دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 81916
تحميل: 2159


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81916 / تحميل: 2159
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

لجواز أن يكون سمع أو روى عن رسول الله جوازه ، ولو لنفسه خاصةً.

وحينئذ فَلِمَ لم يعذروا قتلة عثمان ، لجواز أن يكونوا سمعوا أو رووا جواز قتله أو وجوبه؟!

بل يمكن أن يعذر الصحابيُّ بشرب الخمر ، لجواز أنّه سمع من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تجويزه له خاصةً ؛ وهذا باللغو أشبه!

واعلم أنّ الصدقة الزكويّة يجوز أن يدفع منها سهم سبيل الله إلى الغزاة(١) ، فلا بُد أن يكون الكلام في صدقة مخصوصة بغيرهم ؛ ولذا احتاج القومُ إلى الجواب بأنّه يجوز التغيير بالاجتهاد ، ونحو ذلك.

هذا ، ولا يخفى أنّ عثمان قد أعطى من الغنيمة غير الغانمين والمقاتلين ، بعكس ما فعله هنا ، فطعن المصريّون عليه به أيضاً.

روى الطبريُّ في «تأريخه»(٢) حديثاً احتجّ به المصريّون على عثمان ، وذكر فيه أنّهم أخذوه بأُمور ما عنده منها مخرج ، فعرفها ، فقال : «أستغفر الله وأتوب إليه

إلى أن قال : فقال لهم : ما تريدون؟

قالوا : نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاءً ؛ فإنّ هذا المال لمن قاتل عليه ، ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

إلى أن قال : فقام فخطب ، فقال : إنّي ما رأيتُ والله وفداً في الأرض

__________________

(١) انظر : الموطأ : ٢٥٦ ح ٣٠ ، مسند أحمد ٣ / ٥٦ ، سنن أبي داود ٢ / ١٢٢ ح ١٦٣٥ ـ ١٦٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٩٠ ح ١٨٤١ ، سنن ابن الجارود : ٩٩ ح ٣٦٥ ، صحيح ابن خزيمة ٤ / ٧١ ح ٢٣٧٤ ، سنن الدارقطني ٢ / ٩١ ح ١٩٧٨ و ١٩٧٩ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٥٦٦ ح ١٤٨٠ و ١٤٨١.

(٢) ص ١٠٧ ج ٥ [٢ / ٦٥٥ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

٤٦١

هم خير لحوْباتي(١) من هؤلاء الوفد

إلى أن قال : فغضب الناس وقالوا : هذا مكر بني أُميّة الحديث.

وإنّما ذكروا الشيوخ مع المقاتلة مع عدم قتالهم ؛ لرضا هؤلاء المقاتلة بمشاركتهم لهم في غنيمتهم ، وإباحتهم لهم من حقهم ، وإلاّ فهم لا يستحقّون منها بدون قتال.

__________________

(١) الحوْبُ والحوْبَةُ : الأبَوان والأُخت والبنت ، وكلّ ذي رحم مَحْرَم ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ٣٧٤ مادّة «حوب».

٤٦٢

ضربُه لعبد الله بن مسعود

قال المصنّف ـ رحمة الله عليه ـ(١) :

ومنها : إنّه ضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه.

وعَهِدَ عبد الله بن مسعود إلى عمّار أن لا يُصلّي عثمان عليه.

وعاده عثمان في مرض الموت ، فقال له : ما تشتكي؟

قال : ذنوبي.

قال : فما تشتهي؟

قال : رحمةَ ربي.

قال : ألا أدعو لك طبيباً؟

قال : الطبيب أمرضني.

قال : أفلا آمر لك بعطائك؟!

قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطينيه وأنا مستغن عنه؟!

قال : يكون لولدك.

قال : رزقهم على الله تعالى.

قال : استغفر لي يا أبا عبد الرحمن.

قال : أسأل الله أن يأخذ لي منك حقّي(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٥.

(٢) انظر : تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٣ / ١٠٤٩ ـ ١٠٥٢ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٤٧ ـ

٤٦٣

وقال الفضل(١) :

ضربُ عثمان عبد الله بن مسعود ممّا لا رواية فيه أصلا إلاّ لأهل الرفض ، وأجمع الرواة من أهل السنة أنّ هذا كذبٌ وافتراء.

وكيف يضرب عثمانُ عبد الله بن مسعود وهو من أخصّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن علمائهم؟!

نعم ، من جملة ما ذكره صحّ في «الصحاح» ، أنّ عبد الله بن مسعود لمّا مرض عاده عثمان فقال له : أجعلُ عطاءكَ بعدك لبناتك.

قال : لا حاجة لهنّ فيه علّمتهنَّ سورة الواقعة يقرأنها بعد العشاء ، وإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «من قرأ سورة الواقعة بعد العشاء لم تصبه فاقة »(٢) .

