موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253018 / تحميل: 6992
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجع، حسبنا كتاب الله(1) !

وممّا يشهد لهذا القول، بل يجعله يقيناً لا شكّ فيه، ماثبت عن ابن عبّاس في وصف اختلافهم عند النبيّ ( ص ) الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب، فقد كان ابن عبّاس يصف هذا الحديث بأنّه (الرزيّة، كلّ الرزيّة) ويذكره فيقول: (يوم الخميس، وما يوم الخميس! قالوا: وما يوم الخميس؟! قال: اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لاتضلّوا بعدي» فتنازعوا، وماينبغي عند نبيٍّ تنازع! وقالوا: ماشأنهُ! أهَجَر؟ استفهموه!! فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير» قال ابن عباس: إن الرزيّة كلّ الرزيّة ماحال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم). ويبكي حتّى يبلّ دمعُه الحصى(2) .

فلو كان الاَمر كما وصفه الحديث المنسوب إلى عائشة «يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر» لم تكن ثمّة رزية يبكي لها ابن عبّاس كلّ هذا البكاء ويتوجّع كلّ هذا التوجّع.

إنّ بكاء ابن عبّاس وتوجّعه الشديد لهذا الحديث لهو دليلٌ لاشيء أوضح منه على أنّ الذي أراده النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الكتاب لم يتحقّق، بل تحقّق شيء آخر غيره لم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراده ولا أشار إليه أدنى إشارة.

وتزداد هذه الحقيقة رسوخاً حين ندرك أنّ ابن عبّاس هو واحد من

____________________

(1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 49.

(2) صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب 17 | 5345 وفيه أن الذي اعترض على الرسول هو عمر، صحيح مسلم - كتاب الوصيّة | 15 و 21 و 22، مسند أحمد 1: 324، السيرة النبوية - للذهبي -: 384، البداية والنهاية 5: 248.

٨١

سادة بني هاشم الّذين لم يبايعوا لاَبي بكر إلاّ بعد ستّة أشهر(1) !

فمع هذه الثوابت لايبقى احتمال لصحّة الحديث المنسوب إلى عائشة!

3 - حديث: «اقتدوا باللَّذَين مِن بعدي، أبي بكر وعمر».

أخرجه الترمذي وابن ماجة(2) ، واعتمده كثيرون في إثبات النصّ على أبي بكر وعمر، أو في إثبات صحّة خلافتهما(3) .

لكنّ ابن حزم استهجن كثيراً الاستدلالَ بهذه الرواية، وعدّه عيباً يترصّدُ أمثالَه الخصوم، فقال مانصّه: (ولو أنّنا نستجيز التدليس والاَمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً، أو أبلسوا أسفاً، لاحتججنا بما روي « اقتدوا باللَّذَين من بعدي أبي بكر وعمر » ولكنّه لايصحّ، ويُعيذنا الله من الاحتجاج بما لايصحّ)(4) .

4 - نصوص أُخر نُسبت إلى عليّ عليه السلام، إمعاناً في سدّ الثغرات، وقطع الطريق على الخصم، استبعد المحبّ الطبري صحّة شيءٍ منها لتخلّف عليٍّ عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدّة أمر بعيد(5) .

____________________

(1) السنن الكبرى 6: 300، تاريخ الطبري 3: 208، مروج الذهب 2: 316، الكامل في التاريخ 2: 331، جامع الاُصول 4: 482.

(2) سنن الترمذي - مناقب أبي بكر 5 | 3662، سنن ابن ماجة 1: 97.

(3) شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 266، تثبيت الاِمامة: 92 رقم 59.

(4) الفِصَل 4: 108.

(5) الرياض النضرة: 48 - 49.

٨٢

وهذا حقٌّ يؤيّده ما اشتهر عن عليّ عليه السلام من ذِكر حقّه في الخلافة(1) .

هذه جملة مااعتمدوه من النصوص الحديثية في النصّ على أبي بكر وتقديمه.

ثانياً - نصوص من القرآن الكريم:

1 - قوله تعالى:( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ) (2) .

قالوا: الخطاب هنا للصحابة، فوجب أن يوجد في جماعة منهم خلافة يتمكّن بها الدين، ولم يوجد على هذه الصفة إلاّ خلافة الخلفاء الاَربعة، فهي التي وعد الله بها(3) . حتّى صرّح بعضهم بأنّ الآية نازلة فيهم، أو في أبي بكر وعمر خاصّةً(4) .

وهذا الاستدلال ضعّفه المفسّرون بأمرين:

الاَوّل: إنّ المراد في هذه الآية هو (الوعد لجميع الاُمّة في ملك الاَرض كلّها تحت كلمة الاِسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: «زُوِيَتْ لي الاَرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أُمّتي مازُوِيَ لي منها»). وأنّ (الصحيح في هذه الآية أنّها في استخلاف الجمهور،

____________________

(1) سيأتي في هذا البحث.

(2) سورة النور 24: 55.

(3) شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 265.

(4) تفسير القرطبي 12: 195.

٨٣

واستخلافهم هو أن يملّكهم البلاد ويجعلهم أهلها...

ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أُحد وغيرها، وخاصّةً الخندق، حتّى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال:( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) (1) . ثمّ إنّ الله ردّ الكافرين لم ينالوا خيراً، وأمّن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وهو المراد بقوله:( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) . وقوله:( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) يعني بني إسرائيل، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم.. وهكذا كان الصحابة مستضعَفين خائفين، ثمّ إنّ الله تعالى أمّنهم ومكّنهم وملّكهم، فصحّ أنّ الآية عامّة لاُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم غير مخصوصة، إذ التخصيص لايكون إلاّ بخبر ممّن يجب له التسليم، ومن الاَصل المعلوم التمسّك بالعموم)(2) .

والثاني: ماذكروه في سبب نزول الآية، فإنّه منطبق تماماً على ماذُكر آنفاً، لايُساعد على تخصيصها في الخلفاء الاَربعة أو بعضهم، وإنْ كان فيه مايفيد تخصيصها بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه(3) .

ففي رواية البراء، قال: فينا نزلت ونحن في خوف شديد.

____________________

(1) سورة الاَحزاب 33: 10 و 11.

(2) تفسير القرطبي 12: 196 - 197، تفسير الشوكاني (فتح القدير) 4: 47. وانظر أيضاً: الميزان في تفسير القرآن 15: 167.

(3) كما تقدّم في آخر الكلام المنقول عن القرطبي، وهو ماذهب إليه محمّد جواد مغنية في تفسيره الكاشف 5: 436.

٨٤

وفي رواية أبي العالية، يصف حال أصحاب الرسول وهم خائفون، يُمسون في السلاح ويُصبحون في السلاح، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله الآية، فأظهر الله نبيّه على جزيرة العرب، فأمنوا ووضعوا السلاح.

ومثلها رواية أُبيّ بن كعب، وقوله في رواية ثانية عنه: لمّا نزلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) الآية، بشّر هذه الاُمّة بالسَنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الاَرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب(1) .

أمّا رواية عبد بن حُميد عن عطيّة ففيها تخصيص آخر مخالف للتخصيص المذكور في الخلفاء الاَربعة، إذ قال عطيّة: هم أهل بيتٍ هاهنا! وأشار بيده إلى القِبلة(2) .

وفي هذا عطف على ماذهب إليه غالب مفسّري الشيعة من أنّ المراد بالّذين آمنوا وعملوا الصالحات هنا: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمّة من أهل بيته عليهم السلام. وأنّ هذه الآية تبشّر بالمهدي الموعود من أهل البيت ودولته(3) .

فمع هذا القول، أو مع ظهور ما تقدم من إفادتها العموم، لا يبقى وجه للتمسّك بها هنا.

2 - قوله تعالى( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ

____________________

(1) الدر المنثور 6: 215 - 216.

(2) الدر المنثور 6: 216.

(3) مجمع البيان 4: 152، الميزان 15: 166 - 167، الاِفصاح في الاِمامة: 102.

٨٥

شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا ) (1) . فقد جعل الداعي مفترض الطاعة، والمراد به أبو بكر وعمر وعثمان، فوجبت طاعتهم بنصّ القرآن، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضاً فقد صحّت إمامتهم وخلافتهم(2) .

