دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 80691
تحميل: 2041


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80691 / تحميل: 2041
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

قال : كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟!

قلت : آتي الشام الأرض المقدّسة المباركة.

قال : كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟!

قلت : ما أصنع؟! اضرب بسيفي!

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا أدلّك على ما هو خيرٌ لك من ذلك وأقرب رشداً؟! تسمع وتطيع ، وتنساق لهم حيثُ ساقوك».

ونحوه في أوّل أحاديث أبي ذرّ(١) .

وكذا عن أسماء بنت يزيد(٢) ، إلاّ أنّ في هذه الرواية أنّ أبا ذرّ لمّا قال : آخذ سيفي فأُقاتل ؛ كَشَرَ(٣) إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال : «ألا أدلّك على خير من ذلك؟!

قال : بلى.

قال : تنقاد لهم حيث قادوك ، وتنساق لهم حيث ساقوك ، حتّى تلقاني وأنت على ذلك».

وهذه الأخبار التي حكيناها عن أحمد ، كما تدلّ على نفي أبي ذرّ وسوقه بغير اختياره من المدينة إلى الشام ، ومنه إليها ، ومنها إلى الربذة ، تدلّ على ظلم من نفاه ، واستحقاقه القتل ، كما فهمه أبو ذرّ ، وقال : «أضربُ بسيفي» ، ولم ينكر عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كشَرَ إليه.

لكنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا علم أنّه لا يقدر على الدفع عن نفسه ، وأنّه

__________________

(١) ص ١٤٤ ج ٥. منه (قدس سره).

(٢) ص ٤٥٧ ج ٦. منه (قدس سره).

(٣) الكَشرُ : بُدوُّ الأسنان عند التبسّم والضحك وغيرهما ؛ انظر : لسان العرب ١٢ / ١٠٠ مادّة «كشر».

٥٢١

يُقتل لو امتنع من الانقياد لهم ، دلّه على ما هو خيرٌ له وأقربُ إلى الرشد ، وهو أن ينساق لهم حيث ساقوه ، حتّى يلقاه يومَ القيامة مظلوماً ، فيكون نفيهم له حجّةً دائميّةً ظاهرةً على ضلال الإمارة التي ناوأته وناوأها ، وأنكر عليها

ولو قاتلهم وحده وقتلوه ، لجعلوا قتله ـ هم وأتباعُهم ـ واجباً من باب دفع الصائل عن النفس.

ويدلّ ـ أيضاً ـ على تسيير أبي ذرّ إلى الربذة قهراً ، ما في «مستدرك الحاكم»(١) ، عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : «كنتُ مع أبي الدرداء ، فجاء رجلٌ من قبل المدينة ، فسأله ، فأخبره أنّ أبا ذرّ مسيّرٌ إلى الربذة.

فقال أبو الدرداء : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، لو أنّ أبا ذرّ قطع لي عضواً أو يداً ما هجتُه(٢) » الحديث.

ونحوه في «الاستيعاب» ، بآخر ترجمة أبي ذرّ(٣) .

وفي «المستدرك» ـ أيضاً(٤) ـ حديثٌ آخر يتعلّق بغزوة تبوك ، قال النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخره :رحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده.

قال ابن مسعود : فضرب الدهرُ ضربةً ، فسُيّر أبو ذرّ إلى الربذة».

وهو دالُّ أيضاً على نفيه إلى الربذة.

كما يدلّ على نفيه من الشام إلى المدينة وتسييره قهراً ، ما في «مسند أحمد»(٥) ، أنّه لمّا بلغ أبا الدرداء تسييرُ أبي ذرّ من الشام إلى

__________________

(١) في محنة أبي ذرّ ، ص ٣٤٤ ج ٣ [٣ / ٣٨٧ ح ٥٤٦٧]. منه (قدس سره).

(٢) كذا في الأصل والاستيعاب ، وفي المستدرك : «هجنته».

(٣) الاستيعاب ١ / ٢٥٦.

(٤) ص ٥٠ ج ٣ [٣ / ٥٢ ـ ٥٣ ح ٤٣٧٣]. منه (قدس سره).

