دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 80682
تحميل: 2041


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80682 / تحميل: 2041
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

وقال الفضل(١) :

ما ذكر أنّ عثمان كان يستهزئ بالشريعة ، فهذا كذبٌ باطلٌ لا دليل عليه.

وأمّا ما ذكر أنّه أمر برجم المرأة ، ولم يسمع ما ذكره أميرُ المؤمنين ، فهذا لا يدلّ على أنّه استهزأ بالشريعة ، وربّما كان له فيه اجتهاد اقتضى رجمها.

فهو عملَ بعلمه واجتهاده ، واختلاف المجتهدين لم يكن من باب الاستهزاء على الشريعة.

وأمّا ما ذكر من أمر متعة الحجّ ، فهذا محلُّ الاختلاف ، وكلٌّ عمل باجتهاده ، ولا اعتراض للمجتهد على المجتهد.

وأما أنّه صلّى بمنى أربعاً ، فقد اعترضوا عليه حين اجتمع عليه أهل الأمصار ، فأجاب : إنّ رسول الله وأبو بكر وعمر كانوا إذا حجوا لم يكن لهم بمكة بيوتٌ ومنازلُ ، ولم يكونوا عازمين على السكون.

وإنّي كان لي منازلُ وبيوت في مكّة ، فنويتُ الإقامة في تلك الأيّام فأتممتُ الصلاة ؛ لأنّ مكّة كان منزلي ووطني(٢) .

وأمّا عدمُ تصحيح لفظ القرآن ؛ لأنّه كان يجب عليه متابعةُ صورة

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٣ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر حوادث سنة ٢٩ هـ في : تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٦ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٩٤ ، البداية والنهاية ٧ / ١٢٤.

٥٦١

الخطّ ، وهكذا كان مكتوباً في المصاحف ، ولم يكن التغيير له جائزاً ، فتركه ؛ لأنّه لغة بعض العرب.

وأمّا عملُ مقداد وحثوه الحصى على وجه مادح عثمان ؛ فلأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «احثوا على وجه المدّاحين التراب »(١) ، فعمل مِقداد بالحديث.

وربّما كان المادح طاعناً في المدح مفرطاً ، فحثا على وجهه الحصى ؛ لأنّ عمله كان منافياً للسنة.

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود ٤ / ٢٥٥ ح ٤٨٠٤ ، سنن الترمذي ٤ / ٥١٨ ح ٢٣٩٣ و ٢٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ / ١٢٣٢ ح ٣٧٤٢ ، الأدب المفرد ـ للبخاري ـ : ١٠٥ ح ٣٤٢ و ٣٤٣ ، مسند أحمد ٦ / ٥ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٢٣٩ ح ٥٦٥ و ٥٦٦ وص ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ح ٥٧٤ ـ ٥٨٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ٥١٠ ح ٥٧٣٩ و ٥٧٤٠ ، حلية الأولياء ٦ / ٩٩ و ١٢٧.

٥٦٢

وأقول :

لا أعرف من أين يحتمل تعويل عثمان على الاجتهاد في قصّة الرجم؟!

أمن دلالة الآيتين اللتين استدلّ بهما أميرُ المؤمنين على جواز كون الحمل ستّة أشهر ، فيلزم درء الحدِّ عن المرأة؟!

أم من ظاهر حال عثمان من العجز عن الجواب ، حتّى أقسم الراوي وقال : «فوالله ما عند عثمان إلاّ أن بعث إليها ، فرُجمت»؟!

وهلاّ ذكر الخصم وجهاً لاجتهاد عثمان في قبال آي الكتاب؟!

مع أنّ الحمل لو كان من زنى ، فلا بُد أن يكون الزنى قبل إحصان المرأة وتزويجها ، فيكون عليها الحدُّ بالجلد لا الرجم ، فَلِمَ أمر بها فرُجمت؟!

وقد وقع نظيرُ ذلك لعليّ (عليه السلام) مع عمر ، كما نقله في «كنز العمّال»(١) ، عن جماعة بأسانيدهم ، عن الأسود الدؤلي ، ولكن لم يذكر فيه ما صنع عمرُ بعد نهي أمير المؤمنين (عليه السلام) له(٢) .