والصحيح الذي يوافق تاريخ نزول الآية الكريمة، ويوافق الوقائع، هو ماذكره الرازي من أنّ الداعي هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(3) ، إذ كانت الآية المذكورة نازلة في الحديبية بلا خلاف، وهي في سنة ستّ للهجرة، وبعدها غزا النبيّ هوازن وثقيف وهم أُولو بأس شديد، في وقعة حنين الشهيرة وذلك بعد فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، وفتح مكّة هو الآخر دعوة إلى قتال قوم أُولي بأس شديد قاتَلوا الاِسلام وأهله حتّى أظهره الله عليهم في الفتح، ثمّ كانت غزوة مؤتة الشديدة، ثمّ غزوة تبوك وهي المعروفة بجيش العسرة، التي استهدفت محاربة الروم على مشارف الشام، ثمّ دعاهم مرّةً أُخرى لقتال الروم في جيش أُسامة الذي جهّزه وأمر بإنفاذه وشدّد على ذلك في مرضه الذي توفّي فيه.

فكيف يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يَدْعُهُم إلى قتال بعد نزول الآية؟!

ولاَجل الفرار من هذا المأزق ذهبوا إلى آية سورة التوبة النازلة في المخلَّفين:( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا

____________________

(1) سورة الفتح 48: 16.

(2) الفِصَل 4: 109 - 110، شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 266.

(3) تفسير الرازي 28: 92 - 93.

٨٦

مَعَ الْخَالِفِينَ ) (1) .

قال ابن حزم بعد أن ذكر هذه الآية ما نصّه: ( وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شكّ التي تخلّف فيها الثلاثة المعذورون الّذين تاب الله عليهم في سورة براءة، ولم يغزُ عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات. وقال تعالى أيضاً:( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّـهُ مِن قَبْلُ ) (2) فبيّن أنّ العرب لايغزون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تبوك )(3) !

وهذا أوّل التهافت! فالآية الثانية، آية سورة الفتح، نزلت في الحديبية سنة ستّ للهجرة بلا خلاف، أي قبل تبوك بثلاث سنين! ويتّضح التهافت جليّاً حين يواصل القول مباشرةً: (ثمّ عطف سبحانه وتعالى عليهم إثر منعه إيّاهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغلق باب التوبة فقال تعالى:( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) فأخبر تعالى أنّهم سيدعوهم غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومٍ يقاتلونهم أو يُسلمون)(4) .

وهكذا قلب ترتيب الآيات، فقدّم آية التوبة النازلة بعد تبوك سنة تسع، وأخّر آية الفتح النازلة في الحديبية سنة ستّ، ليتّفق له مايريد!!

____________________

(1) سورة التوبة 9: 83.

(2) سورة الفتح 48: 15.

(3) الفِصَل 4: 109.

(4) الفِصَل 4: 109.

٨٧

وهذا هو الخطأ الاَوّل، فكيف يكون مانزل سنة تسع من الهجرة مقدَّماً على مانزل سنة ستّ؟!

وأمّا الخطأ الثاني فليس بأقلّ ظهوراً من الاَوّل: فآية سورة الفتح النازلة في الحديبية في السنة السادسة قد جاء فيها الاِخبار عن وقوع الدعوة، وتعليق الثواب والعقاب بالطاعة والعصيان منهم، فنصّ الآية يقول:( سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ... ) وقد وقعت الدعوة منه صلى الله عليه وآله وسلم حقّاً في حُنين ومؤتة وتبوك.

أمّا آية سورة التوبة في المخلَّفين المنافقين فقد أغلقت عليهم طريق التوبة ومنعت خروجهم مع النبيّ ومع غيره أيضاً، إذ كيف يدعوهم أبو بكر أو عمر إلى جهاد الكفّار وهم قد شهد عليهم الله ورسوله بالكفر والموت على الضلال؟! فقال تعالى في تلك الآية نفسها:( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (1) .

وهذا صريح في حكم الله تعالى عليهم بالكفر وقت نزول الآيات، وأنّهم يموتون على الكفر والضلال، وأكّد ذلك بقوله في الآية التالية مباشرة:( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (2) .

____________________

(1) سورة التوبة 9: 83 - 84.

(2) سورة التوبة 9: 85.

٨٨

فهؤلاء إذن المقطوع بكفرهم وموتهم على الكفر، غير أُولئك الّذين ذكرتهم سورة الفتح ووعدتهم بالثواب إنْ هم استجابوا للداعي!

ثمّة التفاتة هامّة جدّاً، وهي: أنّه في ذات الواقعة التي نزلت فيها الآية الاُولى:( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا ... ) أي في الحديبية ذاتها، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لوفد قريش: «يا معشر قريش، لَتنتهنَّ أو لَيبعثنَّ اللهُ عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن قلبه على الاِيمان» قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خاصف النَعل» وكان قد أعطى عليّاً نعلاً يخصفها.

أخرجه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة(1) .

ونحو هذا تماماً قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ثقيف، قال: «لَتُسلمُنَّ أو لاَبعثنَّ عليكم رجلاً منّي - أو قال: مثل نفسي - ليضربنّ أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم» قال عمر: فو الله ماتمنّيت الاِمارة إلاّ يومئذٍ، فجعلتُ أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفتَ إلى عليٍّ فأخذ بيده وقال: «هو هذا، هو هذا»(2) .

ونحوه ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه واقعٌ بعده، فقال: «إنّ منكم من يقاتل

____________________

(1) سنن الترمذي 5 | 3715، سنن النسائي 5 | 8416، كتاب الخصائص - بتخريج الاَثري | 30، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 18.

(2) أخرجه: عبد الرزّاق، المصنّف 11: 226 | 20389، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 23 و 30، النسائي، السنن - كتاب الخصائص - | 8457، ابن عبد البرّ، الاستيعاب 3: 46.

٨٩

على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله» فاستشرف له القوم، وفيهم أبو بكر وعمر، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» وكان عليٌّ يخصف نعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(1) .

وهذه نصوص اجتمعت صراحةً على نفي وإثبات:

نفت صراحةً أن يكون الداعي أبو بكر أو عمر..

وأثبتت صراحةً أنّ الداعي بعد الرسول ( ص ) هو الإمام عليّ ( ع )!

وبعد وجود هذه النصوص الموثّقة المتضافرة فلا مسوِّغ للرجوع إلى مداخلات المتكلّمين.

____________________

(1) مسند أحمد 3: 82، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 46 رقم 6898، المصنف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 / 19، المستدرك 3: 123، البداية والنهاية 7: 398.

٩٠

الاتجاه الثاني: النصوص الصحيحة الحاكمة

نصوص أيقن بها طائفة من الصحابة، على رأسهم عليّ، يقيناً لا يسمح أن يتسرّب إلى مدلولها شكّ.. يقيناً دفع عليّاً عليه السلام أن يردّ بدهشة على من دعاه لتعجيل البيعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: «ومن يطلب هذا الاَمر غيرنا»(1) ؟!

لكنّ تسارع الاَحداث تلك الاَثناء، وإحكام القبضة، لم يتركا لشيء من تلك النصوص موقعاً يرتجى، أمّا حين تحقّقت بارقة أمل يوم اجتماع الاَصحاب الستّة للشورى ولم يُبَتّ في الاَمر بعد، فلم يتوانَ عليٌّ عليه السلام عن التذكير بطائفة منها(2) .

وبعد أن تمّت له البيعة كانت الاَذهان أكثر استعداداً للاِصغاء، وأوسع فسحةً للتأمّل.. فبالغ في التذكير ببعضها، نصّاً أو دلالةً، حتّى امتلاَت بها خطبه الطوال والقصار، وكان لايخلو تذكيره أحياناً من تقريع، ظاهر.. أو خفيّ!

وبواحد من مواقفه نستهلّ هذه الطائفة من النصوص:

1 - قوله ( ص ): «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه»:

خطب الإمام عليٌّ عليه السلام في الناس، فقال: أنشدُ اللهَ مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(1) الاِمامة والسياسة: 12.

(2) أُنظر: الاستيعاب بحاشية الاِصابة 3: 35، شرح نهج البلاغة 6: 167 - 168.

٩١

يقول يوم غدير خُمّ: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» لَما قام فشهد!

فقام اثنا عشر بدرياً، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خُمّ: «ألستُ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قلنا: بلى، يا رسول الله.

