دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٦

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-359-4
الصفحات: 582
المشاهدات: 106175
تحميل: 2495


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 582 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 106175 / تحميل: 2495
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 6

مؤلف:
ISBN: 964-319-359-4
العربية

٦ ـ حديث : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

السادس : في « مسند أحمد » وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ما معناه ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذا الحليفة(٢) بعث إليه عليّا فردّه ، فرجع أبو بكر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟!

قال :لا ، ولكنّ جبرئيل جاءني وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٤.

(٢) ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة ، وهو من مياه جشم.

وموضع آخر بنفس الاسم ، هو بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة ، وليس بالموضع الذي قرب المدينة.

انظر : معجم البلدان ٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠ رقم ٣٨٧١.

والمقصود في الحديث هو الموضع الأوّل دون الثاني!

(٣) مسند أحمد ١ / ٣ و ١٥١ وج ٣ / ٢١٢ و ٢٨٣ ومواضع أخر ، جامع الأصول ٨ / ٦٦٠ ح ٦٥٠٩ عن الجمع بين الصحاح الستّة.

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٢٥٦ ح ٣٠٩٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ح ٨٤٦٠ ـ ٨٤٦٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٦ ح ٧٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٤ ح ٩٤٦ و ٧٩٥ ح ١٠٩٠ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٢٣٢ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ ح ١٣٥١ ، زوائد عبد الله بن

٦١

وقال الفضل(١) :

حقيقة هذا الخبر ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الثامنة من الهجرة بعث أبا بكر الصدّيق أميرا للحاجّ ، وأمره أن يقرأ أوائل سورة « براءة » على المشركين في الموسم(٢) ، وكان بين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبائل العرب عهود ، فأمر أبا بكر بأن ينبذ إليهم عهدهم إلى مدّة أربعة أشهر ، كما جاء في صدر سورة « براءة » عند قوله تعالى :( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (٣) .

وأمر أيضا أبا بكر بأن ينادي في الناس أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا خرج أبو بكر إلى الحجّ بدا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أمر تبليغ

__________________

_ أحمد بن حنبل على المسند : ٣٥٣ ح ١٤٦ ، تفسير الطبري ٦ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ح ١٦٣٨٦ و ١٦٣٨٩ و ١٦٣٩٢ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٢١٥ ح ٤٥٧ ، أنساب الأشراف ٢ / ٨٥٧ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٧ ح ١٢٥٩٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٢٢ ح ٦٦١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٣ ح ٤٣٧٤ ، ما نزل نم القرآن في عليّ : ٩٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٩ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، تفسير الثعلبي ٥ / ٨ ، تفسير الماوردي ٢ / ٣٣٧ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٢ ـ ٢٤٣ ح ٣٠٩ ـ ٣٢٧ ، تفسير البغوي ٢ / ٢٢٥.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٠.

(٢) لا يخفى عدم صحة قول الفضل هذا ، فإنّ سورة التوبة نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وبعد غزوة تبوك ، ولا خلاف في هذا ؛ انظر مثلا : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ٢٢٦ ، الكشّاف ٢ / ١٧٢.

(٣) سورة التوبة ٩ : ٢.

٦٢

سورة براءة ؛ لأنّها كانت مشتملة على نبذ العهود وإرجاعها إلى أربعة أشهر ، وأنّ العرب كانوا لا يعتبرون نبذ العهد وعقده إلّا من صاحب العهد ومن أحد من قومه ، وأبو بكر كان من بني تيم ، فخاف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعتبر العرب نبذ العهد وعقده إلى أربعة أشهر من أبي بكر ؛ لأنّه لم يكن من بني هاشم ، فبعث عليّا لقراءة سورة « براءة » ونبذ عهود المشركين ، وأبو بكر على أمره من إمارة الحجّ والنداء في الناس بأن لا يطوف في البيت عريان ، ولا يحجّ بعد العام مشرك.

فلمّا وصل عليّ إلى أبي بكر قال له أبو بكر : أمير؟

قال : لا ، بل مبلّغ لنبذ العهود.

فذهبا جميعا إلى أمرهم ، فلمّا حجّوا ورجعوا قال أبو بكر لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فداك أبي وأمّي يا رسول الله! أنزل فيّ شيء؟

قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل من أهل بيتي

هذا حقيقة الخبر ، وليس فيه دلالة على نصّ ولا قدح في أبي بكر.

