موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٣

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-03-4
الصفحات: 621
المشاهدات: 208834
تحميل: 3448


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 621 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208834 / تحميل: 3448
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 978-600-5213-03-4
العربية

معنى قول الله عزّ وجلّ :( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) (١) ، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا يجوز عليه الرؤية ، حتّى يسأله هذا السؤال؟

فقال الإمام الرضاعليه‌السلام : ( إنّ كليم الله موسى بن عمرانعليه‌السلام علم أنّ الله تعالى عن أن يُرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّبه نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم : أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه.

فقالوا : لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ، ثمّ اختار منهم سبعمائة ، ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسىعليه‌السلام إلى الطور ، وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره ، وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ، ويمين وشمال ، ووراء وأمام ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله ، حتّى نرى الله جهرةً ، فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسىعليه‌السلام : يا ربّ ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعتُ إليهم ، وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم ؛ لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو ، فنعرفه حقّ معرفته.

فقال موسىعليه‌السلام : يا قوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار ، ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتّى تسأله.

____________

١ ـ الأعراف : ١٤٣.

٥٢١

فقال موسى عليه‌السلام : يا ربّ ، إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل ، وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى ، اسألني ما سألوك ، فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليه‌السلام : ( ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه ـ وهو يهوي ـ فسوف تراني ، فلمّا تجلّى ربّه للجبل ـ بآية من آياته ـ جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً ، فلمّا أفاق قال : سبحانك تُبت إليك ـ يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ـ وأنا أوّل المؤمنين منهم بأنّك لا تُرى ).

فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(١) .

وأمّا بالنسبة إلى تجلّي الله عزّ وجلّ للجبل ، فإنّ ظاهر الآية أنّه سبحانه تجلّى للجبل ، وهو لم يتحمّل تجلّيه ، لا أنّه رآه وشاهده.

( أبو علي ـ الجزائر ـ )

التي طلبها موسى :

س : من أيّ قسم كانت الرؤية التي طلبها سيّدنا موسىعليه‌السلام ؟ إذا كان الجواب هو الرؤية البصرية ، فهل سيّدنا موسىعليه‌السلام ـ الذي هو من أولي العزم من الأنبياء ، على علوّ مرتبته وصفاء نفسه ـ لم يكن حاصلاً على هذه الرؤية قبل طلبها؟

وإذا كان الجواب هو الرؤية القلبية ، فلماذا كان جواب الله تعالى باستحالة الرؤية ، مع أنّها متيسّرة للمؤمنين الخلّص فضلاً عن الأنبياء؟

ملاحظة : هذا الأشكال واجهني ، وأنا أبحث مسألة الرؤية ، أرجو أن نتعاون على فكّه.

ج : الرؤية التي طلبها نبيّ الله موسىعليه‌السلام من الله تعالى ، هي الرؤية الحسّية

____________

١ ـ التوحيد : ١٢١.

٥٢٢

البصرية ، لا الرؤية المعنوية القلبية ، ولهذا أجابه الله عزّ وجلّ باستحالة هذه الرؤية الحسّية البصرية بقوله :( لَن تَرَانِي ) (١) .

والسبب الذي دعا موسىعليه‌السلام أن يطلب هذه الرؤية ـ مع علمه واعتقاده بعدم رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، لأنّه يلزم منه التجسيم في حقّ الله تعالى ، ومن ثمّ المحدودية والتناهي ، وهذه كلّها من ملازمات الممكن ، والله واجب الوجود وليس بممكن ـ هو بضغط من قومه ، ولم يكن بدافع من نفس موسىعليه‌السلام ، بدليل قوله تعالى عن لسان قوم موسى :( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (٢) .

( خالد ـ الكويت ـ ٣٥ سنة ـ مهندس )

في المنام أيضاً غير ممكنة :

س : أتوجّه بسؤالي إلى مكتبكم الموقّر ، بخصوص رؤية الباري تعالى في المنام ، حيث إنّ كثيراً ما يخبرني بعض المقرّبين برؤيتهم ، مثل هذه الرؤى ، فقد يرونه نوراً أو رجلاً مهيباً ، فهل هذه رؤى؟ أم هي من الأحلام؟ وكيف يكون للشيطان مدخلاً في هذا الأمر؟

علماً بأنّ رؤية الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتدخّل فيها الشيطان ، فكيف بالخالق سبحانه؟ وهل هذه الرؤى من الرؤى القلبية؟

ج : لا معنى لرؤية الله تعالى في اليقظة أو في المنام ، فإنّ الدليل العقلي والنقلي قائم بعدم إمكان رؤيته من الأساس ، كما هو مقرّر في محلّه.

