موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 208818
تحميل: 3445


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208818 / تحميل: 3445
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

الشرك في عبادة الدعاء؟! بل أنّ الدعاء والكلمات سيحاسب عليها البشر ، حيث قال سبحانه : ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (١) .

ج : قولك في بداية الكلام إنّ التوسّل عند أهل السنّة شرك غير صحيح ؛ فإنّ التوسّل أجمعت على جوازه الأمّة الإسلاميّة. وخالفهم في ذلك فرقة تسمّى بالوهابيّة. وقد ردّ أهل السنّة على هذه الفرقة بردود كثيرة جدّاً منها كتاب ( شفاء السقام ) لتقي الدين السبكي ، وكتاب ( مفاهيم يجب أن تصحح ) لمحمّد بن علوي المالكي وغيرها.

وأمّا ما ذكرته من أيات قرآنية مباركة ، فإتيانك بها في هذا المقام يدلّ على على إنّك لم تفهم التوسّل حتى على المستوى اللغويّ. فإيّاك من تكرار كلام الآخرين من دون تفكير وتأمّل وتدبّر( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (٢) .

أخي الكريم ، التوسّل هو اتخاذ الوسيلة فكلّ ما تفعل أنت من صباح يومك هذا الى صباح اليوم التالي توسّل في توسّل من استخدامك للفراش والملبس والطعام ومراجعة الطبيب وطلب النجدة من الشرطة واستغاثتك بالناس عند الغرق

فإذا كان التوسّل شركاً فأنت أوّل المشركين ؛ لأن الله هو القاضي للحاجات فكيف تتخذ أنت هذه الوسائل لقضاء حوائجك؟!

أخي الكريم ، إنّ من توسّل بشيء وهو يعتقد أنّه ينفع ويضرّ وله قدرة من دون الله فهو مشرك قطعاً.

ومن توسّل وهو يعتقد أنّ الوسيلة لا حول لها ولا قوّة إلاّ بالله ، إنّما هي وسيلة من الوسائل التي جعل الله سبحانه وتعالى رحمة لعباده فلا يكون المتوسّل بها مشركاً. فلا يكون طلبه الشفاء من الطبيب شركاً لأنّ الطبيب من الوسائل

____________

١ ـ ق : ١٨.

٢ ـ محمّد : ٢٤.

٢٢١

التي جعلها الله للحصول على الشفاء وكذلك الدواء. وقد قال عز وجل( فيه شفاء للناس ) (٢) مع أن الله هو المشافي إلاّ أنّ العسل من الوسائل التي جعلها الله تعالى للحصول على الشفاء فمن استعان بالعسل للحصول على الشفاء لا نقول إنّه استعان بغير الله عزّ وجلّ.

ومن أفضل الوسائل في قضاء الحاجات من قبل الله عزّ وجلّ هو التوسّل إليه تعالى بمحمّد وآل محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وعلى ذلك دلّت النصوص الشرعيّة مثل حديث عثمان بن حنيف الصحيح. فراجع.

وأظنّ أنّ بهذا البيان صار واضحاً جواب سؤالك الأخير وهو : ما هو تعريف الشرك في عبادة الدعاء. وهو أن تدعو غير الله أن يقضي حاجتك من دون الله. وفقك الله يا أخي لكلّ خير.

( أُمّ طلال ـ الكويت ـ ٥٦ سنة ـ دكتوراه )

لا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهما :

س : تعليقي على أن يجوز الاستغاثة بالأموات ، كنت في مكّة ، وعند الطواف كثيرات منّا كانوا يطلبون ويتوسّلون بالأئمّة ، ولم يذكروا اسم الله تعالى ، ونحن في بيته ، شعرت بألم من ذلك ، فإذا سمحنا لكلّ واحد ينادى ويطلب من الأموات ، فمن ينادى الله؟

والأموات لا يستطيعون أداء أيّ عمل ، لأنّهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ، ربّنا تعالى أعطى الشفاعة لحبيبنا ورسولنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم القيامة ، ولا يوجد أيّ دعاء لأئمّتنا أنّهم توسّلوا بجدّهم بعد وفاته ، فلماذا نحن نبتدع من عندنا؟

ج : ذكرت عدّة آيات التوسّل بالصالحين ، منها :

١ ـ قال تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (٢) فالله تعالى يأمرنا ويطلب منّا

____________

١ ـ النحل : ٦٩.

٢ ـ المائدة : ٣٥.

٢٢٢

التقرّب إليه بأشياء نتوسّل بها إليه ، ولا نأتيه مباشرة من دونها ، سواء فُسّرت الوسيلة بالأعمال أم فُسرت بأهل البيتعليه‌السلام ، فكلاهما شيء آخر غير الله نتقرّب به إلى الله تعالى.

٢ ـ قال تعالى :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١) .