(٥) ص ١٩٧ ج ٥. منه (قدس سره).

٥٢٢

المدينة ، قال بعد أن استرجع قريباً من عشر مرّات :( ارتقبهم واصطبر ) (١) ، كما قيل لأصحاب الناقة» الحديث.

وهو صريح في أنّ من نفاه إلى المدينة مستحقّ للعذاب ، كقوم صالح.

ثمّ إنّ الحاكم في «كتاب الفتن» من «المستدرك»(٢) ، روى طرفاً من أوّل حديثَي الواقدي ، اللذين نقلهما المرتضى (رحمه الله)(٣) ، وصحّحه هو والذهبيُّ على شرط مسلم ، عن حلاّم بن جندل الغفاري ، قال : «سمعت أبا ذرّ يقول : سمعت رسول الله يقول :إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، اتّخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا.

قال حلاّم : فأُنكر ذلك على أبي ذرّ ، فشهد عليُّ بن أبي طالب : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :ما أظلّت الخضراءُ ، ولا أقلّت الغبراء ، على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ ».

وروى الحاكم ـ أيضاً ـ بعده حديثين نحوه ، عن أبي سعيد الخدري(٤) .

وحكى في «كنز العمّال» ، في كتاب الفتن(٥) ، نحوه ، عن أبي يعلى وأحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد.

__________________

(١) سورة القمر ٥٤ : ٢٧.

(٢) ص ٤٨٠ ج ٤ [٤ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ح ٨٤٧٨]. منه (قدس سره).

(٣) تقدّما في الصفحات ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ، من هذا الجزء.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٧٩ و ٨٤٨٠.

(٥) ص ٢٩ ج ٦ [١١ / ١١٧ ح ٣٠٨٤٦ وص ١٦٥ ح ٣١٠٥٧]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند أبي يعلى ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ح ١١٥٢ ، مسند أحمد ٣ / ٨٠.

٥٢٣

وأيضاً(١) ، عن أبي يعلى وابن عساكر ، عن أبي هريرة.

ولا يخفى أنّ أبا العاص هو جدّ عثمان ، ووالد الحكم ، فلهذا استشهد أبو ذرّ بالحديث ، وأنكره عثمان

فيكون عثمان ممّن اتّخذ مال الله دولا ، ودينه دغلا ، وعباده خولا!

فلا يصحّ الاعتذار عنه بأنّه إمام ، وللإمام أن يؤدّب رعيّته ، كما سمعته من ابن حجر ، وابن الأثير(٢) ، واعتذر به القوشجيُّ عن ضرب عثمان لأبي ذرّ(٣) .

وليت شعري ، كيف يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر مسيئاً ، ويعد نفيه وضربه على نهيه عن المنكر تأديباً له؟!

والحال ، أنّ مجرّد جعل مال الله دولا مصحِّحٌ لقتال الجاعل ، فضلا عمّا لو اتّخذ دين الله دغلا ، وعباده خولا.

كما يدلّ عليه ما في «مسند أحمد»(٤) ، عن أبي ذرّ ، قال : «قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف أنت وأئمةٌ من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟!

قال : قلتُ : إذاً والذي بعثك بالحقِّ أضعُ سيفي على عاتقي ، ثمّ أضرب به حتّى ألقاك ، أو ألحقَ بك.

__________________

(١) ص ٩٠ ج ٦ [١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٥٥ وص ٣٥٩ ح ٣١٧٣٨]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند أبي يعلى ١١ / ٤٠٢ ح ٦٥٢٣ ، تاريخ دمشق ٥٧ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) راجع اعتذار ابن حجر وابن الأثير والقوشجي والقاضي عبد الجبّار بذلك في الصفحات : ٤٦٥ و ٤٦٦ و ٤٦٨ و ٤٨٣ و ٤٩٣ و ٥١٤ ، من هذا الجزء.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٥.

(٤) ص ١٨٠ ج ٥. منه (قدس سره).

