موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة0%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

موسوعة الأسئلة العقائديّة

مؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة
تصنيف:

ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585
المشاهدات: 204208
تحميل: 4408


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204208 / تحميل: 4408
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء 4

مؤلف:
ISBN: 978-600-5213-04-1
العربية

روى ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال : « وقد روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه »(١) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها إذاً لتفرّقوا عنّي ، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري »(٢) .

( أحمد محمّد ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :

س : إذا كانت صلاة التراويح بدعة ، فما هو اختلافها مع صلاة جعفر الطيّار؟

ج : لاشكّ أنّ كلا الصلاتين ـ صلاة التراويح وصلاة جعفر الطيّار ـ من الصلوات المستحبّة ، بمعنى ورد من الشارع المقدّس استحباب بإتيانهما ، كما ورد من الشارع المقدّس أنّ الصلوات المستحبّة لا تصلّى إلاّ فرادى ، ولو صلّيت جماعة تكون باطلة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

٢ ـ الكافي ٨ / ٥٩.

٢٠١

وعليه ، باعتبار أنّ صلاة التراويح عند أهل السنّة تصلّى جماعة لا فرادى ، فتكون باطلة وغير صحيحة.

وكما هو معلوم : أنّ صلاة التراويح ـ التي هي صلاة ألف ركعة تصلّى في ليالي شهر رمضان ـ إنّما صلّيت جماعة بعدما كانت تصلّى فرادى ، بأمر من عمر بن الخطّاب ، لا بأمر من الشارع المقدّس ، وعمر ليس له حقّ التشريع ، فصار إتيانها جماعة بدعة.

وقد اعترف عمر بنفسه بأنّها بدعة ، ولكن عبّر عن هذه البدعة بـ : « نعمت البدعة » ، بينما صلاة جعفر الطيّار ليست كذلك ، فإنّها تؤدّى فرادى لا جماعة.

٢٠٢

الصلاة عند القبور :

( إبراهيم ـ السعودية ـ )

ليست محرّمة :

س : هل تجوز الصلاة عند القبور؟ وشكراً.

ج : قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام ـ منذ عصر الصحابة الأوّلين ، والتابعين لهم بإحسان ـ على زيارة قبور ، ضمّنت في كنفها نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم ، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني ، فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنّة الجارية ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة ، فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور سيرة المسلمين.

وأمّا حديث ابن عبّاس : لعن رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج(١) ، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٩ ، سنن أبي داود ٢ / ٨٧ ، الجامع الكبير ١ / ٢٠١ ، سنن النسائي ٤ / ٩٥.

٢٠٣

على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر ، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر الله والدعاء والاستغفار ، بل يُصَلُّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أنّ اللعن غير دالٍّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً.

( ـ البحرين ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال : لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة ، أو فيها فضيلة ، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء ، بل اتفقوا كُلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور (١) .

ج : إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كُلّ مكان يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة ، والدعاء عند قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً ، ولا يشكّ في الجواز من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة ، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال : إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمن دفن فيها ، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم ، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين ، وليست الصلاة ـ في الحقيقة ـ إلاّ لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه ، كما أنّ الصلاة في

____________

١ ـ رسالة القبور ١ / ٢٨.

٢٠٤

المسجد هي لله أيضاً ، وإنّما تكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان ، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور من تشرّفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم الله مباركين ، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليلعليه‌السلام لها.

قال الله تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (١) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلاّ التبرّك بقيام إبراهيمعليه‌السلام عليه ، وهم يدعون الله عند القبور لشرفها بمن دفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها الله تعالى.

والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الولي ذي الجاه عند الله ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة الله فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه زاد المعاد بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : « وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة ، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه» (٢) .

____________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

٢ ـ زاد المعاد ١ / ٧٥.

٢٠٥

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار أفضل المرسلين الذي قال : « ما أوذي نبيّ قطّ كما أوذيت» لا تستحقّ أن يعبد الله فيها ، وتكون عبادة الله عندها ، والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دفن فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!

( ـ ـ )

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :

س : هناك أحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تنهى عن الصلاة عند القبور ، حيث ورد عنه : « قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (١) ، فأرجو الردّ.