فها هم الخاطئون أمثالنا أخوة يوسف لم يستغفروا من الله مباشرة ، بل طلبوا الشفاعة والوسيلة من يعقوبعليه‌السلام ليغفر الله لهم ، ولم يردّهم يعقوبعليه‌السلام ، ولم ينكر القرآن ذلك ، فهذا يدلّ على الجواز وصحّة فعلهم ، وغفران الله تعالى لهم بحق وشفاعة يعقوبعليه‌السلام لهم.

٣ ـ قال تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٢) ، وهذا نفس مؤدّى الآية السابقة ، بل قد تبيّن هذه الآية انحصار غفران الله تعالى الأكيد للخاطئين والظالمين بالشفاعة والتوسّل دون دعائهم المباشر ، لأنّهم ملوّثون مجرمون ، قد لا يستجاب لهم دعاء ، فلا ضمان للإجابة والغفران إلاّ بهذا الطريق ، الذي فيه من التواضع والانكسار لأولياء الله الطاهرين ، الذين هم ليسوا آلهة ، وإنّما هم أُناس وبشر ، ولكنّهم أطاعوا الله حقّ طاعته ، وعرفوه حقّ معرفته ، فالاستشفاع بهم واتخاذهم وسيلة إلى خالقهم العظيم ، والسير معهم وبجانبهم ، يجعل الله تعالى ينظر للخاطئ الظالم المظلم بفضل النور الذي توسّل واستشفع به وقرن نفسه معه ، وكلّ ذلك نعمة وفضل من الله تعالى.

فهذه يا أختاه فلسفة التوسّل والشفاعة على فهمنا ، ويعضده اختبار الله تعالى لإبليس بالسجود والخضوع لآدم فأبى واستكبر ، وقال : أسجد لك سجدة لم يسجدها أحد قبلي ولا بعدي ، أو قال : أطلب منّي كلّ شيء أفعله لك سوى

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ النساء : ٦٤.

٢٢٣

ذلك ، فأجابه تعالى : أُريدك أن تعبدني بما أحبّ لا بما تحب ، فيا ترى ما الذي منع إبليس من السجود والخضوع لآدم؟

ولماذا يصرّ الله تعالى على هذا الاختبار دائماً ، وهو الخضوع والتوسّل بأوليائه الذين يختارهم ويصطفيهم؟

الجواب بسيط ، ويتبيّن من تركيز الإسلام على أن يكون المسلم خاضعاً متذلّلاً للمؤمن ، وليس متكبّراً مختالاً فخوراً ، كي يكون عبداً حقيقياً لله تعالى من باب أولى ، والله العالم.

( عبد الحسين الجعفريّ ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

التوسّل بأهل البيت :

س : شكراً على هذه المعلومات المفيدة التي تقدّموها لنشر الفكر الإسلاميّ الأصيل ، وجزاكم الله كلّ خير.

أُودّ أن استفسر منكم يا سيّدي عن قدرة أهل البيتعليهم‌السلام في قضاء الحوائج حين التوسّل بهم.

والأمر الثاني هو : في قوله تعالى :( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (١) هل من الممكن أن تكون الوسيلة هي الدعاء وطلب الحاجة من الله؟ وكيف نوازن أُمور الدعاء مع قول الله تعالى :( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (٢) .

ولكم منّي جزيل الشكر والتقدير ، آملاً أن يدوم هذا التواصل بيننا.

ج : إنّ التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام يتصوّر على قسمين :

١ ـ تارة نطلب من الله تعالى بحقّهمعليهم‌السلام ، ومنزلتهم عنده تعالى ، أن يقضي حوائجنا ، وهذا القسم لا علاقة له بقدرتهمعليهم‌السلام على قضاء الحوائج.

٢ ـ وتارة نطلب منهمعليهم‌السلام أن يطلبوا من الله تعالى قضاء حوائجنا ، وهذا

____________

١ ـ المائدة : ٣٥.

٢ ـ الجنّ : ١٨.

٢٢٤

القسم من التوسّل مقدور عندهمعليهم‌السلام ، فهو مجرد طلب من الله تعالى ، في قضاء الحاجات ، فالله تعالى هو القاضي لا همعليهم‌السلام .

كما في قضية طلب أولاد يعقوبعليه‌السلام من أبيهم أن يستغفر لهم ، قال تعالى :( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١) .

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني نقول :

الوسيلة لا تنافي الدعاء ، لأنّ الدعاء هو الطلب من الله تعالى في قضاء الحوائج ، والوسيلة كما قلنا هو الطلب من الله تعالى بحقّ أهل البيتعليهم‌السلام أن يقضي الحوائج ، أو الطلب منهمعليهم‌السلام أن هم يطلبوا من الله تعالى في قضاء الحوائج ، لقربهم منه تعالى ، ولأمرنا بابتغاء الوسيلة إليه ، والوسيلة همعليهم‌السلام كما في الروايات.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى )(٢) .

