دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 80658
تحميل: 2036


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80658 / تحميل: 2036
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

حصين في مرضه الذي تُوفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشتُ فاكتم عنّي ، وإن مُتُّ فحدّث بها ـ إن شئت ـ إنّه قد سُلّم علَيَّ ، واعلم أنّ نبيّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جمع بين حجّ وعُمرة ثمّ لم ينزل فيها كتابُ الله ، ولم ينه عنها نبيُّ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال فيها رجلٌ برأيه ما شاء»(١) .

وفي رواية أُخرى لمسلم نحوها ، قال فيها محمّد بن حاتم ـ بعد قول عمران : ارتأى رجلٌ برأيه ما شاء ـ : «يعني عمر»(٢) .

.. إلى نحو ذلك ممّا رواه مسلم في باب واحد ، بأسانيد تبلغُ العشرة أو تزيد(٣) .

ويا عجباً! كيف بلغ الحال في تقيّة الصحابة وخوفهم أن يأمر أحدهم بكتمان ما يحدِّث به من حكم الله الذي نزل به كتابه وأعلن به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وروى مسلم(٤) ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : «قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو منيخ بالبطحاء ، فقال : بم أهللت؟

قلت : بإهلال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال : هل سقت من هَدي؟

قلت : لا.

قال : فطفْ بالبيت وبالصفا والمروة ، ثمّ حِلّ.

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ / ٤٨.

(٢) صحيح مسلم ٤ / ٤٧.

(٣) صحيح مسلم ٤ / ٤٧ ـ ٤٩.

(٤) في باب نسخ التحلّل من الإحرام من كتاب الحجّ [٤ / ٤٥]. منه (قدس سره).

٣٢١

فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثمّ أتيتُ امرأةً من قومي فمشطتني وغسلت رأسي.

فكنت أُفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر ، فإنّي لقائمٌ بالموسم إذ جاءني رجلٌ فقال : إنّك لا تدري ما أحدث أميرُ المؤمنين في شأن النُّسُك» إلى أن قال : «فلمّا قدم قلت : ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك؟!

قال : إنْ نأخذ بكتاب الله ؛ فإنّ الله قال :( وأتمُّوا الحجّ والعُمرة لله ) (١) ، وإنْ نأخذ بسنة نبيّنا ؛ فإنّ النبيّ لم يَحِلّ حتّى نحر الهَديَ».

وروى مسلم معه حديثين آخرين بمعناه(٢) ، وروى نحوه البخاري(٣) والنسائي(٤) ، وأحمد في مسنده(٥) .

وهذا الاستدلال من عُمَر أشبهُ بالأغاليط ؛ فإنّ الآية التي ذكرها لا تدلُّ على مدّعاه بوجه ؛ لأنّ فِعل العُمرةِ مع الحجّ لا يستوجب نقصان شيء منهما.

وقد صرّح ابنُ عمر بتمام العُمرة ، كما في «مسند أحمد»(٦) ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : «سُئل ابنُ عمر عن متعة الحجّ ، فأمر بها وقال : أحلّها الله ، وأمر بها رسول الله.

قال الزهري : وأخبرني سالم أنّ ابن عمر قال : العُمرة في أشهر الحجّ

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) صحيح مسلم ٤ / ٤٤ و ٤٥.

(٣) في باب من أهل بزمن النبيّ كإهلال النبيّ [٢ / ٢٧٧ ح ١٥٢]. منه (قدس سره).

(٤) في التمتّع من صحيحه [٥ / ١٥٤ ـ ١٥٥]. منه (قدس سره).

(٥) ص ٣٩ ج ١ وص ٣٩٣ وص ٣٩٥ و ٤١٠ ج ٤. منه (قدس سره).

(٦) ص ١٥١ ج ٢. منه (قدس سره).

٣٢٢

تامةٌ ، عمل بها رسول الله ، ونزل بها كتابُ الله».

وليت شعري ، هل يرى عمر أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرف معنى الآية؟!

أو أنّه عرفه وخالف عمداً في أمر أصحابه بالمتعة في حجّة الوداع؟!

وأمّا دعوى عمر أنّه يأخذُ بسنة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأعجب من ذلك ؛ فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما بقي على إحرامه في تلك الحجة ؛ لأنّه ساق هدياً ـ كما صرّحت به الأخبار(١) ـ ، فكيف يأخذ عمر بفعله الخاصّ به وببعض أصحابه في تلك الحجّة ، ويترك قوله الصريح بدخول العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة؟!

