موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253272 / تحميل: 6998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ومن هذا المنطلق ، كان التواجد الشيعي في إيران منذ الصدر الأوّل مع الفتوحات الإسلامية ، فعلى سبيل المثال ترى أنّ مناطق من آذربيجان عندما فُتحت أسلم أهلها ، واعتنقوا المذهب الشيعي ، بما إنّ القائد لفتوحات تلك المنطقة كان مسلم بن عوسجةرضی‌الله‌عنه ـ الذي استشهد فيما بعد في كربلاء ـ فيقول التاريخ عنه : أنّه كان يأخذ البيعة لعليعليه‌السلام بعد الشهادتين.

وترى أيضاً : إنّ أهل قم كانوا من الشيعة الخلّص في القرن الأوّل الهجري بنزول الأشعريين فيها(١) .

وإنّ خراسان كانت تحتضن الزخم الهائل من الشيعة ، بعدما هجّر زياد بن أبيه ـ حاكم الكوفة ـ خمسين ألف من الشيعة من الكوفة إلى خراسان ـ وهذا هو الداعي لاستغلال العباسيين الموقف للثورة على الأمويين بمعونة الخراسانيين ، لما كانوا يعرفون العداء بينهم وبين الأمويين ـ وأنّ قدوم الإمام الرضاعليه‌السلام إلى خراسان ، كان له التأثير التام ـ وإن كان هوعليه‌السلام تحت رقابة عباسية شديدة ـ في نشر الفكر الشيعي في تلك المنطقة بالأخصّ ، وفي جميع ربوع إيران على نحو العموم.

وبالجملة : كانت نشأة التشيّع في بعض المناطق الأُخرى هكذا : كمنطقة همدان ، إصفهان ، ري ، قزوين ، فارس ، طبرستان ، كاشان ، سجستان ـ من القرن الثالث للهجرة ـ وكرمان ، خوزستان ـ من القرن الرابع للهجرة ـ بيهق ـ من القرن السادس ـ ومناطق أُخرى.

ثانياً : إنّ الدولة الصفوية ـ التي جاءت إلى الحكم في القرن العاشر للهجرة ـ لا دور لها في تأسيس الفكر الشيعي في إيران.

نعم ، كان لها الفضل في تشييد أركان التشيّع في المنطقة ، بحذف الحكومات الجائرة التي كانت تمنع الإعلام والتحرّك الشيعي ، وأيضاً

____________

١ ـ معجم البلدان ٤ / ٣٩٧.

٨١

ساهمت ـ هذه الدولة ـ في تثبيت الأُسس الشيعية في المعارف والعقائد والأحكام بتخصيص الموارد المالية ، ودعم علماء الطائفة وغيرها.

ولا يخفى أنّ هذا الدور كان أيضاً للدولة البويهية والدولة السربدارية ، وبعض ملوك المغول ، الذين تشيّعوا بيد العلاّمة الحلّيقدس‌سره ـ في القرن الثامن ـ في نطاق أضيق.

( حسين حسن العلي ـ سوريا ـ )

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم :

س : السلام على من يتّبع هدي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لماذا اسمع عن أهل السنّة أنّ عندهم دلائل من القرآن والحديث ، ولا اسمع هذا الشيء من الشيعة؟

ج : إنّ الشيعة تعتمد في حقّانيّتها على الحديث المتواتر عند الفريقين ، وهو حديث الثقلين ، حيث قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) ، فمن باب أولى تعتمد الشيعة على هذين المصدرين كركيزتين أساسيّتين في إثبات مذهبها ، واستخراج أُصولها وفروعها.

____________

١ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

٨٢

وهل كان هناك مورداً واحداً تدّعيه الشيعة بلا سندٍ من الكتاب والسنّة الصحيحة؟ والمتّتبع للأقوال يرى أنّ ما تقوله هذه الطائفة ـ في أيّ مجال ـ هو المطابق للقرآن والآثار المروية حتّى في كتب أهل السنّة.

وللكلام في هذا المضمار مجال واسع ، ويكفيك أن تقرأ كتب الشيعة المشحونة بهذه الأدلّة القرآنية والحديثية.

( ليالي ـ السعودية ـ ١٨ سنة ـ طالبة ثانوية )

الفرق بينهم وبين السنّة :

س : ما الفرق بين الشيعة والسنّة؟

ج : الفرق بين الشيعة والسنّة باختصار هو : أنّ الشيعة تعتقد بإمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ـ بحسب الأدلّة العقلية والنقلية المذكورة في مظانّها ـ ثمّ ترى الإمامة في المعصومين الأحد عشر ـ المنصوص عليهم من قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أولاد عليعليه‌السلام ـ وهذا هو الفارق الأساسي بينهما.

ثمّ إنّ هناك فروقاً أُخرى في فهم الشريعة ، وأُصول الدين وفروعه ، كُلّها تبتني على الأخذ من معارف وعلوم أهل البيتعليهم‌السلام ، فالشيعة ـ بما ترى العصمة في أئمّتهاعليهم‌السلام ـ تلتزم بالسير في هداهم والتمسّك بسيرتهم.

ولكن أهل السنّة بما أنّهم حرموا من اتّباع خط الإمامة ، أصبحوا صفر اليد من هذه المعارف الإلهية ، وعلى العكس ، أخذوا علومهم من أشخاص معيّنين ـ كأئمّة المذاهب الأربعة وغيرهم ـ ممّن لا ضمان لعلومهم وأقوالهم من الخطأ والزلل ، ثمّ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) (١) .

____________

١ ـ يونس : ٣٥.

٨٣

( حيدر ـ الكويت ـ )

من علامات الشيعي التختم باليمين :

س : ما هي الدلائل التي نأخذها ـ نحن الشيعة ـ عند ارتداء الخاتم باليد ، حيث أنّنا نرتدي الخواتم ـ سواء عقيق أو غيره ـ في كلتا اليدين.

فأرجو أن توضّحوا لنا الدلائل من كتب السنّة والشيعة ، حيث أن السنّة يقولون : إنّ التختّم ـ عموماً باليمين أو باليسار ـ هو بدعة ، فكيف أرد على مثل هؤلاء؟

ج : لا خلاف في استحباب التختّم ـ وخصوصاً باليمين عند الشيعة ـ وهذا ممّا تكاثرت عليه الروايات والأقوال عند علماء الشيعة ، وقد أخذوه قطعاً من السنّة النبوية الشريفة.

فعلى سبيل المثال : « عن عائشة : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه ، وقبضصلى‌الله‌عليه‌وآله والخاتم في يمينه »(١) .

وذكر السلامي : « أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك »(٢) .

وأيضاً صرّح بعضهم كالإمام البروسوي في تفسيره : « كالتختّم باليمين فإنّه في الأصل سنّة ، لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا »(٣) .

وأمّا ما روي من طريق أهل البيتعليهم‌السلام في استحباب التختّم في اليمين فكثير جدّاً(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٥ / ١٥٣.

٢ ـ ربيع الأبرار ٤ / ٢٤.

٣ ـ روح البيان ٤ / ١٤٢.

٤ ـ جامع أحاديث الشيعة ٢١ / ٤٥٩.

٨٤

نعم ، إذا تختّم الإنسان باليمين فقد أصاب السنّة ، فإذا أراد أن يتختّم بخاتم آخر ، فيمكنه أن يتختّم باليسار ، بشرط أن يبقى الخاتم الأوّل في يده اليمنى.

( صفاء ـ سوريا ـ )

الفرق بينهم وبين العلويين :

س : من هم العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين الشيعة؟

ج : العلويون منهم من يؤلّه علياًعليه‌السلام فهؤلاء كفّار ، ولا توجد لهم أيّ صلة بالشيعة ، ومنهم من يغالي في عليعليه‌السلام ويعطي له صفات الربوبية ، وهؤلاء أيضاً لا صلة لهم بالشيعة ، ومنهم من لا يلتزم بالأحكام الشرعية ولا يرى وجوبها ، وهؤلاء أيضاً التشيّع منهم بريء.

نعم ، بعض العلويين معتدلين في الاعتقاد ، ملتزمين بالأحكام الشرعية ، يعتقدون ويعملون كما يعمل الشيعة ، وهؤلاء لا يوجد فرق أساسي بينهم وبين الشيعة.

