دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582
المشاهدات: 106253
تحميل: 2496


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106253 / تحميل: 2496
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-319-359-4
العربية

عبدِ ودّ(١) .

قال ربيعة السعدي : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبد الله! إنّا لنتحدّث عن عليّ ومناقبه ، فيقول أهل البصرة : إنّكم لتفرطون في عليّ ؛ فهل تحدّثني بحديث؟

فقال حذيفة : والذي نفسي بيده ، لو وضع جميع أعمال أمّة محمّد في كفّة ميزان منذ بعث الله محمّدا إلى يوم القيامة ، ووضع عمل عليّ في الكفّة الأخرى ، لرجح عمل عليّ على جميع أعمالهم.

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد [ ولا يحمل ](٢) !

فقال حذيفة : يا لكع(٣) ! وكيف لا يحمل؟!

وأين كان أبو بكر وعمر وحذيفة وجميع أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عمرو بن عبد ودّ وقد دعا إلى المبارزة ، فأحجم الناس كلّهم ما خلا عليّا ، فإنّه نزل إليه فقتله.

والذي نفس حذيفة بيده ، لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد إلى يوم القيامة(٤) .

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٩٤ ـ ٩٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٧١ ـ ٧٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٨٥ ـ ٨٧.

(٢) أثبتناه من شرح نهج البلاغة.

(٣) اللّكع : اللئيم في الأصل ، والعييّ ، أو الصغير في العلم والعقل وإن كان كبيرا في السنّ ؛ وهو المراد هنا ، وهو تعبير مستعمل وشائع في محاوراتهم بهذا المعنى.

انظر مادّة « لكع » في : الصحاح ٣ / ١٢٨٠ ، لسان العرب ١٢ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، تاج العروس ١١ / ٤٣٨.

(٤) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٠٣ ، شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٠.

٤٠١

وفي يوم الأحزاب(١) تولّى أمير المؤمنين قتل الجماعة(٢) .

وفي غزاة بني المصطلق قتل أمير المؤمنين مالكا وابنه ، وسبى جويرية بنت الحارث(٣) فاصطفاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، قتل مرحبا ، وانهزم الجيش بقتله ، وأغلقوا باب الحصن ، فعالجه أمير المؤمنينعليه‌السلام ،

__________________

(١) يوم الأحزاب : هو يوم غزاة الخندق ، سنة ٥ ه‍ ؛ وقد تقدّمت الإشارة إليها آنفا.

راجع تفسير سورة الأحزاب من كتب التفسير ، وانظر مثلا : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ١٧٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٩٠ ، السيرة النبوية ـ لابن حبّان ـ : ٢٥٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٧٠ ، البداية والنهاية ٤ / ٧٦ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ٣٦٣.

(٢) كعمرو بن عبد ودّ ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ؛ انظر : شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٤ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٨٧.

وانظر مبحث حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » في الصفحات ١٠٢ ـ ١٠٤ من هذا الجزء.

(٣) هي : أمّ المؤمنين زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، أخذها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من سبي يوم المريسيع ، وهي غزوة بني المصطلق ، سنة خمس أو ستّ للهجرة ، وكانت قبله عند ابن عمّ لها ، وكان اسمها « برّة » فسمّاها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله « جويرية » ، وكان عمرها حين تزوّجها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة ، بعد أن قضى عنها مكاتبتها لمن وقعت في سهمه ، فأرسل الناس ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق بسبب ذلك ، فكانت عظيمة البركة على قومها ؛ توفّيت سنة ٥٠ ـ وقيل : سنة ٥٦ ه‍ ـ ولها خمس وستّون سنة ، وصلّى عليها مروان بن الحكم وهو ـ يومئذ ـ على المدينة المنوّرة من قبل معاوية.

انظر : المنتخب من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٤٥ رقم ٦ ، الاستيعاب ٤ / ١٨٠٤ رقم ٣٢٨٢ ، صفة الصفوة ١ / ٣٦٠ رقم ١٣٢ ، أسد الغابة ٦ / ٥٦ رقم ٦٨٢٢ ، السمط الثمين : ١٣٥ ، الإصابة ٧ / ٥٦٥ رقم ١١٠٠٢.

(٤) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ١١١ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٢٥٧ ، البداية والنهاية ٤ / ١٢٨ حوادث سنة ٦ ه‍ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٨٦.