وأمّا إخبار البعض بحصول هكذا أحلام ، فإن صحّ الخبر ـ بحيث يعتمد عليه ويركن إليه ـ فهو من باب انعكاس عالم التخيّل عند الفرد ، فلا حقيقة له بتاتاً.

____________

١ ـ الأعراف : ١٤٣.

٢ ـ البقرة : ٥٥.

٥٢٣

خصوصاً أنّ الأجواء التي يعيش فيها الإنسان قد تؤثّر في خلق الصور الخيالية الموهومة عنده.

ويحتمل أنّ بعض المبتلين بهذه التوهّمات قد قرؤوا أو سمعوا مقالات باطلة من بعض مجسّمة العصر ـ السلفيّة والوهابيّة ـ حول إمكان الرؤية ، فحصلت لهم هذه التخيّلات الفاسدة.

ثمّ لا ينكر دور الشيطان في المقام ؛ ولا يقاس بعدم إمكان تمثّله بصورة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنسان مخلوق ، فقد يتوهّم أحد أنّ الشيطان يتمكّن أن يظهر في صورة وهيئة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنفاهصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الحديث ـ على أنّ الرواية المشار إليها قابلة للنقاش السندي والدلالي ، ولكن لا يسعنا التطرّق إليه في هذا المختصر ـ فبما أنّ الأمر كان ملتبّساً ، رفع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الالتباس ، ودفع هذه الشبهة.

وبعبارة مختصرة : فإنّ الأمر في المقام كان لا يحتاج كثيراً إلى رفع الإبهام والشبهة ، فإنّ العقل بوحده يكفي في ردّها ؛ فاعتماداً على قدرة العقل لم ترد في المقام نصوص تنفي وتحذّر من مكر الشيطان.

وإلاّ ، فإنّ المقام أيضاً هو مرتع الشيطان يلعب ويعبث بعقيدة المؤمن الساذج ، كما تبنى هذا الدور بعضهم في عصرنا ، وقال : بجواز الرؤية فضل وأضل ، أعاذنا الله وإيّاكم من الفتن.

( علي موسى ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

ممتنعة للكتاب والسنّة والعقل :

س : ما الأدلّة العقلية ، ومن القرآن والسنّة أنّ الله سبحانه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة بالتفصيل ، حتّى نردّ الشبهات؟ اشرحوا لنا ( وَيَبْقَى وَجْهُ

٥٢٤

رَبِّكَ) (١) ، وعن التركيب وما شابه؟

ج : الأدلّة على امتناع رؤية الباري تعالى في الدنيا والآخرة من القرآن والسنّة والعقل كثيرة.

فمن القرآن :

١ ـ قوله تعالى :( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) (٢) .

٢ ـ قوله تعالى :( وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) (٣) .

٣ ـ قوله تعالى :( قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) (٤) .

ومن السنّة :

١ ـ عن الإمام الباقرعليه‌السلام : (لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس )(٥) .

٢ ـ عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : (ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان )(٦) .

٣ ـ عن الإمام الصادقعليه‌السلام : (إنّ الله عظيم رفيع ، لا يقدر العباد على صفته ، ولا يبلغون كنه عظمته ، ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار )(٧) .

٤ ـ عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن قول الله تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا

____________

١ ـ الرحمن : ٢٧.

٢ ـ الأنعام : ١٠٣.

٣ ـ طه : ١١٠.

٤ ـ الأعراف : ١٤٣.

٥ ـ التوحيد : ١٠٨.

٦ ـ المصدر السابق : ١٠٩.

٧ ـ المصدر السابق : ١١٥.

٥٢٥

نَاظِرَةٌ ) (١) : (يعني مشرقة تنظر ثواب ربّها )(٢) .

ومن العقل :

قد اقتضت الضرورة العقلية على أنّ الأبصار بالعين متوقّف على حصول المقابلة بين العين والمرئى ، أو حكم المقابلة ، كما في رؤية الصور في المرآة ؛ وعليه ، فلا يمكن تحقّق الرؤية فيما إذا تنزّه الشيء عن المقابلة ، أو الحلول في المقابلة ، وقد ثبت مسبقاً أنّ المولى عزّ وجلّ ليس بجسم ولا جسماني ، ولا في جهة ، والرؤية فرع كون الشيء في جهة خاصّة.