قال: «فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عادا»(1) .

وحديث غدير خمّ لم يرد في مسند أحمد أكثر منه طُرُقاً إلاّ حديثاً واحداً(2) ! أمّا في كتاب (السُنّة) لابن أبي عاصم ( ت /287 هـ) وتاريخ ابن كثير، فلا يضاهيه حديث(3) !! ورواه غيرهم بأسانيد صحيحة، كالترمذي وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي شيبة، والحاكم(4) . ونَصَّ الذهبي على تواتره(5) .

____________________

(1) مسند أحمد 1، 84 و 88 و 118 و 119 - مرّتان -، سنن النسائي - كتاب الخصائص - | 8542، البداية والنهاية 5: 229 - 232 و 7: 383 - 385 من نحو عشرين طريقاً.

(2) أخرج أحمد حديث الغدير من تسع عشرة طريقاً، المسند 1: 84 و 88 و 118 - ثلاث مرّات - و 119 - مرّتان - و 152 و 331، و 4: 281 و 368 و 370 و 372 - مرّتان - و 5: 347 و 358 و 361 و 362 و 419.

ولا يضاهيه إلاّ حديث «مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار» فقد خرّجه من نحو 25 طريقاً.

(3) أُنظر: البداية والنهاية 5: 228 - 233 و 7: 383 - 386، فقد خرّجه من نحو 40 طريقاً، بما فيها طرق حديث المناشدة المتقدّمة.

(4) سنن الترمذي 5 | 3713، سنن ابن ماجة 1 | 116 و 121، الخصائص - للنسائي بتخريج الاَثري - | 80 و 82 - 85 و 90 و 95 و 153، المصنّف، ابن أبي شيبة - باب فضائل عليّ - 7 | 9 و 10 و 29 و 55، المستدرك 3: 109 - 110.

(5) أُنظر: البداية والنهاية 5: 233.

٩٢

لكن بعد هذا جاء دور المتكلّمين، فبذلوا جهوداً مضنيةً في تأويله وصرفه عن معناه، بل تجريده من كلّ معنىً!!

فحين رأوا أنّ الاِقرار بدلالته على الولاية العامّة يفضي إلى إدانة التاريخ وتخطئة كثير من الصحابة، ذهبوا إلى تأويله بمجرّد النصرة والمحبّة، فيكون معنى الحديث: يا معشر المؤمنين، إنّكم تحبّونني أكثر من أنفسكم، فمن يحبّني يحبّ عليّاً، اللّهمّ أحبّ من أحبّه، وعادِ من عاداه(1) !

وحين رأوا أنّ جماعة من الصحابة قد عادَوه وحاربوه، ومنهم: عائشة وطلحة والزبير، وأنّ آخرين قد أسّسوا دينهم ودنياهم على بغضه، ومنهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة ومروان وعبد الله بن الزبير.. ذهبوا إلى حقّ هؤلاء في الاجتهاد مقابل ذلك النصّ، فهم معذورون وإن أخطأوا، بل مأجورون أجراً واحداً لاَجل اجتهادهم(2) !!

وهكذا أصبح الخروج على نصوص الشريعة حتّى في مثل تلك الطرق السافرة، اجتهاداً يُثاب صاحبه، وليس بينه وبين الآخر الذي تمسّك بالشريعة وقاتل دونها إلاّ فرق الاَجر! فالذي قاتل الشريعة له نصف أجر الذي قاتل دونها!!

لقد كان الاَوْلى بهم أن يتابعوا سُنّة الرسول، ويوقِّروا نصّه الشريف الثابت عنه، بدلاً من إفراطهم في متابعة الاَمر الواقع الذي ظهر فيه اختلاف كثير..

____________________

(1) الآلوسي، روح المعاني 6: 195 وما بعدها.

(2) أُنظر: الفِصَل في الملل والنحل 4: 161 و 163، البداية والنهاية 7: 290، الباعث الحثيث: 182.

٩٣

فالحقّ أنّ هذا نصٌّ صريح في ولاية الإمام عليٍّ عليه السلام، لا يحتمل شيئاً من تلك التأويلات التي ما كانت لتظهر لولا الانحياز للاَمر الواقع ومناصرته.

وممّا يزيد في ظهور هذا النصّ نصوص أُخرى تشهد له وتبيّنه، كما نرى في النصوص الآتية:

2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي». حديث صحيح(1) ؟.

3 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم في عليّ: «إنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.. إنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي» يكرّرها(2) .

4 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي». أو: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة»(3) .

وبعد اليقين بصحّة هذه الاحاديث، لايمكن أن تفسّر بحسب ظاهرها فتدين الواقع التاريخي!

فلمّا أرادوا تفسير الولاية هنا أيضاً بالنصرة والمحبّة، نظير ما في قوله تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (4) ، صدمهم قوله: «بعدي» الذي لا يمكن أن يتشابه معناه!

____________________

(1) مسند أحمد 4: 437 - 438، سنن الترمذي 5 | 3712، الخصائص - للنسائي بتخريج الاَثري - | 65 و 86، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 58، الاِحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9: 41 | 6890.

(2) مسند أحمد 5: 356، الخصائص - بتخريج الاَثري: | 87.

(3) مسند أحمد 1: 331، الخصائص - بتخريج الاَثري: | 23، المستدرك 3: 134.

(4) سورة التوبة 9: 71.

٩٤

ولمّا كانت قدسية الرجال أعظم من قدسية النصّ، رغم ثبوت صحّته عندهم، شهروا سيف التكذيب، فقالوا: إسناده صحيح مع نكارة في متنه لشذوذ كلمة ( بعدي )!

ولمّا أرادوا البرهان على هذه النكارة والشذوذ فمن اليسير جدّاً أن يرموا بها «شيعيّاً» ورد في إسناد بعضها(1) !

لكن من البديهي أنّ مثل هذا البرهان الاَخير يحتاج إلى توثيق، خصوصاً إزاء حديث يرِد بأسانيد صحيحة متعدّدة، فكيف وثّقوه؟!

ليتهم لم يوثّقوه، ليتهم تركوه مجازفةً كمجازفات الكثير من أصحاب الاَذواق!!

قالوا في توثيقه: يؤيّده أنّ الاِمام أحمد روى هذا الحديث من عدّة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة(2) !

إنّها مقالةُ مَن لايخشى فضيحة التحقيق!!

فالنصوص الثلاثة التي ذكرناها لهذا الحديث، وفي جميعها كلمة ( بعدي ) جميعها في مسند أحمد(3) !

وأغرب من هذا أنّ المحقّق الذي ينقل قولهم المتقدّم ويعتمده، يخرّج بعضها على مسند أحمد نفسه(4) !!

____________________

(1) علماً أنّ التشيّع في مصطلحهم: هو تفضيل عليٍّ على عثمان، لا غير، والطعن على ملوك بني أُميّة!

(2) أُنظر: أبا إسحاق الاَثري في تخريجه الحديث 60 من كتاب (الخصائص).

(3) مسند أحمد 1: 331، 4: 438، 5: 356. وقد ذكرناها في تخريج النصوص كلٌّ في محلّه.

(4) الاَثري، كتاب (الخصائص) للنسائي | 87.

٩٥

ومرّة أُخرى ينهار ذلك البرهان وتوثيقه أمام الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وفيه قوله ( ص ): «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي»(1) ، وليس في إسناده واحد من أُولئك (الشيعة) الّذين اتُّهِموا به! بل اتّفق على صحّته الحاكم والذهبي والاَلباني(2) !

إنّ هذه الدلائل ليست فقط تثبت صحّة قوله «بعدي»، إنّما تثبت أيضاً أنّ الرواية التي وردت في مسند أحمد أو غيره وليس فيها كلمة «بعدي» إنّما قام (بتهذيبها) أنصار التاريخ الّذين نصروه حتّى في أوج انحرافه عن السُنّة..

كيف لا؟! وهي إدانة صريحة لمساره المنحرف الذي صار عقيدةً يتديّنون بها، ويضلِّلون مَن خالفهم فيها!

5 - الحديث الذي غاب عن (السنن) وأظهره أصحاب التاريخ والتفسير:

قوله ( ص ): « إنّ هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»(3) .