__________________

١٤٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٦ ـ ٦٧ ، شعب الإيمان ٢ / ٤٩١ ح ٢٤٩٧ ، تاريخ دمشق ٣٣ / ١٨٦ ـ ١٨٨ ، أُسد الغابة ٣ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٠ ـ ٤٣ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، البداية والنهاية ٧ / ١٣١ حوادث سنة ٣٢ هـ ، تفسير القرطبي ١٧ / ١٢٦ في تفسير سورة الواقعة ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٨٣ في تفسير سورة الواقعة ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٢ وفيه أنّ عثمان حبس عبد الله بن مسعود وهجره.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٩ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : عمل اليوم والليلة ـ لابن السني ـ : ٣٢٠ ح ٦٨٠.

وراجع الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة.

٤٦٤

وأقول :

من المسلّمات وجود الرواية عندهم بضربه لابن مسعود ، لكنّهم يتعلّلون عنها ببعض الأجوبة ؛ كمنع صحّتها ، وكون ضربه للتأديب ، ونحو ذلك.

قال نصيرُ الدين (رحمه الله) في «التجريد» : «ضرب ابن مسعود حتّى مات ، وأحرق مصحفه»(١) .

وقال القوشجي في شرحه : «وأُجيب بأنّ ضربَ ابنِ مسعود إن صحّ فقد قيل : إنّه لمّا أراد عثمان أن يجمع الناس على مصحف واحد ويرفع الاختلاف بينهم في كتاب الله ، طلب مصحفه [منه] ، فأبى ـ إلى أن قال : ـ فأدّبه عثمان لينقاد ؛ ولا نسلّم أنّه مات من ذلك»(٢) .

وقال ابن أبي الحديد(٣) : «الطعنُ السادس : إنّه ضرب عبد الله بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه.

قال قاضي القضاة : قال شيخنا أبو عليّ : لم يثبت عندنا ، ولا صحّ عندنا ما يقال من طعن عبد الله عليه ، وإكفاره له ، والذي يصحّ من ذلك أنّ عبد الله كره منه جمعَه الناسَ على قراءة زيد بن ثابت ، وإحراقه

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ٢٥٦.

(٢) شرح تجريد الاعتقاد ـ للقوشجي ـ : ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

(٣) ص ٢٣٦ مجلّد ١ [٣ / ٤٠ ـ ٤٥]. منه (قدس سره).

وانظر : المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ٥٢ ـ ٥٣ ، الشافي ٤ / ٢٧٩ ـ ٢٨٣.

٤٦٥

المصاحف.

قال(١) : وقيل : إنّ بعض موالي عثمان ضربه لمّا سمع منه الوقيعة في عثمان.

ولو صحّ أنّه أمر بضربه ، لم يكن بأن يكون طعناً في عثمان بأَوْلى من أن يكون طعناً في ابن مسعود ؛ لأنّ للإمام تأديبَ غيره ، وليس لغيره الوقيعة فيه إلاّ بعد البيان».

ثمّ نقل ابن أبي الحديد عن المرتضى أنّه اعترض هذا الكلام ، فقال : «المعلوم المرويُّ خلاف ما ذكره ، ولا يختلف أهلُ النقل في طعن ابن مسعود على عثمان ، وقوله فيه أشدّ الأقوال وأعظمها وقد روى كلُّ من روى السيرة من أصحاب الحديث ـ على اختلاف طرقهم ـ أنّ ابن مسعود كان يقول : ليتني وعثمان برملِ عالج(٢) ، يحثو علَيَّ وأحثو عليه حتّى يموتَ الأعجزُ منّي ومنه».

إلى أن قال المرتضى : «وقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة ، أنّه كان يقول : ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب».

ثمّ ذكر المرتضى (رحمه الله) وصيّة عبد الله لعمّار أن لا يصلّي عليه عثمان ، وذكر عيادة عثمان لعبد الله وما قاله كلٌّ منهما للآخر بعين ما رواه المصنّف (رحمه الله) هنا.

إلى أن قال المرتضى : «فأمّا قوله : إنّ عثمان لم يضربه ، وإنّما ضربه

__________________

(١) أي : أبو عليّ الجبّائي ، والكلام ـ هنا ـ للقاضي عبد الجبّار المعتزلي.

(٢) عالِج : رمال بين فَيد والقرَيات ينزلها بنو بُحتر من طيِّئ ، وهي متّصلة بالثعلبية على طريق مكة ، لا ماء بها ، ولا يقدر أحد عليهم فيه ، وهي مسيرة أربع ليال ، وفيه بُرَكٌ إذا سالت الأودية امتلأت.

