دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ١

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: 307

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: 307
المشاهدات: 142306
تحميل: 2438


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142306 / تحميل: 2438
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 1

مؤلف:
ISBN: 964-319-354-3
العربية

المطلب الثالث

مناقشة الصحاح الستّة

إنّ أخبارهم غير صالحة للاستدلال بها على شيء من مطالبهم ؛ لأنّ منتقى أخبارهم ما جمعته الصحاح الستّة ، وهي مشتملة على أنواع من الخلل ، ساقطة عن الاعتبار ألبتّة ؛ لأمور :

الأمر الأوّل

[ كيفيّة جمعها ]

إنّهم ذكروا في كيفيّة جمعها وفي جامعيها ما يقضي بوهنها.

ذكر ابن حجر في « تهذيب التهذيب » بترجمة سويد بن سعيد الهروي ، أنّ إبراهيم بن أبي طالب قال لمسلم : كيف استجزت الرواية عن سويد [ في الصحيح ]؟! قال : ومن أين [ كنت ] آتي بنسخة حفص بن ميسرة؟!(١) .

ومثله في « ميزان الاعتدال »(٢) .

فهل ترى أنّ هذا عذر في الرواية عن الضعفاء؟! وهو يدّعي أنّه

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٥٦١.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٧.

٤١

لا يروي في صحيحه إلّا عن ثقة! فيكون غارّا(١) خائنا ، فيسقط كتابه عن الاعتبار!

ونقل الذهبي في ( الميزان ) بترجمة أحمد بن عيسى بن حسّان المصري ، أنّ أبا زرعة ذكر عنده صحيح مسلم فقال : « هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه ، فعملوا شيئا يتشرّفون(٢) به.

وقال : يروي عن أحمد بن عيسى في ( الصحيح ) ما رأيت أهل مصر يشكّون في أنّه ـ وأشار إلى لسانه ـ »(٣) .

وذكر ابن حجر بترجمة عمرو بن مرزوق ، أنّ الأزدي قال : « كان عليّ ابن المديني صديقا لأبي داود ، وكان أبو داود لا يحدّث حتّى يأمره عليّ ، وكان ابن معين يطري عمرو بن مرزوق ويرفع ذكره ، ولا يصنع ذلك بأبي داود لطاعته لعليّ »(٤) .

وهذا يدلّ على أنّ اعتبارهم للرجال تبع للهوى لا للحقّ!

وذكر ابن حجر بترجمة أحمد بن صالح المصري ، أنّ الخطيب قال :

احتجّ بأحمد بن صالح جميع الأئمّة إلّا النسائي ، فإنّه نال منه جفاء في مجلسه ، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما.

وقال العقيلي : كان أحمد بن صالح لا يحدّث أحدا حتّى يسأل عنه ، فجاءه النسائي ، فأبى أن يأذن له ، فشنّع عليه(٥) . انتهى ملخّصا.

__________________

(١) الغارّ ، اسم فاعل من : غرّه يغرّه غرّا وغرورة وغرّة : خدعه وأطمعه بالباطل ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٤١ مادّة « غرر ».

(٢) في المصدر : يتسوّقون.

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ٢٦٩.

(٤) تهذيب التهذيب ٦ / ٢٠٨ باختلاف يسير.

(٥) تهذيب التهذيب ١ / ٧١.

٤٢

وذكر ابن حجر بترجمة ابن ماجة محمّد بن يزيد بن ماجة ، أنّ في كتابه « السنن » أحاديث ضعيفة جدّا ، حتّى بلغني أنّ السريّ كان يقول : مهما انفرد بخبر [ فيه ] فهو ضعيف غالبا ووجدت بخطّ الحافظ شمس الدين محمّد بن عليّ الحسيني ما لفظه : سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجّاج المزّي يقول : كلّ ما انفرد به ابن ماجة [ فهو ] ضعيف(١) .

وذكر كلّ من الذهبي وابن حجر ـ أو أحدهما ـ في كتابيهما المذكورين ، أنّ البخاري احتجّ بجماعة في صحيحة ضعّفهم بنفسه ، كما يعلم من تراجمهم في الكتابين ، كأيّوب بن عائذ(٢) ، وثابت بن محمّد العابد(٣) ، وحصين بن عبد الرحمن السلمي(٤) ، وحمران بن أبان(٥) ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي(٦) ، وكهمس بن المنهال(٧) ، ومحمّد بن يزيد الحزامي(٨) ، ومقسم بن بجرة(٩) .

وإنّما خصّصنا البخاري بهذا لأنّه أعظم أرباب صحاحهم عندهم ، وإلّا فكلّهم على هذا النمط!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٩٩.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٤٥٩ رقم ١٠٨٥ بعنوان « أيّوب بن صالح بن عائذ » ، تهذيب التهذيب ١ / ٤٢٢ رقم ٦٥٨ ، وانظر : التاريخ الكبير ١ / ٤٢٠ رقم ١٣٤٦.

