دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٥

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: 427

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-358-6
الصفحات: 427
المشاهدات: 155827
تحميل: 2142


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 427 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 155827 / تحميل: 2142
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 5

مؤلف:
ISBN: 964-319-358-6
العربية

وأقول :

هذا وإن لم يكن من المتواترات ، إلّا أنّه ليس من الشواذّ ـ أعني قراءة التابعين ـ ، بل من الآحاد ، وهي القراءات الثلاث ، وقراءة الصحابي ، كما حكى هذا الاصطلاح السيّد السعيدرحمه‌الله عن « إتقان » السيوطي ، عن القاضي جلال الدين البلقيني(١) .

ولا مستند للفضل في النقل عن الشيعة ، إلّا كونها ليست من القراءات السبع المدّعى تواترها ، وهو كما ترى.

وقد ذكر هذه القراءة السيوطي في « الدرّ المنثور » ، قال : أخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود ، أنّه كان يقرأ هذا الحرف :( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) بعليّ بن أبي طالب(٢) .

ويشهد لهذه القراءة ما رواه الحاكم(٣) ، عن يحيى بن آدم ، قال : « ما شبّهت قتل عليّ عمرا إلّا بقول الله عزّ وجلّ :( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ) (٤) .

__________________

(١) إحقاق الحقّ ٣ / ٣٧٨ ـ ٣٨٠ ، وانظر : الإتقان في علوم القرآن ١ / ٢١١.

(٢) الدرّ المنثور ٦ / ٥٩٠ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٦٠.

هذا ، وقد صرّح ابن تيميّة بأنّ لابن أبي حاتم لسان صدق ، وأنّ تفسيره خال من الموضوعات ، ومتضمّن للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير ، وبأسانيد معروفة.

انظر : منهاج السنّة ٧ / ١٣ و ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٣) في كتاب المغازي من المستدرك ، ص ٣٤ من الجزء الثالث [ ٣ / ٣٦ ح ٤٣٣٠ أ ]. منهقدس‌سره .

(٤) سورة البقرة ٢ : ٢٥١.

٢٤١

وكيف كان! فلتفرض قراءة ابن مسعود رواية له ، بأن يكون قد روى أنّ الله سبحانه أنزل هذه الآية لبيان هذه الفضيلة لعليّعليه‌السلام ، وأنّ الله تعالى كفى به المؤمنين القتال يوم الأحزاب ، حيث قتل عمرو بن عبدودّ ، وردّ الأحزاب خاسرين ، فيكون جهاده أفضل من جهاد المسلمين جميعا ؛ لأنّ به الفتح مع حفظ نفوسهم ، فمنه حياة الإسلام والمسلمين.

ولو لا أن يكفيهم الله تعالى القتال بعليّ لاندرست معالم الإسلام ؛ لضعف المسلمين ذلك اليوم وظهور الوهن عليهم ؛ ولذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لضربة عليّ خير ـ أو : أفضل ـ من عبادة الثقلين » ، كما رواه في « المواقف » وغيرها(١)

وفي رواية الحاكم في « المستدرك »(٢) : «لمبارزة عليّ لعمرو [ بن ودّ يوم الخندق ] أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة ».

فلا محالة يكون أفضلهم وأولاهم بالإمامة ؛ لكشف ذلك عن زيادة علمه ومعرفته وتمام بصيرته ، حتّى استحقّ مدح الله تعالى له في كتابه المجيد ، وأنّى لغيره مثل ذلك؟!

__________________

(١) المواقف : ٤١٢ ، شرح المقاصد ٥ / ٢٩٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣.

قال ابن تيميّة في منهاج السنّة ٨ / ١٠٩ ردا على هذا الحديث : « كيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين؟! ».

فردّ عليه الحلبي في السيرة الحلبية ٢ / ٦٤٣ بقوله : « لأنّ قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين ».

(٢) ص ٣٢ من الجزء الثالث [ ٣ / ٣٤ ح ٤٣٢٧ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : تاريخ بغداد ١٣ / ١٩ رقم ٦٩٧٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ٨ ـ ٩ ح ٦٣٦ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ح ١١٢ ، تاريخ دمشق ٥٠ / ٣٣٣ ، تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٣٢ تفسير سورة القدر ، فرائد السمطين ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ح ١٩٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٣ ح ٣٣٠٣٥.

٢٤٢

٥٢ ـ آية :( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ )

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

الثانية والخمسون : قوله تعالى :( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) (٢) .

هو عليّ ، عرضت ولايته على إبراهيمعليه‌السلام فقال : اللهمّ اجعله من ذرّيّتي ؛ ففعل الله ذلك(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٩.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٨٤.