ومثله الكلام في متعة الحجّ ؛ فإنّه لو كان لعثمان وجهٌ ، لردّ به على أمير المؤمنين ، إذ رماه بمخالفة رسول الله بقوله : «ما كنت لأدع سنة رسول الله بقول أحد».

بل لم يكن عند عثمان إلاّ أن قال : «دعنا منك!» ، كما رواه

__________________

(١) في كتاب الحدود ص ٩٦ ج ٣ [٥ / ٤٥٧ ح ١٣٥٩٨]. منه (قدس سره).

(٢) تقدّم في الصفحة ٢١٨ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

٥٦٣

مسلم(١) وأحمد(٢) .

وهل يمكن الاجتهاد بمنعها ، وقد شرّعها النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الأبد ، كما مرّت أخبارها عند الكلام في متعة الحجّ(٣) ؟!

لكنّ اجتهادهم من غير دليل ليس بعزيز ، بارك الله لهم في هذا الاجتهاد الذي استباحوا به نسخ الكتاب والسنة ومسخ الشريعة!

وأمّا إتمام عثمان بمنى ، فالأمر فيه كأخواته ؛ لأنّ القصر في السفر ضروريٌّ لا يمكن الاجتهاد بخلافه ، ولذا قال ابن عمر : كما في «الكنز»(٤) ، عن الديلمي ، عنه : «صلاة المسافر ركعتان ، من ترك السنة فقد كفر».

وجعل ابنُ عمر ـ أيضاً ـ القصرَ بمنى ، من لوازم معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

فقد روى أحمد في «مسنده»(٥) ، عن داود بن أبي عاصم ، قال : «سألتُ ابنَ عمر عن الصلاة بمنى؟

قال : هل سمعتَ بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

قلت : نعم ، وآمنتُ به.

قال : فإنّه كان يُصلّي بمنى ركعتين».

ومن ثمّ أنكر الصحابة على عثمان إتمامه بمنى ، وشقّ عليهم

__________________

(١) في باب جواز التمتّع من كتاب النكاح [٤ / ٤٦]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١٣٦ ج ١. منه (قدس سره).

(٣) راجع الصفحات ٣١٨ ـ ٣٢٨ ، من هذا الجزء.

(٤) في كتاب الصلاة ١١٦ ج ٤ [٧ / ٥٤٦ ح ٢٠١٨٥]. منه (قدس سره).

وانظر : فردوس الأخبار ٢ / ٢٠ ح ٣٥٣٤.

(٥) ص ٥٩ ج ٢. منه (قدس سره).

٥٦٤

روى أحمد(١) ـ من حديث ـ ، أنّه قيل لأبي ذرّ : «إنّ عثمان صلّى أربعاً! فاشتدّ ذلك على أبي ذرّ وقال قولا شديداً».

وروى البخاري(٢) ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : «صلّى بنا عثمان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود ، فاسترجع ، ثمّ قال : صلّيتُ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى ركعتين ، وصلّيتُ مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصلّيتُ مع عمر بمنى ركعتين ، فليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان».

ومثله في «صحيح مسلم»(٣) .

وروى الطبري في «تأريخه»(٤) ، عن ابن عبّاس ، قال : «أوّلُ ما تكلّم الناسُ في عثمان ظاهراً ، أنّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين ، حتّى إذا كانت السنة السادسة أتمّها ، فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

حتّى جاءه عليٌّ (عليه السلام) في مَن جاءه ، فقال : والله ما حدث أمرٌ ، ولا قدم عهدٌ ، ولقد عهدت نبيّك (صلى الله عليه وآله وسلم) يُصلّي ركعتين ، ثمّ أبا بكر ، وعمر ، وأنت صدراً من ولايتك!

فما درى ما يرجع إليه ، فقال : هذا رأيٌ رأيتُه!».

ومثله في «كامل» ابن الأثير(٥) .

__________________

(١) ص ١٦٥ ج ٥. منه (قدس سره).

(٢) في باب الصلاة بمنى من أبواب القصر [٢ / ١٠٣ ح ١١٩]. منه (قدس سره).

(٣) في باب قصر الصلاة بمنى [٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٥٦ ج ٥ [٢ / ٦٠٦ حوادث سنة ٢٩ هـ]. منه (قدس سره).

(٥) ص ٥٠ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٣٩ [٢ / ٤٩٤ حوادث سنة ٢٩ هـ]. منه (قدس سره).

