دلائل الصدق لنهج الحق الجزء ٧

دلائل الصدق لنهج الحق0%

دلائل الصدق لنهج الحق مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: مفاهيم عقائدية
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601

دلائل الصدق لنهج الحق

مؤلف: الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف:

ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: 601
المشاهدات: 80681
تحميل: 2041


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80681 / تحميل: 2041
الحجم الحجم الحجم
دلائل الصدق لنهج الحق

دلائل الصدق لنهج الحق الجزء 7

مؤلف:
ISBN: 964-319-360-8
العربية

وقال الفضل(١) :

دعوى عدم توليته دعوى زور باطل ، مخالف للمتواتر ؛ فإنّه لا نزاع بين أحد في أنّ أبا بكر كان وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يصدر في شيء ولا يقدم على أمر إلاّ عن رأيه ومشاورته.

وكان أمير المؤمنين عليٌّ يقول : كثيراً ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وجئتُ أنا وأبو بكر وعمر ، وقلتُ أنا وأبو بكر وعمر»(٢) .

فلا أمر في الإسلام ، ولا تولية ، ولا عزل ، إلاّ برأيهما ومشاورتهما.

ثمّ إنّه في معظم الغزوات كان أبو بكر صاحب راية المهاجرين ؛ وكان في غزوة تبوك ، آخر غزوة غزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما اجتمع له من العساكر في غزوة مثل ما اجتمع في هذه الغزوة ، وكان صاحب الراية الكبرى أبا بكر الصدّيق.

ثمّ إنّه تولّى الحجّ في سنة تسع من الهجرة.

وأمّا بعث عليّ بقراءة سورة براءة ونبذ العهود ، فقد ذكرنا سببه(٣) .

ثمّ نقول لهذا الرجل العامّيّ ، الجاهل بالأخبار والآثار :

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٩٥ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٥ / ٧٤ ـ ٧٥ ح ١٧٤ وص ٧٧ ح ١٨١ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٢ ، السنة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٩ ح ١٢١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧١ ح ٤٤٢٧ ، كنز العمّال ١٣ / ٧ ح ٣٦٠٩٢.

(٣) انظر : ج ٦ / ٦٢ ـ ٦٣ ، من هذا الكتاب.

٦١

كان أبو بكر يُستصلَح لإقامةِ الدين من أوّل نشوء الإسلام إلى آخره وإظهارِ آثار النبوّة

أتزعم أنّه لم يقدر على قراءة عشر من القرآن على العرب ، وهو أمير الحجّ ونائب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحجّ؟!

ومِن غاية جهلك بالأخبار أنّك تدّعي أنّه لمّا لحقه عليٌّ رجع قبل الحجّ!

فيا أيّها الجاهل! مَن حجَّ تلك السنة إنْ رجع أبو بكر؟!

أتدّعي أنّ عليا كان أمير الحاجّ تلك السنة وتخالف المتواتر ، أم تدّعي أنّه لم يحجّ في سنة تسع أحد؟!

وكل هذا من جهلك وبغضك!

أمَا تستحي مِن ناظر في كتابك يا سفيه البطاط(١) ؟!

ثمّ من تولّى الإمامة والصلاة بالمسلمين أيام مرض

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولا يستقيم معه الكلام ، وهو غير بعيد من الفضل وفصاحته!

والبَطُّ : شَق الدملِ والخُراجِ ونحوهما ، وبَطَّ الجرْحَ وغيرَه ، يَبُطهُ بَطاً : شَقهُ.

والبِطاطُ جمع البَطّة ؛ واحدة البَطِّ للأُوَزّ ، أعجميٌّ معرّب ؛ والبَطةُ بلغة أهل مكة : الدبّةُ ؛ لأنّها تُعمل على شكل البطّة من الحيوان ، أو إناءٌ كالقارورة يُوضع فيه الدهن وغيره ؛ والبَطّاطُ : مَن يصنعها.

والبَطيطُ : العَجَبُ والكذِبُ والداهية.

والبُططُ : الحمقى ، والكذِبُ ، والأعاجيبُ ، يقال : جاء بأمر بَطيط أي عجيب.

والبَطبَطةُ : ضعف الرأي.

انظر مادّة «بطط» في : لسان العرب ١ / ٤٣١ ـ ٤٣٢ ، تاج العروس ١٠ / ١٩٨ ـ ٢٠٠.

٦٢

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

أتدّعي أنّه لم يصلِّ بالناس؟! أَوَلَمْ يأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة في أيام المرض؟!

وكلّ هذا ـ ممّا يدّعيه ـ باطلٌ ومخالفٌ لصحاح الأخبار الجارية مجرى المتواترات.

وأيّ ولاية أتمُّ من ولاية الصلاة؟! وقد قال ابن عبّاس : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يصلِّ خلف أحد من أُمته ـ ما خلا عبد الرحمن بن عوف في ركعة من السفر(١) ـ إلاّ أبو بكر الصدّيق.

ثمّ إنّك لا تستصلحه لولاية أمر من الأُمور؟! أُفّ وويلٌ لك يا أعرابيّ ، الجافُّ الجاهل!