وأمّا ما ذكر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا ، ولكنّ جبرئيل أتاني » ، فهذا من ملحقاته ، وليس في أصل الحديث هذا الكلام.

* * *

٦٣

وأقول :

آثار الوضع في ما زعمه حقيقة الخبر ظاهرة ، والأدلّة على وضعه كثيرة

أوّلها : إنّه لو كان العرب لا يعتبرون عقد العهد ونبذه إلّا بمباشرة من له الأمر أو أحد أقاربه ، لما خالف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه القاعدة!

فهل خالفها عمدا تساهلا بتنفيذ أمر الله تعالى ، أو جهلا بما يعرفه الناس؟!

وكلّ ذلك لا يصحّ!

ثانيها : إنّ أبا بكر أشفق من عزله حتّى خاف أن يكون نزل به شيء كما ستسمع ، ولو كان عزله بعليّعليه‌السلام على مقتضى القاعدة لما أشفق ، ولا سيّما أنّه قد بقي بزعمهم على إمرة الحجّ والنداء بأن لا يطوف في البيت عريان ، وأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وخصوصا قد صار عليّعليه‌السلام تحت إمرته في الحجّ كما زعموا!

فهل مع هذا كلّه محلّ لإشفاقه وبكائه لمجرّد العزل عن نبذ العهد إذا قضت به القاعدة؟!

ثالثها : إنّه لا وجه لهذه القاعدة المزعومة ؛ فإنّ العهد ونبذه إنّما يحتاجان إلى اليقين بحصولهما ممّن له الأمر ، فأيّ وجه لتخصيص قرابته دون خاصّته؟! لا سيّما والعهد المنبوذ في المقام هو الذي لم يف المشركون بشروطه ، فيكون منحلّا بنفسه ، وإنّما أجلهم الله ورسوله مع من لم يكن لهم عهد إلى أربعة اشهر إحسانا وتفضّلا.

٦٤

فلا بدّ بعد توقّف أداء هذا الأمر على النبيّ أو من هو منه ـ كما نطقت به الأخبار ـ أن يكون هناك خصوصيّة خارجة عن العادات!

رابعها : الأخبار المصرّحة بأنّ ذلك من خواصّ(١) عليّعليه‌السلام دون سائر أقاربه ، كما في « مسند أحمد »(٢) ، عن يحيى بن آدم السلولي ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ »(٣) .

وفيه أيضا عن حبشي بن جنادة مثل ذلك ، من ثلاثة طرق(٤) .

ومثله أيضا في « سنن الترمذي » بفضائل عليّعليه‌السلام ، وقال : حسن صحيح(٥) .

__________________

(١) الخواصّ : على صيغة منتهى الجموع « فواعل » ، جمع الخاصّ ؛ وقد يشكل بعضهم في استخدامه هنا ويقول : الصحيح أن يقال : « خصائص » ؛ وكلاهما جائز ، وقد ورد استعماله وشاع في كلام فقهاء الطائفة القدماء ومن بعدهم ، وهو صحيح من ناحية اللغة والاستعمال هنا ، والتقدير في كلام الشيخ المظفّرقدس‌سره : بأنّ ذلك الأمر هو من خواصّ عليّعليه‌السلام ؛ أي مختصّ به.

(٢) ص ١٦٤ من الجزء الرابع. منهقدس‌سره .

(٣) وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ب‍ ١٨ ح ٨ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ح ٣٥١١ و ٣٥١٣ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٢ ح ٤٧٦٨ ، مرقاة المفاتيح ١٠ / ٤٦٤ ح ٦٠٩٢.

(٤) ص ١٦٥ من ج ٤. منهقدس‌سره .

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٩ ، وفيه : « حسن غريب » بدلا من « حسن صحيح ».

وهذا ممّا طالته يد الخيانة ، فأسقطت كلمة « صحيح » وأبقت كلمة « غريب » ؛ فقد جاءت الجملة هكذا : « هذا حديث حسن غريب صحيح » في نسخة شرحي سنن الترمذي ؛ فانظر : عارضة الأحوذي ٧ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ح ٣٧٤٠ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥١ ـ ١٥٢ ب‍ ٨٦ ح ٣٩٦٧.