(٣) ميزان الاعتدال ٢ / ٨٧ رقم ١٣٧٤ ، تهذيب التهذيب ١ / ٥٥٦ رقم ٨٧٢.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ / ٣١١ رقم ٢٠٧٨.

(٥) ميزان الاعتدال ٢ / ٣٧٦ رقم ٢٢٩٤.

(٦) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٢٨ رقم ٥٠١٢.

(٧) ميزان الاعتدال ٥ / ٥٠٣ رقم ٦٩٨٨ ، تهذيب التهذيب ٦ / ٥٩٣ رقم ٥٨٦٦.

(٨) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٩٧.

(٩) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٨ رقم ٨٧٥٢ ولم يذكر اسم أبيه ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣١.

٤٣

بل وجدنا أبا داود كذّب نعيم بن حمّاد الخزاعي(١) ، والوليد بن مسلم مولى بني أميّة(٢) ، وهشام بن عمّار السلمي(٣) ، وروى عنهم في سننه!

وقال في حقّ صالح بن بشير : لا يكتب حديثه(٤) ، وكذا في حقّ عاصم بن عبيد الله(٥) ، وروى عنهما!

مع أنّه كان يزعم أنّه لا يروي إلّا عن ثقة! كما ذكره في « تهذيب التهذيب » بترجمة داود بن أميّة(٦) .

ووجدنا النسائي قال في حقّ كلّ من : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي(٧) وعبد الكريم بن أبي المخارق(٨) وعبد الوهّاب بن عطاء الخفّاف(٩) : « متروك » ، وروى عنهم في سننه!

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٧ / ٤٢ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٥٢٩.

(٢) ميزان الاعتدال ٧ / ١٤٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ١٧٠.

(٣) ميزان الاعتدال ٧ / ٨٦ رقم ٩٢٤٢ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٥٩.

(٤) تهذيب التهذيب ٤ / ٦.

(٥) تهذيب التهذيب ٤ / ١٤٠.

(٦) تهذيب التهذيب ٣ / ٣ رقم ١٨٣٩.

(٧) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٢٧ رقم ٥٠١١ ، تهذيب التهذيب ٥ / ١٩٨ ، وانظر : الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي ـ : ١٥٨ رقم ٣٨٠ ، وفيها : « متروك الحديث ».

(٨) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٨٨ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٢٨٠ ، وانظر : الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي ـ : ١٧٠ رقم ٤٢٢ وفيه : « متروك الحديث ».

وكان في الأصل : عبد الرحمن بن أبي المخارق ؛ وهو سهو ، والصحيح ما أثبتناه ، لاحظ المصادر المتقدّمة وغيرها من كتب الرجال.

(٩) ميزان الاعتدال ٤ / ٤٣٥ رقم ٥٣٢٧ وفيه : « متروك الحديث » ، تهذيب التهذيب ٥ / ٣٥٢ وفيه : « ليس بالقويّ » ، وانظر : الضعفاء والمتروكين ـ للنسائي ـ : ١٦٣ رقم ٣٩٥ وفيه : « ليس بالقويّ ».

٤٤

وكذا الترمذي ، قال في حقّ سليمان بن أرقم أبي معاذ البصري ، وعاصم بن عمرو بن حفص : « متروك »(١) ، وروى عنهما في سننه!

وذكروا في حقّ البخاري ومسلم ـ اللذين هما أجلّ أرباب الصحاح عندهم ، وأصحّهم خبرا ـ ما يخالف الإجماع ، وهو احتجاجهما بجماعة لا تحصى مجهولة الحال ، لرواية جماعة عنهم ، بل لرواية الواحد عنهم ، مع أنّ هذا الواحد لم ينصّ على قدح أو مدح في المرويّ عنه!

ولنذكر لك بعض من اكتفيا في الاحتجاج بخبره بمجرّد رواية الواحد عنه ، لتراجع « تهذيب التهذيب » فترى صدق ما قلناه

فمنهم : محمّد بن عثمان بن عبد الله بن موهب(٢) .

ومحمّد بن النعمان بن بشير(٣) .

فإنّ البخاري ومسلما احتجّا بهما ، ولم يرو عن كلّ منهما سوى الواحد!

ومنهم : عطاء أبو الحسن السوائي(٤) .

وعمير بن إسحاق(٥) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٣ / ٤٥٦ رقم ٢٦٠٨ وفيه : « متروك الحديث » ، وج ٤ / ١٤٣ رقم ٣١٥١.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٣١٨ رقم ٦٣٨٢ ، وانظر : الثقات ٧ / ٤١٠.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٦٣ رقم ٦٦١١ ، وانظر : الثقات ٥ / ٣٥٧.