ج : لا يخفى عليكم أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضامين هذا الحديث ، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا التي كانوا يصبّونها على أنبيائهم.

ويكفي في ذلك قوله تعالى :( لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (٢) .

وقوله تعالى :( قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) .

وقوله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) (٤) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٧.

٢ ـ آل عمران : ١٨١.

٣ ـ آل عمران : ١٨٣.

٤ ـ النساء : ١٥٥.

٢٠٦

أفتزعم أنّ أُمّة قتلت أنبياءها في مواطن مختلفة تتحوّل إلى أُمّة تشيّد المساجد على قبور أنبيائها تكريماً وتبجيلاً لهم؟ وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم ، فللحديث محتملات أُخرى غير الصلاة فيها والتبرّك بصاحب القبر ، وهي :

١ ـ اتخاذ القبور قبلة.

٢ ـ السجود على القبور تعظيماً لها ، بحيث يكون القبر مسجوداً عليه.

٣ ـ السجود لصاحب القبر بحيث يكون هو المسجود له ، فالقدر المتيقّن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرّكاً بها.

والشاهد على ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب بعض الروايات يصف هؤلاء بكونهم شرار الناس.

أخرج مسلم : إنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، أُولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة »(١) ، إنّ وصفهم بشرار الخلق يميط اللثام عن حقيقة عملهم ، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق إلاّ إذا كان مشركاً ـ وإن كان في الظاهر من أهل الكتاب ـ قال تعالى :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٢) .

وقال :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٣) ، وهذا يعرب عن أنّ عملهم لم يكن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه ، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور ، بل كان عملاً مقروناً بالشرك بألوانه ، وهذا كما في اتخاذ القبر مسجوداً له ، أو مسجوداً عليه ، أو قبلة يصلّي عليه.

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٦.

٢ ـ الأنفال : ٢٢.

٣ ـ الأنفال : ٥٥.

٢٠٧

قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها »(١) .

إنّ الصلاة عند قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) .

إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيمعليه‌السلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيمعليه‌السلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.

هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد »(٣) .

وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّرصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها »(٤) .

____________

١ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٠.

٢ ـ البقرة : ١٢٥.

٣ ـ فتح الباري ١ / ٤٣٨ ، فيض القدير ٥ / ٣٢٠.

٤ ـ حاشية السندي على النسائي ٢ / ٤١.

٢٠٨

الصوم :

( حسن ـ عمان ـ )

الإفطار في السفر واجب :

س : كيف يمكن الردّ على من يقول : أنّ الإفطار في السفر ليس واجباً بل هو اختياري ، وهو يعتمد على قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) ، أرجو أن يكون الردّ مفصّلاً.

ج : اتّفقت كلمة الفقهاء من الفريقين على مشروعية الإفطار في السفر تبعاً للذكر الحكيم ، والسنّة المتواترة ، إلاّ أنَّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة ، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية ـ تبعاً لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة ، واختاره من الصحابة : عبد الرحمن بن عوف ، وعمر وابنه عبد الله ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وشعبة ، والزهري ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ويونس ابن عبيد وأصحابه(٢) .

وذهب جمهور أهل السنّة ـ وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة ـ إلى كون الإفطار رخصة ، وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم.

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ أُنظر : المحلّى ٦ / ٢٥٨ ، المصنّف للصنعاني ٢ / ٥٦٧.

٢٠٩

ويدلّ على كون الإفطار في السفر عزيمة : الكتاب والسنّة ثمّ إجماع الإمامية والظاهرية ، أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله سبحانه :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) .

استثنى سبحانه صنفين : المريض والمسافر ، والفاء للتفريع ، والجملة متفرّعة على قوله :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وعلى قوله :( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) فنبّه بالاستثناء على أنّه لو عرض عارض ـ من مرض أو سفر ـ فهو يوجب ارتفاع حكم الصوم ، وقضاءه بعد شهر رمضان( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وعلى هذا المعنى فالآية بدلالتها المطابقية تفرض عليهما القضاء الذي هو يلازم عدم فرض الصيام عليهما ، وهذا يدلّ على أنّ الإفطار عزيمة ، إذ المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو القضاء.