والمقصود من الوجه الذي نسب إلى الحقّ تعالى في الآية هو ذاته سبحانه ، لا العضو الخاصّ الموجود في جسم الإنسان وما يشابهه ؛ فالقرآن عندما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه ، يقول :( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ) (٣) .

ثمّ يخبر عقيب ذلك مباشرة عن بقاء الذات الإلهيّة ودوامها ، وأنّه لا سبيل للفناء إليها ، فيقول :( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) (٤) .

والتركيب قد يكون عقلياً ، وهو التركيب من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجياً كتركيب الجسم من المادّة والصورة ، وتركيب المقادير وغيرها ، والجميع منتف عن الواجب تعالى ، لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء ، فلا جنس له ولا فصل له ، ولا غيرهما من الأجزاء الحسّية والعقليّة.

____________

١ ـ القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

٢ ـ التوحيد : ١١٦.

٣ ـ الرحمن : ٢٦.

٤ ـ الرحمن : ٢٧.

٥٢٦

الرجعة :

( عبد الحميد عيد ـ البحرين ـ )

مفهومها ووقوعها :

س : ما هو مفهوم الرجعة؟ وفي أيّ زمن تحصل؟

ج : إنّ مفهوم الرجعة هو : رجوع جماعة من الأموات إلى الحياة الدنيوية قبل يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام الإمام المهديّعليه‌السلام وبعده.

ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية في الفساد ، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى النشور ، وما يستحقّونه من الثواب والعقاب.

وأهمّ ما استدلّت به الشيعة الإمامية على إمكان الرجعة ، هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام ـ المروية في الكتب المعتمدة ـ وإجماع الطائفة المحقّة على ثبوتها ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية ، كما استدلّوا أيضاً بالآيات القرآنيّة الدالّة على وقوعها في الأُمم السابقة ، أو الدالّة على وقوعها في المستقبل ، إمّا نصّاً صريحاً ، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها.

ثمّ لا يخفى عليك ، أنّ القول بالرجعة ليس من مختصّات الشيعة ، فإنّ الجميع يؤمنون برجعة السيّد المسيحعليه‌السلام في آخر الزمان.

( السيّد محمّد البحرانيّ ـ البحرين ـ ٤١ سنة ـ طالب جامعة )

لجميع الناس أو بعضهم :

س : ما هي حقيقة الرجعة؟ مِن العلماء مَن يقر هذا الاعتقاد ومنهم من ينفيه

٥٢٧

ويدحضه وأدلّته على مدعاه؟ والحقائق المرتبطة بالرجعة؟

ج : إنّ الرجعة بمعناها الاصطلاحيّ ، هي الرجوع إلى الدنيا ، ويدلّ عليها بعض الآيات القرآنيّة والنصوص المستفيضة من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأصل هذا الاعتقاد من ضروريات المذهب الجعفريّ ، وإن اختلف في حوزة شموله ، فمنهم من يقول بالرجعة لجميع الناس ، ومنهم من يحصرها في عدد معيّن ؛ ثمّ إنّ هناك اختلافاً بالنسبة إلى هؤلاء المتعينيّن مع الاتفاق في موارد.

وأمّا بدء هذه الحركة ، فهو في زمن الإمام الحجّةعليه‌السلام ، ويمتدّ إلى ما بعد أيّامه ، هذا هو المقدار المتيقّن في المسألة ، وفي هذا المجال أقوال وكلمات للعلماء لا يسعنا ذكر تفاصيلها.

( علي المؤمن ـ السعودية ـ )

إثباتها من الكتاب والسنّة :

س : لقد أوضحتم جزاكم الله مفهوم الرجعة من خلال بعض الإجابات ، لكن السؤال : كيف أثبت الرجعة من خلال آيات القرآن الكريم والسنّة؟ شاكراً لكم.

ج : قال السيّد المرتضىقدس‌سره : ( اعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحّدين ـ في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى.

وإنّما الخلاف بينهم : في أنّه يوجد لا محالة ، أو ليس كذلك ، ولا يخالف في صحّة رجعة الأموات إلاّ ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ، لأنّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً جاز أن يوجدها متى شاء )(١) .

وقال الآلوسي : ( وكون الإحياء بعد الإماتة ، والإرجاع إلى الدنيا من

____________

١ ـ رسائل المرتضى ٣ / ١٣٥.