__________________

(١) انظر ما رووه في ما يخصّ صلاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف عبد الرحمن بن عوف :

صحيح مسلم ١ / ١٥٩ ، سنن أبي داود ١ / ٣٦ ـ ٣٧ ح ١٤٩ وص ٣٨ ح ١٥٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٩٢ ح ١٢٣٦ ، سنن النسائي ١ / ٦٣ ـ ٦٤ و ٧٧ ، مسند أحمد ٤ / ٢٤٤ و ٢٤٧ ـ ٢٥١ ، الموطأ : ٣٦ ـ ٣٧ ح ٤٣ ب ٨ ، مسند الطيالسي : ٣٠ رقم ٢٢٣ وص ٩٥ رقم ٦٩١ ، الأُمّ ١ / ٢٨٠ و ٣٠٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٩٥ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٩ ح ١٠ ، أمالي المحاملي : ٢٥٨ ح ٢٥٠ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٤٢٦ ـ ٤٢٩ ح ١٠٣١ ـ ١٠٣٤ و ١٠٣٧ و ١٠٣٩ وص ٤٣٢ ـ ٤٣٣ ح ١٠٥١.

٦٣

وأقول :

من الواضح أنّه لا يصحّ الاستدلال على خصم إلاّ بما هو حجةٌ عليه.

ولذا ترى المصنّف (رحمه الله) يستدلّ على القوم بأخبارهم ونحوها ممّا هو حجّة عليهم ، ولا يذكر شيئاً من أخبارنا ، مع أنّها أصرح في مطلوبه وأصحّ عنده.

وحينئذ : فما رواه الخصم من أعمال أبي بكر حقيق بالإعراض عنه.

على أنّ كلّ ما ذكره باطل في نفسه

أما دعوى عدم النزاع لأحد في أنّ أبا بكر كان وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

فمهزأةٌ عند الشيعة ، وممنوعة عند كثير من السنة وأكثر علمائهم وأرباب صحاحهم ، فإنّهم لم يرووا حديث الوزارة ، ولو كان له نوعُ صحة عندهم لاهتمّوا بذِكره وصيّروه أصحّ الأخبار.

نعم ، رواه الترمذي ـ واستغربه ـ بلفظ ظاهر الكذب ؛ وهو أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال : «ما مِن نبيّ إلاّ وله وزيران من أهل السماء ، ووزيران من أهل الأرض ؛ فأمّا وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل ، وأمّا وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر»(١) .

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٧٦ ح ٣٦٨٠.

٦٤

ولا شكّ بكذبه ؛ لأمرين :

الأوّل : إنّه لم يُسمع أن تكون الملائكة وزراء للأنبياء ـ ولا سيّما على وجه الكلّية ـ ، ولو كان الأمر كذلك لاستفاض نقله ، وما خفي حاله ؛ لكونه من العجائب.

الثاني : إنّ صحاحهم جاءت بقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ (عليه السلام) : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى » ؛ فيكون وزيراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(١) .

فإذا خصّت رواية الترمذي الوزارة بالشيخين ، كانت كاذبةً جزماً ؛ لمعارضتها بالقطعي.

وأمّا قوله : «لا يصدر في شيء ولا يقدم على أمر إلاّ عن رأيه ومشورته»

فمن الكذب الظاهر أيضاً ، بل الموجب للكفر ؛ لإفادته النقص في سيّد النبيّين!

فأيّ نقص فيه أعظم من نسبته إلى الحاجة إلى أبي بكر حتّى يلقّنه في كلّ شيء ، ويوقفه على كلّ أمر؟!

على أنّ المنشأ في هذا الزعم إنْ كان هو دعوى الوزارة ، فقد عرفت منعها ، مع أنّها لا تقتضيه.

وإنْ كان ما رووه في نزول قوله تعالى :( وشاورهم في الأمر ) (٢) بأبي بكر وعمر(٣)

__________________

(١) راجع مبحث حديث المنزلة في : ج ٦ / ٨٠ ـ ٨٨ ، من هذا الكتاب.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١٥٩.

(٣) انظر : الدرّ المنثور ٢ / ٣٥٩ ، وقد مرّ تخريج ذلك مفصلا في ج ٦ / ٤١٨ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!

٦٥

فمع أنّه لا يدلّ على مطلوبه ، قد مرّ مراراً أنّه للتأليف(١) ، وأنّه على ذمّهما أدلّ ، وكلّ مشورة تقع من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما تكون للتأليف ، والاستصلاح ، أو للتعليم والتأديب ، أو لاستعلام ما في نفس المستشار ، أو نحو ذلك(٢) .

وأما ما نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ؛ فهو أكذب من سوابقه ، ولا سيّما قوله : «وقلتُ أنا وأبو بكر وعمر» ، فإنّه من إضافات هذا الخصم على رواياتهم ، فهو كذبٌ على كذب ؛ إذ لا وجود له في أصل الرواية التي رواها البخاري ومسلم في مناقب عمر(٣) .

وكيف يمكن أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك على سبيل العادة ، إلاّ أن يكونا شريكين له في النبوّة ، أو قيّده نقصانُ رأيه بهما؟! حاشا عظيمِ مقامه!!(٤) .

