دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 80669
تحميل: 2039


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80669 / تحميل: 2039
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

( أُولئك همُ الظالمون ) (١) .

فلمّا بلغ عثمان ما أنزل الله فيه ، أتى النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرّ لعليّ بالحق»(٢) .

__________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٥٠.

(٢) انظر : الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ عن السُدي ، تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ / ٨٣.

٥٨١

وقال الفضل(١) :

هذه الكلمات والمفتريات من تفاسير الشيعة.

وأمّا المفسّرون من أهل السنة ، ذكروا أنّها نزلت في شأن المنافقين ، لمّا لم يرضوا بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقالوا للزبير ـ عند المخاصمة والرفع إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحكم النبيّ للزبير ـ : إنّه كان ابنَ عمّتك! فأنزل الله هذه الآيات.

وآثار الكذب والافتراء على هذه الكلمات لائحٌ لمن له أدنى درية في معرفة الحديث والأخبار.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٦ الطبعة الحجرية.

٥٨٢

وأقول :

لا محلّ لكلامه بعد كون السُدي من مشاهير مفسّريهم وقدمائهم ، كما ستعرف(١) .

وأمّا ما نسبه إلى مفسّريهم ، فالظاهر أنّه كاذبٌ فيه ؛ لأنّ الرازي لم يذكره في تفسيره ، الذي هو أجمع كتبهم لأقوالهم ، ولا سيّما إذا تعلّقت بمكرمة أحد أوليائهم.

وإنّما نقل فيه ثلاثة أقوال ، عن مقاتل ، والضحّاك ، والحسن ، وليس هذا منها(٢) .

كما لم يذكره السيوطي في «الدرّ المنثور» ، وهو أجمع تفاسيرهم للأخبار(٣) .

ويقرِّب كذبَ الخصم اضطرابُ الأمر عليه ، فقال : «إنّه كان ابن عمتك».

ولو صحّ الحديث ، لقالوا للزبير : إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ابنَ خالك ، أو : كنتَ ابنَ عمته!

__________________

(١) سيأتي ذلك في الصفحة ٥٩٤ ، من هذا الجزء.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ٢١.

(٣) انظر : الدرّ المنثور ٦ / ٢١٣.

٥٨٣

أراد عثمان أن يتهود

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ(١) :

ومنها : ما رواه السُدِّي في تفسير قوله تعالى :( يا أيّها الّذين آمنوا لا تّتخذوا اليهود والنصارى أولياءَ بعضهمُ أولياءُ بعض ) (٢) الآية.

قال السُدِّي : «لمّا أُصيب النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأُحد ، قال عثمان : لألحقنَّ بالشام ، فإنّ لي به صديقاً من اليهود ، فلآخذنّ منه أماناً ، فإنّي أخافُ أن يدالَ علينا اليهود.

وقال طلحة بن عبيد الله : لأخرجَنّ إلى الشام ، فإنّ لي به صديقاً من النصارى ، فلآخذنّ منه أماناً ، فإنّي أخاف أن يدال علينا النصارى.

قال السُدي : فأراد أحدُهما أن يتهود ، والآخر أن يتنصّر.

قال : فأقبل طلحة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عليٌّ ، فاستأذنه طلحةُ في المسير إلى الشام ، وقال : إنّ لي بها مالا ، آخذه ثمّ أنصرف.

فقال له النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن مثلها مِن حال تخذلنا ، وتخرج وتدعنا؟!

فأكثر على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاستئذان ، فغضب عليٌ (عليه السلام) ، وقال : يا رسول الله! ائذن لابن الحضرميّة ؛ فوالله لا عزَّ مَن نصرَهُ ، ولا ذلَّ من خذله.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.

٥٨٤

فكفّ طلحةُ عن الاستئذان عند ذلك ، فأنزل الله تعالى فيهم :( ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا بالله جَهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم ) (١) يعني : أُولئك(٢) .

