موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253065 / تحميل: 6993
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

السبئية وعبد الله بن سبأ ٧

السجود على التربة ١٥

سرية أُسامة ٢٧

السقيفة ٣٣

الشطرنج ٣٧

الشفاعة ٤٣

الشهادة الثالثة في الأذان ٥٣

الشورى ٥٩

الشيعة ٦٣

الصحابة ١٢٧

الصلاة ١٦٩

صلاة التراويح ١٩١

الصلاة عند القبور ٢٠٣

الصوم ٢٠٩

صوم يوم عاشوراء ٢١٥

الطهارة والنجاسة ٢٢٣

عائشة بنت أبي بكر ٢٢٧

٥

عالم الذرّ ٢٥٧

عثمان بن عفّان ٢٩٣

العصمة ٣٠٣

علم المعصوم ٣٥٩

عمر بن الخطّاب ٣٧٥

العولمة والحداثة ٤٠٧

الغدير ٤١١

الغسل ٤٢٧

الغلوّ ٤٣١

الغناء والموسيقى ٤٤١

الغيبة ٤٤٩

فاطمة الزهراءعليها‌السلام ٤٧١

فدك ٥١١

فرق ومذاهب ٥١٧

الفرقة الناجية ٥٦٧

الفهرس ٥٧٣

٦

السبئية وعبد الله بن سبأ :

( حامد ـ البحرين ـ )

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع :

س : من هو عبد الله بن سبأ؟

ج : هناك نظريتان حول عبد الله بن سبأ ، نذكرهما باختصار :

١ ـ إنّ عبد الله بن سبأ شخصية وهمية وأسطورة ، وهذا القول كما ذهب إليه السيّد العسكري والشيخ مغنية ، ذهب إليه عدد من المفكّرين المسلمين المستشرقين.

نعم ، إنّ الآراء التي نشرها السيّد العسكري حول عبد الله بن سبأ ، الأسطورة السبئية ، والتي صدرت في مجلّدين ، ليست هي كُلّ النتائج التي توصّل إليها ، فهناك مجلّد مخطوط اسمه « عبد الله بن سبأ والأسطورة السبئية » حيث تناول فيه الأسطورة السبئية بتفصيل أوسع.

٢ ـ إنّ عبد الله بن سبأ له وجود عادي ، وأنّ الكثير ممّا نسب إليه لا أصل له ، بل اخترعه النواصب للطعن بالتشيّع.

والأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوا وسيلة يتّخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة نسبوا له تأسيس التشيّع ، مع أنّ ابن سبأ ملعون على

٧

لسان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وملعون على لسان علمائنا ، والشيعة منه براء ، ولا توجد له أيّ صلة بالتشيّع.

( عبد الله حاجي ـ الكويت ـ )

طعن علماء السنّة بابن سبأ :

س : تحياتي لكم على هذا المجهود الذي تبذلونه ، منذ فترة قريبة كنت أتناقش مع أحد السنّة ، فذكر لي شخص اسمه « عبد الله بن سبأ » ، لذا أُريد أن اسأل بعض الأسئلة عن هذا الشخص :

١ ـ هل كان يهودياً؟

٢ ـ هل صحيح أنّه مؤسّس مذهب الشيعة؟

٣ ـ هل صحيح أنّه دخل على الإمام عليعليه‌السلام ، وقال له : أنت ربّي؟

٤ ـ هل صحيح كانت له علاقة قوية بالإمام عليعليه‌السلام ؟

ج : نجيب على أسئلتك إجمالاً وتفصيلاً :

أمّا أجمالاً : بالنسبة لسؤالك الأوّل نقول : نعم ، كان يهودياً ، إن لم نقل أنّه شخصية وهمية.

وبالنسبة لسؤالك الثاني نقول : غير صحيح ، بل مؤسّس أساس التشيّع هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبالنسبة لسؤالك الثالث نقول : نعم ، هو أوّل من قال بألوهية الإمام عليعليه‌السلام .

وبالنسبة لسؤالك الرابع نقول : غير صحيح ، ومن يدّعي ذلك فليأتنا بدليل.

وأمّا تفصيلاً : فالذي أفاده جمع من المحقّقين والباحثين ـ كالعلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه عبد الله بن سبأ ـ أنّه رجل اختلقه خصوم الشيعة ، كيداً لهم وإزراءً عليهم.

وتأييداً لذا ، قال الدكتور عبد العزيز الهلابي ـ الأُستاذ في قسم التاريخ بكُلّية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض ـ : « وعلى أيّة حال ، فسَيف ـ وهو راوي قصّة ابن سبأ ـ أراد طعن الشيعة في الصميم ، وذلك بنسبة مذهب التشيّع

٨

إلى يهودي حاقد على الإسلام ، يريد تقويضه من الداخل ، وأنّ أفكار الشيعة ـ المعتدلين منهم والغلاة ـ ليست سوى أفكار هذا اليهودي »(١) .