هذا وتظافرت السنّة المتواترة الواردة من طرق الشيعة والسنّة على أنّ الإفطار في السفر عزيمة ، ونذكر من كُلّ من الفريقين حديثين للاختصار ، وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب البدعة للشيخ السبحاني :

١ ـ عن الزهري عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال : « وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ، فقال : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يُفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فإنّ الله تعالى يقول :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام »(٢) .

٢ ـ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « سمّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عُصاة ، وقال : هُم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا »(٣) .

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ١٧٤.

٣ ـ الكافي ٤ / ١٢٨ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٣٥ و ٢ / ١٤١ ، تهذيب الأحكام ٤ / ٢١٧.

٢١٠

وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :

١ ـ عن جابر بن عبد الله : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : «أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة »(١) .

وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.

٢ ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر »(٢) .

هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.

ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٣) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ ـ كما رواه البخاري ـ يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (٤) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٤١ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٠٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ٢٥٥ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٤٢٣.

٢ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٣٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٩١ ، كنز العمّال ٨ / ٥٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ١٩١.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ البقرة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٣٨.

٢١١

وثانياً : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن لا يكون قوله سبحانه :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ناسخاً لقوله :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ له ) كما رواه البخاري عن ابن أبي ليلى ، أنّه حدّثه أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل رمضان فشقّ عليهم ، فكان من أطعم كُلّ يوم مسكيناً ترك الصوم ممّن يطيقه ورخّص لهم في ذلك ، فنسختها :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فأمروا بالصوم(١) .

إذ على هذا التفسير لا صلة بالمنسوخ والناسخ بالمسافر ، بل كلاهما ناظران إلى الحاضر ، فقد كان من يطيقه تاركاً للصوم مقدّماً للفدية ، فنزل الوحي وأمرهم بالصوم ، فأيّ صلة له بالموضوع.

وثالثاً : مع غضّ النظر عمّا سبق من الأمرين ، وتسليم أنّ الآية ليس فيها نسخ ـ كما هو الحقّ ـ نقول : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) حضّ على الصيام ودعوة إلى تلك العبادة ، من غير نظر إلى المريض والمسافر والمطيق ، وإنّما هو خروج عن الآية بإعطاء بيان حكم كُلّي ، وهو أنّ الصيام خير للمؤمنين ، وليس عليهم أن يتخلّوا عنه لأجل تعبه ، ولأجل ذلك يقول :( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

قال العلاّمة الطباطبائي : « قوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة متمّمة لسابقتها ، والمعنى بحسب التقدير : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم ، فإنّ التطوّع بالخير خير ، والصوم خير لكم ، فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة ، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك ، فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر ، فيستحبّ عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

____________

١ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٣٩.

٢١٢

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، واختلاف الجملتين ، أعني قوله :( فَمَن كَانَ مِنكُم ) ، وقوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بالغيبة والخطاب ثانياً ، وأنّ الجملة الأُولى ليست مسوقة لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله :( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) تعيّن الصوم في أيّام أُخر كما مرّ ثالثاً.

وأنّ الجملة الأُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم يذكر الصوم والإفطار حتّى يكون قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بياناً لأحد طرفي التخيير ، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان ، وصوم عدّة من أيّام أُخر ، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره ، من مجرد قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من غير قرينة ظاهرة رابعاً.

وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام ـ كما مرّ سابقاً ـ مقام بيان ملاك التشريع ، وإنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن ، كما في قوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (٢) ، وقوله تعالى :( تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) ، والآيات من ذلك كثيرة »(٤) .

( محمّد ـ ـ ٢٤ سنة )

انغماس الرأس بالماء مبطل له :

س : المعروف أنّ من مبطلات الصوم هي : الأكل والشرب والجماع لا انغماس الرأس في الماء ، مع أنّي شاهدت أنّكم توجبون بالإضافة إلى بطلان الصوم القضاء والكفّارة.

____________

١ ـ البقرة : ٥٤.

٢ ـ الجمعة : ٩.

٣ ـ الصف : ١١.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢ / ١٤.

٢١٣

ج : من الأُمور الفقهية التي نختلف فيها مع أهل السنّة هي هذه المسألة ، حيث يرى أهل السنّة عدم بطلان الصوم بانغماس الرأس بالماء ، بينما يرى أكثر علماء الشيعة بأنّ انغماس الرأس بالماء موجب لبطلانه ، وإنّ كان عند عمد فيجب فيه بالإضافة إلى القضاء الكفّارة.