٥٢٤

قال : أَوَلا أدلّك على ما هو خيرٌ لك من ذلك؟! تصبر حتّى تلقاني».

ورواه ـ أيضاً ـ بعده بطريق آخر ، عن أبي ذرّ ، بلفظ قريب منه(١) .

فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينكر عليه استحقاقهم للضرب بالسيف ، وإنّما أمره بالصبر ؛ لأنّه الأصلح.

ولذا سكت أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ، وتولّى قتلَ عثمان غيرُه!

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨٠.

٥٢٥

تعطيل عثمان لحدّ ابن عمر

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(١) :

ومنها : إنّه عطّل الحدّ الواجبَ على عبيد الله بن عمر بن الخطّاب ، حيث قتل الهرمزان مسلماً ، فلم يَقدْه به(٢) ، وكان أميرُ المؤمنين يطلبه لذلك(٣) .

قال القاضي : إنّ للإمام أن يعفو ، ولم يثبت أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ليقتله ، بل ليضع من قدره(٤) .

أجاب المرتضى (رحمه الله) ، بأنّه ليس له أن يعفوَ ، وله جماعةٌ من فارس لم يقدموا خوفاً ، وكان الواجب أن يؤمِّنهم عثمان حتّى يقدموا ويطلبوا بدمه.

ثمّ لو لم يكن له وليُّ لم يكن لعثمان العفو.

أمّا أوّلا : فلأنّه قتل في أيّام عمر ، وكان هو وليّ الدم ، وقد أوصى

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠١.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ١١ ـ ١٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٦١ ـ ٦٢ ، المنتظم ٣ / ٢٣١ حوادث سنة ٢٤ هـ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ حوادث سنة ٢٣ هـ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٥٩ الطعن العاشر.

(٣) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ١٢ ، مروج الذهب ٢ / ٣٨٥ ، الاستيعاب ٣ / ١٠١٢ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

(٤) المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٦.

٥٢٦

عمر بأن يُقتل عبيد الله إن لم تقم البيّنة العادلة على الهرمزان وجُفَينة أنّهما أمرا أبا لؤلؤة ـ غلام المغيرة بن شعبة ـ بقتله ، وكانت وصيّته إلى أهل الشورى(١) .

فلمّا مات عمر ، طلب المسلمون قتل عبيد الله كما أوصى عمر ، فدافع وعلّلهم ، وحمله إلى الكوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً ، فنقم المسلمون منه ذلك ، وأكثروا الكلام فيه(٢) .

وأمّا ثانياً : فلأنّه حقٌّ لجميع المسلمين ، فلا يكون للإمام العفو عنه.

وأميرُ المؤمنين (عليه السلام) إنّما طلبه ليقتله ؛ لأنّه مرّ عليه يوماً ، فقال له أمير المؤمنين : أمَا والله لئن ظفرت بك يوماً من الدهر لأضربنّ عنقك!

فلهذا خرج مع معاوية [عليه](٣) .

__________________

(١) انظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧.

(٣) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٠ ـ ٦١.

٥٢٧

وقال الفضل(١) :

قصة الهرمزان وعبيد الله قبل أن يصيب عمر بأيام ، أنّه مرّ على باب دار الهرمزان ، فرآه جالساً على باب داره ، وعنده العُلوج(٢) من الأعاجم ، ومنهم أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

فقام الهرمزان لعبيد الله ، فوقع من حجره المِغْول(٣) الذي قتل أبو لؤلؤة به عمر ، وكان مِغولا ذا رأسين ، فسأل عبيد الله الهرمزانَ عن ذلك المِغْول ، فقال : هو من سلاح الحبشة.

فلمّا قُتل عمر ، وجدوا ذلك المِغْول بيد أبي لؤلؤة ، وبه ضرب عمر.

فلمّا رجعوا من دفن عمر ، عاد عبيد الله إلى دار الهرمزان بالسيف فقتله ؛ لأنّه كان يتّهمه بالمشاركة في القتل.

هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ.

ونقله الطبريُّ وغيره ، واتّفقوا أنّ قتل عبيد الله الهرمزانَ كان بعد دفن عمر ، بلا خلاف بين أرباب التواريخ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٧ الطبعة الحجرية.

