دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 80300
تحميل: 2601


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80300 / تحميل: 2601
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

لهم.

ولو سلّم تعدّد المعاني واشتراك الوليّ بينها لفظا ، فلا ريب أنّ المناسب لإنزال الله الآية في مقام التصدّق أن يكون المراد بالوليّ : هو القائم بالأمور ، لا الناصر.

إذ أيّ عاقل يتصوّر أنّ إسراع الله سبحانه بذكر فضيلة التصدّق واهتمامه في بيانها بهذا البيان العجيب لا يفيد إلّا مجرّد بيان أمر ضروري ، وهو نصرة عليّعليه‌السلام للمؤمنين؟!

ولو سلّم أنّ المراد : الناصر ، فحصر ( الناصر ) بالله ورسوله وعليّ ، لا يصحّ إلّا بلحاظ إحدى جهتين :

الأولى : إنّ نصرتهم للمؤمنين مشتملة على القيام والتصرّف بأمورهم ، وحينئذ يرجع إلى المعنى المطلوب.

الثانية : أن تكون نصرة غيرهم للمؤمنين ، ك‍ لا نصرة بالنسبة إلى نصرتهم ، وحينئذ يتمّ المطلوب أيضا ، إذ من أظهر لوازم الإمامة النصرة الكاملة للمؤمنين ، ولا سيّما قد حكم الله عزّ وجلّ بأنّها في قرن نصرته ونصرة رسوله.

وبالجملة : قد دلّت الآية الكريمة على انحصار الولاية ـ بأيّ معنى فسّرت ـ بالله ورسوله وأمير المؤمنين ، وأنّ ولايتهم من سنخ واحد.

فلا بدّ أن يكون أمير المؤمنينعليه‌السلام ممتازا على الناس جميعا ، بما لا يحيط به وصف الواصفين ، فلا يليق إلّا أن يكون إماما لهم ، ونائبا من الله تعالى عليهم جميعا.

ويشهد لإرادة الإمامة من هذه الآية : الآية التي قبلها ، الداخلة معها في

٣٠١

خطاب واحد ، وهي قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (١) الآية

فإنّها ظاهرة في أنّ من يأتي بهم الله تعالى ، من أهل الولاية على الناس والقيام بأمورهم ؛ لأنّ معناها :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ) مخصوصين معه بالمحبّة بينه وبينهم ،( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : متواضعين لهم تواضع ولاة عليهم ، للتعبير ب‍ « على » التي تفيد العلوّ والارتفاع ،( أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ) أي : ظاهري العزّة عليهم والعظمة عندهم ، ومن شأنهم الجهاد فيسبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

ومن المعلوم أنّ هذه الأوصاف إنّما تناسب ذا الولاية والحكم والإمامة ، فيكون تعقّبها بقوله تعالى :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ) الآية ، دليلا على أنّ المراد بوليّ المؤمنين إمامهم القائم بأمورهم ؛ للارتباط بين الآيتين.

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ إرادة الأولى بالتصرّف لا تناسب ما قبل الآية ، وهو قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ) (٢) الآية ؛ لأنّ المراد بالأولياء : الأنصار لا الأحقّين بالتصرّف

فخطأ ؛ لأنّ هذه الآية مفصولة عن آية المقام بآيات عديدة أجنبية

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٤ ـ ٥٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.

٣٠٢

عن آية المقام ، ولذا صدّر آية المقام مع الآية التي قبلها المتّصلة بها بخطاب مستقلّ ، فلا تصلح تلك الآية المفصولة بآيات عديدة للقرينية.

ولنتل عليك الآيات لتتّضح الحال :

قال تعالى بعد الآية التي ذكرها الفضل :( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) (١) الآية.

ثمّ قال بعدها :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (٢) الآية.

فأنت ترى أنّه انتقل في قوله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ ) إلى تمام الآيتين ، إلى مطلب آخر مستقلّ بخطاب ، فكيف تكون إرادة الأنصار من الأولياء في الآية الأولى البعيدة ، موجبة لعدم إرادة الأولى بالتصرّف من الوليّ في الآية الأخيرة؟!

ولو سلّم أنّ الآيات كلّها مرتبطة بعضها ببعض فلا ينافي المطلوب ؛ لأنّ المراد أيضا بالأولياء في الآية الأولى هو : القائمون بالأمور في الجملة ، ولو بالنسبة إلى النصرة والمحافظة ؛ لما بيّنّاه في معنى ( الوليّ ) ، وأنّه مشترك معنى.

فيتمّ المطلوب من كلّ وجه ، ولا سيّما بضميمة قوله تعالى :( مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) الآية ؛ لاشتمالها كما عرفت على الأوصاف

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٢ ـ ٥٤.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

٣٠٣

المناسبة للقائم بالأمور.

