دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 80299
تحميل: 2601


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80299 / تحميل: 2601
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

ونقل في ( الكنز ) أيضا في صفحة قبل الصفحة المذكورة ، عن ابن عساكر ، عن أبي بكرة : « أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كبّر في صلاة الفجر ، ثمّ أومأ إليهم ، ثمّ انطلق فاغتسل ، فجاء ورأسه يقطر فصلّى بهم »(١) .

ونحوه في موطّأ مالك ، تحت عنوان : إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلّى ولم يذكر(٢) .

.. إلى غير ذلك من أخبارهم(٣)

وهي بظاهرها باطلة ؛ لإفادتها أنّهم لم ينقضوا صلاتهم ، وأتمّوها مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما اغتسل وصلّى ، وهذا ضروريّ البطلان ؛ للفصل الطويل الواقع في أثناء صلاتهم ؛ ولأنّ الجماعة لا تنعقد مع سبق المأمومين بتكبيرة الافتتاح ، فتزيد أحاديث نسيان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للجنابة إشكالا فوق إشكال ، فاتّضح أنّها كاذبة على سيّد المرسلين!

كما كذبت بمثله على سيّد الوصيّين

روي في ( الكنز )(٤) : « أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام صلّى بالناس جنبا فأمرهم بالإعادة ».

وكيف لا يكذّب هذا الخبر ومن المعلوم من مذهب أهل البيتعليهم‌السلام عدم إعادة المأمومين إذا كان الإمام جنبا؟!(٥) .

__________________

(١) كنز العمّال ٨ / ١٦٩ ح ٢٢٤١٤ ، وانظر : تاريخ دمشق ٣٧ / ٣٩١ ضمن الرقم ٤٤١٣ ، مسند أحمد ٥ / ٤١ نحوه ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٩٧.

(٢) الموطّأ : ٤٦ ح ٨٢.

(٣) انظر ذلك في ما مرّ في الهامش ٢ من الصفحة ١١٦ من هذا الجزء.

(٤) كنز العمّال ٤ / ٢٤٣ [ ٨ / ١٧٢ ح ٢٢٤٢٨ ]. منهقدس‌سره .

(٥) الكافي ٣ / ٣٧٨ ح ١ ، كتاب من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٢ ح ١١٩٧ وص ٢٦٤ ح _

١٢١

ولعلّ الداعي إلى كذب القوم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّهعليه‌السلام هو المحافظة على شؤون أشياخهم.

فقد روي في ( الكنز ) قبل الحديث الأخير بقليل : « إنّ عمر صلّى بالناس الصبح جنبا ، وأنّه صلّى بهم ركعتين بغير طهارة »(١) .

وروى أيضا : « إنّ عثمان صلّى بالناس جنبا »(٢) ، لكن زعم عثمان أنّه لم يعلم بالجنابة!

ثمّ إنّه بما ذكرنا هنا وفي ما سبق تعلم النظر في ما أجاب به الخصم عن حديث سهو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة ، وعن السهو في السهو ، وليس الداعي لهم ـ أيضا ـ إلى هذا الكذب على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا دفع النقص عن أوليائهم حيث تكرّر منهم ذلك!

حتّى روي في ( الكنز )(٣) : « إنّ عمر صلّى بالناس المغرب ولم يقرأ شيئا حتّى سلّم ، فلمّا فرغ قيل له : [ إنّك لم تقرأ شيئا؟! ] فاعتذر بأنّي جهّزت عيرا إلى الشام ، وجعلت أنقلها منقلة منقلة حتّى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها ؛ [ فأعاد عمر وأعادوا ] ».

فليت شعري أيّ عبادة هذه؟! وأيّ إقبال على الله تعالى مع هذه

__________________

١٢٠٧ ، تهذيب الأحكام ٣ / ٣٩ ح ١٣٧ وص ٢٦٩ ح ٧٧٢ ، الاستبصار ١ / ٤٤٠ ح ١٦٩٥ ، وانظر : تفصيل وسائل الشيعة ٨ / ٣٧١ ـ ٣٧٣ ب‍ ٣٦ ح ١٠٩٣٢ ـ ١٠٩٣٩.