(٢) العِلجُ : الرجل الشديد الغليظ ، والرجل من كفّار العجم قويا ضخماً أو غير قويّ ، والجمع : أَعْلاج وعلُوج.

انظر : لسان العرب ٩ / ٣٤٩ مادّة «علج».

(٣) المِغوَل : سيف دقيق له قفاً ، يكون غمده كالسوط ، أو شبه سيف قصير يشتمل به الرجلُ تحت ثيابه.

انظر : لسان العرب ١٠ / ١٤٨ ـ ١٤٩ مادّة «غول».

٥٢٨

فتمَّ جواب قاضي القضاة ، بأنّ للإمام أن يعفو(١) ، فعفا عثمان عن عبيد الله ؛ لأنّه كان وليَّ الدم.

وأمّا ما ذكر أنّ الواجب كان أن يؤمِّن أولياء دم الهرمزان حتّى يطلبوا دمه ، فإنّ من المعلوم أنّ الهرمزان لم يكن له وليٌّ ؛ لأنّه كان ملك الأهواز ، وكان غريباً بالمدينة كسائر العلوج.

وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ليقتله ، فالجواب ما أجاب القاضي ، أنّه لم يثبت أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه للقتل ، بل للإيذاء والتعزير والتعنيف.

وما ذكر المرتضى أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ، بدليل أنّه قال له : «لئن ظفرت بك يوماً لأضربنّ عنقك» ، فهذا كلامٌ يجوز أن يذكره أميرُ المؤمنين للتعنيف والزجر ـ الذي كان يطلبه لأجله ـ لئلاّ يعود على مثل ذلك الفعل.

وأمثال هذه الأُمور ناجزةٌ من زمان طويل ، والأصل حمله على الصحة ؛ لأنّ العلماء قالوا : الأصل أنّ ما جرى لم يجر إلاّ بحقّ.

__________________

(١) المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٦.

٥٢٩

وأقول :

عجباً لهذا الرجل ، من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به ؛ فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلى الطبريّ وغيره!

وقد نظرتُ «تاريخ الطبريّ» ، وغيره ممّا حضرني من كتبهم ، فلم أجد بها أنّ عبيد الله مرّ بدار الهرمزان ، وقام له ، وأنّه شاهد مِغْولا عنده ، بل لم يُذكر فيها المِغْول أصلا ، وهو ـ أيضاً ـ غير الخنجر المذكور فيها!

فقد ذكر الطبريُّ(١) ما حاصله ، أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر : رأيتُ عشيّة أمس الهرمزانَ وأبا لؤلؤة وجُفينة وهم يتناجون ، فلمّا رأوني ثاروا ، وسقط منهم خنجر له رأسان ، نصابه في وسطه.

فسمع بذلك عبيد الله فأتى الهرمزان ، فقتله ، فلمّا عضّه السيفُ قال : لا إله إلاّ الله ؛ ثمّ مضى فقتل جُفينة.

ومثله في «كامل» ابن الأثير(٢) .

وقال في «أُسد الغابة» ، بترجمة عبيد الله : «قيل لعبيد الله : قد رأينا أبا لؤلؤة والهرمزان نجيّاً ، والهرمزان يقلّب هذا الخنجر بيده ـ إلى أن قال : ـ فعدا عليهم بالسيف ، فقتل الهرمزان وابنته وجُفينة»(٣) .

وأما دعواه اتّفاق أرباب التواريخ على أنّ قتل عبيد الله الهرمزانَ

__________________

(١) ص ٤٢ ج ٥ [٢ / ٥٨٧]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٧ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٢٩ [٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧]. منه (قدس سره).

(٣) أُسد الغابة ٣ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤ رقم ٣٤٦٧.

٥٣٠

كان بعد دفن عمر

فغير معتمدة ؛ لِما علمنا من كذبه وجهله مراراً ، وخلوِّ ما رأيناه من كتب التاريخ عن ذلك(١) ، والسيّد المرتضى (رحمه الله) أحقُّ منه بالصدق والدراية.

