دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٤

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-357-8
الصفحات: 442
المشاهدات: 82190
تحميل: 2772


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82190 / تحميل: 2772
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 964-319-357-8
العربية

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكنّ الرجال تبايعوها(١)

فلم أر مثله خطرا(٢) مبيعا(٣)

قال السبط : ولهذه الأبيات قصّة عجيبة حدّثنا بها شيخنا عمرو بن صافي الموصلي ، قال : أنشد بعضهم هذه الأبيات فبات مفكّرا ، فرأى عليّاعليه‌السلام في المنام فقال له :أعد عليّ أبيات الكميت .

فأنشده إيّاها حتّى بلغ قوله : « خطرا مبيعا » فأنشده عليّعليه‌السلام بيتا آخر من قوله زيادة فيها :

فلم أر مثل ذلك اليوم يوما

ولم أر مثله حقّا أضيعا(٤)

ثمّ ذكر السبط أبياتا من نحو هذا(٥) للسيّد الحميري(٦) وبديع الزمان

__________________

(١) وفي نسخة : « تدافعوها ». منهقدس‌سره .

(٢) الخطر : ارتفاع القدر والمال والشرف والمنزلة ، ورجل خطير : أي له قدر وخطر ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ١٣٧ مادّة « خطر ».

(٣) تذكرة الخواصّ : ٣٩ ؛ وانظر : رسالة في أقسام المولى في اللسان : ٤١ ، كنز الفوائد ١ / ٣٣٣.

(٤) تذكرة الخواصّ : ٤٠.

(٥) راجع الأبيات في تذكرة الخواصّ : ٤٠.

(٦) هو : إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميريّ ، يلقّب بالسيّد ، ويكنّى أبا هاشم ، توفّي سنة ١٧٣ ه‍.

أمّه امرأة من الأزد ، ثمّ من بني الحدّان ، وجدّه يزيد بن ربيعة شاعر مشهور ، وهو الذي هجا زياد ابن أبيه وبنيه ، ونفاهم عن آل حرب ، وحبسه عبيد الله بن زياد لذلك وعذّبه ، ثمّ أطلقه معاوية.

كان شاعرا متقدّما مطبوعا ، يقال : إنّ أكثر الناس شعرا في الجاهلية والإسلام ثلاثة : بشّار ، وأبو العتاهية ، والسيّد.

وإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له؟ قال : غاصت عليّ الرحمة غوصا.

انظر ترجمته في : الأغاني ٧ / ٢٤٨ ـ ٢٥٠.

٣٤١

الهمداني(١) .

ولا يمكن استيفاء ما قاله الشعراء ، فإنّه ممّا يمتنع حصره.

هذا ، وقد أورد القوم على الحديث بأمور حقيقة بالإعراض عنها لو لا إرادتنا استيفاء ما عندهم

الأوّل : منع صحّته :

قال في « المواقف » وشرحها : « ودعوى الضرورة في العلم بصحّته لكونه متواترا ، مكابرة! كيف؟! ولم ينقله أكثر أصحاب الحديث ، كالبخاري ومسلم وأضرابهما ، وقد طعن بعضهم فيه ، ك‍ [ ابن ](٢) أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي ، وغيرهما من أئمّة الحديث! »(٣) .

__________________

(١) هو : أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذاني ، أحد أئمّة الكتاب ، له : « المقامات » ، أخذ الحريري أسلوب مقاماته عنها ، وكان شاعرا ، وطبقته في الشعر دون طبقته في النثر ، ولد في همذان سنة ٣٥٨ ه‍ ، وأنتقل إلى هراة سنة ٣٨٠ ، فسكنها ، ثمّ ورد نيسابور سنة ٣٨٢ ه‍ فلقي أبا بكر الخوارزمي فشجر بينهما ما دعاهما إلى المساجلة ، فطار ذكر الهمذاني في الآفاق ، كان قويّ الحافظة يضرب المثل بحفظه ، ويذكر أنّ أكثر مقامته ارتجال ، وله ديوان شعر ، ورسائل عدّتها ٢٣٣ رسالة ، ووفاته في هراة مسموما سنة ٣٩٨ ه‍.

انظر : يتيمة الدهر ٤ / ٢٩٣ رقم ٦٤ ، وفيات الأعيان ١ / ١٢٧ رقم ٥٢.

(٢) أثبتناه من « شرح المواقف » ، وهي إضافة يقتضيها المقام ؛ انظر الهامش التالي.

(٣) المواقف : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦١.

هذا ، وقد قال الشريف المرتضى في معرض ردّه على القاضي عبد الجبّار ما نصّه : فإن قال : أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني دفع الخبر ، وحكي مثله عن الخوارج ، وطعن الجاحظ في كتاب « العثمانية » فيه؟!

