موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253187 / تحميل: 6998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

التي عمل بها على مذهبه السابق ، فقسم من تلك الأعمال تحتاج إلى إعادة ، وقسم منها لا تحتاج إعادة ، بل تكون أعماله السابقة مجزية ، وهذا مذكور في اغلب الرسائل العملية للعلماء ، فلكي يتخلّص المستبصر من تبعات الأعمال السابقة لابدّ من تصحيح تلك الأعمال ، التي لا تصحّ إلاّ على طريقة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وبتصحيحها سوف يأمن من العقوبة.

( عمرو ـ السودان ـ سنّي )

هم اتباع أهل البيت :

س : أخوتي أنا سنّي المذهب ، وأودّ أن أعرف ما هو المذهب الشيعي؟ والفرق بينه وبين المذاهب الأُخرى؟ وما هو حقيقة الذي نسمعه عنهم؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : الشيعة الإمامية اتباع أهل البيتعليهم‌السلام الذين أمرنا بالتمسّك بهم ، وهكذا جميع المسلمين مأمورون بذلك بأدلّة نثبتها من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، منها قوله تعالى :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) ، ومنها حديث الثقلين : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(٢) .

____________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٦ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٨ ، كتاب السنّة : ٣٣٧ و ٦٢٩ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٣ ، المعجم الصغير ١ / ١٣٥ ، المعجم الأوسط ٤ / ٣٣ و ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ و ٥ / ١٥٤ و ١٦٦ و ١٧٠ و ١٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٣٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، كنز العمّال ١ / ١٧٢ و ١٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٢٢ ، المحصول ٤ / ١٧٠ ، الإحكام للآمدي ١ / ٢٤٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ١٩٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، أنساب الأشراف : ١١١ و ٤٣٩ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٨ ، السيرة

١٢١

ومنها حديث الغدير الذي يثبت الإمامة لأمير المؤمنين علياًعليه‌السلام وهو الخليفة لرسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يجب أن يتبعه المسلمون دون غيره ، وهذا هو الأساس في الاختلاف وانشقاق المسلمين إلى فرقتين هم الشيعة والسنّة.

فالشيعة يرون أنّ الإمام عليعليه‌السلام هو الأحقّ بالخلافة بنصّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ، وأنّ المتقدّمين عليه ما هم إلاّ غاصبين لها منه ، وأنّهم بتوليهم ذلك المنصب حرفوا الأُمّة عن مسارها الذي أراده الله لها ، وتسبّبوا في انشقاق المسلمين إلى تلكما الفرقتين.

أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا يوجد نصّ على نصب علياًعليه‌السلام للخلافة ، وإنّما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ترك الأُمّة سدى ، وفوّض للمسلمين اختيار الخليفة من بعده ، فاختار بعض المسلمين في السقيفة أبا بكر ، وكاد أن يقع بين المسلمين القتال على ذلك ، إلاّ أنّه مع ذلك يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر ، ونحن نكذّب هذا الإجماع ، لأنّ أفضل المسلمين وهم أهل بيت الرسول ظلّوا يرفضون خلافة أبي بكر ، وأعلنوا معارضتهم لذلك ، ومعهم غيرهم من المهاجرين والأنصار.

هذا بالإضافة إلى الأدلّة الكثيرة التي نثبتها تنصّ على خلافة الإمام عليعليه‌السلام من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي بثبوتها لا يبقى أي مجال لخلافة أبي بكر سواء تمّ الإجماع أم لم يتمّ.

إذاً منشأ الخلاف هو النزاع على تولّي أمر المسلمين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يخفى عليك أنّ هذا المنصب منصب مرموق تطمح له العيون ويتنافس عليه الكثيرون ، ولعلّك تدرك أنّ أيّ ملك أو زعيم قوم عندما يجعل له خليفة من بعده ، لابدّ أن يتعرّض إلى معارضين يرفضون هذا التعيين ، وقد لا يتمّ لهذا الخليفة تولّي الأُمور أن لم يستخدم القوّة ، وهذا هو فعلاً ما حصل مع الإمام

____________

النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٧٤ و ٩٥ و ٩٩ و ١٠٥ و ١١٢ و ١١٩ و ١٢٣ و ١٣٢ و ٣٤٥ و ٣٤٩ و ٢ / ٤٣٢ و ٤٣٨ و ٣ / ٦٥ و ١٤١ و ٢٩٤ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٢١١ و ٣ / ١٧٧ ، لسان العرب ٤ / ٥٣٨ و ١١ / ٨٨ ، تاج العروس ٧ / ٢٤٥.

١٢٢

عليعليه‌السلام ، لكن الذين عارضوا الإمام عليعليه‌السلام ، قد عارضوا بفعلهم ذاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي نصّ على خلافة عليعليه‌السلام ، بل قد عارضوا الله تعالى الذي أوحى إلى رسوله أن يبلّغ ما أمر به من تنصيب عليعليه‌السلام للإمامة ، بقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) ، والذي حصل بتنصيب علياًعليه‌السلام إكمال الدين لقوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٢) .

ومن الجدير ذكره أنّ الشيعة تعتبر منصب الإمامة على أنّه رئاسة في الدين والدنيا ، لا كما يقصره غيرهم على أنّه رئاسة في أُمور الدنيا.

واستمر الخلاف وانشقاق المسلمين والذي أدّى بالتبع نتيجة الاعتقاد السابق إلى أن يختلف الشيعة عن السنّة في الأخذ بتعاليم دينهم ، ففي حين تمسّك الشيعة الإمامية بأئمّتهم الاثني عشر المعصومين ، الذين اختارهم الله ليكونوا هداة إلى دينه ، وأوصياء لنبيّه من بعده ، ومنهم أخذوا أحكام دينهم افترق بقية المسلمين إلى فرق ومذاهب تبعاً لعلمائهم وفقهاءهم ورؤساءهم.

وهذا ممّا وسّع الخلاف وافترق المسلمون في العقائد والأحكام ، إلاّ أنّ الأمر المهمّ الذي نتمسّك به نحن الإمامية أنّنا نقول بعصمة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام ، الذي يجعلنا نختلف عن باقي المسلمين ، الذين أخذوا معالم دينهم من أشخاص يقرّون بخطئهم ويعترفون بعدم عصمتهم.

ولأنّه ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أُمّته ستفترق من بعده إلى فرق كثيرة ، وأنّ واحدة هي فقط الناجية ، يجعل حتماً على الجميع البحث عن تلك الفرقة الناجية ، ونحن بحمد الله ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ المراد بتلك الفرقة الناجية هي فرقة أهل البيتعليهم‌السلام ، والأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٣.

١٢٣

فعليك أن تبحث عن تلك الفرقة الناجية ، ويكفيك للوصول إليها والتعرّف عليها أن تحكّم عقلك ، وتنساق وراء الأدلّة العلمية دون الأقوال.

وأن ما تسمعه من أقوال عن الشيعة لابدّ أن تميّز بعضه عن بعض ، فقسم منه نحن لا نقول به ، بل يقول به بقية الفرق القريبة منّا ، وقسم آخر لا يعرض بالشكل الذي نقول به بل يضاف عليه أو ينقص منه بحيث يشوّه محتواه.

