موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253121 / تحميل: 6995
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وما كان للقرآن هدف في هذا العرض التاريخي للصلاة إلاّ ليؤكّد للمؤمنين أنّ الصلاة في كُلّ الرسالات الإلهية كانت أولى شعائرها ، ومخّ عبادتها بعد الإيمان بالله تعالى.

وكم أوحى لنا القرآن بقداسة الصلاة ، وأهمّيتها في دعوة الأنبياء ؛ فحدّثنا عن مناجاة أبي الأنبياءعليه‌السلام وشعاره الحنيفي الذي تلقّاه من ربّه ، والذي كان يردّده خشوعاً ينساب في نفوس أتباعه عقيدةً ووعياً وطريقةً :( قُلْ إنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحيايَ ومَماتي للهِ ربِ العالَمينَ لا شَريكَ له وبذلكَ أُمِرتُ وَأنا أوَّلُ المسلمين ) (١) .

وكم كان يشتدّ بإبراهيمعليه‌السلام الشوق إلى الله تعالى ، فيرفع دعاءه إليه راجياً منه أن يجعله وذرّيته من مقيمي الصلاة والمتعبّدين بها فيقول :( رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرّيتي ) (٢) .

وهكذا عرض لنا القرآن نماذج من الخطابات الإلهية الموجّهة للأنبياء ، بوجوب الصلاة فريضة على أُممهم وأتباعهم ، ليؤكّد لنا أهمّية الصلاة ، ويوضّح مركزها في دعوات الأنبياء ورسالات الرسلعليهم‌السلام .

( عقيل أحمد جاسم ـ البحرين ـ ٣٢ سنة ـ بكالوريوس )

حول صلاة الجمعة :

س : لماذا حرمت أجيالنا السابقة من صلاة الجمعة وقالوا : إنّها لا تجوز إلاّ خلف الإمام الغائب؟

ج : إنّ صلاة الجمعة مشروعة القيام زمن الحضور والغيبة ، ففي زمن الحضور هي واجبة تعييناً ، وفي زمن الغيبة واجبة تخييراً ، وفقهاء الشيعة

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٢ ـ ١٦٣.

٢ ـ إبراهيم : ٤٠.

١٨١

يعتقدون بمشروعيتها إلا آن يطرأ طارئ فتكون محرّمة ، فإن منصب الإمامة في صلاة الجمعة منصباً سياسياً وحكومياً ـ بما أنّ الإمام يجب عليه أن يتطرّق إلى المسائل السياسية والاجتماعية ، ويبدي نظراً خاصّاً في كُلّ موضوع ـ فيجب أن يكون منصوباً مباشرةً ـ بالنيابة الخاصّة أو العامّة ـ من قبل الحاكم وهو الإمام المعصومعليه‌السلام حسب رأي الشيعة.

وعندما كانوا لا يرون للإمامعليه‌السلام أو المجتهدين يداً مبسوطة في الجانب الحكومي كانت الجمعة عندهم محظورة ، لأنّها حينئذٍ تؤدّي إلى تأييد وتشييد مباني الظلمة وحكوماتهم.

( علي أحمد جعفر ـ البحرين ١٩ سنة ـ طالب متوسطة )

لا تصحّ خلف الفاجر :

س : لماذا في مذهبنا الشيعي دائماً يكون إمام الجماعة عالم دين؟ ولا تصحّ الصلاة إلاّ إذا كنت تعرفه وتطمئن إليه؟

أمّا عند إخواننا السنّة فكُلّ مسلم يمكن أن يكون إمام جماعة ـ سواء كان ملتزماً أو غير ملتزم ، طاهر المولد أو لا ـ فأرى أنّهم على صواب ، فصلاة الجماعة لها ثواب عظيم ، فهم أين ما ذهبوا يصلّون جماعة.

نرجو أن تبصرونا حول هذا الموضوع ، ونشكركم على هذه الجهود الجبّارة.

ج : الصلاة جماعة عندنا تصحّ خلف كُلّ مكلّف بالغ ، فيحقّ لأيّ شخص التقدّم لإمامة جماعة من الناس ـ سواء كان عالماً أو غير عالم ، مرتدياً لزي العلماء أو غير مرتدٍ لذلك الزي ـ لكن عندنا لإمام الجماعة شروط يجب تحقّقها ، منها : عدالته ، فلا تصحّ الصلاة خلف الفاسق ، والفقهاء إنّما استفادوا وجوب هذا الشرط في إمام الجماعة من خلال أدلّة من الكتاب والسنّة.

١٨٢

فمن الكتاب : قوله تعالى :( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١) ، والفاسق ظالم لقوله تعالى :( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (٢) ، والائتمام ركون ، لأنّ معنى الركون هو الميل القليل.

ومن الروايات : قول الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا تصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق ، وإن كان مقتصداً »(٣) .

ومنها : قيل للإمام الرضاعليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أُصلّي خلفه؟ قال : «لا »(٤) .

ومنها : قيل لأبي جعفرعليه‌السلام : إنّ مواليك قد اختلفوا ، فأُصلّي خلفهم جميعاً؟ قال : «لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه »(٥) .

فعلى هذا الشرط يمكن لك إذا كنت تحرز في نفسك العدالة أن تصلّي بالناس جماعة ، أو تصلّي خلف أيّ شخص تثق بعدالته ، مع تحقّق الشروط الأُخرى لصلاة الجماعة ، من كونه صحيح القراءة ، بالغاً عاقلاً مؤمناً ، وولادته شرعية ، ذكراً إذا كان المأموم ذكراً ، فهذه الشروط يمكن أن تتحقّق في كثير من الناس ، وليست هي متحققّة فقط في رجل الدين ، بل رجل الدين هو أحد المصاديق.

نعم بعض العلماء يذكرون تحديد الإمام بالمتلبّس بزي العلماء ، إذا كان موجوداً في الجماعة ، ولا يصحّ لغيره أن يكون إماماً وهو مأموم ، وهو من باب حفظ مقام العلماء ، ودوام نظام معتنقي مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّ العالم هو المركز الذي تدور عليه كُلّ أُمور الجماعة.

____________

١ ـ هود : ١١٣.

٢ ـ الطلاق : ١.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٣ / ٣١ و ٢٨٢.

٤ ـ المصدر السابق ٣ / ٣١.

٥ ـ الكافي ٣ / ٣٧٤ ، تهذيب الأحكام ٣ / ٢٦٦.

١٨٣

وأمّا عند أهل السنّة فإنّهم لكي يصحّحوا صلاة من تسلّط على رقاب المسلمين ، أفتوا بصحّة الصلاة خلف كُلّ بر وفاجر ، حتّى عمّ وانتشر هذا التساهل في الإمام ، ووصل إلى وقتنا الحاضر ، وإن كان منشأه سياسياً.

( حسين ـ السعودية ـ ٣٤ سنة ـ خرّيج جامعة )

كراهة لبس السواد فيها :

س : هل يكره للمصلّي لبس السواد؟ أرجو الإجابة ، مع شكري الجزيل.

ج : قد ذكر بعض فقهائنا ذلك ، واستثنى منه العمامة والخف ، وقد قيّدها بعضهم بها ، إذا اتخذ السواد شعاراً كبني العباس ، لا فيما إذ لبس السواد صدفة ، أو حزناً على ميّت ، أو لجمال فيه وهيبة أحياناً ، واستثنى بعضهم ما لبسه للحسينعليه‌السلام ، فإنّه لا يكره بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر الله على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة يستفاد منها ذلك.