٦٥

وفي « كنز العمّال » ، عن النسائي ، وابن ماجة(١) .

ونحوه في بعض الأخبار الآتية.

خامسها : الأخبار الدالّة على رجوع أبي بكر عند وصول عليّعليه‌السلام إليه

منها : ما رواه أحمد في مسنده(٢) ، عن أبي بكر ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه ب‍ « براءة » لأهل مكّة : لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مدّة فأجله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين ورسوله.

قال : فسار بها ثلاثا ، ثمّ قال لعليّ :إلحقه! فردّ عليّ أبا بكر ، وبلّغها أنت ! ففعل.

فلمّا قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر بكى ، قال : يا رسول الله! حدث فيّ شيء؟!

قال :ما حدث فيك إلّا خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي .

وحكاه في « كنز العمّال » بتفسير سورة التوبة(٣) ، عن ابن خزيمة ، وأبي عوانة ، والدارقطني في « الأفراد ».

ومنها : ما رواه أحمد أيضا(٤) ، عن عليّعليه‌السلام ، قال : لمّا نزلت عشر

__________________

(١) ص ١٥٣ من ج ٦ [ ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٣ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٥ ح ٨١٤٧ وص ١٢٨ ح ٨٤٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤ ح ١١٩.

(٢) ص ٣ من ج ١. منهقدس‌سره .

(٣) ص ٢٤٦ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤١٧ ح ٤٣٨٩ ]. منهقدس‌سره .

(٤) ص ١٥١ من الجزء الأوّل. منهقدس‌سره .

٦٦

آيات من براءة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر فبعثه بها ، ثمّ دعاني النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي :أدرك أبا بكر! فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه ، فاذهب به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم.

فلحقته بالجحفة(١) ، فأخذت الكتاب منه ، ورجع أبو بكر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا رسول الله! نزل فيّ شيء؟!

قال :لا ، ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

ونقله في « كنز العمّال » ، عن أبي الشيخ ، وابن مردويه(٢) .

ونحوه في « الكشّاف » أيضا(٣) .

وهذا مصدّق لما نقله المصنّفرحمه‌الله من قول جبرئيل.

ومنها : ما رواه أحمد في مسنده(٤) ، عن أنس ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث ب‍ « براءة » مع أبي بكر إلى أهل مكّة ، قال : ثمّ دعاه فبعث بها عليّا.

ونحوه في « سنن الترمذي » في تفسير سورة « التوبة » ، وقال : هذا حديث حسن(٥) .

__________________

(١) الجحفة ـ بالضمّ ، ثمّ السكون والفاء ـ : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمرّوا على انظر : معجم البلدان ٢ / ١٢٩ رقم ٢٩٥٥.

(٢) ص ٢٤٧ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤٢٢ ح ٤٤٠٠ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : زوائد عبد الله بن أحمد على المسند : ٣٥٣ ح ١٤٦.

(٣) الكشّاف ٢ / ١٧٢.

(٤) ص ٢٨٣ ج ٣. منهقدس‌سره .

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٢٥٦ ح ٣٠٩٠.

٦٧

وفي « كنز العمّال » ، نقلا عن ابن أبي شيبة(١) .

ومنها : ما رواه الحاكم في « المستدرك » ، في كتاب المغازي(٢) ، عن ابن عمر ، من حديث قال فيه : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر وعمر ب‍ « براءة » إلى أهل مكّة فانطلقا ، فإذا هما براكب ، فقالا : من هذا؟!

قال :أنا عليّ يا أبا بكر! هات الكتاب الذي معك!

فأخذ عليّ الكتاب فذهب به ، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة ، فقالا : ما لنا يا رسول الله؟!

قال : ما لكما إلّا خير ، ولكن قيل لي : [ إنّه ] لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك

سادسها : الأخبار المصرّحة بأنّ عليّا بعث أيضا بأن لا يحجّ بعد العام مشرك ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ؛ كالذي رواه الترمذي في سورة التوبة وصحّحه(٣) ، عن زيد بن تبيع(٤) ، قال : « سألنا عليّا بأيّ شيء بعثت

__________________

(١) ص ٢٤٩ من الجزء الأوّل [ ٢ / ٤٣١ ح ٤٤٢١ ]. منهقدس‌سره .