وأمّا قوله : « وغير مناسب لما بعدها وهو قوله :( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (١) »

فظاهر البطلان ؛ لأنّ المراد بتولّي الله ورسوله والّذين آمنوا هو اتّخاذهم أولياء ، وتسليم الولاية لهم بالمعنى الذي أريد من ( الوليّ ) في قوله تعالى قبله :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية فكيف لا تحصل المناسبة؟!

هذا ، وقد اعترض القوم على الاستدلال بالآية بأمور أخر :

الأوّل : إنّ الحصر إنّما ينفي ما فيه تردّد ، ولا نزاع ولا خفاء في أنّه لا نزاع في إمامة الثلاثة عند نزول الآية(٢) .

وفيه ـ مع النقض بالنسبة إلى الله ورسوله ، فإنّه لا نزاع للمخاطبين في ولاية ما يضادّهما ـ : إنّه لو سلّم اعتبار التردّد والنزاع فإنّما هو في القصر الإضافي لا الحقيقي.

ولو سلّم ، كفى النزاع في علم الله تعالى ، فإنّه سبحانه عالم بوقوع النزاع في إمامة الثلاثة في المستقبل.

الثاني : إنّ ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل ، ولا شبهة في أنّ إمامة عليّعليه‌السلام إنّما كانت بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصرف الآية إلى ما يكون في المآل دون الحال لا يستقيم في حقّ الله ورسوله(٣) .

وفيه : إنّ ولاية كلّ منهم بحسبه ، فولاية الوصيّ في طول ولاية النبيّ وبعدها ، فإذا دلّت الآية على ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام وإمامته ،

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٦.

(٢) انظر : شرح المقاصد ٥ / ٢٧١ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧.

(٣) انظر : شرح المقاصد ٥ / ٢٧١ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧.

٣٠٤

فقد دلّت على أنّها بعد رسول الله.

على أنّ الحقّ ثبوت الولاية لأمير المؤمنينعليه‌السلام في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله برتبة ثانية ، فتجب طاعته وتمضي تصرّفاته ، لكنّه ساكت غالبا كما هو شأن الإمام في حياة الإمام الذي قبله ، كالحسنعليه‌السلام في زمن أبيه ، والحسين في زمن أخيهعليه‌السلام .

ويدلّ على ذلك حديث المنزلة(١) ، فإنّه دالّ على أنّ منزلة أمير

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٨٩ ـ ٩٠ ح ٢٠٢ وج ٦ / ١٨ ح ٤٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ ـ ١٢١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٩ ح ٣٧٣٠ و ٣٧٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ـ ٤٣ ح ١١٥ وص ٤٥ ح ١٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٤ ح ٨١٣٨ ـ ٨١٤٣ وص ١٠٨ ح ٨٣٩٩ وص ١١٣ ح ٨٤٠٩ وص ١١٩ ـ ١٢٥ ح ٨٤٢٩ ـ ٨٤٤٩ ، مسند أحمد ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ وج ٣ / ٣٢ وج ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، مسند الطيالسي : ٢٩ ح ٢٠٩ ، مسند الحميدي ١ / ٣٨ ح ٧١ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٠٦ ح ٩٧٤٥ وج ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٩٠ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ ح ١١ ـ ١٥ ، مسند سعد بن أبي وقّاص ـ للدورقي ـ : ٥١ ح ١٩ وص ١٠٣ ح ٤٩ وص ١٣٦ ح ٧٥ و ٧٦ وص ١٧٤ ـ ١٧٧ ح ١٠٠ ـ ١٠٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥١ ح ١١٨٨ وص ٥٨٦ ـ ٥٨٨ ح ١٣٣١ ـ ١٣٥٠ وص ٥٩٥ ـ ٥٩٦ ح ١٣٨٤ ـ ١٣٨٧ ، مسند البزّار ٣ / ٢٧٦ ـ ٢٧٨ ح ١٠٦٥ ـ ١٠٦٨ وص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ح ١٠٧٤ ـ ١٠٧٦ وص ٣٢٤ ح ١١٢٠ وص ٣٦٨ ح ١١٧٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٨٦ ح ٣٤٤ وج ٢ / ٥٧ ح ٦٩٨ وص ٦٦ ح ٧٠٩ وص ٧٣ ح ٧١٨ وص ٨٦ ـ ٨٧ ح ٧٣٨ ـ ٧٣٩ وص ٩٩ ح ٧٥٥ وص ١٣٢ ح ٨٠٩ ، الجعديات ٢ / ٧٧ ح ٢٠٥٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٢١ ح ٦٦٠٩ وج ٩ / ٤١ ح ٦٨٨٧ و ٦٨٨٨ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١ / ١٤٦ ح ٣٢٨ وص ١٤٨ ح ٣٣٣ و ٣٣٤ وج ٢ / ٢٤٧ ح ٢٠٣٥ وج ٤ / ١٧ ح ٣٥١٥ وص ١٨٤ ح ٤٠٨٧ وج ٥ / ٢٠٣ ح ٥٠٩٤ و ٥٠٩٥ وج ١١ / ٦١ ـ ٦٣ ح ١١٠٨٧ و ١١٠٩٢ وج ١٢ / ٧٨ ح ١٢٥٩٣ وج ١٩ / ٢٩١ ح ٦٤٧ وج ٢٣ / ٣٧٧ ح ٨٩٢ وج ٢٤ / ١٤٦ ـ ١٤٧ ح ٣٨٤ ـ ٣٨٩ ، _

