثمّ احتبس المطر وطلعت الشمس ، فنادى خادما مع الجارية يخدمها يقال له : بشر ، وقال : لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام ، ودفع إليه دراهم ودخل الخادم المدينة ، فأمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلى مضرب قد نصب في الشمس ، فخرجت وكشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض وحل ونظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته وفجر بها وخانك.

فخرّ الهندي فقال : ارحمني فقد أخطأت وأقرّ بذلك ، ثمّ صارت فروة كما كانت ، وأمره أن يلبسها ، فلمّا لبسها انضمّت في حلقه وخنقته حتّى اسودّ وجهه ، فقال الصادقعليه‌السلام : أيّها الفرو خلّ عنه حتّى يرجع إلى صاحبه فيكون هو أولى به منّا ، فانحلّ الفرو ، وقال الهندي : الله الله فيّ وأنّك إن رددت الهديّة خشيت أن ينكر ذلك عليّ فإنّه بعيد العقوبة ، فقال : أسلم أعطك الجارية ، فأبى ، فقبل الهديّة وردّ الجارية ، فلمّا رجع إلى الملك رجع الجواب إلى أبي بعد أشهر فيه مكتوب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى جعفر بن محمّد الإمامعليه‌السلام من ملك الهند ، أمّا بعد : فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ورددت الجارية ، فأنكر ذلك قلبي ،

٨١

وعلمت أنّ الأنبياء وأولاد الأنبياء معهم فراسة ، فنظرت إلى الرسول بعين الخيانة ، فاخترعت كتابا وأعلمته أنّه أتاني منك الخيانة وحلفت أنّه لا ينجيه إلاّ الصدق ، فأقرّ بما فعل وأقرّت الجارية بمثل ذلك وأخبرت بما كان من الفرو ، فتعجّبت من ذلك وضربت عنقها وعنقه وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، واعلم أنّي في أثر الكتاب ، فما قام إلاّ مدّة يسيرة حتّى ترك ملك الهند وأسلم وحسن إسلامه »(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن مهران ، عن داود بن كثير الرقّي قال : كنّا في منزل أبي عبد اللهعليه‌السلام ونحن نتذاكر فضائل الأنبياءعليهم‌السلام فقالعليه‌السلام مجيبا لنا : « والله ما خلق الله نبيّا إلاّ ومحمّد أفضل منه » ، ثمّ خلع خاتمه ووضعه على الأرض وتكلّم بشيء فانصدعت الأرض وانفرجت بقدرة الله عزّ وجلّ ، فإذا نحن ببحر عجّاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء في وسطها قبّة من درّة بيضاء ، حولها دار خضراء مكتوب عليها : لا إله إلاّ الله محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بشّر القائم فإنّه يقاتل الأعداء ويغيث المؤمنين وينصره الله عزّ وجلّ بالملائكة في عدد نجوم السماء.

ثمّ تكلّم صلوات الله عليه بكلام فثار ماء البحر وارتفع مع السفينة ، فقال : « ادخلوها » ، فدخلنا القبّة التي في السفينة فإذا فيها أربعة كراسيّ من ألوان الجواهر ، فجلس هو على أحدها وأجلسني على واحد ، وأجلس موسى وإسماعيلعليهما‌السلام كلّ واحد منهما على كرسيّ ، ثمّ قالعليه‌السلام للسفينة : « سيري بقدرة الله تعالى » ، فسارت في بحر عجّاج بين جبال الدرّ واليواقيت ، ثمّ أدخل يده في البحر وأخرج دررا وياقوتا فقال : « يا داود ، إن كنت تريد الدنيا فخذ حاجتك » ، فقلت : يا مولاي ، لا حاجة لي في الدنيا ، فرمى به في البحر ، وغمس يده في البحر وأخرج مسكا وعنبرا فشمّه وشمّني وشمّم موسى وإسماعيلعليهما‌السلام ، ثمّ رمى به في البحر وسارت السفينة حتّى انتهينا إلى جزيرة عظيمة ، فيما بين ذلك البحر وإذا فيها قباب من الدرّ الأبيض مفروشة

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ١١٣ ـ ١١٥ ، ح ١٥٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، ح ٦.

٨٢

بالسندس والإستبرق ، عليها ستور الأرجوان محفوفة بالملائكة ، فلمّا نظروا إلينا أقبلوا مذعنين له بالطاعة مقرّين له بالولاية ، فقلت : مولاي لمن هذه القباب؟ فقال : « للأئمّة من ذرّيّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما قبض إمام فصار إلى هذا الموضع إلى الوقت المعلوم الذي ذكره الله تعالى ».

ثمّ قالعليه‌السلام : « قوموا بنا حتّى نسلّم على أمير المؤمنينعليه‌السلام » ، فقمنا وقام ووقفنا بباب إحدى القباب المزيّنة وهي أجلّها وأعظمها وسلّمنا على أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو قاعد فيها ، ثمّ عدل إلى قبّة أخرى وعدلنا معه فسلّم وسلّمنا على الحسن بن عليّعليهما‌السلام ، وعدلنا إلى قبّة بإزائها وسلّمنا على الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، ثمّ على عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ثمّ على محمّد بن عليّعليهما‌السلام كلّ واحد منهم في قبّة مزيّنة مزخرفة.