انظر : معجم البلدان ٤ / ٧٨ رقم ٨١١٥.

٤٦٦

بعض مواليه لمّا سمع وقيعته فيه

فالأمر بخلاف ذلك ، وكلُّ مَن قرأ الأخبار عَلم أنّ عثمان أمر بإخراجه عن المسجد على أعنف الوجوه ، وبأمره جرى ما جرى عليه ، ولو لم يكن بأمره ورضاه ، لوجب أن ينكر على مولاه كسر ضلعه ، ويعتذر إلى من عاتبه على فعله».

ثمّ ذكر المرتضى (رحمه الله) كثيراً من الأخبار الدالّة على أنّه بأمره ، وقال : «وقد روى محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن كعب ، أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطاً في دفنه أبا ذرّ.

وهذه قصة أُخرى ...».

ثمّ قال : «فأمّا قوله : إنّ ذلك ليس بأن يكون طعناً في عثمان بأَوْلى من أن يكون طعناً في ابن مسعود

فواضح البطلان ؛ لأنّه لا خلاف بين الأُمّة في طهارة ابن مسعود ، وفضله ، وإيمانه ، ومدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثنائه عليه ، وأنّه مات على الجملة المحمودة منه ، وفي جميع هذا خلافٌ بين المسلمين في عثمان».

أقول :

وأما قول القاضي : «للإمام تأديبُ غيره ، وليس لغيره الوقيعة فيه إلاّ بعد البيان» فتحكمٌ ظاهر!

وهل هو إلاّ فتحُ باب الجور لأئمّتهم ، وإطلاق عنان الهوى لهم ، مع علمهم بأنّ أكثرهم من الفاسقين؟!

ثمّ أيُّ بيان يُطلب أكثرُ من إحراق المصاحف الكريمة ، وهتك

٤٦٧

حرمتها العظيمة ، وجمع الناس قهراً على قراءة شخص لم يتّفق عليها الصحابة ، ويرى بعضهم أنّ الصواب في خلافها؟!

وذكر ابن حجر في «الصواعق» ، في تتمّة خلافة عثمان ، أجوبة المطاعن عليه ، وأشار في أثنائها إلى رواية ضربه لابن مسعود ، فقال : «إنّ حبسه لعطاء ابن مسعود وهجره له ؛ فلِما بلغه عنه ممّا يوجب ذلك ، لا سيّما وكلٌّ منهما مجتهدٌ ، فلا يُعترض بما فعله أحدُهما مع الآخر.

نعم ، زعم أنّ عثمان أمر بضربه ، باطلٌ ، ولو فُرضت صحّته لم يكن بأعظم من ضرب عمر لسعد بن أبي وقّاص بالدرّة على رأسه ، حيث لم يقم له ، وقال له : إنّك لم تهب الخلافة ، فأردت أن تعرف أنّ الخلافة لا تهابك.

ولم يتغيّر سعد من ذلك ، فابن مسعود أَوْلى ؛ لأنّه كان يجيب عثمان بما لا يبقي له حرمةً ولا أُبّهةً أصلا.

بل رأى عمر أُبيّاً يمشي وخلفه جماعةٌ ، فعلاه بالدرّة وقال : إنّ هذا فتنةٌ لك ولهم ؛ فلم يتغيّر أُبَيّ.

على أنّ عثمان جاء لابن مسعود وبالغ في استرضائه ، فقيل : قبله واستغفر له ، وقيل : لا.

وكذلك ما وقع له مع أبي ذرّ ؛ فإنّه كان متجاسراً عليه بما يخرم أُبّهةَ ولايته ، فما فعله معه ومع غيره إنّما هو صيانةٌ لمنصب الشريعة وحمايةٌ لحرمة الدين»(١) .

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٧٦ ب ٦ ف ٣.

٤٦٨

إلى غير ذلك من كلماتهم الصريحة في وجود الرواية عندهم بضرب عثمان لابن مسعود(١) ، وغايةُ ما عندهم التشكيك في صحّتها ، أو رميها بالبطلان!

ولا ريب بصحتها ؛ لموافقتها لأخبارنا(٢) ؛ وللعلم الضروريّ بأنّهم إلى الستر على عثمان أميلُ.

فإذا وردت روايةٌ واحدةٌ عندهم ـ فضلا عن الروايات بضرب عثمان لابن مسعود ـ علمنا صحّتها.

هذا ، ولا شيء أعجب ممّا لفّقه ابن حجر في هذا الكلام ، فإنّ أُولئك الصحابة لم يتجاسروا على عثمان إلاّ لِما رأوه من إحداثه وعدم إقلاعه عنها ، وأكله وقومه المال بالباطل ، وتوليته مثل الوليد الفاسق وابن أبي سرح الفاجر على رقاب الأُمة ، وإحراقه المصاحف المحترمة ، إلى غير ذلك من أفعاله التي ما صان بها منصب الشريعة ، ولم يرع معها حرمة الدين ، ولم يبق لأجلها عند الصحابة محلٌّ لحمل عثمان على الصحّة ، أو حمله على الاجتهاد الذي زعمه ابنُ حجر.