٣٠٥

المؤمنينعليه‌السلام من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كمنزلة هارون من موسى.

ومن المعلوم ثبوت الولاية لهارون مع موسى ؛ لأنّه شريكه ، فكذا أمير المؤمنين له الولاية الفعلية أيضا وإن سكت ؛ إذ لم يستثن إلّا النبوّة.

ويدلّ ـ أيضا ـ على ذلك حديث الغدير ، ولذا قال له عمر :

« أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة » كما رواه أحمد في مسنده ، عن البراء بن عازب(١) .

ومثله عن الثعلبي في تفسيره(٢) .

ورواه الرازي في تفسير قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (٣) الآية ، ولكن بلفظ : « أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(٤) .

ورواه ابن حجر في أوائل « الصواعق » ، في الشبهة الحادية عشر [ ة ] ، عن الطبراني ، عن عمر وأبي بكر ، بلفط : « أمسيت [ يا بن أبي طالب ] مولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(٥) .

__________________

المعجم الأوسط ٣ / ٢١١ ح ٢٧٤٩ وج ٤ / ٤٨٤ ح ٤٢٤٨ وج ٥ / ٤٣٩ ح ٥٣٣٥ وج ٦ / ٣٢ ح ٥٥٦٩ وص ١٣٨ ح ٥٨٤٥ وص ١٤٦ ح ٥٨٦٦ وج ٧ / ٣٦١ ح ٧٥٩٢ وج ٨ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٧٨٩٤ ، المعجم الصغير ٢ / ٥٣ ـ ٥٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٦٧ ح ٣٢٩٤ وج ٣ / ١١٧ ح ٤٥٧٥ وص ١٤٣ ـ ١٤٤ ح ٤٦٥٢ ، حلية الأولياء ٤ / ٣٤٥ وج ٧ / ١٩٤ ـ ١٩٧ وج ٨ / ٣٠٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٤٠ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٠ ح ٤٧٦٢.

(١) ص ٢٨١ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٢) تفسير الثعلبي ٤ / ٩٢.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٤) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٣.

(٥) الصواعق المحرقة : ٦٧ وقال : « أخرجه الدارقطني » ؛ وانظر : مسند أحمد

٣٠٦

ويدلّ على ذلك أيضا ما رواه الترمذي في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، المصرّح بأنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أصاب جارية من سبيّ ، فتعاقد عليه أربعة فوشوا به عند النبيّ ، فغضب وقال :

«ما تريدون من عليّ؟! ما تريدون من عليّ؟! [ ما تريدون من عليّ؟! ] إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١) .

فإنّه دالّ على مضيّ فعل عليّ في ذلك الوقت ، وأنّ له الاصطفاء من الغنيمة كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لولايته مثله ؛ لأنّه منه ـ أي أنّه كنفسه ـ ، ففعله كفعله.

وعليه : فالبعديّة في هذه الرواية بلحاظ الرتبة لا الزمان ، كما يقرّبه خلوّ الحديث في بعض الروايات عن لفظ « بعدي » كما رواه الحاكم في « المستدرك » بفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

وقد جاء أيضا في أحاديث كثيرة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من كنت

__________________

٤ / ٢٨١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥٥ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٣٨ ـ ٧٣٩ ح ١٠١٦ ، تمهيد الأوائل : ٤٥٣ ، الاعتقاد على مذهب السلف ـ للبيهقي ـ : ٢٠٤ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٩٠ رقم ٤٣٩٢ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٦٩ ح ٢٤ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٦٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٥٦ ح ١٨٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٢٠ ـ ٢٢٢.

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ح ٣٧١٢ ؛ وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ، مسند أحمد ٤ / ٤٣٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ح ٣٥٥ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٨ ح ٢٦٥ ، مسند الطيالسي : ١١١ ح ٨٢٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ح ٥٨ ، مسند الروياني ١ / ٦٢ ح ١١٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤١ ـ ٤٢ ح ٦٨٩٠ ، حلية الأولياء ٦ / ٢٩٤ ، كنز العمّال ١٣ / ١٤٢ ح ٣٦٤٤٤.

(٢) ص ١١٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ١١٩ ح ٤٥٧٩ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٦.

