شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء ٣

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية0%

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 697

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

مؤلف: حبيب طاهر الشمري
تصنيف:

الصفحات: 697
المشاهدات: 160070
تحميل: 2673

توضيحات:

الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 697 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 160070 / تحميل: 2673
الحجم الحجم الحجم
شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية

شهداء الإسلام من سنة 40 إلى 51 الهجرية الجزء 3

مؤلف:
العربية

وعن أبي سعيد الخدريّ قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وفاطمة سيّدة نسائهم، إلّا ما كان من مريم بنت عمران)(١) .

ابن أبي شيبة بسنده عن حذيفة، قال: أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج فاتّبعته فقال: (ملك عرض لي استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويخبرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة)(٢) .

ومن حديث عمران بن حصين - في مرض فاطمةعليها‌السلام وزيارته لها مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحديث طويل وفيه -: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أي بنيّة أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟ والذي بعثني بالحقّ لقد زوّجتك سيّداً في الدنيا وسيّداً في الآخرة ولا يبغضه إلّا منافق)(٣) .

ويطول الأمر بذكر النصوص في سيادة فاطمة الزهراء ابنة سيّد الرسل زوجة سيّد الأوصياء - نأتي على نصوص سيادته - أمّ سادة شباب أهل الجنّة - وكما قلنا ليس في الجنّة شيوخ وكهول - أعمامها سادة الشهداء: جعفر ذو الجناحين يطير بهما بالجنّة، وحمزة أسد الله وأسد رسوله، أمّها إحدى أربع ذكرهنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفضل: خديجة زوجة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومريم العذراء، وآسية بنت مزاحم، وابنته فاطمة.

وقبل أن نورد قائمة المصادر التي ذكرت سيادة فاطمةعليها‌السلام ، ولئلاّ نغمظ الأخريات فضلهنّ، فقد ذكروا لعائشة في هذا المقام ما رواه ابن أبي شيبة بسنده عن مصعب بن سعد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عائشة تفضل النساء كما يفضل الثّريد على سائر الطعام)(٤) .

____________________

(١) مشكل الآثار، للطحاوي الحنفيّ (ت ٣٢١ هـ) ١: ٣٥ / ٩٦.

(٢) المصنّف، لابن أبي شيبة (ت ٢٣٥ هـ) ٧: ٥٣٧ / ٣.

(٣) مشكل الآثار ١: ٣٦ / ١٠١.

(٤) المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥٢٨ / ٣.

٢٠١

مصادر حديث سيادة فاطمةعليها‌السلام

جمهرة النسب، لابن الكلبيّ (ت ٢٠٤) وفيه: سيّدة النساء، المصنّف، لابن أبي شيبة (٢٣٥) ٧: ٥٢٧ / ٢ و ٣ و ٥ و ١٢: ١٢٧ / ١٣٣٢٣؛ تفسير القرآن العزيز، لعبد الرزّاق الصنعاني (٢١١) ١: ١٢٨ / ٤٠٣، الولاية، لابن عقدة (٣٢٣): ١٧٢ ومواضع أخرى، مسند أبي يعلى ٢: ٣٩٥ / ١١٦٩، سنن الترمذيّ ٥: ٦٥٦، خصائص النسائي: ١٢٩، معرفة الصحابة، لأبي نعيم ٢: ٣١٩، مسند أحمد - مضى ذكره - و ٥: ٣٩١، مشكل الآثار، للطحاويّ الحنفيّ (٣٢١) مضى ذكره في أكثر من موضع، حلية الأولياء، لأبي نعيم ٥: ٧١، مناقب ابن المغازليّ الشافعيّ: ١٤٤، تاريخ الإسلام، للذهبيّ الحنبليّ ٣: ٤٦، بحار الأنوار ٤٣: ٥١، الاستيعاب ٤ / ١٨٩٤، أمالي الصدوق / المجلس ٢٦ ح ٧، المناقب، لابن شهر آشوب ٣: ٣٢٣، مختصر تاريخ دمشق ١٨: ٢٨، ذخائر العقبى: ٤٣، مناقب أميرالمؤمنين، للكوفيّ ٢: ١٤ / ٦٨٠ و ٢٠ / ٦٨٦، الذرّية الطاهرة، للدولابيّ: ١٤٧، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٧٠ / ٤٧٤٠، التلخيص، للذهبي هامش المستدرك؛ مناقب عليّ وما نزل من القرآن في عليّ، لابن مردويه: ١٩٣ / ٢٦٢ و ٢٦٣، و ١٩٤ / ٢٦٤، الدرّ المنثور ٢: ٢٣، كنز العمّال ١٢: ١٤٥ / ٣٤٤١١، البداية والنهاية، لابن كثير الحنبليّ ٢: ٧١، صحيح البخاري - المناقب ٢٥ فضائل أصحاب النبيّ، ١٢ المغازي ٣٨ - الاستئذان ٤٣؛ صحيح مسلم - فضائل الصحابة رقم ٩٧ - ٩٩، ابن ماجة كتاب الجنائز ٦٤، تهذيب الكمال، للمزيّ ٣٥: ٢٥١ - ٢٥٢ ولقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب عليًّا فيقول: (أُوتيتَ ثلاثا لم يُؤتهنَّ واحدٌ ولا أنا، أُوتيتَ صِهْراً مثلي ولم أوتَ أنا مثلي، وأُوتيتَ زوجةً صدّيقةً مثل ابنتي ولم أُوتَ مثلها زوجة. وأوتيتَ الحسن والحسين من صُلْبك ولم

٢٠٢

أوتَ من صلبي مثلهما، ولكنّكم منّي وأنا منكم)(١) . سلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم بعثت فأنكرتك قريش أشدّ النّكير وأْتمروا بك ليقتلوك فأُمرت وأَمرت، أمرك الله تعالى بالهجرة إلى المدينة، وأمرت ابن عمّك الفدائيّ أن يبيت على فراشك، فامتثل وأطاع وشرى نفسه لله، على نهج جدّه إسماعيلعليه‌السلام في طاعة أبيه إبراهيمعليه‌السلام لتصديق رؤياه!( قَالَ يَا بُنَيّ إِنّي أَرَى‏ فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى‏ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِينَ ) (٢) .