( سلمان ـ الكويت ـ )

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية :

س : أُريد الإجابة بكُلّ صراحة ، هل الشيعة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي : الإخبارية والشيخية والأُصولية؟ وإذا كان صحيحاً أرجو التوضيح ، وإذا كان خاطئاً أرجو معرفة الصواب ، مع خالص الشكر لكم.

ج : إنّ الشيعة ينقسمون الآن إلى ثلاث فرق : الشيعة الزيدية ، والشيعة الإسماعيلية ، والشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والزيدية والإسماعيلية قليلون ، والنسبة الأكثر تعود إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، حتّى إنّه إذا أطلق لفظ التشيّع يتبادر إلى الأذهان الإمامية.

٨٥

وأمّا ما ذكرت من الإخبارية والشيخية والأُصولية فإنّها ليست فرق ، بل هم شيعة إمامية اثنا عشرية ، وإن اختلفوا في بعض المباني العلمية فيما بينهم ، إلاّ أنّ اختلافهم لا يخرجهم عن التشيّع ، شأنهم شأن اختلاف مراجع مذهب واحد في بعض النظريات.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة :

س : أسيادنا الأعزّة ، ما تحليلكم لقول الإمام عليعليه‌السلام الوارد في الكافي : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(١) .

يستغل بعض المشاغبين هذا النصّ للقول أنّ الإمام قد تبرّأ ممّن ينتسب لمسلكه.

ج : الرواية هذا نصّها : وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن سليمان ، عن إبراهيم ابن عبد الله الصوفي ، قال : حدّثني موسى ابن بكر الواسطي قال : قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : «لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلاّ ما كان لي ، إنّهم طال ما أتكوا على الأرائك ، فقالوا : نحن شيعة علي ، إنّما شيعة علي من صدق قوله فعله ».

وهذه الرواية أوّلاً : ليست عن الإمام أبي الحسن عليعليه‌السلام ، بل المراد من أبي الحسن هنا هو الإمام الكاظمعليه‌السلام .

وثانياً : ضعيفة السند بإبراهيم بن بكر الصوفي.

وثالثاً : تتعرّض لمن يخالفون أهل البيتعليهم‌السلام ويدّعون أنّهم من شيعتهم ، كمؤيّدي أعدائهم والمدافعين عنهم ، فإنّها تتعرّض لمن يدعون محبّة أهل البيت ولا يعملون بمقتضى المحبّة.

____________

١ ـ الكافي ٨ / ٢٢٨.

٨٦

وأهل السنّة هم الذين يفعلون ذلك ، فيدّعون حبّ أهل البيت ويأخذون دينهم من أعدائهم ، فالبخاري يروي عن معاوية وعمرو بن العاص ومروان وغيرهم من أعداء أهل البيت ، ولا يروي عن فاطمة الزهراء والإمام الحسنعليهما‌السلام .

فأكثر أهل السنّة يدّعون المحبّة ولا يصدّقهم العمل ، وفي آخر هذه الرواية : « إنّما شيعتنا من صدق قوله فعله ».

ورابعاً : إذا كان أكثر من يدّعي التشيّع ويحاول اللحوق بركبهم بهذه الأوصاف ، فما حال النواصب والتابعين لأعدائهم؟!

( فاطمة ـ الإمارات ـ )

الفرق بينهم وبين الصوفية :

س : هل يمكن أن تزوّدوني ببعض المعلومات حول الطائفة الصوفية ، وعن الفرق بيننا ـ نحن الشيعة ـ وبينهم في عقيدة التوسّل بالأولياء؟

ج : توجد الكثير من المشتركات فيما بيننا وبين الصوفية ، منها مسألة الزيارة والتبرّك والتوسّل ، كما وتوجد اختلافات أساسية أيضاً ، إذ إنّ الكثير من الصوفية على منهج أهل السنّة ، وإن كانت عندهم محبّة شديدة لأهل البيتعليهم‌السلام ، إذ كما تعلمون أنّ الحبّ شيء والاتباع شيء آخر.

كما أنّ الشيعة تتمسّك بالأذكار بما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك سواء كان في نفس الذكر والدعاء أو في عدده وتكراره ، أمّا الصوفية فلهم أذكارهم الخاصّة ، والتمسّك بعدد معيّن لم ترد أكثرها في الأحاديث النبوية ، ولا في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام .

والتصوّف يميل إلى العزلة ، والتشيّع صريح في كون الإنسان في المجتمع ، ويكون أيضاً متّصلاً بالله تعالى ، وذلك تمسّكاً من الشيعة بأهل البيتعليهم‌السلام الذين قالوا : «لا رهبانية في الإسلام »(١) ، وفوارق أُخرى كثيرة.

____________

١ ـ مجمع البيان ٩ / ٤٠٢ ، دعائم الإسلام ٢ / ١٩٣.

٨٧

( حسن محمّد يوسف ـ البحرين ـ )

لا تألّه غير الله تعالى :

س : هل نقول ـ نحن الشيعة ـ بتأليه النبيّ أو الإمام أو أحد الأئمّة عليهم‌السلام ؟ وما هو مصدر هذه الفكرة؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، ولا تألّه غير الله تعالى ، ومن ينسب إلى الشيعة أنّهم يألّهون غير الله تعالى فهو افتراء على الشيعة.

وأمّا مصدر هذه الفكرة هو : إنّ من طرق خصوم الشيعة للطعن بالتشيّع هو الافتراء والالتجاء إلى اختلاق أفكار ونسبتها إلى الشيعة ، والكثير من هذه النسب والافتراءات لم يسمع بها الشيعة ، فضلاً عن أن يعتقدوا بها.

( حسن أحمد عبد الرزاق ـ البحرين ـ )

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل :

س : من هو أحق الشيعة أو السنّة؟ وما الدليل؟

ج : إنّ الدين عند الله الإسلام ، ونبي هذا الدين هو محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومعجزته القرآن الكريم ، والتشيّع هو الإسلام ، والإسلام هو التشيّع ، ومنشأ الاختلاف كان بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصل الاختلاف في الإمامة ، فمن المسلّم عند الجميع أنّ الأنبياء كان لهم أوصياء ، فهل لنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وصي؟

هل عيّن رسول الله الخليفة من بعده ونصّ عليه؟ وإذا لم يكن قد عيّن الخليفة ، هل وضّح الرسول نظام الحكم في الإسلام؟ وما هي الأُسس التي تبتني عليه الأُمّة في تعيين الخليفة؟

هل الخلافة ببيعة الناس لشخص حتّى ولو كان كبار القوم قد تخلّفوا عن البيعة! كما حدث لخلافة أبي بكر! أم أنّها بالنصّ والتعيين كما نصّ

٨٨

أبو بكر على عمر؟! أم أنّها بالشورى؟ كما حدث لعثمان ، مع العلم أنّ الشورى ما كانت حقيقية ، وإنّما هي أقرب ما تكون إلى مسرح أو تمثيلية!!

أُناس اعتمدوا على القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، وأدلّة العقل والفطرة ، وقالوا : إنّ الإمامة بالنصّ ، نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليعليه‌السلام بالإمامة ، والإمامة إلهية ، واحتجّوا بآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التصدّق بالخاتم ، وحديث الثقلين ، وحديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وغيرها من الآيات والأحاديث.

وإنّ العقل يحتّم على كُلّ إنسان يريد سفراً أن يوصي بعياله من يدبّر أُمورهم ويرجعون إليه ، فكيف برسول الله يغادر أُمّته إلى الأبد ، ويتركهم سدى بلا أن يعيّن لهم خليفة ، وهؤلاء الناس هم الشيعة ، لمشايعتهم علياًعليه‌السلام .

( محمّد خالد زواهرة ـ فلسطين ـ )

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :

س : هل كانت الشيعة في زمن الرسول؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها؟

ج : ما كانت في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله سنّة ولا شيعة ، كان الرسول والقرآن ، وإنّما نشأ الاختلاف بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث اختلفت الأُمّة في مسألة الخلافة والإمامة.

فقسم قال : بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يعيّن ولم ينصّ على أحد يكون بعده خليفة ، وإنّما أوكل الأمر إلى الأُمّة ، فتارة قالوا : الخليفة يكون بالبيعة ، وهي لم تتمّ لأبي بكر ، إذ تخلّف عنها كبار بني هاشم والصحابة ، ولم يبايعوا إلاّ بعد مدّة وبالقوّة ، وتارة ينصّ أبو بكر على عمر ، وتارة الشورى التي أمر بها عمر ، وهي أشبه ما تكون بالتمثيلية ، وهؤلاء هم أهل السنّة.