ثمّ أنّ التوسّل بهمعليهم‌السلام لا يعني دعاءهم ، حتّى ينافي قوله تعالى :( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) ، فنحن كما قلنا ، لا نقول أنّهمعليهم‌السلام هم يقضون الحاجات ، وإنّما هم واسطة إلى الله تعالى في قضاء الحوائج.

فنحن متوكّلون على الله تعالى ، ونقرّ بربوبيته وقدرته ، ونعتقد أنّه تعالى هو القاضي للحاجات لا هم. على أنّه من الممكن أن يعطي الله سبحانه وتعالى قدرة التعرّف ببعض الأُمور التكوينيّة بيد الإمام ، فيكون الإمام هو من يقضي الحاجة ، ولكن بإذن الله ، كما أعطى الله عزّ وجلّ قدرة تدبير بعض الأُمور

____________

١ ـ يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.

٢ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٦٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣١٨ و ٣ / ٢٩٢.

٢٢٥

التكوينيّة بيد الملائكة( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) (١) أعطى هذه القدرة ـ وهو القادر على ما يشاء ـ لمحمّد وآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ذلك دلّت بعض الروايات ، فتأمّل.

فطلب الحاجة من أهل البيتعليهم‌السلام بما هم وسائل جعلها الله لذلك لا يتنافى مع دعاء الله فأنا عندما أطلب من شرب العسل الشفاء ، لا يعني هذا أنّني طلبت الشفاء من غير الله لأنّ الله جعل العسل وسيلة للشفاء فقال( فيه شفاء للناس ) (٢) فعلى هذا طلب الحاجة من محمّد وآل محمّد هو طلبها من الله عزّ وجلّ ودعاء لله تعالى.

( السيّد عبّاس ـ البحرين ـ )

بغير النبيّ وآله :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائديّة ، وفّقكم الله على الجهود التي تقومون بها في خدمة المذهب الحقّ والدفاع عنه في هذا العصر ، الذي تكالبت فيه جنود الشيطان على أهل الإيمان ، وبهذا الصدد أود إعلامكم بأنّنا بحاجة إلى بعض الروايات عن أهل بيت العصمةعليهم‌السلام ، والتي تفيد بجواز التوسّل بالأولياء الصالحين والمؤمنين من العلماء ، وذلك للردّ على بعض المناظرين حيث أنّهم يؤمنون بضرورة التوسّل بالمعصومينعليهم‌السلام فقط ، أمّا غير المعصومين فلا يجوز التوسّل بهم.

ودمتم محروسين وموفّقين بعين الله.

ج : جاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدينعليه‌السلام في دعائه في كلّ يوم من شهر رمضان التوسّل بالملائكة المقرّبين ، إذ يقولعليه‌السلام : (اللهم ربّ الفجر وليال عشر ، والشفع والوتر ، وربّ شهر رمضان وما أنزلت فيه من القرآن ،

____________

١ ـ النازعات : ٥.

٢ ـ النحل : ٦٩.

٢٢٦

وربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، وجميع الملائكة المقرّبين وأسألك بحقّك عليهم ، وبحقّهم عليك )(١) .

وفي كلام للإمام عليعليه‌السلام عن القرآن الكريم : (فاسألوا الله به ، وتوجّهوا إليه بحبّه )(٢) .

وقد ورد في بعض الأدعية تعليم التوسّل بالملائكة المقرّبين والأنبياء السابقين ، وكتب الله المنزلة ، وعباده الصالحين ، وبالأعمال الصالحة ، ولكن تبقى عمدة التوسّل والاستشفاع هو بالنبيّ وآله المعصومينعليهم‌السلام .

ومن روايات الحثّ على زيارة بعض أبناء الأئمّة وذرّيتهمعليهم‌السلام كالسيّدة معصومةعليها‌السلام في قم الواردة بأسانيد صحيحة ومعتبرة ، يمكن استفادة رجحان التوسّل بها ، واستجابة الدعاء عندها.

____________

١ ـ الصحيفة السجادية : ٢٣٧.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٩.

٢٢٧
٢٢٨

الجبر والاختيار :

( أمير العرادي ـ الكويت ـ )

معنى القضاء والقدر :

س : هل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟ وإذا كان مخيّراً فما هو إذاً القضاء والقدر؟

ج : لا يوجد تعارض بين القول بالاختيار للإنسان ، وبين الالتزام بالقضاء والقدر ، وذلك إذا عرفنا معنى القضاء والقدر.

فمعنى التقدير هو : أن يكون لوجود كلّ شيء حدّاً وقدراً ، كما لتحقيق وجوده قضاءاً وحكماً مبرماً في جانبه تعالى ، فكلّ شيء يقدّر أوّلاً ، ثمّ يحكم عليه بالوجود.