(١) كنز العمّال ٨ / ١٦٦ ح ٢٢٤٠١ ـ ٢٢٤٠٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٩٩.

(٢) كنز العمّال ٨ / ١٦٧ ح ٢٢٤٠٦.

وانظر : سنن الدارقطني ١ / ٢٨٦ ح ١٣٥٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٤٠٠.

(٣) كنز العمّال ٤ / ٢١٣ [ ٨ / ١٣٣ ح ٢٢٢٥٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ٣٨٢.

١٢٢

التمنّيات والوساوس الشيطانية؟!

وروي في ( الكنز ) أيضا بعد الحديث المذكور : « إنّ عمر صلّى بالناس العشاء الآخرة ، فلم يقرأ بها فاعتذر بأنّي سهوت ، جهّزت عيرا من الشام حتّى قدمت المدينة ، فأمر المؤذّن فأقام الصلاة ، ثمّ عاد وصلّى بالناس العشاء »(١) .

وهذا من الجهل ؛ لأنّ نسيان القراءة لا يوجب الإعادة!

.. إلى غير ذلك ممّا رووه عن أشياخهم ، من السهو والإعراض عن الصلاة ، حتّى روى البخاري في : « باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة » ، عن عمر أنّه قال : « إنّي لأجهّز جيشي وأنا في الصلاة »(٢) .

وأمّا قوله : « شرّع بذلك النسيان جواز وقوع الفعل المتعلّق بالصلاة في أثناء الصلاة »

ففيه : إنّ المشي إلى الخشبة ليس ممّا يتعلّق بها ، وكذا الدخول إلى الحجرة والخروج منها كما في حديث مسلم(٣) ، بل الدخول والخروج مستلزمان للانحراف عن القبلة ، ولو إلى المغرب والمشرق ؛ لأنّ بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في يسار المسجد ، ومثل هذا الانحراف مبطل للصلاة وإن وقع سهوا

على أنّ تلك الأفعال كثيرة عرفا ، والكثير مبطل للصلاة عند

__________________

(١) كنز العمّال ٨ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ح ٢٢٢٥٨ ، وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤ ح ٢٧٥٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١٤٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٢ / ٣١٤ ب‍ ٢٦١ ح ٢ ، كنز العمّال ٨ / ٢١٦ ح ٢٢٦٢٩.

(٣) صحيح مسلم ٢ / ٨٨.

١٢٣

جمهورهم كما نقله السيّد السعيدرحمه‌الله عن كتاب « الينابيع »(١) وشرحها ، ونقل عنهما : إنّ الخطوات الثلاث المتوالية من الكثير(٢) .

هذا ، مضافا إلى أنّ عادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المكث بعد الصلاة إلى أن تنصرف النساء ويدخلن بيوتهنّ ، كما رواه البخاري في أواخر كتاب الأذان ، في باب مكث الإمام في مصلّاه بعد الصلاة(٣) ، وهذا موجب للفصل الطويل بين أجزاء الصلاة مضافا إلى الفصل الحاصل من الكلام والدخول والخروج وغيرها ، فتتغيّر هيئة الصلاة ، فتبطل.

وأمّا ما زعمه من تشريع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للكلام القليل في أثناء الصلاة

ففيه : إنّ السلام الواقع على الركعتين مع الكلام المتكرّر من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الكثير عرفا ، فيبطل الصلاة وإن وقع سهوا عنها.

على أنّ بعض ما رووه من كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان من الكلام العمدي ، فيبطل الصلاة وإن قلّ!

__________________

(١) كتاب « ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام » فقه على المذاهب الأربعة ، لا يزال مخطوطا ، وهو لصدر الدين أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن زنكي الشعيبي الساوي الأسفراييني الشافعي ( ٦٧٧ ـ ٧٤٧ ه‍ ).

انظر : كشف الظنون ٢ / ٢٠٥٠ ، هديّة العارفين ٢ / ١٥٣ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٦٧٩ رقم ١٥٧٩٠.