وقال الدكتور طه حسين : « إنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء ، إنّما كان متكلّفاً منحولاً ، قد اختُرع بأخَرَة ، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفِرق الإسلامية ، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً ، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم »(٢) .

ويأتي الدكتور أحمد محمّد صبحي ، ليستعرض كلام الدكتور طه حسين حول وهمية عبد الله بن سبأ ، ثمّ يعلّق على هذا الموضوع قائلاً :

« ويبدوا أنّ مبالغة المؤرّخين وكتّاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به عبد الله بن سبأ ، يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين ، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة ـ كمقتل عثمان ، ثمّ حرب الجمل ، وقد شارك فيها كبار الصحابة ، وزوجة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكُلّهم يتفرّقون ويتحاربون ـ وكُلّ هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي ولم يكن من المعقول أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه صحابة أجلاّء أبلوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلاءً حسناً ، فكان لابدّ أن يقع عبء ذلك كُلّه على ابن سبأ »(٣) .

وحسبكم هذه الكلمات التي كتبها محمّد كرد علي قائلاً : « أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ ـ المعروف بابن السوداء ـ فهو وهم ، وقلّة علم بتحقيق مذهبهم ، ولمن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة ، وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب »(٤) .

____________

١ ـ وقفة مع الجزائري : ٨١ ، نقلاً عن كتاب الهلابي ، عبد الله بن سبأ : ٢٦.

٢ ـ نفس المصدر السابق ، نقلاً عن كتاب طه حسين ، علي وبنوه : ٥١٨.

٣ ـ نظرية الإمامة : ٣٩.

٤ ـ الغدير ٣ / ٩٥ ، نقلاً عن كتاب محمّد كرد علي ، خطط الشام ٦ / ٢٥١.

٩

( خالد ـ الجزائر ـ )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : عفواً ، لكن هناك تناقضاً في إجاباتكم حول ابن سبأ المزعوم : فمرّة تقولون : إنّ ابن سبأ كان وهماً ، ومرّة تقولون : إنّه ادعى الألوهية لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، مع أنّ بعض أهل السنّة أنكروا أو شكّكوا في وجوده ، والذين رووا روايات ابن سبأ ضعّفهم علماء الرجال من السنّة ، وهذه بعض الأدلّة من كتب إخواننا من أهل السنّة :

١ ـ فقد أشرتم إلى رأي طه حسين ، وراجعت كتابه ـ الفتنة الكبرى عثمان ، الطبعة التاسعة ، دار المعارف القاهرة ـ فبعد ذكر ما رواه العامّة عن ابن سبأ المزعوم ، يقول في صفحة ١٣٤ :

« وأكبر الظنّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا ـ إن كان كُلّ ما يروى عنه صحيحاً ـ إنّما قال ما قال ، ودعا ما دعا إليه بعد ما كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها.

وأكبر الظنّ كذلك أنّ خصوم الشيعة أيّام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر ابن سبأ هذا ، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية ، وليشنّعوا على علي وشيعته من ناحية أُخرى ، فيردّوا بعض أُمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة! وما أكثر ما شنّع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان ، وفي غير أمر عثمان!

فلنقف من هذا كُلّه موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط ، ولنكبّر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء ، وكان أبوه يهودياً ، وكانت أمّه سوداء ، وكان هو يهودياً ثمّ أسلم لا رغباً ولا رهباً ، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً ، ثمّ أتيح له من النجح ما كان يبتغي ، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه ، وفرّقهم بعد ذلك ، أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً ».

١٠

٢ ـ وأشرتم إلى رأي الدكتور أحمد محمود صبحي ، فراجعت كلامه ، وانقل كلامه كاملاً بلا تحريف ، يقول الدكتور السنّي أحمد محمود صبحي في كتابه ـ الزيدية ، الطبعة الثانية سنة ١٩٨٤ دار الزهراء للنشر العربي ، صفحة ٢٢ ـ :

« وينسب الكثيرون ظهور التشيّع إلى هذه الفترة ، ويردّها بعض أهل السنّة إلى شخصية يهودي أسلم ليكيد للإسلام والمسلمين ، هو عبد الله بن سبأ ، ويصوّره القائلون بهذا الرأي محرّكاً الأحداث التاريخية ، بل والعقائدية في هذه الفترة ، من أواخر عهد عثمان وأثناء خلافة علي ، فهو يؤلّب الناس على عثمان حتّى أفضى الأمر إلى حصاره وقتله ، ثمّ هو يثير حرب الجمل ، ولم يكن اجتماع الفريقين على قتال.