٣٠٧

وليّه فعليّ وليّه » ، كما في مسند أحمد ، عن بريدة(١)

الأمر الثالث : إنّ( الَّذِينَ آمَنُوا ) صيغة جمع فلا تصرف إلى الواحد إلّا بدليل ، وقول المفسّرين : « نزلت في عليّ » لا يقتضي الاختصاص ، ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنية على جعل( وَهُمْ راكِعُونَ ) حالا من ضمير( يُؤْتُونَ ) وليس بلازم ، بل يحتمل العطف ، بمعنى أنّهم يركعون في صلاتهم ، لا كصلاة اليهود خالية من الركوع ، أو بمعنى أنّهم خاضعون(٢) .

وفيه : إنّ الحاليّة متعيّنة لوجهين :

[ الوجه ] الأوّل : بعد الاحتمالين المذكورين ؛ لا ستلزام أوّلهما التأكيد المخالف للأصل ؛ لأنّ لفظ ( الصلاة ) مغن عن بيان أنّهم يركعون في صلاتهم ، لتبادر ذات الركوع منها ، كما يتبادر من الركوع ما هو المعروف ، فيبطل الاحتمال الثاني أيضا.

الوجه الثاني : إنّ روايات النزول صريحة بالحاليّة وإرادة الركوع المعروف

فمنها : ما في « الدرّ المنثور » للسيوطي ، عن ابن مردويه ، من حديث طويل قال في آخره :

__________________

(١) ص ٣٥٠ و ٣٥٨ من الجزء الخامس. منهقدس‌سره .

نقول : ويضاف إلى ردّ الشيخ المظفّر قدس‌سره بأنّه يمكن أن يجاب عن إشكال الفضل هذا ، بأنّه غير صحيح أصلا ؛ لأنّه مبتن على كون « الولاية » بمعنى « الحكومة » ؛ في حين أنّ « الحكومة » شأن من شؤون « الولاية » ، فيندفع الإشكال كبرويا وصغرويا ، فإنّ اجتماع « الحكومتين » في زمان واحد غير ممكن لا اجتماع « الولايتين » ؛ فلاحظ!

(٢) شرح المقاصد ٥ / ٢٧٢ ، شرح التجريد ـ للقوشجي ـ : ٤٧٧.

٣٠٨

« وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :أعطاك أحد شيئا ؟

قال : نعم.

قال : من؟

قال : ذلك الرجل القائم.

قال : على أيّ حال أعطاكه؟

قال : وهو راكع.

قال : وذلك عليّ بن أبي طالب.

فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك وهو يقول :( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) (١) (٢) .

ومثله في « أسباب النزول » للواحدي(٣) .

ومنها : ما في « الدرّ المنثور » أيضا ، عن الخطيب في « المتّفق » ، عن ابن عبّاس ، قال : تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاك هذا الخاتم؟

قال : ذاك الراكع.

فأنزل الله :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) (٤) الآية(٥) .

ومنها : ما في « الدرّ المنثور » أيضا ، عن الطبراني وابن مردويه ، عن عمّار بن ياسر ، قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ،

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٦.

(٢) الدرّ المنثور ٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٣) أسباب النزول : ١١١ ؛ وانظر : معرفة علوم الحديث : ١٠٢ ، زاد المسير ٢ / ٢٢٧ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٥) الدرّ المنثور ٣ / ١٠٤ و ١٠٥ ، وانظر : المتّفق والمفترق ١ / ٢٥٨ ح ٧٩.

٣٠٩

فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله [ هذه الآية ] :( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية(١) .

ونحوه في التقييد بقوله : « وهو راكع » ما في « الدرّ المنثور » أيضا ، عن ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن عساكر ، عن سلمة بن كهيل(٢) .

ونحوه أيضا فيه ، عن ابن جرير ، عن السدّي وعتبة بن [ أبي ](٣) حكيم(٤) .

ومنها : ما عن الثعلبي ؛ وفي تفسير الرازي ، عن أبي ذرّرحمه‌الله ، قال : « سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين وإلّا صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلّا عميتا ، يقول :عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله .

أمّا إنّي صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئا ، وكان عليّ راكعا ، فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الله عزّ وجلّ فقال :

اللهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال : اللهمّ ( اشْرَحْ لِي صَدْرِي *

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ / ١٠٥ ؛ وانظر : المعجم الأوسط ـ للطبراني ـ ٦ / ٢٩٤ ح ٦٢٣٢.

(٢) الدرّ المنثور ٣ / ١٠٥ ؛ وانظر : تفسير ابن كثير ٢ / ٦٨ ، لباب النقول : ٩٣.