( علي العلي ـ السويد ـ )

وجوب صلاة الجمعة تخييري :

س : أسأل الله تعالى أن تكونوا في أتمّ الصحّة والعافية ، وأن يسدّد خطاكم لما هو خير ، ويوفّقكم لإعلاء كلمة الحقّ ، إنّه سميع مجيب.

لقد شجّعتموني على أن أسألكم كُلّما احتجت إلى ذلك ، ويا كثرة احتياجاتي ، وأعانكم الله عليها.

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأُحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

١٨٤

سادتي الكرام ، لقد حاورت أحد الإخوة الشيعة ذوي الميول العلمانية ، وكان دائماً يقول : بأنّ علماء الدين الشيعة يفتون كما يحلوا لهم ، وبدون أيّ سند ، وقد أقنعته في كُلّ استشكالاته , وكان أحد استشكالاته عن تعطيل صلاة الجمعة.

بعد انتهاء الحديث أحببت أنا شخصيّاً أن ازداد علماً بموضوع صلاة الجمعة ، ومتى تمّ تعطيلها؟ ومن أوّل من عطّلها من علمائنا ( رضوان الله عليهم ) وأدلّة ذلك ، وما هي استدلالاته على ذلك؟

ج : الكلام في إقامتها وعدمها لا يتبع لأيّ عامل غير الأدلّة المستفادة من الكتاب والسنّة ، وبحسب هذه الأدلّة قد يخرج الفقيه الشيعي بنتيجة تدل على وجوب إقامة الجمعة في عصر الغيبة ، وقد يرى عدمه ، وثالثة يفتي بالوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، هذه كُلّها خيارات الفقيه ، ولا يجوز ـ بحسب مذهب الشيعة ـ إلزام المجتهد بإحداها تمشيةً لأهواء البعض.

وأمّا أدلّة القائلين بالوجوب أو الجواز فمعروفة وواضحة من الكتاب والسنّة والإجماع ، منها آية :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (١) .

منها : الأحاديث المعتبرة الدالّة على وجوب الجمعة مطلقاً ، أعمّ من زمن الحضور والغيبة(٢) .

وأمّا من لا يرى الوجوب التعييني لصلاة الجمعة في زمن الغيبة ، فقد يعتمد إلى ظهور اشتراط حضور الإمامعليه‌السلام ، وبسط يده في الروايات ، بحيث يستنبط منها أنّ صلاة الجمعة وإمامتها هي من شؤون الحكومة ، لأنّ خطبتها يجب أن تتناول المواضيع السياسية والاجتماعية التي تهمّ الناس ، ومن المعلوم عدم توفّر هذا الشرط في ظلّ الحكومات الفاسدة.

____________

١ ـ الجمعة : ٩.

٢ ـ وسائل الشيعة / أبواب صلاة الجمعة.

١٨٥

نعم ، إن قلنا بحصول إذن عام للفقيه الجامع لشرائط الفتوى ـ نظراً إلى موضوع ولاية الفقيه ـ أو إذن خاصّ له في إقامة صلاة الجمعة ـ نظراً إلى الروايات الواردة في المقام ـ يمكننا القول بوجوب إقامتها في عصر الغيبة.

ثمّ لا يخفى أنّ الرأي المتبع عند المحقّقين المتأخّرين هو الوجوب التخييري بين صلاة الجمعة وفريضة الظهر ، ويعتمد هذا الرأي أساساً على نتيجة التعارض بين عمومات الظهر والجمعة المنتهية إلى التخيير ؛ وللأخذ بالأمر الوجوبي الوارد بالنسبة لإقامة الجمعة ، وبما أنّ الوجوب أعمّ من العيني والتخييري فيبقى الوجوب التخييري بعد انتفاء العيني ؛ ولظهور بعض الروايات الملوّحة بالتخيير(٢) .

( زين العابدين أيوبي ـ سوريا ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير :

س : السادة في مركز الأبحاث العقائدية الأفاضل : أرغب بمعرفة الأدلّة من كتب الفريقين حول عملية ختم الصلاة بالتكبير ثلاث مرّات ، ورفع اليدين عند كُلّ تكبيرة ، علماً بأنّني قرأتها في كتاب مفاتيح الجنان نقلاً عن مصباح المتهجّد ، وأُريد معرفة أدلّة أكثر لو سمحتم ، وجزيتم خيراً.

ج : هناك قاعدة لابدّ من معرفتها ، وهي أنّ مسائل الفروع والفقه لا يطالب المذهب بأدلّتها من كتب المذاهب المختلفة معه حتّى في الأُصول ، وإلاّ لأصبح جميع المختلفين غير مختلفين وعلى مذهب واحد ، ولذلك فإنّنا نقول : إنّ طلب أدلّة الفروع من الفريقين ، وفي جميع التفاصيل غير وارد قطعاً ، ومثال لذلك بأنّ يأتي نصراني ويقول : اثبتوا لي أصل الصلاة ، أو الصيام ، أو الحجّ من الأديان الأُخرى ، فهل تستطيع إثبات ذلك له؟ بل إنّك سوف تجيبه بأنّ هذه الأديان مختلفة في الأُصول ، ولا يمكن بالتالي أنّ يتوافقوا في أدلّة الفروع ، لأنّ مصادر تشريعهم تختلف.

____________

١ ـ الكافي ٣ / ٤٢١ ، تهذيب الأحكام ٣ / ١٩ ، وسائل الشيعة ٧ / ٣١٠.

١٨٦

إذاً ، سوف نحتاج إلى إثبات صحّة أحد هذه الأديان أو المذاهب في العقائد ، ومن ثمّ نسلّم بمصادر تشريعها للفروع وهذا واضح ، لأنّ الفروع تتفرّع وتبتني على أُصولها ومنابعها ، وهذا أمر مسلّم لدى الجميع.

ومع ذلك فقد يتّفق في بعض المسائل الفرعية أن تكون متّفقاً عليها لدى الجميع ، وقد يكون لديك حكماً تنفرد به ، ومع ذلك تجد أدلّته في كتب المخالفين ، وقد توجد مسائل لا تجد لها دليلاً لدى المخالف ، بل في نفس المذهب الواحد قد يشذّ أو ينفرد أحد العلماء بقول لا دليل عليه ، حتّى في مذهبه نفسه ، وهذا واضح أيضاً.

ومسألتنا من المسائل التي ننفرد بها عن سوانا ، ولكن سوف نأتي بادلّتها من كتبهم أيضاً إن شاء الله تعالى.

فنقول : أمّا الأدلّة من كتب أتباع أهل البيتعليهم‌السلام فمنها :

١ ـ عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لأي علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : «لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً »(١) .

٢ ـ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً »(٢) .

وأمّا من كتب أهل السنّة فمنها :

١ ـ عن ابن عباس قال : إنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(٣) .

____________

١ ـ علل الشرائع ٢ / ٣٦٠.

٢ ـ مستدرك الوسائل ٥ / ٥٢.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ٢٠٤ ، مسند أحمد ١ / ٣٦٧ ، المصنّف للصنعاني ٢ / ٢٤٥ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ١٠٢.

١٨٧

فلو جمعنا هذه الروايات وجعلناها رواية واحدة ، يتبيّن لنا بأنّ المراد برفع الصوت بالذكر بعد انقضاء الصلاة على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هو التكبير.

٢ ـ عن ابن عباس في الحديث السابق قال : ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ بالتكبير(٤) .

٣ ـ قال ابن حجر العسقلاني عند شرحه للحديث : وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة ، قال الطبري : فيه الإبانة عن صحّة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة ، وتعقّبه ابن بطال بأنّه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف ، إلاّ ما حكاه بن حبيب في الواضحة أنّهم كانوا يستحبّون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً(٥) .