أترى أنّ ابن حجر أعرفُ بعثمان واجتهاده الذي يعذر فيه ، من أبي ذرّ وعمّار وابن مسعود وسائر الصحابة والتابعين الّذين شاهدوا عثمان وأفعاله ، حتّى قُتل بينهم لأجلها وشاركوا في قتله؟!

ويشهد لِما قلنا ما رواه مسلم(٣) ، عن شقيق ، عن أسُامة بن زيد ،

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٦٣ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : الاستغاثة ـ لأبي القاسم الكوفي ـ ١ / ٥١ ـ ٥٢ ، بحار الأنوار ٣١ / ٢٥٠.

(٣) في أواخر صحيحه ، في باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله [٨ / ٢٢٤]. منه (قدس سره).

٤٦٩

قال : «قيل له : ألا تدخلُ على عثمان فتكلّمه؟!»

وفي رواية : «عن أبي وائل ، قال : كنّا عند أُسامة ، فقال له رجلٌ : ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلّمه في ما يصنع؟!

فقال : أترون أنّي لا أُكلّمه إلاّ أُسمِعكم؟! واللهِ لقد كلّمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أُحبُّ أن أكون أوّل من فتحه.

ولا أقول لأحد يكون علَيَّ أميراً : إنّه خيرُ الناس ، بعدما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :يؤتى بالرجل يومَ القيامة فيلقى في النار فتندلق (١) أقتاب (٢) بطنه ، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع إليه أهلُ النار فيقولون : يا فلان! ما لك؟! ألم تكن تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول : بلى ، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه ».

ونحوه في «صحيح البخاري» ، في «كتاب بدء الخلق»(٣) ، وفي كتاب «الفتن»(٤) ، لكنّه لم يصرّح في المقامين باسم عثمان ؛ حفظاً لشأنه! وإنْ علم كلُّ أحد من الرواية أنّه المرادُ.

فإذا كان هذا رأيُ أُسامةَ وغيره في عثمان ، فكيف جاء ابنُ حجر بعد القرون المتطاولة وزعم اجتهاد عثمان ، وطلبه صيانة منصب الشريعة ، ورعاية حرمة الدين ، بهتك حرمة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأقربين ،

__________________

(١) الدلْق : خروج الشيء من مخرجه ومكانه سريعاً ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ٣٩٠ مادّة «دلق».

(٢) القتبُ والقتَبُ : المِعَى ، وقيل ما تَحوّى من البطن ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٨ مادّة «قتب».

(٣) في باب صفة النار وأنّها مخلوقة [٤ / ٢٤٧ ح ٧٦]. منه (قدس سره).

(٤) في باب الفتنة التي تموج كموج البحر [٩ / ٩٩ ـ ١٠٠ ح ٤٦]. منه (قدس سره).

٤٧٠

وتولية المردة الفاسقين ، وإعطائهم مال فقراء المسلمين ، مع أنّ أُولئك الصحابة لم يأتوا بشيء إلاّ أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وأن يتَّبع سبيل الرشاد؟!

وأما ما تعرّض له من ضرب عمر لسعد ، فلا فائدة به إلاّ إكثارُ الطعن على أئمّتهم ؛ ضرورة أنّ ضرب عمر لسعد ـ بمجرّد عدم قيامه له ـ حرامٌ خارجٌ عن حكم الشريعة.

وإلاّ فلو جاز ضربُ سعد لذلك ، لوجب قتلُ عمر في قوله : «إن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهجر»(١) حتّى سبب ضلالَ الأُمة إلى يوم الدين ، وفي جذبه لثوب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيامه في صدره عندما أراد الصلاة على عبد الله ابن أُبَيّ(٢) .

فإنّ أُبّهة النبوّة فوق أُبّهة الخلافة بمراتب لا تُحصى ، وإساءةُ سعد دون إساءة عمر بجهات لا تستقصى!

وأما ضربُ عمر لأُبَيّ فأشنع من ضربه لسعد ، وقد كان يكفي عمر

__________________

(١) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ وراجع تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء!