هذا ، ولم نهتد إلى اسم الشرح المشار إليه في المتن!

(٢) إحقاق الحقّ ٢ / ٢٦٢.

وانظر : المهذّب ١ / ٨٨ ، المجموع شرح المهذّب ٤ / ٩٢ ـ ٩٤ ، فتح العزيز ـ حاشية المجموع ـ ٤ / ١١٨ ، فتح العلّام ٢ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨ ، حاشية ردّ المحتار ١ / ٦٧٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ١٩ ح ٢٣١.

١٢٤

روى الحاكم(١) : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سها في المغرب فسلّم في ركعتين ، فأمر بلالا فأقام الصلاة ، ثمّ أتمّ تلك الركعة ».

ونحوه في كنز العمّال(٢) ، عن ابن أبي شيبة.

فإنّ أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لبلال بالإقامة بعد ما تبيّن له السهو ، كلام عمدي.

وروي في ( الكنز ) قبل الحديث المذكور بقليل ، عن الدارقطني وعبد الرزّاق : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما قال : أصدق ذو اليدين؟! وقال الناس : نعم ؛ قال : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، ثمّ صلّى بهم »(٣) .

فإنّ إقامة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد انكشاف السهو له ، كلام عمدي ، وهو مبطل للصلاة بالسنّة والإجماع.

كما إنّه بمقتضى أخبارهم أنّ الناس أيضا سلّموا على ركعتين ، وصدرت منهم الأفعال والأقوال الكثيرة عمدا ، فكان اللازم عليهم إعادة الصلاة لمجرّد السلام فضلا عن غيره!

وكان اللازم أيضا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله البيان ، ولم ينقل شيء من ذلك ، بل نقلوا في بعض أخبارهم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتمّ بهم الناقص فقط ، حتّى إنّهم لم ينقلوا أنّه أمرهم بسجود السهو مثله ، أو أنّ أحدا منهم سجد ، وهذا من شواهد الكذب

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ / ٢٦١ [ ١ / ٤٦٩ ح ١٢٠٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) كنز العمّال ٤ / ٢١٥ [ ٨ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ح ٢٢٢٨٦ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ١ / ٤٨٨ ب‍ ٢٥٢ ح ١.

(٣) كنز العمّال ٨ / ١٣٨ ح ٢٢٢٨٠ ، وانظر : سنن الدارقطني ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ح ١٣٦٣ و ١٣٦٤ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٢ / ٢٩٨ ح ٣٤٤٤.

١٢٥

وإنّ قصد الرواة مجرّد نسبة السهو إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دفعا للطعن عن أنفسهم وأوليائهم ، وإرضاء لأئمّة جماعاتهم ، كما يعرفه من سبر أحوالهم.

وأمّا قوله : « والعجب أنّه قال : كيف يجوز أن يحفظ أبو بكر وعمر »

ففيه : إنّ المصنّف لم ينكر على حفظهما ، بل على من روى حفظهما وأثبته لهما ، والحال أنّهما لم يذكرا ذلك للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإنّ قول الراوي : « فهاباه أن يكلّماه » دالّ على أنّهما حافظان لما نسيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعتهما هيبته عن بيان سهوه له ، وهذا أمر تشهد الضرورة بكذبه ، إذ كيف يترك عمر بيانه له ـ لو كان حافظا ـ وهو خلاف ما يروونه من أحواله معه وجرأته عليه؟!

وكفاك ما رووه من حصبه للحبشة بحضرته(١)

ومعارضته له في الصلاة على ابن أبيّ(٢)

وجرأته عليه يوم الحديبية(٣)

وقوله في وجهه المبارك : « إنّ النبيّ ليهجر »(٤)

فإنّ من يواجهه بالهجر لا يهاب من مواجهته بالسهو!

__________________

(١) راجع الصفحة ١١١ ه‍ ٢.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ح ١٩٠ ـ ١٩٢ وج ٧ / ٢٦٢ ح ١٥ ، صحيح مسلم ٨ / ١٢٠ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ١٢٤ ح ٥٢ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ح ٣٠٩٧ و ٣٠٩٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٣٥٧ ح ١١٢٢٤ و ١١٢٢٥ ، مسند أحمد ١ / ١٦.