وكان الخير فيما اختاره الله لك يا رسول الله إذ اكتنفتك الأنصار. إلّا أنّ قريش ما زالت في عدوانها حتّى الفتح المبين. وفي المدينة صبرت على جوى قوم حتّى ليلة قبضك الله إلى جواره ليمتحن بهم أهل بيتك الذين أنت منهم وهم منك، فأنتم الشجرة المباركة الطيّبة والكوثر الطاهر.

أبناء رسول الله وتهديد عمر بحرقهم

وعمر إذ عزم على حرق بيت سيّدة نساء أهل الجنّة، يعلم أنّ في البيت سادة آخرين منهم سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، وهذه الخارجيّة بعينها والتي تتضاءل عندها خارجيّة ذي الخويصرة التميميّ النجديّ حتّى تكاد تكون قذّة في بحر خطايا القوم، وهو التمهيد لاستهانة ذوي العاهات بحرمة بيوتات الله، وهذا واحد منها طهّره الله تعالى وعصم أهل بيته، فصار يسيراً على ابن هند أن يخرج على سيّد المسلمين ووليّ أمرهم ويحاربه...، وعلى الناقص أن يستخفّ بحرمة سيّد شباب أهل الجنّة ويقتله ويجعل من بدنه الطاهر ميداناً لخيل الفاسقين.

____________________

(١) الرياض النضرة، المحبّ الطبريّ ٢: ٢٠٢.

(٢) الصافّات: ١٠٢.

٢٠٣

وقبل ذكر الحديث ومصادره، نقولها بقوّة وتحدّي: إنّها العناية الإلهية بهذا البيت الطاهر أنّى التفتَّ وأمعنت! أنْشُر بين يديك كتبَ النّسب المشهورة مثل (جمهرة النسب) لابن الكلبيّ (ت ٢٠٤ هـ) و (نسب قريش) لمصعب الزبيري (ت ٢٣٦ هـ) و (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم (ت ٤٥٦ هـ) مضافاً إلى مؤلّفات ابن حبيب (ت ٢٤٥ هـ) مثل (المحبَّر) والمنَمَّق) و (تاريخ خليفة بن خيّاط) (ت ٢٤٠ هـ) وطبقاته، وطبقات ابن سعد، ومغازي الواقدي (ت ٢٠٤ هـ) وكتب التاريخ والسير والرجال...، فإنّك لا تجد: حسن، وحسين؛ حتّى وُلد الحسن والحسين أبنا عليّ سبطا رسول الله صلّى الله عليه وعليهم وسلّم.

ومثلما حبا سبحانه وتعالى رسوله بالرسالة والعصمة وكرامات ومعاجز، فكذلك صنع بأهل بيته بما ذكرنا، وذكرنا غير ذلك في غير هذا الموضع، وجعل لقرّة عين النبيّ وبضعته ووصيّه، كرامة خاصّة إذ تولّى سبحانه وتعالى تسميتهما؛ عن محمّد بن عليّ قال: لـمـّا ولد الحسن سمّاه حمزة، فلمّا ولد الحسين سمّاه بعمّه جعفر قال: فدعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: إنّي أمرت أن أغير اسم هذين، فقلت: الله ورسوله أعلم، فسمّاهما حسناً وحسيناً)(١) .

وعبد الرزّاق الصنعاني (ت٢١١ه) عن إبن عُنيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة،قال: لـمّا ولدت فاطمة الحسن بن عليّ جاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسمّاه حسناً، فلمّا ولدت حسيناً جاءت به إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، هذا أحسن من هذا، تعني حسيناً، فشُقّ له من إسمه، فسمّاه حسيناً.(٢)

____________________

(١) مسند أحمد ١: ٢٥٧ / ١٣٧٤.

(٢) المصنّف، لعبد الرزّاق ٤: ٣٣٥ / ٧٩٨١.

٢٠٤

وأيضاً عبد الرزّاق عن ابن جريج قال: أخبرني جعفر - الصادق - بن محمّد - الباقر - عن أبيه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّى حسيناً يومَ سابعه، وإنّه اشتقّ من اسم حسن اسم حسين، وذكر أنّه لم يكن بينهما إلّا الحمل(١) .

من أسماء أهل الجنّة

أخرج الدولابيّ بسنده عن عمران بن سليمان قال: الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنّة، لم يكونا في الجاهليّة(٢) .

فمن التبرّك تسمية الأولاد باسميهما المباركين.

ولا إطالة في كونهما ابني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج يُباهل بهما فكانا مع أبيهما وأمّهما معجزة رسول الله يومئذ، فالعدوان عليهما عدوان على القرآن الكريم كما منع من تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! وأن يُنكر أحاديث (حسين منّي وأنا من حسين)، (أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً) وأنّ حرب أهل بيته حرب لله ولرسوله! وهل حرق البيت دون الحرب؟!

ويرد حديث سيادة الحسنينعليهما‌السلام من طُرُق كثيرة عن أهل البيتعليهم‌السلام تنتهي بأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ؛ وعمر بن الخطّاب! وابنه عبد الله بن عمر، وحذيفة بن اليمان، وأبي سعيد الخُدْري!، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبي هريرة، وأسامة بن زيد، ومعاوية بن قُرّة، عن أبيه.

وكان ممّا احتجّ به سيّد المسلمين والمؤمنين عليّعليه‌السلام يومَ الشورى، قال: (فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة،

____________________

(١) المصنّف، لعبد الرزّاق ٤: ٣٣٥ / ٧٩٧٩.

(٢) الذريّة الطاهرة، للدولابي (ت ٣١٠ هـ): ١٢١ / ١٣٦.

٢٠٥

غيري؟) قالوا: أللّهم لا.