٤٠٢

ورمى به ، وجعله جسرا على الخندق للمسلمين ، وظفروا بالحصن ، وأخذوا الغنائم ، وكان يقلّه(١) سبعون رجلا(٢) .

وقالعليه‌السلام :والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، بل بقوّة ربانيّة (٣) .

وفي غزاة الفتح قتل أمير المؤمنينعليه‌السلام الحويرث بن نفيل بن كعب(٤) ـ وكان يؤذي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وقتل جماعة ، وكان الفتح على يده(٥) .

وفي غزاة حنين حين استظهر(٦) النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكثرة ، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين ، فعانهم(٧) أبو بكر ، وقال : لن نغلب اليوم من

__________________

(١) يقلبه / خ ل. منهقدس‌سره .

(٢) انظر : مسند أحمد ٦ / ٨ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٢١ ، الرياض النضرة ٣ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، المقاصد الحسنة : ٢٣٠.

(٣) انظر : المطالب العالية ١ / ٢٥٨ ، المواقف : ٤١٢ ، شرح المواقف ٨ / ٣٧١.

(٤) هو : الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصيّ ـ ويبدو أنّ ما في المتن تصحيف ـ ، كان يعظم القول في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينشد الهجاء فيه ويكثر أذاه وهو بمكّة ، فلمّا كان يوم الفتح هرب من بيته فلقيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فقتله.

انظر : أنساب الأشراف ١ / ٤٥٦ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٠٣ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٧٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٦٠.

(٥) انظر : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٦٦ و ٧٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ١٦١ ، تاريخ دمشق ٢٩ / ٣٢ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٢ و ١٢٥ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣٦ و ٢٣٨.

(٦) استظهر به : استعان واستنصر به ؛ انظر : لسان العرب ٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ مادّة « ظهر ».

(٧) عانهم : أصابهم بعينه ؛ انظر مادّة « عين » في : الصحاح ٦ / ٢١٧١ ، لسان العرب

٤٠٣

قلّة(١) ؛ فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سوى تسعة من بني هاشم ، فأنزل الله تعالى :( ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، يريد عليّا ومن ثبت معه.

وكان عليّ يضرب بالسيف بين يديه ، والعبّاس عن يمينه ، والفضل عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث يمسك سرجه ، ونوفل وربيعة ابنا الحارث ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتّب ابنا أبي لهب.

وقتل أمير المؤمنين جمعا كثيرا ، فانهزم المشركون وحصل الأسر(٣) .

وابتلي بجميع الغزوات ، وقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(٤) .

__________________

٩ / ٥٠٤.

والمراد هنا أنّه أصابهم بعينه فبان أثر ذلك في المنظور.

(١) انظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٣ / ٨٩٠ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٦٣ ، زاد المسير ٣ / ٣١٤ ، تفسير الخازن ٢ / ٢٠٩ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٤٠.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٢٥ و ٢٦.

(٣) انظر : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ١١١ ـ ١١٣ ، أنساب الأشراف ١ / ٤٦٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٨١ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٥٢ ح ٣٤٠ ـ ٣٤١ ، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(٤) انظر : مسند البزّار ٢ / ٢١٥ ح ٦٠٤ وج ٣ / ٢٧ ح ٧٧٤ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٧ ح ٥١٩ ، المعجم الكبير ١٠ / ٩١ ح ١٠٠٥٣ و ١٠٠٥٤ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٨٤٣٣ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٢٥ ح ٩٠٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ح ٤٦٧٤ و ٤٦٧٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١١٧ ، تاريخ بغداد ٨ / ٣٤٠ رقم ٤٤٤٧ وج ١٣ / ١٨٧ رقم ٧١٦٥ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٣٩٣ رقم ١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٦٨ ـ ٤٧٣ ، مجمع الزوائد ٦ / ٢٣٥ ، كنز العمّال

٤٠٤

وروى أبو بكر الأنباري في « أماليه » ، أنّ عليّاعليه‌السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده ناس ، فلمّا قام عرض واحد بذكره ، ونسبه إلى التّيه والعجب.

فقال عمر : حقّ لمثله أن يتيه ، والله لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام ، وهو بعد أقضى الأمّة ، وذو سبقها(١) ، وذو شرفها.

فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟!

فقال : كرهناه على حداثة السنّ ، وحبّه بني عبد المطّلب(٢) .

وحمله سورة براءة إلى مكّة ، وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنفذ بها أبا بكر ، فنزل عليه جبرئيل وقال : إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدّيها إلّا أنت أو واحد منك(٣) .