(٢) انظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٠٢ ح ١٢٠ وج ٦ / ١٢٩ ـ ١٣٠ ح ١٩٠ ـ ١٩٢ وج ٧ / ٢٦٢ ح ١٥ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٦ وج ٨ / ١٢٠ ، سنن الترمذي ٥ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ح ٣٠٩٧ و ٣٠٩٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ح ١٥٢٣ ، سنن النسائي ٤ / ٣٦ ـ ٣٧ وص ٦٧ ـ ٦٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٣٥٧ ح ١١٢٢٤ و ١١٢٢٥ ، مسند أحمد ١ / ١٦ وج ٢ / ١٨ ، مسند البزّار ١ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ح ١٩٣ ، المعجم الكبير ١١ / ٣٤٧ ح ١٢٢٤٤ ، مسند عبد بن حميد : ٣٥ ـ ٣٦ ح ١٩ ، تفسير الطبري ٦ / ٤٣٩ ح ١٧٠٦٥ و ١٧٠٦٦ وص ٤٤٠ ح ١٧٠٧٠ و ١٧٠٧٣ ، مشكل الآثار ١ / ٩ ـ ١٠ ح ١٤ ـ ١٦ ، مسند عمر ـ لابن النجّاد ـ : ٦٦ ـ ٦٧ ح ٣١ و ٣٢ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٣ / ٤٠٢.

٤٧١

نهيُ أُبَيّ عن عمله ، فإذا أبى ضربه لو جوّزناه له.

هذا ، وإنّ أعظم ما جاء به عثمان في أمر ابن مسعود ، إحراقه لمصحفه وسائر المصاحف ، كما رواه البخاريُّ(١) ؛ إذ لا شيء أعظم منه في الجرأة على الله ورسوله ، والاستخفاف بالكتاب العزيز ، والتمادي في الغيِّ.

فإنّه لو أراد ـ كما زعموا ـ تحصين القرآن وقطع الاختلاف فيه ، لاكتفى بمحو ما خالف المصحف الذي أمر بجمعه.

على أنّ الاختلاف الواقع إن كان في القراءات السبع ، فهو الذي طلبه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسب أخبارهم ، وأجابه الله سبحانه إليه وقال : «أيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا » ، كما رواه مسلم(٢) .

فلا يجوز لعثمان المنع عنه ، فضلا عن إحراق ما اشتمل عليه!

وإنْ كان في غير السبع ، فقد كان الواجب على عثمان أن يخصّ المنع به ، ويجمع الناس على السبع لا على قراءة واحدة ، وهي قراءة أُبَيّ.

ولو رأيتَ ما ورد عندهم في قراءة ابن مسعود ، وأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخذ القرآن منه(٣) ، لعرفتَ أنّ الحقّ مع ابن مسعود في الطعن على

__________________

(١) في باب جمع القرآن من كتاب الفضائل [٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ح ٩]. منه (قدس سره).

(٢) في فضائل القرآن ، في باب أنّ القرآن على سبعة أحرف [٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤]. منه (قدس سره).

(٣) انظر : صحيح البخاري ٥ / ١٠٣ ح ٢٤٧ وص ١١٧ ح ٢٩٤ وص ١١٨ ح ٢٩٦ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٣٢ ح ٣٨١٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٩ ح ١٣٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧١ ـ ٧٢ ح ٨٢٥٥ ـ ٨٢٦٠ ، مسند أحمد ١ / ٧ و ٢٦ و ٣٨ و ٤٤٥ و ٤٥٤ وج ٢ / ١٨٩ و ١٩٥ وج ٤ / ٢٧٩ ، المعجم

٤٧٢

عثمان وإكفاره.

__________________

الكبير ٩ / ٦٦ ح ٨٤١٠ ـ ٨٤١٢ وص ٦٧ ح ٨٤١٤ و ٨٤١٥ وص ٦٨ ح ٨٤١٧ وص ٦٩ ـ ٧٢ ح ٨٤٢٠ و ٨٤٢٥ وص ٨١ ح ٨٤٦٢ ـ ٨٤٦٥ ، المعجم الأوسط ٥ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ح ٤٩٩٩ ، مسند البزّار ١ / ٦٦ ح ١٣ وج ٤ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ح ١٤٠٤ وص ٣٢٢ ح ١٥١٠ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٦ ـ ٢٧ ح ١٦ و ١٧ وج ٨ / ٤٧١ ـ ٤٧٢ ح ٥٠٥٨ و ٥٠٥٩ وج ١٠ / ٤٩١ ـ ٤٩٢ ح ٦١٠٦ ، مسند الطيالسي : ٢٩٧ ح ٢٢٤٥ و ٢٢٤٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ب ٣٧ ح ١ و ٧ و ٨ و ١٠ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٧٠٢٦ و ٧٠٢٧ وص ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ٧٠٧٨ وص ١٣٠ ح ٧٠٨٤.