(٣) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٣٦ ـ ٤٣ ح ١٨ ، صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ، مسند أحمد ٤ / ٣٣٠.

(٤) راجع الصفحة ٩٣ ه‍ ٢.

١٢٦

وكذلك أبو بكر ، فإنّه قد مارى عمر في تأمير الأقرع بن حابس حتّى ارتفعت أصواتهما بحضرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١)

وقد زعموا أنّه أخذ بيد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له : حسبك! فقد ألححت على ربّك! لمّا ناشد النبيّ ربّه عهده يوم بدر(٢) .

ولعمري لو كان لقصّة سهو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أصل ، لكان أبو بكر وعمر أوّل من يلاقيه بها كما هو ظاهر لكلّ منصف.

* * *

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٣٣٣ ح ٣٦٤ وج ٦ / ٢٤٣ ح ٣٣٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٦١ ح ٣٢٦٦ ، سنن النسائي ٨ / ٢٢٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٤٦٦ ح ١١٥١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١٢٨٤ رقم ٢١٢٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٠٧.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١١١ ح ١٢٦ وج ٥ / ١٨٠ ح ٥ وج ٦ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ح ٣٦٩ و ٣٧١ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٩ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٣ / ٥٠.

١٢٧

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

وفي الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر أنّه كان يحدّث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنّه دعا زيد بن عمرو بن نفيل(٢) ، وذلك قبل أن ينزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدّم إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثمّ قال : إنّي لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل ممّا لم يذكر اسم الله عليه »(٣) .

فلينظر العاقل ، هل يجوز له أن ينسب نبيّه إلى عبادة الأصنام والذبح على الأنصاب ويأكل منه ، وأنّ زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه ، وأتمّ حفظا ورعاية لجانب الله تعالى؟!

نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٥.

(٢) هو : زيد بن عمرو بن نفيل العدوي ، والد سعيد بن زيد ، وابن عمّ عمر بن الخطّاب ، قيل : كان يتعبّد في الجاهلية ، ومات قبل مبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

انظر : أسد الغابة ٢ / ١٤٣ رقم ١٨٦٠ ، الإصابة ٢ / ٦١٣ رقم ٢٩٢٥.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ١٢٤ ح ٣١٢ وج ٧ / ١٦٥ ح ٣١ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٢٧٥ ح ١٤٢٤ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٥٥ ح ٨١٨٩ ، مسند أحمد ٢ / ٦٩ و ٨٩ و ١٢٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٢١ ـ ١٢٢.

١٢٨

وقال الفضل(١) :

من غرائب ما يستدلّ به على ترك أمانة هذا الرجل ، وعدم الاعتماد والوثوق على نقله ، رواية هذا الحديث

فقد روى بعض الحديث ليستدلّ به على مطلوبه ، وهو الطعن في رواية الصحاح ، وما ذكر تمامه!

وتمام الحديث : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قال زيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام ، قال : وأنا أيضا لا آكل من ذبيحتهم وممّا لم يذكر اسم الله عليه ، فأكلا معا »(٢) .

وهذا الرجل لم يذكر هذه التتمّة ليتمكّن من الطعن في الرواية ، نسأل الله العصمة من التعصّب ، فإنّه بئس الضجيع.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٦٣.

(٢) لو نظرت إلى صحاحهم لبطل ادّعاء الفضل هذا ، إذ لا توجد تتمّة للحديث ، انظر : صحيح البخاري ٧ / ١٦٥ ح ٣١ ، كتاب الذبائح والصيد ، باب ما ذبح على النصب والأصنام.

١٢٩

وأقول :

قد راجعنا صحيح البخاري فوجدنا الحديث إثر أبواب المناقب ، وفي باب ما ذبح على النصب والأصنام من كتاب الذبائح ، وما رأينا لهذه التتمّة أثرا!(١) .

وقد رواه أحمد في مسنده(٢) ، ولم يذكر ما أضافه الخصم!