قيل له : أوّل ما نقوله إنّه لا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذّ عنه ، بل _

٣٤٢

__________________

الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن يعتبر قول مثله في الإجماع ، ثمّ يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه ، فابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع ، خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع ، وفقد الخلاف ، وقد سبقهما ثمّ تأخّر عنهما.

على أنّه قد قيل : إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر ، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خمّ متقدّما ، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر ، والتبرّي ممّا قذفه به محمّد بن جرير الطبري.

والجاحظ أيضا لم يتجاسر على التصريح بدفع الخبر ، وإنّما طعن في بعض رواته ، وأدّعى اختلاف ما نقل من لفظه ، ولو صرّحا وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحا ؛ لما قدّمناه.

انظر : الشافي ٢ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤.

ويضاف إلى ذلك أنّ ما طعن به ابن أبي داود ـ لو ثبت ـ معارض برواية أبيه ـ صاحب « السنن » ـ للحديث كما في السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٠ ح ٨٤٦٧ وص ١٣٢ ح ٨٤٧٣ وص ١٣٤ ح ٨٤٧٨.

كما إنّ ابن أبي داود كان منحرفا عن الإمام عليّ عليه السلام ، وأشتهر ببغضه له عليه السلام ، وتكلّم فيه جمع من كبار الأئمّة والأعلام وفي مقدّمتهم أبوه ، فقد قال : « ابني عبد الله يكذب » ، حتّى قال ابن صاعد : « كفانا ما قال فيه أبوه ».

انظر : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

أمّا طعن أبي حاتم في الحديث فلا يعبأ به ؛ لتعنّته وتسرّعه في الطعن بغير دليل وبدون تورّع ، فقد قال الذهبي فيه : « إذا ليّن رجلا ، أو قال فيه : لا يحتجّ به ، فتوقّف حتّى ترى ما قال غيره فيه ، فإن وثّقه أحد ، فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنّه متعنّت في الرجال » ، وقد نسب كتابا للبخاري إلى نفسه ، وما صنعه من أقبح الأشياء وأشنعها!

راجع : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٠ ، طبقات الشافعية الكبرى ـ للسبكي ـ ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

ثمّ إنّ طعن أبي حاتم معارض برواية ابنه للحديث كما في الدرّ المنثور ٣ / ١١٧ ، والمعروف عند أهل الفنّ أنّ ابنه عبد الرحمن أشهر من أبيه وأوثق

٣٤٣

أقول :

إن أريد بمنع صحّته ، أنّه لم يرو بسند صحيح ، كذّبهم تصحيح الحاكم(١) وغيره له ، حتّى إنّ الذهبي على نصبه ، وابن حجر على تعصّبه ، اعترفا بصحّة كثير من طرقه كما سبق(٢) .

وإن أريد عدم إفادته اليقين بالصدور ، لعدم كونه متواترا عندهم ، فمتّجه في الجملة من حيث حصول الشبهة في الإمامة عندهم.

ولكن الحقّ أنّه لا محلّ لمنع تواتره ، لاستفاضة طرقه بينهم ـ فضلا عنّا ـ استفاضة توجب أعلى مراتب التواتر عند من أنصف.

وقد اعترف السيوطي ـ كما عرفت ـ بتواتره ، وكذلك ابن الجزري ، حتّى نسب منكر تواتره إلى الجهل والتعصّب(٣) .

وأمّا عدم ذكر البخاري ومسلم له فغير عجيب ؛ إذ كم أهملا أخبارا صحيحة عندهم واستدركها أصحابهما.

ولست ألومهما على إهمالهما لهذا الحديث الصحيح المتواتر ، لا لمجرّد عدم موافقته لمذهبهما ، بل لرعاية ملوك زمانهما وهوى قومهما ، والناس على دين ملوكهم!

وبهذا تعلم عذر السجستاني وأبي حاتم!

__________________

وأعرف بالرواية والحديث والجرح والتعديل ، ومن راجع مصنّفات ابنه ك‍ « الجرح والتعديل » و « علل الحديث » تبيّن له ذلك.

(١) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦ و ٤٥٧٧.

(٢) راجع الصفحة ٣٢١ وما بعدها من هذا الجزء.

(٣) راجع الصفحة ٣٢١ من هذا الجزء.

٣٤٤

قال سنّيّ لشيعيّ : ما لكم تنوحون على الحسين في كلّ وقت وقد مضت على قتله السنون؟!

فقال : نخاف أن تنكروا قتله ومظلوميّته كما أنكرتم بيعة الغدير!