والمناشدة طويلة ناشدهم الله بفضائله وما اختصّه الله تعالى ورسوله به، وهم يقولون: نعم، فلم يردّوا عليه واحدة! ولـمـّا كنّا ذكرنا احتجاجهعليه‌السلام بسيادة ولديه عليهم وعلى أهل الجنّة؛ فقد احتجّ بسيادة زوجته فاطمةعليها‌السلام قال: (فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء أهل الجنّة، غيري؟) قالوا: أللّهم لا.

وقد ذكره المناشدة جمع من الحفّاظ، فذكر بعضهم شطراً منها، كما في الاستيعاب ٣: ٣٥، ميزان الاعتدال، لسان الميزان ٢: ١٥٧، تهذيب الكمال ٣: ٣٠٤، كفاية الطالب: ٣٨٦، المناقب، للخوارزميّ: ٣٠١؛ من طريق أبي ذرّ.

وذكرها بطولها الجويني في مصنّفه: فرائد السمطين ١: ٣١٩، الباب الثامن والخمسون، حديث ٢٥١، ذكرها عبدالرحمن بن أبي ليلى. ومن طرق عدّة ذكرها عامر بن واثلة الصحابيّ. ذكرها جميعاً ابن عقدة (ت ٣٣٢ هـ) في كتاب الولاية: ١٦٣ - ١٧٨، وكذلك الفقيه الشافعيّ ابن المغازليّ في كتابه: مناقب الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام: ١١٢ - ١١٨، حديث ١٥٥. وابن مردويه في مناقب الإمام عليّعليه‌السلام : ١٣٠ - ١٣٢.

ولقد سمعت قول أمير المؤمنين عليّ في الحسن والحسينعليهم‌السلام ، ولنسمع من غيره: ذكر ابن أبي شيبة بسنده عن حذيفة قال: أتيتُ النبيّ فصلّيت معه المغرب ثمّ قام يصلّي حتّى صلّى العشاء ثمّ خرج فأتبعته فقال: (مَلَك عرَضَ لي استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)(١) .

____________________

(١) المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥١٢ / ٤.

٢٠٦

وابن أبي شيبة، أيضاً، بسنده عن أبي سعيد الخُدْريّ قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)(١) .

ويرد حديث سيادة الحسنينعليهما‌السلام مع استثناء، إلّا أنّه لم يكن لكهول الجنّة حيث لا هرم ولا كهولة فيها. أخرج يعقوب بن سفيان بسنده عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة إلّا ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريّا)(٢) . فلا ينقص من منزلتهماعليهما‌السلام ! فكلّ ونظيره، ولذا يوم المؤاخاة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضم المثل إلى مثيله فآخى بين عمر وأبي بكر و...، وأبقى نفسه لعليّ فآخى بينه وبينه وقال له: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى)، فنبيّ ووصيّ أخوان كما نبيّ ووصيّ نبيّ أخوان! ومريم وفاطمةعليهما‌السلام أختان، وعيسى ويحيىعليهما‌السلام نبيّان مكرّمان، فكلّهم سادة مطهّرون معصومون.

مصادر الحديث: أمّا المصادر التي حفلت بحديث (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة)، فمن الوفرة، هذه طائفة منها:

المصنّف، لابن أبي شيبة - ذكرناه -، مناقب الإمام عليّ، لابن مردويه: ١٣١، المعجم الكبير، للطبرانيّ ٣: ٣٢ / ٢٥٨٦ وفيه: (...، الحسن والحسين سبطان من الأسباط)، وهو في مسند أحمد ٤ / ١٧٢ والبخاري في الأدب المفرد (٣٦٤) والتاريخ الكبير، له (٤ / ٢ / ٤١٤ - ٤١٥) والترمذيّ (٣٨٦٤)، سنن ابن ماجة (١٤٤)، صحيح ابن حبّان (٢٢٤٠)، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٧٧، وأماكن أخرى؛ المعجم الكبير، للطبراني (وليس فيه لفظ سبطان وإنّما اقتصر على سيّدي شباب أهل الجنّة) ٣: ٣٥ -

____________________

(١) المصنّف، لابن أبي شيبة ٧: ٥١٢ / ٣.

(٢) المعرفة والتاريخ، يعقوب بن سفيان (ت ٢٧٧ هـ) ٣: ١٩.

٢٠٧

٣٩ ح ٢٥٩٨ - ٢٦١٨، فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٣: ٦٦، مجمع الزوائد ٩: ١٧٥ ومواضع أخرى، موارد الظمآن، للهيثمي: ٥٥١، الخصائص، للنّسائي: ٢٥٥ - ٢٥٧، وغيره، الفضائل، لأحمد: ١٣٦٠، تهذيب الكمال ٦: ٤٠١، وموارد أخرى؛ تاريخ بغداد ٤: ٢٠٧ و ١: ١٤٠ و ٢: ١٨٥ و ٦: ٣٧١ و ٩: ٢٣١ و ١٢: ٤، حلية الأولياء ٥: ٧١، مناقب أميرالمؤمنين، للكوفيّ ٢: ٤٨ ح ٧٠٣ و ٧١٩ و ٢٢٨ و ٧٣٣ و ٧٤٠ و ٧٤١؛ مشكل الآثار: ٢ / ٣٩٣ / ١٩٦٧، أنساب الأشراف ٣: ٢٦٨ ومواضع أخرى، تفسير الثعلبي ١: ١٤٧، معجم الصحابة، للبغوي ٢٢: ٤٢، صحيح مسلم حديث ٢٤٢٤، تفسير الطبري ٢٢: ٦٧، سير أعلام النبلاء ٣: ٢٨٢، فرائد السمطين حديث ٤١٤ و ٤١٥، أسد الغابة ٢: ١٩، الاستيعاب ١: ٣٧٦، نور الأبصار: ٢٣١. وذكره ابن عساكر من طرقه المتعدّدة(١) ، منها رواية ابن عباس أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني)(٢) .

فهل تحريق البيت عليهم عن ولَعِ حبّ، أم عن بغض...؟!