فإذا كان الذي دهش قريشاً في جاهليّتها هو أن يؤمر أبو طالب بأن

____________________

(1) مسند أحمد 1: 331 من حديث ابن عبّاس.

(2) المستدرك 3: 133 - 134 وتلخيصه للذهبي في الصفحة ذاتها، كتاب السُنّة لابن أبي عاصم - بتخريج الاَلباني -: 552.

(3) تاريخ الطبري 2: 217، الكامل في التاريخ 2: 62 - 64، السيرة الحلبية 1: 461، شرح نهج البلاغة 13: 210 و 244 وصحّحه، مختصر تاريخ دمشق - لابن عساكر -، ابن منظور 17: 310 - 311، تفسير البغوي (معالم التنزيل) 4: 278، تفسير الخازن 3: 371 - 372 نقلاً عن سيرة ابن إسحاق، المنتخب من كنز العمّال - بهامش مسند أحمد - 5: 41 - 42.

٩٦

يسمع لابنه ويطيع(1) ، فقد دهشها بعد الاِسلام أن يؤمر كلّ الصحابة بذلك!

قال ابن كثير: ذكروا في إسناد هذا الحديث عبد الغفّار بن القاسم، وهو كذّاب، شيعي، اتّهمه عليّ بن المديني بوضع الحديث، وضعّفه الباقون(2) .

لكنّ أبو مريم، عبد الغفّار بن القاسم، قد حفظ له التاريخ غير ما ذكر ابن كثير!

حفظ لنا خلاصة سيرته، وصلته بالحديث، ومنزلته فيه، ثمّ حفظ علّة تركهم حديثه:

قال ابن حجر العسقلاني: (كان - أبو مريم - ذا اعتناء بالعلم وبالرجال.. وقال شعبة: لم أرَ أحفظ منه.. وقال ابن عديّ: سمعتُ ابن عقدة يثني على أبي مريم ويُطريه، ويجاوز الحدّ في مدحه، حتّى قال: لو ظُهر على أبي مريم مااجتمع الناس إلى شعبة)(3) !!

إذن لاَمرٍ ما لم يُظهَر على أبي مريم! قال البخاري: عبد الغفّار بن القاسم ليس بالقويّ عندهم.. حدّث بحديث بُرَيدة «عليٌّ مولى مَن كنتُ مولاه»(4) !

____________________

(1) حين قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لعليّ، قام الناس يضحكون ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!

(2) البداية والنهاية 3: 38 - 39.

(3) لسان الميزان 4: 42 رقم 123.

(4) لسان الميزان 4: 43.

٩٧

لكنّ حديث بريدة هذا قد أخرجه ابن كثير نفسه من طريق آخر وصفه بأنّه إسناد جيّد قويّ، رجاله كلّهم ثقات(1) !

ذلك هو أبو مريم!

6 - خلاصة وصيّة النبيّ لاُمّته في حفظ رسالته، قال ( ص ): «ألا أيُّها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم الثَقَلَين: أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.. وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي»(2) .

- «إنّي تاركٌ فيكم ماإنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض.. فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(3) .

- «إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي...»(4) .

تلك خلاصة رسالة السماء... ومفتاح المسار الصحيح الذي أراده النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لشريعته.

وهذا كلام لا يختلف في فهمه عامّيٌّ وبليغ.. فمن أين يأتيه التأويل؟!

إنّه لو قُدِّر أن تتحقّق الخلافة لعليٍّ أوّلاً، لَما ارتاب أحد في هذا النصّ

____________________

(1) البداية والنهاية 5: 228.

(2) صحيح مسلم 4 | 2308 من عدّة طرق.

(3) سنن الترمذي 5 | 3788، مسند أحمد 3: 17.

(4) مسند أحمد 5: 182 و 189.

٩٨

الصريح الصحيح.. لكنّ اختلاف المسار الجديد عنه، وتقديس الرجال، هما وراء كلّ ما نراه من ارتياب وتجاهل لنصّ لا شيء أدلّ منه على تعيين أئمّة المسلمين، خلفاء الرسول!!

إنّ أغرب ما جاء في (تعطيل) هذا النصّ قولٌ متهافتٌ ابتدعه ابن تيميّة حين قال: (إنّ الحديث لم يأمر إلاّ باتّباع الكتاب، وهو لم يأمر باتّباع العترة، ولكن قال: أُذكّركم الله في أهل بيتي)(1) !

فقط وفقط، ولا كلمة واحدة!!

ولهذا القول المتهافت مقلِّدون، والمقلِّد لا يقدح في ذهنه ما يقدح في أذهان البسطاء حتّى ليعيد على شيخه السؤال: أين الثقل الثاني إذن؟! أين الخليفة الثاني إذن، والنبيّ يقول «الثقلين.. خليفتين»؟! ومَن هذان اللذان لن يفترقا حتّى يردا الحوضَ معاً؟!

«كتاب الله» و «عترتي أهل بيتي» إنّهما المحوران اللذان سيمثّلان محلّ القُطب في مسار الاِسلام الاَصيل غداً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وليس بعد هذا الحديث، وحديث غدير خمّ، مايستدعي البحث عن نصوص أُخر لمن شاء أن يؤمن بالنصوص..

الخطاب الجامع.. مفترق الطرق:

في حديث صحيح، جمع الخطاب وأوجز:

قال الصحابي زيد بن أرقم: لمّا دفع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حجّة الوداع ونزل

____________________

(1) منهاج السُنّة 4: 85، الفرقان بين الحقّ والباطل: 139.

٩٩

غدير خمّ، أمر بدوحاتٍ فقُمِمْن(1) ، ثمّ قال: «كأنّي دُعيتُ فأجبتُ، وإنّي تارك فيكم الثَقَلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما! فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض».

ثمّ قال: «إنّ الله مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن» ثمّ أخذ بيد عليّ رضي الله عنه، فقال: «مَن كنتُ وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».

قال أبو الطفيل: قلتُ لزيد: سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

قال: نعم، وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه(2)

ص.

هذا الخطاب، على نحو مائة ألف من المسلمين شهدوا حجّة الوداع، وعند مفترق طرقهم إلى مدائنهم، لم يعِشِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعده إلاّ نحو ثمانين يوماً(3) ، ليكون هذا الخطاب ذاته بعد اليوم الثمانين مفترق الطرق بين المسلمين، وحتّى اليوم!!

ثمانون يوماً لا تكفي لنسيانه!!

____________________

(1) أي: كُنِسْنَ.

(2) أخرجه: النسائي، السنن 5 | 8464، الاَثري، تخريج خصائص عليّ عليه السلام | 76 وذكر له عدّة مصادر، منها: مسند أحمد 1: 118، البزّار | 2538 - 2539، وابن أبي عاصم: 1365، والحاكم، المستدرك 3: 109، وأخرجه ابن كثير، البداية والنهاية 5: 228 وقال: قال شيخنا الذهبي: هذا حديث صحيح، وأخرجه اليعقوبي، التاريخ 2: 112.

(3) كانت خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خمّ يوم 18 ذي الحجّة سنة 10 هـ، ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم 2 أو 12 ربيع الاَوّل من سنة 11 هـ، حسب اليعقوبي والطبري والكليني، أو 28 صفر، حسب الطبرسي.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٨ ـ طليحة بن خويلد ، ارتدّ بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وادّعى النبوّة(١) ، وقتل هو وأخوه بعض الصحابة ، فكيف تترضى عليه؟!

٩ ـ عمرو بن العاص ، قد ورد بإسناد صحيح أنّ الإمام الحسنعليه‌السلام شهد بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعنه ، وقد كان يسبّ علياًعليه‌السلام ، فكيف تترضى على من لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

هذه غيض من فيض الصحابة ، الذين يطهر اللسان عن ذكرهم فضلاً عن الترضّي عليهم ، فبأيّ حقّ يقال باستحباب الترضّي على جميع الصحابة ، روايات أُموية أظهرت لنا عموم الصحابة بمظهر ملائكي!!

وماذا يفعل لحديث الحوض المتواتر والمروي في صحيح مسلم والبخاري ، والذي فيه ارتداد الصحابة ، ولا يبقى منهم بدون ردّة إلاّ مثل همل النعم ، أي القليل جدّاً؟!