الثاني : إنّ عليّا لم يكن يوم الغدير مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه كان باليمن.

ويرد عليه : إنّ رجوعه من اليمن وحضوره الحجّ مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا تضافرت به الأخبار ، كما ستعرف بعضها في تحريم عمر للمتعتين ، وقد عرفت إقرار ابن حجر بثبوت ذلك(١) .

الثالث : إنّ أكثر رواته لم يرووا مقدّمة الحديث ، وهي : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟! ».

وفيه : إنّه لو سلّم عدم ذكر الأكثر لها ، كفانا وجودها في الصحاح الكثيرة والأخبار المتضافرة ، وقد نصّ ابن حجر والذهبي والحاكم وغيرهم على صحّتها كما سبق(٢) .

الرابع : إنّ « مفعل » بمعنى « أفعل » لم يذكره أحد من أئمّة العربية ، مع أنّ الاستعمال على خلافه ؛ لجواز أن يقال : هو أولى من كذا ، دون : مولى من كذا ؛ ولو سلّم ، فأين الدليل على أنّ المراد : الأولى بالتصرّف والتدبير؟!

بل يجوز أن يراد الأولى في أمر من الأمور كما قال تعالى :( إِنَّ

__________________

(١) انظر الصفحة ٣٢١ من هذا الجزء ، وراجع : الصواعق المحرقة : ٦٤ الشبهة ١١.

(٢) انظر الصفحة ٣٢١ وما بعدها من هذا الجزء ، وراجع : الصواعق المحرقة : ٦٤ ـ ٦٦ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١١٨ ح ٤٥٧٦.

٣٤٥

أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) (١) (٢) ، وأراد الأولويّة في الاتّباع والاختصاص به والقرب منه ، لا في التصرّف به.

ولصحّة الاستفسار ؛ إذ يجوز أن يقال : في أي شيء هو أولى؟ أفي نصرته أو محبّته أو التصرّف فيه؟

ولصحّة التقسيم ؛ بأن يقال : كونه أولى به ، إمّا في نصرته ، وإمّا في ضبط أمواله ، وإمّا في تدبيره والتصرّف فيه.

وحينئذ لا يدلّ الحديث على إمامته.

هذا ما ذكره في « المواقف » وشرحها(٣) .

وفيه أوّلا : إنّ أبا عبيدة فسّر « المولى » في قوله تعالى :( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) (٤) بالأولى بكم ، كما حكاه عنه في « شرح التجريد » للقوشجي(٥) .

وثانيا : إنّ من يفسّر « المولى » في الحديث ب‍ « الأولى بالتصرّف » لم

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦٨.

(٢) القول بأنّ « مفعل » بمعنى « أفعل » لم يذكره أحد من أئمّة العربية مجازفة شنيعة ، وتغافل بيّن ، فقد قال به جمع كبير من الأعلام ، كابن عبّاس ، وزيد بن عليّ ، ومحمّد بن السائب الكلبي ، والفرّاء ، وأبي عبيدة معمر بن المثنّى ، وابن قتيبة ، والمبرّد ، وأبي العبّاس ثعلب النحوي ، والزجّاج ، وغيرهم.

انظر : تفسير تنوير المقياس : ٥٧٧ ، تفسير غريب القرآن : ٤٠٨ ، العمدة ـ لابن بطريق ـ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٢٨ ، رسالة في معنى المولى : ٣٧ ، صحيح البخاري ٦ / ٢٥٩ ، شحر المعلّقات ـ للزوزني ـ : ١٤٨ ، تفسير الطبري ١١ / ٦٨٠ ، معالم التنزيل ـ للبغوي ـ ٤ / ٢٧٠ ، الكشّاف ٤ / ٦٤.

(٣) المواقف : ٤٠٥ ، شرح المواقف ٨ / ٣٦١.

(٤) سورة الحديد ٥٧ : ١٥.

(٥) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٧.

٣٤٦

يرد أنّه اسم تفضيل مثله ، حتّى يرد عليه أنّه يقال : هو أولى من كذا ، ولا يقال : مولى من كذا.

بل أراد التفسير بحاصل المعنى ، بقرينة مقدّمة الحديث ، وهي قوله : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟! ».

فإنّ هذه المقدّمة تدلّ على أنّ المراد بمولاهم : الأولى بهم من أنفسهم ، وهو عبارة أخرى عن الأولى بالتصرّف.

وإن شئت أن تفسّر المولى بمالك الأمر ، كما هو معناه الحقيقي ، كان أحسن ، فيكون معنى الحديث : من كنت مالك أمره لكوني أولى به من نفسه ، فعليّ مثلي مالك أمره ، كقوله : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها »(١) أي مالك أمرها.