عن سلمان المحمّديّ قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الحسن والحسين من أحبّهما أحببته، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنّم، وله عذاب مقيم)(٣) .

وأيّ بغي أكثر من حرق البيت عليهم، وأين هذا الخروج من خروج ذي

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٧: ١١٨ - ١١٩.

(٢) نفس المصدر السابق: ١١٨.

(٣) نفس المصدر السابق: ١٢١.

٢٠٨

الخُوَيْصرة الذي قال جملةً فيها تنقيص لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذو الخويصرة لم يكن متيّماً بذي الأستاه ابن هند، فلم يصفه بما وصفه عمر:

هشام الكلبيّ، والمدائني، قالا: كان عمر يرى معاوية فيقول: هذا كسرى العرب(١) . ودرّة عمر يضرب بها المثل! إلّا ابن هند! فبه وصل عمر الرحم بأبي سفيان إذ جعله على الشأم بعد هلاك يزيد بن أبي سفيان.

وابن هند كسرى العرب بوصف عمر، يعترض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يقال عنه: خارجيّ مثلما قيل عن ذي الخويصرة النجديّ لاعتراضه على النبيّ بجملة!

البلاذريّ بسنده عن الزهريّ قال: أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً فشكر وأثنى، فقال: (ولكنّ أبا سفيان أعطي فلم يثن ولم يشكر)، فبلغ ذلك معاوية فقال: إنّ أبي يرى له حقّاً على الكرام!(٢)

نهاية كسرى العرب!

كان لزاماً أن يكون هذا في موضع آخر، وبالتحديد في انتقام الله تعالى ممّن أراد سوءاً بالبقاع المقدّسة المباركة وذكرنا جمعاً منهم؛ ولا بأس كثيراً بذكره.

البلاذريّ: حدّثني هشام بن عمّار(٣) عن الوليد بن مسلم(٤) قال: جامَعَ معاوية جارية له خراسانيّة ثمّ حُمّ من يومه فمات من مرضه ذلك(٥) .

____________________

(١) أنساب الأشراف ٥: ١٥٥.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) هشام بن عمّار الدمشقيّ: صدوق. تاريخ الثقات، للعجليّ: ٤٥٩ / ١٧٤١. ووثّقه ابن معين، وقال الدار قطني: صدوق كبير المحل. (التهذيب ١١: ٥٢).

(٤) الوليد بن مسلم: (الدمشقي) ثقة. تاريخ الثقات: ٤٦٦ / ١٧٧٨.

(٥) نفس المصدر السابق.

٢٠٩

خرجنا عن موضوعنا قليلاً، مع صلته به! وهو الخروج على الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيّهعليه‌السلام ، والأمر بقسرِ الوصيّ على البيعة وأخذه على ذلك أخذاً عنيفاً وتحريق البيت على من فيه وصار بنا الكلام إلى سيادة الصدّيقة الطاهرة فاطمةعليهما‌السلام ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيادة ولديها إبنا رسول الله بحكم آية المباهلة وأحاديث النبيّ في ذلك. والآن، الحديث عن سيادة صاحب البيت، وسيادته ثبتت أثبتها الله عزّوجلّ، له في آية الولاية فهو وليُّ المؤمنين بعد الله ورسوله، ولا تكون الولاية هذه إلّا وهو سيّد لا مطعن فيه، وإلاّ حاشا لله تعالى أن يختار مسوداً مفضولاً! عضد ذلك ونهض به آية التطهير الظاهرة في العصمة وهي في أهل البيت الذي أريد له الإحراق، ويقوّي المعنى حديث الكساء إذ لم تشرك امرأة إلّا فاطمة ومن الذكور فهم عليّ والحسن والحسين، وضمّ رسول الله نفسه الزكيّة إليهم؛ والتحق بركبهم جبريل. وجرى الكلام مقتضباً عن المؤاخاة إذ توسّعنا فيه في مكان آخر وآية المباهلة: من النساء فاطمة، ومن الذكور عليّ والحسن والحسين، و... و...! فهو عين السيادة وإن رغمت أنوف! ولكن ننظر إذ لا غرابة أنّ كلّ ذلك مع التنصيب يوم الغدير أميراً ووالياً للمؤمنين لا لغيرهم! مع مجريات اليلة الرزيّة فتُصادر كلّ هذه وأحاديث جمّة في الولاية، ويصار إلى أمر النبيّ لأبي بكر أن يصلّي بالناس إذ هو مريض ثمّ يقطع عليه صلاته فيؤمّهم من حيث انتهى فيكون ذلك أمارةً على حقّ أبي بكر بالخلافة، فمن أبي فقد قتل!

وطرقه تنتهي بأميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام ، ابن عبّاس، أبو ذرّ، جابر، أنس، عمّار، أبو رافع، مجاهد، عبد الله بن أسعد بن زرارة، عمران بن حصين، أبو سعيد الخدريّ.

عن عمران بن حصين أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمةعليها‌السلام :

٢١٠

(لقد زوّجتك سيّداً في الدنيا وسيّداً في الآخرة، فلا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق)(١) .

فكيف بمن أمر بأخذه بأعنف العنف! وبمن حمل الحطب ليحرق البيت عليه وعلى زوجته وولده، وتوجد روايات أنّ الباب احترقت.

وعن ابن عبّاس: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة: (إنّ الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر زوجك)(٢) .

وبسند عن أنس بن مالك، قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا أنس اسكب لي وضوءاً). قال فعمدت فسكبت للنبيّ وضوءاً ثمّ عدت إليه فأخبرته، فخرج فتوضّأ ثمّ عاد إلى البيت إلى مجلسه، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال: (يا أنس، أوّل من يدخل علينا أمير وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين).