يقول : إنّه يحلف لكم أنّه مؤمنٌ معكم ، فقد حبط عمله بما دخل فيه من أمر الإسلام حتّى نافق فيه»(٣) .

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٥٣.

(٢) المراد من قوله تعالى ـ حكاية عن قول المؤمنين ـ : (أهؤلاء) ، أي أُولئك النفر الّذين نافقوا ، المذكورون في الرواية.

(٣) انظر : تفسير السُدي الكبير : ٢٣١ ، تفسير مقاتل ١ / ٣٠٥ ، تفسير الطبري ٤ / ٦١٦ ح ١٢١٦٥ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ـ ١١٥٦ ح ٦٥٠٧ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٦ ، زاد المسير ٢ / ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ / ١٤٠ ، تفسير الخازن ١ / ٤٦٥ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٥ ، الدرّ المنثور ٣ / ٩٩ ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٤.

٥٨٥

وقال الفضل(١) :

اتّفق جميعُ أهل التفسير ، أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت ، وعبد الله بن أُبَيّ بن سلول ، حين قال عبادة لعبد الله ـ وكان عبادةُ مؤمناً خالصاً ، وكان عبد الله منافقاً ـ : إنّي تركت كلّ مودّة وموالاة كانت لي مع اليهود ، ونبذت كلّ عهد لي كان معهم.

وقال عبد الله : لا أترك مودّة اليهود وموالاتهم وعهدهم ؛ فإنّي أخشى الدوار ، وينفعني موالاتهم.

فأنزل الله تعالى :( يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياءَ بعضُهم أولياءُ بعض ) (٢) الآية(٣) .

فأخذ الروافض هذا وجعلوه في حقّ كبار الصحابة ، وقد أنزله الله في شأن المنافقين ؛ كالخوارج الّذين جعلوا الآيات التي نزلت في شأن اليهود والنصارى ، حجّةً على الخروج على الإمام وأَوّلوه في أهل القِبلة.

وكلُّ ذلك خطأٌ.

وأمّا ما ذكره في شأن نزول الآية ، أنّها نزلت في عثمان وطلحة ،

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٧ الطبعة الحجرية.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.

(٣) انظر : تفسير الطبري ٤ / ٦١٥ ـ ٦١٦ ح ١٢١٦٢ ـ ١٢١٦٤ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ح ٦٥٠٦ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٥ ـ ٧٦ ، زاد المسير ٢ / ٢٢٣ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٧ ، تفسير القرطبي ٦ / ١٤٠ ، تفسير الخازن ١ / ٤٦٥ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٥ ، الدرّ المنثور ٣ / ٩٨.

٥٨٦

فكذبه ظاهرٌ في غاية الظهور ؛ لأنّ طلحة في غزوة أُحد ابتُلي بلاءً حسناً ، حتّى إنّ يده شُلّت لمّا جعلها فداءً لوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين تفرّق الأصحاب ، فحمى طلحةُ وجهَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيف بيده ، وقطعت يده.

ومن المقرَّرات أنّه ابتُلي يوم أُحد بما لم يبتل به أحدٌ من المسلمين.

ثمّ إنّه يذكر طلحةَ كان يريد الفرار إلى الشام ليتنصّر ، أُفّ له من كذّاب مفتر.

وأمّا عثمان ، فإنّه كان مزوَّجاً بابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان يترك بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد سوابق الإسلام ، ويريد التهوّد من إدالة اليهود على الحجاز؟!

وأيُّ ملك كان يهودياً في الشام ، حتّى يستولي على الحجاز؟!

ثمّ إنّه لِمَ لَم يرجع إلى أبي سفيان ويستأمن منه ، وهو ابن عمّه ، وكان كلُّ المخافة ـ التي يدّعيها ـ من أهل مكّة ، وكان أبو سفيان رئيس قريش ، وسيّد الوادي؟!