ثمّ عدل إلى بنيّة بالجزيرة وعدلنا معه وإذا فيها قبّة عظيمة من درّة بيضاء مزيّنة بفنون الفرش والستور ، وإذا فيها سرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر ، فقلت : يا مولاي ، لمن هذه القبّة؟ فقال : « للقائم منّا أهل البيت صاحب الزمان صلوات الله عليه وآله »!.

ثمّ أومأ بيده وتكلّم بشيء وإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزل أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام وأخرج خاتمه وختم الأرض بين يديه فلم أر فيها صدعا ولا فرجة(١) .

فصل [٦] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي إبراهيم موسى الكاظم صلوات الله وسلامه عليه

وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي عن محمّد بن الفضل قال : اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٧ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ، ح ٢٢٧ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ٨٦ ـ ٨٧.

٨٣

الرجلين في الوضوء ، هو من الأصابع إلى الكعبين ، أم هو من الكعبين إلى الأصابع؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسىعليه‌السلام : إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطّك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله ، فكتب إليه أبو الحسنعليه‌السلام : « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا ، وتستنشق ثلاثا ، وتغسل وجهك ، وتخلّل شعر لحيتك ، وتغسل يديك إلى المرفقين ثلاثا ، وتمسح رأسك كلّه ، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثا ، ولا تخالف ذلك إلى غيره ».

فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب بما رسم فيه ممّا أجمع العصابة على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسنعليه‌السلام .

وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل : إنّه رافضيّ مخالف لك ، فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقرف له بخلافنا وميله إلى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهر منه عليّ ما يقرف به ، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرّز منّي.

فقيل له : إنّ الرافضة يا أمير المؤمنين ، تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا ترى غسل الرجلين ، فامتحنه يا أمير المؤمنين ، من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه.

فقال : أجل ، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان عليّ بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وخلّل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين

٨٤

ثلاثا ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه وقد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا عليّ بن يقطين ، من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده وورد عليه كتاب أبي الحسنعليه‌السلام « ابتداء من الآن يا عليّ بن يقطين ، فتوضّأ كما أمر الله ، واغسل وجهك مرّة فريضة وأخرى إسباغا ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدّم رأسك وظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك والسّلام »(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن يقطين قال : كنت واقفا عند هارون الرشيد إذ جاءته هدايا ملك الروم وكان فيها درّاعة(٢) ديباج سوداء منسوجة بالذهب لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها فوهبها لي وبعثتها إلى أبي إبراهيمعليه‌السلام ، ومضت عليها برهة تسعة أشهر وانصرفت يوما من عند هارون بعد أن تغدّيت بين يديه ، فلمّا دخلت داري قام إليّ خادمي ـ الذي يأخذ ثيابي ـ بمنديل على يده وكتاب لطيف ختمه رطب ، فقال : أتاني بهذا رجل الساعة ، فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ، ففضضت الكتاب وإذا به كتاب مولاي أبي إبراهيمعليه‌السلام وفيه : « يا عليّ ، هذا وقت حاجتك إلى الدرّاعة وقد بعثت بها إليك » ، فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها وعرفتها.

ودخل عليّ خادم هارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين ، قلت : أيّ شيء حدث؟ قال : لا أدري ، فركبت ودخلت عليه وعنده عمر بن بزيع واقفا بين يديه فقال : ما فعلت الدرّاعة التي وهبتك؟

قلت : خلع أمير المؤمنين عليّ كثيرة من دراريع وغيرها فعن أيّها يسألني؟

قال : درّاعة الديباج السوداء الروميّة المذهّبة.

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٣٨ ـ ٣٩ ، ح ١٤ ، نقلا عن « الإرشاد » للمفيد ٢ : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، و « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٣١٣ ، و « إعلام الورى » للطبرسي ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

(٢) ثوب من صوف يتدرّع به. والدرّاعة واحدة الدراريع. « مجمع البحرين » ٤ : ٣٢٤ « درع ».

٨٥

فقلت : ما عسى أن أصنع بها ألبسها في أوقات وأصلّي فيها ركعات ، وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها.

فنظر إلى عمر بن بزيع فقال : قل له يحضرها ، فأرسلت خادمي جاء بها ، فلمّا رآها فقال : يا عمر ، ما ينبغي أن تنقل على عليّ بعد هذا شيئا ، قال : فأمر لي بخمسين ألف درهم حملت مع الدرّاعة إلى داري.