فعليك إذاً أن تسألنا لنجيبك أو تقرأ كتبنا لتتعرّف على حقيقة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

( أبو محمّد ـ البحرين ـ سنّي ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل :

س : سمعت أنّ العقائد الرئيسية عند الشيعة تعتمد على العقل أكثر منها على النقل ، واعتقد أنّ هذا الكلام منطقي جدّاً ، فهل هذا الكلام صحيح وما رأيكم؟ وكيف أحصل على كتاب أو موقع يعلّق على هذه المقولة.

ج : العقائد عند الشيعة الإمامية سواء الرئيسة منها أو الجزئية تثبت بالطريقين النقلي والعقلي ، ولعلّ ما سمعته ناتج من القول أنّ عقيدة التوحيد مثلاً لا نثبتها ـ إذا أردنا البدء بها في إثبات بقية العقائد ـ بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال ، وكذلك الحال في إثبات النبوّة مثلاً ، أو إعجاز القرآن ، فإنّنا لا نثبتها إذا أردنا البدء بها بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال.

ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أثبتنا مثلاً نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق القرآن دون الاعتراف بعد بأعجازه ، فهذا يعني أنّنا أثبتنا النبوّة بالقرآن والقرآن بالنبوّة ، وهذا هو الدور المحال غير المقبول عقلاً ، فلابدّ للتخلّص منه أن نثبت أحدهما بالدليل العقلي ، ويمكن بذلك أن نثبت الآخر بالدليل النقلي ، فبعد الاعتراف مثلاً بأعجاز القرآن ، وأنّه كلام الله ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

١٢٤

خلفه ، كُلّ ذلك نثبته بالأدلّة العقلية ، يمكن بعدها إثبات النبوّة بما يقوله القرآن.

ولأنّ هناك أكثر من طريق لإثبات جميع العقائد ، نرى أنّ جميع العقائد مرّة يستدلّ عليها بالدليل النقلي ، وأُخرى بالدليل العقلي ، على أن يراعى في كُلّ تلك الأدلّة عدم الوقوع في الدور المحال.

١٢٥
١٢٦

الصحابة :

( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )

بين الجرح والتعديل :

س : الذي اعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم يقوم على سبّ أبي بكر وعمر.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية ، فنوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل.

فالشيعة تحترم صحابة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعظّمهم ، ولكن تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فالصحابة غير معصومين باتفاق جميع المسلمين ، فأيّ عقل يقبل أن تكون مجرّد رؤية الرسول ـ حيث يكون بها الإنسان صحابياً ـ ترفع قانون البحث عن الرجل وأفعاله؟

فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن بقي على الدين بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومات على الملّة ولم يغيّر ولم يبدّل فالشيعة تعظّمه ، ومن لا فلا.

( أحلام ـ لبنان ـ )

ليس كُلّهم عدول :

س : ما هو دليلكم بعدم عدالة الصحابة؟

١٢٧

ج : إنّ سؤالك يعطي انطباعاً عن الشيعة أنّهم لا يعترفون بعدالة الصحابة على الإطلاق ، وهذا التصوّر بعيد عن الحقّيقة ، مجانب للواقع ، فليس الأمر كما تتصوّرين ، أو يتصوّره البعض ، فالشيعة يقولون في حقّ الصحابة ما يلي :

إنّ الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ، وشرّع له شريعة ليبلّغها إلى المسلمين ، فقال :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) .

فمن التزم بهذه الشريعة ـ بكُلّ أبعادها من الأوامر والنواهي ـ فهو مسلم بحقّ ، ويجب على جميع المسلمين احترامه وتقديره والترحّم عليه.

ثمّ من ضيّع هذه الأوامر أو بعضها ، فإن كان عن جهلٍ وقصور فهو معذور ، وإن كان عن عمدٍ وعنادٍ واستخفافٍ بأوامر الله ورسوله ، فهو وإن لم يخرج عن الإسلام ـ إذا بقي ملتزماً بالشهادتين ـ لكن يعتبر خارجاً عن طاعة الله ورسوله ، وموجباً للحكم عليه بالفسق ، وهذا أمر نعتقد أنكِ توافقين عليه بشكلٍ كامل.

وهنا نقول : إنّ من ضمن الأوامر التي أمرنا الله ورسوله باتباعها والالتزام بها هي قوله تعالى :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٢) .

فمودّة أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الواجبات على كُلّ مسلم بنصّ القرآن الكريم والسنّة القطعيّة ، والتارك لها مخالف لأمر الله تعالى ، كما أنّ التارك لغيرها من الواجبات ـ كالصلاة والصوم وغيرهما ـ يعتبر فاسقاً عند المسلمين كافّة.

وعلى كُلّ حال ، فالإشكال في أنّ جميع الصحابة عدول والبحث في الكُلّية ، لأنّ الصحابي من رأى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يوجد دليل صحيح صريح يقول بعدالة كُلّ هؤلاء ، بل نجري قواعد الجرح والتعديل عليهم.

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ الشورى : ٢٣.

١٢٨

( معاذ ـ الأردن ـ سنّي ـ ٣٣ سنة ـ طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

الصحابة ليس كُلّهم عدول ، لأنّ منهم المغيرة بن شعبة وهو رجل فاسق ، ويقال : إنّه أوّل من شتم علي بن أبي طالب على المنابر ، كما أنّه زاني ، وقصّته معروفة حينما شهد عليه ثلاث بالزنا ، ثمّ قال الرابع : إنّي لم أتحقّق من الرؤية جيّداً ، فبرّأه عمر بن الخطّاب.

( ـ ـ سنّي )

آية البيعة لا تدل على عدالتهم :

س : إلى كُلّ شيعي يبحث عن الحقّ ، ويتبع الحوار الهادف الذي فيه نجاته من عذاب الله ، لدّي مداخلة بسيطة ، وهو سؤال واحد ، اسأل فيه كُلّ جمهور الشيعة : من كذبّ على الله ما حكمه في الإسلام؟

فإن قلت : لا يكفّر ، فهذا قول غير المسلمين.

وإن قلت : يكفّر ، فسوف نأخذ شريحة واحدة من قول الله تعالى في كتابه الكريم :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (١) .

من الذي كان تحت الشجرة؟ إن قلت : غير الصحابة ، فمن هم إذاً؟ اليهود ، قريش ، الروم ، الفرس؟ كُلّ المفسّرين يتّفقون على أنّهم صحابة رسول الله ، أكثر من ألف صحابي ، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

والشيعة أجمعت بردّتهم وخروجهم من الإسلام ، من غير عليرضی‌الله‌عنه ، وقليل من الصحابة ـ على عدد أصابع اليد الواحدة ـ وإن قلت بردّتهم ، فمعنى هذا أنّ الشيعة يتّهمون الله بالجهل ، إذ رضي الله عنهم ، ولم يعلم ما في قلوبهم ، أنّهم

____________

١ ـ الفتح : ١٨.

١٢٩

يرتدّون بعد وفاة رسوله ، وعلى هذا من كفّر من رضي الله عنهم فقد وصف الله بالجهل ، ومن وصف الله بهذا فقد كفر بإجماع أهل الإسلام.

وإن قلت : بردّ هذه الآية ، فقد اتهم الله بالعجز ، لعدم حفظ كتابه من التحريف والنقص والزيادة ، والله قد تكفّل بحفظ كتابه ، حيث يقول في كتابه الكريم :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ ) (١) .

ومن ردّ هذه الآية فقد ردّ كتاب الله بأكمله ، ويقول المفسّرون : إنّ الله قد حفظ كتابه عند إنزاله من استراق الشياطين ، وبعد نزوله من التغيير والزيادة ، والنقص والتحريف ، ومعانية من التبديل.