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٦ ح ٧٢.

(٢) ص ٥١ من الجزء الثالث [ ٣ / ٥٣ ح ٤٣٧٤ ]. منهقدس‌سره .

(٣) وهذا ممّا طالته يد الخيانة كذلك ، فأسقطت كلمة « صحيح » من متن كتاب سنن الترمذي ؛ فقد جاءت الجملة في سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن » فقط ، بينما جاءت في نسخة شرحي سنن الترمذي هكذا : « هذا حديث حسن صحيح » ؛ فانظر : عارضة الأحوذي ٦ / ١٨٤ ذ ح ٣١٠٣ ، تحفة الأحوذي ٨ / ٣٨٨ ذ ح ٣٢٨٨.

(٤) كذا في الأصل ، وفي المصدر : يثيع ؛ والظاهر أنّه الصواب ؛ فهو : زيد بن يثيع ـ أو أثيع ـ الهمداني الكوفي ؛ انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٢٤٥ رقم ٢٢١٨ ، التاريخ الكبير ٣ / ٤٠٨ رقم ١٣٥٦ ، الثقات ـ لابن حبّان ـ ٤ / ٢٥١ ، الإكمال ١ / ١٢ باب أثيع ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٩٠ رقم ٢١١٤ ، ميزان الاعتدال

٦٨

في الحجّة؟

قال :بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ؛ ومن كان بينه وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر ؛ ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مؤمنة ؛ ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا »(١) .

ونقله في « كنز العمّال »(٢) ، عن الحميدي ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ، والعدني ، وأبي داود ، وابن مردويه ، والدارقطني ، وجماعة(٣) .

وكالذي رواه الحاكم في « المستدرك »(٤) ، وصحّحه ، عن أبي هريرة ، قال : « كنت في البعث الّذين بعثهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع عليّ ببراءة إلى مكّة ؛ فقال له ابنه أو رجل آخر : فبم كنتم تنادون؟

قال : كنّا نقول : لا يدخل الجنّة إلّا مؤمن ، ولا يحجّ بعد العام

__________________

٣ / ١٥٨ رقم ٣٠٣٥ ، الكاشف ١ / ٢٩٥ رقم ١٧٧٤ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٣٩ رقم ٢٢٣٤ ، تعجيل المنفعة : ١٧٤ رقم ٣٤٩ ، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٣٥٥ رقم ٢٢٨٣.

(١) سنن الترمذي ٥ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ح ٣٠٩٢.

وانظر : سنن الترمذي ٣ / ٢٢٢ ب‍ ٤٤ ح ٨٧١ كتاب الحجّ ، وقال عنه : « حديث عليّ حديث حسن » ؛ وقال عنه ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي ٢ / ٢٩٩ ح ٨٧٢ : « الحديث مشهور بأبي هريرة ، وهو كلّه حسن صحيح » ، وقال عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي ٣ / ٥١٩ ذ ح ٨٧٢ : « أخرجه الشيخان » ، وهو إشعار بصحّته ؛ فتأمّل!

(٢) ص ٣٣١ من الجزء المذكور [ ٢ / ٤٢٢ ح ٤٤٠٢ ]. منهقدس‌سره .

(٣) انظر : مسند الحميدي ١ / ٢٦ ح ٤٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٤ / ٤٢٠ ح ٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٨ ح ١٩١٨ ، مسند أحمد ١ / ٧٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٥١ ح ٤٥٢ ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٣ / ١٦٤ رقم ٣٢٩.

(٤) ص ٣٣١ من الجزء الثاني ، تفسير سورة براءة [ ٢ / ٣٦١ ح ٣٢٧٥ ]. منهقدس‌سره .

٦٩

مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد فإنّ أجله أربعة أشهر ؛ فناديت حتّى صحل(١) صوتي ».

وروى الطبري في تفسيره نحو هذين الحديثين ، عن عليّ ، وابن عبّاس ، وأبي هريرة ، من عدّة طرق(٢) .