٥٢٨

الأُمور المقدورة له عزّ وجلّ ، ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه )(١) .

فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ، فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة؟! ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها ، لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمّة الهدىعليهم‌السلام بوقوعها؟

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم )(٢) .

وقال تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (٣) .

فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة ، تدلّ على أنّ هؤلاء ماتوا مدّة طويلة ، ثمّ أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدّة طويلة.

فإذا كانت الرجعة قد حدثت في الأزمنة الغابرة ، فلم لا يجوز حدوثها في آخر الزمان :( سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (٤) .

وقال تعالى :( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ) (٥) .

____________

١ ـ روح المعاني ١٠ / ٢٣٧.

٢ ـ مسند أحمد ٢ / ٥١١ ، صحيح البخاريّ ٨ / ١٥١ ، المستدرك ٤ / ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ ، مسند أبي داود : ٢٨٩ ، كتاب السنّة : ٣٦ ، المعجم الكبير ٦ / ١٨٦ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٨٦.

٣ ـ البقرة : ٢٤٣.

٤ ـ الأحزاب : ٦٢.

٥ ـ البقرة : ٢٥٩.

٥٢٩

لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرّ على قرية ، لكنّها متّفقة على أنّه مات مائة عام ، ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثمّ مات بأجله ، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لتركبن سنن من كان قبلكم ).

هذا ، وروي عن أبي بصير أنّه قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : ( ينكر أهل العراق الرجعة )؟ قلت : نعم ، قال : أمّا يقرؤون القرآن( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟(١) .

وروي عن حمّاد ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : ما يقول الناس في هذه الآية :( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) ؟ قلت : يقولون : إنّها في القيامة.

قالعليه‌السلام : ليس كما يقولون ، إنّ ذلك الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟! إنّما آية القيامة قوله :( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) (٢) .

ويمكن أن يتجلّى لنا الهدف من هذا الأمر الخارق الذي أخبر عنه أئمّة الهدىعليهم‌السلام ، إذا عرفنا أنّ العدل الإلهيّ واسع سعة الرحمة الإلهيّة ، ومطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، وأنّه أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، والرجعة نموذج رائع لتطبيق العدالة الإلهيّة ، ذلك لأنّها تعني أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات ممّن محّض الإيمان محضاً ، أو محّض الكفر محضاً ، فيديل المحقّين من المبطلين عند قيام المهديّعليه‌السلام .

وفي الختام : نشير إلى أنّ الشيخ الحرّ العامليّقدس‌سره أورد في الباب الثاني من كتابه ( الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ) اثني عشر دليلاً على صحّة الاعتقاد بالرجعة ، وأهمّ ما استدلّ به الإمامية على ذلك : هو الأحاديث الكثيرة المتواترة علن النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام ـ المروية في الكتب المعتمدة ـ وإجماع الطائفة

____________

١ ـ النمل : ٨٣ ، مختصر بصائر الدرجات : ٢٥.

٢ ـ الكهف : ٤٧ ، مختصر بصائر الدرجات : ٤١.

٥٣٠

المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية.

( حسين العلوي ـ ـ )

نسيان الكافر فيها لعالم البرزخ :

س : هل أنّ أُولئك الأفراد الذين محّضوا الكفر محضاً ، هل مرّوا بعالم البرزخ؟ إذا كانت الإجابة نعم ، هل يتذكّرون ذلك العالم عند بعثهم مرّة أُخرى؟ وإذا كانت الإجابة نعم ، ألا يؤثّر ذلك فيهم؟

خالص شكري لكم ، ودمتم للإسلام ولآل البيت مصباحاً تنيرون به طريق الحقّ.

ج : من الممكن أن يكون هؤلاء وغيرهم قد مرّوا بعالم البرزخ ، ورأوا ما وعدهم الله من سوء المنقلب ، ومن العذاب وعاقبة كفرهم ، إلاّ أنّ هؤلاء لم يتذكّروا عالم البرزخ ، ولم يبق شيء في ذاكرتهم ممّا رأوه ، لذا فإنّ النشأة السابقة التي مرّ بها الإنسان لا يمكن تذكّرها ، كنشأة عالم الجنين ، وما مرّ به الجنين من أطوارٍ ومراحل ، هذا حال جميع الخلق الذين يمرّون بنشأة قبل خلقهم ، فهم لا يتذكّرون منها شيئاً ، كما أن الكفّار لا يتذكّرون من عوالمهم البرزخية شيئاً ، ودليل ذلك قوله تعالى :( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) (١) .