وفي هذه القصّة وحدها كفاية في شرف عليّ وعلوّ مرتبته ، بأضعاف كثيرة على من لا يوثق على أدائها ولم يؤتمن عليها.

وهذه الشجاعة ، مع خشونة مأكله ؛ فإنّه لم يطعم البر ثلاثة أيّام ، وكان يأكل الشعير بغير إدام ، ويختم جريشه لئلّا يؤدمه الحسنانعليهما‌السلام (٤) .

وكان كثير الصوم ، كثير الصلاة(٥) ، مع شدّة قوّته حتّى قلع باب

__________________

١١ / ٢٩٢ ح ٣١٥٥٢ و ٣١٥٥٣ وص ٣٠٠ ح ٣١٥٧٠ وص ٣٥٢ ح ٣١٧٢٠ و ٣١٧٢١ وج ١٣ / ١١٢ ـ ١١٣ ح ٣٦٣٦٧.

(١) سابقتها / خ ل. منهقدس‌سره .

(٢) شرح نهج البلاغة ١٢ / ٨٢.

(٣) راجع مبحث الحديث السادس ، في الصفحات ٦١ ـ ٧٠ من هذا الجزء.

(٤) انظر : الغارات : ٥٦ ـ ٥٧ ، حلية الأولياء ١ / ٨٢ ، صفة الصفوة ١ / ١٣٣ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٢٦.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ / ٢٧.

٤٠٥

خيبر ، وقد عجز عنه المسلمون(١) .

وفضائله أكثر من أن تحصى.

* * *

__________________

(١) انظر : الكامل في التاريخ ٢ / ١٠٢ ؛ وراجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٤٠٢ ـ ٤٠٣ من هذا الجزء.

٤٠٦

وقال الفضل(١) :

ما ذكر من بلاء أمير المؤمنين في الحروب مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهذا أمر لا شبهة فيه ، وكان في أكثر الحروب صاحب الظفر ، وهذا مشهور مسلّم لا كلام لأحد فيه.

وما ذكر من بلائه يوم بدر ، وأنّه قتل الرجال من صناديد قريش ، فهو صحيح ؛ وهو أوّل من بارز الصفّ يوم بدر حين خرج عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وطلبوا المبارزة ، فخرج إليهم فئة من الأنصار ، فقالوا :

نحن لا نبارزكم ؛ ثمّ نادوا : يا محمّد! فلتخرج إلينا أكفاءنا من قريش.

فقال رسول الله : يا عبيدة! يا حمزة! يا عليّ! اخرجوا

فخرجوا ، وبارز عبيدة بن الحارث عتبة ، وحمزة شيبة ، وعلي الوليد.

فقتل عليّ الوليد ، وحمزة شيبة ، واختلف الضرب بين عتبة وعبيدة ، فعاونه عليّ وحمزة وقتلوا عتبة(٢) .

وهذا أوّل مبارزة وقع في الإسلام ، وكان أمير المؤمنين فارسه.

وأمّا ما ذكر من بلائه يوم أحد ، فهو صحيح ؛ ولكن كان الصحابة ذلك اليوم صاحبي بلاء ، وكان طلحة بن عبيد الله صاحب البلاء ذلك

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ : ٤٥٧ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ٢ / ٢٢.

٤٠٧

اليوم ، وكذا سعد بن أبي وقاص ، وأبي دجانة(١) ، وجماعة من الأنصار.

وأمّا ما ذكر من أمر حنين ، وأنّ أبا بكر عانهم ، فهذا من أكاذيبه.

وكيف يعين أبو بكر أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان هو ذلك اليوم شيخ المهاجرين وصاحب رايتهم؟! ولكن رجل من المسلمين أعجبه الكثرة فأنزل الله تلك الآية(٢) .

وأمّا ما ذكر من أنّ عتبة ومعتّب ابني أبي لهب وقفوا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين ، فهذا من عدم علمه بالتاريخ!

ألم يعلم أنّ عتبة دعا عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسلّط الله عليه كلبا من كلابه ، فافترسه الأسد ـ وذلك قبل الهجرة ـ ومات في الكفر ؛ فكيف حضر مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزوة حنين؟!

وهذا من جهله بأحوال السابقين!