٨٩

وقسم قال : بأنّ الإمامة بالنصّ ـ وكما كان للأنبياء السابقين أوصياء فكذلك لنبيّنا ـ وإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على الإمام عليعليه‌السلام في الغدير وغيره ، ويستدلّ هؤلاء بآيات كثيرة ـ كآية البلاغ والتطهير والإنذار والتصدّق بالخاتم ـ وبأحاديث كثيرة متواترة ـ كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة ـ وهؤلاء هم الشيعة.

( بشاير ـ الكويت ـ )

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :

س : إنّي أواجه صعوبة مع أحد صديقاتي في ما هو معنى الشيعة؟ ولماذا أطلق هذا الاسم؟ وأنا في الحقيقة لا أعلم الكثير ، فأحببت أن أشارك حتّى أستفيد ، ولا تتصوّرون فرحتي الكبيرة لأنّي وجدت هذا الموقع ، وشكراً.

ج : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله بالنصّ ـ يعني أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده ـ وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام عليعليه‌السلام للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك.

فمن تابع علياًعليه‌السلام وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا علياًعليه‌السلام .

هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (١) .

____________

١ ـ البينة : ٧.

٩٠

١ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك »(١) ، «أنت يا علي وشيعتك »(٢) ، «هم أنت وشيعتك »(٣) .

٢ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «أنت وشيعتك في الجنّة »(٤) .

٣ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم ستراً من الله عليهم ، إلاّ هذا ـ يعني علياً ـ وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم »(٥) .

٤ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « يا علي إنّك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين »(٦) .

٥ ـ وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « يا علي إنّ الله قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك »(٧) .

٦ ـ وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا »(٨) .

____________

١ ـ نظم درر السمطين : ٩٢ ، الدرّ المنثور ٦ / ٣٧٩ ، فتح القدير ٥ / ٤٧٧ ، المناقب : ٢٢٦ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧.

٢ ـ جامع البيان ٣٠ / ٣٣٥.

٣ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٤٥٩.

٤ ـ المعجم الأوسط ٦ / ٣٥٤ و ٧ / ٣٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٣٢٣ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٤ و ٣٥٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٢ ، المناقب : ١١٣ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٢٥.

٥ ـ مروج الذهب ٣ / ٤٢٨.

٦ ـ المعجم الأوسط ٤ / ١٨٧ ، نظم درر السمطين : ٩٢ ، كنز العمّال ١٣ / ١٥٦ ، شواهد التنزيل ٢ / ٤٦٥ ، ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و ٤٤٥ و ٤٥٢ ، الصحاح ١ / ٣٩٧ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ١٠٦ ، لسان العرب ٢ / ٥٦٦ ، تاج العروس ٢ / ٢٠٩.

٧ ـ ينابيع المودّة ٢ / ٣٥٧ و ٤٥٢ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٧ و ٦٧٢.

٨ ـ المعجم الكبير ١ / ٣١٩ و ٣ / ٤١ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٤ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٦٩ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٤٦٦ و ٦٧١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣١.

٩١

هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة علي إلاّ إذا اتبعه وأخذ معالم دينه منه.

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

نصيحة في جواب رسالة النصح :

س : نحن من الذين هدانا الله إلى اعتناق مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلماؤنا دائماً يتهجّمون علينا ويرموننا بالجهل وما إلى ذلك من الكلمات البذيئة ، حتّى أنّ مدير جمعية الصالحين أصدر منشوراً تحت عنوان « رسالة النصح » ، نرجو أن تولّوها اهتماماً خاصّاً ، لعلّ الله تعالى يفتح على أيديكم ، إنّه سميع مجيب.

ج : لقد قرأنا مقتطفات من رسالة النصح ـ التي وجهها الأُستاذ مدير جمعية الصالحين ـ ونحن بدورنا ـ مع احترامنا لهذا الأُستاذ ـ نوجّه رسالة إلى كُلّ إنسان تجرّد عن العصبية ، واتخذ البحث الموضوعي منهجاً له لمعرفة الحقّ ، فنقول :

الإنسان بفطرته يفكّر ، وبفطرته يبحث عن الحقّ ، والتكليف الموجّه إلى المخلوق من الخالق هو أن يبحث الإنسان عن الحقّ بمقدار وسعه ، ومن ثمّ يعتقد به ، وسيكون بهذا قد أدّى تكليفه أمام خالقه ، ومثل هكذا إنسان سيلقى ربّه يوم القيامة منادياً : ربّاه هذه عقيدتي اعتقدت بها بعد بحث وتمحيص بمقدار وسعي

أمّا إذا اقتصر الإنسان على عقائده الموروثة ، متجنّباً توسيع آفاق رؤيته لمعرفة الحقّ ، بذريعة أنّ كُلّ فكر غير ما هو عليه ضلال وبدعة ، فإنّ هذا سوف يسدّ سُبل الهداية لمن يرث الأفكار الخاطئة من مجتمعه.

وأمّا منهج كيفية البحث الموضوعي الذي يرضي الله تعالى ، فيبيّنه لنا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله : «لا يعرف الحقّ بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله »(١) ،

____________

١ ـ روضة الواعظين : ٣١.

٩٢

وقد صدق أمير المؤمنينعليه‌السلام إذ جعل المناط في معرفة الحقّ هو معرفة الحقّ نفسه ، لا معرفة الحقّ بالرجال.

وهذه المقولة تفيدنا بأن يجرّد الإنسان نفسه من الموروث ، وممّا ورثه من البيئة والرجال ، وليس المقصود أن يتخلّى من الموروث ، بل المقصود أن يبحث في الموروث ، فما وافق منه الكتاب والسنّة والعقل اتبعه ، وما خالفه رفضه.

ومعرفة الحقّ في أيّ مسألة لا يمكن إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليه هذه المسألة ، فالبحث في الجزئيات من دون معرفة المباني بحث عقيم لا يوصل إلى الحقّ.

فإذا أردنا أن نعرف أيّة مسألة ـ عند أيّ مذهب ما ـ لابدّ علينا أوّلاً أن نعرف المبنى الذي ابتنت عليه هذه المسألة وإلاّ فسنقع في متاهات ، وسنرمي المؤمنين بما لم يقولوه.

وعليه ، فالمناقشة في المسائل العقائدية في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام لا يمكن معرفتها والوصول إلى كنهها إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليها هذه المسائل.

ومنها على سبيل المثال : ينبغي أن نعرف معنى التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، هل هو مجرد محبّة سطحية لا أثر لها في واقعنا العملي؟ أم هو اتباع واقتداء وانتهال علوم ومعارف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم؟

كما ينبغي أن نعرف مَن هم أهل البيت؟ وما المراد من سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فمعرفة المصدر الذي منه نتلقّى العلوم والمعارف الإسلامية ـ التي جاء بها الرسول ـ يعتبر من المباني التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في الجزئيات.

ومن هذا القبيل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ، فعلينا أن نبحث أوّلاً هل هذا الحديث صحيح؟ أو أنّ الحديث الذي يقول : «كتاب الله وسنّتي » صحيح؟ أو أنّ كلا الحديثين صحيحان؟

٩٣

وذلك بالجمع بينهما ، بأنّ أهل البيت هم المصدر الذي يمكن الوثوق به لمعرفة سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذه المفردة مهمّة جدّاً ، إذ تبيّن لنا المصدر الذي منه نأخذ معالم ديننا ، وأحكامنا الشرعية.

كما يحقّ لنا أن نتساءل : لماذا قال الرجل : حسبنا كتاب الله؟ ولماذا منع من تدوين سنّة رسول الله؟ ولماذا حرق مدوّنات سنّة رسول الله؟

والسؤال الآخر : من هم آل البيتعليهم‌السلام ؟ وهذه مسألة مهمّة جدّاً ، علينا أن نعرفهم لنأخذ معالم ديننا منهم ونقتدي بهديهم ، ونجعلهم سبيلاً موثوقاً يوصلنا إلى ما جاء به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هل آل البيت هم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ؟ ـ كما ورد في الصحاح والمسانيد والسنن في تفسير آية التطهير ـ أو أنّهم نساؤه؟ كما قال به البعض.

وبناءً على مقولة هذا القائل بأنّ نساءه من أهل البيت ، ماذا يقول بالنسبة للأحاديث الواردة في الصحاح والسنن في حصر أهل البيت بهؤلاء الخمسة؟

بالأخصّ ما ورد من سؤال أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : وأنا منهم يا رسول الله؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ، إنّك على خير »(١) .