٥٦٥

ولا نعرف ما هذا الرأيُ ، إلاّ عدم المبالاة بالدين ، والاجتهاد بالخروج عن الشريعة!

والعجبُ من عائشة أنّها زادت في الطنبور نغمةً ، فصلّت في السفر مطلقاً أربع ركعات!

روى البخاريُّ(١) ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : «الصلاة أوّل ما فُرضت ركعتين ، فأُقرّت صلاةُ السفر ، وأُتِمّت صلاةُ الحضر.

قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تُتِمُّ؟!

قال : تأوّلتْ ما تأوّل عثمان».

ومثله في «صحيح مسلم»(٢) .

وليت شعري ، ما هذا التأوّل؟!

ولعلّ مراد عروة أنّ الإشكال كما يَرِدُ عليها ، يَرِدُ على عثمان قبلها ، فهي ليست أوّل مخالف للسنة الواضحة حتّى تُختصَّ بالانتقاد.

وأمّا ما رواه الفضلُ من اعتذار عثمان ، فمع اضطرابه أنّه لو كان عذراً تاما ، فلِمَ قصّر في صلاته السنين السابقة؟!

مع أنّه لو تمّ عذره ، فإنّما يكون عذراً في الإتمام بمكّة لا بمنى.

وأهل مكّة أنفسهم إذا خرجوا إلى منى قصّروا ، فكيف بغير المقيم بها؟!

قال مالك في «موطّئه» تحت عنوان : «صلاة منى» ، من كتاب الحجّ :

__________________

(١) بعد الباب السابق ببابين [٢ / ١٠٥ ح ١٢٥]. منه (قدس سره).

(٢) في أوّل كتاب صلاة المسافرين وقصرها [٢ / ١٤٣]. منه (قدس سره).

٥٦٦

«أهلُ مكّة يصلّون بمنى إذا حجّوا ركعتين ركعتين ، حتّى ينصرفوا إلى مكة»(١) .

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فالعذر إنّما يأتي في عثمان نفسه ، فما باله حمل الناس جميعاً على الإتمام حتّى صلّى بهم أربعاً؟!

وخيف من خلافه ، وصارت الأربعُ سنةً لبني أُميّة

روى مسلم(٢) ، أنّ ابن عمر كان إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً ، وإذا صلاّها وحده صلّى ركعتين.

بل يظهرُ من بعض الأخبار أنّ عثمان ، كما جعل الإتمامَ بمنى سنةً ، جعلَه سنةً بمكة على الناس عامّة ، سواء نووا الإقامة بمكّة عشرة أيام أم لا!

فقد روى أحمد في «مسنده»(٣) ، عن عبّاد بن عبد الله بن الزبير ، قال : «لمّا قدم علينا معاوية حاجّاً ، قدمنا معه مكّة ، فصلّى بنا الظهر ركعتين ـ إلى أن قال : ـ نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان ، فقالا له : ما عاب أحدٌ ابنَ عمّك بأقبح ما عبتَه به.

فقال لهما : وما ذاك؟!

فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكة؟!

فقال لهما : ويحكما! وهل كان غير ما صنعت؟! قد صلّيتهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومع أبي بكر ، وعمر.

__________________

(١) الموطأ : ٣٧٠ ح ٢١٣.

(٢) في باب قصر الصلاة بمنى ، من الكتاب المذكور [٢ / ١٤٦]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٩٤ ج ٤. منه (قدس سره).

٥٦٧

قالا : فإنّ ابن عمّك قد كان أتمّها ، وإنّ خلافك إيّاه له عيبٌ.

قال : فخرج معاوية إلى العصر فصلاّها بنا أربعاً».

فانظر وتدبّر في هذه الملاعب ، والتهتّك في خلاف الشريعة ، تعرف ما هم عليه من الضلال ، وأنّه ليس للمؤمن أن يعدّهم من المسلمين ، فضلا عن عدّهم في صفوف الأئمة الّذين يجب اتّباعهم!

هذا ، وقد روى الطبريُّ ـ أيضاً ـ أنّ عثمان اعتذر عن إتمامه بمنى بعذر ردّه عبد الرحمن بن عوف

قال بعدما أنكر عليه عبد الرحمن : «يا أبا محمّد! إنّي أُخبرتُ أنّ بعض مَن حجّ مِن أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي : إنّ الصلاة للمقيم ركعتان ، هذا إمامكم يصلّي ركعتين.