وأمّا قصّة سورة براءة فقد ذكرنا حقيقته قبل هذا ؛ وأنّه كان لأجل أن يعتبر العرب على نبذ العهود ، لا لأنّه لم يكن أبو بكر موثوقا به في أداء

__________________

(١) كذا في الأصل ، وهو ليس بغريب من ابن روزبهان! والصواب : أبو دجانة ؛ وهو : أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الخزرجي الساعدي ، شهد بدرا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان من الأبطال الشجعان ، وله مقامات محمودة في مغازي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من الثابتين يوم أحد دفاعا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد آخى بينه وبين عتبة بن غزوان ، استشهد يوم اليمامة ، وقيل : بل عاش حتّى شهد مع الإمام أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام صفّين.

انظر : معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٣ / ١٤٣٥ رقم ١٣٥٣ ، الاستيعاب ٢ / ٦٥١ رقم ١٠٦٠ وج ٤ / ١٦٤٤ رقم ٢٩٣٨ ، أسد الغابة ٢ / ٢٩٩ رقم ٢٢٣٥ وج ٥ / ٩٥ رقم ٤٨٥٦ ، الإصابة ٧ / ١١٩ رقم ٩٨٥٧.

(٢) راجع الصفحة ٤٠٣ ـ ٤٠٤ من هذا الجزء.

٤٠٨

سورة براءة(١) .

وهذا كلام لا يرتضيه أحد من المسلمين أنّ مثل أبي بكر ـ وكان شيخ المهاجرين ، وأمين رسول الله ـ لا يثق عليه رسول الله في نبذ العهد وقراءة سورة براءة ؛ وهذا من غاية تعصّبه وجهله بأحوال الصحابة!

* * *

__________________

(١) تقدّم ذلك في الصفحة ٦٢ ـ ٦٣ من هذا الجزء ؛ فراجع!

٤٠٩

وأقول :

لا نعرف بلاء لأحد يوم أحد إلّا لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأبي دجانة ، والمستشهدين.

وما قيل من بلاء طلحة وسعد فمحلّ نظر ؛ لأنّهما ممّن فرّوا.

روى الطبري في « تاريخه »(١) ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال :

« انتهى أنس بن النضر ـ عمّ أنس بن مالك ـ إلى عمر بن الخطّاب وطلحة ابن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال :

ما يجلسكم؟

قالوا : قتل محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله.

ثمّ استقبل القوم حتّى قتل ».

ومثله في « كامل » ابن الأثير(٢) ، وفي « الدرّ المنثور » للسيوطي ، عن ابن جرير(٣) .

__________________

(١) ص ١٩ من الجزء الثالث [ ٢ / ٦٦ حوادث سنة ٣ ه‍ ]. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٧٥ من الجزء الثاني [ ٢ / ٥٠ ـ ٥١ حوادث سنة ٣ ه‍ ]. منهقدس‌سره .

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٣٣٦ تفسير الآية ١٤٤ من سورة آل عمران ؛ وانظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٠ ، المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٨٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٤ / ٣١ ـ ٣٢ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ١ / ٢٢٨ ، الأغاني ١٥ / ١٨٩ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٨ ، تاريخ الخميس ١ / ٤٣٤.

٤١٠

هذا ممّا دلّ على فرار طلحة وعدم بلائه.

وأمّا ما دلّ على فرار سعد

فمنه : ما رواه الطبري ، عن السدّي ، قال : « لم يقف إلّا طلحة ، وسهل بن حنيف(١) »(٢) .

ومنه : ما رواه الحاكم ، في كتاب المغازي من « المستدرك »(٣) ، عن سعد ، قال : « لمّا جال(٤) الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الجولة [ يوم أحد ] ، تنحّيت فقلت : أذود عن نفسي ، فإمّا أن أستشهد ، وإمّا أن أنجو » الحديث.

ومنه : ما نقله ابن أبي الحديد(٥) ، عن الواقدي ، قال : « بايعه يومئذ على الموت ثمانية ؛ ثلاثة من المهاجرين ، وخمسة من الأنصار.

__________________

(١) هو : سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري الأوسي ، شهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثبت يوم أحد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا انهزم الناس ، وكان بايعه يومئذ على الموت ، وكان يرمي بالنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ صحب الإمام أمير المؤمنين عليّاعليه‌السلام حين بويع له ، واستخلفه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام على المدينة حين سار منها إلى البصرة ، وشهد معه صفّين ، وولّاه بلاد فارس ، وتوفّي في الكوفة سنة ٣٨ ه‍ ، وصلّى عليه الإمام عليّعليه‌السلام .