وأمّا مسألة الفرق بين الشيعة والسنّة ، فلا يمكن التوصّل إليها بالتمسّك بالجزئيات ، وإنّما يمكن التوصّل إليه بمعرفة أُسس الاختلاف ومبانيه ، فأصل الخلاف هو في الإمامة والخلافة والصحبة والصحابة.

فالشيعة تعتقد أنّ الله تعالى اصطفى لهذه الأُمّة بعد الرسول أئمّة ـ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (٢) ـ كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، فجعلهم حفظة

____________

١ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٦٣ و ١١٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٤٢ ، المستدرك ٢ / ٤١٦ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥٦ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٣ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ١٣.

٢ ـ آل عمران : ٣٤.

٩٤

على الشريعة ، التي جاء بها الرسول وخلفاؤه في الأرض ، وقد مدّهم بعناياته الخاصّة ، فهم الملجأ بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأخذ معالم الدين ، لأنّهم أعرف الناس بعد الرسول بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومطلقه ومقيّده ، وناسخه ومنسوخه ، وهم الذين جعل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله التمسّك بهم وبالقرآن عصمة من الضلال ، فالشيعة تتّبعهم وتأخذ معالم الدين منهم.

ولكن أهل السنّة يعتقدون بأنّ مصدر أخذ معالم الشريعة هم الصحابة ، وهم لمّا رأوا التناحر والتمزّق والصراع بين مصادر أخذ معالم الدين اضطروا إلى مقولة عدالة الصحابة مع اعترافهم بعدم عصمتهم ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم القاتل والمقتول ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم من كفّر بعضهم بعضاً ، وأنّ فيهم من لعن بعضهم بعضاً ، ومع اعترافهم بورود آيات كثيرة تخاطب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتحذّره من المنافقين ـ والمنافق غير الكافر ، إذ المنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ـ ، ومع اعترافهم بورود أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن تقول : «ليأتينّ أقوام يوم القيامة فيذادون عن الحوض أعرفهم بأسمائهم فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيأتي النداء : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فأقول : بعداً بعداً ، أو قال : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي »!(١) .

وأمّا الشيعة فيقولون : نحن مع احترامنا للصحابة لكنّنا حين أخذ معالم الدين نجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، وننظر إلى سيرتهم ، فمن لم يغيّر ولم يبدّل ولم يحدث في الدين فهو مصدر ثقة ، نعتمد عليه في نقله لروايات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن كان غير ذلك فلا.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ٢٨ و ٢٨١ و ٥ / ٤٨ و ٣٩٣ و ٤٠٠ ، صحيح البخاري ٤ / ١١٠ ، صحيح مسلم ٧ / ٦٨ ، المستدرك ٢ / ٤٤٧ ، المصنّف للصنعاني ١١ / ٤٠٧ ، مسند ابن راهويه ١ / ٣٧٩ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٣٤٤ ، المعجم الكبير ٧ / ٢٠٧ ، مسند الشاميين ٣ / ٣١٠ ، الجامع الصغير ٢ / ٤٤٩ ، جامع البيان ٤ / ٥٥ ، الدرّ المنثور ٢ / ٣٤٩.

٩٥

فهذه الأبحاث من المباني التي لابدّ أن نتطرّق إليها ، وأمّا الأُمور الأُخرى فهي أُمور تترتّب على هذه الأبحاث ، ويمكننا أن نتداولها فيما لو حدّدنا مواقفنا من البحث الأساسي.

وكذلك مسألة الإمامة والخلافة ، وهل نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على أحد؟ وهل عيّن نظام الحكم أم أهمله؟ وإذا عيّن وقلنا بأنّه عيّنه شورى ، فهل كانت خلافة الخلفاء كلّهم بالشورى؟ أم نصّ بعضهم على بعض؟

وهل اطلعنا على استدلالات الشيعة؟ ومرادنا من الاطلاع قراءة ما كتبه الشيعة أنفسهم لا ما كتبه أعداؤهم.

وأمّا مسألة الاستشهاد بقول واحد من علماء فرقة معيّنة ، فهو لا يدلّ ولا يمثّل رأي كُلّ تلك الفرقة ، ولا ينكر أحد وجود أقوال شاذّة في كُلّ مذهب ، لا يمكن حملها على جميع المذهب.

وأمّا التشنيع على الشيعة بتصرّفات بعض أبنائها فهذا تهريج ، وهذه مقولة بعيدة عن البحث العلمي الموضوعي ، لأنّ بعض أهل السنّة يشرب الخمر ولا يتّقي الله تعالى ، ولا يصلّي ولا يصوم ، فهل يصحّ لنا أن نرمي جميع أهل السنّة أو غالبيتهم بهذه الصفات؟ أو أن نستنكر منهجهم الفكري بهذه الطريقة؟

وأمّا مسألة البدعة وأهل البدع ، فإذا أردنا أن يكون بحثنا موضوعياً مبتنياً على المباني فعلينا أن نعرف معنى البدعة ، فهي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وعليه فعلينا أن نعرف الدين لنعرف المسائل التي هي ليست من الدين ، ثمّ دخلت في الدين.

فإذا عرفنا الدين بالبحث والتتبع يمكننا بعد ذلك أن نعرف هل مقولة « الصلاة خير من النوم » في الأذان من الدين أو لا؟

أو أنّ نافلة صلاة شهر رمضان جماعة ـ المعروفة بصلاة التراويح ـ كانت من الدين أو لم تكن؟ وإنّما سنّها البعض قائلاً : « نعمت البدعة »!!

٩٦

أو أنّ مقولة قائلهم : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرّمهما »!! من الدين أم ليست من الدين؟!

أو أنّ مقولة : « السنّة هي التختّم باليمين ولكن بما أنّها صارت شعاراً للرافضة فالسنّة تكون التختم باليسار » ، فهل هذا من الدين؟!

والمسألة الأُخرى هي : بالله عليكم إذا تحرّى شخص الحقّ وبحث بفكر حرّ بعيد عن كُلّ تعصّب وتقليد أعمى ، فتوصّل إلى أنّ الحقّ مع أهل البيتعليهم‌السلام ومذهبهم ، فهل يمكننا أن ننهى هذا الشخص ونقول له : لماذا بحثت؟ ونرميه بشتّى الألفاظ الركيكة.

ونسلّط الضوء على المقولة التي تقول : « وغرّتك كثرتهم» ، ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة في كُلّ زمان ومكان!

بالله عليك ، أناشد فطرتك ، ألم تعلم أنّ أتباع مذهب أهل البيتعليهم‌السلام كانوا على مرّ العصور هم المضطهدون المقتولون المشرّدون ، فأين كثرتهم؟! أليسوا هم من أهل القلّة التي تصدق عليهم مقولة هذا القائل : ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة.

يكفي لمن له أدنى معرفة بالتاريخ أن يراجع وليرى الفجائع التي ارتكبت ضدّ الشيعة ـ من إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وما لقوه من قتل وظلم ـ.

وأقسم بالله ، لو أنّ أيّ فرقة من الفرق الإسلامية الأُخرى لاقت عشر معشار ما لاقاه شيعة أهل البيت لما بقي لهم الآن إلاّ الاسم ، ولانمحوا عن التاريخ أساساً.

ولكن السؤال هنا : إنّ الشيعة على رغم ما لاقوه من ظلم وتعدّي ومصاعب هل انمحوا من التاريخ؟ أم بقوا وصمدوا وواجهوا من واجههم بالدليل والبرهان والبحث العلمي حتّى نصرهم الله ، وهم يوماً بعد يوم في انتشار واسع في العالم ، ودليل انتشارهم هو دليلهم القاطع والقوي المتّفق مع العقل والفطرة ، الذي جعل الأنظار تتوجّه إليهم وإلى كتبهم وأدلّتهم ومبانيهم الفكرية ، كما يمكننا أن نعتبر التراث الإسلامي الذي جاء به الشيعة هو الأنقى والأفضل ، لأنّه

٩٧

لم يتأثّر بضغوط السلطات الجائرة ولم يخضع لهم ، ولم يسمح لتراثه الإسلامي أن يصاغ بصورة تتلاءم مع أهواء حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم.