قال أنس: فقلت بيني وبين نفسي: أللّهم اجعله رجلاً من قومي. قال: فإذا باب الدار يضرب فخرجت ففتحت فإذا عليٌّ دخل، فرأيت رسول الله حين رآه وثب على قدميه مستبشراً، فلم يزل قائماً وعليٌّ يمشي حتّى دخل عليه البيت واعتنقه رسول الله، فرأيت رسول الله يمسح عرق وجهه بكفّه، فيمسح به وجه عليّ، ويمسح عرق وجه عليّ بكفّه فيمسح به وجه نفسه، فقال عليٌّ: (يا رسول الله لقد صنعت بي شيئاً ما صنعته بي قطُّ)، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (ما يمنعني وأنت وصيّي وخليفتي والذي تبيّن لهم الذي يختلفون فيه بعدي وتسمعهم صوتي)(٣) .

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٤١.

(٢) نفس المصدر السابق. (هل يعقل أن يخالف رسول الله ما اختاره الله تعالى؟!)

(٣) مناقب أميرالمؤمنين، للكوفي ١: ٣٧٠ /، حلية الأولياء ١: ٦٣، تاريخ دمشق ٢: ٢٥٩، ط ٢، المناقب، للخوارزميّ الحنفيّ: ٤١، مناقب سيّدنا عليّ، للعيني: ٦١، ذخاةر العقبى: ٧٠.

٢١١

وقد ذكر ابن مردويه ثلاثة عشر حديثاً نبويّاً في سيادة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مقرونة بإمرة المؤمنين، وأخرى وليّ المتّقين؛ وخير الوصيّين، وأخرى خاتم الوصيّين؛ مع كونه الصدّيق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل(١) .

إنّ مثل هذا الفعل المشين ينمّ عن بُغض دفين لم يجرؤوا أن يظهروه في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، وله أكثر من سبب تظهر لنا من خلال سيرنا في البحث وقد ورد من طرق عدّة قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يحبّ عليًّا منافق، ولا يبغضه مؤمن)(٢) . ويرد بألفاظ عدّة كلّها بمعنى: حبّ عليّ إيمان وبغضه نفاق. فأين يكون مبغض عليّ؟

قال القاضي ابن أبي يعلى الحنفيّ: سمعت محمّد بن منصور يقول: كنّا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله! ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أنّ عليًّا قال: (أنا قسيم النار)؟ فقال أحمد: وما تنكرون من ذا؟ أليس رَوَينا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ:

____________________

(١) مناقب عليّ بن أبي طالب، لابن مردويه: ٥٨ - ٦٤ حديث ٢٠ - ٣١.

(٢) المصنّف، لابن أبي شيبة: ٧ / ٥٠٥ / ٦٤، مسند أحمد ١: ٨٤، فضائل الصحابة، لأحمد: ١٤٣ / ٢٠٨، صحيح مسلم ١: ٨٦ ح ١٣١، صحيح الترمذيّ ٢: ٣٠١، المستدرك على الصحيحين ٣: ١٢٩، سنن النسائيّ - في الإيمان - ١١٧٨، مسند أبي يعلى: ١ / ٢٥١ / ٢٩١، كتاب الولاية، لابن عقدة: ١٧٤، سنن ابن ماجة - المقدّمة: ١١٤، المعجم الأوسط، للطبراني ٥: ٨٩ / ٤١٦٣، معجم الصحابة، للبغويّ الشافعيّ ١٤: ١١٤ / ٣٩٠٩، مسند الحميدي ١: ٣١ ح ٥٨، أنساب الأشراف ١: ٣٥٠، المحاسن والمساوئ، للبيهقيّ ١: ٢٩٠، تذكرة الخواصّ، لسبط ابن الجوزيّ: ١٥، حلية الأولياء ٦: ٢٩٤، تاريخ بغداد ٢: ٢٥٥، تفسير الحبريّ: ٣٥٠، مناقب الإمام عليّ، لابن المغازليّ: ١٣٧، مناقب أميرالمؤمنين، للكوفيّ ٢: ٣٤٢ / ٩٧٥ و ٩٩٠ و ٩٩١، بشارة المصطفى، للطبريّ: ٦٤ و ٧٦ وغيرها، كشف الأستار، للبزّاز ٣: ١٩٩، مجمع الزوائد ٩: ١٣٣، معرفة علوم الحديث، للحاكم: ١٨٠، شرح السنّة، للبغويّ ١٤: ١١٤ / ٣٩٠٩، أمالي الطوسيّ ح ٣ من المجلس ٢٨، الشفا: ٣١، الصواعق المحرقة: ٧٥، فضائل الإمام عليّ، لابن مردويه: ١١٥ ح ١٣٨، مختصر تاريخ دمشق ١٨: ١٥، الاستيعاب ٣: ٤٦ و ٤٧، تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٣: ٦٣٤، الإرشاد، للمفيد: ٣٩، الرياض النضرة ٢: ٢١٤، كفاية الطالب: ٦٩، تفسير فرات: ١١٥....

٢١٢

(لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق)؟ قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة، قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار، قال: فعليّ قسيم النار(١) .

يبدو أنّ القوم كانوا في سِنَةٍ أو غفلة الشيطان التي تعتريهم! وقد أقرّوا بهذا، ولكن الإصرار مُشْكل! مع علم أبي بكر أنّ على الصراط عقبة لا يجوزها إلّا بجواز من عليّ! الحسن بن أبي الحسن البصريّ عن أنس بن مالك، عن أبي بكر، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: (إنّ على الصراط لَعَقَبَةٌ لا يجوزها أحدٌ إلّا بجواز من عليّ بن أبي طالب)(٢) .

والعبّاس بن بكّار، عن عبد الله بن المثنّى، عن عمّه ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أبيه عن جدّه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إذا كان يوم القيامة ونصب الصّراط على شفير جهنّم، لم يجز إلّا من معه كتاب ولاية عليّ بن أبي طالب)(٣) .

والأحاديث في هذا الباب من الكثرة بمكان فمن بلغه ذلك ثمّ جفاه وعاداه، كان حقّاً أن تزلّ به القدم فيتردّى في جهنّم.

ويثور أكثر من سؤال: لمَ اختُصّ سيّدهم ووليّهم وإمامهم بهذا اللون من الخروج وفي تلك اللحظة الحرجة؟! صحيح إنّ الأنصار ابتلوا واعتدي على سيّدهم ولكن كفّ عنه حتّى انتهى الأوّل وجاء الثاني فحدث لسعد الذي حدث.

