موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252976 / تحميل: 6991
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

روى ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال : « وقد روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه »(١) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها إذاً لتفرّقوا عنّي ، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري »(٢) .

( أحمد محمّد ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :

س : إذا كانت صلاة التراويح بدعة ، فما هو اختلافها مع صلاة جعفر الطيّار؟

ج : لاشكّ أنّ كلا الصلاتين ـ صلاة التراويح وصلاة جعفر الطيّار ـ من الصلوات المستحبّة ، بمعنى ورد من الشارع المقدّس استحباب بإتيانهما ، كما ورد من الشارع المقدّس أنّ الصلوات المستحبّة لا تصلّى إلاّ فرادى ، ولو صلّيت جماعة تكون باطلة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

٢ ـ الكافي ٨ / ٥٩.

٢٠١

وعليه ، باعتبار أنّ صلاة التراويح عند أهل السنّة تصلّى جماعة لا فرادى ، فتكون باطلة وغير صحيحة.

وكما هو معلوم : أنّ صلاة التراويح ـ التي هي صلاة ألف ركعة تصلّى في ليالي شهر رمضان ـ إنّما صلّيت جماعة بعدما كانت تصلّى فرادى ، بأمر من عمر بن الخطّاب ، لا بأمر من الشارع المقدّس ، وعمر ليس له حقّ التشريع ، فصار إتيانها جماعة بدعة.

وقد اعترف عمر بنفسه بأنّها بدعة ، ولكن عبّر عن هذه البدعة بـ : « نعمت البدعة » ، بينما صلاة جعفر الطيّار ليست كذلك ، فإنّها تؤدّى فرادى لا جماعة.

٢٠٢

الصلاة عند القبور :

( إبراهيم ـ السعودية ـ )

ليست محرّمة :

س : هل تجوز الصلاة عند القبور؟ وشكراً.

ج : قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام ـ منذ عصر الصحابة الأوّلين ، والتابعين لهم بإحسان ـ على زيارة قبور ، ضمّنت في كنفها نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم ، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني ، فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنّة الجارية ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة ، فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور سيرة المسلمين.

وأمّا حديث ابن عبّاس : لعن رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج(١) ، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٩ ، سنن أبي داود ٢ / ٨٧ ، الجامع الكبير ١ / ٢٠١ ، سنن النسائي ٤ / ٩٥.

٢٠٣

على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر ، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر الله والدعاء والاستغفار ، بل يُصَلُّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أنّ اللعن غير دالٍّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً.

( ـ البحرين ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال : لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة ، أو فيها فضيلة ، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء ، بل اتفقوا كُلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور (١) .

ج : إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كُلّ مكان يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة ، والدعاء عند قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً ، ولا يشكّ في الجواز من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة ، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال : إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمن دفن فيها ، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم ، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين ، وليست الصلاة ـ في الحقيقة ـ إلاّ لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه ، كما أنّ الصلاة في

____________

١ ـ رسالة القبور ١ / ٢٨.

٢٠٤

المسجد هي لله أيضاً ، وإنّما تكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان ، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور من تشرّفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم الله مباركين ، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليلعليه‌السلام لها.

قال الله تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (١) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلاّ التبرّك بقيام إبراهيمعليه‌السلام عليه ، وهم يدعون الله عند القبور لشرفها بمن دفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها الله تعالى.

والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الولي ذي الجاه عند الله ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة الله فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه زاد المعاد بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : « وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة ، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه» (٢) .

____________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

٢ ـ زاد المعاد ١ / ٧٥.

٢٠٥

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار أفضل المرسلين الذي قال : « ما أوذي نبيّ قطّ كما أوذيت» لا تستحقّ أن يعبد الله فيها ، وتكون عبادة الله عندها ، والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دفن فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!

( ـ ـ )

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :

س : هناك أحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تنهى عن الصلاة عند القبور ، حيث ورد عنه : « قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (١) ، فأرجو الردّ.

ج : لا يخفى عليكم أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضامين هذا الحديث ، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا التي كانوا يصبّونها على أنبيائهم.

ويكفي في ذلك قوله تعالى :( لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (٢) .

وقوله تعالى :( قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) .