(٣) أثبتناه من تفسير الطبري ؛ وهو : عتبة بن أبي حكيم الهمداني الشعباني الأردني ، روى له الأربعة ـ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ والبخاري في « خلق أفعال العباد » ووقع في كتاب العلم من صحيحه ضمنا.

انظر : تهذيب الكمال ١٢ / ٣٥٩ رقم ٤٣٥٥ ، ميزان الاعتدال ٥ / ٣٧ رقم ٥٤٧٥ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٤٥٦ رقم ٤٥٦١.

(٤) الدرّ المنثور ٣ / ١٠٥ ؛ وانظر : تفسير السدّي : ٢٣١ ، تفسير الطبري ٤ / ٦٢٨ ح ١٢٢١٥ وص ٦٢٩ ح ١٢٢١٨ و ١٢٢١٩.

٣١٠

وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (١) ، فأنزلت عليه :( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً ) (٢) .

اللهمّ وأنا محمّد عبدك ونبيّك ، فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليّا اشدد به ظهري.

قال أبو ذرّرحمه‌الله : فو الله ما استتمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الكلمة حتّى هبط جبرئيل بهذه الآية »(٣) .

ومنها : ما في تفسير الرازي ، عن عبد الله بن سلّام ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية ، قلت : يا رسول الله! أنا رأيت عليّا تصدّق بخاتمه [ على محتاج ] وهو راكع ، فنحن نتولّاه »(٤) .

.. إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى ، الصريحة في الحاليّة ، وإرادة الركوع المعروف ، الدالّة على أنّ المراد تعيين أمير المؤمنينعليه‌السلام بهذه الأوصاف(٥) .

كما لا ريب بإرادة المفسّرين اختصاص الآية بأمير المؤمنينعليه‌السلام ؛ لأنّ تفسيرهم مأخوذ من هذه الروايات ونحوها(٦) .

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٢.

(٢) سورة القصص ٢٨ : ٣٥.

(٣) تفسير الثعلبي ٤ / ٨٠ ـ ٨١ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٨.

(٤) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٢٨.

(٥) راجع الصفحة ٢٩٧ من هذا الجزء.

(٦) انظر : تفسير الطبري ٤ / ٦٢٩ ح ١٢٢١٩ ، تفسير البغوي ٢ / ٣٨ ، تفسير القرطبي

٣١١

ولعمري لو فتحنا باب تلك التأويلات السوفسطائية ، لا سيّما مع مخالفتها للأخبار ، لما كانت آية حجّة على أمر ألبتّة ، بل لم يثبت بكلمة الشهادة إسلام أحد!

وذلك غير خفيّ على القوم ، ولكنّ البغض والعداوة داء لا دواء له!

فيا هل ترى لو نزلت هذه الآية في حقّ أبي بكر أو عمر أكانوا يجرون فيها هذه التأويلات ، أو يجعلونها أدلّ النصوص على الإمامة؟!

وأنت تعلم أنّهم يزعمون أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبا بكر بالصلاة في الناس(١) ، ومن مذهبهم جواز إمامة الفاسق في الصلاة(٢) ، ومع ذلك قالوا إنّه دليل على إمامته!! فيا بعد ما بين المقامين ، ولا أمر كأمر أبي بكر وأبي حسن وحسين!!

ثمّ إنّ الفائدة في التعبير عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ـ وهو فرد ـ بصيغة الجمع ، هي تعظيمه(٣) ، والإشارة إلى أنّه بمنزلة جميع المؤمنين المصلّين المزكّين ؛ لأنّه عميدهم ، ومن أقوى الأسباب في إيمانهم ومبرّاتهم ، كما أشار إلى ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله يوم الخندق : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه »(٤) .

__________________

٦ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، تفسير الدرّ المنثور ٣ / ١٠٤ و ١٠٥ ، روح المعاني ٦ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥.

(١) سيأتي تفصيله في محلّه من الجزء السابع من هذا الكتاب.

(٢) انظر الصفحة ٢٠٦ ه‍ ٢ من هذا الجزء.

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٣٠ ، مجمع البيان ٣ / ٣٤٨.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٦١ و ٢٨٥ ، حياة الحيوان الكبرى ـ للدميري ـ ١ / ٢٧٤ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٨١ ح ٢ و ٢٨٤ ح ٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٦١ ، الطرائف : ١٦.

٣١٢

وجعل الزمخشري الفائدة فيه ترغيب الناس في مثل فعله ، لينبّه [ على ] أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان(١) (٢) .

* * *

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٦٢٤.