فثبت بما ذكرنا كذب ما زعمه الفضل حقيقة الخبر ، وظهر أنّ أبا بكر رجع قبل الحجّ معزولا ، لا لقضاء قواعد العرب بإرسال عليّعليه‌السلام ، بل لتوقّف مثل هذا العمل عند الله سبحانه على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليّعليه‌السلام ؛ لأنّه منه ونفسه

فلا بدّ أن يكون نصب أبي بكر ، ثمّ عزله بعليّعليه‌السلام في أثناء الطريق بعد اشتهار نصبه ، إنّما هو للتنبيه من الله تعالى ونبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أنّ أبا بكر غير صالح للقيام مقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ، فلا يصلح ـ بالأولويّة ـ للزعامة العظمى بعده!

وللتنبيه أيضا على أنّ مثل هذا العمل إذا لم يصلح إلّا لمن هو من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه ، فالإمامة أولى!

ففيه إرشاد إلى فضل عليّ ، وأنّه هو المتعيّن للقيام مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الإمامة والزعامة العامّة دون سائر الناس ، ولو أرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام من أوّل الأمر لم يحصل ذلك التنبيه والإرشاد(٣) .

__________________

(١) صحل صوته : بحّ صوته ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ مادّة « صحل ».

(٢) تفسير الطبري ٦ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ح ١٦٣٨٢ ـ ١٦٣٨٥.

(٣) وانظر : الإمامة في أهمّ الكتب الكلامية : ٦٨ ـ ٧٢ قضيّة إبلاغ سورة براءة تعقيبا على « شرح المواقف ».

٧٠

٧ ـ حديث اختصاص المناجاة بعليّ

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

السابع : في الجمع بين الصحاح الستّة ، وتفسير الثعلبي ، ورواية ابن المغازلي الشافعي آية المناجاة ، واختصاص أمير المؤمنينعليه‌السلام بها ، « تصدّق بدينار حال المناجاة ، ولم يتصدّق أحد قبله ولا بعده ».

ثمّ قال عليّعليه‌السلام :إنّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) (٢) الآية.

وبي خفّف الله تعالى عن هذه الأمّة ، فلم تنزل في أحد بعدي (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٥.

(٢) سورة المجادلة ٥٨ : ١٢.

(٣) جامع الأصول ٢ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ح ٨٣٦ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، تفسير الثعلبي ٩ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٢٦٩ ح ٣٧٢ و ٣٧٣ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٣٧٩ ح ٣٣٠٠ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ح ٨٥٣٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٥ ح ٦٢ ـ ٦٣ ، مسند عبد ابن حميد : ٥٩ ـ ٦٠ ح ٩٠ ، تفسير الحبري : ٣٢٠ ح ٦٥ ، تفسير الطبري ١٢ / ٢٠ ح ٣٣٧٨٨ ـ ٣٣٧٩١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٧ ـ ٤٨ ح ٦٩٠٢ ـ ٦٩٠٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٦٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ٥٢٤ ح ٣٧٩٤ وصحّحه هو والذهبي ، ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٤٩ ،

٧١

وقال الفضل(١) :

قد ذكرنا أنّ هذا من فضائل أمير المؤمنين ، ولم يشاركه أحد في هذه الفضيلة ، وهي مذكورة في الصحاح ، ولكن لا تدلّ على النصّ المدّعى.

* * *

__________________

أسباب النزول ـ للواحدي ـ : ٢٣٠ ، شواهد التنزيل ٢ / ٢٣١ ـ ٢٤٣ ح ٩٤٩ ـ ٩٦٧ ، تفسير البغوي ٤ / ٢٨٣ ، تفسير الكشّاف ٤ / ٧٦ ، تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، تفسير النيسابوري ٦ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦ ، ينابيع المودّة ١ / ٢٩٩ ح ١.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٦.

٧٢

وأقول :

قد أوضحنا دلالتها على إمامته ، فراجع وتبصّر(١) !

__________________

(١) انظر : ج ٥ / ٣١ ـ ٣٨ من هذا الكتاب.