وهذه الشبهة كانت عالقة في بعض الأذهان منذ القدم ، وقد أجاب عنها أئمّة أهل البيتعليه‌السلام .

فعن علي بن الحسين بن عليعليهم‌السلام : دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أجل يا شيخ ، فالله ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم من وادٍ ، إلاّ بقضاء من الله وقدره ).

فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين ـ ومعنى هذه الجملة : إنّي لم أقم بعمل اختياري ، ولأجل ذلك أحتسب عنائي ـ.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : (مهلاً يا شيخ ، لعلّك تظنّ قضاءً حتماً وقدراً لازماً ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي والزجر ،

٢٢٩

واسقط معنى الوعد والوعيد ، ولم تكن على المسيء لائمة ، ولا لمحسن محمّده ، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب ، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الأُمّة ومجوسها. يا شيخ إنّ الله كلّف تخييراً ، ونهى تحذيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعص مغلوباً ، ولم يُطع مكرهاً ، ولم يملك مفوّضاً ، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً )(١) .

والحديث الشريف جمع بين القول بالقضاء والقدر ، وكون الإنسان مخيّراً لا مسيّراً.

( عبد الرسول ـ الكويت ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : إنّ إجابتكم على سؤال الأخ أمير العراديّ غير كافية ، وذلك لأنّ الموضوع صعب ، ويحتاج إلى مزيد من التوضيح ، وخصوصاً الرواية التي ذكرتموها ، هذه الرواية تحتاج إلى شرح وافي.

ج : إنّ الإنسان مخيّر وليس مسيّراً ، لأنّه يملك بصريح الوجدان والقرآن كامل حرّيّته في الاختيار ، ودليل حرّيته في الاختيار تردّده في الانتخاب ، ومسؤوليّته عن فعله ، وإحساسه بالندم والراحة عند انتخاب ما يصلح ، وما لا يصلح ، والوجدان أقوى شاهد على هذه الحقيقة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : العقلاء يمدحون العادل والمحسن إلى الناس ، ويذمّون الظالم الجائر ، والمسيء إلى الناس ، ولو لم يكن الإنسان هو الفاعل باختياره ، لما استحقّ المدح أو الذمّ.

وثالثاً : إنّ العقاب على الأعمال أكبر دليل على الاختيار ، قال الله تعالى :

____________

١ ـ عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٧.

٢٣٠

( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (١) .

ثمّ إنّ القول باختيار الإنسان لا يتعارض مع القضاء والقدر ، الذي هو من الأُصول المسلّمة في الكتاب والسنّة ، وليس لمسلم واع أن ينكر واحداً منهما ، إلاّ أنّ المشكلة في توضيح ما يراد منهما ، فإنّه المزلقة الكبرى في هذا المقام ، ولأجل ذلك نذكر المعنى الصحيح لهذين اللفظين ، الذي يدعمه الكتاب ، وأحاديث العترة الطاهرة.

أمّا القدر : فالظاهر من موارد استعماله أنّه بمعنى الحدّ والمقدار ، وإليه تشير الآيات التالية :

١ ـ قوله تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) (٢) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (٣) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (٤) .

وأمّا القضاء : فقد ذكروا له معاني كثيرة.

والظاهر أنّه ليس له إلاّ معنى واحد ، وما ذكر من المعاني كلّها مصاديق لمعنى واحد.

وأوّل من تنبّه لهذه الحقيقة ، هو اللغويّ المعروف أحمد بن فارس بن زكريا ، يقول : القضاء أصل صحيح يدلّ على إحكام أمر وإتقانه ، وإنفاذه لجهته ، قال الله تعالى :( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (٥) ، أي احكم خلقهن إلى أن قال : والقضاء الحكم ، قال الله سبحانه في ذكر من قال :( فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) (٦) ، أي اصنع وأحكِم ، ولذلك سمّي القاضي قاضياً ، لأنّه

____________

١ ـ السجدة : ١٤.

٢ ـ الطلاق : ٣.

٣ ـ المزمل : ٢٠.

٤ ـ الحجر : ٢١.

٥ ـ فصّلت : ١٢.

٦ ـ طه : ٧٠.

٢٣١

يُحكم الأحكام ويُنفذها.

وسمّيت المنية قضاءً لأنّها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق(١) .

إذاً كلّ قول أو عمل إذا كان متقناً محكماً ، وجادّاً قاطعاً ، وفاصلاً صارماً ، لا يتغيّر ولا يتبدّل ، فذلك هو القضاء.

هذا ما ذكره أئمّة اللغة ، وقد سبقهم أئمّة أهل البيتعليه‌السلام ، ففسّروا القدر والقضاء على النحو التالي :

١ ـ عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد سأله يونس عن معنى القدر والقضاء ، فقال : ( القدر هي الهندسة ، ووضع الحدود من البقاء والفناء ، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين )(٢) .