وروى مسلم(٢) ، عن أبي موسى : «أنّه كان يُفتي بالمتعة ، فقال له

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٣ / ١٨ ـ ١٩ ح ٣٦٢ وص ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ح ٢١ ، صحيح مسلم ٤ / ٢٩ و ٣١ و ٣٤ و ٣٧ و ٣٨ و ٤٠ و ٤١ ، سنن أبي داود ٢ / ١٥٧ ح ١٧٧٨ وص ١٥٩ ح ١٧٨٤ وص ١٦٠ ـ ١٦١ ح ١٧٨٧ و ١٧٨٩ ، سنن الترمذي ٣ / ٢٩٠ ح ٩٥٦ ، سنن النسائي ٥ / ١٤٩ و ١٥٢ و ١٧٨ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٩٢ ح ٢٩٨٠ وص ١٠٢٣ ح ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ / ٣٣ ـ ٣٤ ح ١٨٥١ ، مسند أحمد ٣ / ٣٠٢ و ٣٠٥ و ٣١٧ ، مسند البزّار ٢ / ١٣١ ح ٤٨٩ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤١٢ ح ١٨٩٧ وج ٤ / ٢٥ ح ٢٠٢٧ ، المعجم الكبير ٧ / ١٢١ ح ٦٥٦٧ وص ١٢٢ ـ ١٢٧ ح ٦٥٦٩ ـ ٦٥٨٤ ، مسند الطيالسي : ٢٣٣ ح ١٦٦٨ ، مسند الحميدي ٢ / ٥٤١ ح ١٢٩٣ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٤ / ٤٢٤ ب ٣١٣ ح ١٢ ، مسند عبد بن حميد : ٣٤٢ ح ١١٣٥ ، سنن ابن الجارود : ١٢١ ـ ١٢٢ ح ٤٦٥ وص ١٢٤ ح ٤٦٩ ، صحيح ابن خزيمة ٤ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٢٦٠٦ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٥ ح ٣٣٢٧ ـ ٣٣٣٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٦ / ٨٩ ـ ٩٠ ح ٣٩١٠ وص ٩١ ح ٣٩١٣ و ٣٩١٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٦٤٧ ح ١٧٤٢ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٤ / ٣٥٥ ، معرفة السنن والآثار ـ للبيهقي ـ ٣ / ٥١٠ ـ ٥١٣ ح ٢٧١٥ ـ ٢٧٢٠.

(٢) في باب نسخ التحلّل [٤ / ٤٥ ـ ٤٦]. منه (قدس سره).

٣٢٣

رجل : رويدك! فإنّك لا تدري ما أحدث أميرُ المؤمنين في النسك بعدُ ؛ حتّى لقيه بعدُ فسأله ، فقال عمر : قد علمتُ أنّ النبيّ قد فعله وأصحابُه ، ولكن كرهتُ أن يظلّوا مُعرِّسين بهنّ في الأراك ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم».

ونحوه في «صحيح النسائي»(١) و «مسند أحمد»(٢) .

وهو أقبحُ من الحديث السابق ؛ فإنّه لو جاز تغيير الأحكام بالكراهة والرضا لَما بقي للإسلام رسمٌ ، ولا كان لله على عباده مزيةٌ ، ولا سيّما إذا جاز تغيير ما صرّح النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه إلى الأبد!

وليت شعري ، إذا غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه لتردّدهم في ما أمر به من الإحلال في حجّة الوداع ـ كما رواه مسلم(٣) وأحمد(٤) عن عائشة ـ ، فكيف حالُه لو سمع أنّ عمر غيّر حكمه وحكم الله في كتابه المجيد ، وهدد على طاعتهما ومعصيته؟!

وروى الترمذي ـ وصحّحه(٥) ـ ، عن محمّد بن عبد الله : «أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس وهما يذكران التمتّع بالعُمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك : لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله.

فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي!

قال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك.

__________________

(١) سنن النسائي ٥ / ١٥٣.

(٢) ص ٤٩ و ٥٠ ج ١. منه (قدس سره).

(٣) في باب وجوه الإحرام [٤ / ٣٣ ـ ٣٤]. منه (قدس سره).

(٤) ص ١٧٥ ج ٦. منه (قدس سره).

(٥) في باب «ما جاء في التمتّع» من كتاب الحجّ [٣ / ١٨٥ ح ٨٢٣]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند الربيع بن حبيب : ١٧٦ ح ٤٣٣.

٣٢٤

فقال سعد : قد صنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصنعناها معه».

ومثله في التمتّع من «صحيح النسائي»(١) ، وفي ما جاء في التمتّع من «موطأ مالك»(٢) .

وروى النسائي ـ أيضاً ـ في التمتّع ، عن ابن عبّاس ، قال : «سمعتُ عمر يقول : واللهِ إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله ، ولقد فعلها رسول الله ؛ يعني العُمرة في الحجّ»(٣) .

وروى مالك في ما جاء في العُمرة من «موطئه» ، عن ابن عمر ، أنّ عمر قال : «افصِلوا بين حجّكم وعُمرتكم ، فإنّ ذلك أتمّ لحجِّ أحدكم ، وأتمّ لعُمرته ؛ أن يعتمر في غير أشهر الحجّ»(٤) .

.. إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تُحصى(٥)

ومنها يُعلم ما في قول الفضل : «ولم يصحّ عنه روايةٌ في منعها ؛ وإنْ صحَّ ، فيمكن أن يكون سمع من رسول الله شيئاً»!!

ولا أدري ، ما هذا الذي يحتمل سماعه وقد صرّح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّها إلى الأبد وإلى يوم القيامة؟!

وأعجب من ذلك قوله : «والمسائل المخلتف فيها لا اعتراض فيها على المجتهدين» ؛ فإنّ المسألة إجماعيّة لا خلافيّة ، كما أقرّ به الخصم ، فقال : «متعةُ الحجّ جوّزها العلماء وذهبوا إليه».

__________________

(١) سنن النسائي ٥ / ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) الموطأ : ٣٢٧ ح ٦٣.

(٣) سنن النسائي ٥ / ١٥٣.

(٤) الموطأ : ٣٢٩ ح ٧٠.

(٥) راجع الصفحة ٣١٦ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

٣٢٥

نعم ، قد يريد أنّ الله ورسوله مجتهدان ، وعمر مجتهدٌ في عرضهما ، فلا اعتراض عليه وإنْ قالَ لمجرّد الكراهة والهوى ، ناسخاً أيضاً قوله تعالى :( ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الظالمون ) (١) ، وفي آية أُخرى :( فأُولئك هم الكافرون ) (٢) (٣) .

ثمّ إنّ عثمان أراد ترويج هذه الفتوى المخالفة للكتاب والسنة والإجماع ، مع اطّلاعه على ذلك ، وحضوره حجّة الوداع ، وسماعه من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما سمعه المسلمون

فقد روى البخاري(٤) ، عن مروان بن الحكم ، قال : «شهدتُ عثمان وعليا ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يُجمَع بينهما ، فلمّا رأى عليٌّ أَهَلَّ بهما قال : ما كنت لأدعَ سنة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لقول أحد».

ونحوه في القِران من «صحيح النسائي»(٥) .

وروى البخاري ـ أيضاً(٦) ـ ، عن سعيد بن المسيّب ، قال : «اختلف عليٌّ وعثمان ـ وهما ب «عُسْفان»(٧) ـ في المتعة ، فقال عليٌّ : ما تريد إلاّ أن

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٤٥.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٤٤.

(٣) وقال سبحانه وتعالى في آية أُخرى :( ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الفاسقون ) سورة المائدة ٥ : ٤٧.

(٤) في باب التمتّع والإقران والإفراد بالحجّ ، من كتاب الحجّ [٢ / ٢٨٠ ح ١٥٦]. منه (قدس سره).

(٥) سنن النسائي ٥ / ١٤٨.

(٦) في الباب المذكور [٢ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ ح ١٦٢]. منه (قدس سره).

(٧) عُسفان : قرية جامعة بها منبر ونخيل ومزارع ، وهي منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكّة ، على ٣٦ ميلا من مكّة على طريق المدينة.

انظر : معجم البلدان ٤ / ١٣٧ رقم ٨٣٩٥.

٣٢٦

تنهى عن أمر فعله النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ فلمّا رأى ذلك عليٌّ أهلّ بهما جميعاً».

ونحوه في «مسند أحمد»(١) ، وزاد فيه : «فقال عثمان : دعنا منك».

وكذا في «صحيح مسلم»(٢) .

وروى أحمد(٣) ، عن أبي حرملة(٤) ، قال : سمعت سعيداً قال : «خرج عثمان حاجّاً ، حتّى إذا كان ببعض الطريق قيل لعليّ : إنّه نهى عن التمتّع بالعُمرة إلى الحجّ ؛ فقال لأصحابه : إذا ارتحل فارتحلوا.

فأهلّ عليٌّ وأصحابه بعُمرة ، فلم يكلّمه عثمان في ذلك ، فقال له عليٌّ : ألم أُخبَر أنّك نهيت عن التمتّع بالعُمرة؟!

فقال : بلى.

قال : فلم تسمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تمتّع؟!

قال : بلى».

ومثله في التمتّع من «صحيح النسائي»(٥) .

__________________

(١) ص ١٣٦ ج ١. منه (قدس سره).

(٢) في باب جواز التمتّع من كتاب الحجّ [٤ / ٤٦]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٥٧ ج ١. منه (قدس سره).

(٤) في المصدر : «ابن حرملة» ؛ وكلاهما صحيح ، فهو :

أبو حرملة عبد الرحمن بن حرملة بن عمرو الأسلمي المدني ، من رجال مسلم والأربعة ، توفّي سنة ١٤٥ هـ.

انظر : تهذيب الكمال ١١ / ١٥٨ رقم ٣٧٧٩ ، تهذيب التهذيب ٥ / ٧٣ رقم ٣٩٤٨.