أمّا من الناحية العقائدية ، فهو أوّل من نادى بقداسة علي ، وأنّه وصي النبيّ ، وأنّه نادى برجعته بعد مقتله ، ثمّ هو أوّل من هاجم الخلفاء الثلاثة ، واعتبرهم مغتصبون حقّه.

ويهدف كتّاب الفرق من أهل السنّة ـ أشاعرة وسلفية ـ من هذه الرواية إلى إدانة التشيّع من جهة ، وإلى تبرير قيام حرب بين بعض كبار الصحابة وتبرئتهم من دمائها ، حتّى تتسنّى موالاتهم جميعاً من جهة أُخرى ، لقد ساءتهم الحرب وأرادوا أن يحفظوا لصحابة كبار مكانتهم في نفوس المسلمين ، فلم يجدوا إلاّ أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه يهودي أسلم ليكيد للإسلام.

ولكن فاتهم أنّ هذا التفسير يعني أنّ يهودياً نكرة ، قد تلاعب بصحابة كبار فأثار بينهم قتال ، وأمّا ما اختلقه ابن سبأ من عقائد فقد أثبت البحث الدقيق أنّ هذا استباق للحوادث ، وأنّ الأفكار المنسوبة إليه من اختلاق المتأخّرين ».

٣ ـ أمّا الرواية التي تصف ابن سبأ ، وما قام به من أعمال خيالية لا يقبلها العقل السليم ، فقد رواها جمع من السنّة ، والظاهر أنّ كُلّ من روى هذه الرواية مثل ابن خلدون وابن كثير وغيرهما ، أخذها من تاريخ الطبري ، لأنّه التاريخ المعتبر والمعتمد عند جمهور السنّة.

١١

نرجع إلى تاريخ الطبري ، طبعة دار الفكر ، بيروت لبنان ، الطبعة الأُولى سنة ١٩٩٨ ، المجلد الخامس ، أحداث سنة خمس وثلاثين ، صفحة ١٤٧ ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر ، وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق ، يقول الطبري : « أخبرنا شعيب بن إبراهيم ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن عطية عن يزيد الفقعسي ، قال : كان ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء ».

هنا ندرس الرواية ورواتها حسب كتب الرجال من إخواننا من أهل السنّة :

أوّلاً : شعيب بن إبراهيم الكوفي ، مجهول ، راجع : ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٧ ، لسان الميزان ٣ / ١٤٥.

ثانياً : سيف بن عمر ، يروي الأحاديث الكاذبة وينسبها إلى الرواة الثقات ، راجع : ميزان الاعتدال ١ / ٤٣٨ ، تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٥.

ثالثاً : يزيد الفقعسي ، مجهول لم يذكر اسمه في كتب الرجال.

وبعد هذا ، لنا أن نتساءل : لماذا يصرّ بعض الناس على هذه الرواية التي رواها الطبري؟ مع أنّ كُلّ رواتها هم بين كذّاب ومجهول ووضّاع ، وهل يصحّ أن يعتمد على رواية كهذه في إثبات نسبة طائفة تعد ثاني أكبر طائفة من المسلمين؟

ولنا أن نتساءل : هل جهل العلماء ـ الذين أصرّوا على هذه الرواية ـ سند الرواية أم تجاهلوها؟ ولم يكن همّهم إلاّ اتهام الشيعة أنّهم من اختلاق اليهودي ابن سبأ المزعوم.

ج : ليس في إجاباتنا تناقض وتعارض ، غاية ما هنالك أردنا طرح المسألة بشكل فيه نوع من التردّد ، وعدم القطع برأي دون آخر ، وإنّما أشرنا إلى الآراء في المسألة ، وما ذُكر من استدلال ؛ ويرجع ذلك إلى أصل الواقع ، والاضطراب الشديد في جزئياتها ، والاختلافات في الأقوال ، وهذا هو السبب وراء من قال بأسطورية عبد الله بن سبأ.

١٢

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

وجود ابن سبأ محلّ نظر :

س : كنت أتصفّح في أحد المواقع الشيعية فوجدت هذه الرواية ، في بحار الأنوار : « وقال بعضهم : بل هو الربّ ، وهو عبد الله بن سبأ وأصحابه ، وقالوا : لولا أنّه الربّ كيف يحيي الموتى؟ قال : فسمع بذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام وضاق صدره ، وأحضرهم ، وقال : « يا قوم ، غلب عليكم الشيطان إن أنا إلاّ عبد الله ، أنعم عليّ بإمامته وولايته ووصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأرجعوا عن الكفر ، فأنا عبد الله وابن عبده ، ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خير منّي ، وهو أيضاً عبد الله ، وإن نحن إلاّ بشر مثلكم ».