مع أنّهم لبثوا أحقاباً وهم لا يتذكّرون كم لبثوا ، ولو تأمّلنا في حال النائم ، فهو لا يتذكّر كم نامَ ، وفي أيّ نشأةٍ كان ، وبأيّ الأحوال مرّ ، وقس كلّ ذلك حال الكفّار ، وقد مروا بعالم البرزخ.

ومن الممكن أيضاً ـ وهو الأقرب والأصحّ ـ أنّ هؤلاء قد محضوا الكفر والنفاق فلا يرجعون عن غيّهم حتى ولو رأوا العذاب ومرّوا به ، وقد قال تعالى :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ

____________

١ ـ الكهف : ١٩.

٥٣١

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) (١) .

( ـ ـ )

رواياتها تنصّ على رجعة النبيّ وآله :

س : هل رواية أنّ جزاء الحسين الدنيوي ، هو حكمه الطويل في زمن الرجعة؟ هل تحكم فيه كلّ الأئمّة أم إمام دون آخر؟ وماذا عن رسول الله؟

ج : الرجعة تعدّ واحدة من أُمور الغيب ، واستدلّ الإمامية على صحّة الاعتقاد بالرجعة بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبيّ وآله المعصومينعليهم‌السلام ـ المروية في المصادر المعتبرة ـ فضلاً عن إجماع الطائفة المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات المذهب.

كما واستدلّ الشيعة على إمكان الرجعة بالآيات القرآنيّة ، الدالّة على رجوع أقوام من الأُمم السابقة إلى الحياة الدنيا ، رغم خروجهم من عالم الأحياء إلى عالم الموتى ، كالذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وهم ألوف ، والذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، والذين أخذتهم الصاعقة ، وأصحاب الكهف ، وذي القرنين ، وغيرهم.

واستدلّ الشيعة على وقوع الرجعة في المستقبل ، بقوله تعالى :( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) (٢) الدال على الحشر الخاصّ قبل يوم القيامة.

ومن حصيلة مجموع الروايات الواردة في الرجعة نلاحظ : أنّها تنصّ على رجعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، والإمام الحسينعليه‌السلام ، وكذلك باقي الأئمّة والأنبياءعليهم‌السلام ، وتنصّ كذلك على رجعة عدد من أنصار الإمام المهديّعليه‌السلام ، وبعض أصحاب الأئمّة ، ومن جانب آخر تنصّ على رجعة الظالمين ،

____________

١ ـ الأنعام : ٢٧ ـ ٢٨.

٢ ـ النمل : ٨٣.

٥٣٢

وأعداء الله ورسوله وأهل بيتهعليهم‌السلام .

قال السيّد عبد الله شبر : ( يجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأن بعض المؤمنين وبعض الكفّار يرجعون إلى الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهمعليهم‌السلام ، والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسينعليهما‌السلام متواترة معنى ، وفي باقي الأئمّة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم ، هل هو على الترتيب أو غيره؟ فكلّ علمه إلى الله سبحانه وإلى أوليائه ).

( أبو أحمد البحرانيّ ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

كيفية حكم الأئمّة بعدها :

س : هلاّ بيّنتم لنا عن كيفية حكم الأئمّةعليهم‌السلام بعد الرجعة؟ فهل تكون على سبيل المثال الحاكمية للإمام الحسينعليه‌السلام حين يرجع؟ أم تكون للمهدي المنتظرعليه‌السلام ؟ خصوصاً بعد دلالة الروايات على أنّه أوّل من يرجع من الأئمّةعليهم‌السلام .

وهل أنّ البشرية بعد حاكمية دولة الحقّ تنقى من شوائب الإجرام إلى قيام الساعة؟ أم أنّ بعض الناس ينقلبون على الحقّ ويتّبعون الباطل؟

ج : من خلال مراجعة بعض الروايات يتّضح أنّ أوّل من يحكم هو الإمام المنتظرعليه‌السلام ، ثمّ بعد ذلك الإمام الحسينعليه‌السلام ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام حينما سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال : ( نعم ) ، فقيل له : من أوّل من يخرج؟ قال : ( الحسينعليه‌السلام يخرج عن أثر القائم ) ، قلت : ومعه الناس كلّهم؟ قال : ( لا ، بل كما ذكر الله في كتابه :( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ) (١) قوم بعد قوم ، ويقبل الحسينعليه‌السلام في أصحابه الذين قُتلوا معه ، ومعه سبعون نبيّاً ، كما بعثوا مع موسى بن عمرانعليه‌السلام ، فيدفع إليه القائم الخاتم ، فيكون الحسينعليه‌السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته )(٢) .