إنّ دعوى تقديم النبيّ لأبي بكر ليصلّي بالناس في مرضه فصلّى نصف صلاة ثمّ جاء النبيّ فأمّهم من حيث انتهى، أمارة على تقديمه في الخلافة وإلغاءً للقرآن الكريم

____________________

(١) طبقات الحنابلة، للقاضي ابن أبي يعلى ١: ٣٢٠، كفاية الطالب.

(٢) تاريخ بغداد ١٠: ٣٥٧.

(٣) مناقب الإمام عليّ، لابن المغازلي: ٢٤٢، ميزان الاعتدال ١: ٢٨ حديث ٧٥، لسان الميزان ١: ٥١، حلية الأولياء ١: ٢٤١، ينابيع المودّة: ١١٣ - ١١٤.

٢١٣

وزخّ الأحاديث في تنصيب عليّ وليّاً وإماماً وخليفة له ما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فرغنا من ذلك فنقول:

وإنّ دعوى الإجماع على بيعته - أبي بكر - باطلة، قعد عنه عليّعليه‌السلام ، ولم يبايع حتّى توفّيت الصدّيقة الزهراء مغصوبة إرثها من أبيها في (فدك) وغير فدك وعند الله الملتقى وحينها يخسر المبطلون.

وعليّ مع الحقّ والحقّ معه، وهو مع القرآن والقرآن معه؛ فلو قعد لوحده كان أمّةً نقضت الإجماع.

وقد علمنا موقف الأنصار، فكيف كانت إجماعاً؟!

وكان اثنى عشر رجلاً قد تصدّوا لأبي بكر أنكروا عليه وحاجّوه وهو على المنبر يوم الجمعة، وهم: سلمان المحمّديّ، وأبوذرّ الغفاريّ، والمِقْداد بن الأسود الكنديّ، وعمّار بن ياسر، وبُريدة الأسلميّ، وخُزيمة بن ثابت الأنصاري - ذو الشهادتين -، وأبو الهيثم مالك بن التَّيِّهان، وسهل بن حُنيف، وعثمان بن حُنيف، وأبو أيّوب الأنصاريّ، وخالد بن سعيد بن العاص.

وكان خالد بن سعيد وإخوته يعملون للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فخالد عامل النبيّ على صدقات اليمن، وأخوه أبان بن سعيد عامل رسول الله على البحرين، وأخوهما عمرو بن سعيد عامل النبيّ على تَيماء وخبير؛ فلمّا استولى أبوبكر على الأمر، رجعوا فسألهم: لم رجعتم عن أعمالكم؟ قالوا: لا نعمل بعد رسول الله لأحد، وكان ميلهم إلى بني هاشم. ولم يبايع خالد وغيره حتّى بايع عليّ وبنو هاشم! وانجفلت كثير من القبائل عن قول بيعة أبي بكر ومنعته صدقاتها؛ وكانت قبائل أسد، وفَزارة تقول: لا والله لا نبايع أبا الفَسيل أبداً يعنون أبا بكر(١) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٤٨٥، الفتوح، لابن أعثم ١: ١٤. والفصيل: ولد الناقة أو البقرة إذا فُصل عن أمّه.

٢١٤

ولمّا رأى أبوبكر أنّ جلّ القبائل قد أقامت على الإسلام إلّا أنّها منعت الزكاة، عزم على محاربتها، فقال أصحاب رسول الله لأبي بكر: اقبل منهم. فقال: (لو منعوني عِقالاً ممّا أعطَوا رسول الله لقاتلتهم).

دستور أبي بكر لقائد جيشه

ثمّ إنّ أبا بكر جمع جيشاً وجعل أمرهم إلى خالد بن الوليد المخزوميّ، وأمره أن يسير أوّلاً إلى بني أسد، وأمره أن يقاتل مَن عارضه أشدّ القتال، ثمّ لم يترك أحداً قدر عليه إلّا أحرقه بالنار إحراقاً، وأن يسبي الذراري والنساء والأموال!...، وعملاً بما أمر به أبوبكر جمع خالد عدداً من بني سليم فجعلهم في حظائر ثمّ أضرم عليهم النار(١) .

أمّا طليحة الذي قاتل وقتل من المسلمين وفرّ إلى الشام، فقد عفى عنه أبوبكر وقبل بيعته عمر. فحال طليحة حال الأشعث بن قيس لدى أبي بكر.

لم نخض في تفاصيل مسيرة خالد المشينة إذ وجد القوم يصلّون! ولا ينكرون شيئاً من إسلام محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا تلك الآفة الكبرى: إنكارهم خلافة صاحبه. وقد عرضنا تفاصيل ذلك في محلّ آخر بما فيه قتله للرجل الصالح (مالك بن نُويرة) رحمه الله، ودخوله بزوجته ليلة قتله. وإنّما ذكرنا الخبر بهذا الاختصار دليلاً على تكذيب الإجماع المنعقد على بيعة أبي بكر.

شجاعة القوم في مواجهة عليّعليه‌السلام

مضينا مع كتب المغازي والسّير، والتاريخ والتفسير والتراجم؛ فما وجدنا للاثنين

____________________

(١) تاريخ خليفة: ٦٤ - ٦٧، تاريخ الطبري ٢: ٤٥٦ - ٤٩٤، الفتوح، لابن أعثم ١: ١ - ١٩.

٢١٥

حظّاً في مبارزة بطل، فضلاً عن جرحه أو قتله، إلّا في موضع ذلك إذا جيء بأسير إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نهض عمر فقال: دعني أقتله يا رسول الله، ولم يحقّقصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له طلبه في كلّ مرّة! فإمّا أن يُفادي بالأسير، وإمّا أن يدفعه إلى عليّعليه‌السلام فيقتله! فتأمّل.