(٢) وللعلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين ١ بيان آخر لهذه المسألة ، فبعد أن أورد قولي الطبرسي والزمخشري ، قال ما نصّه : « قلت : عندي في ذلك نكتة ألطف وأدقّ ، هي : إنّه إنّما أتى بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقيا منه تعالى على كثير من الناس ، فإنّ شانئي عليّ وأعداء بني هاشم وسائر المنافقين وأهل الحسد والتنافس ، لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد ؛ إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويه ، ولا ملتمس في التضليل ، فيكون منهم ـ بسبب يأسهم ـ حينئذ ما تخشى عواقبه على الإسلام ، فجاءت الآية بصيغة الجمع ـ مع كونها للمفرد ـ اتّقاء من معرّتهم ، ثمّ كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة ، ومقامات متعدّدة ، وبثّ فيهم أمر الولاية تدريجا تدريجا حتّى أكمل الدين وأتمّ النعمة ، جريا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشقّ عليهم ، ولو كانت الآية بالعبارة المختصّة بالمفرد ، لجعلوا أصابعهم في آذانهم ، واستغشوا ثيابهم ، وأصرّوا واستكبروا استكبارا!

وهذه الحكمة مطّردة في كلّ ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين كما لا يخفى ».

انظر : المراجعات : ٢٦٣ رقم ٥.

٣١٣

٢ ـ آية :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ )

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الثانية : قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (٢) .

نقل الجمهور أنّها نزلت في بيان فضل عليّعليه‌السلام يوم الغدير ، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّعليه‌السلام وقال : «أيّها الناس! ألست أولى منكم بأنفسكم ».

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار »(٣) .

المولى يراد به : الأولى بالتصرّف ؛ لتقدّم « ألست أولى » ، ولعدم صلاحيّة غيره هاهنا.

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٢.

(٢) سورة المائدة : ٥ : ٦٧.

(٣) انظر : تفسير الحبري : ٢٦٢ ح ٢٤ وص ٢٨٥ ـ ٢٨٧ ح ٤١ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٩٢ ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ١١٢ ، شواهد التنزيل ١ / ١٨٧ ـ ١٩٢ ح ٢٤٣ ـ ٢٥٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٣ ، مطالب السؤول : ٧٩ ، فرائد السمطين ١ / ١٥٨ ح ١٢٠ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ٤٢ ، الدرّ المنثور ٣ / ١١٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩.

٣١٤

وقال الفضل(١) :

أمّا ما ذكره من إجماع المفسّرين على أنّ الآية نزلت في عليّ ، فهو باطل ؛ فإنّ المفسّرين لم يجمعوا على هذا.

وأمّا ما روي من أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكره يوم غدير خمّ حين أخذ بيد عليّ وقال : «ألست أولى » ، فقد ثبت هذا في الصحاح(٢) .

وقد ذكرنا سرّ هذا في ترجمة كتاب « كشف الغمّة في معرفة الأئمّة »(٣)

ومجمله : إنّ واقعة غدير خمّ كانت في مرجع رسول الله عام حجّة الوداع ، وغدير خمّ : محلّ افتراق قبائل العرب ، وكان رسول الله يعلم أنّه آخر عمره ، وأنّه لا يجتمع العرب بعد هذا عنده مثل هذا الاجتماع ، فأراد أن يوصي العرب بحفظ محبّة أهل بيته وقبيلته

ولا شكّ أنّ عليّا كان بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد بني هاشم وأكبر أهل البيت ، فذكر فضائله ، وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبّة معه ، ليتّخذه العرب سيّدا ويعرفوا فضله وكماله.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٤٨٢.

(٢) انظر : سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ح ١١٦ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩١ ح ٣٧١٣ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٤ ح ٨٤٧٨ ، مسند أحمد ١ / ١١٩ وج ٤ / ٣٧٢ وج ٥ / ٣٤٧ ، المعجم الكبير ٥ / ١٩٤ ـ ١٩٥ ح ٥٠٦٦ و ٥٠٦٨ ـ ٥٠٧١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٢ ح ٦٨٩٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

(٣) راجع ج ٢ / ٢٠ ـ ٢١ من هذا الكتاب.

٣١٥

ولينصف المنصف من نفسه ، لو كان يوم غدير خمّ صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخلافة عليّ نصّا جليّا لا يحتمل خلاف المقصود ، ألا ترى العرب مع جلافتهم وكفرهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعلهم الأنبياء فيهم مثل مسيلمة الكذّاب(١) ، وسجاح(٢) ، وطليحة(٣) ، كانوا يسكتون على خلافة أبي بكر ، وكانوا لا يتكلّمون بنباس(٤) في أمر خلافة عليّ ، مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على المنبر بمحضر جميع قبائل العرب؟!

إن أنصف المتأمّل العاقل ، علم أن لا نصّ هناك!