والغرض : إنّ هذا الجاهل بالأخبار وأضرابه ـ من السُدي ، وغيره من رفضَة حِلّة ـ لا يعلمون الوضع ، ولا يخافون الافتضاح عند العلماء.

والحمد لله الذي فضح ابن المطهّر في مطاعنه ، بما وفّقنا من ردّ ما ذكرَ من المطاعن ، بالدلائل العقليّة ، والبراهين النقليّة ، بحيث لا يرتاب أحدٌ ممّن ينظر في هذا الكتاب ، أنّه على الباطل ، وأنّنا على الحقِّ الأبلج ، وصار مطاعنه ملاعنه.

ونِعمَ ما قلتُ شعراً [من الوافر] :

٥٨٧

أَجَبنا عن مطاعنِ رافضيّ

على الأخلافِ والأصحابِ طاعنْ

فَيَلْعَنُهُ الذَّكيُّ إذا رآهُ

فصيّرْنا مطاعِنهُ ملاعنْ

والحمد لله على هذا التوفيق.

٥٨٨

وأقول :

عُبادةُ هذا : عَقَبيٌّ بدريٌّ أُحديٌّ شَجَريٌّ(١) ، شهد المشاهد كلّها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال في «أُسد الغابة» : شهد العقبة الأُولى والثانية ، وشهد بدراً ، وأُحداً ، والخندق ، والمشاهدَ كلّها.

وكان أحد نقباء الأنصار ، بايع رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا يخاف في الله لومة لائم»(٢) .

وروى الحاكم ـ وصحّحه مع الذهبيِّ ـ على شرط الشيخين ، في مناقب عبادة(٣) ، عن عبادة ، قال : «بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا نخاف في الله لومة لائم».

وكأنّه لوفائه بهذه البيعة رُويت عنه القصّة التي ذكرها الخصمُ.

وأنكر على معاوية منكَراته ، في أيّام عمر وبعده

روى الحاكم(٤) ، عن قبيصة بن ذؤيب ، أنّ عبادة أنكر على معاوية

__________________

(١) أي من أصحاب بيعة الشجرة.

وهو : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الخزرجي ، كان عبادة رجلا طوالا جسيماً جميلا ، وهو أوّل من وليَ قضاء فلسطين ، توفّي سنة ٣٤ هـ ببيت المقدس ، ودُفن بها ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٢٧١ رقم ٣٦٩٤ ، الاستيعاب ٢ / ٨٠٧ رقم ١٣٧٢ ، أُسد الغابة ٣ / ٥٦ رقم ٢٧٨٩.

(٢) أُسد الغابة ٣ / ٥٦ و ٥٧ رقم ٢٧٨٩.

(٣) ص ٣٥٦ ج ٣ [٣ / ٤٠١ ح ٥٥٢٦]. منه (قدس سره).

(٤) ص ٦٥٥ ج ٣ [٣ / ٤٠٠ ح ٥٥٢٣]. منه (قدس سره).

٥٨٩

أشياء ، ثمّ قال له : لا أُساكنك بأرض ؛ فرحل إلى المدينة.

فقال له عمر : ما أقدمك إليّ؟! لا يفتح الله أرضاً لستَ فيها أنت وأمثالك ، انصرف لا إمرة لمعاوية عليك!

وروى أحمد في «مسنده»(١) ، أنّ عبادة قال لأبي هريرة : «يا أبا هريرة! إنّك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إنّا بايعناه على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن نقول في الله ولا نخاف لومة لائم فيه ، وأن ننصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولنا الجنّةُ.

فهذه بيعةُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي بايعنا عليها ، فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفّى الله بما بايع عليه نبيّه.

فكتب معاوية إلى عثمان : إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد علَيَّ الشام وأهله ، فإمّا تكنّ إليك عبادة ، وإمّا أُخلّي بينه وبين الشام.