قال عليّ بن يقطين : وكان الساعي ابن عمّ لي ، فسوّد الله وجهه وكذّبه والحمد لله(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن يقطين قال : استدعى الرشيد رجلا يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل معزم فلمّا أحضرت المائدة عمل ناموسا على الخبز ، فكان كلّما رام خادم أبي الحسنعليه‌السلام تناول رغيفا من الخبز طار من بين يديه ، واستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك.

فلم يلبث أبو الحسنعليه‌السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور ، فقال له : « يا أسد الله ، خذ عدوّ الله » ، قال : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المعزم ، فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّا عليهم وطارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه ، فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين قال هارون لأبي الحسنعليه‌السلام : أسألك بحقّي عليك لمّا سألت الصورة أن تردّ الرجل ، فقال : « إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل » ، فكان ذلك من أعمل الأشياء في إفاقة نفسه(٢) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن المغيرة قال : مرّ العبد الصالحعليه‌السلام بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت بقرة لها ، فدنا منها ثمّ قال لها : « ما يبكيك

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٥٩ ـ ٦٠ ، ح ٧٢ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ٢ : ٦٥٦ ـ ٦٥٧ ، ح ٩.

(٢) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٤١ ـ ٤٢ ، ح ١٧ ، نقلا عن « الأمالي » للصدوق : ١٤٨ ، ح ١٩.

٨٦

يا أمة الله؟ »

قالت : يا عبد الله ، إنّ لي صبيانا أيتاما فكانت لي بقرة ، منها معيشتي ومعيشة صبياني ، فقد ماتت وبقيت منقطعة بي وبولدي ولا حيلة لنا.

فقال لها : « يا أمة الله ، هل لك أن أن أحييها لك؟ » قال : فألهمت أن قالت : نعم يا عبد الله ، قال : « فتنحّى ناحية » ، فصلّى ركعتين ، ثمّ رفع يديه يمنة وحرّك شفتيه ثم قام فمرّ بالبقرة فنخسها(١) نخسا وضربها برجله ، فاستوت على الأرض قائمة ، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة قد قامت صاحت : عيسى بن مريم وربّ الكعبة ، قال : فخالط الناس وصار بينهم صلّى الله عليه وعلى آبائه الطاهرين(٢) .

ومنها : ما روي عن المفضّل بن عمر قال : لمّا قضى الصادقعليه‌السلام كانت وصيّته في الإمامة إلى موسى الكاظمعليه‌السلام فادّعى أخوه عبد الله الإمامة ، وكان أكبر ولد جعفرعليه‌السلام في وقته ذلك ، وهو المعروف بالأفطح ، فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره ، فأرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه ، فلمّا صار عنده ومع موسى جماعة من وجوه الإماميّة فلمّا جلس إليه أخوه عبد الله ، أمر موسى أن يجعل النار في ذلك الحطب كلّه فاحترق كلّه ، ولا يعلم الناس السبب فيه حتّى صار الحطب كلّه جمرا ، ثمّ قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدّث الناس ساعة ، ثمّ قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس.

فقال لأخيه عبد الله : « إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس » ، فقالوا : فرأينا عبد الله تغيّر لونه فقام يجرّ رداءه حتّى خرج من دار موسىعليه‌السلام (٣) .

وفي رواية هشام بن الحكم قالعليه‌السلام له : « يا أخي ، إن كنت صاحب هذا الأمر فهلمّ

__________________

(١) نخسها أي دفعها.

(٢) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٥٥ ـ ٥٦ ، ح ٦٢ ، نقلا عن « الكافي » ١ : ٤٨٥ ، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر ، ح ٦.

(٣) المصدر السابق ٤٧ : ٢٥١ ، ح ٢٢ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٠٨ ـ ٣١٠ ، ح ٢.

٨٧

يدك فأدخلها النار » ، وكان حفر حفيرة وألقى فيها حطبا وضربها بنفط ونار ، فلم يفعل عبد الله ، وأدخل أبو الحسنعليه‌السلام يده في تلك الحفيرة ولم يخرجها من النار إلاّ بعد احتراق الحطب وهو يمسحها(١) .

ومنها : ما روي عن اسحاق بن منصور ، عن أبيه ، قال : سمعت موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول ناعيا إلى رجل من الشيعة نفسه ، فقلت في نفسي : وإنّه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ، فالتفت إليّ فقال : « اصنع ما أنت صانع فإنّ عمرك قد فني وقد بقي منه دون سنتين وكذلك أخوك ، ولا يمكث بعدك إلاّ شهرا واحدا حتّى يموت ، وكذلك عامّة أهل بيتك ويتشتّت كلّهم ويتفرّق جمعهم ويشمت بهم أعداؤهم وهم يصيرون رحمة لإخوانهم ، أكان هذا في صدرك؟ ».