وقد اتّخذتُ بمكّة أهلا ، فرأيت أن أُصلّي أربعاً ؛ لخوف ما أخاف على الناس ، وأُخرى قد اتّخذت بها زوجة ، ولي بالطائف مالٌ ، فربّما اطّلعتُه(١) فأقمتُ فيه بعد الصَّدر(٢) .

فقال عبد الرحمن : ما مِن هذا شيء لك فيه عذر

أمّا قولك : (اتّخذتُ أهلا) ، فزوجتك بالمدينة ، تخرجُ بها إذا

__________________

(١) طلَعَ على الأمر طلُوعاً : عَلِمهُ ؛ كاطلَعهُ ؛ واطلَعَ على القوم : هجم عليهم ؛ واطلَعَ على الشيء : أشرف عليه ، واطلَعَ على باطن أمره ؛ واطلَعهُ ـ يتعدّى بنفسه ولا يتعدّى ـ : ظهر له وعلمه ؛ واطلَعَ هذه الأرض : بلغها.

والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنىً واحد ، كما ورد في المتن هنا.

انظر : تاج العروس ١١ / ٣٢١ ـ ٣٢٥ مادّة «طلع».

(٢) الصَّدرُ : الرجوع ؛ الاسم من صَدَرَ عن الماء صَدْراً ومَصْدَراً ومَزْدَراً ؛ إذا رجع ؛ ومنه طواف الصَّدرِ ، وهو طواف الإفاضة ، ولعلّه المقصود في المتن ، أو أنّ المراد هو الرجوع من الحجّ.

انظر : تاج العروس ٧ / ٨٠ مادّة «صدر».

٥٦٨

شئت ، وتقدم بها إذا شئت ، إنّما تسكن بسكناك.

وأمّا قولك : (لي مالٌ بالطائف) ، فإنّ بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال ، وأنت لستَ من أهل الطائف.

وأما قولك : (يرجع [مَن حجَّ] مِن أهل اليمن وغيرهم فيقولون : هذا إمامكم عثمان يصلّي ركعتين وهو مقيمٌ) ، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل عليه الوحيُ ، والناسُ يومئذ الإسلامُ فيهم قليل.

ثمّ أبو بكر مثل ذلك ، ثمّ عمر ، فضرب الإسلامُ بِجِرانه(١) ، فصلّى بهم عمر حتّى مات ركعتين.

فقال عثمان : هذا رأيٌ رأيتُه.

فخرج عبد الرحمن ، فلقي ابنَ مسعود ، فقال : أبا محمّد! غيرُ ما يُعلم.

قال : لا.

قال : فما أصنع؟!

قال : اعملْ بما تعلم.

فقال ابن مسعود : الخلاف شرٌّ»(٢) .

ومثله في «كامل» ابن الأثير(٣) .

وليت شِعري ، ما معنى الرأي بعد انقطاع الحجة؟! وما الداعي

__________________

(١) الجِرانُ : باطن العنق ، وقيل : مقدَّم العنق من مذبح البعير إلى منحره.

ويراد به هنا على المجاز : أنّ الأمر استقام للإسلام واستقرّ.

انظر : لسان العرب ٢ / ٢٦٢ مادّة «جرن».

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٦ حوادث سنة ٢٩ هـ.

(٣) ص ٥٠ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٣٩ [٢ / ٤٩٤]. منه (قدس سره).

٥٦٩

للشرِّ بعد اتّضاح المحجة؟!

ويَرِدُ على عثمان ـ أيضاً ـ : أنّ الكلام في صلاته بمنى أربعاً ، وهي لا تتفرّع على اتّخاذه بمكة أهلا وإقامته بها ، كما عرفت(١) .

وكيف يمكن أن يستدلّ أهلُ اليمن وغيرُهم بصلاة عثمان بمنى ركعتين ، على كون حكم المقيم الصلاة ركعتين ، وهو غير مقيم بها؟!

وكيف تكون صلاته أربعاً رافعةً لوهمهم ، وليست منى محلَّ إقامته؟!