(٥) سنن النسائي ٥ / ١٥٢.

٣٢٧

.. إلى غير ذلك من أخبارهم(١) .

وقد أصرّ ـ أيضاً ـ عروة بن الزبير على بقاء هذه البدعة حتّى اجترأ على ابن عبّاس ، فقال ابن عبّاس ـ بعد كلام دار بينهما ـ كما في «مسند أحمد»(٢) : «أراهم سيهلكون ، أقول : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويقول : نهى أبو بكر وعمر!».

واعلم أنّ اتّفاق علمائهم على ثبوت متعة الحجّ دليلٌ على أنّ الحكم بلغ من الضرورة ما لا يمكن افتعال خلافه ؛ إذ مجرّد مخالفة عمر للكتاب والسنة لا يمنعهم من وضع صورة الأدلّة لتسديد أمره ، كما فعلوا في متعة النساء!

وكيف يمكنهم وضعها ، وقد كان حكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمتّع إلى الحجّ ، ودوامه إلى الأبد ، من المشاهدات لأكثر الأُمة في حجّته الواقعة في آخر أيّامه ، ورتّب على حكمه العمل؟! وليس هناك للناس بعد موتِ عمر داع إلى مخالفة ذلك الحكم الضروري!

على أنّ الله سبحانه أراد بيان حال عمر ، فحال بينهم وبين وضع الأدلّة هنا ، فيظهر أمره في منع متعة النساء ، وفي سائر أفعاله!

__________________

(١) انظر : مسند أحمد ١ / ٩٢ ، مسند البزّار ٢ / ١١٨ ح ٤٧٣ وص ١٥١ ـ ١٥٢ ح ٥١٤ ـ ٥١٧ وص ١٥٦ ح ٥٢١ و ٥٢٢ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٨٨ ح ٣٤٩ وص ٣٤١ ـ ٣٤٢ ح ٤٣٤ وص ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ح ٦٠٩ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٣٣٨ ح ٣٣٥٠ و ٣٣٥١.

(٢) ص ٣٣٧ ج ١. منه (قدس سره).

٣٢٨

قصة الشورى

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه(١) ـ :

ومنها : قصة الشورى ، وقد أبدع فيها أُموراً

فإنّه خرج بها عن الاختيار والنصّ جميعاً ، وحصرها في ستّة

وذمّ كلَّ واحد منهم ، بأن ذكر فيه طعناً لا يصلح معه للإمامة ، ثمّ أَهّله بعد أن طعن فيه ، وجعل الأمر إلى ستّة ، ثمّ إلى أربعة ، ثمّ إلى واحد وصفه بالضعف والقصور!

وقال : «إنِ اجتمع عليٌّ وعثمان ، فالقول ما قالاه ، وإنْ صاروا ثلاثة وثلاثة ، فالقول للّذين فيهم عبد الرحمن» ؛ وذلك لعلمه بأنّ عليا وعثمان لا يجتمعان ، وأنّ عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختَنه(٢) وابنِ عمه(٣) .

وأنّه أمر بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٨٥ ـ ٢٨٨.

(٢) الختَنُ : كلُّ مَن كان مِن قبل المرأة ، مثل الأب والأخ ؛ وختَنُ الرجلِ : المُتزوِّجُ بابنته أو بأُخته ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٢٦ مادّة «ختن».

والمراد بختَنه هنا : عثمان بن عفّان.

(٣) أي : سعد بن أبي وقّاص ؛ فهو ابن عمّ عبد الرحمن ، وعبد الرحمن بن عوف زوج أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط ، وأُمّها أَروى بنت كُريز ، وأَروى أُمّ عثمان ؛ فلذلك يصبح صهره.

انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٥ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٩.

٣٢٩

وأنّه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم ، أو الّذين ليس فيهم عبد الرحمن(١) .

وروى الجمهور ، أنّ عمر لمّا نظر إليهم قال : قد جاءني كلُّ واحد منهم يهز عفريته يرجو أن يكون خليفةً.

أمّا أنت يا طلحة! أفلستَ القائل : إنْ قُبض النبيُّ لننكحنَّ أزواجه من بعده ، فما جعل الله محمّداً أحقّ ببنات عمِّنا منّا ؛ فأنزل الله فيك :( وما كان لكم أن تُؤذوا رسولَ الله ولا أن تنكحوا أزواجه مِن بعده أبداً ) (٢) ؟!

وأمّا أنت يا زبير! فوالله ما لانَ قلبك يوماً ولا ليلة ، وما زلتَ جِلْفاً جافياً ، مؤمنَ الرضا ، كافرَ الغضب ، يوماً شيطان ، ويوماً رحمان ، شحيح.

وأمّا أنت يا عثمان! لروثةٌ خيرٌ منك ، ولئن وليتها لتحملنّ بني أبي معَيط على رقاب الناس ، ولئن فعلتها لتُقتلَنَّ ؛ ثلاث مرّات.