وليس بعيد على الدين الأموي أن يترضّى حتّى على إبليس وحزبه ، ويخالف صريح القرآن ، كالغزّالي الذي يمنع من لعن يزيد ، بل وحتّى الكافر إذا لم يتيقّن من موته على الكفر ، ويقول : ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس(٢) !! أي لعن إبليس لعلّه فيه خطر ، لكن ترك لعنه لا خطر فيه!!

( منار أحمد ـ السعودية ـ ٢٦ سنة ـ طالب )

نكثوا البيعة :

س : ما هو الردّ على أهل السنّة؟ حيث يقولون : إنّ الله تعالى علم ما في قلوب المبايعين فأنزل السكينة عليهم وأثابهم.

____________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٧٥ ، فتح الباري ١٣ / ١٨٠ ، كنز العمّال ١٤ / ٥٥١ ، الثقات ٢ / ١٦٧ و ٣ / ٣٢١ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٥ / ١٤٩.

٢ ـ إحياء علوم الدين ٣ / ١٨٦.

١٦١

قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) ، ومن ضمن الذين بايعوا الرسول أبو بكر وعمر ، فالخطاب إذاً يشملهم بأنّهم مؤمنين ، ونزول السكينة عليهم.

ج : إنّ الآية الكريمة قيّدت رضوان الله ونزول السكينة على المؤمنين فحسب ، فقالت :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (١) .

ولو سلّمنا أنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا من المؤمنين في تلك البيعة ، ولكن نقول : استمرارية بقاء رضوان الله تعالى على المبايع ، ونزول السكينة عليه ، مشروطة بأن لا ينكث البيعة ، ولا ينقض إيمانه ولا يرتدّ ، ويرجع عن الجادّة المحمّدية لقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) .

وعندنا نحن روايات بأنّ هؤلاء الثلاثة وآخرين من الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الولاية والإمامة لعليعليه‌السلام ، ولم يعملوا بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ونواهيه ، وتراجعوا عن منهج الرسالة المحمّدية.

( حسن ـ السعودية ـ سنّي ـ ٢٧ سنة ـ طالب جامعة )

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا :

س : أشكرك أخي على ردّك عليّ ، ولكن ألا ترى أنّ الغوص في الصحابة والحكم عليهم ليس من شأننا نحن ، وحسابهم عند الله ، هو خالقهم وإليه يرجعون ، ولك منّي جزيل الشكر.

____________

١ ـ الفتح : ١٨.

٢ ـ الفتح : ١٠.

١٦٢

ج : نحن نتّفق معك تمام الاتفاق أنّ البحث في أمر لا يعني المسلم في شيء من أُمور دينه ودنياه هو مضيعة للوقت وهدر للطاقات ، ولكن المشكلة الأساسية في موضوع البحث عن واقع الصحابة ، وما كانوا عليه في حياة النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده يرتبط ارتباطاً مباشراً بالكثير من القضايا التي تهمّ عقيدة المسلم ، وتفاصيل فروع دينه ، الأمر الذي يدفع للبحث والتنقيب في الموضوع بكُلّ جدّية.

وأنت تعلم علم اليقين أنّ رواة السنّة وأحاديث النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي تمثّل العمود الفقري لديننا الحنيف ـ وهي المبيّنة للكتاب الكريم ـ هم من الصحابة ، والعقل والشرع يأمرنا أن لا نأخذ بكُلّ حديث يرويه أيّ كان من الناس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من كان ثقة مأموناً على نقل الخبر الصحيح إلى أهله ، وإلاّ لو قبلنا نقل أيّ كان من الناس لحديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى ولو كان فاسقاً ، بدون فحص وتمحيص فقد هلكنا وأهلكنا ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (١) .

وقد ثبت في القرآن الكريم(٢) ، وأيضاً في النقل الصحيح عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما في أحاديث الحوض وغيرها ـ أنّ هناك انحرافاً واضحاً وبيّناً قد حصل عند الصحابة عن الدين القويم ، الأمر الذي يدعونا للبحث والتنقيب في الموضوع بشكل موضوعي نستطيع فيه معرفة الغثّ من السمين في هذا الموضوع الحسّاس والمهمّ ، كي نضمن سلامة ديننا والتوقّف عن أخذ الدين عن كُلّ من هبّ ودبّ من الناس ، والذين لا يمكن الاطمئنان إليهم في نقل الشريعة المقدّسة إلى المسلمين ، وقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الحثّ والدعوة إلى التدقيق والتحقيق بما لا مزيد عليه.

____________

١ ـ الحجرات : ٦.

٢ ـ أُنظر : سورة التوبة : ١٠١ ـ ١٠٧.

١٦٣

فالبحث في موضوع الصحابة وشؤونهم لا يخدمنا إلاّ بما له علاقة بنقلهم لأحاديث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتبيان حقيقة المؤمن من الفاسق ، أو المنافق منهم لأجل ذلك فقط ، إذ لا يستقيم جعل المنافقين والمؤمنين من الصحابة في عرض واحد ، وقد أخبر الله سبحانه بآية محكمة :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (١) .

فالله سبحانه لا يريد في هذه الآية الحديث عن اليهود أو النصارى ، فأُولئك يُطلق عليهم الكفّار ، أو أهل الكتاب ، أو الحديث عن المشركين ، إنّما أراد الحديث عن المسلمين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وهو معنى النفاق ، وهؤلاء كانوا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( عيسى ـ الإمارات ـ ٢٦ سنة ـ طالب ثانوية )

كمال بعضهم نسبي لا مطلق :

س : قد يصادف الإنسان الموالي الكثير من الشبهات والردود حول مذهبه الحقّ ، ليس فقط من إخواننا أهل السنّة ، وإنّما من جميع المذاهب الإسلامية الأُخرى , فعند الخوض في الحديث عن الصحابة ، فأهل السنّة لا يرضون النقد والجرح على أيّ منهم ، بل في ميزان العدل والتجريح عندهم إن ثبتت رواية تقدح صحابياً أو آخر فيجب عليهم أن يخرجوها بأحسن تأويل , أي تفسيرها إلى ما يليق صحبتهم إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم انتقاصهم ونقدهم ، وذلك لآيات وروايات قد اتخذوها دليلاً على ذلك.

وبحمد الله علماء الإمامية قد أفحموهم بأدلّة ليس بعدها أدلّة ، إن كان من القرآن أو السنّة النبوية ، وحتّى الدليل العقلي الذي لا يقبل حجّتهم في هذا

____________

١ ـ التوبة : ١٠٠.

١٦٤

الموضوع ، ولكن تبقى مسألة وأتمنّى منكم بأنّ توضّحوها لنا , ألا وهي أنّ أهل السنّة يقولون : إنّكم تأخذون بعدالة عمّار بن ياسر ، وسلمان وأبي ذر وغيرهم من الصحابة من أمثالهم ، أليس ذلك اعترافاً منكم أنتم الشيعة على أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال , حيث نحن نعرف بأنّ الكمال لله عزّ وجلّ؟ فما هو ردّكم على تلك الشبهة , ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : تقول الشيعة ـ وذلك حسبما تمليه عليهم تعاليم الشريعة السمحاء المتمثّلة بالكتاب الكريم والسنّة الشريفة الصحيحة ـ بعدالة جمع من الصحابة ثبت أنّهم أطاعوا الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم ينقلبوا على الأعقاب كما حصل للآخرين ، فهم كما ذكرت الصحابي الجليل عمّار بن ياسر الذي وصفه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «عمّار ملئ إيماناً إلى مشاشه »(١) ، وسلمان الفارسي الذي قال عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «سلمان منّا أهل البيت »(٢) ، وأبا ذر الذي جاء في حقّه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما اظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من رجل أصدق لهجة أصدق من أبي ذر »(٣) .

ولا يعني القول بعدالة هؤلاء الصحابة وأمثالهم أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال المطلق ، فهذه المنزلة هي لله سبحانه وتعالى فقط ، ولا يصل إليها أحد من عباده أبداً من الأنبياء أو الملائكة فما دونهم ، وإنّما هناك كمال نسبي بين العباد أنفسهم ، أي أنّ الأنبياء أكمل من بقية العباد ، وبعض الصالحين أكمل من غيرهم ، وهكذا.