وقوله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) (٤) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٧.

٢ ـ آل عمران : ١٨١.

٣ ـ آل عمران : ١٨٣.

٤ ـ النساء : ١٥٥.

٢٠٦

أفتزعم أنّ أُمّة قتلت أنبياءها في مواطن مختلفة تتحوّل إلى أُمّة تشيّد المساجد على قبور أنبيائها تكريماً وتبجيلاً لهم؟ وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم ، فللحديث محتملات أُخرى غير الصلاة فيها والتبرّك بصاحب القبر ، وهي :

١ ـ اتخاذ القبور قبلة.

٢ ـ السجود على القبور تعظيماً لها ، بحيث يكون القبر مسجوداً عليه.

٣ ـ السجود لصاحب القبر بحيث يكون هو المسجود له ، فالقدر المتيقّن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرّكاً بها.

والشاهد على ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب بعض الروايات يصف هؤلاء بكونهم شرار الناس.

أخرج مسلم : إنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، أُولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة »(١) ، إنّ وصفهم بشرار الخلق يميط اللثام عن حقيقة عملهم ، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق إلاّ إذا كان مشركاً ـ وإن كان في الظاهر من أهل الكتاب ـ قال تعالى :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٢) .

وقال :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٣) ، وهذا يعرب عن أنّ عملهم لم يكن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه ، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور ، بل كان عملاً مقروناً بالشرك بألوانه ، وهذا كما في اتخاذ القبر مسجوداً له ، أو مسجوداً عليه ، أو قبلة يصلّي عليه.

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٦.

٢ ـ الأنفال : ٢٢.

٣ ـ الأنفال : ٥٥.

٢٠٧

قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها »(١) .

إنّ الصلاة عند قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) .

إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيمعليه‌السلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيمعليه‌السلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.

هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد »(٣) .

وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّرصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها »(٤) .

____________

١ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٠.

٢ ـ البقرة : ١٢٥.

٣ ـ فتح الباري ١ / ٤٣٨ ، فيض القدير ٥ / ٣٢٠.

٤ ـ حاشية السندي على النسائي ٢ / ٤١.

٢٠٨

الصوم :

( حسن ـ عمان ـ )

الإفطار في السفر واجب :

س : كيف يمكن الردّ على من يقول : أنّ الإفطار في السفر ليس واجباً بل هو اختياري ، وهو يعتمد على قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) ، أرجو أن يكون الردّ مفصّلاً.

ج : اتّفقت كلمة الفقهاء من الفريقين على مشروعية الإفطار في السفر تبعاً للذكر الحكيم ، والسنّة المتواترة ، إلاّ أنَّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة ، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية ـ تبعاً لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة ، واختاره من الصحابة : عبد الرحمن بن عوف ، وعمر وابنه عبد الله ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وشعبة ، والزهري ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ويونس ابن عبيد وأصحابه(٢) .

وذهب جمهور أهل السنّة ـ وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة ـ إلى كون الإفطار رخصة ، وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم.

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ أُنظر : المحلّى ٦ / ٢٥٨ ، المصنّف للصنعاني ٢ / ٥٦٧.

٢٠٩

ويدلّ على كون الإفطار في السفر عزيمة : الكتاب والسنّة ثمّ إجماع الإمامية والظاهرية ، أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله سبحانه :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) .

استثنى سبحانه صنفين : المريض والمسافر ، والفاء للتفريع ، والجملة متفرّعة على قوله :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وعلى قوله :( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) فنبّه بالاستثناء على أنّه لو عرض عارض ـ من مرض أو سفر ـ فهو يوجب ارتفاع حكم الصوم ، وقضاءه بعد شهر رمضان( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وعلى هذا المعنى فالآية بدلالتها المطابقية تفرض عليهما القضاء الذي هو يلازم عدم فرض الصيام عليهما ، وهذا يدلّ على أنّ الإفطار عزيمة ، إذ المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو القضاء.

هذا وتظافرت السنّة المتواترة الواردة من طرق الشيعة والسنّة على أنّ الإفطار في السفر عزيمة ، ونذكر من كُلّ من الفريقين حديثين للاختصار ، وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب البدعة للشيخ السبحاني :

١ ـ عن الزهري عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال : « وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ، فقال : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يُفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فإنّ الله تعالى يقول :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام »(٢) .