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥٦ الطعن التاسع ، الشافي ٤ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٤٥ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ٩٢٤ ـ ٩٢٥ ، الإمامة والسياسة ١ / ٤٢ ـ ٤٣ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٢١ ـ ١٢٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٨١ حوادث سنة ٢٣ هـ ، العقد الفريد ٣ / ٢٨٥ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، تاريخ أبي الفداء ١ / ١٦٥.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

ومِن مفسِّري الجمهور مَن أبهم اسم طلحة وعمّى عليه لدى ذِكره سبب نزول الآية الكريمة ، لغاية غير خافية ، ومنهم مَن صرّح أنّ طلحة هو مَن قال ذلك ، فانظر ممّن صرّح بذلك ـ مثلا ـ : تفسير السُدّي الكبير : ٣٨٦ ، تفسير مقاتل بن سليمان ٣ / ٥٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٥ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، زاد المسير ٦ / ٢٢١ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، البحر المحيط ٧ / ٢٤٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ، لباب النقول : ١٧٩.

٣٣٠

وأمّا أنت يا عبد الرحمن! فإنّك رجلٌ عاجزٌ ، تحبّ قومكَ جميعاً.

وأمّا أنت يا سعد! فصاحب عصبيّة وفتنة ، ومِقْنَب(١) وقتال ، لا تقوم بقرية لو حمِّلتَ أمرَها.

وأمّا أنت يا عليّ! فوالله لو وُزن إيمانُك بإيمان أهل الأرض لرجحهم.

فقام عليٌّ مولّياً يخرجُ ، فقال عمر : والله إنّي لأعلم مكانَ الرجلِ لو ولّيتموه أمرَكم حملكم على المحجة البيضاء.

قالوا : من هو؟!

قال : هذا المولّي عنكم(٢) ، إنْ ولّوها الأجلح(٣) سلك بكم الطريق المستقيم.

قالوا : فما يمنعك من ذلك؟!

قال : ليس إلى ذلك سبيل!

قال له ابنه عبد الله : فما يمنعك منه؟!

قال : أكره أن أتحمّلها حيا وميّتاً(٤) !

__________________

(١) المِقنَبُ : شيء يكون مع الصائد ، يجعل فيه ما يصيده ، وهو مشهور شِبهُ مِخْلاة أو خَريطة ؛ والمقنب ـ كذلك ـ : جماعة الخيل والفرسان ، قيل إنّها دون المئة ، وقيل زهاء الثلاثمئة ، والمراد أنّه صاحب حرب وجيوش.

انظر : لسان العرب ١١ / ٣١٢ مادّة «قنب».

(٢) من بينكم / خ ل. منه (قدس سره).

(٣) الجلَحُ : ذهاب الشعر من مقدَّم الرأس ، وقيل : هو فوق النّزَع ، وهو انحسار الشعر عن جانبَي الرأس ، وأوّلُه النّزَعُ ثمّ الجلَحُ ثمّ الصلَعُ.

انظر : لسان العرب ٢ / ٣١٨ ـ ٣١٩ مادّة «جلح».

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٢٠ ـ ١٢١.

٣٣١

وفي رواية : لا أجمعُ لبني هاشم بين النبوّة والخلافة(١) .

وكيف وصف كلَّ واحد بوصف قبيح ـ كما ترى ـ زعمَ أنّه يمنع من الإمامة ، ثمّ جعل الأمر في مَن له تلك الأوصاف؟!

وأيُّ تقليد أعظم من الحصر في ستّة ، ثمّ تعيين من اختاره عبد الرحمن ، والأمر بضرب رقاب مَن يخالف منهم؟!

وكيف أمرَ بضرب أعناقهم إنْ تأخّروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيّام؟!

ومن المعلوم أنّهم لا يستحقّون ذلك ؛ لأنّهم إن كُلّفوا أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام ، فربّما طال زمانُ الاجتهاد ، وربّما نقص ، بحسب ما يعرض فيه من العوارض ، فكيف يسوغ الأمرُ بالقتل إذا تجاوزت الثلاثة؟!

ثمّ أمر بقتل مَن يخالف الأربعة ، ومَن يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن ، وكلّ ذلك ممّا لا يُستحقّ به القتل!

ومن العجب اعتذار قاضي القضاة ، بأنّ المرادَ : القتلُ إذا تأخّروا على طريق شقِّ العصا وطلبوا الأمر من غير وجهه(٢) ؛ فإنّ هذا مناف لظاهر الخبر ؛ لأنّهم إذا شقّوا العصا وطلبوا الأمر من غير وجهه ، فمن أوّل الأمر وجب قتالُهم(٣) .

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٩.

(٢) المغني ٢٠ ق ٢ / ٢٦.

(٣) انظر : الشافي ٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٦.