وكيف كان ، فالنتيجة واحدة ، وهي أنّ عليّاعليه‌السلام مالك أمر الأمّة ، وإمامها ، وأولى بها من أنفسها في التصرّف ، كالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما زعماه من جواز أن يراد الأولى في أمر من الأمور غير التصرّف ، وما زعماه من صحّة الاستفسار والتقسيم ، فخطأ ظاهر ؛ لابتناء ذلك على إجمال الحديث.

وقد عرفت أنّ مقدّمته وغيرها من القرائن تدلّ على أنّ المراد

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ح ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ح ١١٠٢ ، سنن الدارمي ٢ / ٩٦ ح ٢١٨٠ ، مسند أحمد ٦ / ٤٧ و ٦٦ و ١٦٦ ، مسند الحميدي ١ / ١١٢ ح ٢٢٨ ، سنن سعيد بن منصور ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ح ٥٢٨ و ٥٢٩ ، مختصر المزني على كتاب الأمّ ٩ / ١٧٦ ، المعجم الأوسط ١ / ٣٦٠ ح ٨٧٧ وج ٦ / ٣٣٧ ح ٦٣٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٨٢ ح ٢٧٠٦ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢٨٥.

٣٤٧

بالمولى : الأولى بهم من أنفسهم في التصرّف ، ومالك أمرهم ، وإمامهم.

كيف؟! ولو كان الحديث مجملا مع تلك القرائن ، حتّى يدخله الاحتمال المذكور ، ويجوز فيه الاستفسار والتقسيم ، لكانت كلمة الشهادة أولى بالإجمال ؛ لإمكان الاستفسار فيها بأنّ المراد هل هو : لا إله إلّا الله في السماء أو في الأرض ، أو : لا إله إلّا الله في آسيا أو أوربّا أو غيرهما إلى غير ذلك ؛ ولإمكان التقسيم أيضا بنحو ذلك ، وهذا لا يقوله ذو معرفة.

الخامس : إنّه لو سلّم دلالة الحديث على إمامة عليّعليه‌السلام فلا نسلّم دلالته على كونها بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، حتّى تنتفي إمامة الثلاثة.

وفيه : إنّ هذا مكابرة ظاهرة ، إذ كيف يترك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في حال نصب إمام للمسلمين لحضور أجله ـ ذكر ثلاثة وينصّ على من بعدهم ، الذي يكون إماما بعد خمس وعشرين سنة من وفاته؟!

ولو جاز ذلك ، لكان جميع ولاة العهد محلّ كلام ، إذ لا يقول السلطان : هذا وليّ عهدي بلا فصل ؛ بل على احتمالات القوم لو قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعليّ مولاه بعدي ؛ لقالوا : لا منافاة بين البعديّة والفصل بغيره ، كما صنع القوشجي في

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :أنت وصيّي وخليفتي من بعدي (١) .

بل لو قال : فعليّ مولاه بعدي بلا فصل ؛ لقالوا : يحتمل أن يكون المعنى بلا فصل من غير الثلاثة.

ولا عجب ممّن نشأ على التعصّب وحبّ العاجلة ، وقال : إنّا وجدنا آباءنا على ملّة!

__________________

(١) راجع : شرح تجريد الاعتقاد : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.

٣٤٨

بقي شيء : وهو ما ذكره الفضل في تأويل الحديث

فنقول : يظهر منه أنّ المراد ب‍ « المولى » في الحديث : المحبوب والمنصور ؛ لأنّه قال : « أراد أن يوصي العرب بحفظ محبّة أهل بيته وقبيلته » إلى أن قال : « وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرّة والمحبّة معه ؛ ليتّخذه العرب سيّدا » إلى آخره.

فإنّ هذا يقتضي أن يكون معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :من كنت مولاه فعليّ مولاه ، من كنت محبوبه أو منصورا له ، فعليّ كذلك.

وفيه ـ مع أنّ « المولى » لم يستعمل بمعنى المحبوب والمنصور _ :

إنّك عرفت أنّ القرائن الحالية والمقالية تقتضي إرادة مالك الأمر كما هو واضح ، حتّى ظهر الحقّ على لسان قلمه من حيث يريد إخفاءه ، فإنّ مساواة عليّ بنفس النبيّ في وجوب محبّته ونصرته على الإطلاق ، لا تتمّ إلّا بثبوت منزلته له من الرئاسة العامّة والعصمة.

ولذا كانت النتيجة كما ذكرها الفضل أن يتّخذه العرب سيّدا.