وأطلب من كُلّ الشيعة الرجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وعدم المكابرة مثل بني إسرائيل ، والجهل مثل النصارى.

ومعذرة في الإطالة ، وشكراً لله أن يسّر لنا هذا ، والحمد لله وحده.

ج : نجيبك باختصار ، وعليك بالتأمّل والمراجعة :

١ ـ هذه الآية لا يمكن الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، لأنّها مختصّة بأهل بيعة الرضوان ـ بيعة الشجرة ـ ولا علاقة لها بسائر الصحابة ، والنزاع الأساسي فيما بيننا هو في مسألة عدالة جميع الصحابة ، التي تقول بها أهل السنّة ، ولا تقول بها الشيعة ، مادام لم تثبت عصمتهم ، ولم يدّعها أحد لهم.

٢ ـ في الآية المباركة قيود ، إذ رضي الله تعالى عن المؤمنين الذين بايعوا ، وليس كُلّ من بايع كان مؤمناً ، فالآية ليست بصدد إثبات أنّ كُلّ من بايع فهو مؤمن ، بل هي في صدد بيان شمول رضوان الله ، ونزول السكينة على المؤمنين منهم.

٣ ـ ثمّ إنّ هناك شرط آخر في المقام ، وهو مذكور في القرآن الكريم أيضاً :( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله ) (٢) .

____________

١ ـ الحجر : ٩.

٢ ـ الفتح : ١٠.

١٣٠

فالآية لا تدلّ على الأصل الذي أنتم قائلون به ، وهو عدالة جميع الصحابة ، ولابدّ من توفّر الشروط والقيود المذكورة فيها ، لمن نريد تزكيته منهم ، وأنّ المزكّى منهم لابدّ وأن لا يكون ممّن بايع ثمّ نكث البيعة فيما بعد.

وأخيراً : فموضوع عدالة الصحابة مسألة مهمّة جدّاً ، لابدّ من التأمّل فيها ، ودراسة النصوص القرآنية دراسة معمّقة ، والبحث في السنّة النبوية من ناحية السند والدلالة ، ومن ثمّ تحكيم العقل بعيداً عن التعصّب ، واتّخاذ القرار الحاسم والعقيدة الصحيحة في أنّ الصحابة كُلّهم عدول؟ أم يجوز إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم؟

( أبو القاسم ـ البحرين ـ ٢١ سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعقيباً على سؤال الأخ الذي أجبتم عليه ، أقول : إبليس كان يعبد الله ، وأكرمه الله ورفعه إلى السماء ، وحين عصا ولم يسجد لآدم غضب عليه الرحمن وأنزله ، فما المانع أن يكون الصحابة هكذا.

ونذكر لك أبسط الأُمور :

إنّهم تخلّفوا عن جيش أُسامة ، وأيضاً قوله تعالى :( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (١) .

ويلحق بهم المؤلّفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعطيهم الأموال ليتألفهم على الإسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده (٢) ، ومع هذا كُلّه ، وتقولون : كُلّهم عدول؟

____________

١ ـ الحجرات : ١٤ ـ ١٥.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ٢ / ١٠٦.

١٣١

وأيضاً الآية :( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ ) (١) ، روي عن عبد الله بن عباس أنّها نزلت في علي والوليد ، والمراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة(٢) .

وأيضاً الآية :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (٣) .

وسبب نزولها : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال له : إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاءوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبروه بعدم صحّة قول الوليد ، فنزلت الآية.

وهي محلّ اتّفاق بين المفسّرين والمؤرّخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً(٤) .

( آمال ـ الأردن ـ سنّية ـ ٣٠ سنة ـ طالبة ثانوية )

منهم المؤمن ومنهم المنافق :

س : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين؟ بل الله أعلم بهم.

____________

١ ـ السجدة : ١٨.

٢ ـ نظم درر السمطين : ٩٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٥٧٣ ، الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١٠٥ ، جواهر المطالب ١ / ٢٢٠ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٦.

٣ ـ الحجرات : ٦.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٥٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ١٠٩ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٣١٠ ، المعجم الكبير ٣ / ٢٧٥ و ٢٣ / ٤٠١ ، أحكام القرآن للجصّاص ٣ / ٥٢٩ ، أسباب نزول الآيات : ٢٦٢ ، زاد المسير ٧ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٢٢٣ ، الدرّ المنثور ٦ / ٨٨ ، فتح القدير ٥ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٣ / ٢٣٠ ، أُسد الغابة ٥ / ٩٠ ، تهذيب الكمال ٣١ / ٥٦ ، تهذيب التهذيب ١١ / ١٢٦ ، الإصابة ١ / ٦٧٤ و ٦ / ٤٨١ ، البداية والنهاية ٨ / ٢٣٤ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٢٥.

١٣٢

ج : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة.

والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقوله تعالى :( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (١) ، وقوله تعالى :( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) (٢) ، وهكذا نهى الله تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق.

والتحقيق : إنّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ عليعليه‌السلام على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : «من سبّ علياً فقد سبّني »(٣) .

____________

١ ـ غافر : ٥٨.

٢ ـ الأنعام : ٥٠.

٣ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥.

١٣٣

وكان معاوية يدعو أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما.

فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياًعليه‌السلام ، ثمّ قال : نشدت الله رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق(١) .

وكان المغيرة بن شعبة ـ لمّا ولي الكوفة ـ يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من عليعليه‌السلام ويلعنه ويلعن شيعته(٢) .

فإذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصرّح بأن : «من سبّ علياً فقد سبّني » ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياًعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياًعليه‌السلام : من منكم سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقيل لها : معاذ الله ، فقالت : سمعت رسول الله يقول : «من سبّ علياً فقد سبّني »(٣) .

هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

( عبدو ـ لبنان ـ )

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :

س : ما رأيكم بقول عدالة الصحابة؟ على اعتبار العدالة هي في التبليغ عن ما سمعوا عن الرسول ـ أي أنّهم عدول في نقل الحديث ـ مع احتجاج الخصم على ذلك بعدم ورود مثل هذا التجريح في الصحاح.

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ١٢٨.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٦٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٤٤ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٣٨٥.

٣ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، المناقب : ١٤٩ ، جواهر المطالب ١ / ٦٦.

١٣٤

ج : لابدّ وأن يكون لكُلّ دعوى دليل ، وإلاّ لابتعدنا عن المباني العلمية ، وهذا المدّعى في المقام لا يتمّ لعدم ثبوت الدليل ، بل الدليل على خلافه.

وهنا أسئلة نطرحها حول المدّعى :

١ ـ هل كُلّ ما ورد في الصحاح صحيح؟! بالأخصّ عند البحث في الأسانيد الواردة في الصحاح ، ففيها من الرواة الوضّاعين والكذّابين والمدلّسين ، ولأجل هذا اعترف قسم كبير من علماء أهل السنّة مؤخّراً بعدم صحّة كُلّ ما ورد في الصحاح.

٢ ـ هل الصحابة كُلّهم عدول؟ سواء في ذلك العدالة المطلقة أو في نقل الحديث؟ بالأخصّ عند مراجعة سيرة حياة بعضهم المليئة بمخالفة سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنفاق ، وتكفير بعضهم بعضاً ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، والجهل!!