ولو جاز له التمامُ ، فكيف يصحُّ جمع الناس على الأربع لمجرّد ذلك الوهم ، وهم بين مقيم وغير مقيم ، فأبطلَ عملَ الأكثر؟!

ولعمري ، إنّ لسان العذر عن عثمان وبني أبيه لكليلٌ!

فما ضرّ أهل السنة لو اتّبعوا سبيل الإنصاف ، وأقرّوا بالحق لينفعهم( يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ) (٢) ، ويوم يبرأ المتبوع من التابع(٣) ؟!

وأمّا ما أجاب به الخصمُ عن مسألة اللحن ، فلا ربط له بإشكال المصنّف (رحمه الله) ؛ لأنّ مراد المصنّف : أنّ عثمان نسب اللحن إلى القرآن ، وهو جرأةٌ على الله تعالى ، وإثباتُ نقص له ولكتابه ، وفي ذلك خروجٌ عن الإسلام ، وليس مراده أنّه لِمَ لَمْ يغيّر القرآن؟ فإنّ هذا ليس من وظيفة عثمان.

__________________

(١) راجع الصفحتين ٥٦٣ ـ ٥٦٤ ، من هذا الجزء.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٨٨.

(٣) إشارة إلى قوله تبارك وتعالى :( إذ تبرّأ الّذين اتُّبِعُوا مِن الّذين اتَّبَعُوا ورأَوُا العذابَ وتقطّعتْ بهمُ الأسبابُ ) سورة البقرة ٢ : ١٦٦.

٥٧٠

ومن هنا يُعلم أنّ قول الخصم : «لأنّه لغةُ بعض العرب» ، يكون ردّاً لعثمان ، لا جواباً عنه.

وأمّا جوابه عن عمل المِقداد بما رواه عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو مذكورٌ في تتمّة الحديث الذي نقله المصنّف (رحمه الله) عن مسلم

فإنّه رواه في «كتاب الزهد»(١) ، وذكر فيه أنّ المِقداد لمّا حثا الحصباء على وجه مادح عثمان ، قال له عثمان : ما شأنك؟!

قال : «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب».

لكنّ المصنّف (رحمه الله) لم يعتنِ بذِكر هذه التتمّة ؛ لعدم صلوحها لدفع الطعن عن عثمان

فإنّها إنْ أُبقيت على ظاهرها ، كانت كذباً ؛ لأنّ المدح للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأصحابه بينهم كان شائعاً في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالشعر وغيره ، وكان النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يرضى به ويسمعه.

وإنْ صُرفت عن ظاهرها ـ بتقييد المدّاحين بمدّاحي الفسّاق ، أو المدّاحين كذباً ؛ لتجاوزهم في المدح قدر الممدوح ـ كانت مؤكّدة للطعن في عثمان.

أمّا على التقييد الأوّل ؛ فظاهر.

أمّا على الثاني ؛ فلأنّ الواجب على عثمان أن يفعل فِعل المِقداد ، بل هو أَوْلى منه ، فحيثُ لم يفعل ، كان مخالفاً لأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!

على أنّه ما عسى أن يقول المادح لعثمان أكثر من أن يجعله إماماً

__________________

(١) في باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط [٨ / ٢٢٨]. منه (قدس سره).

٥٧١

هادياً مهديا أو نحوه؟!

فإذا أنكر المِقداد بهذا الانكار ، ثبت الطعن في عثمان ؛ لأنّ المِقداد مُسلَّمُ الفضل وعُلُوِّ المنزلة في الدين ، حتّى جاء في صحاح أخبارهم ، أنّه أحدُ الأربعة الّذين يحبّهم الله تعالى ، وأمر نبيّه بمحبّتهم(١) ، وأنّه أحدُ الوزراء النجباء(٢) .

.. إلى غير ذلك مما ورد في فضله(٣) .

__________________

(١) راجع تخريج ذلك في الصفحة ٥٥٩ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

(٢) إشارة إلى ما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّه لم يكن نبيٌّ إلاّ أُعطيَ سبعة نجباء ووزراء ورفقاء ، وإنّي أُعطيت أربعة عشر وعدّه منهم.