وأما ما زعمه أنّه لا وليّ للهرمزان

فممنوعٌ ؛ لِما في «أُسد الغابة» ، بترجمة عبيد الله ، وفي «الكامل» و «تاريخ الطبري» ، من أنّ له ولداً يسمّى القماذبان(٢) ، كما ستسمع.

ولو سُلّم أن لا ولدَ له بالمدينة ، فمن المجزوم به عادةً أنّ له وليّاً معلوماً بالأهواز ؛ لأنّ مَن هو مثله من الملوك لا يخلو عادةً مِن وليّ معلوم.

فمن المضحك تعليلُ الفضل ـ للعِلم بعدم الوليّ له ـ بأنّه كان ملكاً وغريباً بالمدينة.

ولو سُلّم عدم الجزم بوجود وليّ له ، فلا أقلّ من احتماله ، فلا بُد من طلبه إلى أن يتحقّق اليأس ، لتثبت حينئذ ولايةُ عثمان.

ولو سُلّم أن لا وليّ له ليكون عثمان وليّ الدم ، فليس معنى ولايته إلاّ أنّ له ولاية المطالبة به ، لا أنّ له العفو عنه ؛ إذ لا دليلَ عليه ، ولا سيّما بعد كون الحقّ في الدم للمسلمين جميعاً ، ولم يسعهم مشورةً ، بل طلب كثيرٌ منهم قتله

ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يرى قتل عبيد الله ، كما هو معلوم ، حتّى إنّ ابن الأثير في «الكامل» ، بعدما ذكر رواية عفو عثمان ، ورواية

__________________

(١) فإنّ الطبري روى أنّ عبيد الله بن عمر أمسكَ حتّى مات عمر ، فأتى الهرمزان فقتله ؛ ولم يروِ أحدٌ أنّ قتلَ عبيد الله الهرمزانَ كان بعد دفن عمر ؛ فلاحظ!

(٢) انظر : أُسد الغابة ٣ / ٤٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٩٠.

٥٣١

أُخرى في عفو ابن الهرمزان ، قال : «والأوّل أصحّ ؛ لأنّ عليا لمّا ولي الخلافة أراد قتله ، فهرب إلى معاوية بالشام ، ولو كان إطلاقه بأمر وليّ الدم لم يتعرّض له عليٌّ»(١) .

ونحوه في «أُسد الغابة»(٢) .

وروى في «الاستيعاب» ، بترجمة عبيد الله ، عن الحسن : «أنّ عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد أن أسلم ، وعفا عنه عثمان ، فلمّا وليَ عليٌّ خشيَ على نفسه ، فهرب إلى معاوية ، فقُتل بصِفّين»(٣) .

ولا يخفى أنّ طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) لقتل عبيد الله ، ظاهرٌ في الطعن بعثمان وعفوه ، وكفى به حجّةً على من عذر عثمان ، فإنّ الحقّ مع عليّ ، يدور معه حيثُ دار(٤) .

كما إنّه حجةٌ على كذب ما رواه السَّرِيّ ، من عفو ابن الهرمزان ، ولا سيّما مع كونه بالهزليات الملفّقة أشبه!

ففي «تاريخ الطبريّ»(٥) : «كتب إليَّ السَّرِيّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن أبي منصور ، قال : سمعت القماذبان يُحدّث عن قتل أبيه ، قال : كانت العجمُ بالمدينة يَستَرْوِح بعضُها إلى بعض ، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان ، فتناوله منه وقال : ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟!

فقال : آنسُ به.

__________________

(١) الكامل ٢ / ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

(٢) أُسد الغابة ٣ / ٤٢٤.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١٠١٢.

(٤) راجع مبحث حديث : «الحق مع عليّ » في : ج ٦ / ٢٢٧ ـ ٢٣٤ ، من هذا الكتاب.

(٥) ص ٤٣ ج ٥ [٢ / ٥٩٠ حوادث سنة ٢٤ هـ]. منه (قدس سره).