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٣٥٨ رقم ١٣٤ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٣ / ١٣٠٦ رقم ١١٨١ ، الاستيعاب ٢ / ٦٦٢ رقم ١٠٨٤ ، أسد الغابة ٢ / ٣١٨ رقم ٢٢٨٨ ، الإصابة ٣ / ١٩٨ رقم ٣٥٢٩.

(٢) ص ٢٠ ج ٣ [ تاريخ الطبري ٢ / ٦٧ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٢٦ من الجزء الثالث [ ٣ / ٢٨ ح ٤٣١٤ ]. منهقدس‌سره .

(٤) جال يجول جولانا وجولة : إذا ذهب وجاء وانكشف ثمّ كرّ ؛ والمراد هنا : انهزم وانكشف وزال عن مكانه ؛ انظر مادّة « جول » في : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٣١٧ ، تاج العروس ١٤ / ١٢٦.

(٥) ص ٣٨٨ من المجلّد الثالث [ ١٥ / ٢٠ ]. منهقدس‌سره .

٤١١

فأمّا المهاجرون : فعليّ ، وطلحة ، والزبير ـ إلى أن قال : ـ وأمّا باقي المسلمين ففرّوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعوهم في أخراهم(١) ، حتّى انتهى منهم إلى قريب من المهراس(٢) ».

وروى القوشجي في « شرح التجريد » ما يدلّ على فرار طلحة وسعد ـ عند ذكر نصير الدينرحمه‌الله لغزاة أحد ـ ، قال : « جمع له ـ أي : لعليّ ـ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ـ وكان يسمّى كبش الكتيبة ـ فقتله عليّ.

فأخذ الراية غيره فقتله عليّ ، ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد ، حتّى قتل تسعة نفر ؛ فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم.

فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتّى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى عليّ.

فنظر إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد إفاقته وقال له :اكفني هؤلاء ؛ فهزمهم عليّ عنه ، وكان أكثر المقتولين منه »(٣) .

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى :( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ) سورة آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٢) المهراس : موضع ماء بأحد ؛ وقال سديف بن إسماعيل بن ميمون ، مولى بني هاشم ، في قصيدته المشهورة حين قدم على أبي العبّاس السفّاح :

واذكروا مصرع الحسين وزيد

وقتيلا بجانب المهراس

وقد عنى به حمزة بن عبد المطّلب عليه‌السلام .

انظر مادّة « هرس » في : لسان العرب ١٥ / ٧٥ ، تاج العروس ٩ / ٣٨ ؛ وانظر كذلك : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٩٤ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٧٧ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ١٦٢.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٦ ، وانظر : تجريد الاعتقاد : ٢٦٠.

٤١٢

وبهذا جاءت أخبارنا ، لكن مع ذكرها لثبات أبي دجانة(١) .

ولو سلّم أنّ طلحة وسعدا ثبتا ، فلا نعرف لهما بلاء يذكر.

ودعوى أنّ طلحة أصابه شلل وقاية لوجه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله محلّ نظر ، ولذا نسبه الشعبي إلى الزعم.

فقد حكى في « كنز العمّال »(٢) ، في كتاب الغزوات ، عن ابن أبي شيبة ، عن الشعبي ، قال : « أصيب يوم أحد أنف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ورباعيّته ، وزعم أنّ طلحة وقى رسول الله بيده ، فضرب فشلّت يده(٣) ».

ولعلّ الشلل كان حينما فرّ!!

على أنّ عمدة المستند في ثباتهما وبلائهما هو نفسهما ، وهما محلّ التهمة ، لا سيّما مع العلم بكذبهما في بعض ما ادّعياه!

روى البخاري في غزاة أحد ، وفي مناقب المهاجرين ، عن أبي عثمان ، قال : « لم يبق مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض تلك الأيّام التي قاتل فيهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غير طلحة وسعد ، عن حديثهما »(٤) .

إذ لا ريب ـ على تقدير ثباتهما في أحد ـ قد ثبت معهما غيرهما

__________________

(١) انظر مثلا : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٨١ ـ ٨٦ ، إعلام الورى ١ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) ص ٢٧٧ من الجزء الخامس [ ١٠ / ٤٣٨ ح ٣٠٠٦١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٤٩٠ ح ٣٤.