(٤) تهذيب التهذيب ٥ / ٥٨٤ رقم ٤٧٤٥.

(٥) تهذيب التهذيب ٦ / ٢٥٣ رقم ٥٣٦٦.

٤٥

ومالك [ بن مالك ] بن جشعم(١) .

ومبارك بن سعيد اليماني(٢) .

ونبهان الجمحي(٣) .

فإنّ البخاري أخرج عنهم في صحيحه ، ولم يرو عن كلّ منهم غير الواحد!

ومنهم : قرفة بن بهيس العبدي(٤) .

ومحمّد بن عبد الله بن أبي رافع الفهمي(٥) .

ومحمّد بن عبد الرحمن بن غنج(٦) .

ومحمّد بن عبد الرحمن ، مولى بني زهرة(٧) .

ومحمّد بن عمرو اليافعي(٨) .

ونافع ، مولى عامر بن سعد بن أبي وقّاص(٩) .

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٢٢ رقم ٦٧١٠ ، وانظر : الثقات ٥ / ٣٨٢.

(٢) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٠ رقم ٦٧٢٥ وفيه : « اليمامي » بدل « اليماني » ، وانظر :الثقات ٩ / ١٩٠.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ / ٤٧٧ رقم ٧٣٧١.

(٤) تهذيب التهذيب ٦ / ٥٠٠ رقم ٥٧٢٦ ، وفيه : « العدوي » بدل « العبدي ».

(٥) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ رقم ٦٢٥٩.

(٦) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٨٣ رقم ٦٣٢٤ ، وانظر : الثقات ٧ / ٤٢٤.

(٧) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩١ رقم ٦٣٣٤.

(٨) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٥٧ رقم ٦٤٤٨ ، وانظر : الثقات ٩ / ٤٠.

(٩) تهذيب التهذيب ٨ / ٤٧٥ رقم ٧٣٦٨.

٤٦

ووهب بن ربيعة الكوفي(١) .

وأبو شعبة المدني ، مولى سويد بن مقرّن(٢) .

فإنّ مسلما احتجّ بهم في صحيحه ، ولم يرو عن كلّ منهم غير الواحد!

ولا موثّق لهم أصلا ، وليسوا من أهل زمن الشيخين حتّى يقال :

إنّهما يعرفان وثاقتهم بالاطّلاع!

نعم ، ذكر ابن حبّان بعضهم في « الثقات »(٣) كما هي عادته في مجاهيل التابعين ، فلا عبرة به ، مع أنّه متأخّر الزمان عن البخاري ومسلم ، فلا يمكن أن يعتمدا على توثيقه!

وهذا النحو كثير جدّا في الصحيحين وبقيّة صحاحهم ، وكم رووا عمّن نصّ على جهالته ، كما ستعرف أقلّ القليل منهم قريبا عند ذكر الأسماء!

وقال في « ميزان الاعتدال » بترجمة حفص بن بغيل بعد ما ذكر قول ابن القطّان فيه : « لا يعرف له حال [ ولا يعرف ] »

قال : « لم أذكر هذا النوع في كتابي ، فإنّ ابن القطّان يتكلّم في كلّ من

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ١٧٩ رقم ٧٧٥٧ ، وانظر : الثقات ٥ / ٤٨٩.

(٢) تهذيب التهذيب ١٠ / ١٤٢ رقم ٨٤٤٣ ، وانظر : الثقات ٥ / ٥٧٢.

وكان في الأصل : « المري » بدلا من « المدني » وهو تصحيف ؛ وما أثبتناه من تهذيب التهذيب ؛ وفي تقريب التهذيب ٢ / ٧٣٠ رقم ٨٤٤٣ : « المزني » وهي نسبة إلى مولاه « سويد بن مقرّن المزني الكوفي » ؛ انظر : تهذيب التهذيب وتهذيب الكمال ٨ / ٢١٨ رقم ٢٦٣٣ ترجمة سويد وج ٢١ / ٢٩١ رقم ٨٠٢٠ ترجمة أبي شعبة.

(٣) كما في الإحالات على تراجم بعضهم المارّة آنفا.

٤٧

لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل ، أو أخذ ممّن عاصره ، ما يدلّ على عدالته ، وهذا شيء كثير

ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستوون ، ما ضعّفهم أحد ، ولاهم بمجاهيل »(١) .

أي : ليسوا بمجاهيل النسب ـ وإن كانوا مجاهيل الأحوال ـ كما قال ابن القطّان.

وأنت تعلم أنّه لا يكفي في اعتبار الرجل والاحتجاج بخبره مجرّد عدم تضعيف أحد له ، بل لا بدّ من ثبوت وثاقته.