ويوم خيبر إذ امتحنكم الله ورسوله، فكان عليكما عسيراً! فيومها شاء الله أن يحقّ حقّاً فكان عليّعليه‌السلام أرمد العينين، فأعطى النبيّ الراية إلى أبي بكر فمضى بها ورجع هارباً يجبّن أصحابه ويجبنّه أصحابه، فأخذها فأعطاها المحرّق عمر بن الخطّاب فمضى مثل صاحبه ورجع هارباً يجبنّ أصحابه ويجبنّه أصحابه! فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: (سأعطي الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله رسوله؛ كرّار غير فرّار، يفتح الله على يديه).

فباتوا ليلتهم كلّهم يرجونها، فلمّا كان الغد قال رسول الله: أين عليٌّ؟ فجيء به لا يبصر تحت قدميه، فوضعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ريق فمه على عينيه فشفيتا. ثمّ أعطاه الراية فأخذها ومضى بها يهرول! حتّى ركزها في أُطَم عند حصنهم وخرج إليه بطل اليهود (مَرْحَب)، وكما هو معهودٌ منه ضربه على رأسه ضربةً قدّت البيضةَ والمغفر وفلقت رأسه ونبت السيف بين أسنانه، فقطّره. ثمّ عمد إلى باب من أبواب حصن اليهود فتناوله وترّس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يُقاتل حتّى فتح الله عليه، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ. قال أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلقد رأيتني في نفر سبعةٍ أنا ثامنهم نَجْهد أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه(١) .

____________________

(١) ابن إسحاق (ت ١٥٠ هـ) في (سيرة ابن هشام ٣: ٣٤٩ - ٣٥٠)، المغازي، للواقديّ (٢٠٧ هـ) ٢: ٦٥٤ - ٦٥٧، مسند أبي داود الطيالسيّ (٢٠٤): ٣٢٠، مسند أحمد ١: ١٨٥، ٤: ٥٢؛ طبقات ابن سعد ٢: ١١١، ٣: ٢٤، ٢٥؛ صحيح البخاري ٥: ٢٢، ٣٣، صحيح مسلم ٤: ١٨٧١ و ١٨٧٢ و ٧: ١١٩، كتاب الولاية، لابن عقدة: ١٦٩، الجامع الصحيح، للترمذيّ ١٣: ١٧١، الروض الأنف، للسهيلي ٢: ٢٢٩، سنن ابن ماجة ١: ٤٥، خصائص أميرالمؤمنين، للنسائيّ: ٧، عُمدة القاري ١٦: ٢١٦، تاريخ الطبريّ ٢: ٣٠١، تاريخ بغداد ٨: ٥، المناقب، لابن المغازلي:

٢١٦

ولنغادر (بدر) التي ميزانٌ في معرفة أحوال المؤمنين، فتراهم يقولون: بَدْريّ عقبيّ شهد أُحُد والخندق وخيبر والمغازي بعدها. ويومَ بَدْر هتف الملَك ببسالة عليٍّ (لا سيف إلّا ذوالفَقَار لا فتى إلّا عليّ).

وأعاد الملك هتافه هذا يوم أحد، وما أدراك ما أحد! ومع كلّ ما يحسد عليه عليّعليه‌السلام ، وحقّ لهم أن يحسدوه، فلا جوائزه تنقطع من الله ومن رسوله، ولا يتصدّق أو يطعم هو وزوجه وابناه، إلّا ينزل فيه بيان يتلى في المحاريب وقد حاول غيره أن يصنع مثل صنيعه لعلّه ينزل فيه مثل الذي نزل في حقّ هذا البيت الكريم، فلم يؤتى، وإنّما الأعمال بالنيّات، ويجزي الله الصادقين بصدْقهم. وقبل أن نرحل عن بدر: فقد ذكروا أنّ قتلى المشركين خمسون رجلاً، وفي قول: سبعون رجلاً(١) .

وكان حصّة فتى الإسلام وسيفه المسلول ذي الفقار سبعة وعشرين من أبطال الجاهليّة، وشارك عمّه حمزةعليه‌السلام في قتل ثلاثة(٢) .

فوتر بني عبد شمس، وبني أبي سفيان بن حرب بن أميّة(٣) ، وبني العاص بن أميّة،

____________________

١٧٦ - ١٨٩، المناقب، للخوارزميّ: ١٢٥، حلية الأولياء ١: ٦٢، مجمع الزوائد ٩: ١٢٤، المستدرك على الصحيحين ٣: ٣٨، تاريخ الإسلام، للذهبيّ ٢: ١٩٤، الاستيعاب ٣: ٢٣، تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨٥، تذكرة الخواصّ: ٣٢، كفاية الطالب: ٩٨، المعجم الكبير ٦: ٥٨١٨، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩: ٤٣، أسد الغابة ٤: ٩٨، الإصابة ٢: ٥٠٨، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٤٤، تهذيب التهذيب ٣: ٢٣٧ و ٧: ٤٨، ميزان الاعتدال ١: ٢٦٣، لسان الميزان ٢: ٣٢٤، البداية والنهاية ٤: ١٨٨، صبح الأعشى ١٠: ١٧٤، أنساب الأشراف ٢: ٣٤٧.

(١) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ٣٧٢ - ٣٧٤، والقول الأوّل، لابن إسحاق (١٥٠١ هـ).

(٢) السيرة النبويّة، لابن هشام ٢: ٣٦٦ - ٣٦٩ و ٢٩٨ و ٣٧٢، المغازي، للواقديّ ١: ١٤٨ - ١٥٢، طبقات ابن سعد ٢: ١٧ و ٥: ٣١، المحبّر، لابن حبيب: ١٧٥ - ١٧٦، الإرشاد، للمفيد: ١٦٠ - ١٦٣، النسب، لابن سلاّم: ٢٠٥ - ٢٠٦ و ٢١٠، أنساب الأشراف ١: ٣٥٥ - ٢٥٩، تاريخ الطبريّ ٢: ١٤٨، الثقات، لابن حبّان ١: ٦٥.

(٣) فرّقنا بين بني أبي سفيان بن حرب بن أميّة وبين عبد شمس لـما يرد من أنّ أميّة إنّما هو عبدٌ لعبد شَمس فتبنّاه فصار يُعرَف به.

