دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٣

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-356-x
الصفحات: 420
المشاهدات: 167521
تحميل: 2570


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 167521 / تحميل: 2570
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 964-319-356-x
العربية

١
٢

٣
٤

إنه تعالى لا يفعل القبيح

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١)

المطلب الثالث

في أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب

ذهبت الإمامية ومن وافقهم من المعتزلة إلى أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب ، بل جميع أفعاله حكمة وصواب ، ليس فيها ظلم ولا جور ولا عدوان ولا كذب ولا فاحشة ؛ لأنّ الله تعالى غنيّ عن القبيح ، عالم بقبح القبائح ؛ لأنّه عالم بكلّ المعلومات ، وعالم بغناه عنه ، وكلّ من كان كذلك فإنّه يستحيل عليه صدور القبيح عنه ، والضرورة قاضية بذلك ، ومن فعل القبيح مع الأوصاف الثلاثة استحقّ الذمّ واللوم.

وأيضا : الله تعالى قادر ، والقادر إنّما يفعل بواسطة الداعي ، والداعي إمّا داعي الحاجة ، أو داعي الجهل ، أو داعي الحكمة.

أمّا داعي الحاجة ، فقد يكون العالم بقبح القبيح محتاجا إليه ، فيصدر عنه [ دفعا لحاجته ].

وأمّا داعي الجهل ، فبأن يكون القادر عليه جاهلا بقبحه ، فيصحّ صدوره عنه.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٥.

٥

وأمّا داعي الحكمة ، فبأن يكون الفعل حسنا ، فيفعله لدعوة الداعي إليه.

والتقدير أنّ الفعل قبيح ، فانتفت هذه الدواعي فيستحيل القبح منه تعالى(١) .

وذهبت الأشاعرة كافّة إلى أنّ الله تعالى قد فعل القبائح بأسرها ، من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ، ورضي بها وأحبّها(٢) .

* * *

__________________

(١) أوائل المقالات : ٥٦ ـ ٥٨ ، تصحيح الاعتقاد : ٤٥ و ٤٩ ـ ٥٠ ، شرح جمل العلم والعمل : ٨٣ و ٨٥ ـ ٨٨ ، المنقذ من التقليد ١ / ١٧٩ ، تجريد الاعتقاد : ١٩٨ و ١٩٩ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الملل والنحل ١ / ٣٩ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٠.

(٢) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٤٨ ، تمهيد الأوائل : ٣١٧ ـ ٣٢٠ و ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ١٦٨ ، الملل والنحل ١ / ٨٣ ، الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ٣٤٣ ـ ٣٤٥ ، المسائل الخمسون : ٦٠ ـ ٦١ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٢٣ و ٢٣٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ـ ١٧٤.

٦

وقال الفضل (١) :

قد سبق أنّ الأمّة أجمعت على أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب.

فالأشاعرة من جهة أنّه لا قبيح منه ولا واجب عليه(٢) .

وأمّا المعتزلة فمن جهة أنّ ما هو قبيح منه يتركه ، وما يجب عليه يفعله(٣) .

وهذا الخلاف فرع قاعدة التحسين والتقبيح ، إذ لا حاكم بقبح القبيح منه ، ووجوب الواجب عليه ، إلّا العقل.

فمن جعله حاكما بالحسن والقبح قال بقبح بعض الأفعال منه ووجوب بعضها عليه.

ونحن قد أبطلنا حكمه وبيّنّا أنّ الله تعالى هو الحاكم ، فيحكم ما يريد ويفعل ما يشاء ، لا وجوب عليه ، ولا استقباح منه(٤) هذا مذهب الأشاعرة.

وما نسبه هذا الرجل المفتري إليهم أخذه من قولهم : « إنّ الله خالق

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٨٣.

(٢) المسائل الخمسون ـ للفخر الرازي ـ : ٦١ و ٦٢ ، المواقف : ٣٢٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٩٥.

(٣) المحيط بالتكليف : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٠١ ، المواقف : ٣٢٨ ، شرح المواقف ٨ / ١٩٥.

(٤) راجع ج ٢ / ٣٥٢ من هذا الكتاب.

٧

كلّ شيء »(١) فيلزم أن يكون خالقا للقبائح

ولم يعلموا(٢) أنّ خلق القبيح ليس فعله ، إذ لا قبيح بالنسبة إليه ، بل بالنسبة إلى المحلّ المباشر للفعل كما ذكرناه غير مرّة ، وسنذكر تحقيقه في مسألة خلق الأعمال.