* * *

__________________

(١) هو : مسيلمة بن حبيب من بني تميم ، متنبّئ ، وقد وضع عن قومه الصلاة ، وأحلّ لهم الخمر والزنا ، وجعل يسجع لهم السجعات مضاهاة للقرآن ، كان من المعمّرين ، ولد باليمامة قبل ولادة والد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تلقّب بالجاهلية بالرحمن ، وعرف برحمن اليمامة ، قالوا في وصفه : كان رويجلا ، أصيغر ، أخينس ، كان اسمه مسلمة ، وسمّاه المسلمون مسيلمة تصغيرا له ، قتل في غزوة اليمامة عام ١٢ ه‍ وكان عمره آنذاك ١٥٠ سنة.

انظر : تاريخ الطبري ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ٨٩ ، شذرات الذهب ١ / ٢٣.

(٢) تقدّمت ترجمتها في ج ١ / ١٤٢ ه‍ ١ من هذا الكتاب.

(٣) هو : طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر الأسدي ، كان ممّن شهد الخندق مع الأحزاب ، وأسلم سنة ٩ ه‍ ، ثمّ ارتدّ وأدّعى النبوّة في عهد أبي بكر ، ثمّ كانت له وقائع كثيرة مع المسلمين ، ثمّ خذله الله وهرب حتّى لحق بأعمال دمشق ، ونزل على آل جفنّة ، ثمّ أسلم وقدم مكّة معتمرا ، ثمّ خرج إلى الشام مجاهدا ، وشهد اليرموك ، وشهد بعض حروب الفرس ، وقتل بنهاوند سنة ٢١ ه‍.

انظر : الاستيعاب ٢ / ٧٧٣ رقم ٧٧٣ ، أسد الغابة ٢ / ٤٧٧ رقم ٢٦٣٩ ، تاريخ دمشق ٢٥ / ١٤٩ ـ ١٧٢ رقم ٢٩٩٢.

(٤) النّبس : هو أقلّ الكلام ، وما نبس : أي ما تحرّكت شفتاه بشيء ، وما نبس بكلمة : أي ما تكلّم ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ٢٠ مادّة « نبس ».

٣١٦

وأقول :

لم يذكر المصنّفرحمه‌الله المفسّرين في كلامه هنا ، فضلا عن أنّه ادّعى إجماعهم ، وإنّما نقل رواية الجمهور لنزول الآية في فضل عليّعليه‌السلام ، وهو حقّ ، فإنّه قد رواه الكثير منهم.

فقد نقل السيوطي في « الدرّ المنثور » بتفسير الآية ، عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر بأسانيدهم ، عن أبي سعيد ، قال : « نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ في عليّ »(١)

ونقل أيضا عن ابن مردويه ، بإسناده عن ابن مسعود ، قال : « كنّا نقرأ على عهد رسول الله :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (٢) أنّ عليّا مولى المؤمنين( وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) (٤) .

وروى الواحدي في « أسباب النزول » ، عن أبي سعيد ، قال : « نزلت يوم غدير خمّ في عليّ »(٥) .

ونقل المصنّفرحمه‌الله نحو هذا في « منهاج الكرامة » ، عن أبي نعيم ، عن عطيّة(٦) .

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ / ١١٧ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٣٧.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٤) الدرّ المنثور ٣ / ١١٧.

(٥) أسباب النزول : ١١٢.

(٦) منهاج الكرامة : ١١٧ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ : ٨٦.

٣١٧

ونقل أيضا نحو ما ذكره هنا عن الثعلبي(١) .

وقال الرازي في أحد وجوه نزولها : « ولمّا نزلت أخذ بيده وقال :من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .

فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وهو قول ابن عبّاس ، والبراء بن عازب ، ومحمّد بن علي ».

ثمّ قال : « وأعلم أنّ هذه الروايات وإن كثرت ، إلّا أنّ الأولى حمله على أنه آمنه من مكر اليهود والنصارى ، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم ؛ وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية [ بكثير ] وما بعدها بكثير ، لمّا كان كلاما مع اليهود والنصارى ، امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها »(٢) .

وفيه : مع أنّه هذا اجتهاد في مقابلة النصّ ، وهو غير مقبول : إنّ سورة المائدة آخر سورة نزلت من القرآن ، كما رواه الحاكم في « المستدرك »(٣) ، ورواه غيره أيضا(٤) ، وكان نزولها بحجّة الوداع.

ومن المعلوم أنّه حينئذ لم تكن لليهود والنصارى شوكة يخشى منها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلّغ ما أنزل إليه ، فالمناسب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خاف منافقي قومه.

__________________

(١) منهاج الكرامة : ١١٧ ، وانظر : تفسير الثعلبي ٤ / ٩٢.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٢ / ٥٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٤٠ ح ٣٢١٠ و ٣٢١١.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٢٤٣ ح ٣٠٦٣ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٣٣٣ ح ١١١٣٨ ، مسند أحمد ٦ / ١٨٨ ، تفسير النسائي ١ / ٤٢٧ ح ١٥٨ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ١٧٢ ، تفسير القرطبي ٦ / ٢٢ ـ ٢٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٣.