٢١٧

وبني أسد بن عبد العزّى؛ فهو بهذا وتر بني العوّام(١) ، وبني عبد الدار، وبني تيم قوم طلحة وعائشة وأبي بكر، قتل عمّ طلحة وأبي بكر؛ وبني المغيرة بن مخزوم - في جمع منهم أخو خالد بن الوليد وعمّه وابن عمّه -، وبني مُعَيْط، وبني جُمَح، وبني سَهْم.

وهذه البيوتات هي التي تظافرت فناهضت أمير المؤمنينعليه‌السلام كلّ بحسبه، فمنهم من خرج عليه فسلبه حقّه وفتح باب الخروج لمن جاء بعده، فتحمّل وزره ووزر غيره وأمامه العقبة ولن يجيزها إلّا بجواز من عليّ، ولن يجيزه عليّ حتّى يرضى الله تعالى، ولن يرضى الله سبحانه وقد خرج على كتابه وسنّة نبيّه وآذى وليّه.

ومنهم من افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووضع الأحاديث لينال من وليّ الله وحجّته، ويرفع من مقام أعدائه.

ومنهم من حاربه وأراق الدماء الفوّارة في ذلك، وعليّ يغوص لهوات الوقائع لا تلين قناته وهو القائل: (والله لو تظاهرت العرب كلّها على قتالي منفرداً لـما ولّيت هارباً!) وكانت صفّين، ودعنا من رفع ابن هند، وابن النابغة، وبُسر بن أبي أرطاة أرجلهم كاشفين سواد عوراتهم أمام صولات أبي الحسن، فكانت عوراتهم وسيلة نجاتهم.

ليلة الهرير

لسنا في مقام الحديث عن كيفيّتها وإنّما لنعرف عدد الأبطال الذين ليس في القوم المحرّقين واحد يعدل واحداً من أولئك الذين قطّرهم أمير المؤمنين عليّ أبو الحسنين في

____________________

(١) ولنفس العلّة السابقة فرّقنا بين بني أسد وبني العوّام، فإنّما العوّام من عبيد مصر قبطيّ تبنّاه خويلد في سفر له إلى مصر فصار يسمّى به. وسنذكر بشكل موسّع في غير هذا الموضع هذه المطالب.

٢١٨

ليلة واحدة، هل يصل عددهم عشرين أم يزيد؟ فإذا كان كذلك فما السرّ في جرأة القوم على ما فعلوا؟

قتلاهعليه‌السلام ليلة الهرير

حمل في سواد الليل وحملت معه الناس فكلّما قتل بيده رجلاً من أهل الشأم كبّر تكبيرةً حتّى أحصي له خمسمائة تكبيرة وثلاث وعشرون تكبيرة؛ في كلّ تكبيرة له قتيل.

عن جابر بن عمير الأنصاريّ ممّن شهد صفّين قال: لا والله الذي بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحقّ نبيّاً، ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده ما أصاب، إنّه قتل فيما ذكر العادّون زيادةً على خمسمائة من أعلام العرب؛ يخرج بسيفه منحنياً فيقول: معذرةً إلى الله عزّ وجلّ وإليكم من هذا! لقد هممتُ أن أصقله ولكن حجزني عنه أنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول كثيراً: (لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ) وأنا أقاتل به دونه، فكنّا نأخذه فنقوّمه ثمّ يتناوله من أيدينا فيقحم في عرض الصفّ فلا والله ما ليث أشدّ نكايةً منه في العدوّ، رحمة الله عليه رحمةً واسعة(١) .

فمن هذا بعض أمره؛ كيف سكت على ما كان من القوم، وما الذي جرّأ هؤلاء على فعلتهم الشنيعة؟

والجواب باختصار: إنّها الوصيّة. فكما أوصىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأنصار بالصبر على ما سيرونه بعده من الأثرة، فكذلك أوصى وصيّه بالصبر على ما سيلقاه من القوم حياطة على حرمة الإسلام.

عن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمرّ بحديقة فقال عليّ: (يا

____________________

(١) وقعة صفّين، لنصرهم بن مزاحم (٢١١ هـ): ٤٧٧ - ٤٧٨.

٢١٩

رسول الله، ما أحسنَ هذه الحديقة!) قال: (حديقتك في الجنّة أحسن منها)، ثمّ وضع النبيّ رأسه على إحدى منكبي عليّ فبكى! فقال له عليّ: (ما يبكيك يا رسول الله؟) قال: (ضغائنٌ في صدور أقوام لا يبدونها لك حتّى أفارق الدنيا). فقال عليّ: (فما أصنع يا رسول الله؟) قال: (تصبر)، قال: (فإن لم أستطع؟) قال: (تلقى جهداً). قال: (ويسلم لي ديني؟) قال: (ويسلم لك دينك)(١) .

إذاً: فعليٌّ موصّىً والقوم يعلمون كما علم معاوية بأنّ الأنصار عندهم وصيّة من رسول الله وعليهم الصبر، فما زاده إلّا عُتوّاً وما زاده إلّا إنتهاكاً للحرمات وكلّ يقفو إثر من سبقه في إستباحة الحرمات.

وروى الزبير بن بكّار قال: روى محمّد بن إسحاق:

أنّ أبابكر لـمّا بويع افتخرت تَيْم بن مرّة.

قال: وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنَّ عليًّا هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الفضل بن العبّاس: يا معشر قريش، وخصوصاً يا بني تيم ابن مرّة، إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة. ونحن أهلها ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسَداً منهم وحقداً علينا، وإنّا لنعلم أنّ عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه(٢) .

وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطّلب بن هاشم شعراً:

ما كنتُ أحسَبُ أنّ الأمر منصرفٌ

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليسَ أوّل مَن صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسُّنَن

____________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٨٠.

(٢) الموفّقيّات، للزبير بن بكّار (ت ٢٥٦ هـ): ٥٨٠ / ٣٨٠.

٢٢٠