فخرج بعضهم من الكفر ، وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألحّ عليهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالرجوع ، فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار ، وتفرّق منهم قوم في البلاد ، وقالوا : لولا أنّ فيه من الربوبية ما كان أحرقنا بالنار ، فنعوذ بالله من الخذلان »(١) .

وكان الموقع يعدّ هذا الشيء من معجزات الإمام عليعليه‌السلام ، فما ردّكم على هذه الرواية؟ وهل هي رواية صحيحة؟ والمعلوم أنّ عبد الله بن سبأ شخص أسطوري.

ج : وردت الإشارة إلى تلك الرواية في بحار الأنوار مرّتين ، مرّة نقلاً عن الفضائل ، وأُخرى عن عيون المعجزات ، وإذا رجعنا إلى سند الروايتين نجد أنّ كلاهما جاءت عن طريق أبي الأحوص عن أبيه ، عن عمّار الساباطي ، وهذا يعني أنّهما في الحقّيقة رواية واحدة منسوبة إلى عمّار الساباطي ، وبالرجوع إلى سند رواية عيون المعجزات ، نجد أنّ كلاً من حسّان بن أحمد الأزرق ، وموسى ابن عطية الأنصاري مجهول الحال.

____________

١ ـ بحار الأنوار ٤١ / ٢١٤.

١٣

وأنّ نسبة كتاب الأنوار إلى الحسن بن همام غير صحيحة ، بل الصحيح أنّ الكتاب لمحمّد بن همام ، هذا بالإضافة إلى ما قيل في عمّار من أنّه ضعيف فاسد المذهب ، لا يعمل على ما يختصّ بروايته.

وأمّا رواية الفضائل فإنّها مقطوعة السند ، كما وإنّ كلا الطريقين لا يظهر منهما أنّ عمّار الساباطي ينسب الرواية إلى المعصومينعليهم‌السلام ، بل هو ناقل لواقعة تاريخية هو بعيد عنها بما يقارب من المائة والخمسين سنة ، إذاً فالروايتان على هذا غير تامّتي السند.

هذا بالإضافة إلى أنّ هناك اختلافاً في مضمون الروايتين على الرغم من أنّ مرجع سندهما واحد ، فرواية عيون المعجزات تذكر أنّ الذين أحرقهم أمير المؤمنينعليه‌السلام وذراهم في الريح ، رجعوا إلى منازلهم بأحسنّ ما كانوا بعد ثلاثة أيّام ، والأُخرى لم تذكر ذلك.

ورواية الفضائل تذكر حال ذلك الملك وسقوط قصره وندمه عن عدم إيمانه بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه الآن في النار ، ولا يعذّب بالنار وغير ذلك ، والأُخرى لا تذكر ذلك ، كما وأنّ رواية الفضائل تقول : إنّ الذين قالوا أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الربّ هو عبد الله بن سبأ وأصحابه ، والأُخرى تقول : إنّ بعضهم قالوا مثل ما قال عبد الله بن سبأ وأصحابه.

فهذه الاختلافات وغيرها تدلّ على أنّ الرواة غير مضبوطين في نقل الرواية ، فالحصيلة من كُلّ ذلك أنّه لا يمكن الاعتماد على هكذا رواية ، وإنّ ما تثبته من وجود عبد الله بن سبأ يبقى محلّ نظر.

وقد ذكرنا مسبقاً من أنّ هناك نظريتين : إحداهما تقول : إنّه شخصية وهمية ، والأُخرى تقول : بأنّه له وجود ، وإن كانت الأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوه وسيلة يتخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة ، نسبوا له تأسيس التشيّع مع أنّ ابن سبأ ملعون على لسان أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وملعون على لسان علماء المذهب ، والشيعة منه براء ، ولا توجد أيّ صلة له بالتشيّع.

١٤

السجود على التربة :

( مفيد أبو جهاد ـ السعودية ـ )

أدلّته من السنّة :

س : ما الأدلّة التي تقول بوجوب السجود على التربة؟ في السنّة النبوية الشريفة ، وذلك من كتب الشيعة والسنّة؟

ج : إنّ الشيعة لا يوجبون السجود على التربة فحسب ، بل يوجبون السجود على الأرض ـ التي منها التربة ـ أو ما أنبتته الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس ، فلا يجوز السجود عليه ، ويستدلّون على ذلك بـ :

١ ـ قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً »(١) ، ومن المعلوم ، أنّ لهذا الحديث ألفاظاً مختلفة ، ولكنّ المعنى والمضمون واحد.