٣ ـ لم يثبت بالدليل عدالة جميع الصحابة ، فأيّ فرق بين العدالة المطلقة والعدالة في النقل؟! بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ بعض الصحابة حارب السنّة ، ومنع من تدوينها ، وقال : حسبنا كتاب الله.

( معد البطاط ـ استراليا ـ ٣٠ سنة )

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :

س : من عقائدنا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلم ما يحدث بعده بإذن الله ، فكيف يتلائم مع ما موجود في كتب القوم من حديث الحوض : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، وما هو الجواب على ذلك؟ أنؤمن بمتناقضات؟ أو تأويلات بعيدة لا تقنع القوم؟ أم ماذا؟

ج : إنّ علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحوادث والوقائع هو بإذن الله تعالى ، وعليه ففي بعض الأحيان قد تكون مصلحة في إخفائه ـ من خضوع المورد للامتحان

١٣٥

والاختبار ، أو احتمال طرّو البداء وغيرها من المصالح ـ فعلم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو علم إلهي مأذون ، فلا دليل على إطلاق علمهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدون قيد وشرط.

وأمّا القاعدة التي ذكرتموها في مورد علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي مطابقة لعقيدة الشيعة ، ولكنّ الرواية المشار إليها ـ حديث الحوض ـ حديث عامّي السند ، وما جاء في بعض المصادر الشيعية فهو مرسل(١) ، فلا حجيّة له ، إذاً لا يكون نقضاً للقاعدة المذكورة.

نعم ، لابأس بالاستناد بهذه الرواية على معتقدات القوم ؛ ولكن ليس من معتقداتهم علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالموضوعات والوقائع بتمامها حتّى في زمن حياته ، فضلاً عن بعد ارتحاله.

ثمّ إنّ الحديث المذكور ـ على فرض تماميّته سنداً ـ محمول على الظاهر من عدم العلم ظاهراً بحدوث ما صدر عن بعض الصحابة في زمن حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي أنّ العلم الظاهري للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشمل تلك الحوادث في ذلك الزمان ـ وإن كان يعلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الوقائع بعلم النبوّة والإمامة ـ ولكن كانصلى‌الله‌عليه‌وآله مكلّفاً بالظاهر ، وعليه فجواب : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » هو على ضوء العلم العادي والظاهري لا علم النبوّة.

وهنا لابدّ من ملاحظة أمر وهو : أنّنا بحكمنا على جماعة من الصحابة بالانحراف عن خطّ الرسالة ، لم نكن أعلم من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما يتوهّم بعضهم ـ بل إنّ الحوادث السلبية التي وقعت بعد ارتحال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هي مسلّمة الوقوع عندنا ، لأنّ علمنا بها كانت بعد وقوعها ، ولكن تلك الحوادث لم تقع في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فعلمه بها ـ بالعلم العادي والظاهري ـ لم يحصل بعد ، وإن كانت هذه الوقائع معلومة بالتفصيل عندهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم النبوي.

ويدلّ عليه ما جاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لعليعليه‌السلام ، وإخباره عن مستقبل الأُمّة وحكّامها وغير ذلك ؛ وحتّى إنّ أمثال هذه الرواية المبحوث عنها في المقام ، خير

____________

١ ـ الاعتقادات : ٦٥ ، الإفصاح : ٥١ ، الأمالي للشيخ المفيد : ٣٧.

١٣٦

دليل لإثبات علمه النبوي ، إذ يتحدّث هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ويخبرهم بأنّ أمر الصحابة ـ بمجموعهم ـ لم يكن إلى خير ، خصوصاً أنّ في بعض الروايات التي وردت في هذا المجال لم تذكر عبارة : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ، بل جاء فيها قول النبيّ جازماً بحدوث الردّة في الصحابة ، بعبارة : « ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم ـ أو ارتددتم ـ على أعقابكم القهقري »(١) .

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر في المقام وهو : أن يكون جوابهصلى‌الله‌عليه‌وآله جواباً تعريضيّاً واستنكاريّاً ـ أي يريد أن يلفت أنظار الجميع إلى ما أحدثه بعضهم بعد ارتحاله ـ وهذا النوع من البيان يكون أبلغ في إيصال المعنى ؛ وله نظائر حتّى في القرآن المجيد ، فمثلاً يخاطب الله تعالى عيسىعليه‌السلام يوم القيامة :( وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٢) .

وأيضاً جاء في قصّة إبراهيمعليه‌السلام أنّه قال :( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (٣) .

والحال نعلم بالقطع واليقين أنّ عيسىعليه‌السلام يعلم يوم القيامة بانحراف قومه ـ إذ هوعليه‌السلام سيهبط قبل يوم القيامة إلى دار الدنيا ، ويصلّي خلف الإمام المهديعليه‌السلام بإجماع الفريقين ـ فسيكون على علمٍ ممّا حدث في أُمّته بعد توفّيه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ١٨ و ٣٩ ، المستدرك ٤ / ٧٤ ، مسند أبي داود : ٢٩٥ ، كنز العمّال ١١ / ١٧٧ و ١٤ / ٤٣٤.

٢ ـ المائدة : ١١٦ ـ ١١٧.

٣ ـ الأنعام : ٧٦ ـ ٧٨.

١٣٧

وهكذا فإنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يعتقد بعبادة الأصنام قطّ ، ولكن هذا نوع من البيان يتماشى القائل والمستدلّ فيه مع اعتقاد المخاطب ، ثمّ يفنّد أساس معتقده بالأدلّة الواضحة عنده.

( معد البطاط ـ استراليا ـ ٣٠ سنة )

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :

س : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :

قال تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

وقال تعالى :( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (٢) .

وروى الكليني عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « كان الناس أهل ردّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ ثلاثة » ، فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : « المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي »(٣) ، فأين ذهب الذين ذكرهم الله تعالى؟

فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : « تولّيهما » ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال : « نعم »(٤) .

أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا الله ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام.

____________

١ ـ التوبة : ١٠٠.

٢ ـ الحشر : ٨.

٣ ـ الكافي ٨ / ٢٤٥.

٤ ـ المصدر السابق ٨ / ١٠١.

١٣٨

ج : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :

أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد ـ أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا ـ وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالةصلى‌الله‌عليه‌وآله .

مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي « من » التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فإنّ رضا الله كان لعدد منهم لا لجميعهم.

وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (١) أليس أهل المدينة من الأنصار؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه؟

وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة ـ زوجة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة ـ في هجرة المسلمين إليها ـ وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة.

وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه؟!

____________

١ ـ التوبة : ١٠١.

١٣٩

وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ ـ مثل تاريخ الطبري ـ : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم؟!

وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية(١) .

ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية ـ جمعاً بينها وبين باقي الروايات ـ ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمامعليه‌السلام ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهوعليه‌السلام يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّهعليه‌السلام أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه.

وعليه فلا غرابة في حديث الإمامعليه‌السلام إذ إنّ ظروف التقية ـ وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة « أُمّ خالد » ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة « كثير النوا » ـ كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة.

____________

١ ـ مرآة العقول ٢٥ / ٢٤٤.

١٤٠

( محمّد إبراهيم الإبراهيم ـ الكويت ـ ٢٣ سنة ـ ثانوية عامّة )

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :

س : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل له.

مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء الله.

ج : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أُمّته.

وكذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خم : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »(١) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعليعليه‌السلام .

فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي.

نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين.

وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام.

وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح.

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٣.

١٤١

( أحمد ـ ـ سنّي )

حديث لا تسبّوا أصحابي :

س : قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (١) ، ما صحّة هذا الحديث؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة؟

ج : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون.

وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا الله ورسوله ، ويؤيّد هذا قوله تعالى :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ـ أي من الصحابة ـمَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم.

إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله.

( أبو أيمن علي ـ الجزائر ـ سنّي )

تساؤلات؟

س : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير.

____________

١ ـ مسند أحمد ٣ / ١١ و ٦٤ و ٦ / ٦ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٥ ، سنن أبي داود ٢ / ٤٠٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ / ٢٠٩.

٢ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٢

ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين؟

ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية الله.

ج : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر.

وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :

١ ـ هل الصحابة معصومون؟

٢ ـ إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ؟!

٣ ـ هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً؟

٤ ـ هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً؟

٥ ـ هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً؟

٦ ـ إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

٧ ـ مَن هم المنافقون؟

٨ ـ هل المنافق كافر؟

٩ ـ أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر؟

١٠ ـ هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة؟

١١ ـ إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة؟!

١٢ ـ ألم يضعّف علماء الحديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» ورموه بالوضع؟!(١) .

____________

١ ـ لسان الميزان ٢ / ١٣٧ و ٣١٢.

١٤٣

١٣ ـ هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ؟

وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة الله والرسول والمؤمنين.

وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى الله ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار.

( علي ـ السعودية ـ )

حديث خير القرون قرني :

س : ما مدى صحّة الحديث : « خير القرون قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم »؟ (١) وما هي دلالته؟ جزاكم الله خيراً ، ونفعنا بكم.

____________

١ ـ أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٦١٥ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٣١ و ٤ / ٣٠٥ ، الإصابة ١ / ٢١ ، البداية والنهاية ٦ / ٢٨٣.

١٤٤

ج : في الجواب نشير إلى نقاط :

١ ـ إنّ هذا الحديث وأمثاله لم يرد من طرق الشيعة ، وإنّما ورد من طرق أهل السنّة ، وهو لا يمكن أن يكون حجّة علينا ، لأنّ قانون المناظرة والمحاججة أن تذكر المسائل المتّفق عليها بين الطرفين ، أو أن يحتجّ بما وافق عليه الطرف الآخر ، «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم »(١) .

٢ ـ بعد الإغماض عمّا في سند هذا الحديث عند أهل السنّة ، فإنّه لا دلالة لهذا الحديث على ما يقصده أهل السنّة منه ، وذلك بادعائهم خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ قولنا : إنّ قريش أفصح العرب وأكرمهم ، لا يقتضي لغة وعرفاً أن يكون كُلّ واحد من آحاده كذلك ، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك.

٣ ـ هذا الحديث معارض بما رواه أهل السنّة عن عمر ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أتدرون أيّ الخلق أفضل إيماناً »؟ قالوا : الملائكة ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، قالوا : الأنبياء ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، ثمّ قال : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني ، فهم أفضل الخلق إيماناً »(٢) .

٤ ـ وكذلك هذا الحديث معارض بأحاديث أُخرى مثل : « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يدرى أوّله خير أم آخره »(٣) ، وقوله : « ليدركن المسيح أقواماً ، إنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً »(٤) .

٥ ـ إن مظلومية أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر متسالم عليه ، وكُلّ ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ ممّا جرى على فاطمةعليها‌السلام ، وعلي أمير المؤمنين

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ٩ / ٣٢٢.

٢ ـ فيض القدير ٤ / ٣٦٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٨٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ / ١٧٢.

٣ ـ مسند أحمد ٣ / ١٣٠ و ١٤٣ و ٤ / ٣١٩ ، مجمع الزوائد ١٠ / ٦٨ ، مسند أبي داود : ٩٠ و ٢٧٠ ، مسند أبي يعلى ٦ / ٣٨٠.

٤ ـ فتح الباري ٧ / ٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٤ / ٥٦٧ و ٨ / ٥٤٨.

١٤٥

والحسنينعليهم‌السلام ، كُلّ هذا كان في تلك البرهة من الزمن ، وكُلّ الفتن كانت في تلك البرهة من الزمن!!

فكيف يعبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تلك الفترة بأنّها ، وفيها سفكت دماء أهل بيتهعليهم‌السلام ، وظلمت ابنته ، وقتل الحسن والحسينعليهما‌السلام ؟!

كُلّ ذلك ، وقد أخبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ما يجري على أهل بيته بأحاديث كثيرة.

ولا تنس عزيزي القارئ فترة بني أُمية التي كانوا يسبّون فيها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ويلعنونه على المنابر.

٦ ـ كُلّ ما جرى من محن على أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك ما جرى من فتن عمياء ، كُلّ ذلك جرى من أناس شاهدوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو شاهدوا من شاهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتكون الحجّة عليهم أكمل ، والعقاب أشدّ بكثير ممّن لم تتمّ عليهم الحجّة.

وأخيراً : فإنّ هذا الحديث وأمثاله لا يمكن أن يستند عليه باحث متجرّد عن أيّ تعصّب ، هدفه إصابة الحقّ.

إضافة إلى أنّ اختلاف الأئمة نشأ نتيجة اختلاف القرن الأوّل الذي وقعت فيه الحروب ، وسفكت الدماء وقتل بعضهم بعضاً.

( ـ ـ سنّي )

الرسول لم يصلحهم :

س : لقد قرأت الكثير عن الشيعة أو الرافضة ، ولكن عندي ملاحظة على موضوع الصحابة ، واتهامكم لهم ، ألم يستطع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلح الصحابة؟ ألم يستطع أن يحذّرنا منهم؟ وهم من حملوا لنا رسالة الإسلام والقرآن ، وأوصلوه لنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألم يستطع علي رضی‌الله‌عنه أن يخلّصنا منهم؟ وهو أشجع الرجال وأقواهم.

١٤٦

ج : إنّ الشيعة ليس لها عداء شخصي وخصومة مع الصحابة ، بل وبعبارة واضحة : لا تعتقد ولا تلتزم بما سمّوه الآخرين بـ « عدالة الصحابة» ، أي لم تر أصلاً موضوعياً ـ من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ـ في المقام يطهّر الصحابة بأجمعهم عن الخطأ والزلل ، وهذا لم يكن اتهاماً منّا لهم ، بل هو نتيجة متابعة الدليل والعقل.

وأمّا الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وإن كان يستطيع أن يصلح المنحرف منهم بالقدرة الإلهية والمعجزة ، ولكن ليس هذا دأب الرسل ، ولم تكن وظيفته تفرض عليه أن يعالج كافّة الانحرافات بالقهر والغلبة :( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) (١) ، وإلاّ فأين دور الامتحان والاختبار؟!

وهكذا كان معاملة الإمام عليعليه‌السلام معهم ، فكان يداريهم ما لم يقفوا في وجه الحكومة ، ثمّ عندما أقدموا على محاربته تصدّى لهم.

وأمّا أنّ رسالة الإسلام والقرآن قد وصلت إلينا بواسطة المنحرفين من الصحابة ، فهذا بهتان عظيم ، بل أنّ المعارف والأحكام كانت لها حملة لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، والخطّ الموالي لهم في مختلف العصور والفترات دون انقطاع ، وحاش للإسلام أن يحتاج لبعض المنحرفين والمنافقين والظلمة ـ وإن تلبّسوا بزيّ الصحابة ـ في نقل ثقافته وفكره إلى الأجيال.