٤٧٣

ضربه لابن مسعود على دفنه لأبي ذرّ

قال المصنّف ـ عطّر الله مرقده ـ(١) :

ومنها : إنّه ضرب عبد الله بن مسعود على دفن أبي ذرّ أربعين سوطاً(٢)

لأنّ أبا ذرّ لمّا مات بالربذة وليس معه إلاّ امرأته وغلامه ، وعهد إليهما أن غسّلاني وكفّناني ، ثمّ ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمرّون بكم قولوا : هذا أبو ذرّ صاحبُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأعينونا على دفنه.

فلمّا مات فعلوا ذلك ، وأقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين ، فلم يَرُعْهم إلاّ الجنازةُ على قارعة الطريق ، وقد كادت الإبلُ أن تطأها ، فقام إليهم العبدُ فقال : هذا أبو ذرّ صاحبُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأعينونا على دفنه.

فقال ابن مسعود : صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال له :تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتُبعث وحدك.

ثمّ نزل هو وأصحابه ووارَوه(٣) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٤.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٤ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٥ / ٢٠٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ١٧٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٢٩ ـ ٦٣٠ حوادث سنة ٣٢ هـ ، الاستيعاب ١ / ٢٥٣ رقم ٣٣٩ ، تاريخ دمشق ٦٦ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

٤٧٤

وقال الفضل(١) :

ما ذكره من ضرب عثمان ابن مسعود لدفنه أبا ذرّ ، فباطلٌ بيّن البطلان ؛ لأنّ السفهة من المغول والتركمان ، والأجلاف من الأعراب والأكراد ، لا يضربون أحداً من الناس للإعانة على دفن يهوديّ ، فكيف برجل يسلّمون أنّه من أصحاب الرأي ، حتّى سلّمه عمرُ ورآه أهلا للشورى في الخلافة؟!

هل من شأنه أن يضرب رجلا من مفتي الصحابة وعلمائهم وقرّائهم وصاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن قدماء المهاجرين ، ومصلّي القبلتين ، وصاحب الهجرة ، ومن أهل بدر ، وكان سببُ الضرب أنّك دفنت رجلا من أعدائي ، إن صحّت الرواية؟!

فهذا كلامٌ لو سمعه العالم بالأخبار للعنَ على المفتري كما يلعنُ مسيلمة الكذّاب.

ثمّ ما رواه من قصّة أبي ذرّ ، فباطلٌ مخالفٌ للنصوص من أهل التاريخ ، فقد ذكر جميع أرباب التواريخ في موت أبي ذرّ : «أنّه لمّا مرض بالربذة ، وكان أيّام الحجّ ، بكت امرأته ، فقال أبو ذرّ : ما يُبكيك؟!

قالت : إنّك تموت ، ولا بُد أن ندفنك ، وليس لك ثوبٌ تكفّن فيه.

فقال أبو ذرّ : لا تبكي! فإنّي سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :إنّك تموت بأرض فلاة وحدك ، ويحضر موتك فئة من الناس يحبّهم الله

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٠ الطبعة الحجرية.

٤٧٥

تعالى .

إذ كما قال : فقومي وانظري هل ترين أحداً؟ فقامت وصعدت تَلعةً(١) كانت هناك ، فرأت جماعة على المطايا تسير بهم كالنسور ، فلوّحت بثوبها ، فطاروا إليها ، فقالوا : هل لك حاجة؟

فقالت : هل لكم في أبي ذرّ صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يموت.

ففدوه بآبائهم وأُمّهاتهم ، وكان في الركب مالك بن الحارث الأشتر ، فلمّا حضروا عنده قال : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليّ أنّي أموت بأرض فلاة ، يحضرني فئةٌ يحبّهم الله تعالى ، فأبشروا أنّكم حضرتم.

ثمّ قال : أيّكم لم يُولّ شيئاً من الإمارة والجباية ، أو شيئاً من أُمور الولاية؟

ولم يكن في القوم أحدٌ إلاّ وقد تولّى بعض ذلك ، ما خلا شابّاً قال : أنا ما وليتُ شيئاً ممّا ذكرتَ.

قال : فأنت كفنّي بثوبك.

فمات ، وكفنوه ودفنوه»(٢) .

هذا حكاية موت أبي ذرّ ، وذكره جميع أرباب التواريخ ، ولم يذكر أحدٌ أنّ عبد الله بن مسعود حضر موته ولا دفنه ، فهذا من مفتريات الرفضة ، عصمنا الله عن الكذب والعصبيّة.

__________________

(١) التّلعةُ ـ وجمعها : تِلاع ـ : هي مسيل الماء من أعلى الوادي غلى أسفله ، وما ارتفع من الأرض وأَشرَفَ ، وأيضاً : ما انهبط منها وانحدر ، وهو من الأضداد ، ولا تكون التّلاع إلاّ في الصحاري.