وليست هذه أوّل كلمة وضعها ، بل سبق له مثلها قريبا في روايات اللهو(٣) ، وسيأتي له أمثالها!

ولا عجب فإنّها سنّة لهم في غالب أخبارهم ، ومنها أصل هذا الحديث ، ولكنّي أعجب من إرعاده وإبراقه وسؤاله العصمة عن التعصّب ونسبته إلى المصنّف عدم الأمانة! وكأنّه يريد بذلك أن يدعو قومه إلى إضافة هذه التتمّة!!

* * *

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٧ / ١٦٥ ح ٣١.

(٢) مسند أحمد ٢ / ٦٩ و ٨٩ و ١٢٧. منهقدس‌سره .

(٣) راجع ردّ الشيخ المظفّرقدس‌سره في الصفحة ٧٨ وما بعدها.

١٣٠

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

وفي الصحيحين ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : « كنت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما ، فتنحّيت ، فقال : ادنه ؛ فدنوت حتّى قمت عند عقبيه ، فتوضّأ ومسح على خفّيه »(٢) .

فكيف يجوز أن ينسب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله البول قائما ، مع أنّ أرذل الناس لو نسب هذا إليه تبرّأ منه؟!

ثمّ المسح على الخفّين والله تعالى يقول :( وَأَرْجُلَكُمْ ) (٣) ؟!

فانظروا إلى هؤلاء القوم كيف جوّزوا الخطأ والغلط على الأنبياء ، وأنّ النبيّ يجوز أن يسرق درهما(٤) ، ويكذب في أخسّ الأشياء وأحقرها(٥) !

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٦.

(٢) صحيح البخاري ١ / ١١٠ ح ٨٧ و ٨٨ وج ٣ / ٢٧٠ ح ٤٤ ، صحيح مسلم ١ / ١٥٧ ؛ وانظر : سنن أبي داود ١ / ٦ ح ٢٣ ، سنن الترمذي ١ / ١٩ ح ١٣ ، سنن النسائي ١ / ١٩ و ٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ١١١ ح ٣٠٥ و ٣٠٦ ، سنن الدارمي ١ / ١٢٣ ب‍ ٩ ح ٦٧١ ، مسند أحمد ٤ / ٢٤٦ وج ٥ / ٣٨٢ و ٣٩٤ و ٤٠٢.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦.

(٤) وقد اتّهموهصلى‌الله‌عليه‌وآله بسلّ قطيفة من مغانم بدر! انظر : سنن الترمذي ٥ / ٢١٤ ح ٣٠٠٩ وقال : « حديث حسن غريب » ، سنن أبي داود ٤ / ٣٠ ح ٣٩٧١ ، مسند أبي يعلى ٤ / ٣٢٧ ح ٢٤٣٨ وج ٥ / ٦٠ ح ٢٦٥١ ، المعجم الكبير ١١ / ٢٨٨ ح ١٢٠٢٨ و ١٢٠٢٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ / ٦٢ ـ ٦٣ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ٧٠ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٩٨ و ٥٠٠ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١٦٨.

(٥) بناء على قولهم بعدم عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غير التبليغ.

١٣١

وقال الفضل(١) :

اختلف في جواز البول قائما ، فالذي يجوّزه يستدلّ بهذا الحديث ، وعن الأطبّاء : إنّ البول قائما ينفع الكلية والمخصر ؛ فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عمل هكذا ليشرّع جواز البول قائما.

وأيّ منقصة يتصوّر من البول قائما ، سيّما إذا كان متضمّنا للتشريع؟!

وطلب الدنوّ من حذيفة ربّما يكون لتشريع جواز البول قائما بقرب من الناس ، بخلاف الغائط ، لغلظته ، ولهذا كان يبعد من الناس في الغائط دون البول.

وأمّا المسح على الخفّ ، فهو جائز بالإجماع من أهل السنّة ، كما سيأتي في مباحث الفقه ، والله أعلم.