__________________

(١) راجع : ج ٦ / ٤١٨ ـ ٤١٩ من هذا الكتاب ، والصفحة ٣١ من هذا الجزء.

(٢) انظر : تفسير الطبري ٣ / ٤٩٦ ، تفسير الكشّاف ١ / ٤٧٤ ـ ٤٧٥ ، زاد المسير ١ / ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، فتح القدير ١ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ٧٤ ـ ٧٥ ح ١٧٤ وص ٧٧ ح ١٨١ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٢ ، وانظر : السنة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٥٥٩ ح ١٢١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧١ ح ٤٤٢٧ ، كنز العمّال ١٣ / ٧ ح ٣٦٠٩٢.

(٤) ردّ الشيخ المظفّر (قدس سره) هذا إنّما هو باعتبار قراءة الفعل «قلتُ» بضمّ القاف ، من «القول».

ولو قرئ الفعل بكسر القاف «قِلتُ» ، فهو فعل ماض للمتكلّم مِن : قالَ يَقيلُ قيلُولةً ، فهو قائل ؛ والقيلُولة : هي النوم في الظهيرة ، أو الاستراحة نصفَ النهار وإنْ لم يكن معها نوم [انظر : لسان العرب ١١ / ٣٧٤ مادّة «قيل»] ، فهو كذلك من وضع الفضل ؛ إذ لم ترد به الرواية.

وكيف كان ، فإنّ المقصود من وضع هذا الحديث وأمثاله ليس إلاّ زعم أنّه متى

٦٦

ثمّ ما المراد بذهاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومجيئه معهما؟!

فإنْ كان هو التردّد في البلد ، الذي يصحبه فيه كلّ أحد ، فلا فضل لهما به.

وإنْ كان هو الكون معه في المقامات المهمّة ؛ كمصادمة الشجعان ومنازلة الأقران ، فهو ليس لهما ، بل كانا يفارقانه فيها ويفرّان بأنفسهما عنه(١) .

وأما قوله : «ثمّ إنّ في معظم الغزوات كان أبو بكر صاحب راية المهاجرين»

فكذبٌ أيضاً ، وإنّما ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما بيّنّاه في المطلب المتعلّق بجهاده ، في الجزء الثاني(٢) .

__________________

ما ذُكر اسم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو فِعلٌ من أفعاله ، ذُكر اسم أبي بكر وبعده عمر ، ممّا يفيد الترتيب في المرتبة والمنزلة ، فكلّ فِعل يُذكر في مثل هذه الأحاديث إنّما هو من باب التمثيل ، ومجمل ما جاء بهذا الترتيب في الروايات كلّه كذبٌ!

وقد فصّل ذلك كلّه : الشيخ الأميني (قدس سره) في : الغدير ٩ / ٥١٥ ـ ٥٣٧ وج ١٠ / ١١ ـ ١٩٦.

والسيّد عليّ الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ في : رسالة في الأحاديث الواردة في الخلفاء على ترتيب الخلافة ؛ وهي الرسالة التاسعة من كتابه «الرسائل العشر».

فأحسنا وأجادا ؛ فراجع!

(١) راجع : ج ٦ / ٤١٧ ـ ٤٢٨ ، من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٦ / ٣٩٨ ـ ٤٢٨ ، من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ١ / ٣٦٨ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦ رقم ٣ ترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، المعجم الكبير ٦ / ١٥ ح ٥٣٥٦ وج ١١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ضمن ح ١٢٠٨٤ وص ٣١١ ح ١٢١٠١ ، المعجم الأوسط ٥ / ٣٨٥ ح ٥٢٠٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٥ حوادث سنة ٢ هـ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٠ ح ٤٥٨٢ و ٤٥٨٣

٦٧

وكيف يكون صاحب رايتهم في معظم الغزوات ، ولم يُحكَ أنّه أصاب أو أُصيب ، وأراق دماً أو أُريق منه دم؟!

ولا أدري من أين أخذ الخصم كونه صاحب الراية في معظم الغزوات ، وفي غزوة تبوك ، ولم تذكره كتب التاريخ والأخبار؟!

نعم ، أعطاه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية يوم خيبر ، فرجع منهزماً يُجبّن أصحابه ويجبّنونه ، كصاحبه عمر ، كما سبق(١) .

وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى حجّ أبي بكر وعزله بعليّ (عليه السلام) ؛ فقد تقدّم بيان الحق فيه في الحديث السادس من الأحاديث التي استدلّ بها المصنّف (رحمه الله) على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وذكرنا هناك جملة من أخبارهم المصرّحة برجوع أبي بكر عند لحاق أمير المؤمنين له(٢) .

وأما قوله : «كان أبو بكر يُستصلح لإقامة الدين ...» إلى آخره

فدعوى بلا بيّنة ، وحكمٌ بلا برهان!

وأما قوله : «أتزعم أنّه لم يقدر على قراءة عشر من القرآن؟!»