فكان الشيعة هي الثلّة الوحيدة التي صمدت بوجه الذين أرادوا أن يغيّروا معالم الدين وفق مصالحهم ومبتغياتهم الشخصية ، فالذي يستخدم العقل ويتمسّك بالدليل والبرهان ويبحث وينقّب ويصل إلى الحقّ لا يتأثّر بمقولات من يقول : هل نصبت نفسك مجتهداً لتطلق أحكاماً تتعلّق بعقائد الأُمّة

أو من يقول : هل هي من اختصاص حثالة من الأولاد يعبثون بشرع الله

هذه المقولات الجارحة ـ غفر الله لمن قالها ـ لا تؤثّر على الشباب الواعي الذي يتحرّى الحقيقة ليجدها ويقبلها برحابة صدر.

وأمّا الإحصائيات الدقيقة عن نسبة الشيعة من بين المسلمين جميعاً ، فالقدر المتيقّن أنّ الشيعة الإمامية يمثّلون ٢٥ % من المسلمين بجميع طوائفهم.

وأمّا فيما يخصّ معاوية فإنّ هذا البحث إذا أردنا أن نبحثه وفق الأُسس والأُصول فإنّه يعود إلى مبنى عدالة جميع الصحابة الذي مرّ ذكره.

فإذا كان معاوية من الصحابة ، فإنّه لاشكّ سيكون من الذين بلغته أقوال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليعليه‌السلام أمثال : « الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ» ، وحديث سدّ الأبواب ، وحديث مدينة العلم ، وحديث الطير المشوي ، وحديث الغدير ، وآية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وغير ذلك.

وهنا نورد حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ عليعليه‌السلام : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمّة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين »(١) .

____________

١ ـ الإصابة ٧ / ٢٩٤ ، المناقب : ١٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٥٠ ، أُسد الغابة ٥ / ٢٨٧.

٩٨

وكذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في « المستدرك » وصحّحه ، حيث قال سعد بن أبي وقّاص لمن شتم علياً : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب ، ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتّى قال : ألم يكن ختن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول الله في غزواته؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تريهم قدرتك ، قال قيس : فو الله ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابته ، فرمته على هامّته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات(١) .

فنحن الآن في عصرٍ لا يعذر فيه الجاهل ، لأنّ التقدّم الحادث في عصرنا في مجال الاتصالات مهّد السبيل للوصول إلى الحقائق ، وجعل العالم بأسرة كأنّه قرية صغيرة.

فيا ترى هل يعقل أن يأتي أقوام فيقولون : القاتل والمقتول في الجنّة!! القاتل اجتهد في قتل وقتال عليعليه‌السلام فأخطأ! فبالله عليك كيف وسعه أن يجتهد في مقابل النصوص التي سمعها بنفسه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فهل هذا اجتهاد؟ أم هو اتباع للأهواء والمصالح والمبتغيات؟!

وفي النهاية أختم رسالتي بالإشارة إلى مسألة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول : إنّ مفهوم الوحدة هو أن يتقارب المسلمون بشتّى المذاهب فيما اتفقوا عليه ، وهذا المتّفق عليه يكون سبباً لتقاربهم ووحدة صفهم.

وأمّا في المسائل الخلافية الموجودة حتّى بين المذاهب الأربعة السنّية فنقول : على المسلمين أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ بعد تزكية أنفسهم وقصد التقرّب إلى الله تعالى فقط ، لأنّ الإنسان إذا لم يتمكّن من مجاهدة هواه ، فإنّه لا يتمكّن أن يطمئن إلى النتائج الفكرية التي يتوصّل إليها ، فمن

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٥٠٠.

٩٩

لم يتغلّب على هواه ، لا يستطيع أن يتنازل عن عقائده الموروثة ، ولا يستطيع أن يتخلّى عن التعصّب ، فتكون النتيجة أنّه يلتجئ إلى التبرير والتمويه والمغالطة اتباعاً لهواه.

فالحوار والتفاهم هو الرابط الوحيد بين من يختلفون في الفكر والعقيدة ، فإن توصّلوا بالدليل إلى النتيجة فهو المطلوب ، وإن لم يتوصّلوا فتبقى الوجوه المشتركة التي أقلّها هي الإنسانية هي السبب في أخوتهم وعلاقتهم ، وهذا هو الذي رسمه لنا الله تعالى ، ونبيّه العظيم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ونوجّه نداءنا إلى جميع الإخوان من جميع المذاهب الإسلامية : أن يتّحدوا ويتقاربوا ويتحاببوا في الله ، وأن تكون أبحاثهم علمية موضوعية متجرّدة عن أيّ تعصّب أو تقليد أعمى للموروث.

( ـ السعودية ـ )

توضيح المذهب الشيعي :

س : نشكركم إخواني على تعاونكم مع العالم ، وجزاكم الله خيراً.

أمّا بعد : في إحدى محادثاتي مع الأخوات على الماسنجر اتصلت بي بنت من أهل السنّة ، ودامت المحادثات بيننا لأيّام على أشياء عديدة ، وعندما وصلنا إلى المذاهب أرادت أن تعرف نبذة عن الشيعة ، لاحتمال دخولها في المذهب الشيعي ، بعدما تعرف من هم؟

وأنا الآن أُريد منكم مساعدتي في توضيح المذهب الشيعي لها ، وما هي الأساسيات الواجب أن تعلمها لدينا؟ مع الشكر الجزيل.

ج : أهمّ شيء في البحث الموضوعي أن نعرف أنّ لكُلّ إنسان موروثاً ، وهذا الموروث شيء محترم يعتزّ به كُلّ منّا ، لكنّ المشكلة تكمن فيما إذا تعصّبنا لهذا الموروث ، نحن لا نريد ممّن خالفنا أن يترك الموروث ويرفضه ، بل نريد منه أن لا يتعصّب له ، بل ينظر له نظرة ناقد وباحث عن الحقيقة ، فما وافق من هذا الموروث الحقّ اتبعناه ، وما خالف للحقّ والأدلّة العقلية رفضناه.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

التي عمل بها على مذهبه السابق ، فقسم من تلك الأعمال تحتاج إلى إعادة ، وقسم منها لا تحتاج إعادة ، بل تكون أعماله السابقة مجزية ، وهذا مذكور في اغلب الرسائل العملية للعلماء ، فلكي يتخلّص المستبصر من تبعات الأعمال السابقة لابدّ من تصحيح تلك الأعمال ، التي لا تصحّ إلاّ على طريقة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وبتصحيحها سوف يأمن من العقوبة.

( عمرو ـ السودان ـ سنّي )

هم اتباع أهل البيت :

س : أخوتي أنا سنّي المذهب ، وأودّ أن أعرف ما هو المذهب الشيعي؟ والفرق بينه وبين المذاهب الأُخرى؟ وما هو حقيقة الذي نسمعه عنهم؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : الشيعة الإمامية اتباع أهل البيتعليهم‌السلام الذين أمرنا بالتمسّك بهم ، وهكذا جميع المسلمين مأمورون بذلك بأدلّة نثبتها من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، منها قوله تعالى :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، ومنها حديث الثقلين : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(٢) .

____________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة

١٢١

ومنها حديث الغدير الذي يثبت الإمامة لأمير المؤمنين علياًعليه‌السلام وهو الخليفة لرسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يجب أن يتبعه المسلمون دون غيره ، وهذا هو الأساس في الاختلاف وانشقاق المسلمين إلى فرقتين هم الشيعة والسنّة.

فالشيعة يرون أنّ الإمام عليعليه‌السلام هو الأحقّ بالخلافة بنصّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ، وأنّ المتقدّمين عليه ما هم إلاّ غاصبين لها منه ، وأنّهم بتوليهم ذلك المنصب حرفوا الأُمّة عن مسارها الذي أراده الله لها ، وتسبّبوا في انشقاق المسلمين إلى تلكما الفرقتين.

أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا يوجد نصّ على نصب علياًعليه‌السلام للخلافة ، وإنّما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك الأُمّة سدى ، وفوّض للمسلمين اختيار الخليفة من بعده ، فاختار بعض المسلمين في السقيفة أبا بكر ، وكاد أن يقع بين المسلمين القتال على ذلك ، إلاّ أنّه مع ذلك يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر ، ونحن نكذّب هذا الإجماع ، لأنّ أفضل المسلمين وهم أهل بيت الرسول ظلّوا يرفضون خلافة أبي بكر ، وأعلنوا معارضتهم لذلك ، ومعهم غيرهم من المهاجرين والأنصار.