(٣) في المصدر : « أصبعه » ، وفي « المصنّف » : « أصابعه ».

والأصبع : واحدة الأصابع ، تذكّر وتؤنّث ، وفيه لغات ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٢٧٩ مادّة « صبع ».

(٤) صحيح البخاري ٥ / ٩٤ ح ٢١٦ وص ٢١٩ ح ١٠١.

٤١٣

كأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فكيف يقولون : لم يبق غيرهما ؛ وليس هناك مقام آخر فرّ فيه المسلمون وثبتا فيه وحدهما؟!

فإذا علم كذبهما في ذلك ، كانا محلّ التهمة في كلّ ما أخبرا به ، ومنه دعوى سعد أنّ رسول الله جمع له أبويه وفداه بهما(١) !

ولو سلّم أنّهما لم يفرّا ، وأنّ لهما بلاء في أحد ، فلا يقاسان بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، الذي عجبت الملائكة من حسن مواساته ، وصاح بمدحه جبرئيل ، حتّى يجعلهما الفضل في عرضه!

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ؛ فعمدة المقصود : تفضيل أمير المؤمنينعليه‌السلام على المشايخ الثلاثة في الشجاعة والجهاد ، كسائر الصفات الحميدة ، والآثار الجميلة ، فلا ينفع الفضل إثبات شجاعة طلحة وسعد وبلائهما في أحد وحدهما دون المشايخ!

فكيف يستحقّون التقدّم على يعسوب الدين ، وليث العالمين ، وزين العلماء العاملين ، ونفس النبيّ الأمين؟!

لا سيّما عثمان! الذي اتّفقت الكلمة والأخبار على فراره بأحد ، وأنّه إنّما رجع بعد ثلاثة أيّام ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لقد ذهبت بها عريضا ! »(٢) .

وكذا عمر ؛ فإنّ أكثر أخبارهم تدلّ على فراره

منها : جميع ما سبق.

ومنها : ما ذكره السيوطي في « الدرّ المنثور » ، بتفسير قوله سبحانه :

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٩٤ ح ٢١٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٥.

(٢) تقدّم تخريجه في الصفحة ٤٠٠ ه‍ ٢ ؛ فراجع!

٤١٤

( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ ) (١) الآية ، قال : أخرج ابن المنذر(٢) ، عن كليب ، قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر « آل عمران » ويقول : إنّها أحدية.

ثمّ قال : تفرّقنا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد ، فصعدت الجبل ، فسمعت يهوديّا يقول : قتل محمّد!

فقلت : لا أسمع أحدا يقول قتل محمّد إلّا ضربت عنقه ؛ فنظرت فإذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والناس يتراجعون إليه ، فنزلت هذه الآية :( وَما مُحَمَّدٌ إِلأَرَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (٣) .

وليت شعري من أين جاء اليهودي هناك؟!

وأين كانت هذه الحماسة عن قريش؟!

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال » ، في تفسير سورة آل عمران ـ بعدما ذكر حديث ابن المنذر المذكور(٤) ـ ، عن ابن جرير ، عن كليب ، قال :

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) هو : أبو بكر محمّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ، نزيل مكّة ، والمتوفّى بها سنة ٣١٨ ه‍ ، كان فقيها حافظا محدّثا ، أخذ الفقه عن أصحاب الشافعي ، ولا يتقيّد في اختيار فتياه بمذهب بعينه ، صنّف كتبا عديدة في الإجماع والخلاف ومذاهب العلماء وغيرها ، منها : الإشراف على مذاهب أهل العلم ، الإقناع ، الأوسط ، الإجماع ، المبسوط ، تفسير القرآن.

انظر : طبقات الفقهاء ـ لأبي إسحاق ـ : ١٠٥ ، وفيات الأعيان ٤ / ٢٠٧ رقم ٥٨٠ ، تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٩٦ رقم ٣٠١ ، سير أعلام النبلاء ١٤ / ٤٩٠ رقم ٢٧٥ ، طبقات الشافعية الكبرى ٣ / ١٠٢ رقم ١١٨ ، لسان الميزان ٥ / ٢٧ رقم ١٠٤ ، طبقات الحفّاظ : ٣٣٠ رقم ٧٤٦.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٣٣٤.

(٤) ص ٢٣٨ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٣٧٥ ح ٤٢٩٠ ]. منهقدس‌سره .