فكتب إليه أن رحل عبادة ـ إلى أن قال : ـ فلم يفجأ عثمانُ إلاّ وهو قاعدٌ في جنب الدار ، فالتفت إليه ، فقال : يا عبادة بن الصامت! ما لنا ولك؟!

فقام عبادةُ بين ظهريّ الناس ، فقال : سمعتُ رسول الله أبا القاسم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :إنّه سيلي أموركم بعدي رجالٌ يُعرِّفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تعتلوا بربّكم ».

__________________

(١) ص ٣٢٥ ج ٥. منه (قدس سره).

٥٩٠

وروى الحاكم ، عن عبادة ، نحو هذا الخبر الذي أخبر به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ظهريّ الناس(١) .

فيا رحمَ الله عبادة ، ولقّاه رحمةً ورضواناً ، كأنّه أبو ذرّ في إنكاره المنكَر ، وابتلائه ببني أُميّة.

لكنّه نال في الجملة من عمر أن لا إمرة لمعاوية عليه ، وإن لم يعزل معاوية عن سلطانه الذي تسلّط به على المنكَرات ، وعزّ على عبادة مساكنته معها ، وكان حقاً على عمر أن يعزل معاوية لأجلها.

وقد أراد عبادةُ بروايته المذكورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّ عثمان ومعاوية من الولاة الذي يأمرون بالمنكَر ، وينكرون المعروف ، وأنّهم عصاة لله لا طاعة لهم ؛ وهذا من أكبر الطعن بعثمان.

كما أنّ قول عثمان : «ما لنا ولك؟!» ، دالٌّ على أنّ إنكار عبادة للمنكَر مناف لسلطانه ، ومضرٌّ بشؤونه!

ثمّ إنّ دعوى الخصم اتّفاق جميع المفسّرين على نزول الآية في عبادة وابن سلول

كاذبةٌ ؛ لِما في «الدرّ المنثور» ، عن ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة ـ الذي هو من أكبر مفسّريهم ـ أنّه قال في جملة كلام له في تفسير الآية : «كان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام»(٢) .

وفيه ـ أيضاً ـ ، عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السُدِّي ، نحو ما ذكره المصنّف (رحمه الله) ، إلاّ أنّه لم يسمّ الرجلين اللذين خافا أن يدال اليهود

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٠١ ح ٥٥٢٨.

(٢) الدرّ المنثور ٣ / ٩٩.

٥٩١

والنصارى ، وأراد أحدهما التهود ، والآخر التنصر(١) .

والظاهر أنّه من إرادة الراوي عن السُدِّي السترَ على الرجلين ، وإلاّ فقد نقل المصنّف (رحمه الله) ، أنّه سمّاهما.

وبالجملة : طلحةُ في قول عكرمة والسُدِّي ممّن نزلت فيه الآية ، واختلفا في الآخر ، فقال عكرمة : هو الزبير ، وقال السُدِّي : هو عثمان ، على ما حكاه المصنّف (رحمه الله) عنه.

وأمّا ما استدلّ به الخصم على كذب نزولها في طلحة ، من أنّه ابتُلي بلاءً حسناً حتّى شُلّت يده

فباطلٌ ؛ لِما عرفت في مطلب جهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ كثيراً من أخبارهم دالّةٌ على فرار طلحة ، فأيُّ ابتلاء له لولا دعواه؟!

وعرفتَ أنّ الشلل ـ وما هو أعظم منه ـ قد يقع حال الهزيمة(٢) .

ومن المضحك أنّه مرّة يقول : «شُلّت يده» ، وأُخرى يستحقر ذلك فيقول : «قُطعت يده» ، مع عدم وروده في شيء من أخبارهم ، وقد ورد فيها أنّه شُلّ إصبعه(٣) .

وزعم أيضاً : أنّه وقى وجه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيف ؛ ليكون أمكن في مدح طلحة وشجاعته.