والدليل عليه روايات وردت عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء »(١) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام قال : « وأمّا حدود الصوم فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : الاغتماس في الماء وما يتّصل بها »(٢) .

( عبد الله ـ السعودية ـ )

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :

س : هل صحيح أنّ أكل جلد الحيوان أو أوراق الأشجار لا يفسد الصوم؟

ج : هذه شبهة طرحها الدهلوي في كتابه « التحفة الاثني عشرية »(٣) ، كباقي الشبهة التي يطرحها ضدّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن لو رجعنا إلى الرسائل العملية لمراجعنا العظام وكتبهم الفقهية نجد الحكم خلاف ذلك.

فقد أوردوا من المفطّرات للصوم الأكل والشرب المعتاد وغيره ، وهو حكم إجماعي للكتاب والسنّة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ٣١.

٢ ـ المصدر السابق ١٠ / ٣٢.

٣ ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية : ٢١٩.

٢١٤

صوم يوم عاشوراء :

( أبو نصر الله ـ ـ )

صومه في مصادر أهل السنّة :

س : أُريد أن أعرف الأحاديث عن صيام عاشوراء؟ وأنا أعلم بحرمته ، وإنّما أُريد الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة لإيضاح الصورة لهم.

الله يوفّقكم لخدمة مذهب آل محمّد الأطهارعليهم‌السلام .

ج : قال علقمة : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم(١) .

وإن الأحاديث الواردة في صوم يوم عاشوراء في الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة في غاية الاضطراب والتناقض ، ممّا يقوّي الظنّ بأنّ كُلّ هذه الأحاديث مختلقة من قبل أُجراء بني أُمية :

ففي بعضها : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ، ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً(٢) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢١٥

وفي بعضها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ملتفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيته من اليهود بموسى(١) .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وتشاهد في رواية مسلم وأبي داود أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فما علم بهصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفّي قبل حلول العام المقبل(٢) .

فلا يعقل أن يغفل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم المذكور ، فإنّ الأحاديث الأُخرى تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صام يوم عاشوراء من أوائل دخول المدينة.

وكذلك تجد التناقض بين حديث مسلم وأبي داود هذا ، وبين حديث مسلم وأبي داود الآخر عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم(٣) .

فالمتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة ، يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم فيما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه!!.

( أُمّ حسين ـ إمارات ـ )

صيامه من مبتدعات الأُمويين :

س : أودّ أن أكتب رسالة إلى إحدى الأخوات حيث أرسلت مجلّة إسلامية ، وذكرت مواضيع تمسّ بالعقيدة الشيعية ، وأُريد أن أردّ عليها بالتي هي

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٢٩ ، مجمع الزوائد ٣ / ١٨٤ ، فتح الباري ٤ / ٢١٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٤٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١ ، سنن أبي داود ١ / ٥٤٦.

٣ ـ نفس المصدرين السابقين.

٢١٦

أحسن ، مع بيان المواضيع التي ذكرتها بأسلوب مقنع ، وأتمنّى من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك.

بالنسبة للمواضيع التي أشارت إليها هي ثواب صيام عاشوراء ، وأنّه من أفضل الصوم بعد صيام شهر رمضان ، وذكرت مواضيع أُخرى تحت عنوان بدعة مثل : الطواف بالأضرحة ، بناء المساجد والقباب على القبور ورفعها ، إقامة الموالد للأنبياء والصالحين ، التوسّل بالنبيّ والصالحين ، التمسّح بقبر النبيّ.

ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : ما ذكرتيه من مطالب ، فنجيب عليها باختصار :

١ ـ أمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام نهوا عنه نهياً شديداً ، ولمّا سئل الإمام الرضاعليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء قال : «عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه‌السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمّد »(١) .

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث آخر عن صوم يوم عاشوراء : « كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام »(٢) .

فصيام يوم عاشوراء من مبتدعات الأُمويين ، أدخلوه في السنّة ووضعوا عليه أحاديث باطلة ، وفي مقام الاحتجاج يمكن أن يحتجّ عليهم بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علقمة ، حيث قال : « دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم »(٣) .

____________

١ ـ الكافي ٤ / ١٤٦ ، الاستبصار ٢ / ١٣٥.

٢ ـ الكافي ٤ / ١٤٧.