٥٣٢

فرآه رجلٌ ، فلمّا أُصيب عمر قال : رأيتُ هذا مع الهرمزان ، دفعه إلى فيروز.

فأقبل عبيد الله ، فقتله ، فلمّا ولي عثمان دعاني ، فأمكنني منه ، ثمّ قال : يا بنيّ! هذا قاتل أبيك ، وأنت أَوْلى به منّا ، فاذهب فاقتله.

فخرجت به ، وما في الأرض أحدٌ إلاّ معي ، إلاّ أنّهم يطلبون إليّ فيه ، فقلت لهم : ألي قتلُه؟!

قالوا : نعم ؛ وسبوا عبيد الله.

فقلت : أفلكم أن تمنعوه؟!

قالوا : لا ؛ وسبوه.

فتركته لله ولهم ، فاحتملوني ، فوالله ما بلغت المنزل إلاّ على رؤوس الرجال وأكفّهم».

ونحوه في «كامل» ابن الأثير(١) .

وليت شعري ، أهذه الأقاصيصُ الكاذبة ، والخيالاتُ المخالفة للضرورة ، ممّا يحسن أن يُسوّد بها العاقلُ شيئاً من كتابه الذي يطلب اعتماد الأجيال اللاحقة عليه؟!

وكلُّ أخبار السَّرِيّ من هذا القبيل!

وأمّا دعوى الفضل ـ تبعاً للقاضي ـ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يطلبه للإيذاء والتعزير

فباطلةٌ ؛ لأنّه إذا فرض أنّ لعثمان الولاية ، وأنّ عفوهَ وحده كاف ، فليس لأحد سبيلٌ على عبيد الله ، بالتعزير وغيره ؛ إذ لم يجعل الله عليه من

__________________

(١) الكامل ٢ / ٤٦٧ ـ ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

٥٣٣

الحقّ سوى القصاص ، وقد سقط بالعفو فرضاً.

وتأويله لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ مع عدم مناسبته له ـ لا يجامع طلبَ أمير المؤمنين (عليه السلام) قتله بعد ولايته ، كما سبق في رواية ابن الأثير(١) .

بل ولا خشية عبيد الله منه ، كما عرفت في رواية «الاستيعاب»(٢) .

وأمّا قوله : «وأمثال هذه الأمور ناجزةٌ من زمان طويل ، والأصل حمله على الصحة ؛ لأنّ العلماء ...» إلى آخره

ففيه :

أوّلا : إنّا لسنا أوّل من طعن على عثمان بذلك ، بل طعن عليه الصحابة ، حتّى قال زياد بن لبيد الأنصاري مخاطباً لعثمان ـ كما رواه الطبريُّ وابن الأثير(٣) ـ [من الوافر] :

أبا عمرو! عبيد الله رَهْنٌ

فلا تَشْكُكْ بقتلِ الهُرمزانِ

فإنّك إنْ عفوتَ الجرمَ منه

وأسبابُ الخَطا فرَسا رهانِ

أتعفو إذ عفوتَ بغير حقّ؟!

فما لكَ بالذي تَحكي يَدانِ

وثانياً : إنّه لا محلّ للحمل على الصحّة مع اتّضاح الحال ومخالفة العفو لقواعد الشريعة ؛ ولذا أراد أميرُ المؤمنين (عليه السلام) قتله(٤) .

وكان العفوُ عنه أوّلَ أمر طعن به الصحابةُ والمسلمون على عثمان(٥) .

__________________

(١) تقدّم آنفاً في الصفحتين ٥٣١ ـ ٥٣٢.

(٢) تقدّمت انفاً في الصفحة ٥٣٢.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٧.

(٤) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢.

(٥) إذ إنّ ذلك كان في أوّل زمان حكومة عثمان ، وكانت الحادثة أُولى مخالفات عثمان للشريعة.

٥٣٤

براءة الصحابة من عثمان يوم الدار

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : إنّ الصحابة تبرّأوا منه ؛ فإنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام لم يدفنوه(٢)

ولا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار ، بل أسلموه

ولم يدافعوا عنه ، بل أعانوا عليه

ولم يمنعوا من حصره ، ولا من منع الماء عنه ، ولا من قتله ، مع تمكّنهم مِن ذلك كلّه(٣) .

(وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «الله قتله ، وأنا معه »(٤) ، أي : أنا مع الله ، أحكم بما حكم به الله)(٥) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠٢.

(٢) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٧ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٤٧ ، المنتظم ٣ / ٣٠٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٩ ـ ٧٠ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢ الطعن الحادي عشر ، الرياض النضرة ٣ / ٧٤ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٥.

(٣) شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢ الطعن الحادي عشر.

(٤) انظر : المعجم الكبير ١ / ٨٠ ح ١١٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦٨٥ ح ٢٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ١ / ٣٩١ ذ ح ٥٧٤ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٤ / ١٢٥٩ و ١٢٦٠ و ١٢٦٨ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٨ وج ٣ / ٦٢ و ٦٤ و ٦٦ وج ٧ / ٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ٩٨ ، كنز العمّال ١٣ / ٩٧ ح ٣٦٣٢٩.

(٥) ما بين القوسين ليس في «نهج الحقّ» المطبوع.

٥٣٥

وروى الواقدي ، أنّ أهل المدينة مَنعوا من الصلاة عليه ، حتّى حُمل بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته غيرُ مروانَ وثلاثة من مواليه ، ولمّا أحسّوا بذلك رموه بالحجارة ، وذكروه بأسوأ الذِكر.

ولم يقع التمكّن من دفنه إلاّ بعد أن أنكر أمير المؤمنين (عليه السلام) المنعَ من دفنه(١) .

__________________

(١) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٦ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٤.

٥٣٦

وقال الفضل(١) :

أمّا قوله : «إنّ الصحابة تبرّأوا منه» ، فهذا أمرٌ غيرُ ثابت ؛ لأنّ أكبر الصحابة كان أمير المؤمنين ، وقد اتّفق جميع أرباب التواريخ أنّ أمير المؤمنين ـ حين حاصروا عثمان ـ بعث إليه بالحسن والحسين ومحمّد ابن الحنفيّة وأولاد جعفر شاكِين بالسلاح(٢) ، ليعينوه ، فطلبهم عثمان وأنشدهم بالله أن يرجعوا ، وقال لهم : إنّ النبيّ عهد إليّ أنّي أدخل الجنّة على بلوىً أُصيبها ، وأنا أصبرُ وأحتسب(٣) ، فارجعوا.

كما روي في «الصحاح» ، عن أبي سهلة ، قال : «قال لي عثمان يوم الدار : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عهد إليّ عهداً ، وأنا صابرٌ عليه»(٤) .

فكيف يقال : إنّ الصحابة أسلموه إلى مَن جلب عليه مِن أهل الأمصار ، ولم يدفعوا عنه؟!

وقد ثبت أنّ أمير المؤمنين أعانه بأولاده وأفلاذ كبده ، وهذا ممّا اتّفق عليه الرواة.

ولا شكّ أنّ عثمان كان إماماً مظلوماً شهيداً ، وهو كان على الحقّ وأعداؤه على الباطل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٩ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٥ ، البداية والنهاية ٧ / ١٤٢ و ١٤٦ ، ولم يرد فيهما ذِكر محمّد بن الحنفية ولا أولاد جعفر.

(٣) انظر : تاريخ دمشق ٣٩ / ٢٨٤ ـ ٢٩٠.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ح ٣٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ح ١١٣ ، مسند أحمد ١ / ٥٨ ، مصابيح السنة ٤ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ح ٤٧٥٨.

٥٣٧

كما روي في «الصحاح» ، عن مرّة بن كعب ، قال : «سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذكر الفتن فقرّبها ، فمرّ رجلٌ متقنّع في ثوب ، فقال : هذا يومئذ على الحقّ ؛ فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفّان.

قال : فأقبلتُ عليه بوجهه فقلتُ : هذا؟!

قال : نعم»(١) .