(٣) أرجح المطالب : ٧١ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.

٢٤٣

وقال الفضل(١) :

مفهوم الآية : إنّ إبراهيم سأل من الله تعالى أن يجعل له ذكر جميل بعد وفاته ، وهو المراد من « لسان الصدق » ، وحمل « لسان الصدق » على عليّ بعيد بحسب المعنى.

والشيعة لا يبالون من مثل ذلك ، ويذكرون كلّ ما يسمعون ، ولا دليل لهم في ما يفترون.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨١.

٢٤٤

وأقول :

إطلاق « لسان الصدق » على الذكر الجميل إنّما هو من باب الكناية أو المجاز ، فلا يبعد صدقه من هذه الباب على الولد الصالح الذي به الفخر والذكر الخالد ، ولا مرجّح للأوّل.

وقد حكى الرازي في أحد تأويلات « لسان الصدق » ، أنّ المراد به بعثة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، فليس هذا النحو من التفسير من خواصّ الشيعة ، بل زعم القوم ما هو أبعد منه ، كما نقله الفضل في الآية الأربعين(٢) .

وأمّا دلالتها ـ بناء على ذلك المعنى ـ على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام فمن وجهين:

الأوّل : إنّها صرّحت بعرض ولايته على إبراهيمعليه‌السلام ، وليس هو إلّا لكون ولايته مطلوبة لله سبحانه ، قديما وحديثا ، وهو أعظم دليل على فضله وإمامته.

ويعضده ما سبق في الآية السادسة عشرة ، وهي قوله تعالى :( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) (٣) الآية ، من أنّ الأنبياءعليهم‌السلام بعثوا على الشهادتين وولاية عليّعليه‌السلام (٤)

وفي الآية الثالثة والثلاثين ، وهي قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٠.

(٢) راجع الصفحة ١٩٥ من هذا الجزء.

(٣) سورة الزخرف ٤٣ : ٤٥.

(٤) راجع الصفحة ٣٩ من هذا الجزء.

٢٤٥

بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (١) الآية(٢) .

الثاني : دعاء إبراهيمعليه‌السلام أن يجعله الله من ذرّيّته ، فإنّه أظهر شيء في فضله وشدّة إيمانه وعظمته عند الله عزّ وجلّ ، حتّى كان فخرا وشرفا لإبراهيمعليه‌السلام ؛ ومن كان كذلك فلا بدّ أن يكون سيّد أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإمامهم.

وهذه الرواية المفسّرة « لسان الصدق » بأمير المؤمنينعليه‌السلام نقلها في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه ، ورويت عن إمامنا الصادقعليه‌السلام (٣) .

* * *

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) راجع الصفحة ١٤٨ من هذا الجزء.

(٣) كشف الغمّة ١ / ٣٢٠.

٢٤٦

٥٣ ـ سورة العصر

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(١) :

الثالثة والخمسون :( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) ، يعني : أبا جهل ،( إِلأَالَّذِينَ آمَنُوا ) (٣) : عليّ وسلمان(٤) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٩.

(٢) سورة العصر ١٠٣ : ١ و ٢.

(٣) سورة العصر ١٠٣ : ٣.

(٤) ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٧٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٧٢ ح ١١٥٤ ، الدرّ المنثور ٨ / ٦٢٢.

٢٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا تفسير لا يصحّ أصلا ؛ لأنّ الإنسان إذا أريد به أبو جهل ، يكون الاستثناء منقطعا(٢) ، ولم يقل به أحد

وإن كان الاستثناء متّصلا(٣) ، لا يصحّ أن يراد بالإنسان أبو جهل ، فالمراد منه أفراد الإنسان على سبيل الاستغراق.

وعلى هذا : لا يصحّ تخصيص المؤمنين بعليّ وسلمان ؛ فإنّ غيرهم من المؤمنين ليسوا في خسر.

وهذا الرجل يعلف كلّ نبت ، ولا يفرّق بين السّمّ والحشيش!

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٣.

(٢) الاستثناء المنقطع : هو ما كان المستثنى ليس من جنس ما استثني منه ، نحو : احترقت الدار إلّا الكتب ، وهو يفيد الاستدراك لا التخصيص ؛ لأنه استثناء من غير الجنس.

انظر : جامع الدروس العربية ٣ / ١٢٣.

(٣) الاستثناء المتّصل : هو ما كان من جنس المستثنى منه ، نحو : « جاء المسافرون إلّا سعيدا » ، وهو يفيد التخصيص بعد التعميم ؛ لأنّه استثناء من الجنس.