أمّا مسألة رفع اليدين عن التكبير ، فالأدلّة العامّة تشمل كُلّ تكبير ، وهذا التكبير داخل قطعاً لعدم الفرق بينه وبين كُلّ تكبير في الصلاة ، فإنّه آخر فعل مستحبّ فيها ، فيكون حكمه حكم كُلّ تكبير في الصلاة ، واليك الأحاديث الواردة في شأنها :

١ ـ عن عمير بن حبيب قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة(١) .

٢ ـ عن قتادة قال : قلت لأنس بن مالك : أرنا كيف صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقام فصلّى فكان يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة ، فلمّا انصرف قال : هكذا كانت صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٩١ ، سنن أبي داود ١ / ٢٢٦ ، سنن النسائي ٣ / ٦٧.

٢ ـ فتح الباري ٢ / ٢٦٩.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٢٨٠ ، المعجم الكبير ١٧ / ٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ١٨ / ١٥٤.

٤ ـ المعجم الأوسط ٩ / ١٠٥.

١٨٨

ونفهم ـ من التأكيد على رفع اليدين مع كُلّ تكبيرة وسؤاله عن كيفية الصلاة وأخباره بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلّي هكذا ـ من كُلّ ذلك بأنّ الناس قد تلاعبوا بالصلاة ، وخصوصاً بهذه السنّة التي ركّز عليها قتادة ، وأكّد وجودها أنس ، فأصبحت بعد ذلك من المستغربات والسنن المهجورة عندهم ، فأكّدها ونسبها للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٣ ـ عن الذيال بن حرملة قال : سألت جابر بن عبد الله الأنصاري : كم كنتم يوم الشجرة؟ قال : كنا ألفاً وأربعمائة ، قال : وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يرفع يديه في كُلّ تكبيرة من الصلاة(١) .

٤ ـ عن نافع قال : إنّ عبد الله بن عمر كان إذا أبصر رجلاً يصلّي لا يرفع يديه كُلّما خفض ورفع حصبه حتّى يرفع يديه(٢) .

٥ ـ وأخيراً قال المحدّث الوهّابي الألباني : « وأمّا الرفع من التكبيرات الأُخرى ، ففيه عدّة أحاديث أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرفع يديه عند كُلّ تكبيرة »(٣) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٢ / ١٠١ ، التاريخ الكبير ٨ / ١٠٥.

٢ ـ مسند الحميدي ٢ / ٢٧٧.

٣ ـ تمام المنّة : ١٧٢.

١٨٩
١٩٠

صلاة التراويح :

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول :

س : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح؟ وكثير من صلوات السنّة؟ ومن هذا المنطلق أهل السنّة يسمّون الشيعة بالروافض ، لأنّه على حدّ قولهم : أنّ الشيعة يرفضون اتباع سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الله تعالى فرض على عباده الفرائض ، وأوحى بها إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتبليغ ذلك إلى أُمّته ، فكُلّ صلاة وصيام وحجّ وزكاة وغيرها من الفرائض كانت عن الله تعالى ، أوحاها إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبلّغها بدوره إلى أُمّته.

وهكذا ، فإنّ أيّة عبادة تسمّى توقيفية ، أي تتوقّف مشروعيتها على استئذان الشارع واعتباره إيّاها ، وما عدا ذلك من صلاة بما أنّها لم تكن من قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مشرّعة فإنّها بدعة ، والبدعة هي إدخال ما ليس في الدين في الدين.

وعندها فإنّ العبادة التي لم يشرّعها الشارع تعدّ غير مشروعة وغير معتبرة ، ومن يدري فلعلّ ما نفعله دون إذن الشارع من العبادة التي هي التقرّب إلى الله تعالى ستكون مبعّدة عن الله تعالى ، بل سننال سخطه تعالى وغضبه.

ومن هنا فإنّ الشيعة الإمامية لا تتعدّى النصّ الوارد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في إحداث أيّة عبادة لم يأمر بهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس لأحد الحقّ في تشريع عبادة معيّنة ، فإذا

١٩١

شرّعها أحد دون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صارت تلك العبادة بدعة ، واستحقّ بذلك سخط الله تعالى وغضبه.

وهكذا في صلاة التراويح ، فلم يرد فيها نصّ قرآني ولا حديث نبوي حتّى يمكننا أن نقول بشرعية هكذا عبادة ، أمّا إذا كانت مستندة إلى اجتهاد رجل ورأي يرتأيه ، فهذا ما لا تعتبره الإمامية مشروعاً بل تعتبره بدعة.

واليكِ ممّن اعترف بأنّ صلاة التراويح هي ليست من سنّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هي من سنّة عمر بن الخطّاب ، وهو أوّل من سنّها وجمع الناس عليها ، كما نصّ عليه الباجي والسيوطي والسكتواري وغيرهم.

وإنّ إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر ، وأنّها بدعة حسنة(١) .

( هويدا ـ ـ )

صلاة ابتدعها عمر :

س : لماذا لا نصلّي التراويح مثل أهل السنّة؟

ج : نعلمك بأنّ صلاة التراويح في الواقع هي صلاة الألف ركعة النافلة في شهر رمضان ، وورد في فضل هذه الصلاة فضل كثير ، ولكن عمر بن الخطّاب أضاف إلى هذه النافلة « الجماعة » ، أي أنّها تصلّى جماعة لا فرادى.

____________

١ ـ كتاب الموطّأ ١ / ١١٤ ، صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٤٩٣ ، فتح الباري ٤ / ٢١٩ ، المدونة الكبرى ١ / ٢٢٢ ، تنوير الحوالك : ١٣٧ ، المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، الشرح الكبير ١ / ٧٤٧ ، نيل الأوطار ٣ / ٦٣ ، نصب الراية ٢ / ١٧٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٨٧ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ١٦٦ ، تاريخ بغداد ٨ / ٥١ ، سير أعلام النبلاء ١٠ / ٧٠ ، تاريخ المدينة ٢ / ٧١٤ ، سبل الهدى والرشاد ١ / ٣٦٥ ، تحفة الأحوذي ٣ / ٤٥٠ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٥٩ ، التعديل والتجريح ١ / ٤٦ ، كنز العمّال ٨ / ٤٠٧ ، سبل السلام ٢ / ١٠.

١٩٢

وكما هو المعلوم : أنّ العبادات توقيفية ، أي أنّها تؤدّى كما ذكرها الشارع ، والإضافة على ما جاء به الشارع يكون بدعة ، ولهذا لمّا أضاف عمر الجماعة إلى النافلة وقال : نعمت البدعة.

( محمّد ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة الطبّ )

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة :

س : ما هو دليل العامّة على مشروعية صلاة التراويح؟ وما هو ردّنا العلمي على ذلك؟

ج : ابتدع أهل السنّة صلاة التراويح ـ وهي قيام ليالي شهر رمضان جماعة ـ ودليلهم : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي جمع الناس على إمام واحد ، ولم يشرّعها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يسنّها بل كانت سنّة عمر.

على أنّ عمر بن الخطّاب قال معترفاً بأنّها ليس من تشريع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل هي بدعةً ابتدعها ، إلاّ أنّه وصفها أنّها بدعة حسنة.

قال عبد الرحمن بن عبد القاري : « خرجت مع عمر بن الخطّاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط.

فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، قال : ثمّ خرجت معه في ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه »(١) .