وقد ردّ نظام الدين النيسابوري ، المتوفّى سنة ٧٢٨ ه‍ ، في تفسيره ٦ / ٢٧٤ ـ ٢٧٦ على ما أشكل به القاضي عبد الجبّار والفخر الرازي على هذه الفضيلة ، فقال ما نصّه : « قال القاضي : هذا لا يدلّ على فضله على أكابر الصحابة ؛ لأنّ الوقت لعلّه لم يتّسع للعمل بهذا الفرض.

وقال فخر الدين الرازي [ تفسير الفخر الرازي ٢٩ / ٢٧٣ ] : سلّمنا أنّ الوقت قد وسع ، إلّا أنّ الإقدام على هذا العمل ممّا يضيّق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا ، وينفّر الرجل الغني ، ولم يكن في تركه مضرّة ؛ لأنّ الذي يكون سببا للألفة أولى ممّا يكون سببا للوحشة.

وأيضا : الصدقة عند المناجاة واجبة ، أمّا المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة ، بل الأولى ترك المناجاة ؛ لما بيّنّا من أنّها كانت سببا لسآمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قلت : هذا الكلام لا يخلو عن تعصّب مّا!

ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضوليّة عليّ رضي الله عنه في كلّ خصلة؟!

ولم لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة؟!

فقد روي عن ابن عمر : كان لعليّ رضي الله عنه ثلاث ، لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النّعم : تزويجه بفاطمة رضي الله عنها ، وإعطاؤه الراية يوم خبير ، وآية النجوى.

وهل يقول منصف : إنّ مناجاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نقيصة؟!

على أنّه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة ، وإنّما ورد تقديم الصدقة على المناجاة ، فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين : سدّ خلّة بعض الفقراء ، ومن جهة محبّة نجوى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففيها القرب منه ، وحلّ المسائل العويصة ، وإظهار أنّ نجواه أحبّ إلى المناجي من المال ».

٧٣

٨ ـ حديث المباهلة

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ(١) :

الثامن : آية المباهلة : في « الجمع بين الصحيحين » ، أنّه لمّا أراد المباهلة لنصارى نجران احتضن الحسين ، وأخذ بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعليّ يمشي خلفها ، وهو يقول لهم : ذادعوت فأمّنوا (٢) .

فأيّ فضل أعظم من هذا ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يستسعد(٣) بدعائه ، ويجعله واسطة بينه وبين ربّه تعالى؟!

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٥.

(٢) الجمع بين الصحيحين ١ / ١٩٨ ذ ح ٢٠٨ ، وقد مرّ تخريج حديث نزول الآية الكريمة مفصّلا في ج ٤ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ؛ فراجع!

(٣) الإسعاد : المعونة ؛ والمساعدة : المعاونة ، وساعده مساعدة وسعادا وأسعده : أعانه ، ويستسعد به : أي يستعين به ويعدّه سعدا ويمنا.

انظر مادّة « سعد » في : لسان العرب ٦ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، تاج العروس ٥ / ١٦.

٧٤

وقال الفضل(١) :

قصّة المباهلة مشهورة ، وهي فضيلة عظيمة كما ذكرنا ، وليس فيه دلالة على النصّ.

وأمّا ما ذكره من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستسعد بدعائه ، فهذا لا يدلّ على احتياج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى دعاء أهل بيته وتأمينهم ، ولكن عادة المباهلة كما ذكر الله في القرآن أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ؛ ليكون أهيب في أعين المباهلين ، ويشمل البهلة إيّاه وقومه وأتباعه ، وهذا سرّ طلب التأمين منهم ، لا أنّه استعان بهم وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ليلزم أنّهم كانوا أقرب إلى الله منه.

هذا يفهم من كلامه ومن معتقده الميشوم الباطل!

نعوذ بالله من أن يعتقد أنّ في أمّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كان أقرب إلى الله منه.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٢٧.

٧٥

وأقول :

لا ريب أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّ صالح مقرّب ، لا يرى لنفسه استحقاقا في استجابة دعائه ، ولا يجعل الاعتماد على نفسه ، بل يتوسّل إلى الإجابة بأنواع الوسائل التي يقتضيها المقام ، كتعظيم الله سبحانه ، وتمجيده بأسمائه الحسنى ، والتملّق له بحمده وشكر نعمائه وإظهار المذلّة والخضوع لجنابه الأرفع قولا وفعلا ؛ بأن يجلس على الأرض ويعفّر وجهه بالتراب مثلا.