٤١٥

خطبنا عمر فقرأ آل عمران ، فلمّا انتهى إلى قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ) (١) قال : لمّا كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتّى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنّني أروى(٢) »(٣) الحديث.

ومنها : ما ذكره ابن أبي الحديد(٤) ، نقلا عن الواقدي ، قال : « لمّا صاح إبليس : إنّ محمّدا قد قتل ؛ تفرّق الناس ـ إلى أن قال : ـ وممّن فرّ عمر وعثمان ».

ومنها : ما حكاه أيضا عن الواقدي ، في قصّة الحديبية ، قال : « قال عمر : ألم تكن حدّثتنا أنّك ستدخل المسجد الحرام؟! ـ إلى أن قال : ـ ثمّ أقبل على عمر فقال : أنسيتم يوم أحد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ) (٥) وأنا أدعوكم في أخراكم؟! »(٦) الحديث.

.. إلى غير ذلك من الأخبار(٧) .

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٥٥.

(٢) الأروى : جمع كثرة للأرويّة ، وهي الأيايل التي تعيش في الجبال ، وقيل : إنّها غنم الجبال ، والأنثى من الوعول ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٣٨٤ مادّة « روي ».

(٣) كنز العمّال ٢ / ٣٧٦ ح ٤٢٩١ ، وانظر : تفسير الطبري ٣ / ٤٨٨ ح ٨٠٩٧.

(٤) ص ٣٨٩ ج ٣ [ ١٥ / ٢٤ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٥٣.

(٦) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٤ ، وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٢ / ٦٠٩.

(٧) منها : ما أخرجه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٢ ، أنّ عمر جاءته في أيّام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه ، وجاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا ، فأعطى المرأة وردّ ابنته ، فقيل له في ذلك ، فقال : إنّ أبا هذه

٤١٦

وأمّا أبو بكر ؛ فيدلّ على فراره أيضا أخبار

منها : بعض ما قدّمناه في أدلّة فرار سعد وطلحة(١) .

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك »(٢) ، وصحّحه ، عن عائشة ، قالت : قال أبو بكر : لمّا جال الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد كنت أوّل من فاء.

ومنها : ما نقله في « كنز العمّال »(٣) ، في غزاة أحد ، عن أبي داود الطيالسي ، وابن سعد ، والبزّار ، والدارقطني ، وابن حبّان ، وأبي نعيم ، والضياء في « المختارة » ، وغيرهم ، بأسانيدهم عن عائشة ، قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ، ثمّ قال : ذاك كان كلّه يوم طلحة!

ثمّ أنشأ يحدّث ، قال : كنت أوّل من فاء يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [ دونه ] ، فقلت : كن طلحة حيث فاتني ما فاتني ، فقلت : يكون رجلا من قومي أحبّ إليّ » الحديث.

__________________

ثبت يوم أحد ، وأبا هذه فرّ يوم أحد ولم يثبت.

ومنها : ما رواه الواقدي في المغازي ١ / ٢٣٧ ونقله عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٥ / ٢٢ ـ ٢٣ ، عن خالد بن الوليد ، أنّه كان يقول : لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطّاب حين جال المسلمون وانهزموا يوم أحد وما معه أحد ، وأنّي لفي كتيبة خشناء ، فما عرفه منهم أحد غيري ، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له ، فنظرت إليه وهو متوجّه إلى الشعب.

(١) راجع ما مرّ آنفا في الصفحة ٤١٠ وما بعدها من هذا الجزء.

(٢) ص ٢٧ ج ٣ [ ٣ / ٢٩ ح ٤٣١٥ ]. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٢٩٤ ج ٣ [ ١٠ / ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ح ٣٠٠٢٥ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مسند أبي داود الطيالسي : ٣ ، مسند البزّار ١ / ١٣٢ ح ٦٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦٣ ، الأوائل ـ للطبراني ـ : ٩١ ح ٦٣ ، معرفة الصحابة ١ / ٩٦ ح ٣٦٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٢٩٨ ح ٥١٥٩ ، تاريخ دمشق ٢٥ / ٧٥.

٤١٧

ومنها : ما رواه مسلم ، في أوّل غزوة أحد ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش(١) .

ومن المعلوم أنّ أحد الرجلين عليّ ، والآخر ليس أبا بكر ؛ إذ لا رواية ولا قائل في ثباته ، وفرار سعد أو طلحة.