على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد نهى عنها ، وإليك ما رواه البخاري : حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد قال : حدّثنا وهيب قال : حدّثنا موسى بن عقبة ، عن سالم أبي

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٧٩٨ ، تحفة الأحوذي ٣ / ٤٥٠ ، نصب الراية ٢ / ١٧٤ ، كنز العمّال ٨ / ٤٠٧ ، تلخيص الحبير ٤ / ٢٤٧ ، كتاب الموطّأ ١ / ١١٤ ، تنوير الحوالك : ١٣٧ ، الشرح الكبير ١ / ٧٤٧ ، نيل الأوطار ٣ / ٦٣ ، صحيح البخاري ٢ / ٢٥٢ ، فتح الباري ٤ / ٢١٩ ، المصنّف للصنعاني ٤ / ٢٥٩ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ١٥٥.

١٩٣

النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتخذ حجرة ، قال : حسبت إنّه قال : من حصير في رمضان فصلّى فيها ليالي ، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه ، فلمّا علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : «قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة »(١) .

وأنت ترى صراحة نهي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الإتيان بهذه الصلاة ، ومن ثمّ اعترف عمر بأنّها لم تسنّ من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ابتدعها من عنده ، علماً أنّ البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال.

ومن الغريب تقسيم ابن الأثير البدعة إلى بدعتين : بدعة هدى وبدعة ضلال ، وقال : « وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هذا النوع قول عمر : نعمت البدعة هذه ، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها ، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسنّها لهم ، وإنّما صلاّها ليالي ثمّ تركها ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبي بكر ، وإنّما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها »(٢) .

وهذا كما ترى من غريب ما يعتذر به ، فاعترافه بدعة وإنّها لم يأمر بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسنّها ، دليل كاف على أنّها بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

هذا ما رووه أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، فكيف تكون بعد ذلك البدعة نوعان : بدعة هدى وبدعة ضلال؟ وهذا العذر يمكن أن يعتذر به كُلّ أحد ، فإذا قلنا للسارق لماذا سرقت؟ قال : السرقة نوعان : سرقة حرام وسرقة حلال ، وهذه سرقتي حلال ، فعلتها طلباً لقوت أطفالي ، وهكذا يمكن أن يفتح باباً للاعتذار عن كُلّ ذنب ومعصية ، ولا يحقّ لأحد الاعتراض عليه بعد ذلك.

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١٧٨.

٢ ـ النهاية في غريب الحديث ١ / ١٠٦.

١٩٤

على أنّه يمكن لأيّ أحد أن يبتدع صلاةً معيّنة ، أو عملاً معيّناً ويقول : هي بدعة ، ولكن نعمت البدعة هذه كما فعل من قبلي عمر!!

وأنت تعلم أنّ العبادة أمر توقيفي ، أي أنّها موقوفة من قبل الشارع ، فما لم يأمر به الشارع فلا يجوز الإتيان به ، فكيف نتعبّد بأمرٍ نهى عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

أليس العبادة هي التقرّب إلى الله تعالى ، فكيف نتقرّب إلى الله بشيء مبغوض ، فإنّ الأمر المنهي عنه مبغوض عند الله ، إذ لا ينهي النبيّ عن شيء إلاّ كونه مبغوض ، فكيف نتقرّب إلى الله بشيء مبغوض؟!

وهل فات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تشريع صلاة التراويح؟ إذا كانت مندوبة عند الله تعالى ومطلوبة ، فهل غفل عن ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسبقه إلى ذلك عمر؟! سؤال نطرحه إلى كُلّ من رأى محبوبية صلاة التراويح وتشريعها.

فإننا أتباع سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس سنّة أحد ، فكُلّ سنّة دون سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

أعاذنا الله وإيّاك من البدع ، ووفّقنا للعمل بسنّة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

س : تحية طيّبة ، وبعد :

أقول : لقد تقدّم القول : إنّ البدعة ـ في المعنى الاصطلاحي الشرعي ـ هي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وهذا التعريف ـ أي الإدخال في الدين ـ يحتمل معنى الزيادة ومعنى الإنقاص أيضاً.

ولنبدأ بتعريف صلاة التراويح : هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان ، وإنّما سمّيت تراويح للاستراحة فيما بعد كُلّ أربع ركعات.

نبحث بما روى عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في الجماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ تلك

١٩٥

معصية ، ألا فإنّ كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة سبيلها إلى النار » ثّم نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : « قليل في سنّة خير من كثير في بدعة »(١) .

وروي عن زيد بن ثابت قال : احتجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجيرة مخصفة أو حصيراً ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إليها ، فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلّون بصلاته ، ثمّ جاءوا إليه فحضروا ، وأبطأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم ، فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج إليهم مغضباً ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإنّ خير صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة »(٢) .

وعن أنس قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل فقام أيضاً حتّى كنّا رهط ، فلمّا أحسّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّا خلفه جعل يتجوّز في الصلاة ، ثمّ دخل رحله فصلّى صلاة لا يصلّيها عندنا ، قال : قلنا له حين خرج : أفطنت بنا الليلة؟ فقال : « نعم ، ذاك الذي حملني على الذي صنعت »(٣) .

وعن أبي سلمة ، أنّه سأل عائشة : كيف كانت صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في رمضان؟

فقالت : ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة ، يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي أربعاً فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي ثلاثاً.

فقالت عائشة : فقلت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر؟ قال : « يا عائشة! إنّ عيني تنامان ، ولا ينام قلبي »(٤) .

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٣٧ ، الاستبصار ١ / ٤٦٨ ، تهذيب الأحكام ٣ / ٧٠.

٢ ـ صحيح البخاري ٧ / ٩٩ ، صحيح مسلم ٢ / ١٨٨ ، المعجم الكبير ٥ / ١٤٤.

٣ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٣٤.

٤ ـ الموطّأ ١ / ١٢٠ ، صحيح البخاري ٢ / ٤٧ و ٢٥٢ ، صحيح مسلم ٢ / ١٦٦ ، سنن أبي داود ١ / ٣٠١.

١٩٦

وسُئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الفريضة في المسجد ، والتطوّع في البيت »(١) .

ومثل هذه الأحاديث الصحيحة كثيرة جدّاً في كتب أرباب الحديث ، ولكن الغريب أنّ بعضهم قال : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى بها ثمّ تركها من غير نسخ ، وهو يتعارض مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فعليكم بالصلاة في بيوتكم » ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ذلك الذي حملني على الذي صنعت » ، وغضبه لاجتماعهم في النافلة ، لا يعني مطلقاً أنّ التراويح كانت عملاً جائزاً.

والأغرب من هذا كُلّه ، أنّ كتب الحديث والتاريخ تقول : أنّ صلاة التراويح من مبدعات عمر بن الخطّاب فلماذا هذه الدعاوى وهذه التعاليل؟!

ولذا ، فإنّ صلاة التراويح لم يشرّعها الشارع المقدّس بل هي بدعة ، وقد روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من رغب عن سنّتي فليس منّي »(٢) .

ومن أقوال علماء أهل السنّة بأنّ صلاة التراويح هي من فعل عمر بن الخطّاب ، وليست من عمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال أبو الوليد محمّد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة ٣٣ من تاريخه : « هو أوّل من نهى عن بيع أُمّهات الأولاد ، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، وأوّل من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التراويح ، الخ ».

ولما ذكر السيوطي في تاريخه أوّليات عمر نقلاً عن العسكري قال : « هو أوّل من سمّي أمير المؤمنين ، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ ، وأوّل من حرّم المتعة ، وأوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات »(٣) .