انظر : جامع الدروس العربية ٣ / ١٢٣.

٢٤٨

وأقول :

ذكر الرازي في المراد بالإنسان قولين ، قال :

« الثاني : إنّ المراد منه شخص معيّن

قال ابن عبّاس : يريد جماعة من المشركين ، كالوليد(١) ، والعاص(٢) ، والأسود(٣) .

__________________

(١) هو : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، يكنّى أبا عبد شمس ، كان من حكّام قريش وزعمائها ، ومن زنادقتها ، ومن المستهزئين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمشاركين في هدم الكعبة ، هلك مشركا ، وذلك لمروره برجل من خزاعة يريش نبلا له ، فوطئ على سهم منها فخدشه ، ثمّ أومأ جبريل إلى ذلك الخدش بيده فانتفض ، ومات على أثر هذا الخدش بعد الهجرة بثلاثة أشهر وهو ابن خمس وتسعين سنة ، ودفن بالحجون ، فأوصى إلى بنيه أن يأخذوا ديته من خزاعة ، فأعطت خزاعة ديته.

انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣١٢ و ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٤ و ٨٥ و ٩٦ و ١٨٥ ، تاريخ الطبري ١ / ٥٢٦ وج ٢ / ٩.

(٢) هو : العاص ـ أو : العاصي ـ بن وائل السهمي ، وهو والد عمرو ، كان أحد الحكّام في الجاهلية ، أدرك الإسلام ، وظلّ على الشرك ، ويعدّ من المستهزئين ، ومن الزنادقة ، وهو القائل لمّا مات القاسم ابن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ محمّدا أبتر لا يعيش له ولد ذكر ؛ فأنزل الله :( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) .

مات لمّا ركب حمارا له ، فلمّا كان بشعب من شعاب مكّة ربض به حماره ، فلدغ في رجله ، فانتفخت حتّى صارت كعنق البعير ، فقالوا : لدغته الأرض ، فمات منها بعد هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثاني شهر دخل المدينة ، وهو ابن خمس وثمانين سنة.

انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٣ ـ ٥٩٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٤ و ٨٥ و ٩٦ و ١٨٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٩.

(٣) هو : الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ، يكنّى أبا زمعة ، من ـ

٢٤٩

وقال مقاتل : نزلت في أبي لهب ، وفي خبر مرفوع : إنّه أبو جهل »(١)

وحينئذ : يكون الاستثناء منقطعا بالضرورة ، كما صرّح به النيشابوري(٢) ، فإنكار الفضل للقول به كما ترى.

وأمّا قوله : « لا يصحّ تخصيص المؤمنين بعليّ وسلمان ؛ فإنّ غيرهم من المؤمنين ليسوا في خسر » ، فمن قلّة التأمّل

قال الرازي : « ها هنا احتمالان :

الأوّل : في قوله تعالى :( لَفِي خُسْرٍ ) (٣) أي : في طريق الخسر ، وهذا كقوله في آكل أموال اليتامى :( إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ) (٤) لمّا كانت عاقبته النار.

الاحتمال الثاني : إنّ الإنسان لا ينفكّ عن خسر ؛ لأنّ الخسر هو تضييع رأس المال ، ورأس ماله هو عمره ، وهو قلّما ينفكّ عن تضييع عمره ؛ وذلك لأنّ كلّ ساعة تمرّ بالإنسان ، فإن كانت مصروفة إلى المعصية

__________________

ـ المستهزئين برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ويقولون : « قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر » ويصفّرون به ويصفّقون ، فدعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يعمى ويثكل ولده ، فجلس في ظلّ شجرة فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها وبشوكها حتى عمي ، ومات والناس يتجهّزون إلى معركة أحد ، وهو يحرّض الكفّار وهو مريض ؛ وقتل ابنه معه ببدر كافرا ، قتله أبو دجانة الأنصاريرضي‌الله‌عنه .

انظر : الكامل في التاريخ ١ / ٥٩٥ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٤٤ ، البداية والنهاية ٣ / ٨٥.

(١) تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) تفسير النيسابوري ٦ / ٥٥٩.

(٣) سورة العصر ١٠٣ : ٢.

(٤) سورة المائدة ٤ : ١٠.