ومنها : ما رواه الحاكم في فضائل أبي بكر من « المستدرك »(٢) ، عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى :( وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) (٣) ، قال : « أبو بكر وعمر » ؛ ثم قال الحاكم : « صحيح على شرط الشيخين ».

ونقله السيوطي في « الدرّ المنثور » ، عن الحاكم ، قال : « وصحّحه » ، وعن البيهقي في « سننه » ، عن ابن عبّاس ، قال : نزلت هذه الآية في : أبي بكر وعمر(٤) .

ونقل الرازي في « تفسيره » ، عن الواحدي في « الوسيط » ، عن عمرو ابن دينار ، أنّه قال : الذي أمر الله(٥) بمشاورته في هذه الآية : أبو بكر وعمر(٦) .

ووجه الدلالة في ذلك على فرار أبي بكر وكذا عمر ، أنّ من أمر الله سبحانه بمشاورته هم المنهزمون في أحد ، الّذين أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعفو عنهم.

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ / ١٧٨.

(٢) ص ٧٠ من الجزء الثالث [ ٣ / ٧٤ ح ٤٤٣٦ ]. منهقدس‌سره .

(٣) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٤) الدرّ المنثور ٢ / ٣٥٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١٠ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٥) في المصدر : « النبيّ ».

(٦) تفسير الفخر الرازي ٩ / ٧٠ ، وانظر : الوسيط ١ / ٥١٢ ـ ٥١٣.

٤١٨

ولذا استشكل الرازي في رواية الواحدي فقال : « وعندي فيه إشكال ؛ لأنّ الّذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الّذين أمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم ، وهم المنهزمون.

فهب أنّ عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية ، إلّا أنّ أبا بكر ما كان منهم ، فكيف يدخل تحت هذه الآية؟! والله أعلم »(١) انتهى.

وفيه : إنّ الإشكال موقوف على تقدير ثبات أبي بكر ، وهو خلاف الحقيقة!

هذا ، والآية ظاهرة في الأمر بمشاورتهم للتأليف ، كما يظهر من كثير من أخبارهم(٢) .

ومثله الأمر بالعفو عنهم والاستغفار لهم ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.

وقال ابن أبي الحديد(٣) : « قال الجاحظ : وقد ثبت أبو بكر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على صاحبه.

قال شيخنا أبو جعفر : أمّا ثباته يوم أحد فأكثر المؤرّخين وأرباب السير ينكرونه ، وجمهورهم يروي أنّه لم يبق مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا عليّ وطلحة والزبير وأبو دجانة.

وقد روى عن ابن عبّاس أنّه قال : ولهم خامس ، وهو عبد الله بن

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٩ / ٧٠.

(٢) انظر مثلا : تفسير الماوردي ١ / ٤٣٣ ، تفسير الطبري ٣ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٤ / ١٦١.

(٣) ص ٢٨١ من المجلّد الثالث [ ١٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ]. منهقدس‌سره .

٤١٩

مسعود ؛ ومنهم من أثبت سادسا ، وهو المقداد بن عمرو.

وروى يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : قلت [ لأبي ] : كم ثبت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد؟

فقال : اثنان.

قلت : من هما؟

قال : عليّ وأبو دجانة.

وهب أنّ أبا بكر ثبت يوم أحد كما يدّعيه الجاحظ ، أيجوز له أن يقول : ( ثبت كما ثبت عليّ ، فلا فخر لأحدهما على الآخر )؟! وهو يعلم آثار عليّ ذلك اليوم ، وأنّه قتل أصحاب الألوية من بني عبد الدار ، منهم : طلحة بن أبي طلحة ، الذي رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه أنّه مردف كبشا ، فأوّله وقال :كبش الكتيبة نقتله ؛ فلمّا قتله عليّ مبارزة ـ وهو أوّل قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم ـ كبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال :هذا كبش الكتيبة !

وما كان [ منه ] من المحاماة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد فرّ المسلمون وأسلموه ، فتصمد له كتيبة من قريش ، فيقول : يا عليّ! اكفني هذه ؛ فيحمل عليها فيهزمها ، ويقتل عميدها ، حتّى سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء :

لا سيف إلّا ذو الفقا

ر ولا فتى إلّا علي

وحتّى قال النبيّ عن جبرئيل ما قال!

أتكون هذه آثاره وأفعاله ثمّ يقول الجاحظ : لا فخر لأحدهما على صاحبه؟!

٤٢٠