وأمّا ما عرّض به من الإنصاف ، فيا حبّذا لو سلك سبيله ، فإنّه إذا أقرّ بجلافة أولئك العرب وكفرهم بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأتّخاذهم الأنبياء فيهم كمسيلمة وسجاح ، فقد كان الأنسب بهم مخالفة النصّ الصريح وأتّخاذ خليفة غير الخليفة الحقّ ، ولا سيّما أنّ أبا بكر كان مستعينا بظاهر الصحبة وتمويه الأقران.

وما أدري من أين فهم الفضل إرادة النبيّ الوصيّة بحفظ محبّة مطلق قبيلته ، لو لا عدم الإنصاف وكراهة تخصيص أمير المؤمنينعليه‌السلام بالفضل والنصّ؟!

٣٤٩

ولو رأيت ما ذكره ابن حجر في « الصواعق » بالنسبة إلى الجواب عن الحديث ، من الخرافات والآراء السخيفة وأخبارهم الكاذبة ، لعرفت إلى أين يبلغ عنادهم للحقّ وتعصّبهم للهوى!(١) .

* * *

__________________

(١) انظر : الصواعق المحرقة : ٦٣ ـ ٧٢.

٣٥٠

٣ ـ آية التطهير

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

الثالثة : قوله تعالى :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

أجمع المفسّرون(٣) ، وروى الجمهور ، كأحمد بن حنبل وغيره ، أنّها نزلت في [ رسول الله و ] عليّ وفاطمة والحسن والحسين(٤) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٧٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) انظر مثلا : تفسير الطبري ١٠ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨ ح ٢٨٤٨٥ ـ ٢٨٥٠٢ ، تفسير الحبري : ٢٩٧ ـ ٣١١ ح ٥٠ ـ ٥٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٥٢٩ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٤٢ ـ ٤٣ ، تفسير الماوردي ٤ / ٤٠١ ، أسباب النزول ـ للواحدي _ : ١٩٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠ ـ ٩٢ ح ٦٣٧ ـ ٧٧٤.

وسيأتي ذكر غير هذه المصادر في محالّها من البحث في ردّ الشيخ المظفّر قدس‌سره .

(٤) مسند أحمد ١ / ٣٣١ وج ٣ / ٢٥٩ وص ٢٨٥ وج ٤ / ١٠٧ وج ٦ / ٢٩٢ و ٣٠٤ و ٣٢٣ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٢٧ ـ ٧٢٨ ح ٩٩٤ ـ ٩٩٦ ، وانظر : صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ ح ٣٢٠٥ وص ٦٢١ ح ٣٧٨٧ وص ٦٥٦ ـ ٦٥٧ ح ٣٨٧١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ح ٨٣٩٩ ، مسند البزّار ٣ / ٣٢٤ ح ١١٢٠ ، مسند أبي يعلى ٧ / ٥٩ ـ ٦٠ ح ١٢٢٣ ـ ١٢٢٤ وج ١٢ / ٣١٣ ح ٦٨٨٨ وص ٣٤٤ ح ٦٩١٢ وص ٤٥١ ح ٧٠٢١ وص ٤٥٦ ح ٧٠٢٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٢ ـ ٥٦ ح ٢٦٦٢ ـ ٢٦٧٣ وج ٩ / ٢٥ ـ ٢٦ ح ٨٢٩٥ وج ٢٣ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ح ٧٦٨ ـ ٧٧١ و ٧٧٣ وص ٣٣٧ ح ٧٨٣ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٩ ح ٢٢٨١ وج ٧ / ٣٦٩ ح ٧٦١٤ ، المعجم الصغير ١ / ٦٥ و ١٣٥ ، مسند _

٣٥١

وروى أبو عبد الله محمّد بن عمران المرزباني ، عن أبي الحمراء ، قال : خدمت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة أشهر أو عشرة ، وكان عند كلّ فجر لا يخرج من بيته حتّى يأخذ بعضادتي باب عليّ فيقول :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين :عليك السلام يا نبيّ الله ورحمه الله وبركاته .

ثمّ يقول :الصلاة رحمكم الله ، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ؛ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه(١) .