ففيه : إنّ المصنّف لم يزعم هذا ، وإنّما يقول : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خاف على رسوله الوهنَ ؛ لجبنه ، أو الجهل بكثير ممّا يُسأل عنه ، أو الخيانة

__________________

وص ١٤٧ ح ٤٦٦٥ ، تاريخ دمشق ٢٠ / ٢٤٩ وج ٤٢ / ٧٢ ، مجمع الزوائد ٥ / ٣٢١ ، الإصابة ٣ / ٦٦ رقم ٣١٧٥ ترجمة سعد بن عبادة ، تهذيب التهذيب ٣ / ٢٨٦ رقم ٢٣١٧ ترجمة سعد بن عبادة.

(١) راجع : ج ٦ / ٩٣ ـ ٩٩ ، من هذا الكتاب.

وانظر : تاريخ الطبري ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧ حوادث سنة ٧ هـ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٤ / ٢١٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٩٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٤.

(٢) انظر : ج ٦ / ٦١ و ٦٦ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

٦٨

ومصانعة الكفار.

وإنّما أرسله أوّلا ـ مع هذه الأحوال ـ ؛ ليظهر للناس أخيراً حاله ، ويعلمهم من عدم استصلاحه لذلك أنّه لا يصلح للرئاسة العامّة بالأولويّة ، ويبيّن لهم فضل أمير المؤمنين عليه ومحلّه منه ، ويعرّفهم أنّ مثل هذا الأمر إذا لم يصلح إلاّ له أو لمن هو منه ـ كما نطقت به الأخبار ـ فكيف بالإمامة؟!

وأما قوله : «أتدّعي أنّ عليا كان أمير الحاجّ في تلك السنة؟!»

ففيه : إنّه لا مانع من هذه الدعوى بعد نصبه للمطلب الأسنى ، وقيامه بالأمر بعد رجوع أبي بكر ـ لا سيّما وهو من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة هارون من موسى ـ ، فإنّه مغن عن النصّ عليه بإمرة الحاجّ لو سلّمنا أنّه غير منصوص عليه.

وليست دعواهم كون أبي بكر أمير الحاجّ في تلك السنة إلاّ لاستلزامِ تركِ النبيِّ لنصبِ الأميرِ مخالفةَ عادتِه ، وعادةِ الرؤساء ، ومخالفةَ العقلِ في مثل هذه المواطن المحتاجة إلى أمير.

فليت شعري ، لِم أجازوا أن يترك أُمّته بعد موته بلا إمام مع انتشارِهم في الأرض ، وتشتّتِ أهوائهم ، وقربِ عهدهم بالكفر ، والفوضويّة؟!

ومجرّد قصد التشريع لا يتوقّف على الفعل ، بل يكفي فيه القول ، ولا سيّما أنّه لم يتّفق أنّ أحداً من ملوك الإسلام ترك رعيّته بلا نصبِ مَن يقوم بعده ، حتّى يهتمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لبيان جواز عمله ، بل لا معنى للتشريع بعمل لم يتبعه عملُ مثلِه أصلا ، ولم يقتدِ به أحدٌ من الأُمّة أو غيرها.

٦٩

وأما قوله : «وتخالف المتواتر»

فمناف لِما سبق منه ، من انحصار المتواتر في خبر أو خبرين(١) .

وأمّا ما ذكره في ما يتعلق بالصلاة ، فقد سبق تحقيق الحقّ فيه قريباً ، وأنّ أبا بكر لم يتقدّم للصلاة إلاّ صبح الاثنين يوم وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر عائشة(٢) .

ولمّا علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرف أنّهم انتهزوا الفرصة ، فتكلّف للخروج أشدّ التكلّف ، ونحّى أبا بكر وابتدأ في الصلاة ، دفعاً للتلبيس الذي صنعوه.

على أنّ الإمامة في الصلاة ليست من الأعمال التي تحتاج إلى تولية حتّى يذكرها الخصم في المقام ؛ فإنّها جائزة عندهم لكلّ مَن يَعرف القراءة ، وإنْ كان جاهلا فاسقاً.

فلو فرض أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره بالصلاة في الناس ، لم تثبت له ولاية في الصلاة ولا غيرها.

وأمّا ما رواه عن ابن عبّاس فهو من الكذبات الواضحة ، حتّى منعه بعضهم

قال في «السيرة»(٣) : «ومن خصائصه ـ أي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما حكى القاضي عياض ـ : أنّه لا يجوز لأحد أن يؤمّه ؛ لأنّه لا يصحّ التقدّم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها ، لا لعذر ولا لغيره ، وقد نهى الله

__________________

(١) انظر : ج ٦ / ٧ ـ ٨ ، من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٦ / ٥٥٩ ـ ٥٧٢ من هذا الكتاب ، وانظر الصفحتين ٢١ ـ ٢٢ من هذا الجزء.

(٣) ص ١٥٥ ج ٣ [السيرة الحلبية ٣ / ٤٦٧ ـ ٤٦٨]. منه (قدس سره).

٧٠

المؤمنين عن ذلك ، ولا يكون أحدٌ شافعاً له ، وقد قال : أئمّتكم شفعاؤكم(١) »(٢) .