أمّا الكمال المطلق فهو من خصوصيات الخالق سبحان جلَّ شأنه ، وتكامل هؤلاء الصحابة إنّما هو تكامل نسبي بلحاظ كمال طاعتهم لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

____________

١ ـ الجامع الصغير ٢ / ١٧٨ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٤٥.

٢ ـ المستدرك ٣ / ٥٩٨ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٣٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٦١٦ ، المعجم الكبير ٦ / ٢١٣ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٢.

٣ ـ مسند أحمد ٢ / ١٦٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٥ ، المستدرك ٣ / ٣٤٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٦ ، الآحاد والمثاني ٢ / ٢٣١ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٨٤ ، المعجم الأوسط ٥ / ٢٢٣.

١٦٥

( لقمان ـ السعودية ـ )

في بيعة الرضوان :

س : سلامي الكبير إلى من يخدم النبيّ الأكرم وأهل بيته في هذه الشبكة الكبيرة الجبّارة بمواضيعها.

أخواني لقد أرسلت لكم سؤال حول بيعة الرضوان أو آية الرضوان( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) وكان منهم أبو بكر وعلي وعثمان و... ، وأنا بصراحة محتاج إلى الإجابة ، ولكم منّي ألف تحية وشكر.

ج : آية الرضوان أو ما يعرف ببيعة الرضوان المشار إليها في قوله تعالى :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (١) فإنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان بن عفّان من قبل المشركين ، بعد أن أرسله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوثاً عنه إلى قريش ، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيعة على قتال المشركين ، وقد نزلت هذه الآية في عام الحديبية لحصول الحادثة في ذلك الوقت.

وفي الآية المباركة قيود ، إذ هي لم تتضمّن إطلاق الرضا عنهم ، بل تضمّنت بيان منشأ الرضا وسببه ـ وهو بيعتهم تحت الشجرة ـ والظاهر أنّ ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه ، فلا يمكن أن نفهم منها التأبيد في الرضا ، كما يريد البعض.

وأيضاً يوجد شرط آخر في الآية ، بأنّ البيعة لا تكفي في النجاة إلاّ مع الوفاء ، إذ قال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا

____________

١ ـ الفتح : ١٨.

١٦٦

عَظِيمًا ) (١) قال المفسّرون : إنّ رضوان الله وسكينته مشروطة بالوفاء وعدم نكث العهد(٢) .

وقد ذكر أهل الحديث والمؤرّخون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بايعهم على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا(٣) .

والظاهر أنّ المراد أن لا يفرّوا في جميع حروبهم ، لا في خصوص غزوة الحديبية ، ولذا اشترط الله تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدّمة ، مع أنّ غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب ، وسورة الفتح نزلت بعد صلح الحديبية ، كما يناسبه أيضاً تذكير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بهذه البيعة في واقعة حنين ، حيث صاح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس : « يا أهل سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، أنا رسول الله ونبيّه ، فتولّوا مدبرين »(٤) .

وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة ، رافعاً لرضا الله سبحانه عنهم ، بل الملاحظ أنّ الشكّ والريب دخل قلوب بعض الصحابة ، فخالفوا أوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد معاهدة الصلح في الحديبية مباشرة ، فلم يستجيبوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما أمرهم بالحلق والنحر إلاّ بعد التكرار ، وقيامه بنفسه بالحلق والنحر(٥) .

ويمكنك أن تراجع جملة من المصادر التي ذكرت في هذا الجواب ، لتطلع على أسماء الفارّين والهاربين من غزوتي خيبر وحنين ، وكذلك الشاكّين في يوم الحديبية ، والله الموفّق للصواب.

____________

١ ـ الفتح : ١٠.

٢ ـ أُنظر : جامع البيان ٢٦ / ١٠٠ ، الجامع لأحكام القرآن ١٦ / ٢٦٨ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٩٩.

٣ ـ أُنظر : صحيح مسلم ٦ / ٢٥ ، صحيح ابن حبّان ١٠ / ٤١٥ ، الجامع الكبير ٣ / ٧٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ١٤٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٤ / ٤٢٣.

٤ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٥٢.

٥ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٥.

١٦٧
١٦٨

الصلاة :

( محمّد يوسف ـ السعودية ـ )

كيفية صلاة المعصومين :

س : أُودّ أن أعرف عن كيفية الصلاة التي كان يعمل بها في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن بعده الأئمّة الأطهار؟ جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ أفضل حديث يمكن الاعتماد عليه في معرفة كيفية صلاة المعصومعليه‌السلام هو حديث حمّاد بن عيسى الصحيح السند :

قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يوماً : «يا حمّاد تحسن أن تصلّي »؟ قال : فقلت : يا سيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، فقالعليه‌السلام : «لا عليك يا حمّاد ، قم فصلّ » ، قال : فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة ، فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت ، فقالعليه‌السلام : «يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة ، أو سبعون سنة ، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة »؟!

قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة ، فقام أبو عبد اللهعليه‌السلام مستقبل القبلة منتصباً ، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يحرّفهما عن القبلة ، وقال بخشوع : « الله أكبر » ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما يتنفّس وهو قائم ، ثمّ رفع يديه حيال وجهه وقال : «الله أكبر » وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صبّ عليه

١٦٩

قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمّض عينيه ، ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل وقال : «سبحان ربّي العظيم وبحمده ».

ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : «سمع الله لمن حمده » ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه وسجد ، وبسط كفّيه مضمومي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده » ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفّين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف وقال : «سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه ».

ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً قال : «الله أكبر » ، ثمّ قعد على فخذه الأيسر ، وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : « استغفر الله ربّي وأتوب إليه» ، ثمّ كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأُولى ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض فصلّى ركعتين على هذا ، ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهّد ، فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال : « يا حمّاد ، هكذا صلِّ »(١) .

( ـ السعودية ـ )

كيفية السلام في صلاة الشيعة :

س : أنا على مذهب الإسماعيلية ، ولكن قدّر لي الله أن أطّلع على أُمور كثيرة عن مذهب الاثني عشرية وأُعجبت به ، وبدأت أشعر أنّه هو المذهب الصحيح ، ولكنّي لم أحسم أمري بعد ، فهناك بعض التساؤلات التي لم أجد لها إجابة ، إذا كنتم على استعداد على حلّها لي أكون لكم من الشاكرين.

السلام في الصلاة عند جميع المذاهب واحد وغير مختلف فيه حتّى في المذاهب الشيعية الأُخرى ، فلو افترضنا جدلاً أنّ هذه هي الطريقة التي كان عليها السنّة

____________

١ ـ الكافي ٣ / ٣١١ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٠٠.

١٧٠

المطهّرة وآل البيت ، لوجدناها في المذاهب الشيعية الأُخرى ، لأنّنا نعرف أنّ الاختلافات في الصلاة حصلت بعد موت الرسول وفي عهد عمر ، عندما زاد « آمين » ، وحذف « حيّ على خير العمل » ، وهذا ما يعترف به جميع المذاهب الشيعية ، ولكن موضوع التسليم في آخر الصلاة هذا تتساوى فيه المذاهب الشيعية ـ كالزيدية والإسماعيلية ـ مع السنّة ، ويشذّ عنها مذهب الاثنا عشرية ، ممّا يعطي الإيحاء بأنّ هذه الزيادة أتت من عند الاثني عشرية ، وليست في سنّة آل البيت.

أرجو الإجابة حيث أنّ هذا السؤال يحيّرني.

ج : نسأل الله تعالى لك التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيتعليهم‌السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختيارك لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن دليل وقناعة كافية.

أعلم أنّ التسليم عندنا يتم بأحد الصيغتين : الأُولى : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » ، والثانية : « السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ».

فالمصلّي إذا قال الصيغة الأُولى استحبّت له الصيغة الثانية ، أمّا لو قال الثانية قبل الأُولى لم تستحبّ له الأُولى ، وعليه فبأيّ الصيغتين ختم صلاته فإنّ صلاته تختم.

وأمّا صيغة «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته » فهي ليست من صيغ السلام ـ كما نصّ الفقهاء ـ وإنّما هي مستحبّة ، والدليل هو ورود نصوص عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وهذا ليس بالأمر الغريب ، إذ في المقابل المذاهب الأربعة ربّما استدلّوا على بعض الأحكام التي لا يقول بها الشيعة بقول بعض الصحابة ، فمثلاً ما ينقل عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : في العسل زكاة(١) ، فلماذا يستغرب هؤلاء إذا اعتمدنا على أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؟

____________

١ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٣٣ ، الآحاد والمثاني ٥ / ١٤٧.