__________________

الطيالسي : ٢٧٤ ح ٢٠٥٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠١ ح ٣٩ ـ ٤٠ وص ٥٢٧ ح ٤ ، مسند عبد بن حميد : ١٧٣ ح ٤٧٥ وص ٣٦٧ ـ ٣٧٨ ح ١٢٢٣ ، التاريخ الكبير ٨ / ٢٥ رقم ٢٠٥ كتاب الكنى ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٩ ح ١٣٥١ ، ٢ لإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٦١ ح ٦٩٣٧ ، الكنب والأسماء ـ للدولابي ـ ٢ / ١٢١ ، الذرّيّة الطاهرة : ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ١٩٢ ـ ١٩٤ ، نوادر الأصول ـ للحكيم الترمذي ـ ٢ / ١٠٨ ، مشكل الآثار ١ / ٢٢٧ ـ ٢٣١ ح ٧٧٠ ـ ٧٨٥ ، الغيلانيات ١ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ح ٢٥٩ ، أخلاق النبيّ ـ لأبي الشيخ ـ : ١١٥ ح ٢٧٩ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤٥١ ح ٣٥٥٨ ـ ٣٥٥٩ وج ٣ / ١٦٠ ح ٤٧٠٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ١٤٣ رقم ٩٥ وج ٢ / ٢٢٣ رقم ١٥٢٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٤٩ وج ٧ / ٦٣ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ رقم ١٨٥٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ـ للخطيب البغدادي ـ ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٣ رقم ٣٥٧ ، تاريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨ رقم ٥٣٩٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٥٤ ـ ٢٥٧ ح ٣٤٥ ـ ٣٥١ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٨٣ ح ٤٧٩٦ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢٠٢ ـ ٢٠٧ وص ٢٦٨ ـ ٢٧٠ وج ١٤ / ١٣٧ ـ ١٤٨.

(١) انظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٨ / ٢٥ ـ ٢٦ رقم ٢٠٥ كتاب الكنى ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / ٥٦ ح ٢٦٧٢ ، مسند عبد بن حميد : ١٧٣ ح ٤٧٥ ، تفسير الحبري : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ح ٥٧ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ح ٢٨٤٩١ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٤٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٧ ـ ٥٢ ح ٦٩٤ ـ ٧٠٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢١ و ١٦٨.

٣٥٢

والكذب من الرجس ، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ادّعى الخلافة لنفسه ، فيكون صادقا.

* * *

٣٥٣

وقال الفضل(١) :

أمّا إجماع المفسّرين على أنّ الآية نزلت في عليّ فخلاف الواقع ، ولم يجمعوا على ذلك ، بل أكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في شأن الأزواج ، وهو المناسب لنظم القرآن

قوله تعالى :( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

هذا نصّ القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه مذكور في قرن حكاياتهنّ والمخاطبة معهنّ.

ولكن لمّا عدل عن صيغة خطاب الإناث إلى خطاب الذكور ، فلا يبعد أن تكون نازلة في شأن كلّ أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الرجال والنساء ، فشملت عليّا وفاطمة والحسن والحسين وأزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعلى هذا فليس الرجس هاهنا محمولا على الطهارة من كلّ الذنوب ، بل المراد من الرجس : الشرك وكبائر الفواحش كالزنا ، كما يدلّ عليه سابق الآية ، وهو قوله تعالى :( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) (٣) .

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٢ / ٥٦٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٢ و ٣٣.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٢.

٣٥٤

ولو سلّمنا هذا فلا نسلّم أنّ عليّا ادّعى الإمامة لنفسه ، ولو كان يدّعيها لما كان يدّعيها بالعجز والخفية ؛ لوجود القوّة والشجاعة والأعوان ، وكثرة القبائل والعشائر وشرف القوم وغيرها من الفضائل.

ثمّ لو كان الرجس محمولا على الذنب لما كانت عائشة مؤاخذة بذنبها في وقعة الجمل ؛ لأنّ الآية نزلت فيها وفي أزواج النبيّ غيرها على قول أكثر المفسّرين ، فلا يتمّ له الاستدلال بهذه الآية.

* * *

٣٥٥

وأقول :

لم يبعد أن يكون مراد المصنّف بإجماع المفسّرين على ذلك هو اجتماع الشيعة والسنّة على القول به ، أي أنّه من مقول الطرفين معا وإن لم يجمع عليه السنّة.

أو يكون مراده إجماع من يعتدّ بقوله في مثل ذلك ، فإنّ المخالف هو عكرمة ومقاتل(١) وأشباههما ، ممّن لا يجوز حتّى للقوم الاعتداد بقوله في مقام النزول وشبهه ؛ لأنّ قول المفسّر إنّما يؤخذ به في ذلك إذا كان رواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من يعتبر قوله من الصحابة ؛ لأنّه من باب الإخبار.

وعكرمة كذّاب خارجيّ كما سبق بعض ترجمته في مقدّمة الكتاب(٢) ، فلا يعتدّ بخبره في ذلك ، فضلا عن رأيه ، ولا سيّما أنّه متعلّق بفضل آل محمّد.

وكذا مقاتل ، كان كذّابا ، حتّى قال النسائي : الكذّابون المعروفون بوضع الحديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة ؛ وعدّه منهم(٣) .