____________

١ ـ النبأ : ١٨.

٢ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٤٨.

٥٣٣

ثمّ إنّ بعض الروايات تشير إلى أنّ النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله يقتل إبليس ، فيكون بقتله هلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد الله تعالى ولا يشرك به شيئاً ، أمّا قبل ذلك في زمن الإمام المهديّعليه‌السلام فالخلق سوف لا يكونون معصومين ، وليس جميعهم عدولاً ، لكن الإمام يحكم بينهم بالعدل ، ويأخذ للمظلوم حقّه من الظالم.

٥٣٤

رزية يوم الخميس :

( محمّد ـ قطر ـ )

لم يكتب النبيّ بعدها كتاباً :

س : نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيتعليهم‌السلام ، ووفّقكم الله لكلّ خير.

سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، الكلّ يعلم بأنّ الرزية حدثت يوم الخميس ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب علميّ توفّى يوم الاثنين ، فلماذا لم يكتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصيّته في هذه المدّة؟ ولكم منّي كلّ شكر وامتنان على ما تقدّموه.

ج : إنّما عدل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكتابة ، لأنّ كلمة عمر بن الخطّاب : ( إنّ الرجل ليهجر ، أو ليهذي ، أو قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ) ، واتفاق كلمة أكثر الحاضرين على ما قاله عمر ـ هذه الكلمة التي فاجأت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ اضطرّته إلى العدول عن الكتابة ، إذ لم يبق بعدها أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده ، في أنّه هل هجر فيما كتبه ـ والعياذ بالله ـ أو لم يهجر ، كما اختلفوا في ذلك وأكثروا اللغو واللغط نصب عينيّه ، فلم يتسنّ له يومئذ أكثر من قوله لهم : (قوموا عنّي )(١) .

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٣٢٥ ، صحيح البخاريّ ١ / ٣٧ و ٨ / ١٦١ ، السنن الكبرى للنسائيّ ٤ / ٣٦ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٨٧ ، الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم ٧ / ٩٨٤ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٤٤ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٧١ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ١٩٢ ، السيرة النبويّة لابن كثير ٤ / ٤٩٩.

٥٣٥

ولو أصرّ فكتب الكتاب للجّوا في قولهم هجر ، ولأوغل أشياعهم في إثبات هجره ـ والعياذ بالله ـ فسطّروا به أساطيرهم ، وملأوا طواميرهم ردّاً على ذلك الكتاب ، وعلى من يحتجّ به.

لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضربصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك الكتاب صفحاً ، لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم باباً إلى الطعن في النبوّة ـ نعوذ بالله وبه نستجير ـ وقد رأىصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ عليّاً وأولياءه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب ـ سواء عليهم كتب أم لم يكتب ـ وغيرهم لا يعمل به ، ولا يعتبره حتّى لو كتب ، فالحكمة ـ والحال هذه ـ توجب تركه ، إذ لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة ، كما لا يخفى.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

قول بعضهم للإمام السجّاد : أنّه ليهجر :

س : بعد السلام والتحية أحتجّ الأخوة الأشاعرة بما يشابه حديث الرزية عندهم ، في ختام نشرة وزّعوها حول موضوع الرزية ، قال الكاتب : ملاحظة هذه رواية روتها كتب الشيعة الإمامية في حقّ أحد الأئمّة ، وهو معصوم عندهم ، لا فرق بينه وبين النبيّ إلاّ بالإيحاء :

قال ابن طاووس شرف العترة وركن الإسلام في كتابه فرج المهموم : ( ومن ذلك في دلائل علي بن الحسينعليهما‌السلام ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر بن رستم ، قال : حضر علي بن الحسين الموت ، فقال لولده : ( يا محمّد أيّ ليلة هذه )؟ ثمّ دعا بوضوء فجيء به ، فقال : ( إنّ فيه فارة ) ، فقال بعض القوم : أنّه ليهجر ، فجاءوا بالمصباح ) (١) .

ج : يلاحظ أوّلاً : أنّ الحديث المذكور مع اشتماله على هذه الصيغة ـ ليهجرـ

____________

١ ـ فرج المهموم : ٢٢٨.