٣١٨

ومن الواضح أنّه لا يخشاهم من تبليغ شيء جاء به إلّا نصب عليّعليه‌السلام إماما ، عداوة وحسدا له.

وقد ورد عندنا أنّ جبرئيلعليه‌السلام نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع بأن ينصب عليّا خليفة له ، فضاق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به ذرعا مخافة تكذيب أهل الإفك ، وقال لجبرئيل :إنّ قومي لم يقرّوا لي بالنبوّة إلّا بعد أن جاهدت ، فكيف يقرّون لعليّ بالإمامة في كلمة واحدة؟! وعزم على نصبه بالمدينة .

فلمّا وصل إلى غدير خمّ نزل عليه قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) الآية(٢) .

ولمّا سار بعد نصبه ووصل العقبة دحرجوا له الدّباب(٣) لينفّروا ناقته ويقتلوه فينقضوا فعله ، فعصمه الله سبحانه منهم(٤) .

ثمّ أراد أن يؤكّد عليه النصّ في كتاب لا يضلّون بعده ، فنسبوه إلى الهجر!(٥) ؛ وأراد تسييرهم بجيش أسامة ، فعصوه!(٦) .

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٢) انظر : أصول الكافي ١ / ٣٢٠ ـ ٣٢٢ ح ٧٥٥ و ٧٥٧ ، الاحتجاج ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) الدّبّة : ظرف يجعل فيه الزيت والبزر والدّهن ، والجمع : دباب ؛ انظر مادّة « دبب » في : لسان العرب ٤ / ٢٧٨ ، تاج العروس ١ / ٤٧٩.

(٤) انظر : مسند أحمد ٥ / ٤٥٣ ، الكشّاف ٢ / ٢٠٣ ، الخصال ٢ / ٤٩٩ ح ٦ ، الاحتجاج ١ / ١٢٧ ـ ١٣٢.

(٥) مرّ تخريج ذلك مفصّلا في الصفحة ٩٣ ه‍ ٢ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٦) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٩٦ ح ٢٢٣ وص ٢٩٠ ح ٢٦٢ وج ٦ / ٤٠ ح ٤٥٠ و ٤٥١ وج ٨ / ٢٣٠ ح ٦ وج ٩ / ١٣٢ ح ٤٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٣١ ، سنن _

٣١٩

وأمّا توسّط هذه الآية بين الآيات المتعلّقة باليهود والنصارى ، فللإشارة إلى أنّ المنافقين بمنزلتهم ، ومن سنخهم في الضلال والكفر ؛ ولذا حكم بارتدادهم في أخبار الحوض(١) .

ولو كان المقصود هو : العصمة عن اليهود والنصارى ، لكان الأولى هو الإضمار لا التعبير عنهم بالناس.

ثمّ إنّه لا بدّ من تحقيق حديث الغدير(٢) في الجملة سندا ودلالة ،

__________________

الترمذي ٥ / ٦٣٥ ح ٣٨١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٥٣ ح ٨١٨٥ و ٨١٨٦ ، مسند أحمد ٢ / ٢٠ و ١٠٦ و ١١٠ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ١٠٥٢ ح ١٥٢٥ وص ١٠٥٤ ح ١٥٢٩ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٣٥٢ ح ٥٤٦٢ وص ٣٩٠ ح ٥٥١٨ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٣٤ ح ٢٠٤١٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٣٢ ح ٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٤٦ ، المغازي ـ للواقدي ـ ٣ / ١١١٩ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٦ / ٦٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٩٤ ح ٧٠٠٤ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٢ ، تاريخ دمشق ٨ / ٥٨ ـ ٦٢.

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ ه‍ ١ ، وانظر : الصفحة ٢١٢ ـ ٢١٣ ه‍ ١ من هذا الجزء.

(٢) روى حديث الغدير أغلب أعلام وحفّاظ ومحدّثي الجمهور ، في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم ، وقد مرّ تخريج الحديث مفصّلا في ج ١ / ١٩ ـ ٢١ ه‍ ١ ، ونورد في ما يلي مجموعة أخرى من أمّهات مصادرهم من التي روت الحديث زيادة عمّا مرّ : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٠ ح ٨٤٦٤ وص ١٣١ ـ ١٣٢ ح ٨٤٦٨ ـ ٨٤٧٣ وص ١٣٤ ـ ١٣٥ ح ٨٤٧٨ ـ ٨٤٨١ وص ١٣٦ ح ٨٤٨٣ و ٨٤٨٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٤٩ ح ١١٦٧ وص ٨٧٨ ح ١٢٠٦ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٧٥ رقم ١١٩١ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٥ ح ٢٠٣٨٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ وج ١١ / ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٢ ح ٦٨٩٢ ، مسند الإمام زيد : ٤٥٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ١٢٩ ، _

٣٢٠