* * *

__________________

(١) تمهيد الأوائل : ٣٤١ وما بعدها ، الاعتقاد ـ للبيهقي ـ : ٧٣ ، المواقف : ٣٢٠ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، شرح المواقف ٨ / ١٧٣ ، وانظر ج ٢ / ٣٥٧ من هذا الكتاب.

(٢) يعني بهم الشيعة الإمامية والمعتزلة.

٨

وأقول :

لا يخفى أنّ الأشاعرة لمّا زعموا أنّ الله تعالى خلق الأعمال جميعها ، حسنها وقبيحها ، لزمهم ما ذكره المصنّف من القول : بأنّ الله تعالى فاعل للقبائح بأسرها ، وأجاب الفضل عنه بجوابين :

الأوّل : إنّه لا يقبح من الله فعل القبيح ، إذ لا قبيح منه ولا استقباح بالنسبة إليه ؛ لأنّ قبح الفعل مبنيّ على قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين ، والأشاعرة لا يقولون بها.

الثاني : إنّ خلق القبيح غير فعله.

وهذان الجوابان ـ مع تضمّن أوّلهما الإقرار بفعل الله سبحانه للقبيح ـ باطلان.

أمّا الأوّل : فلما عرفت من حكم العقل بالحسن والقبح العقليّين في الأفعال ، وقد أقرّ الخصم به في تحقيقه السابق(١) .

وأمّا الثاني : فلأنّ كون الخلق غير الفعل لا يتصوّر أن يكون مبنيا إلّا على اعتبار أن يكون الفعل قائما في الفاعل وحالّا في ذاته ، بخلاف الخلق ، وهو باطل ؛ لأنّ القتل فعل للقاتل وهو حالّ بالمقتول.

ولو سلّمت المغايرة ، فخلق القبيح صفة نقص في الخالق ، وهو من القبح العقلي المسلّم عندهم على ما أسلفه الخصم.

فإن قلت : الخلق من أفعاله تعالى لا صفاته.

__________________

(١) راجع ج ٢ / ٤١١ فما بعدها من هذا الكتاب.

٩

قلت : المراد بالصفة مطلق ما يفيد الكمال أو النقص لمن ثبت له واتّصف به ، كما يشهد به إرجاع الفضل لبعض الأمثلة التي ألزمهم بها المصنّف إلى صفة النقص أو الكمال ، وبهذا الاعتبار يوصف الله تعالى بالحكمة والغنى والرزق والإحياء ، ونحوها.

ولو سلّم أنّ خلق القبيح ليس صفة نقص في الخالق ، فلا شكّ أنّه مستلزم للنقص في صفاته ؛ لأنّه يعود إلى النقص في القدرة أو العلم أو الحكمة.

ومن المضحك تعليله لكون الخلق غير الفعل ، بأنّه لا قبح بالنسبة إليه ، ضرروة أنّه لا يقتضي المغايرة بينهما ، وإنّما يقتضي أن لا يكون صدور القبيح منه قبيحا ، سواء سمّى صدوره خلقا أم فعلا.

وأمّا قوله : « ولا واجب عليه »

فقد عرفت أنّه مناف لمقتضى الحكمة والعدل ، ومخالف لنصّ الكتاب ، حيث قال تعالى :( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) (١)

( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) (٢) و( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) (٣) .

كما عرفت بطلان نسبة القبح إلى المحلّ الذي لا أثر له أصلا ، ونفيه عن المؤثّر الموجد ، فإنّه خلاف الضرورة.

* * *

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ٥٤.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٩.

(٣) سورة الليل ٩٢ : ١٢.

١٠

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :

فلزمهم من ذلك محالات

منها : امتناع الجزم بصدق الأنبياء ؛ لأنّ مسيلمة الكذّاب لا فعل له ، بل القبيح الذي صدر عنه من الله تعالى عندهم ، فجاز أن يكون جميع الأنبياء كذلك.

وإنّما نعلم صدقهم لو علمنا أنّه تعالى لا يصدر عنه القبيح ، فلا نعلم حينئذ نبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا نبوّة موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء ألبتّة.

فأيّ عاقل يرضى لنفسه أن يقلّد من لم يجزم بنبيّ من الأنبياء [ ألبتّة ] ، وأنّه لا فرق عنده بين نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين نبوّة مسيلمة الكذّاب؟!

فليحذر العاقل من اتّباع أهل الأهواء والانقياد إلى طاعتهم ، ليبلّغهم مرادهم ويربح هو الخسران بالخلود بالعذاب(٢) ، ولا ينفعه عذره غدا يوم الحساب.

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٥ ـ ٨٦.

(٢) في المصدر : في النيران.