ثمّ ما ذكر أنّهم جوّزوا الخطأ والغلط على الأنبياء ، والنبيّ يجوز أن يسرق درهما ، فقد ذكرنا أنّ هذا افتراء محض ، ووجب تنزيه الأنبياء من الصغيرة الدالّة على الخسّة(٢) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٢٦٥.

(٢) انظر الصفحة ٢٠ وما بعدها من هذا الجزء.

١٣٢

وأقول :

يدلّ على كذب الحديث أمور :

الأوّل : ما رواه أحمد في مسنده ، عن عائشة(١) ، قالت : « من حدّثك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بال قائما فلا تصدّقه ، ما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائما منذ أنزل عليه القرآن ».

ونحوه في كتاب الطهارة من مستدرك الحاكم(٢) ، وصحّحه هو والذهبي في ( التلخيص ) على شرط البخاري ومسلم

الثاني : ما نقله البغوي في باب أدب الخلاء ، من ( مصابيحه ) ، من الحسان ، عن عمر ، قال : « رآني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبول قائما ، فقال : يا عمر! لا تبل قائما »(٣)

الثالث : إنّ البول قائما يستلزم بحسب العادة وصوله إلى البائل ، ولا سيّما عند قرب انقطاعه ، ولا ريب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بتجنّب موارد احتمال الإصابة ، فضلا عن موارد القطع العادي

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ١٣٦ و ١٩٢ و ٢١٣. منهقدس‌سره .

وانظر : سنن الترمذي ١ / ١٧ ح ١٢ وقال : « حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصحّ » ، سنن النسائي ١ / ٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ / ١١٢ ح ٣٠٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ١٠٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ / ١٨١ [ ١ / ٢٩٠ ح ٦٤٤ ]. منهقدس‌سره .

(٣) مصابيح السنّة ١ / ٢٠٠ ح ٢٥٥ ، وانظر : سنن الترمذي ١ / ١٧ ح ١٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ١١٢ ح ٣٠٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ١٠٢.

١٣٣

كيف؟! وقد روى مسلم في آخر كتاب الطهارة : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بقبرين ، فقال : أما إنّهما يعذّبان وما يعذّبان في كبير ، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وكان الآخر لا يستنزه عن البول »(١)

ونحوه في موارد كثيرة من صحيح البخاري(٢) .

ونقل البغوي في باب أدب الخلاء من الحسان : « إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد أن يبول ، فأتى دمثا(٣) في أصل جدار فبال ، ثمّ قال : إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله »(٤)

فمع هذه الأخبار ، وأضعافها من أخبارنا(٥) ، كيف نصدّقهم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه بال قائما؟! ولا سيّما مع دعوى طلب دنوّ حذيفة منه ، وهو مناف للحياء وسنّته ، فإنّه كان يبعد المذهب ، ولم ير على بول أو غائط.

ودعوى التشريع واضحة البطلان ، إذ ليس لإباحة البول قائما بقرب الناس من الأهمّية ما يحتاج إلى التشريع بالفعل ، وقد كان التشريع بالقول ممكنا ، وأظهر بيانا!

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ١٦٦.

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠٧ ح ٧٩ وص ١٠٨ ح ٨١ وج ٨ / ٣١ ح ٨٣ ، وانظر : سنن أبي داود ١ / ٥ ح ٢٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٢٥ ح ٣٤٩.

(٣) الدمث : المكان الليّن ذو رمل ، والأرض الليّنة السهلة الرّخوة ؛ انظر : الصحاح ١ / ٢٨٢ ، لسان العرب ٤ / ٤٠٠ ، مادّة « دمث ».

(٤) مصابيح السنّة ١ / ١٩٤ ح ٢٣٧ ، وانظر : سنن أبي داود ١ / ١ ح ٣ ، مسند أحمد ٤ / ٣٩٦ و ٤١٤.

(٥) انظر مثلا : كتاب من لا يحضره الفقيه ١ / ١٦ ح ٣٦ وج ٢ / ١٩٥ ح ٨٨٤ ، تهذيب الأحكام ١ / ٣٣ ح ٨٧ ، وراجع : تفصيل وسائل الشيعة ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ح ٨٠٠ ـ ٨٠٤ وص ٣٣٨ ـ ٣٤٠ ح ٨٨٩ ـ ٨٩٥.