وهنا نشير إلى نكتة مهمّة في مقام النقض وهي : إنّ الكثير من الأنبياء والرسل السابقين على نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم ، بل قُتلوا وشرّدوا ، فهل يصحّ لنا أن نعترض ونقول : ألم يستطيعوا أن يصلحوا أُمّتهم؟!

القضية ليست قضية استطاعة وعدمها ، وإنّما اختبار وامتحان ، فالأنبياء والرسل بعثوا ليوضّحوا للناس البينات ،( وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ

____________

١ ـ الغاشية : ٢١ ـ ٢٢.

١٤٧

اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ) (١) ،( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) (٢) ، وذلك :( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (٣) .

وثمّة مسألة أُخرى وهي : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نوّه إلى مسألة ما سيحدث بعده من الاختلاف بين الصحابة ، وأن بعضهم سيضرب رقاب بعض ، وأنّهم سيرجعون بعدّه مرتدّين.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم محشورون إلى الله تعالى ، ويؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح :( كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليردن عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي؟ فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بينا أنا قائم فإذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، فقلتُ : أين؟ قال : إلى النار والله ، قلتُ : ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، ثمّ إذا زمرة فلا أراهم يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بُعداً بُعداً ـ أو : سحقاً سحقاً ـ لمن بدّل بعدي »(٦) .

____________

١ ـ البقرة : ٩٢.

٢ ـ البقرة : ٩٩.

٣ ـ الأنفال : ٤٢.

٤ ـ المائدة : ١١٧ ، مسند أحمد ١ / ٢٣٥ و ٢٥٣ ، صحيح البخاري ٤ / ١١٠ و ١٤٣ و ٥ / ١٩٢ و ٢٤٠ و ٧ / ١٩٥ ، صحيح مسلم ٨ / ١٥٧.

٥ ـ مسند أحمد ٥ / ٤٨ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، صحيح مسلم ٧ / ٧٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤١٥ ، مسند ابن راهويه ١ / ٣٧٩.

٦ ـ صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ١٣٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٨ / ١٠٨.

١٤٨

( السيّد يوسف البيومي ـ لبنان ـ ٢٥ سنة ـ طالب جامعة وحوزة )

تفسير آية( محمّد رَّسُولُ اللهِ )

س : إنّ هناك آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والسنّة يستدلّون بها على عدالتهم ، وهذه الآية هي : ( محمّد رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ) (١) ، فما هو التفسير الحقيقي لهذه الآية؟ وكيف يمكن أن ندحض زعمهم؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : ننقل لكم نصّ ما قاله الشيخ المفيدقدس‌سره حول الآية في كتابه « الإفصاح » : « فإن قال : أفليس الله تعالى يقول في سورة الفتح :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) ، وقد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورؤساء من كان معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق ، بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان ، وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان؟!

قيل لهم : إنّ أوّل ما نقول في هذا الباب : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ومن تضيفه الناصبة إليهم في الفضل ـ كطلحة والزبير ، وسعد وسعيد ، وأبي عبيدة ، وعبد الرحمن ـ لا يتخصّصون من هذه المدحة بما خرج عنه أبو هريرة وأبو الدرداء ، بل لا يتخصّصون بشيء لا يعمّ عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبا الأعور السلمي ، ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان ، بل لا يختصّون منه بشيء دون أبي سفيان صخر بن حرب ، وعبد الله ابن أبي سرح ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص ،

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

١٤٩

ومروان بن الحكم ، وأشباههم من الناس ، لأنّ كُلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحة القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه ، وعبد الله بن أبي سلول ، ومالك بن نويرة ، وفلان وفلان ، إذ إنّ جميع هؤلاء أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان معه ، ولأكثرهم من النصرة للإسلام ، والجهاد بين يدي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين موضع الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره؟ من جملة من سمّيناه ، وما وجه دلالتهم منه على إمامتهم ، فإنا لا نتوهّمه ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحد من العقلاء؟!

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عمّا وصف الله تعالى به من كان مع نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما تضمّنه القرآن ، أهو شامل لكُلّ من كان معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان ، أم في الصقع والمكان ، أم في ظاهر الإسلام ، أم في ظاهره وباطنه على كُلّ حال ، أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ، أم لقسم آخر غير ما ذكرناه؟

فإن قالوا : هو شامل لكُلّ من كان مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام.

ظهر سقوطهم وبان جهلهم ، وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل.

وإن قالوا : إنّه يشمل كُلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً ، دون من عددتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمّتكم وأصحابكم ، ومن تسمّون من أوليائكم ، أنّهم كانوا في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذ على هذا الكلام ، وإلاّ فأنتم مدعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّة ، ولا لكم عليه دليل ، وهيهات أن تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآن ولا خبر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن اعتمد فيه على غير هذين ، فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

١٥٠

وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.

ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ الله تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.

فقال سبحانه :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك ـ يا محمّد ـ هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من الله ورضواناً.

وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد الله إمام عدل ، والذين معه يطيعون الله ، ويجاهدون في سبيل الله ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم الله ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء الله الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح

١٥١

وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذاً منبّه على ذمّه ، وكاشف عن نقصه ، ودالّ على موجب لومه ، ومخرج له عن منازل التعظيم.

فنظرنا في ذلك واعتبرناه ، فوجدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ابن الأسود ، وأبا دجانة ـ وهو سمّاك بن خرشة الأنصاري ـ وأمثالهم من المهاجرين والأنصار ( رضي الله عنهم ) ، قد انتظموا صفات الممدوحين من الصحابة في متضمّن القرآن.

وذلك أنّهم بارزوا من أعداء الملّة الأقران ، وكافحوا منهما الشجعان ، وقتلوا منهم الأبطال ، وسفكوا في طاعة الله سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله الكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم الله تعالى في محكم القرآن ، وكانوا من التواصل على أهل الإسلام ، والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقّوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل الله تعالى القربات ، فلم يدفعهم عن علو الرتبة في ذلك أحد من الناس ، فثبت لهم حقيقة المدح لحصول مثلهم فيما أخبر الله تعالى عنهم في متقدّم الكتب ، واستغنينا بما عرفنا لهم ممّا شرحناه في استقراء غيرهم ، ممّن قد ارتفع في حاله الخلاف ، وسقط الغرض بطلبه على الاتفاق.

ثمّ نظرنا فيما ادعاه الخصوم لأجل أئمّتهم ، وأعظمهم قدراً عندهم من مشاركة من سمّيناه فيما ذكرنا من الصفات وبيّناه ، فوجدناهم على ما قدّمناه من الخروج عنها ، واستحقاق أضدادها على ما رسمناه.

وذلك أنّه لم يكن لأحد منهم مقام في الجهاد ، ولا عرف لهم قتيل من الكفّار ، ولا كلّم كلاماً في نصرة الإسلام ، بل ظهر منه الجزع في مواطن القتال ، وفرّ في يوم خيبر وأُحد وحنين ، وقد نهاهم الله تعالى عن الفرار ، وولّوا

١٥٢

الأدبار ، مع الوعيد لهم على ذلك في جلي البيان ، وأسلموا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للحتوف في مقام بعد مقام ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار ، وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيين بالمدحة في القرآن ، ولو كانوا على سائر ما عدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، وكيف وأنّى يثبت لهم شيء منها بضرورة ولا استدلال ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموع الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه ، ممّا لا يمكن دفعه إلاّ بالعناد ، ووجوب الحكم عليهم بالذمّ بما وصفناه؟! وهذا بيّن جلي والحمد لله.