١١

وقال الفضل (١) :

قد مرّ مرارا أنّ صدق الأنبياء مجزوم به جزما مأخوذا من المعجزة وعدم جريان عادة الله تعالى على إجراء المعجزة على يد الكذّابين ، وأنّه يجري مجرى المحال العادي(٢) .

فنحن نجزم أنّ مسيلمة كذّاب ؛ لعدم المعجزة ، ونجزم أنّ الله تعالى لم يظهر المعجزة على يد الكاذب ، ويفيدنا هذا الجزم العلم العادي.

فالفرق بينه وبين الأنبياء ظاهر مستند بالعلم العادي ، لا بالقبح العقلي الذي يدّعيه.

وما ذكره من الطامّات والتنفير فهو الجري على عادته في المزخرفات والترّهات.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٨٥.

(٢) الإرشاد ـ للجوينى ـ : ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ، الاقتصاد في الاعتقاد ـ للغزّالي ـ : ١٢٥ ، المواقف : ٣٤١ ، شرح المواقف ٨ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

١٢

وأقول :

لا شكّ أنّ النبوّة ليست من المحسوسات الخارجية حتّى تعلم بالحسّ الظاهري ، ولا علم لنا بالغيب حتّى نعلم عادة الله فيها ، وأنّه لا يخلق المعجزة إلّا لصادق ، وهو تعالى عندهم لا يقبح عليه شيء.

فكيف يمكن دعوى العادة بإجراء المعجزة على يد الصادق دون الكاذب ، وأنّ كلّ ذي معجزة صادق دون غيره؟!

بل من الجائز أن يكون كلّ ذي معجزة كاذبا ، ومن لا معجزة له صادقا ، فلا يصحّ الجزم بنبوّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره من الأنبياء ، ولعلّ مسيلمة هو النبي دون نبيّنا! وعلى الإسلام السلام!

* * *

١٣

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

ومنها : إنّه يلزم تكذيب الله تعالى في قوله :

( وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) (٢)

( وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ ) (٣)

( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ ) (٤)

( وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٥)

( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) (٦)

( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (٧)

( كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ) (٨)

( وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) (٩)

ومن يعتقد اعتقادا يلزم منه تكذيب القرآن العزيز فقد اعتقد ما

__________________

(١) نهج الحقّ : ٨٦.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٥.

(٣) سورة الزمر ٣٩ : ٧.

(٤) سورة غافر ٤٠ : ٣١.

(٥) سورة فصّلت ٤١ : ٤٦.

(٦) سورة الكهف ١٨ : ٤٩.

(٧) سورة هود ١١ : ١١٧.

(٨) سورة الإسراء ١٧ : ٣٨.

(٩) سورة الأعراف ٧ : ٢٨.

١٤

يوجب الكفر ، وحصل الارتداد والخروج عن ملّة الإسلام.

فليتعوّذ الجاهل والعاقل من هذه المقالة [ الرديئة ] المؤدّية إلى أبلغ أنواع الضلالة.

وليحذر من حضور الموت عنده وهو على هذه العقيدة فلا تقبل توبته.

وليخش من الموت قبل تفطّنه بخطأ نفسه ، فيطلب الرجعة فيقول :

( رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (١) ، فيقال له :

( كَلاَّ ) (٢) !

* * *

__________________

(١ و ٢) سورة المؤمنون ٢٣ : ٩٩ و ١٠٠.

١٥

وقال الفضل (١) :

قد مرّ أنّ كلّ ما يقيم من الدلائل هو إقامة الدليل في غير محلّ النزاع.

فإنّ الأشاعرة مذهبهم المصرّح به في سائر كتبهم : إنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يرضى بالقبائح.

والإرادة غير الرضا ، وما ذكر من الآيات ليس حجّة عليهم ، إنّما هي حجّة على من جوّز الظلم على الله والرضا بالكفر.

وهذا الرجل أصمّ أطروش لا يسمع نداء المنادي ، وصوّر عند نفسه مذهبا وافترى أنّه مذهب الأشاعرة ، ويورد عليه الاعتراضات ، وليس أحد من المسلمين قائلا بأنّه تعالى ظالم أو راض بالكفر ، تعالى الله عن ذلك.

وما يزعم أنّه يلزم الأشاعرة فهو باطل ؛ لأنّ الخلق غير الفعل.

والعجب أنّه لا يخاف أن يلقى الله بهذه العقيدة الباطلة ، التي هي إثبات الشركاء لله تعالى في الخلق ، مثل المجوس.

وذلك المذهب أردأ من مذهب المجوس بوجه ؛ لأنّ المجوس لا يثبتون إلّا شريكا واحدا يسمّونه ( أهرمن )(٢) ، وهؤلاء يثبتون شركاء

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٣٨٧.