__________________

(١) انظر بخصوص قول «أئمّتكم شفعاؤكم» : المغني ـ لابن قدامة ـ ٢ / ٣٦٩ ، الشرح الكبير ـ لابن قدامة المقدسي ـ ٢ / ٣١١ ، تفسير القرطبي ١ / ١٨٧ الشرط ١١ من شرائط الإمام.

(٢)نقول : قد مرّت قضية صلاة أبي بكر وتفصيلها ؛ وأشرنا إليها في الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة ؛ فراجع!

ثمّ إنْ كان مراد الفضل من قول ابن عبّاس في هذا الشأن ، ما ورد في مصنّف ابن أبي شيبة ٢ / ٢٢٩ ذ ح ٩ ، من أنّ راوي الحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : «دخلتُ على عبد الله بن عبّاس فقلت : ألا أعرض عليك ما حدّثتني به عائشة من مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال : هات! فعرضتُ عليه حديثها فما أنكر منه شيئاً» فلا معوّل عليه ؛ فإنّه مشمول بما قيل سابقاً بشأن صلاة أبي بكر!

أمّا افتراء الفضل ـ المارّ آنفاً في الصفحة ٦٣ ـ ، من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف ، فيَرِدُ عليه ـ علاوة على ما في المتن ـ ، أنّه خلاف اللطف الإلهي من إرسال الرسل ؛ إذ لا يستقيم هذا مع ما يعرض على إمام الجماعة غير المعصوم ـ كابن عوف ـ من سهو ونسيان وغفلة ، وغيرها ؛ فلا يصحّ أن يأتمّ المعصوم بغيره؟!

فكان هذا من موضوعاتهم ؛ ليبرّروا به الصلاة خلف كلّ أحد ، برّ أو فاجر!

ولو تنزّلنا ، فإنّ مدار الخبر على المغيرة بن شعبة ، وهو هو بفسقه وانحرافه ، روته مصادر القوم الأُولى ، وسرى منها إلى غيرها من مصنّفاتهم حتّى يومنا هذا ، كما مرّ آنفاً في الصفحة ٦٣ هـ ١ ؛ فنالوا من مقام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنزلته ليثبتوا لابن عوف فضيلة دون إثباتها خرط القتاد!

هذا ، فضلا عن أنّهم رووا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا توفّي لم يؤمّ عليه إمام ، فكان الناس يدخلون أفواجاً يصلّون ويخرجون [انظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٥٦٦ ح ٥ ، وعنه في كنز العمّال ٧ / ٢٧٣ ح ١٨٨٥٥] ؛ فهذه حاله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وفاته ، فكيف هي في حياته الشريفة؟! فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) إمامٌ حيا وميّتاً.

٧١

منع فاطمة إرثها

قال المصنّف ـ رفع الله درجته ـ(١) :

ومنها : إنّه منع فاطمة إرثها ، فقالت : يا بن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟!

واحتجّ عليها برواية تفرّد هو بها عن جميع المسلمين ، مع قلّة رواياته ، وقلّة علمه ، وكونه الغريم ؛ لأنّ الصدقة تحلّ عليه ، فقال لها : إنّ النبيّ قال : «نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورَث ، ما تركناه صدقة»(٢) .

والقرآن مخالف لذلك ؛ فإنّ صريحه يقتضي دخول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه بقوله تعالى :( يوصيكم الله في أولادكم ) (٣) .

وقد نصّ على أنّ الأنبياء يُورَثون ، فقال تعالى :( وورِثَ سليمانُ داودَ ) (٤) .

وقال عن زكريا :( إنّي خِفت المَوالي من ورائي وكانتِ امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب ) (٥) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٦٥.

(٢) راجع في هضم حقّها (عليها السلام) : ج ٦ / ٤٣٦ هـ ٣ من هذا الكتاب ، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحة ٨٢ وما بعدها من هذا الجزء.

(٣) سورة النساء ٤ : ١١.

(٤) سورة النمل ٢٧ : ١٦.

(٥) سورة مريم ١٩ : ٥ و ٦.

٧٢

وناقض فِعلُه ـ أيضاً ـ هذه الرواية ؛ لأنّ أمير المؤمنين والعبّاس ، اختلفا في بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيفه وعمامته ، وحكم بها ميراثاً لأمير المؤمنين(١) .

ولو كانت صدقة لَما حلّت على عليّ (عليه السلام) ، وكان يجب على أبي بكر انتزاعها منه ، ولكان أهل البيت ـ الّذين حكى الله تعالى عنهم بأنّه طهّرهم تطهيراً ـ مرتكبين ما لا يجوز!

نعوذ بالله من هذه المقالات الرديّة والاعتقادات الفاسدة!

وأخذ فدكاً من فاطمة(٢) ، وقد وهبها إيّاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم يصدّقها ، مع أنّ الله قد طهّرها وزكّاها واستعان بها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعاء على الكفّار ، على ما حكى الله تعالى وأمرَه بذلك ، فقال تعالى :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) (٣) .

فكيف يأمره الله تعالى بالاستعانة ـ وهو سيّد المرسلين ـ بابنته وهي كاذبة في دعواها ، غاصبة لمال غيرها؟!

نعوذ بالله من ذلك!

فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فشهد لها ، فلم يَقبل شهادته ، قال :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢١٤ وذكر أنّ أبا بكر دفع إلى عليّ (عليه السلام) آلته ودابّته وحذاءه ، وانظر : كشف الغمة ١ / ٤٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢٦٦ ح ٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٧٢ ح ٩٧٧٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٠٠ و ٣٠١ ، المعيار والموازنة : ٤٢ ، فتوح البلدان : ٤٤ ـ ٤٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٦ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٦ وج ١٦ / ٢١٩ ، الخلفاء الراشدون ـ للذهبي ـ : ١٦.

(٣) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

٧٣

إنّه يجرّ إلى نفسه(١) !

وهذا من قلّة معرفته بالأحكام!

ومع أنّ الله تعالى قد نصّ في آية المباهلة أنّه نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكيف يليق بمن هو بهذه المنزلة ، واستعان به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله في الدعاء يوم المباهلة ، أن يشهد بالباطل ويكذب ويغصب المسلمين أموالهم؟! نعوذ بالله من هذه المقالة!

وشهد لها الحسنان (عليهما السلام) ، فردّ شهادتهما وقال : هذان ابناك! لا أقبل شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان نفعاً بشهادتهما.

وهذا من قلّة معرفته بالأحكام أيضاً!

مع أنّ الله قد أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستعانة بدعائهما يوم المباهلة فقال :( أبناءنا وأبناءكم ) ، وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة(٢) ، فكيف يجامع هذا شهادتهما بالزور والكذب وغصب المسلمين حقهم؟! نعوذ بالله من ذلك!

ثمّ جاءت بأُمّ أيمن ، فقال : امرأة لا يُقبَل قولها! مع أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «أُمّ أيمن من أهل الجنّة »(٣) .

فعند ذلك غضبت عليه وعلى صاحبه ، وحلفت أن لا تكلّمه ولا صاحبه حتّى تلقى أباها وتشكو إليه(٤) .

__________________

(١) انظر : الاختصاص : ١٨٤.

(٢) راجع : ج ٦ / ٤٥٠ وما بعدها ، من هذا الكتاب.

(٣) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ١٧٩ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٢٠ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٢٢٤ رقم ٢٤ ، الإصابة ٨ / ١٧٠ ـ ١٧١ رقم ١١٨٩٨.

(٤) انظر غضب الزهراء البتول (عليها السلام) وسخطها ووَجْدها على أبي بكر خاصة ، وعليه

٧٤

فلمّا حضرتها الوفاة أوصت أن تُدفن ليلا ، ولا يدع أحداً منهم يصلّي عليها(١) ، وقد رووا جميعاً أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك »(٢) .

__________________

وعلى صاحبه :

مسند أحمد ١ / ٦ و ٩ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ٢٤٠ وج ٨ / ٢٣ ، الإمامة والسياسة ـ لابن قتيبة ـ ١ / ٣١ ، مسند أبي عوانة ٤ / ٢٥١ ح ٦٦٧٩ ، مشكل الآثار ١ / ٣٤ ح ٩٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٠٣ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ / ١٥٦ ح ٤٨٠٣ وج ٨ / ٢٠٦ ح ٦٥٧٣ ، كنز العمّال ٧ / ٢٤٢ ح ١٨٧٦٩.

وسيأتي عن الشيخ المظفّر (قدس سره) الإشارة إلى ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذا الصدد ، في الصفحة ٨٥ هـ ٤ والصفحة ٨٦ هـ ١ ؛ فراجع!

(١) انظر : مصنّف عبد الرزّاق ٥ / ٤٧٢ ح ٩٧٧٤ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٨ / ٢٤ و ٢٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٦ / ٣٠٠ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٦ حوادث سنة ١١ هـ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٠٦ ح ٦٥٧٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٨ ح ٤٧٦٤ ، حلية الأولياء ٢ / ٤٣ ، مقتل الحسين (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ ١ / ١٢٨ ح ٧١ وص ١٣١ ضمن ح ٧٧ ، أُسد الغابة ٦ / ٢٢٦ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢١٤ و ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، الإصابة ٨ / ٦٠ ذيل الرقم ١١٥٨٣ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٩٥ رقم ٨٩٤٦ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٣٩٠ رقم ٨٤٨٨ ، البداية والنهاية ٥ / ٢١٧ حوادث سنة ١١ هـ.

(٢) المعجم الكبير ١ / ١٠٨ ح ١٨٢ وج ٢٢ / ٤٠١ ح ١٠٠١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٢ / ٣٥١ رقم ٤٨١ ، جزء ابن الغطريف : ٧٨ ح ٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٦٧ ح ٤٧٣٠ ، مناقب الإمام عليّ (عليه السلام) ـ لابن المغازلي ـ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ح ٤٠١ ، مقتل الحسين (عليه السلام) ـ للخوارزمي ـ ١ / ٩٠ ح ٢ ، ذيل تاريخ بغداد ـ لابن النجّار ـ ٢ / ٢٠٣ رقم ٤٢٧ ، تذكرة الخواصّ : ٢٧٩ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٣٨٩ رقم ٨٤٨٨ ، فرائد السمطين ٢ / ٤٦ ح ٣٧٨ ، الإصابة ٨ / ٥٧ ، تهذيب التهذيب ١٠ / ٤٩٥ رقم ٨٩٤٦ ، الصواعق المحرقة : ٢٦٦.