وأمّا حكمه باستوائهم فغير مستو ، بعد فرض الجهالة بأحوالهم ، على أنّه غير نافع في الاحتجاج بأخبارهم ما لم تثبت وثاقتهم.

* * *

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٢ / ٣١٧ رقم ٢١١٢ وفيه : « مستورون » بدل « مستوون ».

٤٨

الأمر الثاني

[ اشتمالها على الكفر ]

إنّ جملة من أخبار صحاحهم مشتملة على الكفر! كتجسّم الله سبحانه! وإثبات المكان والانتقال والتغيير له! وكعروض العوارض عليه من الضحك ونحوه! إلى غير ذلك ممّا يوجب الإمكان!(١)

__________________

(١) جاء في صحيح البخاري ٩ / ٢٣٢ ما لفظه : « لا تضارّون في رؤية ربّكم

فيأتيهم الجبّار بصورة غير صورته التي رأوه فيه أوّل مرّة فيكشف عن ساقه »!!

وفي صحيح مسلم ١ / ١١٥ ـ ١١٦ قريب من هذا اللفظ أيضا!

وجاء في صحيح البخاري ٦ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ح ٣٨٢ أيضا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لقد عجب الله عزّ وجلّ أو ضحك من فلان وفلانة فأنزل »!

وجاء في صحيح البخاري ٩ / ٢٣١ ذ ح ٦٥ وصحيح مسلم ١ / ١١٤ ضمن حديث : « فلا يزال يدعو الله حتّى يضحك الله تبارك وتعالى منه ، فإذا ضحك الله منه »!

وروى مسلم في صحيحه ١ / ١٢٠ أيضا ما نصّه : « فقالوا : ممّ تضحك يا رسول الله؟ قال : من ضحك ربّ العالمين حين قال : أتستهزئ منّي وأنت ربّ العالمين؟! »!

كما جاء في سنن ابن ماجة ١ / ٦٤ ح ١٨١ ما لفظه : « قال رسول الله ضحك ربّنا من قنوط عباده وقرب غيره ؛ قال : قلت : يا رسول الله! أو يضحك الربّ؟! قال :

نعم ؛ قلت : لن نعدم من ربّ يضحك خيرا »!

وانظر ـ على سبيل المثال ـ هذه الدواهي وغيرها في :

صحيح البخاري ١ / ٢٣٠ ح ٣١ ، وج ٦ / ٢٢٥ ح ٣٠٦ ، وص ٢٧٩ ح ٤١٢ ، وج ٨ / ١٢٧ ح ١٧ ، وج ٩ / ٢١٦ ح ٣٤ ، وص ٢١٧ ـ ٢٢٠ ح ٣٩ ـ ٤٣ ، وص

٤٩

حتّى رووا أنّ الله سبحانه يدخل رجله في نار جهنم فيزوي بعضها لبعض وتقول : قط قط!(١) .

ومشتملة على وهن رسل الله ورسالاتهم!(٢)

__________________

٢٢٢ ح ٤٧ ، وص ٢٢٨ ـ ٢٣٧ ح ٦٢ ـ ٦٦ و ٦٩ و ٧٠ ، وص ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ٧٥ و ٧٧ ، وص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ح ١٣٨ ـ ١٤٠.

صحيح مسلم ١ / ١١٢ ـ ١١٧ و ١٢٢ و ١٢٤ ، وج ٢ / ١٧٥ و ١٧٦ ، وج ٨ / ٣٢ و ١٢٥ و ١٢٦ و ١٤٩.

سنن ابن ماجة ١ / ٦٣ ـ ٧٣ ح ١٧٧ ـ ٢٠٠ باب في ما أنكرت الجهمية ، وج ٢ / ٩٣٦ ح ٠٠ / ٢ ، وص ١٢٥٥ ح ٣٨٢١ و ٣٨٢٢ ، وص ١٤٥٠ ح ٤٣٣٦.

سنن أبي داود ٢ / ٣٥ ح ١٣١٥ ، وج ٤ / ٢٣١ ـ ٢٣٤ ح ٤٧٢٣ ـ ٤٧٣٣.

سنن الترمذي ٤ / ٥٩٢ ـ ٥٩٥ ح ٢٥٥١ ـ ٢٥٥٥ باب ما جاء في رؤية الربّ تبارك وتعالى ، وص ٥٩٦ ح ٢٥٥٧ ، وج ٥ / ٢٦٧ ح ٣١٠٥ ، وص ٤٩٢ ح ٣٤٩٨.

الموطّأ : ٢٠٧ ح ٣٠ باب ما جاء في الدعاء.

مسند أحمد ١ / ٣٨٨ ، وج ٢ / ٢٤٤ و ٢٥١ و ٢٦٤ ـ ٢٦٥ و ٢٦٧ و ٢٨٢ و ٤٦٣ و ٤٨٧.