٢ ـ عن علي بن إبراهيم الهاشميّ قال : سمعت أبا الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام يقول : ( لا يكون الشيء إلاّ ما شاء الله ، وأراد وقدّر وقضى ) ، قلت : ما معنى قدر؟ قال : ( تقدير الشيء من طوله وعرضه ) ، قلت : فما معنى قضى؟ قال : ( إذا قضى أمضاه ، فذلك الذي لا مردّ له )(٣) .

( عبد الرسول ـ السعودية ـ )

الهداية والضلال لا تعارض الاختيار :

س : قال تعالى :( مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) (٤) .

إذا كانت الهداية والضلال من الله ، فكيف يستحقّ البشر الثواب والعقاب؟ وجزاكم الله خيراً.

____________

١ ـ معجم مقاييس اللغة ٥ / ٩٩.

٢ ـ الكافي ١ / ١٥٨.

٣ ـ المصدر السابق ١ / ١٥٠.

٤ ـ الأعراف : ١٧٨.

٢٣٢

ج : لتوضيح مراد الآية لابدّ من مقدّمات :

١ ـ أنّ الله تعالى له ملك السماوات والأرض ملكاً مطلقاً غير مقيّد من أي وجه من الوجوه ، ويلزمه كمال التسلّط.

وملك غيره تعالى محدود جدّاً بالحدود التي حدّها الله ، وبالمقدار الذي أذن الله به ، ومع ذلك لا يكون ملك الآخرين للأشياء منافياً ولا ملغياً لملكه ، لأنّه المملِّك لما يُمْلَك ، والمسلِّط على ما هو مُتَسَلَّط عليه.

فإنّ الإنسان إذا ملك دابّةً تسلّط على ركوبها ، والتصرّف بها بالمقدار الذي يعرفه العقلاء ، وهذا لا يلغي قدرة الله وتسلّطه عليه ، وعلى الدابة أبداً.

والإنسان في المثال لا يملك أن يغيّر ولا يبدّل في خلقتها ، ولا في زيادة قدرتها على الحمل والسرعة ، وأمثال ذلك.

٢ ـ أنّ الهداية والضلال أيضاً داخلة في ملكه ، ومن مظاهر سلطته ، لأنّ كلّ تصرّف من تصرّفات عباده ، وكلّ صفة من صفاتهم غير خارجة عن دائرة ملكه وقدرته.

٣ ـ أنّ ذلك لا ينافي اختيار العبد في الأفعال الاختيارية ، ولا يؤدّي إلى الوقوع في الجبر.

وأمّا تفصيل الموضوع ، فيحتاج إلى بيان أكثر ، والمطلب دقيق جدّاً.

فنحن لا نشكّ أنّ الله نصب نفسه في مقام التشريع ، وشرع لعباده شريعة ، وسنّ لهم قوانين كلّفهم بالالتزام بها ، ووعد المطيعين بالثواب ، وتوعّد العاصين بالعقاب ، فلو أجبرهم على الطاعات والمعاصي لم يكن الثواب في مورد الطاعة إلاّ جزافاً وعبثاً ، والعقاب في مورد المعصية إلاّ ظلماً ، وكلاهما محال على الله تعالى ، لأنّ حكمته وعدله تقتضيان عدم العبث وعدم الظلم.

فالتكليف غير مبني على الإجبار ، وهو متوجّه إلى العباد من حيث أنّهم مختارون في الفعل والترك ، والمكلّفون إنّما يثابون ويعاقبون بما كسبت أيديهم من خير وشر.

٢٣٣

وأمّا ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الإضلال والخدعة والمكر ، والإمداد في الطغيان ، وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان ، وتقييض القرين ونظائر ذلك ، جميعها منسوبة إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ، ونزاهته عن ألوان النقص والقبح المنكر والظلم.

ولا يمكن نسبة الإضلال إليه بالمعنى الذي ننسبه إلى البشر ، فلا ينسب إليه الإضلال الابتدائي من دون سبق عمل شيء ، ولا الإضلال على سبيل الإغفال والإيقاع في الضلال ، فإنّه غير لائق بجنابه ، وبعيد عن ساحته.

والقرآن في هذا المجال يفسّر بعضه بعضاً : قال تعالى :( فَلَمَّا زَاغوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) (١) ، وقال :( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) (٢) .

وإذا اتّضح ذلك ، فانّ أفعال العباد لها انتسابان : انتساب إلى الفاعل باعتبار اختياره ، وهو الانتساب الفعلي ، وانتساب إلى الخالق باعتبار أنّه الموجد والمكوّن ، وهو الانتساب الوجودي.