ولم أجد في أخبارهم ذِكر السيف ، وإنّما رووا عنه أنّه وقاه من

__________________

(١) الدرّ المنثور ٣ / ٩٩ ، وانظر : تفسير السُدي الكبير : ٢٣١ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ـ ١١٥٦ ح ٦٥٠٧.

(٢) راجع : ج ٦ / ٤١٠ ـ ٤١٣ ، من هذا الكتاب.

(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦٢ ، الاستيعاب ٢ / ٧٦٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٦٨.

٥٩٢

السهم(١) .

وأما ما استدلّ به على عدم نزولها بعثمان

فليس في محلّه أيضاً ؛ لأنّ تزويجه ببنت النبيّ أو ربيبته ، لا يمنعه من التوسّل إلى حفظ نفسه العزيزة جبناً ؛ ولذا فرّ ، ولم يعد إلاّ بعد ثلاثة أيام وحصول الأمان(٢) .

وقوله : «أيُّ يهودي كان ملِكاً بالشام؟!»

خطأٌ نشأ من عدم فهم الرواية ، فإنّ معناها : أنّه أراد أن يأخذ أماناً من صديقه اليهودي ؛ ليتّخذه وسيلة عند يهود الحجاز ، وذلك لا يستدعي كونه ملِكاً ، بل يكفي أن يكون وجيهاً مرعيَّ الجانب عند يهود الحجاز ، الّذين خاف عثمان أن تكون لهم الدولة.

وطلب ابن سلول ـ مع شرفه ـ مودّتهم خشية الدوار ، كما ذكره الخصمُ.

وأما قوله : «لِمَ لم يرجع إلى أبي سفيان ...» إلى آخره

ففيه : إنّ الرجوع إليه لا يمكن إلاّ بالمجاهرة بعداوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ إذ لا علّة له في الذهاب إلى مكّة ، كما يتعلّل بالمال والتجارة لو ذهب إلى الشام ، كما تعلّل به طلحة.

ولو جاهر بعداوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، خاف أن تكون له الدولة فتناله العقوبة!

__________________

(١) انظر : الاستيعاب ٢ / ٧٦٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٦٨.

(٢) انظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤.

وراجع : ج ٦ / ٤٠٠ ، من هذا الكتاب.

٥٩٣

على أنّه يجوز أن يكون عثمان يعلم أنّ أبا سفيان لم يقبله بأوّل وهلة ، فيناله التحقيرُ الكثير ، فاختار أيسر الطريقين.

وأما ما نسبه إلى السُدي من الرفض

ففيه : أنّ السُدِّي ، وهو : إسماعيل بن عبد الرحمن ، من قدماء مفسِّريهم ومشاهيرهم(١) ، ولا تخلو تفاسيرهم من أقواله ، إلاّ ما يضرُّ بشؤون خلفائهم.

وقد روى عنه جميع أرباب صحاحهم الستّة ، إلاّ البخاريّ.

وقال ابنُ حجر في «التقريب» : صدوق(٢) .

وقال في «تهذيب التهذيب» : قال العجليُّ : ثقةٌ ، عالمٌ بالتفسير ، راويةٌ له.

وقال أحمد : ثقة.

وقال يحيى بن سعيد القطّان : ما رأيت أحداً يذكره إلاّ بخير ، وما تركه أحد.

وقال ابنُ عديِّ : هو عندي مستقيم الحديث ، صدوق(٣) .

وذكر أكثر هذا في «ميزان الاعتدال» ، وقال : رُميَ بالتشيّع(٤) .

__________________

(١) انظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٦١ رقم ١١٤٥ ، الجرح والتعديل ٢ / ١٨٤ رقم ٦٢٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٤ رقم ١٢٤ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩.

وقد تقدّمت ترجمته المفصّلة ووثاقته عند الجمهور في : ج ٦ / ٢٦٥ هـ ٤ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٩٧ رقم ٤٦٤.

(٣) تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ـ لابن عديّ ـ ١ / ٢٧٨ رقم ١١٦.