فقلت : أستغفر الله ممّا في صدري ، فلم يستكمل منصور سنتين حتّى مات ومات بعده بشهر أخوه ، ومات عامّة أهل بيته وأفلس بقيّتهم وتفرّقوا حتّى احتاج من بقي منهم إلى الصدقة(٢) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن أبي حمزة قال : أخذ بيدي موسى بن جعفرعليه‌السلام يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء ، فإذا نحن برجل مغربي على الطريق يبكي وبين يديه حمار ميّت ورحله مطروح ، فقال له موسىعليه‌السلام : « ما شأنك؟ ».

قال : كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا وبقيت ومضى أصحابي ، وقد بقيت متحيّرا ليس لي شيء أحمل عليه ، فقال موسىعليه‌السلام : « لعلّه لم يمت » ، قال : أما ترحمني حتّى تلهو بي!.

قال : « إنّ عندي رقية جيّدة » ، قال الرجل : ليس ما يكفيني ما أنا فيه حتّى تستهزئ بي.

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٦٥ ـ ٦٦ ، ح ٨٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٢٥ ، ح ١٧.

(٢) المصدر السابق : ٦٨ ، ح ٩٠ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣١٠.

٨٨

فدنا موسىعليه‌السلام من الحمار ونطق بشيء لم أسمعه ، وأخذ قضيبا كان مطروحا فضربه فصاح عليه فوثب الحمار صحيحا سليما ، فقال : « يا مغربي ، ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء ، فألحق بأصحابك » ، ومضينا وتركناه.

قال عليّ بن أبي حمزة : فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك ، فلمّا رآني عدا إليّ وقبّل يدي فرحا مسرورا ، فقلت له : ما حال حمارك؟

فقال : هو والله سليم صحيح ، وما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ الله به عليّ فأحيا لي حماري بعد موته.

فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته(١) .

ومنها : ما روي عن شقيق البلخي إنّه قال : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسية ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، والله لأمضينّ إليه ولاوبّخنّه ، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا : قال : « يا شقيق ،( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ،(٢) » ثمّ تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إنّ هذا الأمر عظيم ، قد تكلّم بما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه ، وغاب عن عيني.

فلمّا نزلنا واقصة(٣) وإذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه ، فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا

__________________

(١) المصدر السابق : ٧١ ، ح ٩٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣١٤.

(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢.

(٣) واقصة : منزل بطريق مكّة.

٨٩

قال : « يا شقيق ، اتل( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) ،(١) » ثمّ تركني ومضى حتّى غاب ، فقلت : إنّ هذا الفتى لمن الأبدال ، لقد تكلّم على سرّي مرّتين.

فلمّا نزلنا زبالة(٢) إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة(٣) يريد أن يستقي ماء ، فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه ، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول :

أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء

وقوتي إذا أردت الطعاما

اللهمّ يا سيّدي ما لي غيرها فلا تعدمنيها

قال شقيق : فو الله رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فمدّ يده وأخذ الركوة وملأها ماء فتوضّأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحرّكه ويشرب. فأقبلت إليه وسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام ، فقلت : أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك ، فقال : « يا شقيق ، لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنّك بربّك » ، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر ، فو الله ما شربت قطّ ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.

ثمّ لم أره حتّى دخلنا مكّة فرأيته ليلة إلى جنب قبّة الشراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل ، فلمّا رأى الفجر جلس في مصلاّه يسبّح ، ثمّ قام فصلّى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا وخرج ، فتبعته وإذا له غاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه ، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه : من هذا الفتى؟

فقال : هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن

__________________

(١) طه (٢٠) : ٨٢.

(٢) زبالة : منزلة من منازل طريق مكّة.

(٣) الركوة : تكون من أدم يسقى فيها ويحلب ويتوضّأ ، والجمع : الركوات والرّكاء. كتاب « العين » ١ : ٩ ، ( ر ك‍ و).

٩٠

عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام .

فقلت : قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيّد ، ولقد نظم بعض المتقدّمين واقعة شقيق معه في أبيات طويلة(١) .

ومنها : ما روي عن داود الرقّي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : حدّثني عن أعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل بيت النبوّةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : « الحديث أحبّ إليك أم المعاينة؟ » قلت : المعاينة ، فقال لأبي إبراهيم موسىعليه‌السلام : « ائتني بالقضيب » ، فمضى وأحضره إيّاه ، فقال له : « يا موسى ، اضرب به الأرض ضربة » ، فضربها فانشقّ الأرض عن بحر أسود ، ثمّ ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء ، فضرب الصخرة فانفتح منها باب ، فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودّة وأعينهم زرق ، كلّ واحد منهم مصفّد مشدود في جانب من الصخرة وهم ينادون : يا محمّد ، والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمّد لكم ولا أنتم له.

فقلت له : جعلت فداك من هؤلاء؟ فقال : « الجبت والطاغوت والرجس واللعين ابن اللعين » ، ولم يزل يعدّدهم كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم حتّى أتى على أصحاب السقيفة وأصحاب الفتنة وبني الأزرق والأوزاع وبني أميّة جدّد الله عليهم العذاب بكرة وأصيلا » ، ثمّ قالعليه‌السلام للصخرة : « انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم »(٢) .