وروي في «الصحاح» ، عن ثمامة بن حزن القشيري ، قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان ، فقال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ، فقال : من يشتري بئر رومة ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير منها في الجنّة؟

فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتّى أشرب من ماء البحر؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من يشتري بقعة فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنّة؟

فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أُصلّي فيه ركعتين؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨٦ ح ٣٧٠٤ ، مسند أحمد ٤ / ٢٣٥ ، مصابيح السنة ٤ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ح ٤٧٥٥ ، كنز العمّال ١٣ / ٣٨ ح ٣٦١٩٠ و ٣٦١٩١.

٥٣٨

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّي جهّزت جيش العسرة من مالي؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بثَبير(١) مكّة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرّك الجبلُ حتّى تساقطت حجارته بالحضيض ، فركضه برجله ، قال : أسكن ثبيرُ! فإنّما عليك نبيٌّ وصديقٌ وشهيدان؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : الله أكبر! شَهِدوا ، وإنّي شهيدٌ وربّ الكعبة ؛ ثلاثاً»(٢) .

هذا روايات «الصحاح»

وقد ثبت من نصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ عثمان شهيد(٣) ، ثمّ جاء البوّال الذي استوى قوله وبوله ، فيجعله كالكفّار ، ولا يقبل دفنه مع المسلمين ، أُفّ له وتُفّ ، والصفع على رقبته بكلّ كفّ.

وأعجب من هذا أنّه يتّهم على أمير المؤمنين ، أنّه شارك في قتل عثمان ، وقد ذكر صاحب كتاب «نهج البلاغة» في مواضع من كلامه أنّه كان يتبرّأُ من قتل عثمان غاية التبرّي(٤) .

وكان أشدّ الأشياء على أمير المؤمنين أن يشركه أحدٌ في قتل عثمان ،

__________________

(١) ثَبِيرٌ : من أعظم جبال مكّة ، بينها وبين عرفة ، سُمّي ثبيراً برجل من هُذيل مات في ذلك الجبل فعُرف به ؛ انظر : معجم البلدان ٢ / ٨٥ رقم ٢٧٦٩.

(٢) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ح ٣٧٠٣ ، سنن النسائي ٦ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ كتاب الأحباس باب وقف المساجد ، كنز العمّال ١٣ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٣٦٢٨٠.

(٣) انظر : كنز العمّال ١٣ / ٦٥ ح ٣٦٢٦٥ وص ٩٥ ـ ٩٦ ح ٣٦٣٢٤.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ٣ / ١٦ و ٦٣.

٥٣٩

حتّى إنّه قال : «لو أنّي أعلم أنّه يذهب من صدور بني أُميّة الوهج من مشاركتي في قتل عثمان ، لحلفت لهم بين الركن والمقام خمسين حلفة أنّي ما شاركت في قتل عثمان ، ولا رضيتُ به ، ولا أمرتُ به»(١) .

وهذا كان من مبالغة أمير المؤمنين في عدم مشاركته في قتل عثمان ، وهو ينسبه إلى المشاركة ، فأمير المؤمنين وسائر الأنبياء والمرسلين خصوم ذلك الرجل في ما ادّعاه.

وأمّا ما ذكر أنّه لم يصلّ عليه أحدٌ إلاّ مروان وبعض الموالي ، فإنّه كاذبٌ في هذا الكلام ؛ فإنّ كلّهم اتّفقوا على أنّ مروان جرح يوم الدار جراحةً عظيمة ، حتّى خاف انقطاع رقبته ، فهرب إلى الشام وهو مجروح(٢) ، فكيف حضر في جنازة عثمان؟!

وأما عدمُ صلاة الصحابة على عثمان ، فإنّه كان في أيّام الهرج ، وأجلاف الأمصار استولوا على المدينة ، وهم قتلوا عثمان ، وكان الصحابة يخافون منهم أن يحضروا جنازة عثمان ، حتّى إنّ أمير المؤمنين هرب منهم والتجأ إلى حائط من حوائط المدينة ، كما هو مذكور في التواريخ.

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ٢٠٠.

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٦٦ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥١ ، ولم يرد فيهما أنّه هرب إلى الشام.

٥٤٠