انظر : مسند أحمد ١ / ١٤٨ ، المعجم الكبير ٦ / ٢١٥ ـ ٢١٦ ح ٦٠٤٧ ـ ٦٠٤٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٢٨ بترجمة ابن مسعود ، الاستيعاب ٤ / ١٤٨١ رقم ٢٥٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٥٦ ، كنز العمّال ١١ / ٧٥٨ ـ ٧٥٩ ح ٣٣٦٩٠ و ٣٣٦٩١.

(٣) راجع ما مرّ في الصفحة ٥٥٩ هـ ٢ و ٣ ، من هذا الجزء.

٥٧٢

[ جرأة عثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)](١)

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ(٢) :

ومنها : جرأته على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

روى الحميدي في تفسير قوله تعالى :( ولا أنْ تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) (٣)

قال السُدّي(٤) : لمّا توفّي أبو سَلَمة(٥) وخُنيس بن حُذافة(٦) ،

__________________

(١) أثبتناه من «نهج الحقّ».

(٢) نهج الحقّ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٤) تقدّمت ترجمة السُدّيّ المفصّلة ووثاقته عند الجمهور في : ج ٦ / ٢٦٥ هـ ٤ من هذا الكتاب ، وسيأتي وصف حاله من الشيخ المظفّر (قدس سره) في الصفحة ٥٩٤ من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٥) هو : عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر ـ وقيل : عمرو ـ بن مخزوم القرشي ، وأُمّه برّة بنت عبد المطّلب ، فهو ابن عمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وزوج أُمّ سَلمة قبل زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منها ، وكان من السابقين الأوّلين في الإسلام ، أسلم بعد عشرة أنفس ، كان أخا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة ، وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه.

كان أوّل من هاجر إلى المدينة والحبشة ، شهد بدراً ، وجرح بأُحد جرحاً اندمل ، ثمّ انتقض عليه ، فمات منه سنة ٣ أو ٤ هـ.

انظر : الاستيعاب ٣ / ٩٣٩ رقم ١٥٨٩ ، أُسد الغابة ٥ / ١٥٢ رقم ٥٩٧١ ، الإصابة ٤ / ١٥٢ رقم ٥٧٨٦.

(٦) هو : خُنيس بن حُذافة بن قيس بن عديّ بن سعد بن سهم القرشي السهمي ، كان

٥٧٣

وتزوّج النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأتيهما أُمَّ سلمة وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ، ولا ننكح نساءه إذا مات؟!

واللهِ لو قد مات ، لقد أَجْلَبنا(١) على نسائه بالسهام!

وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد أُمّ سلمة.

فأنزل الله تعالى :( وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ولا أن تنكِحوا أزواجَه مِن بعدِه أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً ) (٢)

وأنزل :( إنْ تُبدوا شيئاً أو تُخفوه ) (٣)

وأنزل :( إنّ الّذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهمُ اللهُ في الدنيا والآخرة وأَعدّ لهم عذاباً مهيناً ) (٤) (٥) .

__________________

زوج حفصة قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكان من المهاجرين الأوّلين ، شهد بدراً بعد هجرته إلى الحبشة ، وشهد أُحداً ، ونالته جراحة مات منها بالمدينة ، على رأس خمسة وعشرين شهراً من هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٣٠٠ رقم ٦٨ ، الاستيعاب ٢ / ٤٥٢ رقم ٦٧٩ ، أُسد الغابة ١ / ٦٢٤ رقم ١٤٨٥.

(١) في تفسير القرطبي والطرائف : «أَجلنا».

وأَجلَبُوا عليه : إذا تَجمعُوا وتَأَلّبُوا بالصياح والصخب وغيرهما ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ٣١٤ و ٣١٧ مادّة «جلب».

وأَجَالُوا عليه : إذا طافوا على الشيء في الحرب جيئةً وذهاباً ؛ انظر : لسان العرب ٢ / ٤٢٤ مادّة «جول».

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٤.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٥) لم نجده في «الجمع بين الصحيحين» المطبوع ، وانظر : تفسير السُدّي الكبير : ٣٨٦ ، تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٦٢ ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧ ح ٢٨٦٢٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٣ ـ

٥٧٤

وقال الفضل(١) :

إن صحّ ما رواه ، فإنّهم كانوا لا يعلمون أنّ أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يُنكَحن مِن بعده.