ومنها : ما روي عن الفضل بن ربيع ورجل آخر قالا : حجّ هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ومنعت العامّة من ذلك ؛ لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت وجعل يطوف معه ، فقال الحاجب : تنحّ يا هذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الأعرابيّ وقال : « إنّ الله ساوى بين الناس في هذا الموضع ، فقال :( سَواءً الْعاكِفُ

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٨٠ ـ ٨٢ ، ح ١٠٢ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ٢١٤ ، في مناقب الإمام الكاظمعليه‌السلام .

(٢) « بحار الأنوار » ٤٨ : ٨٤ ، ح ١٠٤ ، نقلا عن « عيون المعجزات » : ٨٩ ـ ٩٠.

٩١

فِيهِ وَالْبادِ ) ،(١) » فأمر الحاجب بالكفّ عنه ، فكلّما طاف الرشيد طاف الأعرابيّ أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبّله فسبقه الأعرابيّ إليه والتثمه ، ثمّ صار الرشيد إلى المقام ليصلّي فيه فصلّى الأعرابيّ أمامه ، فلمّا فرغ هارون من صلاته استدعى الأعرابي فقال الحجّاب : أجب أمير المؤمنين.

فقال : « ما لي إليه حاجة فأقوم إليه ، بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إليّ أولى » ، قال : صدق ، فمشى إليه وسلّم عليه فردّعليه‌السلام ، فقال هارون : أجلس يا أعرابيّ؟ فقال : « ما الموضع لي ولك فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنّما هو بيت الله نصبه لعباده ، فإن أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف » ، فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك؟! قال : « نعم وفيّ مستمع ».

قال : فإنّي سائلك فإن عجزت آذيتك. قال : « سؤالك هذا سؤال متعلّم أو سؤال متعنّت؟ » قال : بل سؤال متعلّم قال : « اجلس مكان السائل من المسئول وسل وأنت مسئول ».

فقال هارون : أخبرني ما فرضك؟ قال : « إنّ الفرض واحد ، وخمسة ، وسبعة عشر ، وأربعة وثلاثون ، وأربعة وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مائتين خمس ، ومن الدهر كلّه واحد ، وواحد بواحد ».

قال : فضحك الرشيد ، فقال : ويحك أسألك عن فرضك وأنت تعدّ عليّ الحساب؟ قال : « أما علمت أنّ الدين كلّه حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتّخذ الله للخلائق حسابا ، ثمّ قرأ( وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ ) (٢) ».

قال : فبيّن لي ما قلت ، وإلاّ أمرت بقتلك بين الصفا والمروة ، فقال الحاجب : تهبه

__________________

(١) الحجّ (٢٢) : ٢٥.

(٢) الأنبياء (٢١) : ٤٧.

٩٢

لله ولهذا المقام قال : فضحك الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : ممّا ضحكت يا أعرابي؟ قال : « تعجّبا منكما ؛ إذ لا أدري من الأجهل منكما : الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر؟ ».

فقال الرشيد : فسّر ما قلت؟

فقال : « أمّا قولي : الفرض واحد ، فدين الإسلام كلّه واحد ، وعليه خمس صلوات وهي سبع عشرة ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة.

وأمّا قولي : من اثني عشر واحد ، فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا.

وأمّا قولي : من الأربعين واحد ، فمن ملك أربعين دينارا أوجب الله عليه دينارا.

وأمّا قولي : من مائتين خمسة ، فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم.

وأمّا قولي : فمن الدهر كلّه واحد فحجّة الإسلام.

وأمّا قولي : واحد من واحد ، فمن أهرق دما من غير حقّ وجب إهراق دمه ، قال الله تعالى( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) (١) ».

فقال الرشيد : لله درّك ، وأعطاه بدرة ، قال : « فبما استوجبت منك هذه البدرة يا هارون ، بالكلام أو بالمسألة؟ ».

قال : بل بالكلام.

قال : « فإنّي أسألك عن مسألة فإن أنت أتيت بها كانت البدرة لك تصدّق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدّق بها على فقراء الحيّ من قومي » ، فأمر بإيراد أخرى وقال : سل عمّا بدا لك ، فقال : « أخبرني عن الخنفساء تزقّ أم ترضع ولدها ».

__________________

(١) المائدة (٥) : ٤٥.

٩٣

فحرد(١) هارون وقال : ويحك يا أعرابي ، مثلي من يسأل عن هذه المسألة؟

فقال : « سمعت ممّن سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمّة يجب أن لا تسأل عن شيء من أمر دينك ومن الفرائض إلاّ أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب؟ ».

قال هارون : رحمك الله لا ، فبيّن لي ما قلته وخذ البدرتين.

فقال : « إنّ الله تعالى لمّا خلق الأرض خلق دبابات الأرض التي من غير فرث ودم ، خلقها من التراب وجعل عيشها ورزقها منه ، فإذا فارق الجنين أمّه لم تزقّه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب ».