٣٣٢

وقال الفضل(١) :

إنّ أمر الشورى أوّل الدلائل على تقوى عمر وخوفه من الله تعالى ؛ لأنّه احتاط فيه كمال الاحتياط.

وأصلُ حكاية الشورى ـ كما ذكره أرباب الصحاح ـ ، أنّ عمر لمّا جُرح قال له الناس : استخلف.

فقال : أنا لا أحمل هذا الأمر حيّاً وميّتاً ، إنّ هؤلاء النفر الستّة كلّهم من قريش ، وقد جمعوا شرائط الخلافة ، وقد علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا توفّي كان عنهم راضياً ، فأنا أجعلُ هذا الأمر بينهم(٢) .

وهذا من كمال الاحتياط ، وتركه الأغراض الخاصّة ، ونظر مصلحة العامة بلا غرض لنفسه.

وأمّا ما ذكر أنّه ذكر معائب كلّ واحد بالأُمور القادحة في الخلافة في حضورهم ، فهذا أمرٌ باطل لا شكّ فيه ، وصاحبُ هذه الرواية جاهلٌ بالأخبار ، كذّاب لا يعلم الوضع.

فإنّ وضع الأخبار ينبغي أن يكون على طريقة لا يعلم الناس أنّها موضوعة ، ووضوح وضع هذا الخبر أظهرُ من أن يخفى على أحد ، فإنّ الرجل مجروح ، وهؤلاء كانوا أكابرَ قريش وأقرانه في الحسب والنسب!

أتُراه يأخذ في أعينهم ويشتمهم عند الموت ، وهو يريد استخلافهم؟!

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٥٢ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : البداية والنهاية ٧ / ١١٧ حوادث سنة ٢٤ هـ.

٣٣٣

ويقول لزبير وهو شيخ المهاجرين بمحضر الناس : إنّك جاف جِلفٌ ؛ ويقول لطلحة كذا ، ولسعد كذا؟!

فهذا معلومٌ من أطوار الصحابة وحكاياتهم أنّه من الموضوعات ؛ والله أعلم.

ولقد سألتُ من الشيخ برهان الدين إبراهيم البغدادي(١) ، في تبريز ، سنة قدم تبريز ، عن هذا ، وذكرت ذلك له ـ والشيخ المذكور كان أُستاذ الشيعة وإمامهم في زمانه ـ ، فصدّقني ، وقال : هذا كذبٌ صُراح ؛ بل الحقُّ أنّ عمر قبل أن يُجرح بأيّام قلائل تأوّه يوماً ، فقال له ابن عبّاس في الخلوة : لِمَ تتأوّه يا أمير المؤمنين؟!

قال : ذهب عمري وأنا متفكِّرٌ في هذا الأمر أُوَلّيها لمن؟!

فقال ابنُ عبّاس : قلت : أينَ لك من عثمان؟!

قال : أخاف أن يولِّي بني أُميّة على الناس ، ثمّ لم يلبث العربُ إلاّ أن يضربوا عنقه ، والله لو فعلتُ لفعل ، ولو فعل لفعلوا.

فقلت : أين لك من طلحة؟!

قال : نعوذ بالله من زَهْوه(٢) .

قلت : أين لك من الزبير؟!

قال : شجاعٌ جاف.

قلت : أين لك من سعد؟!

__________________

(١) هذا الشيخ من نسج خيال الفضل ومخترعاته ، كما هي عادته ؛ إذ ليس للشيعة شيخ بهذا الاسم ، فضلا عن كونه أُستاذاً وإماماً لهم ، فلم تترجم كتب الرجال الشيعية ـ فضلا عن غيرهم ـ لرجل بهذا الاسم!

(٢) الزَّهْو : الكِبرُ والتّيهُ والفَخْرُ والعَظَمةُ ، ورجلٌ مزْهُوٌّ بنفسه إذا أُعجِب بنفسه وتكبّر ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ١٠٥ مادّة «زها».

٣٣٤

قال : قائد عسكر ، ولا يصلح للخلافة.

قلت : أين لك من عبد الرحمن؟!

فقال : ضعيف.

قلت : أين لك من عليّ بن أبي طالب؟!

قال : فيه دعابة ، وإذاً يحملهم على الحقِّ الذي لا يُطيقونه.

ثمّ ما مرّ عليه أُسبوعٌ حتّى ضربه أبو لؤلؤة.

هكذا سمعتُ منه.

ثمّ بعد هذا رأيتُ في «الأحكام السلطانية» ، لأقضى القضاة الماوردي(١) ، ذَكَرَ على نحو ما سمعته من الشيخ برهان الدين البغدادي.

ثمّ إنّا لو فرضنا صحّة ما ذكر ، فإنّه لم يذكر المعائب القادحة للإمامة ، بل هذا من مناصحة الناس ، فذكر ما كان من العيوب.