كما لا يخفى أنّ المقصود من كلمة « مسجداً » يعني : مكان السجود ، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى ، ومن كلمة « الأرض » يعني : التراب والرمل والحجر و... ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّ التربة جزء من أجزاء الأرض ، فيصحّ السجود عليها.

____________

١ ـ الخصال : ٢٠١ و ٢٩٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٨٥ ، الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣٠١ و ٢ / ٢٥٠ و ٤٤٢ و ٥٠٢ و ٥ / ١٤٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٢٤ ، صحيح البخاري ١ / ٨٦ و ١١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٨٨ ، الجامع الكبير ٣ / ٥٦ ، سنن النسائي ١ / ٢١٠ و ٢ / ٥٦.

١٥

٢ ـ قال خالد الحذاء : رأي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يسجد كأنّه يتّقي التراب ، فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ترّب وجهك يا صهيب »(١) .

وصيغة الأمر « ترّب » هنا تدلّ على استحباب السجود على التربة دون غيرها من أجزاء الأرض.

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر : «حيثما أدركت الصلاة فصلّ ، والأرض لك مسجد »(٢) .

٤ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض »(٣) .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت أصلّي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر ، فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتّى اسجد عليها من شدّة الحرّ(٤) .

فنقول : لو كان السجود على الثياب جائزاً ، لكان أسهل من التبريد جدّاً ، وهذا الحديث ظاهر على عدم جواز السجود على غير الأرض.

٦ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان »(٥) .

٧ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنّة »(٦) . وظاهره : أنّ السجود على الأرض فرض من الله عزّ وجلّ ، والسجود على الخمرة ـ التي هي من النباتات ، حصيرة مصنوعة من سعف النخل ـ ممّا سنّه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________

١ ـ المصنّف للصنعاني ١ / ٣٩١.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ١٣٦ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ٢ / ٣٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٣٧٧.

٣ ـ أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٢٧٢ ، كنز العمّال ٨ / ١٦٤.

٤ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٢٧ ، سنن النسائي ٢ / ٢٠٤ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٢٢٧.

٥ ـ الكافي ٣ / ٣٣٠ ، الاستبصار ١ / ٣٣١ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٣٠٣.

٦ ـ الكافي ٣ / ٣٣١.

١٦

٨ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس »(١) .

والنتيجة : أنّ جميع الأحاديث تدلّ على وجوب السجود على الأرض ، أو ما انبتت من دون عذر ، وممّا لاشكّ فيه أنّ التربة هي جزء من الأرض ، فيصحّ السجود عليها ، بل تستحبّ إذا كانت من أرض كربلاء ، لوجود روايات كثيرة في هذا المجال عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

( أحمد ـ السعودية ـ )

أدلّة وضع الجبهة على الأرض :

س : أتمنّى منكم لو ترسلوا بعض الأدلّة من القرآن أو السنّة ، بما يفيد وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، واستحباب باقي الأعضاء ، مع دعائي لكم بالتوفيق والتسديد.

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، لا يمكن أخذها إلاّ من الكتاب والسنّة الصحيحة ، والروايات صريحة ودالّة على وجوب وضع الجبهة على الأرض ، أو ما يصحّ السجود عليه ، وأمّا باقي الأعضاء ، فمستحبّ.

والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، فقد ذكر الشيخ الحرّ العامليقدس‌سره في كتابه « وسائل الشيعة » تحت عنوان : أنّه لا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس(٢) ، فذكر أحد عشر حديثاً ، منها :

١ ـ عن هشام بن الحكم ، أنّه قال لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه؟ وعمّا لا يجوز؟

____________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٣٤١ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٢٣٤.

٢ ـ وسائل الشيعة ٥ / ٣٤٣.

١٧

قال : «السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس » ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟

قال : «لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا ، الذين اغترّوا بغرورها ».

٢ ـ عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «لا يسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان ».

٣ ـ عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «وكُلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه ، إلاّ في حال ضرورة ».

كما وذكر تحت عنوان : عدم جواز السجود اختياراً على القطن والكتّان والشعر والصوف ، وكُلّ ما يلبس أو يؤكل ، سبعة أحاديث(١) .

وذكر تحت عنوان : جواز السجود بغير الجبهة على ما شاء ، ثلاثة أحاديث(٢) .

وذكر تحت عنوان : أنّ من أصابت جبهته مكاناً غير مستو ، أو لا يجوز السجود عليه ، ستة أحاديث(٣) .