فقال هارون : والله ما ابتلي أحد بمثل هذه المسألة.

وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، وتبعه بعض الناس وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمّدعليهم‌السلام ، فأخبر هارون بذلك ، فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة(٢) .

فصل [٧] : في بيان نبذ من معجزات سيّدنا ومولانا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام

على وفق ما انتخبت من كتاب « بحار الأنوار » وهي أيضا كثيرة :

منها : ما روي أنّه لمّا جعل المأمون الرضاعليه‌السلام وليّ عهده وأقامه خليفة من بعده ، كان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك ، وخافوا خروج الخلافة عن بني العبّاس وردّها إلى بني فاطمة ـ على الجميع السّلام ـ فحصل عندهم من الرضاعليه‌السلام نفور ، وكان عادة الرضاعليه‌السلام إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه ، يبادر من بالدهليز من

__________________

(١) حرد : تنحّى وتحوّل.

(٢) « بحار الأنوار » ٤٨ : ١٤١ ـ ١٤٣ ، ح ١٨ ، نقلا عن « مناقب آل أبي طالب » ٤ : ٣٣٦ ـ ٣٣٨.

٩٤

الحاشية إلى السلام عليه ورفع الستر بين يديه ليدخل ، فلمّا حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم ، وقالوا : إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه ولا ترفعوا الستر له ، فاتّفقوا على ذلك.

فبينا هم قعود إذ جاء الرضاعليه‌السلام على عادته ، فلم يملكوا أنفسهم أن سلّموا عليه ورفعوا الستر على عادتهم ، فلمّا دخل أقبل بعضهم على بعض يتلاومون كونهم ما وقفوا على ما اتّفقوا عليه ، وقالوا : النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له ، فلمّا كان في ذلك اليوم جاء فقاموا وسلّموا عليه ووقفوا ولم يبتدروا إلى رفع الستر ، فأرسل الله ريحا شديدة دخلت في الستر فرفعته أكثر ممّا كانوا يرفعونه ثمّ دخل فسكنت الريح فعاد إلى ما كان ، فلمّا خرج عادت الريح ودخلت في الستر فرفعته حتّى خرج ثمّ سكنت فعاد الستر.

فلمّا ذهب أقبل بعضهم على بعض وقالوا : هل رأيتم؟ قالوا : نعم ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم ، هذا رجل له عند الله منزلة ولله به عناية ، ألم تروا أنّكم لمّا لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح وسخّرها له لرفع الستر كما سخّرها لسليمان ، فارجعوا إلى خدمته فهو خير لكم ، فعادوا إلى ما كانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه(١) .

ومنها : ما روي أنّه كان بخراسان امرأة تسمّى زينب ، فادّعت أنّها علويّة من سلالة فاطمةعليها‌السلام ، وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها ، فسمع بها عليّ الرضاعليه‌السلام فلم يعرف نسبها ، فأحضرت إليه فردّ نسبها ، وقال : « هذه كذّابة » ، فسفهت عليه وقالت : كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك.

فأخذته الغيرة العلويّة فقالعليه‌السلام لسلطان خراسان وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين ، يسمّى ذلك الموضع بركة السباع ، فأخذ الرضاعليه‌السلام بيد تلك المرأة وأحضرها عند ذلك السلطان وقال : « هذه

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٩ : ٦٠ ـ ٦١ ، ح ٧٩ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ٢٦٠.

٩٥

كذّابة على عليّ وفاطمةعليهما‌السلام وليست من نسلهما فإنّ من كان حقّا بضعة من عليّ وفاطمةعليهما‌السلام فإنّ لحمه حرام على السباع ، فألقوها في بركة السباع ، فإنّ السباع لا تقربها إن كانت صادقة ، وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع ».

فلمّا سمعت ذلك منه قالت : فأنزل أنت إلى السباع ، فإن كنت صادقا فإنّها لا تقربك ولا تفترسك. فلم يكلّمها وقام ، فقال له ذلك السلطان : إلى أين؟ قال : « إلى بركة السباع ، والله لأنزلنّ إليها » ، فقام السلطان والناس والحاشية وجاءوا وفتحوا باب البركة فنزل الرضاعليه‌السلام والناس ينظرون ، فلمّا حصل بين السباع أقعت إلى الأرض على أذنابها ، وصار يأتي إلى واحد واحد يمسح وجهه ورأسه وظهره والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ، ثمّ طلع والناس يبصرونه ، فقال لذلك السلطان : « أنزل هذه الكذّابة على عليّ وفاطمةعليهما‌السلام ليتبيّن لك » ، فامتنعت ، فألزمها ذلك السلطان وأمر أعوانه بإلقائها ، فمذ رآها السباع وثبوا إليها وافترسوها ، فاشتهر اسمها بخراسان بزينب الكذّابة ، وحديثها هناك مشهور(١) .