وربّما تقتضي أهمّيّة المطلوب أن يجمع معه المقرّبين ؛ لاحتمال أنّ للاجتماع مدخليّة في حصول الإجابة ، أو مبادرتها ، أو كونها تخصّ أحدهم لخصوصيّة هناك.

فحينئذ لا مانع من استسعاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعاء أهل بيتهعليهم‌السلام ، واستعانته بهم في التأمين على دعائه ، وجعلهم واسطة بينه وبين ربّه ، وإن كان هو أقرب منهم إلى الله تعالى ، ولا سيّما إذا كان المراد ـ مع ذلك ـ إظهار فضلهم على سائر الأمّة من الأقارب والأباعد والأكابر والأصاغر.

فلا معنى لما زعمه الفضل من لزوم أنّهم أقرب إلى الله منه ، وليس هو معتقدا للمصنّفرحمه‌الله ، ولا يجوّزه أحد منّا ، ولكن يجوّزه بعض القوم كما عرفت(١) ، أنّ ابن حزم نقله عن الباقلّاني الأشعري ، وهو لازم مذهب الأشاعرة من نفي الحسن والقبح العقليّين.

__________________

(١) في الجزء الأوّل ، ص ٣٧٤ ، المبحث الثاني من مباحث النبوّة [ ٤ / ٣٠ ـ ٣٧ مبحث عصمة الأنبياء ]. منهقدس‌سره .

وانظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢ / ٢٨٤.

٧٦

وبالجملة : المباهلة إنّما تقع بين الخصمين ، ومن المعلوم أنّ خصم أهل نجران هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة ، لكن لمّا كان إدخال عليّ وفاطمة والحسنين معه في المباهلة يشتمل على فوائد ، أدخلهم معه

الأولى : إظهار اعتماده على أنّه المحقّ ؛ فإنّ إدخال أعزّ الناس في محلّ الخطر دليل على ذلك ، وعلى اعتقاده بالنجاح والسلامة.

الثانية : الاستسعاد بهم والاستعانة بدعائهم ؛ ولذا أمرهم بالتأمين على دعائه ، ولا وجه لما قاله الفضل من أنّ سرّ طلب التأمين شمول البهلة لهم لا الاستعانة بدعائهم ؛ فإنّ خروجهم معه كاف في شمول البهلة لهم بلا حاجة إلى تأمينهم.

ولو كان التأمين هو السرّ في شمول البهلة لهم ، فمن أين علم شمولها لقوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأتباعه ، ولم يأخذهم معه ، وما أراد تأمينهم؟!

الثالثة : بيان فضلهم على الأمّة بإشراكهم معه كما أمر الله تعالى ، دون أقاربه وخاصّته ، في إثبات دعوى النبوّة بالمقام الشهير المشهود ؛ فإنّه منزلة عظمى ، لا سيّما لعليّعليه‌السلام الذي عبّر الله سبحانه عنه بنفس النبيّ.

ودعوى أنّ عادة المباهلة أن يجمع الرجل أهله وقومه وأولاده ، كاذبة ـ كما سبق في الآية السادسة(١) ، وإلّا لما خالفها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولاعترض عليه النصارى في المخالفة ـ ؛ كدعوى شمول البهلة للأتباع ، وإلّا لأدخل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله معه ولو واحدا منهم!

وكون وجوده هو الأصل والمدار فيستغني عن وجودهم ، وارد في المرأة والطفلين بالأولويّة ، فلم لا استغنى عنهم؟!

__________________

(١) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ من هذا الكتاب.

٧٧

ومن المضحك قوله : « ليكون أهيب في عيون المباهلين » ، فإنّه لو كان الداعي لوجودهم هو الهيبة ، فلم خصّ شابّا وامرأة وطفلين ، وترك المشايخ الكبار ، والحفدة(١) ، والأنصار؟!

وقد مرّ في الآية السادسة ما يزيدك تحقيقا وبيانا للمطلوب(٢) .