وقال ابن سعد : « وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان ـ بالتراويح ـ وجمع الناس على ذلك ، وكتب به إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع

____________

١ ـ الجامع الصغير ٢ / ٢٣١ ، كنز العمّال ٧ / ٧٧١ و ٨ / ٣٨٤.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ١١٦ ، صحيح مسلم ٤ / ١٢٩ ، سنن النسائي ٦ / ٦٠.

٣ ـ الإمامة والسياسة : ١٢٦.

١٩٧

عشرة ، وجعل للناس بالمدينة قارئين ، قارئاً يصلّي بالرجال ، وقارئاً يصلّي بالنساء »(١) .

وقال الشوكاني : « وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم : الأفضل فرادى في البيت لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » متّفق عليه.

وقالت العترة : إنّ التجميع فيها بدعة(٢) .

أضف إلى هذا ، أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة والشرف بالصلاة فيها ، ويمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها والنشاط لها ، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأُمّهات ، والأجداد والجدّات ، وتأثيره في شدّ الأبناء إليها شدّاً يرسخها في عقولهم وقلوبهم.

وقال عبد الله بن سعد : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّما أفضل : الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأن أصلّي في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلّي في المسجد ، إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة »(٣) .

وعن زيد بن ثابت : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : » فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة »(٤) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم »(٥) .

____________

١ ـ الطبقات الكبرى ٣ / ٢٨١.

٢ ـ نيل الأوطار ٣ / ٦٠.

٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٤٣٩ ، الآحاد والمثاني ٢ / ١٤٥ ، مسند الشاميين ٢ / ١٥٩.

٤ ـ مسند أحمد ٥ / ١٨٢ ، صحيح البخاري ١ / ١٧٨ و ٨ / ١٤٢ ، سنن النسائي ٣ / ١٩٨ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ٤٩٤ و ٣ / ١٠٩.

٥ ـ المستدرك ١ / ٣١٣ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٣٩٣ ، صحيح ابن خزيمة ٢ / ٢١٣ ، الجامع الصغير ١ / ٢١٢.

١٩٨

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مثل الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحيّ والميت »(١) .

وعن جابر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته ، فإنّ الله جاعل في بيته من صلاته خيراً »(٢) .

وما روي عن ابن أبي الحديد : أنَّ الإمامعليه‌السلام بعث الحسنعليه‌السلام ليفرّقهم عن الجماعة في نافلة رمضان.

ففي شرح النهج : « روي أنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه »(٣) .

ومن خلال التأمّل في الروايات المتقدّمة ، تراها أجمعت على النهي عن أداء صلاة التراويح جماعة ، غاية الأمر أنَّ بعض الروايات أرجعت النهي إلى أسباب خشية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تكتب عليهم أي أن تفرض عليهم فتكون جزءً من التشريع بتلك الكيفية.

فأعترف بأنّها بدعة وخلاف السنّة ، وهم يروون عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار »(٤) .

وأقول لمن يريد الحقّ : فليراجع المصادر ، ويبتعد عن التعصّب والجاهلية ، وليعلم بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه : « ذَرُوني ما تركتكم ، فإنّما هلك

____________

١ ـ مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٩١ ، الجامع الصغير ٢ / ٥٢٨ ، كشف الخفاء ٢ / ١٩٧.

٢ ـ مسند أحمد ٣ / ٣١٦ ، صحيح مسلم ٢ / ١٨٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ / ١٥٧ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٤٦.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

٤ ـ سنن النسائي ٣ / ١٨٩ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٥٥٠ و ٣ / ٤٥٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ١٤٣.

١٩٩

من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، ما نهيتكم عنه فانتهوا ، وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم »(١) ، ثمّ يقول في الحديث التالي : « مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله »(٢) .

ويقول الله تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَا نْتَهُوا ) (٤) ، وقال أيضاً :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٥) .

وأخيراً ، نسأل الله تعالى أن يجمعنا على كلمة الحقّ.

( أبو علي ـ الكويت ـ )

نهى عنها الإمام عليعليه‌السلام :

السؤال : بعد الصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لماذا لم ينه الإمام علي عليه‌السلام عن صلاة التراويح على الرغم من أنّه عليه‌السلام لم تأخذه بالحقّ لومة لائم؟ وكان أوّل فعله عند استلامه للخلافة أن عزل الولاة الظالمين ، ومنهم الملعون معاوية بن أبي سفيان ، حيث لم ينتظر أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تثبت له أركان الخلافة ، فلم لم ينه عن هذه الصلاة البدعة؟

ج : لمّا ولي الإمام عليعليه‌السلام أُمور المسلمين ، وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنّة النبوية الشريفة ، وحظيرة القرآن الكريم ، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أُدخلت في الدين ، ومنها صلاة التراويح ، ولكن بعضهم صاح : وا عمراه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٤٧ و ٤٢٨ و ٤٥٧ و ٥٠٨ ، صحيح مسلم ٤ / ١٠٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١٠٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٣٦.

٢ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٥٢ و ٢٧٠ و ٤١٦ و ٤٦٧ ، صحيح البخاري ٤ / ٨.

٣ ـ الحشر : ٧.

٤ ـ المائدة : ١١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والجواب عن تشبّث الرّازي بترك الجاحظ رواية حديث الغدير من وجوه:

١. الجاحظ من النواصب

إن الجاحظ يعدّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - ومن أنصار المروانية أعداء الامام، حتى أنه ألّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على علي -عليه‌السلام -، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحد من المسلمين، في الدفاع عن الإسلام ونبي الاسلام محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال ( الدهلوي ): « الجاحظ معتزلي وناصبي معاً، وله كتاب ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظام »(١) .

ثم إن ( الدهلوي ) صرح في باب الامامة من كتابه بأن الطعن في أمير المؤمنين -عليه‌السلام - كفر.

هذا، وقد نص على تأليف الجاحظ الكتاب المشار اليه ابن تيمية الحراني حيث قال بعد كلام له حول مراتب الصحابة:

___________________

(١). حاشية التحفة الاثنا عشرية - مبحث الدلائل العقلية على إمامة أمير المؤمنين.

٢٦١

« فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح، ممن أسلم بعد الحديبية، وعلم تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلم أن البدريين أفضل من غير البدريين، وأن علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يقدّم عليه أحداً غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟

نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ »(١) .

وقال ابن تيمية في موضع آخر من كتابه:

« والمروانية الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجتهم أقوى من حجّة هؤلاء الرافضة، وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن للزيدية نقضه، دع الرافضة »(٢) .

فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسك الرازي بتركه رواية حديث الغدير.

٢. أضاليل الجاحظ وردود المفيد عليه

واعلم أن الجاحظ قد أورد في كتابه المذكور عن إبراهيم النظام مطاعن أمير المؤمنين -عليه‌السلام - والعياذ بالله -. وقد أجاب عن تلك المزاعم شيخ الامامية الشيخ المفيد - رحمة الله عليه - في كتابه ( العيون والمحاسن ) الذي اختصره تلميذه الشّريف المرتضى علم الهدى -رحمه‌الله - في كتابٍ أسماه بـ ( الفصول المختارة من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ٧٠.

٢٦٢

العيون والمحاسن )، وقد اعتمد ( الدهلوي ) على تلك الأجوبة فأوردها في ( التحفة ) في الجواب عن الدليل السادس من الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نقلاً عن النواصب.

ترجمة الشيخ المفيد

والشيخ المفيد من كبار أئمّة الإِمامية، وقد ترجم له علماء أهل السنة:

١ - الحافظ الذهبي: « والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً بابن المعلّم، عالم الشيعة وإمام الرّافضة وصاحب التصانيف الكثيرة.