انظر مادّة «تلع» في : لسان العرب ٢ / ٤٣ ـ ٤٤ ، تاج العروس ١١ / ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ١٧٦ ـ ١٧٧ ، تاريخ دمشق ٦٦ / ٢١٩ ـ ٢٢١ ، الاستيعاب ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٥.

٤٧٦

وأقول :

سبق في المبحث السابق نقل ضرب ابن مسعود لدفنه أبا ذرّ (رضي الله عنه) عن محمّد بن إسحاق(١) .

وأمّا استبعاد الخصم له فليس في محلّه ؛ فإنّ هذا ونحوه غيرُ بعيد من الأعداء ؛ لأنّ الأُمويّين ـ الّذين مدحهم الخصمُ سابقاً بالرشد والنجابة ـ لمّا قتلوا حُجراً وأصحابه ـ وهم من خيار المؤمنين وعباد الله الصالحين ـ حملوا رؤوسهم إلى الشام(٢) .

ولمّا توفّي أميرُ المؤمنين وأخو النبي الأمين ، لعنوه ـ لعنهم الله ـ على منابرهم سنين متطاولة(٣) .

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٦٧ ، من هذا الجزء.

(٢) إنّما مراد الشيخ المظفّر (قدس سره) من حمل الرؤوس ، هو : الصحابي الجليل عمرو بن الحَمِق الخزاعي

فإنّ عَمْراً هو الذي احتُزّ رأسُه وحُمل ، فكان أوّل رأس حُمل في الإسلام من بلد إلى بلد.

انظر : الثقات ـ لابن حبّان ـ ٣ / ٢٧٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ١٠٢ ذيل الرقم ١٨٦٠ ، المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ١٦٦ ، الأوائل ـ للعسكري ـ : ١٩٨ ، تاريخ دمشق ٤٥ / ٤٩٣.

وتقدّم تفصيل ذلك في : ج ٦ / ٢٧٦ هـ ٢ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

أمّا حُجر بن عديّ ، فقد دُفن في محلّ قتله بمرج عذراء ، ولم يُحمل رأسه.

انظر : عيون الأخبار ـ لابن قتيبة ـ ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ، الأغاني ١٧ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ، تاريخ دمشق ١٢ / ٢١٠ وما بعدها.

وتقدّم تفصيل ذلك في : ج ٦ / ٢٧٦ هـ ١ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

(٣) سيأتي بيان ذلك في محلّه من الجزء الثامن ، من هذا الكتاب.

٤٧٧

ولمّا قتلوا سيّد شباب أهل الجنّة ، داسوا بخيولهم صدره وظهره ، وتركوه وأصحابه منبوذين بالعراء بلا دفن ، وسيّروا رؤوسهم إلى الشام ، وسبوا نساء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) سبي الترك والديلم(١) .

وأيضاً : فإنّ المسلمين ألقوا عثمان بعد قتله على المزبلة ثلاثة أيّام ، وأرادوا منع دفنه ، كما في «الاستيعاب» وغيره(٢) .

وتتبّع العبّاسيّون قبور الأُمويّين ونبشوها وأحرقوا ما وجدوا بها من عظامهم المسودّة(٣) .

إلى غير ذلك ممّا امتلأت به صفحات التاريخ من أفعال الأعداء بأعدائهم(٤) .

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٣٣٤ ـ ٣٣٦ حوادث سنة ٦١ هـ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٣٢ ـ ٤٣٦ حوادث سنة ٦١ هـ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٨ ، مروج الذهب ٣ / ٦٢ ، المنتظم ٤ / ١٥٦ ـ ١٥٧ حوادث سنة ٦١ هـ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٠ ـ ١٥٣ حوادث سنة ٦١ هـ.

(٢) انظر : الاستيعاب ٣ / ١٠٤٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٧ ، الرياض النضرة ٣ / ٧٤ ، المنتظم ٣ / ٣٠٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٩ ـ ٧٠ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٥.

(٣) انظر : مروج الذهب ٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٧٧ ـ ٧٨ ، شرح نهج البلاغة ٧ / ١٣١ ـ ١٣٢.

(٤) فمن ذلك ما فعله الأُمويّون بزيد بن عليّ من المُثلة ، فقد صلبوه عرياناً خمسين شهراً ، ثمّ أُحرق بخشبته ، ثمّ أُذري رماده في الرياح على شاطئ الفرات.

انظر : تاريخ الطبري ٤ / ١٩٨ حوادث سنة ١٢١ هـ ، مروج الذهب ٣ / ٢٠٨.

وما فعله المعزّ بن باديس ، لمّا أشعل الفتنة فقُتلت الشيعة في جميع بلاد إفريقية ، وأُحرقوا بالنار ، ونُهبت ديارهم ، ولم يُترك منهم إلاّ مَن لم يُعرف.