كما وذكر صاحب كتاب ( جامع أحاديث الشيعة ) مائتين وتسعين حديثاً يتعلّق بالسجود ، فأشارت بعض أحاديثه إلى ذلك(٤) .

____________

١ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٤٦.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٥٢.

٣ ـ وسائل الشيعة ٦ / ٣٥٣.

٤ ـ جامع أحاديث الشيعة ٥ / ٤٦٣.

١٨

( يعقوب نور ـ الكويت ـ سنّي )

حكمته :

س : لماذا نرى بالمذهب الشيعي الصلاة على التربة؟

ج : إنّ السجود على الأرض ممّا أجمع عليه المسلمون ، لما رواه الكُلّ متواتراً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً »(١) .

والشيعة إنّما تسجد على التربة ، لأنّها قطعة متّخذة من الأرض ، يجوز السجود عليها ، وأمّا غير الأرض ، فلم يثبت جوازه.

ومن جانب آخر ، فإنّ الأرض وإن كانت كُلّها مسجداً ، إلاّ أنّ الدليل كما قد خصّ بعضها بالكراهة ـ كالأرض السبخة ـ خصّ بعضها الآخر بالرجحان والاستحباب ـ كأرض كربلاء ـ لمّا ورد عن أئمّتناعليهم‌السلام من الفضل الكثير ، والثواب العظيم للسجود عليها.

فالشيعة اتّخذت هذه القطع من الأرض كمسجد لها ، كما كان الأمر في الصدر الأوّل في اتّخاذ الحصباء والخمرة في هذا المجال.

ففي الحديث : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يسجد على الخمرة ، والخمرة حصيرة أصغر من المصلّى ، وقيل : الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه ، سمّيت خمرة لأنّ خيطها مستورة بسعفها(٢) .

وأيضاً عن ابن الوليد قال : « سألت ابن عمر عمّا كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد؟ قال : نعم ، مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة ، فجعل الرجل

____________

١ ـ الخصال : ٢٠١ و ٢٩٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٨٥ ، الأمالي للشيخ الطوسي : ٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣٠١ و ٢ / ٢٥٠ و ٤٤٢ و ٥٠٢ و ٥ / ١٤٥ ، سنن الدارمي ٢ / ٢٢٤ ، صحيح البخاري ١ / ٨٦ و ١١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٨٨ ، الجامع الكبير ٣ / ٥٦ ، سنن النسائي ١ / ٢١٠ و ٢ / ٥٦.

٢ ـ لسان العرب ٤ / ٢٥٨.

١٩

يمر على البطحاء ، فيجعل في ثوبه من الحصباء ، فيصلّي عليه ، فلمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاك قال : « ما أحسن هذا البساط » ، فكان ذلك أوّل بدئه »(١) .

( عادل عبد الحسين العطّار ـ البحرين ـ )

أمر مستحبّ لا واجب :

س : أُريد منك شرحاً مفصّلاً عن السجود على التربة الحسينية ، هذا لكثرة سؤال زوجتي ، لأنّها على المذهب السني المالكي ، هذا ، ووفّقكم الله إلى ما فيه الخير.

ج : إنّ الشيعة لا تجوّز السجود إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض من غير المأكول والملبوس ، وتستدلّ بما روي عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في ذلك ، وكذلك تستدلّ بما روي في مصادر أهل السنّة ، منها :

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » ، ومعلوم : أنّ لفظ الفرش ليس من الأرض ، ولا يصدق عليه اسم الأرض ، كما أنّ الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال : « فبصرت عيناي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جبهته أثر الماء والطين »(٢) .

كما أنّ أحاديث كثيرة وردت : أنّ الصحابة كانوا يأخذون قبضة من حصى في كفّهم لتبرد حتّى يسجدون عليها(٣) ، وكذلك وردت أحاديث بأنّ النبيّ والصحابة كانوا يسجدون على حصير ، ويتخذّون منه خمرة للصلاة عليها ، ولا نطيل عليكم بذكر بقيّة الأحاديث ، والشيعة عملت بهذه الأحاديث.

____________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٤٤٠.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٥٦ ، سنن أبي داود ١ / ٣١١ ، سنن النسائي ٢ / ٢٠٨ ، مسند أحمد ٣ / ٧ ، صحيح ابن حبّان ٨ / ٤٣١.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٠٥ ، سنن أبي داود ١ / ١٠٠ ، المستدرك ١ / ١٩٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٣٥٨ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٥٣.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الغناء والموسيقى :

( محمّد سلمان الغافلي ـ السعودية ـ )

نصوص التحريم :

س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟

ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :

١ ـ قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) .