هذا بالإضافة إلى الأدلّة الكثيرة التي نثبتها تنصّ على خلافة الإمام عليعليه‌السلام من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي بثبوتها لا يبقى أي مجال لخلافة أبي بكر سواء تمّ الإجماع أم لم يتمّ.

إذاً منشأ الخلاف هو النزاع على تولّي أمر المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يخفى عليك أنّ هذا المنصب منصب مرموق تطمح له العيون ويتنافس عليه الكثيرون ، ولعلّك تدرك أنّ أيّ ملك أو زعيم قوم عندما يجعل له خليفة من بعده ، لابدّ أن يتعرّض إلى معارضين يرفضون هذا التعيين ، وقد لا يتمّ لهذا الخليفة تولّي الأُمور أن لم يستخدم القوّة ، وهذا هو فعلاً ما حصل مع الإمام

____________

النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

١٢٢

عليعليه‌السلام ، لكن الذين عارضوا الإمام عليعليه‌السلام ، قد عارضوا بفعلهم ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي نصّ على خلافة عليعليه‌السلام ، بل قد عارضوا الله تعالى الذي أوحى إلى رسوله أن يبلّغ ما أمر به من تنصيب عليعليه‌السلام للإمامة ، بقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، والذي حصل بتنصيب علياًعليه‌السلام إكمال الدين لقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢) .

ومن الجدير ذكره أنّ الشيعة تعتبر منصب الإمامة على أنّه رئاسة في الدين والدنيا ، لا كما يقصره غيرهم على أنّه رئاسة في أُمور الدنيا.

واستمر الخلاف وانشقاق المسلمين والذي أدّى بالتبع نتيجة الاعتقاد السابق إلى أن يختلف الشيعة عن السنّة في الأخذ بتعاليم دينهم ، ففي حين تمسّك الشيعة الإمامية بأئمّتهم الاثني عشر المعصومين ، الذين اختارهم الله ليكونوا هداة إلى دينه ، وأوصياء لنبيّه من بعده ، ومنهم أخذوا أحكام دينهم افترق بقية المسلمين إلى فرق ومذاهب تبعاً لعلمائهم وفقهاءهم ورؤساءهم.

وهذا ممّا وسّع الخلاف وافترق المسلمون في العقائد والأحكام ، إلاّ أنّ الأمر المهمّ الذي نتمسّك به نحن الإمامية أنّنا نقول بعصمة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، الذي يجعلنا نختلف عن باقي المسلمين ، الذين أخذوا معالم دينهم من أشخاص يقرّون بخطئهم ويعترفون بعدم عصمتهم.

ولأنّه ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أُمّته ستفترق من بعده إلى فرق كثيرة ، وأنّ واحدة هي فقط الناجية ، يجعل حتماً على الجميع البحث عن تلك الفرقة الناجية ، ونحن بحمد الله ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ المراد بتلك الفرقة الناجية هي فرقة أهل البيتعليهم‌السلام ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٣.

١٢٣

فعليك أن تبحث عن تلك الفرقة الناجية ، ويكفيك للوصول إليها والتعرّف عليها أن تحكّم عقلك ، وتنساق وراء الأدلّة العلمية دون الأقوال.

وأن ما تسمعه من أقوال عن الشيعة لابدّ أن تميّز بعضه عن بعض ، فقسم منه نحن لا نقول به ، بل يقول به بقية الفرق القريبة منّا ، وقسم آخر لا يعرض بالشكل الذي نقول به بل يضاف عليه أو ينقص منه بحيث يشوّه محتواه.

فعليك إذاً أن تسألنا لنجيبك أو تقرأ كتبنا لتتعرّف على حقيقة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

( أبو محمّد ـ البحرين ـ سنّي ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل :

س : سمعت أنّ العقائد الرئيسية عند الشيعة تعتمد على العقل أكثر منها على النقل ، واعتقد أنّ هذا الكلام منطقي جدّاً ، فهل هذا الكلام صحيح وما رأيكم؟ وكيف أحصل على كتاب أو موقع يعلّق على هذه المقولة.

ج : العقائد عند الشيعة الإمامية سواء الرئيسة منها أو الجزئية تثبت بالطريقين النقلي والعقلي ، ولعلّ ما سمعته ناتج من القول أنّ عقيدة التوحيد مثلاً لا نثبتها ـ إذا أردنا البدء بها في إثبات بقية العقائد ـ بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال ، وكذلك الحال في إثبات النبوّة مثلاً ، أو إعجاز القرآن ، فإنّنا لا نثبتها إذا أردنا البدء بها بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال.

ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أثبتنا مثلاً نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق القرآن دون الاعتراف بعد بأعجازه ، فهذا يعني أنّنا أثبتنا النبوّة بالقرآن والقرآن بالنبوّة ، وهذا هو الدور المحال غير المقبول عقلاً ، فلابدّ للتخلّص منه أن نثبت أحدهما بالدليل العقلي ، ويمكن بذلك أن نثبت الآخر بالدليل النقلي ، فبعد الاعتراف مثلاً بأعجاز القرآن ، وأنّه كلام الله ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

١٢٤

خلفه ، كُلّ ذلك نثبته بالأدلّة العقلية ، يمكن بعدها إثبات النبوّة بما يقوله القرآن.

ولأنّ هناك أكثر من طريق لإثبات جميع العقائد ، نرى أنّ جميع العقائد مرّة يستدلّ عليها بالدليل النقلي ، وأُخرى بالدليل العقلي ، على أن يراعى في كُلّ تلك الأدلّة عدم الوقوع في الدور المحال.

١٢٥
١٢٦

الصحابة :

( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )

بين الجرح والتعديل :

س : الذي اعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم يقوم على سبّ أبي بكر وعمر.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية ، فنوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل.

فالشيعة تحترم صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعظّمهم ، ولكن تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فالصحابة غير معصومين باتفاق جميع المسلمين ، فأيّ عقل يقبل أن تكون مجرّد رؤية الرسول ـ حيث يكون بها الإنسان صحابياً ـ ترفع قانون البحث عن الرجل وأفعاله؟

فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن بقي على الدين بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومات على الملّة ولم يغيّر ولم يبدّل فالشيعة تعظّمه ، ومن لا فلا.

( أحلام ـ لبنان ـ )

ليس كُلّهم عدول :

س : ما هو دليلكم بعدم عدالة الصحابة؟

١٢٧

ج : إنّ سؤالك يعطي انطباعاً عن الشيعة أنّهم لا يعترفون بعدالة الصحابة على الإطلاق ، وهذا التصوّر بعيد عن الحقّيقة ، مجانب للواقع ، فليس الأمر كما تتصوّرين ، أو يتصوّره البعض ، فالشيعة يقولون في حقّ الصحابة ما يلي :

إنّ الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ، وشرّع له شريعة ليبلّغها إلى المسلمين ، فقال :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) .

فمن التزم بهذه الشريعة ـ بكُلّ أبعادها من الأوامر والنواهي ـ فهو مسلم بحقّ ، ويجب على جميع المسلمين احترامه وتقديره والترحّم عليه.

ثمّ من ضيّع هذه الأوامر أو بعضها ، فإن كان عن جهلٍ وقصور فهو معذور ، وإن كان عن عمدٍ وعنادٍ واستخفافٍ بأوامر الله ورسوله ، فهو وإن لم يخرج عن الإسلام ـ إذا بقي ملتزماً بالشهادتين ـ لكن يعتبر خارجاً عن طاعة الله ورسوله ، وموجباً للحكم عليه بالفسق ، وهذا أمر نعتقد أنكِ توافقين عليه بشكلٍ كامل.

وهنا نقول : إنّ من ضمن الأوامر التي أمرنا الله ورسوله باتباعها والالتزام بها هي قوله تعالى :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

فمودّة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الواجبات على كُلّ مسلم بنصّ القرآن الكريم والسنّة القطعيّة ، والتارك لها مخالف لأمر الله تعالى ، كما أنّ التارك لغيرها من الواجبات ـ كالصلاة والصوم وغيرهما ـ يعتبر فاسقاً عند المسلمين كافّة.

وعلى كُلّ حال ، فالإشكال في أنّ جميع الصحابة عدول والبحث في الكُلّية ، لأنّ الصحابي من رأى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يوجد دليل صحيح صريح يقول بعدالة كُلّ هؤلاء ، بل نجري قواعد الجرح والتعديل عليهم.

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ الشورى : ٢٣.