والعبد عندما يقدم بملء إرادته على كسر زجاجة ، كان قادراً على ترك ذلك الفعل ، لكنّه عندما أراده وأقدم عليه كان تحقّق الانكسار متوقّفاً على إذن الله التكوينيّ لا التشريعيّ ، فإنّه ربما كان محرّماً ، وكذلك حركة العبد تتوقّف على إذن الله التكوينيّ ، وأقدار العبد ليكون قادراً على الفعل.

ومنه يتّضح : أنّ هداية الله على نحوين : هداية بمعنى الإرشاد والتعليم( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٣) ، وهي مهمّة الأنبياء والعقل والفطرة.

وهداية تكوينيّة ، بمعنى تحقّق المتابعة للهدى ، وصيرورة الإنسان مهتدياً ، وهذه متأخّرة مرتبة عن تلك ، وهذه تتوقّف على إرادة العبد واختياره ، فإذا اهتدى هداه الله ، ومنه قوله تعالى :( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ) بعد تقدّم

____________

١ ـ الصف : ٥.

٢ ـ المؤمن : ٣٤.

٣ ـ البلد : ١٠.

٢٣٤

الحمد والتسليم التام ، الذي هو فعل العبد.

وبعبارة أُخرى : فإنّ الآية تقول : من اهتدى واقتفى الطرق التشريعيّة ، التي رسمها ووضعها الله تعالى له ، فهو مهتد بالهداية التكوينيّة.

وننقل لكم نصّ ما جاء في تفسير الآية من تفسير الميزان :

مفاد الآية : أنّ مجرد الاهتداء إلى شيء لا ينفع شيئاً ، ولا يؤثّر أثر الاهتداء ، إلاّ إذا كانت معه هداية الله سبحانه ، فهي التي يكمل بها الاهتداء ، وتتحتّم معها السعادة ، وكذلك مجرد الضلال لا يضرّ ضرراً قطعيّاً ، إلاّ بانضمام إضلال الله سبحانه إليه ، فعند ذلك يتمّ أثره ، ويتحتّم الخسران.

فمجرد اتصال الإنسان بأسباب السعادة ، كظاهر الإيمان والتقوى ، وتلبّسه بذلك لا يورده مورد النجاة ، وكذلك اتصاله وتلبّسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك والخسران ، إلاّ أن يشاء الله ذلك ، فيهدي بمشيئته من هدى ، ويضلّ بها من أضل.

فيؤول المعنى إلى أنّ الهداية إنّما تكون هداية حقيقية ـ تترتّب عليها آثارها ـ إذا كانت لله فيها مشيئة ، وإلاّ فهي صورة هداية ، وليست بها حقيقة ، وكذلك الأمر في الإضلال.

وإن شئت فقل : إنّ الكلام يدلّ على حصر الهداية الحقيقيّة في الله سبحانه ، وكذلك الإضلال ، ولا يضلّ به إلاّ الفاسقين(١) .

( ندى ـ ـ )

ليس في الانتماء إلى الإسلام إجبار :

س : كيف تكون لك الحرّية في دخول الإسلام ، مع أنّ الله يتوعّد الذين لا يدخلون الإسلام ببئس المصير.

____________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٨ / ٣٣٤.

٢٣٥

ومن ذلك نستنج : أنّ الإنسان مجبور ، وليس مخيّراً ، وتوجد آيات تقول غير ذلك.

ج : ننقل لكم نصّ كلام العلاّمة الطباطبائيّ في كتابه تفسير الميزان حول تفسير قوله تعالى( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (١) .

( وفي قوله تعالى : لا إكراه في الدين ، نفى الدين الإجباريّ ، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة التي تتّبعها أُخرى عملية يجمعها أنّها اعتقادات ، والاعتقاد والإيمان من الأُمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار ، فإنّ الإكراه إنّما يؤثّر في الأعمال الظاهريّة ، والأفعال والحركات البدنية المادّية.

وأمّا الاعتقاد القلبيّ فله علل وأسباب أُخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك ، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً ، أو تولّد المقدّمات غير العلميّة تصديقاً علميّاً ، فقوله : لا إكراه في الدين ، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينيّاً بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد ، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعيّاً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله :( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرهاً ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي التي مرّ بيانها أنّ الإكراه إنّما يعمل ويؤثّر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية.

وقد بيّن تعالى هذا الحكم بقوله :( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، وهو في مقام التعليل ، فإنّ الإكراه والإجبار إنّما يركن إليه الآمر الحكيم والمربّي العاقل في الأُمور المهمّة ، التي لا سبيل إلى بيان وجه الحقّ فيها ، لبساطة فهم المأمور ورداءة ذهن المحكوم ، أو لأسباب وجهات أُخرى ، فيتسبّب الحاكم في حكمه بالإكراه ، أو الأمر بالتقليد ونحوه.