__________________

(١) هو : أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير ، الأزدي بالولاء ، المروزي الخراساني ، وأصله من بلخ ، انتقل إلى البصرة ، ودخل بغداد وحدّث بها ، وكان له باع في التفسير ، وله تفسيره المعروف ، وبحوث أخرى في التفسير ، أخذ الحديث عن مجاهد بن جبر ، وعطاء بن أبي رباح ، لم يوثّقه أغلب علماء الجرح والتعديل ، وكذّبه وكيع والنسائي ، توفّي سنة ١٥٠ ه‍ بالبصرة.

انظر : تاريخ بغداد ١٣ / ١٦٠ رقم ٧١٤٣ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ رقم ٧٣٣ ، شذرات الذهب ١ / ٢٢٧.

(٢) راجع ج ١ / ١٩١ ـ ١٩٣ رقم ٢٢٤ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ رقم ٧١٤٦.

٣٥٦

وكان يأخذ علم القرآن من اليهود والنصارى ، وكان دجّالا جسورا أسند ظهره إلى القبلة وقال : سلوني عمّا دون العرش ؛ فسئل عن النملة أين أمعاؤها ، في مقدّمها أو مؤخّرها؟ فلم يحر جوابا!

وسئل عن آدم حين حجّ من حلق رأسه؟ فبقي ضالّا!

راجع « ميزان الاعتدال » و « تهذيب التهذيب » و « وفيات الأعيان » ، تجد ما ذكرناه من بعض أحواله الخبيثة(١) .

وقس على هذين الكذّابين ، اللذين هما من رؤوس مفسّريهم ، غيرهما!

وأمّا قول الفضل : « أكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في شأن الأزواج »

فغير صحيح ؛ لأنّ ابن حجر أكثر منه اطّلاعا ، قال في « الصواعق » عند ذكر الآية في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام : « أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين »(٢) .

بل الحقّ أنّ القائلين بنزولها في شأن الأزواج خاصّة أقلّ القليل بالنسبة إلى غيرهم ؛ لأنّ جميع مفسّري الشيعة وأكثر مفسّري السنّة قالوا ـ كما عرفت ـ : بنزولها في عليّ وفاطمة والحسنين ، لكن مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندنا(٣) .

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦ رقم ٨٧٤٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٢٠ ـ ٣٢٥ ، رقم ٧١٤٦ ، وفيات الأعيان ٥ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ رقم ٧٣٣.

(٢) الصواعق المحرقة : ٢٢٠.

(٣) انظر مثلا : مجمع البيان ٨ / ١٣٧ و ١٣٨ ، تفسير فرات ١ / ٣٣١ وما بعدها.

٣٥٧

وقال بعض مفسّريهم بنزولها في بني هاشم(١) .

وقال جملة منهم بنزولها في آل النبيّ الأربعة المذكورين والأزواج(٢) .

فلم يبق من المفسّرين من يقول بنزولها في الأزواج خاصّة إلّا القليل(٣) .

وكيف كان ، فلا عبرة بهم حتّى لو كانوا الأكثر ؛ لامتناع إرادة الأزواج ولو منضمّات ؛ لأنّهنّ غير مطهّرات من الرجس ، حتّى لو أريد به الشرك وكبائر الذنوب ؛ لتقدّم الشرك منهنّ ، وحدوث الكبائر من بعضهنّ ، كعائشة ، حيث خرجت على إمام زمانها الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «حربك حربي »(٤) ، وقتلت الآلاف العديدة ، وخالفت

__________________

(١) تفسير البغوي ٣ / ٤٥٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١١٩ ، فتح القدير ٤ / ٢٨٠ ، البحر المحيط ٧ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، روح المعاني ٢٢ / ٢٠.

(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢١٠.

(٣) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٦٥.

(٤) مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢١٦ ح ٢٨٥ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٢٩ ح ١٤٣ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٩٣.

كما ورد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام : « أنا حرب لمن حاربتم ـ أو : حاربكم ؛ أو : حاربهم ـ ».

فانظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٥٦ ح ٣٨٧٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٥ ، مسند أحمد ٢ / ٤٤٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٠ ح ٢٦١٩ ـ ٢٦٢١ وج ٥ / ١٨٤ ح ٥٠٣٠ و ٥٠٣١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥١٢ ب‍ ٢٣ ح ٧ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٦١ ح ٦٩٣٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦١ ح ٤٧١٣ و ٤٧١٤ ولم يتعقّبهما الذهبي في « التلخيص ».

هذا ، وقد أسقطت يد الخيانة اسم أمير المؤمنينعليه‌السلام من مصنّف ابن أبي شيبة والإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ؛ فلاحظ!!