١٢٨

( معاذ ـ الأردن ـ سنّي ـ ٣٣ سنة ـ طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

الصحابة ليس كُلّهم عدول ، لأنّ منهم المغيرة بن شعبة وهو رجل فاسق ، ويقال : إنّه أوّل من شتم علي بن أبي طالب على المنابر ، كما أنّه زاني ، وقصّته معروفة حينما شهد عليه ثلاث بالزنا ، ثمّ قال الرابع : إنّي لم أتحقّق من الرؤية جيّداً ، فبرّأه عمر بن الخطّاب.

( ـ ـ سنّي )

آية البيعة لا تدل على عدالتهم :

س : إلى كُلّ شيعي يبحث عن الحقّ ، ويتبع الحوار الهادف الذي فيه نجاته من عذاب الله ، لدّي مداخلة بسيطة ، وهو سؤال واحد ، اسأل فيه كُلّ جمهور الشيعة : من كذبّ على الله ما حكمه في الإسلام؟

فإن قلت : لا يكفّر ، فهذا قول غير المسلمين.

وإن قلت : يكفّر ، فسوف نأخذ شريحة واحدة من قول الله تعالى في كتابه الكريم :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (١) .

من الذي كان تحت الشجرة؟ إن قلت : غير الصحابة ، فمن هم إذاً؟ اليهود ، قريش ، الروم ، الفرس؟ كُلّ المفسّرين يتّفقون على أنّهم صحابة رسول الله ، أكثر من ألف صحابي ، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

والشيعة أجمعت بردّتهم وخروجهم من الإسلام ، من غير عليرضی‌الله‌عنه ، وقليل من الصحابة ـ على عدد أصابع اليد الواحدة ـ وإن قلت بردّتهم ، فمعنى هذا أنّ الشيعة يتّهمون الله بالجهل ، إذ رضي الله عنهم ، ولم يعلم ما في قلوبهم ، أنّهم

____________

١ ـ الفتح : ١٨.

١٢٩

يرتدّون بعد وفاة رسوله ، وعلى هذا من كفّر من رضي الله عنهم فقد وصف الله بالجهل ، ومن وصف الله بهذا فقد كفر بإجماع أهل الإسلام.

وإن قلت : بردّ هذه الآية ، فقد اتهم الله بالعجز ، لعدم حفظ كتابه من التحريف والنقص والزيادة ، والله قد تكفّل بحفظ كتابه ، حيث يقول في كتابه الكريم :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ ) (١) .

ومن ردّ هذه الآية فقد ردّ كتاب الله بأكمله ، ويقول المفسّرون : إنّ الله قد حفظ كتابه عند إنزاله من استراق الشياطين ، وبعد نزوله من التغيير والزيادة ، والنقص والتحريف ، ومعانية من التبديل.

وأطلب من كُلّ الشيعة الرجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وعدم المكابرة مثل بني إسرائيل ، والجهل مثل النصارى.

ومعذرة في الإطالة ، وشكراً لله أن يسّر لنا هذا ، والحمد لله وحده.

ج : نجيبك باختصار ، وعليك بالتأمّل والمراجعة :

١ ـ هذه الآية لا يمكن الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، لأنّها مختصّة بأهل بيعة الرضوان ـ بيعة الشجرة ـ ولا علاقة لها بسائر الصحابة ، والنزاع الأساسي فيما بيننا هو في مسألة عدالة جميع الصحابة ، التي تقول بها أهل السنّة ، ولا تقول بها الشيعة ، مادام لم تثبت عصمتهم ، ولم يدّعها أحد لهم.

٢ ـ في الآية المباركة قيود ، إذ رضي الله تعالى عن المؤمنين الذين بايعوا ، وليس كُلّ من بايع كان مؤمناً ، فالآية ليست بصدد إثبات أنّ كُلّ من بايع فهو مؤمن ، بل هي في صدد بيان شمول رضوان الله ، ونزول السكينة على المؤمنين منهم.

٣ ـ ثمّ إنّ هناك شرط آخر في المقام ، وهو مذكور في القرآن الكريم أيضاً :( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله ) (٢) .

____________

١ ـ الحجر : ٩.

٢ ـ الفتح : ١٠.

١٣٠

فالآية لا تدلّ على الأصل الذي أنتم قائلون به ، وهو عدالة جميع الصحابة ، ولابدّ من توفّر الشروط والقيود المذكورة فيها ، لمن نريد تزكيته منهم ، وأنّ المزكّى منهم لابدّ وأن لا يكون ممّن بايع ثمّ نكث البيعة فيما بعد.

وأخيراً : فموضوع عدالة الصحابة مسألة مهمّة جدّاً ، لابدّ من التأمّل فيها ، ودراسة النصوص القرآنية دراسة معمّقة ، والبحث في السنّة النبوية من ناحية السند والدلالة ، ومن ثمّ تحكيم العقل بعيداً عن التعصّب ، واتّخاذ القرار الحاسم والعقيدة الصحيحة في أنّ الصحابة كُلّهم عدول؟ أم يجوز إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم؟

( أبو القاسم ـ البحرين ـ ٢١ سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعقيباً على سؤال الأخ الذي أجبتم عليه ، أقول : إبليس كان يعبد الله ، وأكرمه الله ورفعه إلى السماء ، وحين عصا ولم يسجد لآدم غضب عليه الرحمن وأنزله ، فما المانع أن يكون الصحابة هكذا.

ونذكر لك أبسط الأُمور :

إنّهم تخلّفوا عن جيش أُسامة ، وأيضاً قوله تعالى :( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (١) .

ويلحق بهم المؤلّفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعطيهم الأموال ليتألفهم على الإسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده (٢) ، ومع هذا كُلّه ، وتقولون : كُلّهم عدول؟

____________

١ ـ الحجرات : ١٤ ـ ١٥.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ١٠٦.

١٣١

وأيضاً الآية :( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ ) (١) ، روي عن عبد الله بن عباس أنّها نزلت في علي والوليد ، والمراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة(٢) .

وأيضاً الآية :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (٣) .

وسبب نزولها : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال له : إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاءوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبروه بعدم صحّة قول الوليد ، فنزلت الآية.

وهي محلّ اتّفاق بين المفسّرين والمؤرّخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً(٤) .

( آمال ـ الأردن ـ سنّية ـ ٣٠ سنة ـ طالبة ثانوية )

منهم المؤمن ومنهم المنافق :

س : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين؟ بل الله أعلم بهم.

____________

١ ـ السجدة : ١٨.

٢ ـ نظم درر السمطين : ٩٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٥٧٣ ، الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١٠٥ ، جواهر المطالب ١ / ٢٢٠ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٦.

٣ ـ الحجرات : ٦.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٥٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٩ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٣١٠ ، المعجم الكبير ٣ / ٢٧٥ و ٢٣ / ٤٠١ ، أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٥٢٩ ، أسباب نزول الآيات : ٢٦٢ ، زاد المسير ٧ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٢٢٣ ، الدرّ المنثور ٦ / ٨٨ ، فتح القدير ٥ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٣ / ٢٣٠ ، أُسد الغابة ٥ / ٩٠ ، تهذيب الكمال ٣١ / ٥٦ ، تهذيب التهذيب ١١ / ١٢٦ ، الإصابة ١ / ٦٧٤ و ٦ / ٤٨١ ، البداية والنهاية ٨ / ٢٣٤ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٢٥.

١٣٢

ج : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة.

والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقوله تعالى :( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (١) ، وقوله تعالى :( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) (٢) ، وهكذا نهى الله تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق.

والتحقيق : إنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ عليعليه‌السلام على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «من سبّ علياً فقد سبّني »(٣) .

____________

١ ـ غافر : ٥٨.

٢ ـ الأنعام : ٥٠.

٣ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥.

١٣٣

وكان معاوية يدعو أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما.

فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياًعليه‌السلام ، ثمّ قال : نشدت الله رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق(١) .

وكان المغيرة بن شعبة ـ لمّا ولي الكوفة ـ يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من عليعليه‌السلام ويلعنه ويلعن شيعته(٢) .

فإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصرّح بأن : «من سبّ علياً فقد سبّني » ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياًعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياًعليه‌السلام : من منكم سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقيل لها : معاذ الله ، فقالت : سمعت رسول الله يقول : «من سبّ علياً فقد سبّني »(٣) .

هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

( عبدو ـ لبنان ـ )

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :

س : ما رأيكم بقول عدالة الصحابة؟ على اعتبار العدالة هي في التبليغ عن ما سمعوا عن الرسول ـ أي أنّهم عدول في نقل الحديث ـ مع احتجاج الخصم على ذلك بعدم ورود مثل هذا التجريح في الصحاح.

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٦٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٣٨٥.

٣ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، المناقب : ١٤٩ ، جواهر المطالب ١ / ٦٦.

١٣٤

ج : لابدّ وأن يكون لكُلّ دعوى دليل ، وإلاّ لابتعدنا عن المباني العلمية ، وهذا المدّعى في المقام لا يتمّ لعدم ثبوت الدليل ، بل الدليل على خلافه.

وهنا أسئلة نطرحها حول المدّعى :

١ ـ هل كُلّ ما ورد في الصحاح صحيح؟! بالأخصّ عند البحث في الأسانيد الواردة في الصحاح ، ففيها من الرواة الوضّاعين والكذّابين والمدلّسين ، ولأجل هذا اعترف قسم كبير من علماء أهل السنّة مؤخّراً بعدم صحّة كُلّ ما ورد في الصحاح.

٢ ـ هل الصحابة كُلّهم عدول؟ سواء في ذلك العدالة المطلقة أو في نقل الحديث؟ بالأخصّ عند مراجعة سيرة حياة بعضهم المليئة بمخالفة سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنفاق ، وتكفير بعضهم بعضاً ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، والجهل!!

٣ ـ لم يثبت بالدليل عدالة جميع الصحابة ، فأيّ فرق بين العدالة المطلقة والعدالة في النقل؟! بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ بعض الصحابة حارب السنّة ، ومنع من تدوينها ، وقال : حسبنا كتاب الله.

( معد البطاط ـ استراليا ـ ٣٠ سنة )

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :

س : من عقائدنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم ما يحدث بعده بإذن الله ، فكيف يتلائم مع ما موجود في كتب القوم من حديث الحوض : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، وما هو الجواب على ذلك؟ أنؤمن بمتناقضات؟ أو تأويلات بعيدة لا تقنع القوم؟ أم ماذا؟

ج : إنّ علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحوادث والوقائع هو بإذن الله تعالى ، وعليه ففي بعض الأحيان قد تكون مصلحة في إخفائه ـ من خضوع المورد للامتحان

١٣٥

والاختبار ، أو احتمال طرّو البداء وغيرها من المصالح ـ فعلم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو علم إلهي مأذون ، فلا دليل على إطلاق علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدون قيد وشرط.

وأمّا القاعدة التي ذكرتموها في مورد علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي مطابقة لعقيدة الشيعة ، ولكنّ الرواية المشار إليها ـ حديث الحوض ـ حديث عامّي السند ، وما جاء في بعض المصادر الشيعية فهو مرسل(١) ، فلا حجيّة له ، إذاً لا يكون نقضاً للقاعدة المذكورة.

نعم ، لابأس بالاستناد بهذه الرواية على معتقدات القوم ؛ ولكن ليس من معتقداتهم علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالموضوعات والوقائع بتمامها حتّى في زمن حياته ، فضلاً عن بعد ارتحاله.

ثمّ إنّ الحديث المذكور ـ على فرض تماميّته سنداً ـ محمول على الظاهر من عدم العلم ظاهراً بحدوث ما صدر عن بعض الصحابة في زمن حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي أنّ العلم الظاهري للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشمل تلك الحوادث في ذلك الزمان ـ وإن كان يعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الوقائع بعلم النبوّة والإمامة ـ ولكن كانصلى‌الله‌عليه‌وآله مكلّفاً بالظاهر ، وعليه فجواب : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » هو على ضوء العلم العادي والظاهري لا علم النبوّة.

وهنا لابدّ من ملاحظة أمر وهو : أنّنا بحكمنا على جماعة من الصحابة بالانحراف عن خطّ الرسالة ، لم نكن أعلم من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما يتوهّم بعضهم ـ بل إنّ الحوادث السلبية التي وقعت بعد ارتحال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هي مسلّمة الوقوع عندنا ، لأنّ علمنا بها كانت بعد وقوعها ، ولكن تلك الحوادث لم تقع في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلمه بها ـ بالعلم العادي والظاهري ـ لم يحصل بعد ، وإن كانت هذه الوقائع معلومة بالتفصيل عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم النبوي.

ويدلّ عليه ما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لعليعليه‌السلام ، وإخباره عن مستقبل الأُمّة وحكّامها وغير ذلك ؛ وحتّى إنّ أمثال هذه الرواية المبحوث عنها في المقام ، خير

____________

١ ـ الاعتقادات : ٦٥ ، الإفصاح : ٥١ ، الأمالي للشيخ المفيد : ٣٧.

١٣٦

دليل لإثبات علمه النبوي ، إذ يتحدّث هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ويخبرهم بأنّ أمر الصحابة ـ بمجموعهم ـ لم يكن إلى خير ، خصوصاً أنّ في بعض الروايات التي وردت في هذا المجال لم تذكر عبارة : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ، بل جاء فيها قول النبيّ جازماً بحدوث الردّة في الصحابة ، بعبارة : « ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقري »(١) .

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر في المقام وهو : أن يكون جوابهصلى‌الله‌عليه‌وآله جواباً تعريضيّاً واستنكاريّاً ـ أي يريد أن يلفت أنظار الجميع إلى ما أحدثه بعضهم بعد ارتحاله ـ وهذا النوع من البيان يكون أبلغ في إيصال المعنى ؛ وله نظائر حتّى في القرآن المجيد ، فمثلاً يخاطب الله تعالى عيسىعليه‌السلام يوم القيامة :( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٢) .

وأيضاً جاء في قصّة إبراهيمعليه‌السلام أنّه قال :( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (٣) .

والحال نعلم بالقطع واليقين أنّ عيسىعليه‌السلام يعلم يوم القيامة بانحراف قومه ـ إذ هوعليه‌السلام سيهبط قبل يوم القيامة إلى دار الدنيا ، ويصلّي خلف الإمام المهديعليه‌السلام بإجماع الفريقين ـ فسيكون على علمٍ ممّا حدث في أُمّته بعد توفّيه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ١٨ و ٣٩ ، المستدرك ٤ / ٧٤ ، مسند أبي داود : ٢٩٥ ، كنز العمّال ١١ / ١٧٧ و ١٤ / ٤٣٤.

٢ ـ المائدة : ١١٦ ـ ١١٧.

٣ ـ الأنعام : ٧٦ ـ ٧٨.

١٣٧

وهكذا فإنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يعتقد بعبادة الأصنام قطّ ، ولكن هذا نوع من البيان يتماشى القائل والمستدلّ فيه مع اعتقاد المخاطب ، ثمّ يفنّد أساس معتقده بالأدلّة الواضحة عنده.

( معد البطاط ـ استراليا ـ ٣٠ سنة )

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :

س : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :

قال تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

وقال تعالى :( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (٢) .

وروى الكليني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « كان الناس أهل ردّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ثلاثة » ، فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : « المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي »(٣) ، فأين ذهب الذين ذكرهم الله تعالى؟

فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : « تولّيهما » ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال : « نعم »(٤) .

أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا الله ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام.

____________

١ ـ التوبة : ١٠٠.

٢ ـ الحشر : ٨.

٣ ـ الكافي ٨ / ٢٤٥.

٤ ـ المصدر السابق ٨ / ١٠١.

١٣٨

ج : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :

أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد ـ أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا ـ وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي « من » التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فإنّ رضا الله كان لعدد منهم لا لجميعهم.

وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (١) أليس أهل المدينة من الأنصار؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه؟

وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة ـ زوجة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة ـ في هجرة المسلمين إليها ـ وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة.

وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه؟!

____________

١ ـ التوبة : ١٠١.

١٣٩

وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ ـ مثل تاريخ الطبري ـ : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم؟!

وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية(١) .

ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية ـ جمعاً بينها وبين باقي الروايات ـ ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمامعليه‌السلام ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهوعليه‌السلام يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّهعليه‌السلام أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه.

وعليه فلا غرابة في حديث الإمامعليه‌السلام إذ إنّ ظروف التقية ـ وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة « أُمّ خالد » ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة « كثير النوا » ـ كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة.

____________

١ ـ مرآة العقول ٢٥ / ٢٤٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585