(١) صحيح البخاري ٦ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ح ٣٤٢ ـ ٣٤٤ ، وج ٩ / ٢٠٨ ح ١١ وص ٢٠٩ ح ١٣ وص ٢٤٠ ذ ح ٧٥ كتاب التوحيد ، صحيح مسلم ٨ / ١٥١ ، سنن الترمذي ٤ / ٥٩٦ ح ٢٥٥٧.

و « قط » و « قد » بمعنى : حسب ، وهو الاكتفاء. انظر : الصحاح ٣ / ١١٥٣ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٧٨ ، لسان العرب ١١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ، مادّة « قطط ».

(٢) جاء في صحيح البخاري ٤ / ٣٠٥ ح ٢٠٤ في ما قصّه الله تعالى من أمر النبيّ موسىعليه‌السلام ، ومثله في صحيح مسلم ٧ / ٩٩ ، ما نصّه : « فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل ، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإنّ الحجر عدا بثوبه! فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر! حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا! وقام الحجر ، فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه! ».

وفي صحيح مسلم ٧ / ١٠٠ ـ في حديث ـ : « فلطم موسى عليه‌السلام عين ملك

٥٠

حتّى إنّهم صيّروا سيّد النبيّين جاهلا في أوّل البعثة بأنّه رسول مبعوث ، فعلّمه النصراني وزوجته خديجة أنّه رسول الله!(١) .

ومشتملة على ما يوجب كذب آي من القرآن!(٢)

__________________

الموت ففقأها! ».

وانظر مثل هذه الافتراءات في : صحيح البخاري ٤ / ٢٩٠ ح ١٧٤ وص ٢٩٥ ح ١٩٠ وص ٢٩٩ ح ١٩٧ و ١٩٨ وص ٣٠٠ ح ٢٠١ وج ٩ / ٢٣٤ و ٢٣٥ و ٢٦٥ ح ١٤٢ ، صحيح مسلم ١ / ١٢٤ وج ٧ / ٩٦ ـ ١٠٢ ، سنن أبي داود ١ / ٦٨ ح ٢٧٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٨٨ ح ٣١٤٨.

(١) صحيح البخاري ١ / ٥ وج ٤ / ٢٩٧ ح ١٩٥ وج ٦ / ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ح ٤٥٠ ، صحيح مسلم ١ / ٩٧ و ٩٨.

(٢) قال الله تعالى في كتابه الكريم :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) سورة الحجر ١٥ : ٩.

وقال عزّ من قائل : ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) سورة فصّلت ٤١ : ٤٢.

وقال جلّ شأنه : ( وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ ) سورة يونس ١٠ : ٣٧.

إلّا أنّه ورد في الصحاح الستّة وغيرها ، ما ينافي ويناقض ذلك ؛ فقد جاء فيها أنّ في القرآن زيادة ونقيصة وتبديل ألفاظ!!

* فمن الأوّل : ما ورد من زيادة ( ما خَلَقَ ) في قوله تعالى : ( وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ) سورة الليل ٩٢ : ٣ ؛ انظر : صحيح البخاري ٦ / ٢٩٦ ح ٤٣٩ و ٤٤٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢٠٦ ، سنن الترمذي ٥ / ١٧٥ ح ٢٩٣٩.

وزيادة سورتي المعوّذتين وأنّهما ليستا من القرآن ؛ انظر : مسند أحمد ٥ / ١٣٠.

* ومن الثاني : ما ورد من سقوط سورتين من القرآن ، إحداهما تشبه في الطول والشدّة سورة براءة ، والثانية تشبه إحدى المسبّحات ؛ انظر : صحيح مسلم ٣ / ١٠٠ كتاب الزكاة.

وسقوط آية الرجم ؛ انظر : صحيح البخاري ٨ / ٣٠٢ ذ ح ٢٥ ، صحيح مسلم ٥ / ١١٦ ، مسند أحمد ١ / ٣٦ و ٤٠ و ٤٣ و ٥٥ ، الموطّأ : ٧١٨ ح ١٠ كتاب

٥١

وعلى المناكير والخرافات!(١)

كما ستعرف ذلك في طيّ مباحث الكتاب إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

الحدود ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٢٥ ح ١٩٤٤.

وسقوط آية الرغبة ؛ انظر : صحيح البخاري ٨ / ٣٠٢ ذ ح ٢٥.

وسقوط آية الشهادة ؛ انظر : صحيح مسلم ٣ / ١٠٠.

وسقوط لفظة « وصلاة العصر » من آية المحافظة على الصلوات ؛ انظر : صحيح مسلم ٢ / ١١٢ ، مسند أحمد ٥ / ٨ وج ٦ / ٧٣ ، الموطّأ : ١٢٩ ح ٢٦ و ٢٧ باب الصلاة الوسطى ، سنن أبي داود ١ / ١٠٩ ح ٤١٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٠١ ـ ٢٠٢ ح ٢٩٨٢ ، سنن النسائي ١ / ٢٣٦.