ومن عادة العرب أن يتكلّموا في النساء ، وفي التزوّج بعد الرجال مثل هذا ، وليس فيه قصدُ إيذاء النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل ذكروا هذا الكلام على سبيل عادة العرب ، فأعلمهم الله تعالى بعدم جواز هذا.

وأمّا نزول قوله تعالى :( الّذين يؤذون الله ورسوله ) ، فهو في شأن المنافقين بلا كلام ، وهو يفتري أنّها نزلت فيهما.

__________________

١٧٧٦٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٦٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٦٩ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، زاد المسير ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ـ ٦٤٤ ، مجمع البيان ٨ / ١٥٢ ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٦ الطبعة الحجرية.

٥٧٥

وأقول :

قوله : «كانوا لا يعملون ...» إلى آخره

رجمٌ بالغيب ، والظاهر علمهم ؛ لأنّ الاستفهام في قولهما : «أينكحُ محمّد نساءنا ، ولا ننكح نساءه؟!» للإنكار بالضرورة ، وهو يقتضي معروفية المنع من نكاح أزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إمّا من سنته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو من قوله تعالى :( وأزواجه أُمّهاتُهم ) (١) .

فحينئذ يكون قولهما ردّاً لحكم الله ، وجرأةً على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأراد الله جلّ وعلا تسجيل هذا الحكم بنصّ الكتاب العزيز ، ردعاً لهم ، وبياناً لكون نكاحهنّ من بعده عند الله عظيماً.

ولو سُلّم أنّ الحكم لم يكن معلوماً قبل نزول هذه الآيات ، فلا شكّ بدلالتها على أنّ تعريضَهم بنكاح أزواجه إيذاءٌ له ، وأنّ مَن آذاه ملعونٌ

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

وقد أجمع المسلمون أنّ المراد بهذه الآية الكريمة هو حرمة نكاح أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته إذا طلّق ، ومن بعد وفاته ، على التأبيد ، تشبيهاً لهنّ بالأُمّهات الحقيقيات ، وهنّ في ما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات.

انظر ـ مثلا ـ في بيان نزول الآية الكريمة :

تفسير مقاتل ٣ / ٣٦ ، تفسير الطبري ١٠ / ٢٥٩ ح ٢٨٣٣٩ و ٢٨٣٤١ ، تفسير ابن أبي حاتم ٩ / ٣١١٥ ح ١٧٥٨٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٩ ، الوسيط ٣ / ٤٥٩ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٣٧ ، الكشّاف ٣ / ٢٥١ ، تفسير ابن عطيّة : ١٥٠١ ، زاد المسير ٦ / ١٩٠ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٩٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ٨٢ ، تفسير ابن جزَيّ ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٧ / ٢٠٩ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٥١ ، تفسير الإيجي ٣ / ٣٣٨ ، مجمع البيان ٨ / ١٠٩.

٥٧٦

في الدنيا والآخرة.

قال الرازي : «المراد : أنّ إيذاء الرسول حرامٌ ، والتعرّض لنسائه في حياته إيذاءٌ له ، فلا يجوز»(١) .

على أنّ قولهما المذكور دالٌّ على استيائهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّهما يريدان الانتقام منه ، ولذا عبّرا عنه باسمه ، لا بوصفه بالرسالة ، أو نحوها من صفات الكرامة ، وهذا كاف في الإساءة إليه وإيذائه.

وما ذَكره من عادة العرب ، ممنوعةٌ ، ولو سُلّمت لم تدفع فظاعة قولهما وظهوره في ما ذكرنا.

واعلم أنّه لا ريب بنزول الآية في طلحة ، منفرداً أو منضمّاً إلى عثمان.

ويدلّ على نزولها بطلحة ما سبق في قصة الشورى ، من قول عمر لطلحة : «مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو عليك عاتبٌ ؛ للكلمة التي قلتها»(٢) .

وما نقله السيوطي في «لباب النقول» و «الدرّ المنثور» ، عن ابن سعد ، عن أبي بكر [بن] محمّد بن عمرو بن مخزوم ، أنّها نزلت في طلحة(٣) .

وفيهما ـ أيضاً ـ ، عن ابن أبي حاتم ، عن السُدّي ، أنّها نزلت فيه(٤) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦.

(٢) راجع الصفحة ٣٤٥ ، من هذا الجزء.

(٣) لباب النقول : ١٧٩ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٤ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٦٢.