ولو صدق ، فلا اعتراض على عمر ، فإنّه ـ على ما ذكره ـ أشار إلى خلافة عليّ إشارةً جليّةً لا تخفى ، بل هو قريبٌ من التنصيص ، ورغبته في خلافته من هذا الكلام ظاهرةٌ ، فلا اعتراض عليه.

وأمّا ما ذكره من ترتيب الستّة ، ثمّ الأربعة ، ثمّ اثنان ، فهذا من اجتهاداته في اختيار الإمام ، والأمرُ إليه ، ولا اعتراض عليه.

وأمّا ما ذكره من القتل بعد الثلاثة إن لم يقرّوا الأمرَ ، فهذا من باب التوعيد والتهديد ، وشدّة الاهتمام بعدم التأخير ؛ لأنّ التأخير كان مظنّة لقيام الفتن وعروض الحوادث.

وأمّا جواب قاضي القضاة ـ بأنّ الأمر بالقتل إذا طلبوا الأمر من غير

__________________

(١) الأحكام السلطانية : ١٣.

٣٣٥

وجهه ، وعلى طريق شق العصا ـ ، فجوابٌ صحيح.

وما اعترض عليه بقوله : «إذا شقّوا العصا فطلبوا الأمر من غير وجهه من أوّل يوم وجب قتالُهم» ، فباطلٌ ؛ لأنّ شقّ العصا يظهر بعد الثلاثة ؛ فإنّ الثلاثة كانت من عند الإمام السابق ، فمَن خالف وطلب الأمرَ مِن غير وجهه في الأيّام الثلاثة لم يُحكم عليه بشيء ؛ لأنّ وقت المشورة باق ولعلّه يرجعُ ، وأمّا بعد الثلاثة فقد طال الأمرُ ، وتحتّم طلبُ الأمر للمخالف من غير وجهه.

٣٣٦

وأقول :

روى الطبري في «تأريخه»(١) ، عن عمرو بن ميمون خبراً طويلا ، قال في جملته : «إنّ عمر قال لأبي طلحة الأنصاري : يا أبا طلحة! إنّ الله عزّ وجلّ طالما أعزّ الإسلام بكم ، فاختر خمسين رجلا من الأنصار ، فاستحِثّ هؤلاء الرهط حتّى يختاروا رجلا منهم ...».

إلى أن قال : «فإنِ اجتمع خمسة ورَضُوا رجلا وأبى واحد ، فاشدخْ(٢) رأسه ـ أو : اضرب رأسه ـ بالسيف!

وإنِ اتّفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان ، فاضرب رؤوسهما!

فإنْ رضي ثلاثة رجلا منهم ، وثلاثة رجلا منهم ، فحكِّموا عبد الله بن عمر ، فأيّ الفريقين حكم له فليختاروا رجلا!

فإنْ لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر ، فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقين إنْ رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس!

فخرجوا ، فقال عليٌّ لقوم كانوا معه من بني هاشم : إنْ أُطيعَ فيكم قومكم لم تؤمَّروا أبداً.

وتلقاه العبّاس ، فقال : عُدِلَت عنّا.

فقال : وما علمك؟!

قال : قرَنَ بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإنْ رضي رجلان

__________________

(١) ص ٣٥ ج ٥ [٢ / ٥٨٠ ـ ٥٨٣ حوادث سنة ٢٣ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) الشَّدخُ : الكسرُ في كلّ شيء رَطْب ، وقيل : هو التهشيم ، يعني به كَسْرَ اليابس وكلِّ أجوف ، كالرأس ونحوه ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٥٣ مادّة «شدخ».

٣٣٧

رجلا ، ورجلان رجلا ، فكونوا مع الّذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.

فسعد لا يخالف ابنَ عمّه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهرُ عثمانَ ، لا يختلفون ، فيولّيها عبد الرحمن عثمانَ ، أو يولّيها عثمانُ عبد الرحمن.

فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ؛ بَلهَ(١) ، إنّي لا أرجو إلاّ أحدهما».

ثمّ أتى على القصّة إلى أن قال : «دعا عبد الرحمن عليا فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده.

قال : أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

ودعا عثمانَ ، فقال له ما قال لعليّ ، قال : نعم.

فبايعه.

فقال عليٌّ : حبوتَه حبوَ دهر ، ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا( فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون ) (٢) .

واللهِ ما ولّيتَ عثمانَ إلاّ ليردّ الأمر إليك ، واللهُ كلَّ يوم هو في شأن.

فقال عبد الرحمن : يا عليّ! لا تجعل على نفسك سبيلا!».

إلى أن قال : «قال عليٌّ : إنّ الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر

__________________

(١) بَلهَ : تأتي بمعنى : على ، وأَجلْ ، أو اسم فعل بمعنى : دَعْ واترُكْ ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٤٩٦ مادّة «بله».

(٢) سورة يوسف ١٢ : ١٨.