* ومن الثالث : ما روي أنّ آية ( إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) سورة الذاريات ٥١ : ٥٨ ، كان أصلها ( إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين ) ؛ انظر : مسند أحمد ١ / ٣٩٤ ، سنن الترمذي ٥ / ١٧٦ ح ٢٩٤٠.

(١) انظر مثلا أسطورة « الجسّاسة » التي ادّعوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نادى الصلاة جامعة! وأمر المصلّين ألّا يبرحوا أماكنهم! ثمّ تحدّث بها على المنبر! ولم يروها عنه أحد من الصحابة إلّا فاطمة بنت قيس! ولا حفظها عنها غير الشعبي! على الرغم ممّا فيها من الوصف الخطير والتهويل الكبير!

انظرها في : صحيح مسلم ٨ / ٢٠٣ ـ ٢٠٥ كتاب الفتن وأشراط الساعة ، مسند أحمد ٦ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤.

٥٢

الأمر الثالث

[ تدليس أكثر رواتها ]

إنّ أكثر رواتهم ، بل كلّهم ، مدلّسون في رواياتهم ، أي ملبّسون فيها ، ومظهرون خلاف الواقع ، كما لو كانت الرواية عن شخص مقبول بواسطة شخص غير مرضيّ ، فيتركون الواسطة ويروونها عن المقبول ابتداء!

أو يروونها عن شخص ضعيف وينسبونها إلى آخر ثقة ؛ ليروج الحديث منهم ويقبل.

أو يروونها عن ضعيف ويأتون باللفظ المشترك بين الضعيف والثقة ؛ ليوهم الراوي على القارئ أنّ المراد الثقة ؛ لأنّه يظهر أنّه لا يروي إلّا عن ثقة!

إلى غير ذلك من أنواع التدليس ، ولا يكاد يسلم أحد من رواتهم عنه.

قال شعبة : « ما رأيت من لا يدلّس من أصحاب الحديث إلّا عمرو بن مرّة وابن عون » ، كما نقله عنه في « ميزان الاعتدال » و « تهذيب التهذيب » بترجمة عمرو بن مرّة الجملي(١) .

ويكفيك أنّ البخاري ومسلما كانا من المدلّسين!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ٢١٠ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٣٤٦ ، باختلاف يسير.

٥٣

[ تدليس البخاري : ]

قال الذهبي في ( الميزان ) بترجمة عبد الله بن صالح بن محمّد الجهني المصري : « روى عنه البخاري في الصحيح ولكنّه يدلّسه فيقول : حدّثني عبد الله ، ولا ينسبه »(١) .

وبمعناه في « تهذيب التهذيب » بترجمة عبد الله أيضا(٢) .

وقد كان البخاري يدلّس أيضا في صحيحه محمّد بن سعيد المصلوب ، الكذّاب الشهير ، لكنّ الذهبي حمله على الخطأ! قال بترجمة ابن سعيد : « أخرجه البخاري في مواضع وظنّه جماعة »!(٣) .

وهو حمل بعيد ، ولو سلّم فهو يقتضي عيبا آخر في « صحيح البخاري » وسيأتي ذكر هذين الرجلين في الأسماء.

ونقل ابن حجر عن ابن مندة ، أنّه قال في كلام له : « أخرج البخاري : ( قال فلان ) و ( قال لنا فلان ) وهو تدليس ».

ثمّ قال ابن حجر : « الذي يظهر [ لي ](٤) أنّه يقول في ما لم يسمع : ( قال ) وفي ما سمع ـ لكن لا يكون على شرطه ، أو موقوفا ـ : ( قال لي ) أو : ( قال لنا ) ؛ وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه »(٥) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٤ / ١٢٢ وفيه : « حدّثنا » بدل « حدّثني ».

(٢) تهذيب التهذيب ٤ / ٣٤٢.

(٣) ميزان الاعتدال ٦ / ١٦٦ ذيل رقم ٧٥٩٨.

(٤) إضافة توضيحية منهقدس‌سره .

(٥) تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ـ المطبوع بمصر سنة ١٣٢٢ ـ : ٦ [ ٤٣ ـ ٤٤ رقم ٢٣ ترجمة البخاري ]. منهقدس‌سره .

٥٤

[ تدليس مسلم : ]

ونقل ابن حجر أيضا عن ابن مندة ، أنّه قال في حقّ مسلم : « كان يقول في ما لم يسمعه من مشايخه : ( قال لنا فلان ) وهو تدليس »(١) .