٢ ـ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « سمّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عُصاة ، وقال : هُم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا »(٣) .

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ١٧٤.

٣ ـ الكافي ٤ / ١٢٨ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٣٥ و ٢ / ١٤١ ، تهذيب الأحكام ٤ / ٢١٧.

٢١٠

وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :

١ ـ عن جابر بن عبد الله : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : «أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة »(١) .

وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.

٢ ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر »(٢) .

هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.

ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٣) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ ـ كما رواه البخاري ـ يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (٤) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٤١ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٠٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ٢٥٥ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٤٢٣.

٢ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٣٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٩١ ، كنز العمّال ٨ / ٥٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ١٩١.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ البقرة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٣٨.

٢١١

وثانياً : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن لا يكون قوله سبحانه :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ناسخاً لقوله :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ له ) كما رواه البخاري عن ابن أبي ليلى ، أنّه حدّثه أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل رمضان فشقّ عليهم ، فكان من أطعم كُلّ يوم مسكيناً ترك الصوم ممّن يطيقه ورخّص لهم في ذلك ، فنسختها :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فأمروا بالصوم(١) .

إذ على هذا التفسير لا صلة بالمنسوخ والناسخ بالمسافر ، بل كلاهما ناظران إلى الحاضر ، فقد كان من يطيقه تاركاً للصوم مقدّماً للفدية ، فنزل الوحي وأمرهم بالصوم ، فأيّ صلة له بالموضوع.

وثالثاً : مع غضّ النظر عمّا سبق من الأمرين ، وتسليم أنّ الآية ليس فيها نسخ ـ كما هو الحقّ ـ نقول : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) حضّ على الصيام ودعوة إلى تلك العبادة ، من غير نظر إلى المريض والمسافر والمطيق ، وإنّما هو خروج عن الآية بإعطاء بيان حكم كُلّي ، وهو أنّ الصيام خير للمؤمنين ، وليس عليهم أن يتخلّوا عنه لأجل تعبه ، ولأجل ذلك يقول :( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

قال العلاّمة الطباطبائي : « قوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة متمّمة لسابقتها ، والمعنى بحسب التقدير : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم ، فإنّ التطوّع بالخير خير ، والصوم خير لكم ، فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة ، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك ، فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر ، فيستحبّ عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

____________

١ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٣٩.

٢١٢

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، واختلاف الجملتين ، أعني قوله :( فَمَن كَانَ مِنكُم ) ، وقوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بالغيبة والخطاب ثانياً ، وأنّ الجملة الأُولى ليست مسوقة لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله :( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) تعيّن الصوم في أيّام أُخر كما مرّ ثالثاً.

وأنّ الجملة الأُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم يذكر الصوم والإفطار حتّى يكون قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بياناً لأحد طرفي التخيير ، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان ، وصوم عدّة من أيّام أُخر ، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره ، من مجرد قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من غير قرينة ظاهرة رابعاً.

وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام ـ كما مرّ سابقاً ـ مقام بيان ملاك التشريع ، وإنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن ، كما في قوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (٢) ، وقوله تعالى :( تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) ، والآيات من ذلك كثيرة »(٤) .

( محمّد ـ ـ ٢٤ سنة )

انغماس الرأس بالماء مبطل له :

س : المعروف أنّ من مبطلات الصوم هي : الأكل والشرب والجماع لا انغماس الرأس في الماء ، مع أنّي شاهدت أنّكم توجبون بالإضافة إلى بطلان الصوم القضاء والكفّارة.

____________

١ ـ البقرة : ٥٤.

٢ ـ الجمعة : ٩.

٣ ـ الصف : ١١.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢ / ١٤.

٢١٣

ج : من الأُمور الفقهية التي نختلف فيها مع أهل السنّة هي هذه المسألة ، حيث يرى أهل السنّة عدم بطلان الصوم بانغماس الرأس بالماء ، بينما يرى أكثر علماء الشيعة بأنّ انغماس الرأس بالماء موجب لبطلانه ، وإنّ كان عند عمد فيجب فيه بالإضافة إلى القضاء الكفّارة.