٧٥

وقال الفضل(١) :

لا بُد في هذا المقام من تحقيق أمر فدك ، ليتبيّن حقيقة الأمر ، فنقول :

كانت فدك قرية من قرى خيبر ، ولما فتح الله خيبر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جلا أهلُ فدك ففتحت ؛ فكان مما أفاء الله عليه من غير إيجاف(٢) خيل ولا رِكاب ، فصار من أقسام الفيء ، وكان تحت يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يكون أموال الفيء تحت أيدي الأئمة.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفق منها على عياله وأهل بيته ، ثمّ يصرف ما يفضل عن نفقة عياله في السلاح والكرَاع(٣) .

فلمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك أزواجاً وأهل بيت ، ولم يكن يحلّ لأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) التزويج بعده ؛ لأنّهن كنّ أُمّهات المؤمنين ، ولم يكن سعةٌ في أموال الفيء حتّى ينفقَ الخليفةُ على أزواجه من سائر جهات الفيء ويترك فدك لفاطمة وأولادها ، فعمل أبو بكر في فدك مثل عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكان ينفق منها على أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٤٩٩ الطبعة الحجرية.

(٢) وجَفَ البعيرُ والفرسُ يَجِفُ وَجْفاً ووَجِيفاً : أَسْرَعَ ، والوَجيف : ضربٌ من سير الإبل والخيل ، والإيجاف : سرعة السير ؛ انظر : لسان العرب ١٥ / ٢٢٢ و ٢٢٣ مادّة «وجف».

(٣) الكُراع : ما دون الكعب من الدوابّ ، وما دون الرسغ من ذوات الحافر ، وهو من كلِّ شيّ : طرفه ؛ والكراع هنا : اسمٌ يَجمع الخيل والسلاح ، وهو مجاز ؛ انظر : تاج العروس ١١ / ٤١٩ و ٤٢٠ مادّة «كرع».

٧٦

وأولادها ، وما كان يفضل عن نفقتهنّ يصرفها في السلاح والكراع لسبيل الله ، كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلمّا انتهى أمر الخلافة إلى عمر بن الخطّاب ، حصل في الفيء سعة ، وكثرت خُمسُ الغنائم وأموالُ الفيء والخراج ، فجعل عمر لكلّ واحد من أزواج النبيّ عطاءً من بيت المال ، وردّ سهم بني النضير إلى عليّ وعبّاس ، وجعلها فيهم ليعملوا بها كيف شاءُوا.

وقد ذكر في «صحيح البخاري» أنّ عليا وعبّاساً تنازعا في سهم بني النضير ، ورفعا أمرها إلى عمر بن الخطّاب ، فذكر أنّ أمركم كان هكذا ، ثمّ ذكر أنّه تركها لهم ليعملوا كيف شاءُوا(١) .

هذا ما كان من أمر حقيقة فدك.

وأما دعوى فاطمة إرث فدك ، وأنّها منحولة لها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم يثبت في الصحاح ؛ وإنْ صحَّ ، فكلّ ما ذكر من المطاعن في أبي بكر ـ بحكمه في فدك ـ فليس بطعن.

أما ما ذكر أنّه احتجّ برواية الحديث وعارض به النصّ ، فإنّ الحديث إذا صحّ بشرائطه فهو يُخصّص حكم الكتاب.

وأما ما ذكر أنّ أبا بكر تفرّد برواية هذا الحديث من بين سائر المسلمين ، فهذا كذب صراح ؛ فإنّ عمر قال بمحضر عليّ وعبّاس وجمع من الصحابة : «أنشدكم بالله ، هل سمعتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث ما تركناه(٢) صدقة.

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ١٧٩ ـ ١٨١ ح ٣ وج ٨ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ح ٥.

(٢) في المصدر : «تركنا».

٧٧

فقالوا جميعاً : اللّهمّ نعم» ، كما رواه البخاري في «صحيحه»(١) .

وروى ـ أيضاً ـ في «الصحيح» فقال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «لا تقتسم ورثتي ديناراً ، وما تركت ـ بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي ـ فهو صدقة»(٢) ؛ انتهى.

فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب : إنّ أبا بكر تفرّد برواية حديث عدم توريث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

فإن قيل : لا بُد لكم من بيان حجّية هذا الحديث ، ومن بيان ترجيحه على الآية.

قلنا : حجّية خبر الواحد والترجيح ممّا لا حاجة بنا إليه ها هنا ؛ لأنّ أبا بكر كان حاكماً بما سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا اشتباه عنده في سنده ، وعلم ـ أيضاً ـ دلالته على ما حمله عليه من المعنى ؛ لانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرّقها إليه بقرينة الحال ، فصار عنده دليلا قطعياً مخصِّصاً للعمومات الواردة في بيان الإرث.