انظر حوادث سنة ٤٠٧ هـ في : الكامل في التاريخ ٨ / ١١٤ ، تاريخ أبي الفداء ٢ / ١٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٥.

٤٧٨

فكيف يُستبعد ذلك من عثمان وحمقه الذي أرداه وأورده القتل؟!

وأمّا جعل عمر له في الشورى ، فليس لحسن رأيه فيه ، كيف وهو قد تفرّس فيه أنّه يحمل أقرباءه على رقاب الناس ، وأنّه يُقتل لذلك(١) ؟!

بل لسعي عمر في توهين الإمام الحق ، وصرف الأمر عنه بطريق لا يُنتقد في الظاهر عليه!

ثمّ إنّ الخصم إنّما أنكر الرواية التي نقلها المصنّف (رحمه الله) ، وصحّح غيرها ؛ طلباً لدفع الطعن عن عثمان بضربه لابن مسعود على دفن أبي ذرّ ، وما درى أنّه كالمستجير من الرمضاء بالنار ؛ فإنّ الرواية التي اختارها قد اشتملت على أنواع المطاعن

منها : دلالتها على فقر أبي ذرّ بحيث لا كفن له ، مع ملاءة بيت المال وإسراف عثمان وبني أُميّة فيه ، ودلالتها على غربته وأهله وشدّة محنة زوجته بحيث لا أنيس ولا معين ، وكلُّ ذلك بسبب عثمان.

فهل ترى أنّ الله سبحانه أحلّ ماله للوزغ الطريد وأبنائه ، وحرّمه على أبي ذرّ وأهله؟!

ومنها : إنّ قول أبي ذرّ : «أيّكم لم يُولّ شيئاً من الإمارة أو الجباية أو شيئاً من أُمور الولاية» ، دليلٌ على جور أُولئك الولاة ، وبطلان تلك الولايات ، وأنّ أُجورهم على الولاية حرامٌ ، وأموالهم من أموال الظلمة ،

__________________

وكذا ما فعله صلاح الدين بالفاطميّين عندما أفناهم وأبادهم قتلا.

انظر حوادث سنة ٥٦٧ هـ في : الخطط المقريزية ١ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ ، المنتظم ١٠ / ٥٠٥ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٣٦ ـ ٢٤٠.

(١) راجع الصفحة ٣٣٠ ، من هذا الجزء.

٤٧٩

فتبطل إمامة عثمان وأمثاله!

أترى أنّ أبا ذرّ يمتنع أن يكفَّن من أموالهم لو كانوا ولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أمير المؤمنين (عليه السلام)؟!

وفي خبر آخر ذكره في «الاستيعاب» بترجمة أبي ذرّ : «أنشدكم أن لا يكفّنني رجلٌ منكم كان أميراً أو عريفاً(١) أو بريداً(٢) أو نقيباً»(٣) .

ومثله في «مستدرك الحاكم» من طريقين ، في مناقب أبي ذرّ(٤) .

ومنها : إنّ تلك الرواية صرّحت بأنّ أُولئك الركب ممّن يُحبّهم الله تعالى ، وبأنّ الأشتر منهم(٥) .

كما صرّحت بأنّ الأشتر وحُجراً منهم إحدى روايتي الحاكم(٦) .

فيكون الأشتر ممّن شهد له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الله يحبّه.

وأنت تعلم كيف كان اعتقاده بعثمان وحاله معه ؛ فإنّه كان يراه مهدور الدم ، حتّى كان أعظم المجلبين عليه ، وأكبر المسببين لقتله ، بل قيل إنّه هو الذي قتله(٧) .

كما إنّ حُجراً ممّن باشر قتله ، فطعنه تسع طعنات ، كما سيأتي إن

__________________

(١) العَرِيف ـ وجمعه : عرَفاء ـ : هو من يُعرِّف أصحابه ، وهو الرئيس والقيّم والسيّد ؛ أو النقيب ، وهو دون الرئيس.

انظر مادّة «عرف» في : لسان العرب ٩ / ١٥٤ ، تاج العروس ١٢ / ٣٨٠.

(٢) البَرِيدُ ـ والجمع : بُرُدٌ ـ : الرسول على دوابِّ البريد ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٣٦٧ مادّة «برد».

(٣) الاستيعاب ١ / ٢٥٥.

(٤) ص ٣٣٧ و ٣٤٥ ج ٣ [٣ / ٣٨١ ح ٥٤٥٢ وص ٣٨٨ ح ٥٤٧٠]. منه (قدس سره).

(٥) راجع الرواية في الصفحتين ٤٧٥ ـ ٤٧٦ ، من هذا الجزء.

(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٨١ ح ٥٤٥٢.

(٧) انظر : سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٤ رقم ٦ ، الصواعق المحرقة : ١٧٧.

٤٨٠