والدليل عليه روايات وردت عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء »(١) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام قال : « وأمّا حدود الصوم فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : الاغتماس في الماء وما يتّصل بها »(٢) .

( عبد الله ـ السعودية ـ )

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :

س : هل صحيح أنّ أكل جلد الحيوان أو أوراق الأشجار لا يفسد الصوم؟

ج : هذه شبهة طرحها الدهلوي في كتابه « التحفة الاثني عشرية »(٣) ، كباقي الشبهة التي يطرحها ضدّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن لو رجعنا إلى الرسائل العملية لمراجعنا العظام وكتبهم الفقهية نجد الحكم خلاف ذلك.

فقد أوردوا من المفطّرات للصوم الأكل والشرب المعتاد وغيره ، وهو حكم إجماعي للكتاب والسنّة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ٣١.

٢ ـ المصدر السابق ١٠ / ٣٢.

٣ ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية : ٢١٩.

٢١٤

صوم يوم عاشوراء :

( أبو نصر الله ـ ـ )

صومه في مصادر أهل السنّة :

س : أُريد أن أعرف الأحاديث عن صيام عاشوراء؟ وأنا أعلم بحرمته ، وإنّما أُريد الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة لإيضاح الصورة لهم.

الله يوفّقكم لخدمة مذهب آل محمّد الأطهارعليهم‌السلام .

ج : قال علقمة : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم(١) .

وإن الأحاديث الواردة في صوم يوم عاشوراء في الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة في غاية الاضطراب والتناقض ، ممّا يقوّي الظنّ بأنّ كُلّ هذه الأحاديث مختلقة من قبل أُجراء بني أُمية :

ففي بعضها : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ، ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً(٢) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢١٥

وفي بعضها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ملتفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيته من اليهود بموسى(١) .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وتشاهد في رواية مسلم وأبي داود أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فما علم بهصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفّي قبل حلول العام المقبل(٢) .

فلا يعقل أن يغفل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم المذكور ، فإنّ الأحاديث الأُخرى تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صام يوم عاشوراء من أوائل دخول المدينة.

وكذلك تجد التناقض بين حديث مسلم وأبي داود هذا ، وبين حديث مسلم وأبي داود الآخر عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم(٣) .

فالمتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة ، يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم فيما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه!!.

( أُمّ حسين ـ إمارات ـ )

صيامه من مبتدعات الأُمويين :

س : أودّ أن أكتب رسالة إلى إحدى الأخوات حيث أرسلت مجلّة إسلامية ، وذكرت مواضيع تمسّ بالعقيدة الشيعية ، وأُريد أن أردّ عليها بالتي هي

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٢٩ ، مجمع الزوائد ٣ / ١٨٤ ، فتح الباري ٤ / ٢١٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٤٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١ ، سنن أبي داود ١ / ٥٤٦.

٣ ـ نفس المصدرين السابقين.

٢١٦

أحسن ، مع بيان المواضيع التي ذكرتها بأسلوب مقنع ، وأتمنّى من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك.

بالنسبة للمواضيع التي أشارت إليها هي ثواب صيام عاشوراء ، وأنّه من أفضل الصوم بعد صيام شهر رمضان ، وذكرت مواضيع أُخرى تحت عنوان بدعة مثل : الطواف بالأضرحة ، بناء المساجد والقباب على القبور ورفعها ، إقامة الموالد للأنبياء والصالحين ، التوسّل بالنبيّ والصالحين ، التمسّح بقبر النبيّ.

ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : ما ذكرتيه من مطالب ، فنجيب عليها باختصار :

١ ـ أمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام نهوا عنه نهياً شديداً ، ولمّا سئل الإمام الرضاعليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء قال : «عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه‌السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمّد »(١) .

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث آخر عن صوم يوم عاشوراء : « كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام »(٢) .

فصيام يوم عاشوراء من مبتدعات الأُمويين ، أدخلوه في السنّة ووضعوا عليه أحاديث باطلة ، وفي مقام الاحتجاج يمكن أن يحتجّ عليهم بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علقمة ، حيث قال : « دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم »(٣) .

____________

١ ـ الكافي ٤ / ١٤٦ ، الاستبصار ٢ / ١٣٥.

٢ ـ الكافي ٤ / ١٤٧.