٢٥٠

فلا شكّ في الخسران

وإن كانت مشغولة في المباحات ، فالخسران أيضا حاصل ؛ لأنّه كما ذهب لم يبق منه أثر ، مع أنّه كان متمكّنا من أن يعمل فيه عملا يبقى أثره دائما

وإن كانت مشغولة في الطاعات ، فلا طاعة إلّا ويمكن الإتيان بها أو بغيرها على وجه أحسن من ذلك ؛ لأنّ مراتب الخضوع والخشوع غير متناهية ، فإنّ مراتب جلال الله وقهره غير متناهية ، وكلّما كان علم الإنسان بها أكثر كان خوفه منه تعالى أكثر ، فكان تعظيمه عند الإتيان بالطاعات أتمّ وأكمل ، وترك الأعلى والاقتصار بالأدنى نوع خسران »(١) .

وحينئذ : فعلى الاحتمالين يكون استثناء عليّ وسلمان دليلا على فضلهما على من سواهما ، وعصمتهما دون غيرهما من الأمّة ، ولا ريب أنّ عليّاعليه‌السلام أفضل من سلمان ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٣٢ / ٨٨ ـ ٨٩.

٢٥١

٥٤ ـ آية :( وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ )

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الرابعة والخمسون : قال تعالى :( وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) (٢) .

قال ابن عبّاس : هو عليّعليه‌السلام (٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٩٩.

(٢) سورة العصر ١٠٣ : ٣.

(٣) شواهد التنزيل ٢ / ٣٧٠ ـ ٣٧٢ ذ ح ١١٥٣ عن ابن عبّاس وح ١١٥٤ عن أبيّ بن كعب ، تفسير القرطبي ٢٠ / ١٢٣ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.

٢٥٢

وقال الفضل(١) :

أنت خبير بأنّ الصبر صفة من الصفات ، وليس هو من الأسامي حتّى يراد شخص ، وهذا قريب من السابق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٥.

٢٥٣

وأقول :

مراد ابن عبّاس : إنّ من تواصوا بالصبر عليّعليه‌السلام ، لا أنّ نفس الصبر عليّ ، كما هو واضح.

وعبّر سبحانه عن عليّ بصيغة الجمع ، إعظاما له ، وبيانا لكمال صبره ، وأنّ صبره بمنزلة صبر جميع المؤمنين المتواصين به ؛ لشدّة ما يلزم نفسه به ، فلا يقع منه خلاف الصبر الذي هو صبران ؛ صبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ؛ فيكون أفضل الأمّة ، ومعصومها ، وإمامها.

* * *

٢٥٤

٥٥ ـ آية :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ )

قال المصنّف ـ طاب مرقده ـ(١) :

الخامسة والخمسون : قوله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ) (٢) .

عليّ وسلمان(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٠.

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٠.

(٣) انظر : شواهد التنزيل ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥ ح ٣٤٢ ـ ٣٤٤.

٢٥٥

وقال الفضل(١) :

المراد بالسابق : إن كان السابق في الإسلام ، فسلمان ليس كذلك.

وإن كان السابق في الأعمال الصالحات ، فغيره من الصحابة هكذا.

ولا صحّة لهذا النقل ، وهو من تفاسير الشيعة(٢) .

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٣٨٨.

(٢) بل أخرجه الحسكاني كما تقدّم وابن مردويه كما سيأتي.

٢٥٦

وأقول :

هذا أيضا ممّا حكاه في « كشف الغمّة » عن ابن مردويه(١) .

ثمّ إنّه لا مانع من اختيار الشقّ الأوّل ؛ فإنّ سلمان كان مؤمنا بالله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة ، متطلّبا لمعرفة مبعث النبيّ قبل رؤياه كما هو مذكور في خبر إسلامه(٢) .

وقال ابن حجر في « الإصابة » بترجمة سلمان : « كان قد سمع بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سيبعث ، فخرج في طلب ذلك فأسر ، وبيع بالمدينة ، فاشتغل بالرقّ »(٣) .

وقال السيوطي في « لباب النقول » ، عند قوله تعالى من سورة الزمر :( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها ) (٤) : « أخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم ، أنّ هذه الآية نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهليّة يقولون : « لا إله إلّا الله » ؛ زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذرّ الغفاري ، وسلمان الفارسي »(٥) .

__________________

(١) كشف الغمّة ١ / ٣٢٠.

(٢) انظر : الاستيعاب ٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٨ رقم ١٠١٤ ، حلية الأولياء ١ / ١٨٥ ـ ٢٠٨ رقم ٣٤ ، تاريخ بغداد ١ / ١٦٣ ـ ١٧٣ رقم ١٢ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٥٠٥ ـ ٥٥٧ رقم ٩١ ، الإصابة ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ رقم ٣٣٥٩.

(٣) الإصابة ٣ / ١٤١ رقم ٣٣٥٩.

(٤) سورة الزمر ٣٩ : ١٧.