١٧١

إذاً ، مستند التسليم عندنا هو ما ورد عن طريق أهل البيتعليهم‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وليس المستند هو المزاج والهوى ـ أي ورد من طرقنا ، وفي أدلّة صحيحة عن أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ الحكم الكذائي كذا وكذا ، وأهل البيتعليهم‌السلام لم يأخذوه دون مستند ، ومستندهم هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذا هم أمناء على سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هذا بالإضافة إلى أنّنا مأمورون باتباع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عند اختلاف الأُمّة ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دلّنا إلى من نرجع إليهم عند الاختلاف ، لأنّ بالرجوع إليهم نجاة ، وبتركهم هلاك ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هوى »(١) .

ثم إنّ انفرادنا عن بقية المذاهب في الحكم الكذائي ليس بالأمر الغريب ، لأنّ كثير من أهل السنّة خالفوا فقهاء المسلمين ، من قبيل ما يقوله الشافعي في جواز نكاح البنت من الزنا ، فإنّه انفرد فيه وخالفه بقية الفقهاء.

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( ـ السعودية ـ )

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة :

س : أودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة ، الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم‌السلام .

____________

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٣٤٣ و ٣ / ١٥١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، المعجم الأوسط ٥ / ٣٥٥ و ٦ / ٨٥ ، المعجم الكبير ٣ / ٤٥ و ١٢ / ٢٧ ، مسند الشهاب ٢ / ٢٧٣ ، نظم درر السمطين : ٢٣٥ ، الجامع الصغير ١ / ٣٧٣ و ٥٣٣ ، كنز العمّال ١٢ / ٩٤ ، فيض القدير ٢ / ٦٥٨ و ٥ / ٦٦٠ ، الدرّ المنثور ٣ / ٣٣٤ ، علل الدارقطني ٦ / ٢٣٦ ، تهذيب الكمال ٢٨ / ٤١١ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٤٩٠ ، ينابيع المودّة ١ / ٩٣ و ٢ / ٩٠ و ١٠١ و ٤٧٢ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٩٨ ، لسان العرب ٣ / ٢٠.

١٧٢

لماذا أكثر المذاهب يقومون بقراءة الفاتحة في جميع الركعات ، بينما المذهب الجعفري يكتفي بقراءتها في الأُولى والثانية فقط ، ويقول التسبيحات في بقية الركعات؟ جزاكم الله عنّا خيراً.

ج : قد وردت روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام تدلّ على التخيير ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر في الركعتين الأخيرتين بين قراءة سورة الحمد وبين قراءة التسبيحات الأربعة ، دون الركعتين الأوّليتين فيجب فيهما قراءة الحمد ، وذلك لقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب »(١) .

( موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب )

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة :

س : لماذا لا تقام صلاة الجمعة إلاّ في حضور الإمام الغائب؟ أليس حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة؟

ج : إنّ صلاة الجمعة تقام في حضور الإمامعليه‌السلام أو في غيبته ، إلاّ أنّ حكمها في غيبة الإمام لا يكون واجباً تعيينياً بل هي واجب تخييري ، أي إنّ المكلّف مخيّر بين إقامة صلاة الجمعة عند توفّر شرائطها وبين الإتيان بصلاة الظهر فيما إذا لم يحضر صلاة الجمعة.

نعم ، عند حضور الإمامعليه‌السلام يكون حكم صلاة الجمعة واجباً تعيينياً ، أي يتعيّن على المكلّف الإتيان بها ، ولا يصحّ منه الإتيان بصلاة الظهر ، على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة في بلدانهم ، ولعلّ ما تراه في إيران دليل على ذلك ، إذ إقامتها في الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها دليل على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة حتّى عند عدم حضور الإمامعليه‌السلام ، ولا علاقة لذلك في زمن الحضور أو الغيبة.

____________

١ ـ الخلاف ١ / ٣٢٧ و ٣٤٢ ، المعتبر ٢ / ١٦٦ و ١٧٣ و ٣٤٩ و ٣٨٢.

١٧٣

( أمريكا ـ ٣١ سنة ـ ليسانس )

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين :

س : هل القنوت في الصلاة مستحبّ أم واجب؟ وهل يجب فيه قول مخصوص؟ وماذا يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة؟

ج : إنّ القنوت مستحبّ في جميع الصلوات ـ فريضة كانت أو نافلة ـ والمستحبّ منه مرّة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية ، إلاّ في العيدين والآيات والجمعة والوتر ففيها تفصيل.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص ، بل يكفي فيه ما يتيسّر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء ، والمستحبّ قراءة المأثور عن المعصومينعليهم‌السلام ، ودلّت على استحباب القنوت مجموعة روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا بالنسبة إلى ما يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة ، فالمصلّي ـ مأموماً كان أو إماماً ـ يتخيّر في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين قراءة الفاتحة والتسبيحات الأربعة وهي : « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ».

( وليد محمّد ـ مصر ـ ٢٧ سنة )

التكبيرات الثلاث بعدها :

س : بالنسبة للتكبيرات الثلاث في نهاية كُلّ صلاة هل لكم أن توافونا بالروايات الصحيحة الواردة في هذا الخصوص؟

ج : وردت روايات كثيرة تدلّ على التكبير بعد الصلاة في مصنّفات الفريقين ، نذكر لك بعضها على سبيل المثال لا الحصر :

١ ـ عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : « لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً وقال : لا

١٧٤

إله إلاّ الله وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كُلّ شيء قدير ».

ثمّ أقبل على أصحابه فقال : « لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كُلّ صلاة مكتوبة ، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام وجنده »(١) .

٢ ـ عن ابن عباس قال : ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ بالتكبير(٢) .

٣ ـ عن أبي معبد مولى ابن عباس أخبره : أنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه قال : قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(٣) .

( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة :

س : من الشروط الواجب توفّرها في إمام الجماعة أن يكون طاهر المولد ، فهل يتحمّل المرء عقوبة جريمة لم يقم بارتكابها؟

ج : ليس ما ذكرتموه من باب العقوبة ، إذ أنّ تعريف العقوبة في الإسلام ، هو ما توعدّ عليه الباري تعالى النار ـ مع فرض عدم التوبة ـ ومورد السؤال ليس من هذا القبيل قطعاً.

____________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٣٦٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٢ / ٩١ ، مسند الحميدي ١ / ٢٢٥ ، مسند أبي يعلى ٤ / ٢٨٠ ، المعجم الكبير ١١ / ٣٣٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٢٢٣.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٣٦٧ ، صحيح البخاري ١ / ٢٠٤ ، صحيح مسلم ٢ / ٩٢ ، سنن أبي داود ١ / ٢٢٦.

١٧٥

بل إنّ طهارة المولد صفة وميزة متوخّاة في إمامة الجماعة ، لا أنّ عدم طهارة المولد ذنب يؤاخذ عليه ، أو جريمة يؤنّب عليها ، وحال هذه الخصوصية حال بقية مواصفات الإمام ؛ وعليه فتوزيع الوظائف والأدوار وتعيين الحدود والشرائط في نفسه لا يدلّ على نقصٍ أو مزية ، إلاّ فيما نصّ عليه الشرع.

( ـ ـ )

كيفية المواظبة على صلاة الصبح :

س : لا أُريد أن أضيّع صلاة الفجر فما السبيل لذلك؟

ج : إنّ التوفيق لطاعة الله تعالى تحتاج إلى أن يصل العبد إلى منزلة خاصّة ، وما يرتكبه العبد من أُمور لا يرتضيها الله تعالى يوجب الحرمان من هذه المرتبة ، فلا يوفّقه حينئذ لطاعته بل يخذله ويكلّه إلى نفسه.

وقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق »(١) ، فكم من خطايا وذنوب حرمت العبد من توفيق الطاعة ، وكم من حسناتٍ زادته تقرّباً وتسديداً منه تعالى.