١٣٤

وليس البول قائما في الجواز إلّا كالتغوّط قائما ، وإرسال الريح جالسا بين الناس ، فهل ترى يحسن فعلهما للتشريع؟!

وأمّا قوله : « وأيّ منقصة تتصوّر من البول قائما؟! »

فمن مكابرة الضرورة ، ولكن يحقّ له نفي المنقصة ، فقد كان إمامهم عمر يفعل ذلك كما عرفت ، وكذلك ابنه عبد الله!

روى مالك في موطّئه تحت عنوان : « ما جاء في البول قائما » ، عن عبد الله بن دينار ، قال : « رأيت عبد الله بن عمر يبول قائما »(١) .

وعن النووي : « إنّ عمر كان يقول : البول قائما أحصن للدبر »(٢) .

ولعلّه لهذه الحكمة كان يفعله ويفعله أصحابه!

وأمّا ما ذكره من أنّ نسبة تجويز الخطأ والغلط افتراء عليهم ؛ فمكابرة ظاهرة ؛ لأنّه بنفسه في ما سبق ذكر الخلاف بينهم في عصمة الأنبياء عن الكذب سهوا في ما يبلّغونه عن الله تعالى(٣) ، فإذا جاز الخطأ في التبليغ ، ففي العمل أولى

ولذا أجازوا سهو النبيّ في الصلاة ، فكما يجوز أن يصلّي الظهر ركعتين سهوا وخطأ ، فليجز أن يخطأ في مسح الخفّ والمطلوب المسح على الرجل.

وأمّا إنكاره لتجويز سرقة الدرهم على الأنبياء ؛ فمبنيّ على أنّها من

__________________

(١) الموطّأ : ٥٨ ح ١١٥.

(٢) شرح النووي على صحيح مسلم ٢ / ١٣٥ ح ٢٧٣ ، وانظر : كنز العمّال ٩ / ٥٢٠ ح ٢٧٢٤٤.

(٣) انظر الصفحة ٢٠ وما بعدها من هذا الجزء.

١٣٥

الصغائر الدالّة على الخسّة ، وهو من محدثات بعض المتأخّرين منهم ، كصاحب « المواقف »(١) ، وقد ذهبوا إليه ـ مع مخالفته لقواعدهم ـ فرارا من بعض الشناعات!

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٥٩.

١٣٦

تتمّة

الأحاديث الموضوعة في توهين الأنبياء والخالق

تشتمل على أخبار لهم معتبرة عندهم ، نسبوا فيها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى ما لا يليق!

[ ١ ـ حديث بدء الوحي ]

فمنها : ما رواه البخاري في أوّل صحيحه ، ومسلم في باب بدء الوحي من كتاب الإيمان ، عن عائشة ، قالت في أثناء حديثها :

« حتّى فاجأه الوحي وهو في غار حراء ، فجاءه الملك ، فقال : إقرأ!

قال : ما أنا بقارئ.

قال : فأخذني فغطّني(١) حتّى بلغ منّي الجهد ، ثمّ أرسلني فقال : إقرأ!

فقلت : ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطّني الثانية حتّى بلغ منّي الجهد ، ثمّ أرسلني فقال : إقرأ!

فقلت : ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطّني الثالثة ، ثمّ أرسلني فقال :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ) (٢) .

__________________

(١) الغطّ : العصر الشديد والكبس ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٨٨ مادّة « غطط ».

(٢) سورة العلق ٩٦ : ١ ـ ٣.

١٣٧

فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة ، فقال : زمّلوني زمّلوني(١) ، فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي.

فقالت خديجة : كلّا! ما يخزيك الله أبدا ، إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحقّ.

فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ، ابن عمّ خديجة ، وكان امرأ قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، وكان شيخا كبيرا قد عمي.

فقالت له خديجة : يا بن عمّ! اسمع من ابن أخيك.

فقال له ورقة : يا بن أخي! ماذا ترى؟

فأخبره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبر ما رأى.

فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى »(٢) الحديث.