٣ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢١٧

٢ ـ البدعة ، وهي إدخال شيء ليس من الدين في الدين ، فعلينا أوّلاً أن نعرف ما هو الدين؟ ومن أين يُؤخذ؟ ثمّ نبحث عن الأُمور التي ليست من الدين ودخلت في الدين ، حيث روى جميع المسلمين متواتراً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فالدين ما كان في الكتاب وما روته العترة.

ولو قيل : بأنّ الحديث روي أيضاً بلفظ « كتاب الله وسنّتي » ، فالجواب : أنّه ضعيف ، هذا أوّلاً ، وثانياً أنّه حتّى لو قلنا بصحّته ، فإنّ معنى السنّة يعود إلى العترة وهذا هو معنى الجمع بين الحديثين ، حيث حديث العترة يفسّر حديث السنّة.

فهنا نسأل ونقول أوّلاً : من قال بأنّ هذه الأُمور ليست من السنّة حتّى تكون بدعة؟ ومن له أدنى معرفة بالأدلّة يعلم أنّ الكثير من المسائل التي لم ترد بخصوصها سنّة تشملها العمومات ، وإذا شملتها العمومات فستكون سنّة ، ولا تسمّى بدعة.

هذا ، وما ورد من ذكر هذه الأُمور ، فإنّه متّفق على العمل به بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولهم عليها أدلّتهم ، والمخالف في هذه الأُمور هم الوهّابيون ـ أتباع محمّد بن عبد الوهاب وابن تيمية ـ الذين خالفوا جميع المذاهب الإسلامية ، بل وحتّى كفّروا أتباع المذاهب الإسلامية.

ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل كُلّ موضوع وذكر الأدلّة عليه لطال بنا المقام ، ونكتفي بالإشارة إلى أنّها مسائل قبلتها المذاهب الإسلامية ، وخالفت فيه الوهّابية العمياء.

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

تحية طيّبة وبعد.

المعروف أنّ بني أُمية بعد اغتصابهم للخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ، قاموا بوضع أحاديث تسيء لأهل البيتعليهم‌السلام ، وتنال من شخصيّتهم ، وتزوير

٢١٨

مناسباتهم ، وما جاء في صيام عاشوراء هو أمر مستهجن لمن أنصف وتأمّل وفكّر.

وأذكر بعض الأحاديث التي تمسّك بها أهل السنّة على وجوب صيام العاشر من المحرّم.

عن عائشة : إنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثمّ أمر رسول الله بصيامه حتّى فرض رمضان ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (١) .

وعن الربيع : أرسل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : « مَن أصبح مفطراً فليتمّ بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم » (٢) .

وعن ابن عباس : قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : « ما هذا »؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، قال : « فأنا أحقّ بموسى منكم » ، فصامه وأمر بصيامه (٣) .

وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فصوموه أنتم » (٤) .

وعن ابن عباس : ما رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره ، إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان (٥) .

أقول : المستفاد من رواية عائشة : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء فصامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً ، ولكن المستفاد من خبر ابن عباس ،

____________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٤٢ ، صحيح مسلم ٣ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٥١.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٢١٩

وأبي موسى : أنّ النبيّ لم يكن متلفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيّته من اليهود بموسىعليه‌السلام .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وهذا مع الأسف حينما يؤخذ على علاّته يثير الاستغراب والعجب ، وهل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ دينه من اليهود؟ وهل أنّ النبيّ هو المشرّع؟ أم الله المشرّع؟ هذا فضلاً عن أنّ اليهود لا يصومون يوم عاشوراء ، ولم يسبق لهم أن صاموه.

وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد الله بن عباس ، وإليك نصّه : « حين صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله إنّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع » قال : فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) .

فترى الحديث يقول : أنّ النبيّ لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفّي قبل حلول العام المقبل ، وفي هذا الحديث أُمور أُخر ، منها : أنّ أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً إلى قبل سنة من موته لا أنّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وأنّ النبيّ لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر يقول : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم اليوم التاسع! وإليك نصّه : « عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم » (٢) .

وأقول : أيعقل أن يقلّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهود ، ويصوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه ، وهو اليوم الذي صامه اليهود حسب الادعاء ، بينما ينهانا عن اتباع سنن أهل الكتاب!

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585