٣٥٨

أمر الله سبحانه في نصّ كتابه بقرارها في بيتها(١)

كما تظاهرت مع صاحبتها على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذبتا عليه ، فأنزل الله تعالى به قرآنا مبينا ، لعظيم مكرهما وفعلهما(٢) ، وضرب لأجلهما المثل بامرأتي نوح ولوط(٣) .

مع أنّ إرادة الأزواج مخالفة للأخبار المتواترة المشتملة على الصحيح

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ) ( وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) إشارة إلى عائشة وحفصة في قوله تعالى :( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ) سورة التحريم ٦٦ : ٤ ـ ٥.

انظر : صحيح البخاري ٣ / ٢٦٦ ح ٤١ وج ٦ / ٢٧٥ ـ ٢٧٨ ح ٤٠٦ ـ ٤٠٩ وج ٧ / ٥٠ ح ١٢١ وص ٢٧٧ ـ ٢٧٩ ح ٦١ ، صحيح مسلم ٤ / ١٨٨ ـ ١٩٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٣٩١ ـ ٣٩٤ ح ٣٣١٨ ، سنن النسائي ٤ / ١٣٧ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٢ / ٧٢ ح ٢٤٤٢ وج ٥ / ٣٦٦ ح ٩١٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣٣ و ٤٨ ، مسند أبي داود الطيالسي : ٦ ، مسند البزّار ١ / ٣٠٣ ح ١٩٥ وص ٣١٨ ح ٢٠٦ وص ٣٢٩ ح ٢١٢ ، مسند أبي يعلى ١ / ١٤٩ ـ ١٥٣ ح ١٦٤ وص ١٦٢ ح ١٧٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٤٧ ـ ١٥٣ ، تفسير الحبري : ٣٢٥ ح ٦٨ ، تفسير الطبري ١٢ / ١٥٣ ح ٣٤٤١٠ ـ ٣٤٤١٦ ، مسند أبي عوانة ٣ / ١٦٣ ـ ١٧٢ ح ٤٥٧٢ ـ ٤٥٨١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٦ / ٢٢٩ ـ ٢٣٢ ح ٤٢٥٤ ، سنن الدارقطني ٤ / ٢٦ ح ٣٩٦٩ ، تفسير الماوردي ٦ / ٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٣٥٣ ، تفسير البغوي ٤ / ٣٣٥.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) سورة التحريم ٦٦ : ١٠.

انظر : تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : ٦٠٥ ، تفسير الماوردي ٦ / ٤٧ ، الكشّاف ٤ / ١٣١ ، زاد المسير ٨ / ٨٤ ، تفسير الفخر الرازي ٣٠ / ٥٠ ، تفسير القرطبي ١٨ / ١٣٢ ، تفسير الخازن ٤ / ٢٨٨ ، فتح القدير ٥ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

٣٥٩

الكثير عندهم ، الدالّة على نزول الآية في خصوص أمير المؤمنين وفاطمة وأبنيهماعليهم‌السلام ، وبعضها نصّ بخروج الأزواج

فمنها : ما رواه مسلم ، في باب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، عن عائشة ، قالت : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غداة ، وعليه مرط مرجّل(١) من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء عليّ فأدخله ، ثمّ قال :( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) (٣) .

ونقله السيوطي في « الدّر المنثور » أيضا عن أحمد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم(٤) .

ورواه الحاكم(٥) بسند آخر عن عائشة ، وصحّحه على شرط

__________________

(١) كذا في الأصل ، وفي المصدر : مرحّل.

والمرط ، وجمعه مروط : كساء من خزّ أو صوف أو كتّان ؛ انظر : لسان العرب ١٣ / ٨٣ مادّة « مرط ».

والمرجّل : أي فيه صور كصور الرجال ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ١٥٥ مادّة « رجل ».

والمرحّل : ضرب من برود اليمن ، سمّي مرحّلا لأنّه موشّى وشيا وعليه تصاوير رحل وما ضاهاه ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ١٧١ مادّة « رحل » ، الفائق في غريب الحديث ٣ / ٣٦٠.

ولعل الصحيح هو ما في المصدر ، وما في المتن تصحيف.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ باب فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

(٤) الدرّ المنثور ٦ / ٦٠٥ ؛ وانظر : مسند أحمد ٦ / ١٦٢ ولكنّ يد الخيانة بترت الحديث فيه من بعد كلمة « مرجّل » فجاء الحديث ناقص المعنى!! ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠١ ب‍ ١٨ ح ٣٩.

(٥) ص ١٤٧ من الجزء الثالث [ ٣ / ١٥٩ ح ٤٧٠٧ ]. منهقدس‌سره .

٣٦٠