ثمّ إنّ غاية ما قلنا هو استسعاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستعانته في الدعاء على المبطلين بمن طهّرهم الله عن الرجس تطهيرا ، وقد زعم القوم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بالدعاء لنفسه الشريفة بعمر بن الخطّاب ، وهو أعظم من الاستسعاد في الأوّل ، ولم يستنكره القوم ؛ لأنّه متعلّق بأوليائهم!

روى ابن حجر في « الصوّاعق » ، في فضائل عمر ، أنّ رسول الله قال له : « لا تنسنا يا أخي من دعائك ».(٣)

وفي رواية أخرى قال له : « يا أخي أشركنا في صالح دعائك ، ولا تنسنا »(٤) .

بل رووا أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بأبي بكر وعمر وعثمان في حفظ نفسه المقدّسة ، وجعلهم واسطة لسلامته!

__________________

(١) الحفدة : الأعوان والخدمة ، واحدهم : حافد ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ٢٣٥ مادّة « حفد ».

(٢) راجع : ج ٤ / ٤٠٢ وما بعدها من هذا الكتاب ، وانظر مبحث آية المباهلة في : تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات ١ / ٣٤٢ ـ ٤٦٦.

(٣) الصواعق المحرقة : ١٤٩ ح ٦١ ؛ وانظر : سنن أبي داود ٢ / ٨١ ح ٤٩٨ ، مسند أحمد ١ / ٢٩.

(٤) الصواعق المحرقة : ١٤٩ ح ٦٢ ؛ وانظر : سنن ابن ماجة ٢ / ٩٦٦ ح ٢٨٩٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٢٣ ح ٣٥٦٢ ، مسند أحمد ٢ / ٥٩.

٧٨

روى البخاري وغيره ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صعد إلى أحد ومعه هؤلاء القوم ، فرجف بهم ، فضربه برجله وقال : « أثبت! فما عليك إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد »(١) ، فإنّه دالّ على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استسعد بهم ، وجعلهم واسطة لحفظ نفسه وأنفسهم كما استسعد بنفسه لذلك ؛ وهو بالضرورة أعظم من جعل آل محمّد واسطة إلى لعن أهل نجران ؛ فتدبّر!

* * *

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٧٤ ح ١٧٢ وص ٧٨ ح ١٨٢ وص ٨٣ ح ١٩٥ ، سنن أبي داود ٤ / ٢١٢ ح ٤٦٥١ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٨٢ ـ ٥٨٣ ح ٣٦٩٦ و ٣٦٩٧ ، مسند أحمد ٥ / ٣٣١ و ٣٤٦.

٧٩

٩ ـ حديث المنزلة

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

التاسع : في مسند أحمد من عدّة طرق ، وفي صحيح البخاري ومسلم من عدّة طرق ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج إلى تبوك(٢) استخلف عليّا في المدينة وعلى أهله ، فقال عليّ : ما كنت أوثر أن تخرج في وجه إلّا وأنا معك.

فقال :أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟! (٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٦.

(٢) تبوك ـ بالفتح ، ثمّ الضمّ ، وواو ساكنة ـ : موضع بين وادي القرى والشام ، بينها وبين المدينة اثنتا عشرة مرحلة ، وفيها كانت غزوة تبوك سنة ٩ ه‍.

انظر : معجم البلدان ٢ / ١٧ رقم ٢٤٤٥.

(٣) مسند أحمد ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ وج ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ وج ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، صحيح البخاري ٥ / ٨٩ ح ٢٠٢ وج ٦ / ١٨ ح ٤٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ كتاب الفضائل ـ باب فضائل أمير المؤمنين.

وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ وص ٥٩٩ ح ٣٧٣٠ و ٣٧٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ـ ٤٣ ح ١١٥ وص ٤٥ ح ١٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٤ ح ٨١٣٨ ـ ٨١٤٣ وص ١١٩ ـ ١٢٥ ح ٨٤٢٩ ـ ٨٤٤٩ من طرق كثيرة وص ٢٤٠ ح ٨٧٨٠ ، مسند الطيالسي : ٢٨ و ٢٩ ح ٢٠٥ و ٢٠٩ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٠٦ ح ٩٧٤٥ وج ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٩٠ ، مسند الحميدي ١ / ٣٨ ح ٧١ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦ ـ ١٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ ح ١١ ـ ١٥ وج ٨ / ٥٦٢

٨٠