قال ابن أبي طي في تاريخ الامامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل، يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية، قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدّولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي »(٢) .

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤١٣.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤١٣.

٢٦٣

٣ - الحافظ ابن حجر: « محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة أبو عبد الله ابن المعلم صاحب التصانيف البدعية وهي مائتا تصنيف، طعن فيها على السلف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي مات سنة ٤١٣.

قال الخطيب: صنّف كتباً كثيرة في ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن على الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، وهلك بها خلق، إلى أن أراح الله منه في شهر رمضان.

قلت: وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرّج به جماعة وبرع في أفعاله الامامية حتى كان يقال: له على كل إمامي منة، وكان أبوه مقيماً بواسط وولد المفيد بها وقيل: بعكبرا. ويقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض.

وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن »(١) .

ردود الاسكافي على الجاحظ

كما أورد ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة ) طرفاً من تشكيكات الجاحظ في فضائل الامام -عليه‌السلام - ومناقبه وخصائصه التي انفرد بها من بين الصحابة، ككونه أول من أسلم، ومبيته على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وشجاعته ومواقفه في الغزوات، وغير ذلك، ونقل ردود شيخه أبي جعفر الاسكافي المعتزلي على أضاليله وأباطيله في كتابه ( نقض العثمانية ) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع.

___________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣٦٨.

٢٦٤

ترجمة أبي جعفر الاسكافي

وقد ترجم لأبي جعفر الاسكافي - صاحب الرد على الجاحظ -:

١ - السمعاني: « أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي، أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة، وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلّم معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين »(١) .

٢ - ياقوت الحموي: « محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي، عداده في أهل بغداد، أحد المتكلّمين من المعتزلة، له تصانيف، وكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي ويتكلّم معه. مات في سنة أربع ومائتين »(٢) .

٣ - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي * وهو صاحب كتاب ( المغني ) ترجم له الأسنوي في طبقاته، فقال: القاضي أبو الحسن عبد الجبار الاسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلّدا للشافعي في الفروع، وعلى رأس المعتزلة في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة، ذكره ابن الصلاح * إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه:

« أبو جعفر الاسكافي، فهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي، عدّه قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي، وجعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المرداد، ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد بن إسماعيل العسكري، ثم عبد الكريم بن روح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام، ثم

___________________

(١). الأنساب - الاسكافي.

(٢). معجم البلدان ١ / ١٨١.

٢٦٥

أبا الحسين الصالح، ثم صالح قبة، ثم الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد ابن سليمان ثم أبا جعفر الاسكافي هذا.

وقال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً، وصنّف سبعين كتاباً في علم الكلام وهو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ سوق الورّاقين ببغداد، فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرّض لنقض كتابي - وأبو جعفر جالس -؟ فاختفى منه حتى لم يره، وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد يبالغ في ذلك، وكان علويّ الرأي، محققاً منصفاً، قليل العصبية ».

٣. قال الخطابي: الجاحظ ملحد

ولهذه الأمور وغيرها صرّح الحافظ الخطابي بأن الجاحظ رجل ملحد وهل يستند الى ترك رواية هذا الرجل حديث الغدير للطعن فيه؟

إنّه لا قيمة لكلام هكذا شخص ولا وزن له في معرفة الأحاديث النبوية الشريفة مطلقا

أما كلام الخطابي فقد أورده الشيخ محمد طاهر الكجراتي * المتوفى سنة ٩٨٦، ترجمه الشيخ العيدروس في ( النور السافر عن أخبار القرن العاشر ) في حوادث السنة المذكورة بقوله: « استشهد الرّجل الصّالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقب بملك المحدثين الهندي – رحمه ‌الله آمين - على يدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السّبابة والمهدوية القتّالة وهو الذي أشار إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالمزية في الرؤيا التي رآها الشيخ علي المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة علية، وكان على قدم من الصلاح والورع والتبحّر في العلم، كانت ولادته سنة ٩١٣، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، وجدّ في العلم ومكث كذلك نحو خمسة عشر سنة، وبرع في فنونٍ عديدة وفاق الأقران، حتى لم يعلم أن أحداً من

٢٦٦

علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث. كذا قال بعض مشايخنا. وله تصانيف نافعة » * في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) حيث قال:

« في المقاصد: « اختلاف أمتي رحمة » للبيهقي، عن الضحاك، عن ابن عباس، رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف، وقال شيخنا: إن هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس، وكثر السؤال عنه، فزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان، أحدهما ما جن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي والجاحظ، وقالا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا، ثم رد الخطابي عليهما »(١) .

و قد نقله الشيخ نصر الله الكابلي أيضاً، حيث قال في ( صواعقه ):

« الثامن - ما رواه البيهقي في المدخل، عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - انه قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إختلاف أمتى رحمة. قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر العسقلاني: هو حديث مشهور على الألسنة. وقال الخطابي في غريب الحديث: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ما جن والآخر ملحد وهما: إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعاً: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ».

وفي شرح حديث القرطاس من شرح مسلم للنووي عن الخطابي في الجاحظ إنه « مغموص عليه في دينه ».

ترجمة الخطابي

وقد ذكر الخطابي مترجموه بكل إطراء وثناء، فقد ترجم له:

___________________

(١). تذكرة الموضوعات / ٩٠ - ٩١.

٢٦٧

١ - السمعاني: « أبو سليمان أحمد(١) بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة مثل: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن، وكتاب غريب الحديث، والعزلة، وغيرها. سمع أبا سعيد ابن الأعرابي بمكة، وأبا بكر محمد بن بكر بن داسة التمّار بالبصرة وإسماعيل ابن محمد الصفار ببغداد، وغيرهم. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وجماعة كثيرة.

وذكره الحاكم أبو عبد الله في التاريخ فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي، أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدّث بها وكثرت الفوائد من علومه، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ببست »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان فقيهاً، أديباً محدثاً، له التصانيف البديعة وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً »(٣) .

٣ - الذهبي ، ووصفه بـ « الفقيه الأديب » وقال: « كان علامة محققاً »(٤) .

٤ - اليافعي ، ووصفه بـ « الامام الكبير والحبر الشهير » قال: « كان فقيهاً أديباً، محدثاً »(٥) .

٥ - الصفدي ، وذكر عن السمعاني قوله: « كان الخطابي حجة صدوقاً » وعن الثعالبي: « كان يشبّه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام »(٦) .

___________________

(١). في بعض المصادر اسمه: حمد.

(٢). الأنساب - الخطابي.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٤٥٣.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٨٨.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٣٨٨.

(٦). الوافي بالوفيات ٧ / ٣١٧.

٢٦٨

٦ - الأسنوي: « كان فقيهاً، رأساً في علم العربية والأدب وغير ذلك »(١) .

٧ - ابن قاضي شهبة الأسدي، وأضاف: « ومحلّه من العلم مطلقا ومن اللّغة خصوصاً، الغاية العليا »(٢) .

٨ - السيوطي: « الخطابي الامام العلامة المفيد المحدث الرحّال وكان ثقة ثبتاً [ متثبتاً ] من أوعية العلم »(٣) .

٩ - محمد بن محمد السنهوري الشافعي، وصفه بـ « العلامة الحافظ »(٤) .

١٠ - عبد الحق الدهلوي: « المشار إليه في عصره والعلامة فريد دهره في الفقه والحديث والأدب ومعرفة الغريب، له التصانيف المشهورة والتأليفات العجيبة »(٥) .

١١ - ( الدهلوي )، ذكر النووي البغوي والخطابي وقال: « إنّهم من علماء الشافعية وهم معتمدون جدّاً، وكلامهم متين مضبوط »(٦) .