وأعلم ، إنّ الإنسان كلّما أراد القرب منه تعالى جعل نفسه متذلّلاً لسلطانه وجبروته ، فهو دائماً طوع إرادته ، فيتخضّع إليه بالإقرار بذنوبه وطلب مغفرته ، ويتقرّب له بالاستغفار ممّا ارتكبه ، وهذا ديدن أهل البيتعليهم‌السلام مع عدم ارتكابهم المعصية ، أو اقترافهم الذنوب ، فإنّهم يجعلون أنفسهم أذلاء لسلطانه ، فلا يخرجون عن ربقة عبوديته وذل طاعته ، فتراهم يستغفرون ويتأوّهون على ما لا يعد عندنا معصية أو ذنب ، بل تركهم الأُولى يجعلهم هكذا يرجون عفوه ، ويطمعون في رحمته.

____________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٣٦٢.

١٧٦

وأنت أيّها الأخ ونحن جميعاً في نير عبوديته ، ثمّ نرتكب من المعاصي ما لا يعفو عنها إلاّ الندم والرجوع إليه تعالى ، فإكثار الاستغفار للعفو عنّا يقرّبنا منزلة لديه ، ويفتح لنا آفاق الطاعة ، ويعيننا على عبادته ، فأكثر الاستغفار والتوسّل بأن يوفّقك لصلاة الفجر ، فإذا علم منك الصدق وخلوص النية أخذ بيديك ووفّقك إلى ما تحبّ.

ثمّ أبحث عن السبب المادّي لذلك ، فلعلّ السهر أكثر من المعتاد يجعلك غير قادرٍ على النهوض ، فتغيير برنامجك اليومي ، والنوم مبكّراً ، سيعينك في المرحلة الأُولى على النهوض إلى صلاة الفجر ، عندها ستقوى على ما تتعوّد عليه ، والله يعينك على طاعته ولزوم عبادته.

( علوي ـ البحرين ـ )

أهمّيتها عند المؤمن :

س : لو سمحتم عندي سؤال : ما أهمّية الصلاة عند المؤمن؟

ج : لا يخفى عليك أنّ الصلاة هجرة روحية ، يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين الله تعالى ، وممارسة تعبّدية يستهدف بها اكتشاف العلاقة بينه وبين بارئه تعالى.

ففي الصلاة يكون الإنسان المؤمن في موارد القرب ، والحبّ الإلهي العظيم ، وفي الصلاة يعلن عن تصاغره وعبوديّته لخالقه ، وفي الصلاة تتّسع أمام الإنسان المؤمن آفاق العظمة والقدرة الإلهية.

وفي الصلاة يتجسّد للإنسان فقره وضعفه وحاجته إلى غنى بارئه ، وتتابع افاضاته ورحمته ، وفي الصلاة تهبط الحجب بين العبد وربّه ، فتفيض اشراقات الحبّ والجمال الإلهي على النفس ، لتعيش أسعد لحظات الاستمتاع والرضى ، وهي في أرقى ما تكون من حالات الصحو الوجداني ، والاستعداد للتلقّي والقبول التعبّدي.

١٧٧

وفي الصلاة عودة للوعي ، واكتشاف لحقيقة الذات ، ومعرفة قدرها أمام خالقها العظيم ، وفي الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب ، وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس ، وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري ، بنقائه وطهارته ؛ لأنّ في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الذنوب والمعاصي ، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادّة والشهوة.

فهي سعي للهجرة إلى الله تعالى ، والتسامي نحوه ، وهي محاولة للتعالي والانتقال إليه ، وهي عودة إلى الله بعد كُلّ فترة زمنية يمارس فيها الإنسان حياته ؛ فيتعامل مع نفسه أو مع الله ، والناس الذين يعيش معهم ، فيتهاون بأداء حقوق الله عليه حيناً ، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذّاً ومنحرفاً حيناً آخر ، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية ، والتوجّهات النفسية المنحرفة ، فيجد في الصلاة محطّة لتطهير النفس ، والتأمّل في خيرها وصلاحها ، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجّهه في الحياة.

فهو في وقفته الصادقة بين يدي الله تعالى يستغفره ويتضرّع إليه ، ويعلن براءته وندمه ، ورغبته في الاستقامة والطهارة ، فيجدّد بذلك عهده مع الله تعالى ، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها ، وأصفى أجوائها ، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير ، وتتصاغر نوازع الشرّ ، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام ، فتقوى بذلك العزيمة ، وتشتدّ الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير ، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كُلّ سيئ في الحياة ، بممارسة انسحاب النفس الدائم ، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام.

لذا كانت الصلاة نظاماً تعبّدياً لوقاية النفس من شذوذها ، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها ، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة ، والتربية المستقيمة.

١٧٨

وصدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يصف أهمّية الصلاة ، ودورها في تطهير النفس ، وتقويم السلوك البشري في الحياة بقوله : « لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كُلّ يوم منه خمس مرّات ، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء» ؟ قلنا : لا.

قال : « فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كُلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب »(١) .

وقال رجل : يا رسول الله أوصني ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تدع الصلاة متعمّداً ، فإنّ من تركها متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام »(٢) .

وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما بين الكفر والإيمان إلاّ ترك الصلاة »(٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكُلّ شيء وجه ، ووجهُ دينكم الصلاة ، فلا يُشِينَنَّ أحَدُكُم وجهَ دينه »(٤) .

وروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليسَ منّي من استخفّ بصلاته ، لا يَردُ عليَّ الحوضَ لا والله »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيّعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم »(٦) .

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال :( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) »(٧) .

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ٢ / ٢٣٧ ، وسائل الشيعة ٤ / ١٢.

٢ ـ الكافي ٣ / ٤٨٨ ، وسائل الشيعة ٤ / ٤٢.

٣ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٢٣١ ، وسائل الشيعة ٤ / ٤٣ ، الصراط المستقيم : ٢٠٤.

٤ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٢٣٨.

٥ ـ فقه الرضا : ١٠١ ، المقنعة : ٧٣ ، الكافي ٣ / ٢٦٩ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٠٦.

٦ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٣١ ، تهذيب الأحكام ٢ / ٢٣٦.

٧ ـ مريم : ٣١ ، الكافي ٣ / ٢٦٤ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٢١٠.

١٧٩

وروي أيضاً عنهعليه‌السلام : « إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض ، وحفّت به الملائكة وناداه ملك : لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل »(١) .

ولهذه الأهمّية العظمى للصلاة أصبحت فريضة عبادية في كُلّ رسالة إلهية بشّر بها الأنبياء ، لأنّها الصلة بين العبد وربّه ، ولأنّها معراج يتسامى الفرد بها إلى مستوى الاستقامة والصلاح.

ولذلك فإنّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن الأنبياء ورسالتهم في الحياة قال :( وَجَعلناهُم أئمةً يَهدُونَ بأمرِنا وأوحينا إِليهمْ فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ وكانوا لنا عابِدين ) (٢) .

فالصلاة شعار وعلامة للفرد المؤمن وللأُمّة المؤمنة ، وهي حدّ فاصل بين المؤمن الحقّ وبين من لا ينتمي لأُمّة الإيمان ، لذا جاء قوله تعالى :( فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ) (٣) .

فهي شعار أهل الإيمان ، وصفة أُمّة التوحيد على تعاقب الأجيال ، وتتابع الرسالات والعصور.

لذلك تحدّث القرآن الكريم عن أُولئك المسلمين ، وعن شعارهم مع النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأثنى عليهم ، وقرن صفتهم بصفة أسلافهم من أتباع الأنبياء ، وأصفياء الرسل ، فقال عزّ من قائل :( محمّد رسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينهُم تَراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يبتَغُونَ فضْلاً منَ اللهِ ورضْواناً سيماهُمْ في وُجوهِهم من أثَرِ السُّجودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التَّوراةِ ومَثَلُهُمْ في الإنجيلِ كزَرْعٍ أخرَجَ شَطْأََهُ فآزرهُ فاستغلظَ فاستَوى على سُوقهِ يُعْجِبُ الزُّراعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ ) (٤) .

____________

١ ـ الكافي ٣ / ٢٦٥ ، وسائل الشيعة ٤ / ٣٢.

٢ ـ الأنبياء : ٧٣.

٣ ـ النساء : ١٠٣.

٤ ـ الفتح : ٢٩.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585