٥٣٦

قد ورد فقط في كتاب فرج المهموم بسند غير واضح ، وعليه فلا دليل على اعتباره مطلقاً.

وثانياً : جاء هذا الحديث بدون ذكر هذه العبارة في مصادر حديثية أُخرى : كمختصر بصائر الدرجات(١) ، وبصائر الدرجات(٢) ، والكافي(٣) ، ومناقب آل أبي طالب(٤) ، وكشف الغمّة(٥) .

ومنه يظهر : أنّ النقل المذكور في السؤال حتّى لو كان معتبراً ـ فرضاً ـ كان متعارضاً مع نقل باقي المصادر التي ذكرناها ، فتكون مرجوحة بالنسبة إليها.

وثالثاً : أنّ الأئمّةعليهم‌السلام كانوا يعيشون حالة التقيّة والتستّر من الأعداء ، وهذا يعني أنّهم كانوا يحاطون بمجموعة من الأشخاص الذين لهم صلة بالجهات الحكومية آنذاك ، أو على الأقلّ لا يعترفون بإمامتهم ، وهذا يظهر من حياتهم وسيرتهم بأدنى تأمّل ، إذ يوجد هناك من كان راوياً عن الإمامعليه‌السلام ، ولم يعتقد به كإمام.

وعلى هذا ، فصدور كلمة أو اتخاذ موقف لدى بعض الناس لا يدلّ على تشيّعه ، بل وفي عبارة الرواية المذكورة ما يوحي خلاف ذلك ، إذ جاء فيها : ( فقال بعض القوم ) ، والتعبير بالقوم يستعمل عادةً في أحاديثنا للإشارة إلى أهل السنّة ، كما هو الحال بالنسبة للتعبير بالناس.

وعليه ، فالخطّ المعادي للحقّ قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه ليهجر ، واستمر هذا الخطّ المعادي إلى أن وصل إلى زمن الإمام السجّادعليه‌السلام ، وقال : إنّه ليهجر ، ولو تتبعنا في التاريخ ربما وجدنا أنّ هذه الكلمة تكرّرت لسائر أهل البيتعليهم‌السلام .

____________

١ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٧.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٥٠٣.

٣ ـ الكافي ١ / ٤٦٨.

٤ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٨٣.

٥ ـ كشف الغمّة ٢ / ٣٢٢.

٥٣٧

( عبد العليم ـ أندونيسيا ـ ٣٨ سنة ـ طالب جامعة )

سبب امتناع النبيّ من الكتابة :

س : سؤالي هو : لماذا عندما أمر الله تعالى النبيّ بكتابة كتاب للقوم في رزية الخميس ، وعندها تجرّأ عمر ومنع النبيّ من كتابة ذلك الكتاب ، فهل كان امتناع النبيّ من الكتابة بأمر من الله؟ أم منه ، مع رضا الله بذلك؟ وإذا كان منه تعالى ، فهل كان بداءً؟ أو كان غير ذلك ، يعني هل كان عمر سبباً في منع الكتابة؟ والحال الآية القرآنيّة تشير إلى أنّ الله يعصمك من الناس؟؟

وشكراً لجهودكم الطيّبة.

ج : إنّ الأوامر والنواهي الواردة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد تكون مطلقة ـ أي لا تتقيّد بحالة دون حالة ـ وقد ترد بصورة التعليق ـ أي أنّها مقيّدة بقيود ـ ولكلّ من القسمين شواهد في سيرته وحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي المقام ، كانت كتابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مشروطة ومقيّدة بتمكين الكلّ ، وعدم إظهار الخلاف عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّه لم تحصل هذه الجهة انتفت الكتابة من الأساس.

ولو أمعنّا النظر في المسألة ، لوجدنا أنّ الكتابة في ذلك الظرف الحسّاس ـ وبدون رضوخ القوم لها ـ كانت تؤدّي إلى انشقاق وتشتّت الأُمّة ، مضافاً لفقدها قائدها ؛ فنظراً لهذه المصلحة الهامّة غضّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طرفه ، ورفع يده عن الكتابة ، اعتماداً على إبلاغ ووصول الوصية المذكورة بمرّات وكرّات في طول عهد البعثة النبويّة ، وخشيةً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله على وحدة الأُمّة.

نعم ، لو كانت تكتب تلك الوصية ، كان أمر الإمامة والخلافة أكثر وضوحاً عند عامّة الناس ، ولكن في نفس الوقت ، بما أنّ عمر خالف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جهراً ، وأيّدته عصابته في ذلك ، رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ كتابة الوصية آنذاك أصبحت مرجوحة ، فأعرض عنها.