وأما ما ذكر أنّ أبا بكر لا يُسمع عنه هذا الخبر ؛ لأنّه كان غريماً ؛ لأنّ الصدقة تحلّ له ؛ فما أجهله بالفرق بين الشهادة والرواية ؛ فإنّ الشهادة لا تُسمع من الغريم الذي يجرّ النفع ، والرواية ليست كذلك ، وهذا معلوم عند العامة ومجهول عنده.

وأما ما ذكر من النصوص على أنّ الأنبياء يُورَثون ؛ لقوله تعالى :

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٧٨ ـ ١٨٠ ح ٣ وج ٨ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ح ٥.

(٢) صحيح البخاري ٤ / ٦٣ ح ٣٧ وج ٨ / ٢٦٨ ح ٦.

٧٨

( وورث سليمانُ داودَ ) (١) ؛ فالمراد : ميراث العِلم والنبوّة والحكمة.

وأمّا دعاء زكريّا ؛ فاتّفق العلماء أنّ المراد منه : النبوّة والحبورة(٢) ، وإلاّ لم يُستجب دعاؤه ؛ لأنّ الإجماع على أنّ يحيى قُتل قبل زكريا ، فكيف يصحّ حمله على الميراث وهو لم يرث منه؟!

وأمّا ما ذكره أنّه ناقض فعله في توريث عليّ في السيف والعمامة

فالجواب : أنّه أعطاهما عليا ؛ لأنّه كان المصالِح ، والصدقة في هذا الحديث لا يُراد بها الزكاة المحرّمة على أهل البيت ، بل المراد : أنّها من جملة بيت مال المسلمين ، وقد يطلق الصدقة بالمعنى الأعمّ ، وهو كلّ مال يُرصد لمصالح المسلمين والجنود ، وبهذا المعنى يشمل خُمس الغنائم ، والفيء ، والخراج ، ومال من لا وارث له من المسلمين ، والزكوات ؛ وقد يُطلق ويُراد به : الزكوات المفروضة والصدقة المسنونة المتبرّع بها ، وهاتان الأخيرتان كانتا محرّمتين على أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأعطى أبو بكر سيف رسول الله وعمامته عليا ؛ لأنّه كان من جملة مال من لا وارث له مِن المسلمين ، ولو كان ميراثاً لكان العبّاس وارثاً أيضاً ؛ لأنّه كان العمّ.

وأمّا قوله : «لكان أهل البيت ـ الّذين حكى الله عنهم بأنّه

__________________

(١) سورة النمل ٢٧ : ١٦.

(٢) انظر : تفسير البغوي ٣ / ١٥٨.

والحِبرُ والحبرُ : العالِمُ ذمّيا كان أو مسلماً ، وجمعه : أَحبارٌ وحبُور ؛ انظر : لسان العرب ٣ / ١٤ مادّة «حبر».

والظاهر أنّه أراد بالحبورة : العِلم ، والورع ، والتقوى ، والانقطاع إلى الله ، على المجاز هنا ؛ فتأمل!

٧٩

طهّرهم(١) ـ مرتكبين ما لا يجوز»

فنقول : أهلُ البيت ـ على هذا التقدير ـ كانوا مدّعين لحقّهم ، والإمام يُفرض عليه أن يعامل الناس بالأحكام الشرعيّة ، ولو أنّ ملَكاً من الملائكة يدّعي حقاً له ـ مع وجوب عصمته ، وتيقّن صدقه ـ فليس للإمام أن يقول : هو صادق ولا يحتاج إلى البيّنة لعصمته من الكذب ؛ بل الواجب عليه أن يطلب الحجة في قوله.

أمَا سمعت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ادّعى على يهودي عند شريح القاضي ، فطلب منه الحجّة ، فأتى بالحسن بن عليّ ، فما قبل شهادته وقال : إنّه فرع ؛ فقال أمير المؤمنين : لستَ أهلا للقضاء! ألا تعلم أنّ هذه الدعوى لحق بيت المال ، وها هنا تُسمع شهادة الفرع؟!(٢) .

والغرض : أنّ الإمام والقاضي يجب عليهما مراعاة ظاهر الشرع ، وهو أن لا يسمع قول المدّعي إلاّ بالحجّة وإن تحقّق عصمته عن الكذب ، فلو تمّ حجةٌ حكَم ، وإلاّ توقف.

ولو صحّ قصة مرافعة فدك ، فأبو بكر عمل فيه ما كان يجب عليه من طلب الحجة من المدّعي ، وإن اعتقد عصمته من الكذب.

وأمّا ما ذكر أنّ الحسنين شهدا لها ولم يسمع أبو بكر ، فإنْ صحّ فربّما كان لصغرهما ، ولعدم سماع شهادة الفرع كما فعل شريح ، وهذا لا طعن فيه كما ذكرنا ؛ لأنّه مراع لقواعد الشرع ، وشريح حكم بطلب

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى :( إنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) ، سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) انظر : أخبار القضاة ـ لوكيع ـ ٢ / ١٩٤ و ٢٠٠ ، حلية الأولياء ٤ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، تاريخ دمشق ٢٣ / ٢٦ ترجمة شريح ، مختصر تاريخ دمشق ١٠ / ٢٩٧.

٨٠