ومنها : ما روي عن عليّ بن محمّد القاشاني قال : أخبرني بعض أصحابنا أنّه حمل إلى الرضاعليه‌السلام مالا له خطر فلم أره سرّ به ، فاغتممت لذلك وقلت في نفسي : قد حملت مثل هذا المال وما سرّ به ، فقال : « يا غلام ، الطست والماء » ، وقعد على كرسي وقال للغلام : « صبّ عليّ الماء » ، فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ، ثمّ التفت إليّ وقال : « من كان هكذا لا يبالي بالذي حمل إليه »(٢) .

ومنها : ما روي عن الريّان بن الصلت قال : لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضاعليه‌السلام ، فقلت في نفسي : إذا ودّعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفّن به ، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم ، فلمّا ودّعته شغلني البكاء

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٩ : ٦١ ـ ٦٢ ، ذيل ح ٧٩ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٢) المصدر السابق : ٦٣ ، ح ٨٠ ، نقلا عن « كشف الغمّة » ٢ : ٣٠٣.

٩٦

والأسى على فراقه عن مسألتي ذلك ، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي : « يا ريّان ، ارجع » ، فرجعت ، فقال لي : « أما تحبّ أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفّن فيه إذا أفنى أجلك؟ أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟ » فقلت : يا سيّدي ، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك فمنعني الغمّ بفراقك ، فرفععليه‌السلام الوسادة وأخرج قميصا فدفعه إليّ ، ورفع جانب المصلّى فأخرج دراهم فدفعها إليّ فعددتها فكانت ثلاثين درهما(١) .

ومنها : ما روي أنّه لمّا جعلعليه‌السلام وليّ العهد ، فحبس المطر مدّة ، وقيل : إنّ ذلك باعتبار أنه جعل وليّ العهد ، فاستدعي منهعليه‌السلام الدعاء لنزول المطر ، ودعا يوم الاثنين وجاءت عشر سحابات وعبرت ويقولعليه‌السلام في كلّ واحد : « ليست هذه لكم إنّما هي لأهل بلد كذا » ، ثمّ أقبلت سحابة حادية عشرة ، فقال : « هذا لكم فاشكروا الله عزّ وجلّ على تفضّله عليكم » ، ثمّ جاءت بوابل المطر فملأت الأودية والحياض والغدران فتكلّم حسّادهعليه‌السلام فيه ، وطعنوا المأمون بفعله ، وجعله وليّ عهده ، وقالوا : إنّك أخرجت الخلافة وهذا الشرف من بني العبّاس إلى بني فاطمةعليها‌السلام وأنّه ساحر ولد السحرة.

فقال ـ عليه اللعنة ـ مجيبا : قد كان هذا الرجل مستترا يدعو إلى نفسه ، فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك والخلافة لنا ، وقد خشينا أن تركناه على تلك الحال أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا منه ما لا نطيقه ، والآن فإذ قد فعلنا به ما فعلنا وأخطأنا في أمره بما أخطأنا وأشرفنا من الهلاك على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلا قليلا حتّى نصوّره عند الرعيّة بصورة من لا يستحقّ لهذا الأمر ، ثمّ ندبّر فيه بما يحسم عنّا موادّ بلائه.

__________________

(١) المصدر السابق : ٣٥ ـ ٣٦ ، ح ١٦ ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » ٢ : ٢٢٩ ، ح ١٧.

٩٧

قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، فولّني مجادلته فإنّي أفحمه وأصحابه وأضع من قدره فلولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته وبيّنت للناس قصوره ، قال المأمون ما شيء أحبّ إليّ من هذا. قال : فاجمع وجوه أهل مملكتك والقوّاد والقضاة وخيار الفقهاء لأبيّن نقصه بحضرتهم.

فجمع الناس في مجلس واسع قعد فيه لهم ، وأقعد الرضاعليه‌السلام بين يديه في المرتبة التي جعلها له ، فابتدأ الرجل [ المتضمّن للوضع من الرضاعليه‌السلام (١) ] وقال له : إنّ الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك بما أرى أنّك برئت منه : فأوّل ذلك أنّك دعوت الله في المطر المعتاد مجيؤه فجاء فجعلوه آية لك معجزة ، أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين ـ أدام الله ملكه وبقاءه ـ لا يوازن بأحد إلاّ رجّح ، وقد أحلّك المحلّ الذي عرفت ، فليس من حقّه عليك أن تسوّغ الكاذبين لك وعليه ما يتكذّبونه.

فقال الرضاعليه‌السلام : « ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ وإن كنت لا أبغي أشرا ولا بطرا ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيقعليه‌السلام وكانت حالهما ما قد علمت ».