ثمّ يقال لهم : قد روى مخالفوكم عن علماء التفسير من آل محمّدعليهم‌السلام : أنّ هذه الآية إنّما نزلت في أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّةعليهم‌السلام من بعدهم خاصّة دون سائر الناس ، وروايتهم لما ذكرنا عمّن سمّينا أولى بالحقّ والصواب ، ممّا ادعيتموه بالتأويل والظنّ الحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتباعه في الدين ، وأمن متبعه من الضلال.

ثمّ إنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ الله تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود لله تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه لللات والعزّى دون الله الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذمّ من الكفر والعصيان.

وقد اتفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، وسعداً وسعيداً ، وأبا عبيدة وعبد الرحمن ، قد عبدوا قبل بعثة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الأصنام ، وكانوا دهراً طويلاً يسجدون للأوثان من دون الله تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل ، بذكر السجود على ما نطق به القرآن ، وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيتهعليهم‌السلام ذلك ، للاتفاق على أنّهم لم يعبدوا قط غير الله تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان

١٥٣

مثلهم في التوراة والإنجيل واقعاً موقعه على ما وصفناه ، مستحقّاً به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص لله سبحانه على ما بيّناه.

ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه ، من علماء آل محمّدعليهم‌السلام ، بما دلّ به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من مقاله الذي اتفق العلماء عليه ، وهذا أيضاً ممّا لا يمكن التخلّص منه مع الإنصاف.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ) إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك؟

فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم.

خرجوا من مذاهبهم ، وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكُلّ شيء تدعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها منهم ، لما ظهر من مقاماتهم في الجهاد ، الذي لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان فيه ذكر على جميع الأحوال؟!

فلا يجدون شيئاً يعتمدون عليه في الفرق بين القوم ، أكثر من الدعوى الظاهرة الفساد.

وإن قالوا : إنّ طلحة والزبير في جملة القوم الممدوحين بما في الآية.

قيل لهم : فهلاّ عصمهما المدح الذي ادعيتموه لهم ، من دفع أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وإنكار إمامته ، واستحلال حربه ، وسفك دمه ، والتديّن بعداوته على أيّ جهة شئتم : كان ذلك من تعمّد ، أو خطأ ، أو شبهة ، أو عناد ، أو نظر ، أو اجتهاد!

فإن قالوا : إنّ مدح القرآن ـ على ما يزعمون ـ لم يعصمهما من ذلك ، ولابدّ من الاعتراف بما ذكرناه ، لأنّ منع دفعه جحد الاضطرار.

قيل لهم : فبما تدفعون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، قد دفعوا أمير المؤمنينعليه‌السلام عن حقّه ، وتقدّموا عليه وكان أولى بالتقدّم عليهم ، وأنكروا إمامته وقد كانت ثابتة ، ودفعوا النصوص عليه وهي له واجبة ، ولم يعصمهم

١٥٤

ذلك ، ثمّ توجّه المدح لهم من الآية ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ، ووقع منهم في إنكار حقّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما وقع من الرجلين المشاركين لهم فيما ادعيتموه من مدح القرآن ، وعلى الوجه الذي كان منهما ذلك ، من تعمّد أو خطأ أو شبهة أو اجتهاد أو عناد؟ وهذا ما لا سبيل لهم إلى دفعه ، وهو مبطل لتعلّقهم بالآية ، ودفع أئمّتهم عن الضلالة ، وإن سلم لهم منها ما تمنّوه تسليم جدل للاستظهار.

ويؤكّد ذلك : أنّ الله تعالى مدح من وصف بالآية ، بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ، ولا استدامة لما استحقّ به المدحة في الاستقبال.

ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان ، الإيمان في الخاتمة ، ودلّ بالتخصيص لمن اشترط له ذلك ، على أنّ في جملتهم من يتغيّر حاله ، فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال تعالى فيما اتصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال :( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١) .

فبعضهم في الوعد ولم يعمهم به ، وجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ، ولم يقطع على الثبات ، ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان ، لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام ، وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، وهذا ما لا يذهب إليه ناظر ، فبطل ما تعلّق به الخصم من جميع الجهات ، وبان تهافته على اختلاف المذاهب في الأجوبة والإسقاطات ، والمنّة لله »(٢) .

____________

١ ـ الفتح : ٢٩.

٢ ـ الإفصاح : ١٣٩.

١٥٥

( عبد الله النمر ـ السعودية ـ )

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :

س : أُريد معرفة حقيقة الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في مسألة الصحابة؟

ج : الكلام حول عدالة الصحابة عنوان وتعبير لا يرسم حقيقة الخلاف بين الشيعة الإمامية وأهل السنّة ، لأنّ الخلاف ليس في كُلّ الصحابة ، فانّ الإمامية تعدل الصحابة ممّن تابع ووالى علياًعليه‌السلام ـ كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ، وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه ، وابن التيّهان وذي الشهادتين ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي بردة الأسلمي ، وغيرهم جمع غفير ممّن والى علياًعليه‌السلام ـ وكذلك غالب وجلّ الأنصار فإنّهم ممدوحون عندهم.

وإنّما الخلاف حقيقة هو في أصحاب السقيفة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ القرآن الكريم قد نطق بوجود المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، والمرجفون ، ومنهم الذين يلمزون رسول الله في الصدقات ، ومنهم الذين يؤذون النبيّ ، ويقولون : هو أُذن ، ومنهم من عاهد الله ونكث ، ومنهم الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين ، ومنهم المخلّفون بمقعدهم ، ومنهم الخوالف ، ومنهم المعذرون ، ومنهم الذين مردوا على النفاق ، ومنهم المرجون ، ومنهم الذين ارتابت قلوبهم ، ومنهم الذين ابتغوا الفتنة ، ومنهم أهل الإفك ، وغيرهم من الطوائف التي نصّ عليها القرآن ، فكما قد مدح طائفة منهم ، فقد ذمّ طوائف عديدة كثيرة ، أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟!

وفي سورة المدّثر ـ وهي رابع سورة من البعثة ، نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يشير القرآن إلى اندساس مجموعة في صفوف المسلمين الأوائل ، ويطلق عليهم اسم( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (١) ، أي ممّن يظهر الإسلام ويبطن المرض في قلبه ، وقد فسّرت سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله معنى المرض ، وهو الظغينة والعداء للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

١ ـ المائدة : ٥٢.

١٥٦

وخاصّته ، وقد ذمّ القرآن بعض أهل بدر في سورة الأنفال ، كما ذمّ بعض أهل أُحد في سورة آل عمران ، كما ذمّ طوائف من الصحابة في واقعة الأحزاب في سورة الأحزاب وسورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذمّ جماعة منهم في واقعة حنين.