فإذا كان هذا حال الصحيحين وصاحبيهما ـ وهما بزعمهم أصحّ الكتب ـ فكيف حال غيرهما؟! وكيف تعتبر أخبارهم؟! وبأيّ شيء يحصل الأمن لمن يريد الاحتجاج بها؟!

[ خطورة التدليس : ]

والتدليس طريقة شائعة مستمرّة بين جميع طبقاتهم ، على أنّه كذب في نفسه غالبا ، والكذب موجب لفسق صاحبه(٢) .

__________________

(١) تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس : ٧ [ ٤٥ ـ ٤٦ رقم ٢٨ ترجمة مسلم ]. منهقدس‌سره .

(٢) لقد ذكروا للتدليس في الحديث أنواعا ونصّوا على شناعة بعضها جدّا ، وذمّوه ، ووصفوه بأنّه أخو الكذب ، وقد أدرجوا ـ في الغالب ـ تلك الأنواع تحت قسمين من التدليس ، هما :

١ ـ تدليس الإسناد : وهو أن يروي المحدّث الحديث عمّن لقيه ولم يسمعه منه ، موهما أنّه سمعه منه.

أو عمّن عاصره ولم يلقه ، موهما أنّه لقيه أو سمعه منه.

أو يسقط الراوي شيخ شيخه أو من هو أعلى منه ، لكونه ضعيفا أو صغير السنّ تحسينا للحديث.

٢ ـ تدليس الشيوخ : وهو أن يروي الراوي عن شيخ حديثا سمعه منه ، فيسمّيه أو يكنّيه ، ويصفه بما لم يعرف به كيلا يعرف.

انظر : معرفة علوم الحديث : ١٠٣ ـ ١١٢ النوع ٢٦ ، مقدّمة ابن الصلاح : ٤٢ ـ

٥٥

قال ابن الجوزي : « من دلّس كذّابا فالإثم له لازم ؛ لأنّه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل »(١) .

كما نقله عنه في « ميزان الاعتدال » بترجمة محمّد بن سعيد المصلوب(٢) .

والأولى لابن الجوزي أن لا يخصّص بالكذّاب ؛ لأنّ الإثم لازم أيضا لمن دلّس ضعيفا من غير جهة الكذب ؛ لأنّ الضعيف مطلقا لا يجوز الاحتجاج به.

بل من دلّس ثقة عنده كان آثما(٣) ؛ لأنّ الثقة عنده ربّما لا يكون ثقة في الواقع وعند السامع وغيره ، فكيف يوقعه بالغرور ، ويدلّس عليه ما ليس له الأخذ به؟!

وسيمرّ عليك إن شاء الله تعالى ذكر بعض من عرف بالتدليس عندهم.

* * *

__________________

٤٤ ، علوم الحديث ـ لابن الصلاح ـ : ٧٣ ـ ٧٦ ، الباعث الحثيث : ٥٠ ـ ٥٣ ، فتح المغيث : ٩٣ ـ ٩٩ ، التعريفات : ٥٤ ، النكت على كتاب ابن الصلاح : ٢٤٢ ـ ٢٦٢ النوع الثاني عشر ، تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس : ٢٥ ـ ٢٦ ، تدريب الراوي ١ / ٢٢٣ ـ ٢٣١ ، قواعد التحديث : ١٣٢.

(١) الضعفاء والمتروكين ـ لابن الجوزي ـ ٣ / ٦٥ رقم ٣٠١٤ ترجمة محمّد بن سعيد المصلوب ؛ وجاء مؤدّاه أيضا في كتابه الموضوعات ١ / ٢٧٩.

(٢) ميزان الاعتدال ٦ / ١٦٥.

(٣) أي إنّه كان ينبغي لابن الجوزي أن يقول : « من دلّس فالإثم له لازم » أي مطلقا فلا يخصّص أصلا ، لأنّ الإثم لازم سواء دلّس كذّابا أو ضعيفا ، بل ثقة عنده ، لحرمة الأخذ في الشريعة بقول باطل ؛ وقد بيّن المصنّفقدس‌سره وجه لزوم الإثم في تدليس الضعيف والثقة ، أمّا في تدليس الكذّاب فواضح.

٥٦

الأمر الرابع

[ جرح أكثر رواتها ]

إنّ أكثر رجال السند في أخبار الصحاح الستّة ، مطعون فيهم عندهم بغير التدليس أيضا ، من الكذب ونحوه ، حتّى قال يحيى بن سعيد القطّان ـ وهو أكبر علمائهم ، وأعلمهم بأحوال رجالهم ـ : « لو لم أرو إلّا عمّن أرضى ، ما رويت إلّا عن خمسة! » كما حكي عنه في ( الميزان ) بترجمة إسرائيل بن يونس(١) .

[ منهج تحقيق حال رجال الصحاح الستّة : ]

ولنذكر لك جماعة ممّن طعنوا بهم من غير الصحابة ، مرتّبا أسماءهم على حروف المعجم.