(٤) ميزان الاعتدال ١ / ٣٩٥ رقم ٩٠٨.

٥٩٤

أقول :

لا يبعد أنّ المنشأ في هذا الرمي ، روايتُه لبعض تلك المطالب في خلفائهم ، وبعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما رموا الحاكم والنسائيّ وغيرهما بالتشيّع(١) ؛ لأنّهم يجدون لهم إنصافاً في الجملة ، وهو خلاف طريقتهم ؛ إذ لا يقنعهم من الرجل إلاّ أن يروا عليه أثر النصب في جميع أقواله وأفعاله ، وأن لا يتعرّض لرواية شيء من مساوئ خلفائهم وأوليائهم ، حتّى لو وقعت منه صدفةً ، وكان ما رواه مشهوراً.

ولو فُرضَ أنّ السُّدِّي من الشيعة ، فما ضرّه بعدما احتجّ به أهلُ صحاحهم ، ووثّقه علماؤهم ، كما عرفت.

وأما قوله : «لا يعلمون الوضع»

فصحيحٌ ؛ فإنّا بحمد الله لا نستحلّه ولا نألفه ، ولا ننقل شيئاً عنهم إلاّ بعد أن نراه ، وقد أوقفناك على محالِّ النقل من كتبهم ، فإنْ صدقوا في روايتها ، فهو المطلوب ، وإنْ كذبوا ، فالذنب منهم وعليهم ، ولسنا مثلهم نختلقُ ما لا أصلَ له ، كما عرفته من هذا الخصم مراراً.

وما زالوا يكذبون على الشيعة ، وينسبون إليهم ما لا أثر له في كتبهم ، ولا يمرُّ على بال أحد منهم(٢) !

__________________

(١) انظر : سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣ رقم ٦٧ ترجمة النسائي وج ١٧ / ١٦٥ و ١٦٨ رقم ١٠٠ ترجمة الحاكم النيسابوري.

وراجع : ج ١ / ٢٣ ـ ٢٤ ، من هذا الكتاب.

(٢) جاء في النسخة المخطوطة ـ هنا ـ ما نصه :

وأما ما زعمه من ردّ ما ذكره المصنّف ، فقد وكلناه إلى إنصاف الحكم.

وما قاله من الشعر غلط على سفالته ؛ لأنّه أراد بالأخلاف : الخلفاء ، وقد

٥٩٥

__________________

ذكر في «القاموس» [٣ / ١٤١ مادّة «خلف»] أنّ الأخلاف هم العبيد أو الأولاد ، المختلفون بالطول والقصر ، أو البياض والسواد.

وينبغي أن نعرض عن معارضة شعره بمثله ، بل نمدح المصنّف بما هو حقيق فيه ، ونقول :

أحاميةَ الهدى! ما زِلتَ تُصْمي

بمزْبَرِكَ العُداةَ ولا تُداهِنْ

ب ـ «نهجِ الحقّ» سِرْتَ لهم دليلا

وجُزْتَ مَخاوفاً في قلبِ آمنْ

لقد شَكرَ الإلهُ لكَ المَساعي

فما شُكري وسخطُ ذَوي الضغائنْ؟!

منه (قدس سره).

نقول :

يقال : أَصْمَيْتَ الصيدَ إذا رميتَه فقتَلتَه وأنت تراه ، وأَصْمى الرَّمِيّة : أَنفذَها ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٤١٥ مادّة «صما».

والمزْبَرُ : القلم ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ١١ مادّة «زبر».