(٤) لباب النقول : ١٧٩ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٥.

٥٧٧

وزاد في «الدرّ المنثور» مثله ، عن عبد الرزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة(١) .

ونقل السيوطي ـ أيضاً ـ ، عن جماعة ، أنّها نزلت في رجل قال : «لو توفّي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّجتُ فلانة»(٢) .

وسمّى بعضهم عائشة(٣) ، وذكر بعضهم : أنّها ابنة عمّ الرجل(٤) .

والظاهر : أنّ الرجل هو طلحة ؛ لأنّه هو الذي ذكرها في الروايات السابقة ، وقال : «لو توفّي تزوّجتُ عائشة» ، وهو ابن عمّها أيضاً.

ويحتمل أن يراد بالرجل في الرواية التي لم تسمِّ الرجل ولا المرأة : عثمان ؛ فإنّه أحد الرجلين اللذين نزلت فيهما الآية ، برواية السُدّي القويّة عندنا(٥) ؛ لموافقتها لأخبارنا(٦) ، وإنْ تركَ أكثرُ أخبارِ القوم ذِكرَ عثمان ستراً عليه ، ويكفينا نزولها في طلحة ، فإنّه من أركانهم.

وأمّا ما ذكره الفضل ، من أنّه لا كلام في نزول الآية الأخيرة بالمنافقين

__________________

(١) الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ ، وانظر : تفسير عبد الرزّاق ٢ / ١٢٢.

(٢) الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ و ٦٤٤ ، وانظر : تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٤ ، تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧ ح ٢٨٦٢٣.

(٣) انظر : تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٣ و ١٧٧٦٦ ، تفسير الثعلبي ٨ / ٦٠ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، زاد المسير ٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣ و ٦٤٤.

(٤) انظر : تفسير مقاتل ٣ / ٥٣ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣١٥٠ ح ١٧٧٦٥ ، تفسير البغوي ٣ / ٤٦٦ ، تفسير القرطبي ١٤ / ١٤٧ ، الدرّ المنثور ٦ / ٦٤٣.

(٥) انظر : الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣.

(٦) انظر : بحار الأنوار ٣١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

٥٧٨

فمع أنّه مردود بما نقله الحميدي عن السُدّي ، لا يجديه نفعاً ؛ لأنّ لفظ الآية عامٌّ ، فيؤخذ بعمومه وإنْ كان سبب النزول هو المنافقين ، ويدخل فيه طلحة برواية الكثير ، وعثمان برواية السُدي.

فيكون قوله تعالى :( وما كان لكم أن تؤذوا رسولَ الله ) (١) الآية ، مثبتاً لصغرى هي : أنّ طلحة ، أو هو مع عثمان ، ممّن آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويكون قوله تعالى :( إنّ الّذين يؤذون اللهَ ورسولهَ ) (٢) الآية ، كبرى لتلك الصغرى ، فينتج منهما ما لا يخفى عليك!

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

٥٧٩

[إنّ عثمان مطعون في القرآن](١)

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ(٢) :

ومنها : ما رواه السُدي من الجمهور ، في تفسير قوله تعالى :( ويقولون آمنّا بالله وبالرسول وأطعنا ) (٣) الآيات.

قال السُدي : «نزلت هذه في عثمان بن عفّان ؛ قال : لما فتح رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني النضير ، فغنم أموالهم ، قال عثمان لعليّ : ائت رسولَ الله فسَلْهُ أرضَ كذا وكذا ، فإنْ أعطاكها فأنا شريكك فيها ، وآتيه أنا فأسأله إيّاها ، فإنْ أعطانيها فأنت شريكي فيها.

فسأله عثمان أوّلا ، فأعطاه إياها.

فقال له عليٌّ : أشركني؟ فأبى عثمان.

فقال : بيني وبينك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فأبى أن يخاصمه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقيل له : لِمَ لا تنطلق معه إلى النبيّ؟!

فقال : هو ابنُ عمّه ، فأخاف أن يقضي له!

فنزل قوله تعالى :( وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ) (٤) إلى قوله تعالى :

__________________

(١) أثبتناه من «نهج الحقّ».

(٢) نهج الحقّ : ٣٠٥.

(٣) سورة النور ٢٤ : ٤٧.

(٤) سورة النور ٢٤ : ٤٨.

٥٨٠