واشترطت على نفسي أن أذكر من رواة الصحاح من طعن به عالمان أو أكثر ، وأن يكون الطعن شديدا كقولهم : كذّاب ، أو : متّهم بالكذب ، أو :

متروك ، أو : هالك ، أو : لا يكتب حديثه ، أو : لا شيء ، أو : ضعيف جدّا ، أو : مجمع على ضعفه أو نحو ذلك.

ولم أذكر من قيل فيه أنّه : ضعيف ، أو : منكر الحديث ، أو : غير ضابط ، أو : كثير الخطأ ، أو : لا يحتجّ به أو نحو ذلك ، وإن أسقط روايته عن الحجّيّة ؛ طلبا للاختصار ، ولكفاية من جمع الشروط المذكورة في

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٣٦٦.

٥٧

الدلالة على سقم صحاحهم.

وربّما ذكرت بعض المجاهيل ، والمدلّسين ، وبعض النصّاب ؛ لتعرف اشتمال صحاحهم على أنواع الوهن.

ولا يخفى أنّ النصب أعظم العيوب ؛ لأنّ الناصب منافق كما عرفت(١) ، والمنافق كافر ، بل أشدّ منه ؛ لأنّه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان ، فيكون أضرّ على الإسلام من الكافر الصريح.

وقد ذمّ الله المنافقين ، وأعدّ لهم الدرك الأسفل من النار ـ كما أخبر به في كتابه العزيز ـ ولعنهم في عدّة مواطن من الكتاب(٢) .

وكذلك لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ما لا يحصى من المواطن(٣) .

ومن المعلوم أنّ الكافر لا تقبل روايته أصلا ، في الأحكام وغيرها ،

__________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٥.

(٢) قال الله تعالى :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) سورة النساء ٤ :١٤٥.

وقال الله تعالى : ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦٠ و ٦١.

وقال تعالى :( بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ) سورة النساء ٤ : ١٣٨.

وقال تعالى :( إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) سورة النساء ٤ : ١٤٠.

وقال تعالى :( وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ ) سورة التوبة ٩ : ٦٨.

وقال تعالى : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ ) سورة الفتح ٦٣ : ١.

(٣) انظر مثلا : سنن النسائي ٢ / ٢٠٣ ، تاريخ الطبري ٥ / ٦٢٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٧١ ـ ٧٢ ح ٢٦٩٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٣ / ٢٢١ ح ١٩٨٤ و ١٩٨٥ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٨٩ ، مجمع الزوائد ١ / ١١٣ وج ٧ / ٢٤٧ ، كنز العمّال ٨ / ٨٣ ح ٢١٩٩٤ وج ١٦ / ٧٤٣ ح ٤٦٦٠٩.

٥٨

حتّى لو وثّقه جماعة.

وإن أردت زيادة الاطّلاع على أحوال من سنذكرهم ، وأحوال غيرهم ، من ضعاف رجال الصحاح الستّة ، فارجع إلى كتابنا المسمّى ب‍ «الإفصاح عن أحوال رجال الصحاح » فإنّه مشتمل على جلّ المجروحين منهم ، وجلّ المطاعن فيهم.

وقد أخذت ما ذكرته هنا في أحوالهم من « ميزان الاعتدال » للذهبي ، وجعلت رمزه : ن ، ومن « تهذيب التهذيب » لابن حجر العسقلاني ، وجعلت رمزه : يب.

فإن اتّفقا على نقل ما قيل في صاحب الترجمة ، ذكرته بعد اسمه بلا نسبة لأحدهما ، وإن اختصّ أحدهما بالنقل ، ذكرته بعد رمز الناقل منهما ، على أن يكون كلّ ما بعد رمزه من خواصّه في النقل ، إلى أن تنتهي الترجمة ، أو أنقل عن الآخر.

كما إنّي رمزت إلى أهل صحاحهم برموزهم المتداولة عندهم ، فللبخاري ( خ ) ولمسلم ( م ) وللنسائي ( س ) ولأبي داود ( د )

وللترمذي ( ت ) ولابن ماجة القزويني ( ق ) ولهم جميعا ( ع ) ولمن عدا مسلم والبخاري ( ٤ ).

وقد جعلت قبل اسم صاحب الترجمة رمز الراوي عنه من أهل هذه الصحاح ، متّبعا نسخة ( التهذيب ) ؛ لأنّها أصحّ إلّا قليلا ، فإنّه قد يقوى عندي صحّة نسخة ( الميزان ) فأعوّل عليها في الرمز.

هذا ، وربّما كان لي كلام أو نقل عن غير هذين الكتابين ، أذكره بعد قولي : «أقول ».

فنقول وبالله المستعان :

٥٩
٦٠