وأمّا الأُمور المهمّة التي تبيّن وجه الخير والشرّ فيها ، وقرّر وجه الجزاء الذي

____________

١ ـ البقرة : ٢٥٦.

٢٣٦

يلحق فعلها وتركها ، فلا حاجة فيها إلى الإكراه ، بل للإنسان أن يختار لنفسه ما شاء من طرفي الفعل ، وعاقبتي الثواب والعقاب ، والدين لمّا انكشفت حقائقه ، واتّضح طريقه بالبيانات الإلهيّة الموضّحة بالسنّة النبويّة ، فقد تبيّن أنّ الدين رشد ، والرشد في اتباعه ، والغيّ في تركه والرغبة عنه ، وعلى هذا لا موجب لأن يُكره أحد أحداً على الدين.

وهذه إحدى الآيات الدالّة على أنّ الإسلام لم يبتن على السيف والدم ، ولم يفت بالإكراه والعنوة ، على خلاف ما زعمه عدّة من الباحثين من المنتحلين وغيرهم : أنّ الإسلام دين السيف ، واستدلّوا عليه : بالجهاد الذي هو أحد أركان هذا الدين.

وقد تقدّم الجواب عنه في ضمن البحث عن آيات القتال ، وذكرنا هناك : أنّ القتال الذي ندب إليه الإسلام ، ليس لغاية إحراز التقدّم وبسط الدين بالقوّة والإكراه ، بل لإحياء الحقّ ، والدفاع عن أَنـْفَسِ متاعٍ للفطرة وهو التوحيد ، وأمّا بعد انبساط التوحيد بين الناس ، وخضوعهم لدين النبوّة ، ولو بالتهوّد والتنصّر فلا نزاع لمسلم مع موحّد ولا جدال ، فالإشكال ناش عن عدم التدبّر.

ويظهر ممّا تقدّم : أنّ الآية ـ أعني قوله :( لا إكراه في الدين ) ـ غير منسوخة بآية السيف ، كما ذكره بعضهم.

ومن الشواهد على أنّ الآية غير منسوخة التعليل الذي فيها ، أعنّي قوله : قد تبيّن الرشد من الغيّ ، فإنّ الناسخ ما لم ينسخ علّة الحكم ، لم ينسخ نفس الحكم ، فإنّ الحكم باق ببقاء سببه ، ومعلوم أنّ تبيّن الرشد من الغيّ في أمر الإسلام أمر غير قابل للارتفاع بمثل آية السيف ، فإنّ قوله :( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) مثلاً ، أو قوله :( وقاتلوا في سبيل الله ) الآية ، لا يؤثّران في ظهور أحقّية الدين شيئاً ، حتّى ينسخا حكماً معلولاً لهذا الظهور.

وبعبارة أُخرى : الآية تعلّل قوله :( لا إكراه في الدين ) بظهور الحقّ ، وهو

٢٣٧

معنى لا يختلف حاله قبل نزول حكم القتال وبعد نزوله ، فهو ثابت على كلّ حال ، فهو غير منسوخ) (١) .

( علي عباس ـ البحرين ـ )

المرتد يقتل لخطره على المجتمع :

السؤال : هناك من يوصم الإسلام بأنّه لا يعطي الإنسان حرّية اختيار العقيدة ، إذ أنّه يحكم على من يغيّر عقيدته من الإسلام إلى غيره بالارتداد ، والارتداد حكمه القتل ، فهو يسلب منه حرّية الاختيار مسبقاً.

ج : إنّ الحرّية تارة مطلقة ، وأُخرى مقيّدة ، وفي الإنسان ليست حرّيته مطلقة ، بل هناك قيود ـ إمّا دينية أو اجتماعيّة أو مدنية أو ما شابه ذلك ـ فإذا خرج من نطاقها ودائرتها ، فإنّه يدخل في دائرة الحرّية الحيوانية ، فيكون كالأنعام بل أضلّ سبيلاً ، فالإنسان ليس حرّاً على الإطلاق ، بل في عين أنّه حرّ من جهات ، هو مقيّد من جهات أُخرى.

وأمّا بالنسبة إلى اختيار دين من الأديان ، فقبل أن يختار أعطاه الله حرّية الانتخاب ، وإنّه( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) لأنّه( قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ ) ، فأرسل الله الأنبياء والرسل ، وأنزل الكتب ، وهدى الإنسان لنجد الخير ولنجد الشرّ ، والإنسان مختار في انتخاب أيّ الطريقين( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٢) ، فأعطاه الاختيار ابتداءً ، ولكن بعث إليه الأنبياء ، وورثتهم من العلماء الصالحين في كلّ عصر ومصر ، حتّى يعرّفوا الحقّ من الباطل ، ويختاروا ما هو الصحيح.

وهذا كلّه من لطف الله وعدله ، فإنّ اللطف بمعنى ما يقرّب العبد للطاعة ،

____________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢ / ٣٤٢.

٢ ـ الإنسان : ٣.