٥٣٨

وبالجملة : فمنع عمر كان سبباً سلبيّاً في الموضوع بدون شكّ.

وأمّا الآية الشريفة ، فتشير إلى قضية الإبلاغ في غدير خم ، إذ كان الأمر هناك مطلقاً ، وبدون تعليق على شرط أو قيد ؛ وحتّى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخشى من ارتداد الناس ، وعدم قبولهم للحقّ ، فجاء الوحي لدفع هذا الاحتمال ، فكان الأمر كما أراده الله تعالى.

فظهر ممّا ذكرنا : أنّ موضوع الإبلاغ في الغدير يختلف عن موضوع كتابة الوصية ، باختلاف نوعية الأمر النازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حسين الثابت ـ السعودية ـ ٤٠ سنة ـ خرّيج ثانوية )

موقف المسلمين من مقولة عمر :

س : كيف سكت المسلمون عندما سمعوا من عمر كلمة يهجر؟ هل هؤلاء لم يكونوا مسلمين؟ أم إسلامهم بالقول فقط؟ وإذا كانوا بهذا المستوى ، من الذي بنى أمجاد الإسلام؟ أليس هم هؤلاء المسلمين؟ وكيف رضخوا بالأمر الواقع؟ هل خوفاً من عمر؟ أم أنّ في الأمر سرّاً؟ خصوصاً إذا علمنا أنّ الإسلام انتصر بالسيف ، ووصل إلى جميع بقاع الدنيا ـ كما نقرأ في التاريخ ـ وهناك أحداث سياسية مضطربة في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كيف نوفّق بين هذا وهذا؟

هل لا يوجد تناقض بين الأمرين؟ خصوصاً أنّ المسلمين دائماً ما يفتخرون بإنجازاتهم وبطولاتهم التي ملأت الخافقين ، نرجو الإيضاح ، وكيف قبل المسلمون خلافة أبي بكر؟ رغم أنّه غير موصى به من قبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل المسلمون قبلوا ذلك رغماً عنهم؟ أم أنّ ذلك مؤامرة منهم؟ وأين الأغلبية منهم؟ والأبطال الذين مدحهم الرسول في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لم يثبت لدينا أنّ المسلمين بأجمعهم قد سمعوا كلمة عمر ، بل سمعها الحاضرون عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نقل هذا الخبر والحادث بواسطة هؤلاء إلى الآخرين ، فوصل إلينا.

وبما أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نهاهم من التشاجر والخلاف عنده ، حصل نوع من

٥٣٩

الغفلة والتناسي عند القوم بالنسبة لمقولة عمر ، فاستغلّ أصحاب السقيفة هذه الفجوة ، واشتغال الناس بمأساة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فحدث ما حدث.

وعليه ، فالنتيجة حصلت لهم بفضل التعتيم الإعلامي المذكور ، وإلاّ فالخطّ العامّ من المسلمين كان لا يصبر على هذه الجسارة الصادرة من عمر إن سمعها.

ثمّ ذكرت الأمجاد ، فإنّ كان المراد منها الفتوحات التي كان بعضها باستشارة أمير المؤمنينعليه‌السلام فلا كلام في شرعيّتها ، ومدى تأثيرها في توسيع رقعة الإسلام ، مع نشر فكره وثقافته.

وأمّا أكثر هذه الحروب والفتوحات لم تكن في مصلحة الدين بقدر ما كان الداعي إليها توسيع دائرة الحكم ، فترى أحياناً أنّها كانت مثيرة للضغائن عند بعض الأُمم والقوميات ، ممّا كان ينعكس سلبيّاً على معاملتهم مع أصل الدين.

وصفوة القول : أنّنا لا نسلّم بأنّ مطلق الفتوحات بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تحسب من الأمجاد ، بل الأمر قابل للنقاش في الموارد المختلفة.

فخلافة الثلاثة الأُول جاءت نتيجةً لمؤامرة مدبّرة من قبل البعض ، خلافاً للنصوص الواردة في الموضوع ، ورغماً عن رأي الأقلّية المحقّة ، فاستغلّوا غفلة الأغلبية وعدم تجاوبهم مع الحقّ ، فجاءوا بالباطل بدلاً عن الحقّ.

ويمكنك مراجعة الأسئلة المتعلّقة بالإمامة فإن فيها أجوبة أكثر تفصيلاً.

٥٤٠