(٢) وأهرمن ، أي : الشرّ أو الضرّ والفساد ، أو الظلمة ؛ وهو الأصل المحدث

١٦

لا تحصر ولا تحصى( إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) (١) .

* * *

__________________

والأصل الأزلي هو : يزدان ، أي : الخير أو الصلاح والنفع ، أو النور.

انظر : شرح الأصول الخمسة : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، الملل والنحل ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، شرح المواقف ٨ / ٤٤.

(١) سورة الصافّات ٣٧ : ٣٥.

١٧

وأقول :

قد سبق أنّ خلق الشيء بالاختيار يتوقّف على الرضا به والحبّ له(١) ، فيلزم ـ بناء على أنّه سبحانه خالق القبائح والفساد والكفر ـ أن تكذب الآيتان الأوليان.

كما يلزم ـ بناء عليه ـ أن تكذب الآيات النافية للظلم منه تعالى ؛ لأنّه إذا خلق ظلم الناس بعضهم لبعض كان هو الظالم للمظلوم حقيقة ، مضافا إلى أنّ خلقه تعالى لسيّئات العباد وتعذيبهم عليها ظلم لهم بالضرورة.

ويلزم ـ أيضا ـ أن تكذب الآية الأخيرة ؛ لأنّه إذا خلق الفحشاء لم يصحّ أن يتنزّه عن الأمر بها ، بل خلقه للفحشاء بقوله : « كوني » بمنزلة أمر الفاعل بها.

فإن قلت : لا ظلم منه تعالى ؛ لأنّه المالك المطلق ، وقد تصرّف في ملكه.

قلت : تصرّف المالك بملكه ـ ذي الحياة والشعور ـ بالإضرار به بلا سبب ظلم له بالضرورة ، ويدلّ عليه قوله تعالى :( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (٢) .

فإنّه صريح بأنّ إهلاك القرى مع إصلاح أهلها ظلم ، والحال أنّه من التصرّف في الملك.

وممّا ذكرنا يعلم أنّ ما زعمه الخصم من أنّهم ينفون الظلم والرضا

__________________

(١) مرّ كلام الشيخ المظفّر1 بهذا الخصوص في ج ٢ / ٣٦٤ من هذا الكتاب.

(٢) سورة هود ١١ : ١١٧.

١٨

بالكفر والقبائح عن الله تعالى باطل.

ولا يتوقّف إثبات الرضا له تعالى بالقبائح على أنّ يكون بمعنى الإرادة ، وليس هو من قولنا ولا قول أحد.

وإنّما نقول بتوقّف الفعل الاختياري على إرادته ، وهي موقوفة على الرضا به ، فيتوقّف الفعل على الرضا به.

وما زعمه من أنّ الخلق غير الفعل قد سبق بطلانه(١) ، على أنّ الخلق للشيء يتوقّف على الرضا به بالضرورة ، ويستلزم إثبات الظلم لله تعالى وإن لم يسمّ الخلق فعلا.

ولا لوم على المصنّف في عدم التفاته إلى مثل تلك الأجوبة الفارغة عن المعنى ، المبنية على مجرّد الاصطلاح أو على أمور ضرورية الفساد.

وأمّا ما نسبه إلينا من إثبات الشركاء لله سبحانه في الخلق ، فقد سبق ما فيه(٢) ، وأنّ إيجادنا لأفعالنا إنّما هو من آثار قدرته ؛ لأنّ قدرتنا وتأثيرنا من مظاهر قدرته ، ودلائل لطف صنعه وحكمته ، فنحن لم نستغن عنه في حال ، ولم نفعل بقوّة منّا واستقلال.

وأيّ مناسبة لهذا بالشركة في الخلق المنصرف إلى كونه في عرضه تعالى؟! وبقول المجوس بإلهين مستقلّين؟! بل قول الأشاعرة أشبه بقول أكثر المجوس ؛ لأنّهم معا يثبتون القدماء(٣) .

ويزيد الأشاعرة على بعض المجوس بإثباتهم حاجة الله تعالى في

__________________

(١) راجع الصفحتين ٩ ـ ١٠ من هذا الجزء.

(٢) انظر ج ٢ / ٣٥٩ من هذا الكتاب.

(٣) راجع ج ٢ / ٢٦٧ ه‍ ٤ من هذا الكتاب.

١٩

خلقه إلى غيره ، وهو صفاته(١) .

والبعض من المجوس ـ كما قيل ـ يقرّون بالله تعالى ، ويجعلونه خالق الخير ، بلا حاجة منه سبحانه إلى غيره(٢) .

* * *

__________________

(١) انظر الهامش السابق.

(٢) راجع : الملل والنحل ٢ / ٢٦١.

٢٠