٢٣٨

ويبعّده عن المعصية ، فقال للإنسان : أنت مختار ، إلاّ أنّه انتخب الدين الصحيح الذي ارتضيته لك ، لأنّ الدين دين الله ، فلابدّ أن نرى أيّ دين يطالبنا به ، وقد ثبت أنّ النبوّة قد ختمت بنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ القرآن الكريم معجزته. وجاء في قوله تعالى :( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١) ، وقوله :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (٢) ، فالدين المختار والمرضي لله هو الإسلام الحنيف ، فقبل الانتخاب كان الإنسان مختاراً ، ولكن الله لا يرضى لعبده ديناً إلاّ الإسلام ، فطلب من الإنسان أن يختار الإسلام ، وهذا من الحرّية الإنسانية ، والعدالة الإلهيّة.

وبعد اختيار الإسلام المرضيّ لا يحقّ له أن يخرج منه ، لأنّ صاحب الإسلام ـ وهو الله سبحانه ـ أراد ذلك ، وأمر أنّه من يرتدّ عن دينه فإنّه يُقتل ، لأنّه يخلّ بالمجتمع الإسلاميّ ، فيكون بحكم الجرثومة المضرّة ، لابدّ من القضاء عليها ، وإلاّ تفسد الشيء ويفسد المجتمع ، والله المولى لا يريد فساد دينه ومجتمعه. ولا أن يكون دينه بيد عبده يوماً يختاره ويوماً يردّه ، فالمجتمع الحاكم عليه حكومة الإسلام ، من ارتدّ عنه فإنّه يُطرد منه ويُقتل ؛ لأنّه يصبح خطراً على المجتمع ، والعقل وكذلك الوحي يأمران برفع الخطر ، وقتل الجراثيم.

( محمّد ـ الكويت ـ )

الحظّ يدخل في القضاء والقدر :

س : هل هناك شيء اسمه الحظّ؟ أم نقول : أنّه القدر؟

وإذا لم يكن هناك شيء اسمه الحظّ ، وأنّه القدر ، فما هو تفسير الشخص الذي لا يأتيه الحظّ الجيّد ، أو القدر الجيّد ، ودائماً أو كثيراً يكون الخسران ، أو تكون الأُمور ضدّه في غالب الأحوال؟ ونسألكم الدعاء.

____________

١ ـ آل عمران : ٨٥.

٢ ـ المائدة : ٣.

٢٣٩

ج : إنّ كان المقصود من الحظّ هو الصدفة التي يعتقد بها علماء المادّة ، فبطبيعة الحال لا يوجد لهذا المصطلح بهذا المعنى وجود في المنظور الإسلاميّ.

أمّا إن كان المقصود من الحظّ ، هو ما يدخل في مفهوم القضاء والقدر ، فهو أمر لا إشكال فيه ، حيث نعتقد أنّ الله تعالى قسّم الأرزاق ، وقدّر لكلّ مخلوق رزقه ، وما يجري عليه من ولادته إلى مماته.

فيقال : أنّ فلاناً مثلاً محظوظ ، أي أنّ الله تعالى وفّقه ، وسهّل عليه الحصول على بعض الاحتياجات الدنيوية ، من تجارة أو صحّة ، أو زوجة صالحة ، أو ذرّية ، وما إلى ذلك.

كما أنّ من المعلوم إمكانية تغيّر القدر ، وذلك تبعاً للأُمور التكوينيّة ، أو بعض القضايا الشرعيّة الواردة في الشريعة الإسلاميّة ، مثل الصدقة تزيد في الرزق ، وصلة الرحم تطيل في العمر ، وغير ذلك.

( وسيمة المدحوب ـ البحرين ـ )

الرقيّ وعلاقتها بالقدر :

س : سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن الرقي ، هل يدفع من القدر شيئاً؟ فقال : ( هي من القدر )(١) ، ما المقصود بهذا الحديث؟ وما علاقة القضاء والقدر بالرقيّ أي الرقعة؟

وفي الختام : نشكر جهودكم المبذولة في خدمة الإسلام والمذهب ، ونسأل الله لكم دوام الموفّقية والسداد ، ونسألكم الدعاء لنا بالتوفيق.

ج : المقصود من القدر هو هندسة الشيء وتحديده ، ثمّ إبرام القضية ، أي القضاء بها ، فعلى هذا يكون القدر قبل القضاء ، ولمّا كان المقصود من القدر هو الهندسة وتحديد شكل القضية ، فيمكن أن تتدخّل عوامل كثيرة في تحديدها ، وبيان الصياغة النهائية لها ، كالدعاء مثلاً ، وإرادة الإنسان كذلك ،

____________

١ ـ التوحيد : ٣٨٢.

٢٤٠