حيث فسّرت الأخبار ـ من العامّة والخاصّة ـ لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا »(٢) .

وسئلعليه‌السلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها »(٣) ، وقالعليه‌السلام : « الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ ) »(٤) .

٢ ـ قوله تعالى :( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٥) .

____________

١ ـ لقمان : ٦.

٢ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ١٩٣.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤ ـ الكافي ٦ / ٤٣٣ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢٠٧.

٥ ـ الحجّ : ٣٠.

٤٤١

حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء(١) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (٢) .

حيث فسّرت الزور باللهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل(٣) .

وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.

فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : والله ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقالعليه‌السلام : « لله أنت أمّا سمعت الله عزّ وجلّ يقول :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٤) »(٥) .

وسُئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقالعليه‌السلام : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٦) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كان إبليس أوّل من تغنّى »(٧) .

وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول الله ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.

____________

١ ـ التبيان ٧ / ٣١٢ ، مجمع البيان ٧ / ١٤٨.

٢ ـ الفرقان : ٧٢.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ٢٤٤.

٤ ـ الإسراء : ٣٦.

٥ ـ الكافي ٦ / ٤٣٢.

٦ ـ المصدر السابق ٥ / ١٢٠.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ / ٤٠.

٤٤٢

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك الله حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم الله من رزقه مكان ما أحلّ الله من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى الله ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً »(١) .

٤ ـ قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (٢) .

قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا »(٣) .

٥ ـ خطاب الله تعالى لإبليس :( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (٤) .

قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللهو »(٥) .

وقد جاء في السنّة الشريفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك »(٦) .

( ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ بكالوريوس )

حرمتهما عقلاً :

س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟

____________

١ ـ المعجم الكبير ٨ / ٥١ ، مسند الشاميين ٤ / ٣٩٠ ، كنز العمّال ١٥ / ٢٢٢.

٢ ـ النجم : ٦١.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٣.

٤ ـ الإسراء : ٦٤.

٥ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٨.

٦ ـ فتح القدير ٤ / ٢٣٦ ، مجمع الزوائد ٨ / ١١٩ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٠٤ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٥٩.

٤٤٣

لو فكّرنا أنّ الله حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!

تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.

أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.

ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً ـ لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث ـ وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى باللهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) (١) .

فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى ـ كالواجبات مثل قراءة القرآن ـ وعدم طاعة الكافرين والمنافقين ـ وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء ـ وهذا كُلّه

____________

١ ـ الأحزاب : ١ ـ ٤.

٤٤٤

يحتاج إلى تقوى في النفس من الله تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على الله لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.

كما أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : «جهاد النفس »(١) .

ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى :( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

( ـ ـ )

تعريف الغناء وروايات في تحريمه :

س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.

ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.

وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.

____________

١ ـ الكافي ٥ / ١٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٥٣ ، معاني الأخبار : ١٦٠.

٤٤٥

استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :

١ ـ عن عبد الله بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فحين استقبلني قال : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».

قال : فما زال يقول : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : والله ما عنى غيري(١) .

٢ ـ عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٢) .

٣ ـ عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها »(٣) .

٤ ـ عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت »(٤) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٧٢٠.

٢ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٣ ـ الاستبصار ٣ / ٦١.

٤ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٤٤٦

٥ ـ عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك »(١) .

٦ ـ عن أبي أُسامة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «الغناء غشّ النفاق »(٢) .

٧ ـ عن يونس قال : سألت الخراسانيعليه‌السلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفرعليه‌السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت »(٣) .

٨ ـ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : «منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت »(٤) .

٩ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «شرّ الأصوات : الغناء »(٥) .

١٠ ـ عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر »(٦) .

١١ ـ عن عنبسة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع »(٧) .

____________

١ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٣٣.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٥.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٥.

٤ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٩.

٥ ـ المقنع : ٤٥٦.

٦ ـ الخصال : ٢٤.

٧ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤٤٧

٤٤٨

الغيبة :

( أبو جعفر ـ البحرين ـ )

الدليل العقلي على غيبة الحجّة :

س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟

ج : إنّ الله تعالى وعد ـ ووعده الحقّ ـ بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) .

وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا في زمن الأئمّةعليهم‌السلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّةعليهم‌السلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل ـ ولا يتحقّق وعد الله تعالى ـ فالله تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمامعليه‌السلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما

____________

١ ـ التوبة : ٣٣.

٤٤٩

ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن الله تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.

( ـ الكويت ـ )

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :

س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليه‌السلام حجّة الله على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام الله التوفيق لكم.