٥٩٦

الفهرس المحتويات

[المطلب الأوّل] ٧

تسمية أبي بكر بخليفة رسول الله ٧

المطلب الأوّل ٧

في المطاعن التي رواها السُنّة في أبي بكر ٧

وقال الفضل : ٩

وأقول : ١٠

أبو بكر في جيش أُسامة ١٥

وقال الفضل : ١٦

وأقول : ١٧

قول أبي بكر : إنّ لي شيطاناً ٢٣

وقال الفضل : ٢٤

وأقول : ٢٥

بيعة أبي بكر فلتة ٣٢

وقال الفضل : ٣٣

وأقول : ٣٥

قول أبي بكر : أقيلوني ٤٣

وقال الفضل : ٤٤

وأقول : ٤٥

تشكيك أبي بكر ٥١

في حقّ الأنصار بالخلافة ٥١

وقال الفضل : ٥٢

وأقول : ٥٣

تمنّيات أبي بكر ٥٦

وقال الفضل : ٥٧

٥٩٧

وأقول : ٥٨

أبو بكر لم يُوَلَّ شيئاً من الأعمال ٦٠

وقال الفضل : ٦١

وأقول : ٦٤

منع فاطمة إرثها ٧٢

وقال الفضل : ٧٦

وأقول : ٨٢

طلب إحراق بيت عليّ ١٣٢

وقال الفضل : ١٣٧

وأقول : ١٤٨

المطلب الثاني ١٧٩

قصة الدواة والكتف ١٧٩

المطلب الثاني ١٧٩

في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطّاب ١٧٩

وقال الفضل : ١٨١

وأقول : ١٨٣

إيجابه بيعة أبي بكر ٢٠٠

وقصد بيت النبوّة بالإحراق ٢٠٠

وقال الفضل : ٢٠٢

وأقول : ٢٠٣

إنكاره موت النبيّ ٢٠٦

وقال الفضل : ٢٠٧

وأقول : ٢٠٩

لولا عليٌّ لهلك عمر ٢١٤

وقال الفضل : ٢١٥

وأقول : ٢١٦

٥٩٨

منعه من المغالاة في المهر ٢٢٠

وقال الفضل : ٢٢٢

وأقول : ٢٢٤

قصة تسوّر عمر على جماعة ٢٣٠

وقال الفضل : ٢٣٢

وأقول : ٢٣٤

أُعطيات عمر من بيت المال ٢٤١

وقال الفضل : ٢٤٣

وأقول : ٢٤٥

تعطيل حدّ المغيرة بن شعبة ٢٥٠

وقال الفضل : ٢٥٢

وأقول : ٢٥٤

مفارقات عمر في الأحكام ٢٧٠

وقال الفضل : ٢٧١

وأقول : ٢٧٢

تحريم عمر متعة النساء ٢٨٢

وقال الفضل : ٢٨٧

وأقول : ٢٨٩

تحريم عمر لمتعة الحجّ ٣١٦

وقال الفضل : ٣١٧

وأقول : ٣١٨

قصة الشورى ٣٢٩

وقال الفضل : ٣٣٣

وأقول : ٣٣٧

٥٩٩

مخترعات عمر ٣٥٨

وقال الفضل : ٣٦٢

وأقول : ٣٦٩

المطلب الثالث ٤٠٩

ما رواه الجمهور في حقّ عثمان ٤٠٩

المطلب الثالث ٤٠٩

في المطاعن التي رواها الجمهور عن عثمان ٤٠٩

وقال الفضل : ٤١٤

وأقول : ٤١٥

إيواؤه الحكم بن أبي العاص ٤٣٢

وقال الفضل : ٤٣٥

وأقول : ٤٣٧

إيثار عثمان لأهل بيته بالأموال العظيمة ٤٤١

وقال الفضل : ٤٤٣

وأقول : ٤٤٥

ما حماه عن المسلمين من الماء والكلأ ٤٥٤

وقال الفضل: ٤٥٥

وأقول : ٤٥٦

صرفه للصدقة في غير وجهها ٤٥٨

وقال الفضل : ٤٥٩

وأقول : ٤٦٠

ضربُه لعبد الله بن مسعود ٤٦٣

وقال الفضل : ٤٦٤

وأقول : ٤٦٥

٦٠٠