١٢ - الفخر الرازي، حيث مدحه وأطراه بقوله: « والمتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم:

أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الاصفهاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والامام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب كتاب المتفق، والامام الخطيب صاحب تاريخ بغداد. والامام أبو سليمان الخطابي الذي كان بحراً في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل الحديد لأبي سليمان، يعنون داود النبي

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٦٧.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٥٩.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤٠٣.

(٤). التعليق على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - مخطوط.

(٥). رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي: ٣٨٤.

(٦). أصول الحديث: ٢٣.

٢٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال تعالى فيه: وألنّا له الحديد.

فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي»(١) .

هذا، وقد اعتمد عليه نصر الله الكابلي في ( صواقعه ) في الجواب عن منع عمر المغالاة في المهر، واصفاً إيّاه بـ « الحافظ ». وكذا ( الدهلوي ) في ( التحفة ) في الجواب عن القضية المذكورة، وحيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( منتهى الكلام )(٢) .

٤. آراء العلماء في الجاحظ

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات أئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، الصريحة في سقوط الرجل عن درجة الاعتبار، وفي عدم وثوقهم به:

١ - الحافظ الذهبي: « عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً »(٣) .

٢ - الذهبي أيضاً: « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً. قلت: وكان من أئمّة البدع »(٤) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الجاحظ العلّامة المتبحر، ذو الفنون، ابو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام وروى

___________________

(١). فضائل الشافعي للفخر الرازي: ٦٥.

(٢). وله ترجمة أيضاً في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤، إنباه الرواة ١ / ١٢٥، معجم الأدباء ٤ / ٢٤٦، شذرات الذهب ٣ / ١٢٧ تذكرة الحفاظ ١٠١٨ المنتظم حوادث ٣٨٨، تاريخ ابن كثير والنجوم الزاهرة في حوادث السنة المذكورة.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٤٧١.

(٤). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٤٧.

٢٧٠

عن أبي يوسف القاضي وثمامة بن أشرس. روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته. وكان أحد الأذكياء.

قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال: قال يموت: كان جدّه جمالاً أسود. وعن الجاحظ: نسيت نسبي ثلاثة أيام حتى عرفني أهلي.

قلت: كان ماجناً قليل الدين، له نوادر

قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.

قال اسماعيل بن الصفار: أنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فادخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أنبأنا السلفي، أنبأ المبارك بن الطيوري، أنبأ محمد بن علي الصوري إملاء، أنبأ خلف بن محمد الحافظ بصور، أنبأ أبو سليمان بن زبر، ثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ فاستأذنت عليه فاطلع عليَّ من كوّةٍ في داره، فقال: من أنت؟ فقلت رجل من أصحاب الحديث، فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية! فقلت إني ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وأبيك، أدخل. فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت تحدثني بحديثٍ واحد. فقال: أكتب: أنبأ حجاج بن المنهال أنبأ حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلى على طنفسة فقلت: زدني حديثاً آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.

قلت: كفانا الجاحظ المئونة، فما روى في الحديث إلّا النزر اليسير، ولا هو بمتّهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين. عفا الله تعالى عنه »(١) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

٢٧١

٤ - وقال ابن حجر العسقلاني بترجمته ما ملخصه:

« عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل: قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمّة البدع.

قلت: وروى الجاحظ عن حجاج الأعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير وروايته عنهم في أثناء كتابه في الحيوان.

وحكى ابن خزيمة أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود. وذكر قصة.

وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلّي.

وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء، يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك.

وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.

وذكر أبو الفرج الاصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً.

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير الموضع، وهو في الطيوريات.

قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدّهم تلطّفاً، لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فتجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزندقة على أهل السنة، ومرة يفضّل عليا ومرة يؤخّره، ويقول: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كذا، ويتبعه أقوال المجان، ويذكر في الفواحش ما يجل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين؟ ويعمل كتابا يذكر حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز الحجة، فكأنّه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزء بالحديث إستهزاءً لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب

٢٧٢

أن يبيّضه المسلمون حين استلموه، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم للحديث، وأنصرهم للباطل.

وقال النديم: قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وإسماعيل القاضي والفتح بن خاقان.

وقال النديم - لما حكى قول الجاحظ لما قرأ المأمون كتبي، قال هي كتب لا يحتاج إلى تحضير صاحبها -: إن الجاحظ حسّن هذا اللفظ تعظيماً لنفسه وتفخيماً لتآليفه. وإلّا فالمأمون لا يقول ذلك.

وقال ابن حزم في الملل والنحل: كان أحد المجّان الضلّال، غلب عليه قول الهزل، ومع ذلك فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإنْ كان كثير الإِيراد لكذب غيره.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدّمة تهذيب اللّغة: وممّن تكلّم في اللغات بما حصده لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ. وكان أوتي بسطة في القول، وبياناً عذباً في الخطب ومجالاً في الفنون، غير أنّ أهل العلم ذمّوه، وعن الصدوق دفعوه.

وقال ثعلب: كان كذّاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس »(١) .

ترجمة أبي منصور الأزهري

والأزهري - الذي قال عن الجاحظ ما نقله الحافظ ابن حجر - هو: محمد ابن أحمد اللغوي من كبار علماء أهل السنة وأئمّتهم:

ترجم له ابن خلكان وقال: « الامام المشهور في اللغة، كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللّغة فاشتهر بها، وكان متفقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه »(٢) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٣٥٥.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٨.

٢٧٣

وقال السبكي: « وكان إماماً في اللغة، بصيراً بالفقه، عارفاً بالمذهب، عالي الاسناد، كثير الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الإِنتصار لألفاظ الشافعي متحرّياً في دينه »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام العلّامة اللغوي الشافعي »(٢) .

وذكره الذهبي في حوادث السنة المذكورة(٣) .

وقال السيوطي: « وكان عارفاً عالماً بالحديث، عالي الاسناد، كثير الورع »(٤) .

ترجمة ثعلب

واما ثعلب - الذي قال عن الجاحظ: « ليس ثقة ولا مأموناً » وقال: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس » - فهو أيضاً من كبار المحدّثين، ومن أساطين الفقه والأدب واللغة

قال السيوطي: « ثعلب الامام المحدث، شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني مولاهم البغدادي، المقدّم في نحو الكوفيين. ولد سنة ٢٠٠، وابتدأ الطلب سنة ١٦ حتى برع في علم الحديث.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريري ألف حديث.

وقال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ. مات في جمادى الآخرة سنة ٢٩١»(٥) .

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٦٣ - ٦٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٧٠.

(٣). العبر حوادث ٣٧٠.

(٤). بغية الوعاة: ١ / ١٩.

(٥). طبقات الحفاظ ٢٩٠.

٢٧٤

وترجم له السيوطي أيضاً ترجمة حافلة ووصفه فيها بـ « الامام » وأورد كلمات العلماء في حقه وقال: « قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما ذا يكون حالي. فانصرفت من عنده فرأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في تلك الليلة فقال لي: إقرأ أبا العباس منّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل ».

قال السيوطي: « وذكره الداني في طبقات القراء »(١) .

وقال ابن خلكان: « كان إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث. فكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه...»(٢) .

وقال اليافعي: « وفي السنة المذكورة توفي الامام العلامة الأديب أبو العباس المشهور بثعلب صاحب التصانيف المفيدة، إنتهت اليه رئاسة الأدب في زمانه وكان ثقة صالحاً، مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة ...»(٣) .