بل في واقعة أُحد قال تعالى :( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وقد اشترط القرآن الكريم لنجاة الصحابي وكُلّ مسلم شرائط ، إن وفى بها نجى وسلم وفاز ، وإلاّ فيهلك ويخسر ، لقوله تعالى مخاطباً أصحاب بيعة الرضوان :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) ، فالناكث هالك منهم بحكم القرآن الكريم ، ومن ثمّ اصطلح بين الصحابة اشتراط أن لا يبدّل الواحد منهم في الدين ، ولا يحدث حدث.

وفي ذيل سورة الفتح ، وعد القرآن بعض الذين مع الرسول بالنجاة فقال :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (٣) ، فقال تعالى :( مِنْهُم ) أي بعضهم لا كُلّهم.

وقد روى البخاري ومسلم في كتاب الفتن والعلم : إنّ جمع من الصحابة يرتدّون على أدبارهم القهقري بعد رسول الله ، ويبعدون عن حوض الكوثر ، ويختلسون دون رسول الله ، فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً »(٤) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

٢ ـ الفتح : ١٠.

٣ ـ الفتح : ٢٩.

٤ ـ مسند أحمد ٢ / ٣٠٠ و ٣ / ٢٨ و ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٧ / ٢٠٨ و ٨ / ٨٧ ، صحيح مسلم ١ / ١٥١ و ٧ / ٦٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٤ / ٧٨.

١٥٧

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :

س : هل ثبتت توبة الزبير ابن العوام بعد محاربته للإمام عليعليه‌السلام ؟

إذ إنّ كثيراً من المصادر التاريخية تذكر أنّ الزبير انسحب من المعركة بعد أن ذكّره أمير المؤمنينعليه‌السلام بكلام ، فتبعه ابن جرموز فقتله ، وهو يصلّي ، وأصبح ابن جرموز فيما بعد من كبار الخوارج.

وهل صحّت توبة طلحة ، إذ إنّ المصادر تذكر أن مروان بن الحكم قتله أثناء المعركة؟ حتّى يختلط الحابل بالنابل ، فهل أراد طلحة الانسحاب من المعركة ـ كالزبير ـ فقتله مروان حتّى لا يتمّ الصلح؟

ج : إنّ طلحة والزبير قد ضلاّ وأضلاّ الكثير بنكثهما البيعة مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وبهذا أصبحا جاحدين لإمام زمانهما ، وشملهما الحديث : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(١) .

وأيضاً قد فقدا إيمانهما بخروجهما على إمام زمانهما ، فاعتُبرا من الغاوين المنحرفين.

وأمّا توبتهما فلم تثبت بطريق صحيح ، لأنّهما قُتلا وهما مصمّمان على الحرب مقيمان على الفسق ، ولو كانا تائبين للزمهما أن يصرّحا بخطئهما ، وظلمهما واعتداءاتهما ، ثمّ كان يجب عليهما الحضور في معسكر الإمامعليه‌السلام ، وإطاعة أوامره ونواهيه ، لا الانسحاب والفرار من المعركة ؛ إذ قد يحتمل أن انسحاب الزبير كان بسبب بدو العجز والانكسار في معسكر الضلال.

وأمّا قضية طلحة فهي أوضح ، لأنّه كان عازماً على الاستمرار في القتال إلى أن غدر به صاحبه.

____________

١ ـ كتاب السنّة : ٤٨٩ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٢٥ ، مسند أبي يعلى ١٣ / ٣٦٦ ، المعجم الأوسط ٦ / ٧٠.

١٥٨

وبالجملة : فهما إلى النار ، ولا سبيل إلى فرض صحّة توبتهما ؛ وهذا ما عليه أعلام الشيعة ، كالشيخ المفيد وغيره من وجوه الطائفة.

( فراس العبدواني ـ ـ )

لا يصحّ الترضي على جميعهم :

س : هل صحيح أنّه يستحبّ الترضي للصحابة ، ولا يصحّ أن يقال بعد ذكر اسم الإمام علي بقول عليه‌السلام أو ( كرّم الله وجهه ) ، والصحيح أن يقال : رضی‌الله‌عنه .

ج : هذه دعوى بلا دليل ، إذ إنّ من الصحابة :

١ ـ يسار بن سبع ـ المعروف بأبي الغادية الجهني ـ وهو من الصحابة بإجماع أهل السنّة ، وهو قاتل عمّار بن ياسررضی‌الله‌عنه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « قاتل عمّار وسالبه في النار »(١) ، فهذا الشخص في النار بشهادة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اعترف شيخ الوهّابية ناصر الدين الألباني ، فكيف ترضى على أهل النار؟!

٢ ـ مسلم بن عقبة المري ، ذكره ابن عساكر وابن حجر من الصحابة(٢) ، وهو الذي غزا المدينة ، واستباح بنات الصحابة والتابعين ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «من آذى أهل المدينة آذاه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة »(٣) ، واعترف النووي بأنّه من أهل النار ، فكيف تترضى عليه؟!

٣ ـ بسر بن أرطاة ، قد أوقع بأهل المدينة ومكّة أفعال قبيحة ، وآذى الصحابة ، وارتكب الأُمور العظام منها ما نقله أهل الأخبار والحديث : من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ، وهما

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ٣٨٧ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٤٤ و ٩ / ٢٩٧ ، الآحاد والمثاني ٢ / ١٠٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٢٣٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٤٧٤.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٥٨ / ١٠٢ ، الإصابة ٦ / ٢٣٢.

٣ ـ مجمع الزوائد ٣ / ٣٠٧ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٤٧ ، كنز العمّال ١٢ / ٢٣٧ ، فيض القدير ٦ / ٢٥.

١٥٩

صغيران بين يدي أُمّهما ، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ، ويأخذ البيعة له ، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة ، وسار إلى اليمن ففعل فيها كذلك.

وقال الدارقطني : « بسر بن أرطاة له صحبة ، ولم تكن له استقامة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها ، وقتل فيها كثيراً ، وأغار على همدان باليمن ، وسبى نساءهم ، فكنّ أوّل مسلمات سُبين في الإسلام »(١) .

فكيف ترضى على القتلة المستبيحين للنفس المحرّمة ، وللزنا؟!

٤ ـ معاوية بن خديج أو حديج ، ذكروا في ترجمته أنّه كان صحابياً ، وكان من أسبّ الناس لعليعليه‌السلام ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : « من سبّ علياً فقد سبّني »(٢) ، فكيف تترضى على رجل يسبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٥ ـ المغيرة بن شعبة ، ولي لمعاوية الكوفة ، وكان ينال من عليعليه‌السلام ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أمر الولاة بالنيل منه ، وقد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «ولا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(٣) ، فكيف تترضى على المنافقين؟!

٦ ـ مروان بن الحكم ، كان يسبّ علياًعليه‌السلام ، فكيف تترضى عليه؟!

٧ ـ معاوية بن أبي سفيان ، كان يسبّ علياً ، ويأمر الولاة بسبّه ، فكيف تترضى عليه؟!

____________

١ ـ أُسد الغابة ١ / ١٨٠ ، تهذيب ٤ / ٦٢.

٢ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠ و ٢٩٤ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٢ و ٢ / ١٠٢ و ١٥٦ و ٢٧٤ و ٣٩٥ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ١١٩ و ٩ / ١٧٢ و ١٨ / ٢٤ ، كنز العمّال ١٤ / ٨١ ، تاريخ مدينة دمشق ١٢ / ٣٩٨ و ٤٢ / ١٣٤ و ٢٧٩ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٤١١ ، جواهر المطالب ١ / ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٧٩ و ٤٩٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585