(٥) لباب النقول : ١٨٤ ـ ١٨٥.

٢٥٧

روى الواحدي نحوه ، عن ابن زيد في سبب نزول الآية(١) .

.. إلى غير ذلك ممّا هو مستفيض الرواية ، الدالّ على سبق إسلام سلمان ، أو إقراره بالوحدانية(٢) .

ولا ينافيه ما يروى أنّ إسلامه عند ما جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدقة فلم يقبلها ، ثمّ أتاه بهديّة فقبلها ، ثمّ رأى خاتم النبوّة فأسلم ؛ لأنّ هذا إنّما هو لتعيين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بشخصه ، لا لأنّه لم يؤمن به إلّا حينئذ ، فيكون من السابقين الأوّلين.

لكنّ أمير المؤمنين أفضل منه سبقا ، وأشدّ منه يقينا ، وأقدم منه في الصلاة ، كما هو معلوم بالضرورة ، ولما تقدّم من أنّ عليّاعليه‌السلام سابق هذه الأمّة وصدّيقها ؛ فيكون أفضلها ، وأولاها بالإمامة(٣) .

ولا مانع أيضا من اختيار الشقّ الثاني ؛ فإنّ سلمان من المعصومين السابقين في الأعمال الصالحة ، كما تدلّ عليه الآية الثالثة والخمسون(٤) .

ويؤيّده ما رواه القوم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : «إنّ الجنّة اشتاقت إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان » رواه الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصحّحه(٥) .

__________________

(١) أسباب النزول : ٢٠٥.

(٢) انظر الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة.

(٣) راجع مبحثي آية :( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) في الصفحة ١٩ وما بعدها ، وآية :( أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) ، في الصفحة ٩٣ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٤) راجع مبحث سورة العصر ، في الصفحة ٢٤٧ من هذا الجزء.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٦.

وانظر كذلك : تفسير القرطبي ١٠ / ١١٩ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٤٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٧ و ١١٨ ، كنز العمّال ١١ / ٦٣٩ ح ٣٣١١٢.

٢٥٨

ويؤيّده أيضا ما رواه الترمذي وحسّنه ، وابن عبد البرّ في « الاستيعاب » ، وغيرهما ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ كما في لفظ الترمذي ـ : «إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّه م.

قيل : يا رسول الله! سمّهم لنا.

قال :عليّ منهم ـ يقول ذلك ثلاثا ـ ،وأبو ذرّ ، والمقداد ، وسلمان »(١)

فإذا كان عليّ وسلمان سابقي الأمّة في صالح الأعمال ومعصوميها ، ولا شكّ أنّ عليّا أعظم من سلمان في الوصفين ، فقد تعيّن للإمامة ، وتعيّنت له(٢) .

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٨ ، الاستيعاب ٢ / ٦٣٦ رقم ١٠١٤ وج ٤ / ١٤٨٢ رقم ٢٥٦١.

وانظر كذلك : مسند أحمد ٥ / ٣٥١ و ٣٥٦ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٨٥٧ ح ١١٧٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٧٢ رقم ٢٨ وص ١٩٠ رقم ٣٤.

(٢) ولا ريب أنّ أمير المؤمنين أحبّ الأربعة إلى الله كما يدلّ عليه الحديث الأخير ، وأفضلهم عملا بمقدار فضله عليهم ؛ فيكون هو الإمام.

وأمّا ما نقله السيوطي في « الدرّ المنثور » [ ٤ / ٢٦٩ ] ، عن ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ،( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ ) ، قال : « أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وسلمان ، وعمّار » فمكذوب عندنا ، وغير حجّة علينا [ حتّى ] لو صحّ سنده عندهم ، بل هو كذب عندهم ؛ لأنّه لم يذكر عثمان ، وهو من السابقين الأوّلين عندهم ، كما أنّ عمر لم يكن من السابقين في الإسلام وبالإجماع!

منهقدس‌سره .

نقول : وحتّى أبو بكر لم يكن من السابقين في الإسلام ، فقد أسلم قبله أكثر من خمسين!! انظر : تاريخ الطبري ١ / ٥٤٠.

٢٥٩

٥٦ ـ آية :( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

السادسة والخمسون : قوله تعالى :( وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) إلى قوله تعالى :( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) (٢) ، عليّ منهم(٣) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٠٠.

(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٣٤ و ٣٥.

(٣) تفسير القرطبي ١٢ / ٤٠ ، تفسير الكلبي ٣ / ٤١ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٩٧ ح ٥٥٠ ، وانظر : كشف الغمّة ١ / ٣٢٠ عن ابن مردويه.

٢٦٠