وترجم له الحافظ الذهني، وذكر أنه سمع من عبيد الله القواريري وطائفة »(٤) .

وكذا ترجم له ابن الوردي في تاريخه(٥) .

وقال النووي بترجمته ما ملخصه:

« ثعلب مذكور في باب الوقف من المهذّب والوسيط، هو الامام المجمع على

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ - ٣٩٨.

(٢). وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ - ١٠٤.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

(٤). العبر - حوادث سنة ٢٩١.

(٥). تتمة المختصر - حوادث سنة ٢٩١.

٢٧٥

إمامته، وكثرة علومه وجلالته، إمام الكوفيين في عصره لغةً ونحواً، وثعلب لقب له. قال الامام أبو منصور الأزهري في خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن في زمن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين وأورعهما وأرواهما للّغات والغريب، وأوجزهما كلاماً وأقلّهما فضولاً »(١) .

أقول: فهذا رأي علماء أهل السنّة وأئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، فهل يليق بالرازي أن يستند إلى ترك هكذا شخص رواية حديث الغدير، ويستدل بذلك على عدم صحته؟

٥. اتصاف الجاحظ بالصفات الذميمة

والجاحظ - بالاضافة إلى ما تقدم - متصف بصفات ذميمة وأعمال قبيحة تسقطه عن درجة الاعتبار، ولا تدع مجالاً للتوقف في عدم جواز الاعتماد على كلامه في رواية أو قدحه في حديث:

فمن ذلك: أنه كان لا يصلي وقد ذكر ذلك في ترجمته من كتاب ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: أنه كان كذّاباً وقد تقدم ذلك أيضاً في ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: انه كان مختلفاً وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي.

بل ذكر جماعة من علمائهم وضعه - مع أبي العيناء - حديث فدك، وممن ذكر ذلك سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ) والسيوطي في ( تدريب الراوي ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ).

ومن ذلك: أنه كان كثير الهزل نص على ذلك ابن الوردي وغيره.

ومن ذلك: انه كان يستمع إلى الغناء ويجتمع بالمغنيات، وذكر ذلك ابن

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ / ٢٧٥.

٢٧٦

خلكان واليافعي في تاريخيهما.

٦. الآثار المترتبة على الاعتماد على الجاحظ

وأخيراً، فإن الاعتماد على الجاحظ في الروايات والأخبار، والدفاع عنه ونفي عداوته للإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام ، وتنزيهه عمّا نسب اليه، يؤدّي إلى وقوع أهل السنة في إشكال قوي يصعب بل يستحيل التخلّص منه

وبيان ذلك: انه قد ثبت أن الجاحظ كان يتبع شيخه إبراهيم النظّام في جميع أقو اله وآرائه وما كان يدين به وقد ثبت أيضاً أن النّظام كان يعتقد بإسقاط عمر بن الخطاب جنين فاطمة الزهراء -عليها‌السلام - وبغير ذلك من الأمور التي لا يرتضيها أهل السنة عامة كما جاء في ترجمته من كتاب ( الوافي بالوفيات ).

وقد صرح باقتفاء الجاحظ أثر النّظام في جميع مقالاته جماعة من الأعلام كاليافعي وابن الوردي وابن خلكان.

فلو جاز للفخر الرازي أن يستدل بترك الجاحظ رواية حديث الغدير - أو قدحه فيه - جاز للامامية الاستدلال بكلام شيخه النظّام في باب الطعن في عمر ابن الخطاب وخلافته

ولقد اعتمد ( الدهلوي ) تبعاً لابن حزم على كلام النظّام في الطعن في مؤمن الطاق -رحمه‌الله تعالى - وهكذا استشهد الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) بأشعار النظّام التي أنشدها في ذمّ أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - تلميذ أبي حنيفة - على قبره.

فإنْ قيل: ذمُّ النظام أبا يوسف القاضي غير مسموع، لذمّ العلماء النظّام وقدحههم فيه، كما في ( الأنساب ) و ( لسان الميزان ) و ( الوافي بالوفيات ) وغيرها

قلنا: إن هذا إنّما يتوجه فيما إذا لم يركن العلماء إلى أقواله، ولم يعتمد المحدّثون على مقالاته، ولم يبذلوا قصارى عهدهم في الدفاع عن تلميذه

٢٧٧

الجاحظ الأخذ بأقواله والمقتفي لآثاره، والناقل عنه وجوه المناقشة في فضائل مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

وإذا كان الجاحظ معتمداً عليه كما يدل عليه صنيع الرازي فقد ثبت ان الجاحظ قد انتقد أبا بكر وعمر على منعها ميراث فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وظلمهما لها وتعدّيهما عليها في كلام طويل له في الموضوع، ذكره الشريف المرتضى -رحمه‌الله - حيث قال:

« فإنْ قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة -عليها‌السلام - عن الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم ولم تنكر عليه؟ وفي رضائها وإمساكها دليل على صوابه.

قلنا: قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلّا في المواضع التي لا يكون له وجه سوى الرضا، وبيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بياناً شافياً.

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال، جواباً جيّد المعنى واللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.

قال: وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما - يعني أبا بكر وعمر - في منع الميراث وبراءة ساحتهما: ترك أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما.

ثم قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليلاً على صدق دعوتهم واستحسان مقالتهم، لا سيّما وقد طالت به المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدّت المواجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة حقها ومحتجة برهطها:

٢٧٨

من يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟

قال: أهلي وولدي.

قالت: فما بالنا لا نرث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فلمّا منعها ميراثها وبخسها حقّها واعتلّ عليها وحلج في أمرها، وعاينت التهضم وأيست من النزوع، ووجدت من الضعف وقلة الناصر، قالت:

و الله لأدعونَّ الله عليك.

قالت: والله لأدعونَّ الله لك.

قالت: والله لا أكلمّك أبداً.

قال: والله لا أهجرك أبداً.

فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها على الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجراً وتجور عادلاً وتقطع واصلاً، فاذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، أوجب علينا وعليكم.

وإنْ قالوا: كيف يظنّ بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها، وكلّما ازدادت فاطمة عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقة، حيث يقول: والله لا أهجرك أبداً ثم تقول: والله لأدعونَّ الله عليك، فيقول: والله لأدعونَّ الله لك!؟ ولو كان كذلك لم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة بحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنزيه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً ومتقرّباً بالكلام المعظّم لحقّها المكرّم لمقامها، والصائن لوجهها والمتحنّن عليها: ما أحد أعن به عليَّ منك فقراً، ولا أحب إليّ منك غنى، ولكني سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: إنا معشر الأنبياء لا نرث ولا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٧٩

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من العمد، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصب وحدب الوامق ومقة المحق.

وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمراً قال على منبره: « متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - متعة النّساء ومتعة الحج وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّئه في معناه، ولا تعجّب منه ولا استفهمه؟

وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السّقيفة وبعد ذلك: أنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: « الأئمّة من قريش » ثمّ قال في شكاته: ولو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك - حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الذين جعلهم شورى - وسالم عبد لامرأةٍ من الأنصار، وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين خبريه ولا تعجّب منه؟

وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة له ولا رهبة عنده، دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والاطلاق، فليس بحجّة نفي ولا دلالة ترضيّ.

قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ المنصوص، ولو كانا كما يقولون وما يصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدّة.

قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، إدّعيا رواية وتحدّثا بحديثٍ لم يكن مجال كذبه ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد له عليه من علمه مثل علمهما فيه، ولعلّ بعضهما كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه، مأموناً في

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585