٣ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢١٧

٢ ـ البدعة ، وهي إدخال شيء ليس من الدين في الدين ، فعلينا أوّلاً أن نعرف ما هو الدين؟ ومن أين يُؤخذ؟ ثمّ نبحث عن الأُمور التي ليست من الدين ودخلت في الدين ، حيث روى جميع المسلمين متواتراً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فالدين ما كان في الكتاب وما روته العترة.

ولو قيل : بأنّ الحديث روي أيضاً بلفظ « كتاب الله وسنّتي » ، فالجواب : أنّه ضعيف ، هذا أوّلاً ، وثانياً أنّه حتّى لو قلنا بصحّته ، فإنّ معنى السنّة يعود إلى العترة وهذا هو معنى الجمع بين الحديثين ، حيث حديث العترة يفسّر حديث السنّة.

فهنا نسأل ونقول أوّلاً : من قال بأنّ هذه الأُمور ليست من السنّة حتّى تكون بدعة؟ ومن له أدنى معرفة بالأدلّة يعلم أنّ الكثير من المسائل التي لم ترد بخصوصها سنّة تشملها العمومات ، وإذا شملتها العمومات فستكون سنّة ، ولا تسمّى بدعة.

هذا ، وما ورد من ذكر هذه الأُمور ، فإنّه متّفق على العمل به بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولهم عليها أدلّتهم ، والمخالف في هذه الأُمور هم الوهّابيون ـ أتباع محمّد بن عبد الوهاب وابن تيمية ـ الذين خالفوا جميع المذاهب الإسلامية ، بل وحتّى كفّروا أتباع المذاهب الإسلامية.

ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل كُلّ موضوع وذكر الأدلّة عليه لطال بنا المقام ، ونكتفي بالإشارة إلى أنّها مسائل قبلتها المذاهب الإسلامية ، وخالفت فيه الوهّابية العمياء.

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

تحية طيّبة وبعد.

المعروف أنّ بني أُمية بعد اغتصابهم للخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ، قاموا بوضع أحاديث تسيء لأهل البيتعليهم‌السلام ، وتنال من شخصيّتهم ، وتزوير

٢١٨

مناسباتهم ، وما جاء في صيام عاشوراء هو أمر مستهجن لمن أنصف وتأمّل وفكّر.

وأذكر بعض الأحاديث التي تمسّك بها أهل السنّة على وجوب صيام العاشر من المحرّم.

عن عائشة : إنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثمّ أمر رسول الله بصيامه حتّى فرض رمضان ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (١) .

وعن الربيع : أرسل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : « مَن أصبح مفطراً فليتمّ بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم » (٢) .

وعن ابن عباس : قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : « ما هذا »؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، قال : « فأنا أحقّ بموسى منكم » ، فصامه وأمر بصيامه (٣) .

وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فصوموه أنتم » (٤) .

وعن ابن عباس : ما رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره ، إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان (٥) .

أقول : المستفاد من رواية عائشة : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء فصامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً ، ولكن المستفاد من خبر ابن عباس ،

____________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٤٢ ، صحيح مسلم ٣ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٥١.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٢١٩

وأبي موسى : أنّ النبيّ لم يكن متلفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيّته من اليهود بموسىعليه‌السلام .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وهذا مع الأسف حينما يؤخذ على علاّته يثير الاستغراب والعجب ، وهل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ دينه من اليهود؟ وهل أنّ النبيّ هو المشرّع؟ أم الله المشرّع؟ هذا فضلاً عن أنّ اليهود لا يصومون يوم عاشوراء ، ولم يسبق لهم أن صاموه.

وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد الله بن عباس ، وإليك نصّه : « حين صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله إنّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع » قال : فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) .

فترى الحديث يقول : أنّ النبيّ لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفّي قبل حلول العام المقبل ، وفي هذا الحديث أُمور أُخر ، منها : أنّ أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً إلى قبل سنة من موته لا أنّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وأنّ النبيّ لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر يقول : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم اليوم التاسع! وإليك نصّه : « عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم » (٢) .

وأقول : أيعقل أن يقلّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهود ، ويصوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه ، وهو اليوم الذي صامه اليهود حسب الادعاء ، بينما ينهانا عن اتباع سنن أهل الكتاب!

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٢٠