ج : قد سُئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهديعليه‌السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب »(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام ـ بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور ـ : «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(٢) .

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : «وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(٣) .

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهديعليه‌السلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :

١ ـ الإمام المهديعليه‌السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

____________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٥٣ ، كفاية الأثر : ٥٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٥٣ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الاحتجاج ٢ / ٢٨٤.

٤٥٠

٢ ـ إنّ منكر وجودهعليه‌السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

٣ ـ إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبتهعليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

٤ ـ إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

٥ ـ إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر الله ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :

س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.

السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّةعليه‌السلام ؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهم‌السلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟

٤٥١

ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّةعليهم‌السلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود ـ كما قرّر في محلّه ـ.

ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية ـ إن وجدت ـ فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.

وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.

مضافاً إلى أنّ الله تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ لحكم الإمامعليه‌السلام .

ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.

ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهمعليه‌السلام .

٤٥٢

( منصور جواد ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :

س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.

وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟

ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهديعليه‌السلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ )

أسباب غيبة الإمام المهدي :

س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

ج : إنّ غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابهعليه‌السلام :

١ ـ الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظرعليه‌السلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو

٤٥٣

الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمامعليه‌السلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمامعليه‌السلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقالعليه‌السلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل(١) .

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهورهعليه‌السلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار »(٢) .

٢ ـ الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمامعليه‌السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه »(٣) .

ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) ، وقال تعالى :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٥) .

____________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٦ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٢٩.

٣ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٥ ، الكافي ١ / ٣٣٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩١.

٤ ـ الملك : ٢.

٥ ـ العنكبوت : ٢.

٤٥٤

وغيبة الإمامعليه‌السلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

٣ ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة »(١) .

٤ ـ عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمامعليه‌السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : «كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قالعليه‌السلام : «لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ «لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف »(٢) .

وأعلن الإمام المهديعليه‌السلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائيعليهم‌السلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي »(٣) .

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهورهعليه‌السلام .

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٦٨ و ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٣ / ٣١٠.

٢ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢.

٤٥٥

( فاطمة حسن ـ ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.

الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّةعليه‌السلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ الله عزَّ وجلّ يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى» (٢) .

فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :

١ ـ الغيبة سرّ مِن أسرار الله فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمامعليه‌السلام واستشهد بالآية.

٢ ـ غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.

٣ ـ إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.

٤ ـ الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.

____________

١ ـ المائدة : ١٠١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥.

٤٥٦

٥ ـ طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه له تأثير عند الله بتقريب ظهوره.

٦ ـ إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهديعليه‌السلام في غيبته كذلك.

٧ ـ إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ الله به البلاد والعباد.

٨ ـ قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.

٩ ـ إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى الله تعالى.

١٠ ـ إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ الله التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.

جعلنا الله وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.

وعلى كُلّ واحد ـ أينما كان ـ أن يجعل ارتباطه بالله تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.

نسألكم الدعاء.

( يوسف ـ الكويت ـ )

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :

س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمرعليه‌السلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيتعليهم‌السلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّةعليهم‌السلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على

٤٥٧

منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.

وبما أنّ الإمام المهديعليه‌السلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.

وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهديعليه‌السلام ، ولو قلنا بإمامته ـ مع غيبته ـ فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.

أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.

ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها ـ كما ذكر في محلّه ـ ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمامعليه‌السلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمامعليه‌السلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمامعليه‌السلام .

نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّةعليه‌السلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهتهعليه‌السلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.

وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمامعليه‌السلام ـ لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».

٤٥٨

( حيدر ـ ـ )

لا يطرأ عليها البداء :

س : شكراً على الإجابة.

لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم الله ورعاكم.

ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهديعليه‌السلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.

نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.

وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قالعليه‌السلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قالعليه‌السلام : «إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد »(١) ، وفيها إشارة إلى الآية( إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٢) .

( جاسم محمّد علي ـ الكويت ـ )

شبهات وردود حول مسألة السرداب :

س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.

____________

١ ـ الغيبة للنعماني : ٣٠٣.

٢ ـ آل عمران : ٩ ، الرعد : ٣٣.

٤٥٩

ج : كان الإمام المهديعليه‌السلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب ـ ولا يزال حتّى اليوم ـ يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.

فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.

وحين بدأت غيبته الكبرىعليه‌السلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض الله الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ الله ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهديعليه‌السلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.

فقد عرفنا أنّ الإمام المهديعليه‌السلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره الله لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.

وعلينا نحن إلى ذلك الوقت ـ وقت ظهوره الشريف ـ أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585