فغضب الرجل عند ذلك ، فقال : يا ابن موسى ، لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر مقدّر وقته لا يتقدّم ولا يتأخّر جعلته آية تستطيل بها ، وصولة تصول بها ، كأنّك جئت بمثل آية الخليل إبراهيمعليه‌السلام لمّا أخذ رءوس الطيور بيده ، ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال ، وأتينه سعيا وطرن بإذن الله عزّ وجلّ ، فإن كنت صادقا فيما توهّم فأحي هذين وسلّطهما عليّ فإنّ ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأمّا المطر المعتاد مجيؤه فلست أحقّ بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت ، وكان الرجل قد أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه ، وكانا متقابلين على المسند.

__________________

(١) أضفناه من المصدر.

٩٨

فغضب عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام وصاح بالصورتين : « دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا » ، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا الرجل وعضّاه ورضّاه وهشماه وأكلاه ولحسا دمه ، والقوم ينظرون متحيّرين ممّا يبصرون ، فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضاعليه‌السلام ، وقالا : يا وليّ الله ، في أرضه ما ذا تأمرنا نفعل بهذا أنفعل به فعلنا بهذا؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون ممّا سمع منهما ، فقال الرضاعليه‌السلام : « قفا » ، فوقفا ، ثمّ قال الرضاعليه‌السلام : « صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه » ، ففعل ذلك به وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟

قال : « لا ؛ فإنّ لله عزّ وجلّ فيه تدبيرا هو ممضيه ».

فقالا : ما ذا تأمرنا؟ فقال : « عودا إلى مقرّكما كما كنتما » ، فعادا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا.

فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرّ حميد بن مهران ـ يعني الرجل المفترس ـ ثمّ قال للرضاعليه‌السلام : يا ابن رسول الله هذا الأمر لجدّكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ لكم ، فلو شئت لنزلت عنه لك.

فقال الرضاعليه‌السلام : « لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين إلاّ جهّال بني آدم ؛ فإنّهم وإن خسروا حظوظهم فلله عزّ وجلّ فيهم تدبير ، وقد أمرني بترك الاعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل من تحت يدك ، كما أمر يوسف عليه بالعمل تحت يد فرعون مصر » ، قال : فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ما قضى(١) .

ومنها : ما روي عن أبي إسماعيل السندي قال : سمعت بالهند أنّ لله في العرب حجّة ، فخرجت منها في الطلب ، فدللت على الرضاعليه‌السلام فقصدته فدخلت عليه وأنا

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٩ : ١٨٠ ـ ١٨٥ ، ح ١٦ ، نقلا عن « عيون أخبار الرضا » ٢ : ١٧٩ ـ ١٨٣ ، ح ١.

٩٩

لا أحسن من العربية كلمة ، فسلّمت بالسنديّة فردّ عليّ بلغتي ، فجعلت أكلّمه بالسنديّة وهو يجيبني بالسنديّة ، فقلت له : إنّي سمعت بالسند إنّ لله حجّة في العرب فخرجت إلى الطلب ، فقال ـ بلغتي ـ : « نعم » ، ثمّ قال : « فاسأل عمّا تريد » ، فسألته عمّا أردته ، فلمّا أردت القيام من عنده قلت : إنّي لا أحسن من العربيّة فادع الله أن يلهمنيها لأتكلّم بها مع أهلها ، فمسح يده على شفتيّ فتكلّمت من وقتي بالعربيّة(١) .

ومنها : ما روي عن إبراهيم بن موسى ـ وكان يؤمّ في مسجد الرضا بخراسان ـ قال : ألححت على الرضاعليه‌السلام في شيء طلبته منه ، فخرج يستقبل بعض الطالبيّين وجاء وقت الصلاة ، فمال إلى قصر هناك ، فنزل تحت صخرة بقرب القصر وأنا معه وليس معنا ثالث ، فقال : « أذّن ».

فقلت : ننتظر يلحق بنا أصحابنا.

فقال : « غفر الله لك ، لا تؤخّرنّ صلاة عن أوّل وقتها إلى آخر وقتها من غير علّة عليك ، ابدأ بأوّل الوقت ».

فأذّنت وصلّينا ، فقلت : يا ابن رسول الله ، قد طالت المدّة في العدة التي وعدتنيها وأنا محتاج وأنت كثير الشغل ولا أظفر بمسألتك كلّ وقت ، قال : فحكّ بسوطه الأرض حكّا شديدا ، ثمّ ضرب بيده إلى موضع الحكّ فأخرج سبيكة ذهب ، فقال : « خذها بارك الله لك فيها وانتفع بها واكتم ما رأيت ». قال : فبورك لي فيها حتّى اشتريت بخراسان ما كانت قيمته سبعين ألف دينار ، فصرت أغنى الناس من أمثالي(٢) .

ومنها : ما روي عن أبي محمّد الغفاري قال : لزمني دين ثقيل فقلت : ما للقضاء غير سيّدي ومولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام ، فلمّا أصبحت أتيت منزله

__________________

(١) « بحار الأنوار » ٤٩ : ٥٠ ، ح ٥١ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٤٠ ، ح ٥.

(٢) المصدر السابق ٤٩ : ٤٩ ، ح ٤٩ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ ، ح ٢.

١٠٠