٣٣٨

إلى بنيها فتقول : إنْ وُلِّيَ عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً ، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم» الحديث(١) .

ونحوه في «كامل» ابن الأثير(٢) ، وكذا في «العقد الفريد»(٣) ، وذكر فيه(٤) أنّ عليا قال : «أعمل بمبلغ علمي وطاقتي» ولم يذكر قوله : «أرجو أن أفعل» ولا قوله : «إنّ الناس ينظرون إلى قريش ...» إلى آخره.

__________________

(١) نقول : إنّما اضطرّ عمر إلى فكرة الشورى الصورية هذه في آخر عمره ، لَما أبلغه عبد الرحمن بن عوف أنّ جماعة في منى قالوا : «لو قد مات عمر ، بايعنا عليا» ، انظر : أنساب الأشراف ٢ / ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، هدي الساري مقدّمة فتح الباري : ٤٩٣ آخر كتاب الحدود.

فابتدع عمر فكرة الشورى بدهاء ـ وربّما كان ذلك بمشورة ابن عوف ومعونة منه ـ ؛ ليصرف الخلافة عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، وهدّد المبايِعَ والمبايَعَ له بالقتل ، في خطبة خطبها في المدينة بعد رجوعه من منى ؛ انظر : مبحث «بيعة أبي بكر فلتة» ، في الصفحات ٣٢ ـ ٤٢ ، من هذا الجزء.

وإلاّ ، فإنّ عمر لم يكن يعتقد بالشورى من قبل ذلك ، بل كان قائلا بالنصّ ، وعدم اشتراط كون الإمام من قريش ، وعدم اشتراط كون الإمام حرّاً ، وعدم اشتراط كون الإمام أفضل الناس!

فهو القائل : لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفتُه ؛ انظر : مسند أحمد ١ / ١٨ ، تاريخ دمشق ٥٨ / ٤٠٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٩٠ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٩ ـ ١٠.

وهو القائل : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفتُه ؛ انظر : تاريخ دمشق ٥٨ / ٤٠٤ ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٩٠.

وهو القائل : لو كان معاذ بن جبل حيا استخلفتُه ؛ انظر : مسند أحمد ١ / ١٨ ، سير أعلام النبلاء ١ / ١٠.

وقد فصّل السيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ القول في ذلك ، في كتابَيه : الشورى في الإمامة : ٢٥ ـ ٤١ ، شرح منهاج الكرامة ٣ / ٨٨ ـ ١٠١ و ٣٦٥ ـ ٣٧٩ ؛ فراجع!

(٢) ص ٣٣ ج ٣ [٢ / ٤٦١ ـ ٤٦٤]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٧٤ ج ٣ [٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٨]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٧٨ [٣ / ٢٨٨]. منه (قدس سره).

٣٣٩

وروى ابن قتيبة في كتاب «السياسة والإمامة»(١) ، عند التعرّض لأمر الشورى(٢) ، قصّة عهد عمر ، وقال فيها : سأستخلف النفر الّذين توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عنهم راض ؛ فأرسل إليهم فجمعهم ـ وذكر الستّة ـ فقال : يا معشر المهاجرين الأوّلين! إنّي نظرت في أمر الناس فلم أجد فيهم شقاقاً ولا نفاقاً ، فإن يكن بعدي شقاق ونفاق فهو فيكم

إلى أن قال : إنِ استقام أمر خمسة وخالف واحد ، فاضربوا عنقه!

وإنِ استقام أربعة واختلف اثنان ، فاضربوا أعناقهما!

وإنِ استقام ثلاثة واختلف ثلاثة ، فاحتكموا إلى ابني عبد الله ، فلأيّ الثلاثة قضى فالخليفة منهم وفيهم ، فإن أبى الثلاثة الأُخر فاضربوا أعناقهم!

فقالوا : قل فينا يا أمير المؤمنين مقالةً نستدلّ فيها برأيك ونقتدي به!

فقال : والله ما يمنعني أن استخلفك يا سعد ، إلاّ شدّتك وغِلظتك مع أنّك رجلُ حرب.

وما يمنعني منك يا عبد الرحمن ، إلاّ أنّك فرعون هذه الأُمة.

وما يمنعني منك يا زبير ، إلاّ أنّك مؤمن الرضا ، كافر الغضب.

وما يمنعني من طلحة ، إلاّ نخوتُهُ وكبرُهُ ، ولو وليَها وضع خاتمه في إصبع امرأته.

وما يمنعني منك يا عثمان ، إلاّ عصبَتُكَ ، وحبّك قومك.

وما يمنعني منك يا عليّ ، إلاّ حرصك عليها ، وإنّك أحرى القوم إن

__________________

(١) كذا في الأصل ، ومراده (قدس سره) كتاب «الإمامة والسياسة».

(٢) ص ٢٨ [١ / ٤٢ ـ ٤٣]. منه (قدس سره).

٣٤٠