ورواه البخاري أيضا في باب التعبير بعد أبواب كتاب الحيل ، وزاد فيه قوله :

« وفتر الوحي فترة حتّى حزن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في ما بلغنا ـ حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال ، فكلّما أوفى بذروة جبل

__________________

(١) تزمّل فلان : إذا تلفّف بثيابه وتدثّر ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٨٣ مادّة « زمل ».

(٢) صحيح البخاري ١ / ٤ ـ ٥ ح ٣ وج ٦ / ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ح ٤٥٠ ، صحيح مسلم ١ / ٩٧ ـ ٩٨ ، وانظر : المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٥ / ٣٢١ ـ ٣٢٣ ح ٩٧١٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ١٠٢ ح ٣٢٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٥١ وج ٩ / ٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ٦٣ ـ ٦٦ ح ٤٥٥٦.

١٣٨

لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبرئيل فقال : يا محمّد! إنّك رسول الله حقّا ؛ فيسكن لذلك جأشه ، وتقرّ نفسه.

فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبرئيل فقال له مثل ذلك »(١) .

ورواه أحمد في ( مسنده ) في مقامات عديدة ، وفي بعضها أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لخديجة : « خشيت أن يكون بي جنن »(٢) .

وروى ابن الأثير في ( كامله ) نحو ما سبق(٣) ، وزاد فيه :

« وقالت خديجة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما تثبّته في ما أكرمه الله به من نبوّته : يا بن عمّ! أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟

قال : نعم.

فجاءه جبرئيل ، فأعلمها ، فقالت : قم فاجلس على فخذي اليسرى.

فقام فجلس عليها ، فقالت : هل تراه؟

قال : نعم.

قالت : فتحوّل فاقعد على فخذي اليمنى.

فجلس عليها ، فقالت : هل تراه؟

قال : نعم.

فتحسّرت ، فألقت خمارها ورسول الله في حجرها ، ثمّ قالت : هل تراه؟

__________________

(١) صحيح البخاري ٩ / ٥٤ ح ١.

(٢) مسند أحمد ١ / ٣١٢ وج ٦ / ٢٢٣ و ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٣) الكامل في التاريخ ٢ / ٢١ [ ١ / ٥٧٦ ]. منهقدس‌سره .

١٣٩

قال : لا.

قالت : يا بن عمّ! اثبت وأبشر ، فو الله إنّه ملك وما هو بشيطان ».

ورواه الطبري أيضا في تاريخه مع هذر كثير(١) .

ورواه في « الاستيعاب » بترجمة خديجة(٢) .

وهذا الحديث أحقّ بأن يجعل مسخرة للناظرين لا رواية للراوين! وذلك لأمور :

الأوّل : إنّه كيف يقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مرارا : « ما أنا بقارئ » ويتحمّل المشاقّ ، ولم يسأل جبرئيل عمّا يراد قراءته؟! وهل هو من كتاب أو غيره؟! فلعلّ له بأحد الوجوه علما أو عذرا!

ثمّ كيف يجوز لجبرئيل إيذاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وترويعه وهو يراه عاجزا عن إتيان ما أمره به ، فهل جاء معنّفا أو معلّما؟!

وليت شعري ما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستسلم بين يديه مرارا ويرجف فؤاده؟! ألم تكن له عند القوم شجاعة موسى فيلطم جبرئيل كما لطم موسى ملك الموت؟!

الثاني : إنّه لا يمكن أن يجهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رسول الله وقد علم برسالته قبل وقتها الكهّان والرهبان ، ولو جهل بها لكان غيره أولى بالجهل بها في تلك الحال ، فيلغو فيها إرساله.

أيجوز أن يبعث الله من لا يدري برسالة نفسه ولا يعلم ما هو؟! وهو سبحانه قد بعث عيسى وهو في المهد وعرّفه أنّه نبيّه وأنطقه برسالته!

__________________

(١) تاريخ الطبري ١ / ٥٣٣.

(٢) الاستيعاب ٤ / ١٨٢٠ رقم ٣٣١١.

١٤٠