موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة13%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253124 / تحميل: 6995
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والجواب عن تشبّث الرّازي بترك الجاحظ رواية حديث الغدير من وجوه:

١. الجاحظ من النواصب

إن الجاحظ يعدّ من كبار النواصب لأمير المؤمنين -عليه‌السلام - ومن أنصار المروانية أعداء الامام، حتى أنه ألّف لهم كتاباً في تأييد مذهبهم شحنه كذباً وافتراءً على علي -عليه‌السلام -، وملأه تنقيصاً وتشكيكاً في فضائله ومناقبه وخصائصه، ومواقفه التي لم يشركه فيها أحد من المسلمين، في الدفاع عن الإسلام ونبي الاسلام محمد -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

قال ( الدهلوي ): « الجاحظ معتزلي وناصبي معاً، وله كتاب ذكر فيه نقائص أمير المؤمنين، وأكثر رواياته هي عن إبراهيم النظام »(١) .

ثم إن ( الدهلوي ) صرح في باب الامامة من كتابه بأن الطعن في أمير المؤمنين -عليه‌السلام - كفر.

هذا، وقد نص على تأليف الجاحظ الكتاب المشار اليه ابن تيمية الحراني حيث قال بعد كلام له حول مراتب الصحابة:

___________________

(١). حاشية التحفة الاثنا عشرية - مبحث الدلائل العقلية على إمامة أمير المؤمنين.

٢٦١

« فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح، ممن أسلم بعد الحديبية، وعلم تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلم أن البدريين أفضل من غير البدريين، وأن علياً أفضل من جماهير هؤلاء، لم يقدّم عليه أحداً غير الثلاثة، فكيف ينسب إلى أهل السنة تسويته بمعاوية أو تقديم معاوية عليه؟

نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالذين قاتلوا معه وأتباعهم، يقولون إنه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنفات مثل كتاب المروانية الذي صنفه الجاحظ »(١) .

وقال ابن تيمية في موضع آخر من كتابه:

« والمروانية الذين قاتلوا علياً وإنْ كانوا لا يكفّرونه، فحجتهم أقوى من حجّة هؤلاء الرافضة، وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن للزيدية نقضه، دع الرافضة »(٢) .

فهذا هو حال الجاحظ الذي يتمسك الرازي بتركه رواية حديث الغدير.

٢. أضاليل الجاحظ وردود المفيد عليه

واعلم أن الجاحظ قد أورد في كتابه المذكور عن إبراهيم النظام مطاعن أمير المؤمنين -عليه‌السلام - والعياذ بالله -. وقد أجاب عن تلك المزاعم شيخ الامامية الشيخ المفيد - رحمة الله عليه - في كتابه ( العيون والمحاسن ) الذي اختصره تلميذه الشّريف المرتضى علم الهدى -رحمه‌الله - في كتابٍ أسماه بـ ( الفصول المختارة من

___________________

(١). منهاج السنة ٢ / ٢٠٧.

(٢). المصدر نفسه ٤ / ٧٠.

٢٦٢

العيون والمحاسن )، وقد اعتمد ( الدهلوي ) على تلك الأجوبة فأوردها في ( التحفة ) في الجواب عن الدليل السادس من الأدلة العقلية على إمامة أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نقلاً عن النواصب.

ترجمة الشيخ المفيد

والشيخ المفيد من كبار أئمّة الإِمامية، وقد ترجم له علماء أهل السنة:

١ - الحافظ الذهبي: « والشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان البغدادي الكرخي، ويعرف أيضاً بابن المعلّم، عالم الشيعة وإمام الرّافضة وصاحب التصانيف الكثيرة.

قال ابن أبي طي في تاريخ الامامية: هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام والفقه والجدل، يناظر أهل كلّ عقيدة، مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية، قال: وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقال غيره: كان عضد الدّولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر، عاش ستاً وسبعين سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة، وأراح الله منه، وكان موته في رمضان »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة، شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضاً، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية. قال ابن أبي طي »(٢) .

___________________

(١). العبر - حوادث سنة ٤١٣.

(٢). مرآة الجنان - حوادث سنة ٤١٣.

٢٦٣

٣ - الحافظ ابن حجر: « محمد بن محمد بن النعمان، الشيخ المفيد، عالم الرافضة أبو عبد الله ابن المعلم صاحب التصانيف البدعية وهي مائتا تصنيف، طعن فيها على السلف، له صولة عظيمة بسبب عضد الدولة، شيّعه ثمانون ألف رافضي مات سنة ٤١٣.

قال الخطيب: صنّف كتباً كثيرة في ضلالهم والذب عن اعتقادهم والطعن على الصحابة والتابعين وأئمّة المجتهدين، وهلك بها خلق، إلى أن أراح الله منه في شهر رمضان.

قلت: وكان كثير التقشف والتخشع والاكباب على العلم، تخرّج به جماعة وبرع في أفعاله الامامية حتى كان يقال: له على كل إمامي منة، وكان أبوه مقيماً بواسط وولد المفيد بها وقيل: بعكبرا. ويقال: إن عضد الدولة كان يزوره في داره ويعوده إذا مرض.

وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج بنت المفيد -: ما كان المفيد ينام من الليل إلّا هجعة، ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرّس أو يتلو القرآن »(١) .

ردود الاسكافي على الجاحظ

كما أورد ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة ) طرفاً من تشكيكات الجاحظ في فضائل الامام -عليه‌السلام - ومناقبه وخصائصه التي انفرد بها من بين الصحابة، ككونه أول من أسلم، ومبيته على فراش النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وشجاعته ومواقفه في الغزوات، وغير ذلك، ونقل ردود شيخه أبي جعفر الاسكافي المعتزلي على أضاليله وأباطيله في كتابه ( نقض العثمانية ) فمن أراد الوقوف عليها فليراجع.

___________________

(١). لسان الميزان ٥ / ٣٦٨.

٢٦٤

ترجمة أبي جعفر الاسكافي

وقد ترجم لأبي جعفر الاسكافي - صاحب الرد على الجاحظ -:

١ - السمعاني: « أبو جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي، أحد المتكلمين من معتزلة البغداديين، له تصانيف معروفة، وكان الحسين بن علي الكرابيسي يتكلّم معه ويناظره. وبلغني أنه مات في سنة أربعين ومائتين »(١) .

٢ - ياقوت الحموي: « محمد بن عبد الله أبو جعفر الاسكافي، عداده في أهل بغداد، أحد المتكلّمين من المعتزلة، له تصانيف، وكان يناظر الحسين بن علي الكرابيسي ويتكلّم معه. مات في سنة أربع ومائتين »(٢) .

٣ - قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي * وهو صاحب كتاب ( المغني ) ترجم له الأسنوي في طبقاته، فقال: القاضي أبو الحسن عبد الجبار الاسترآبادي، إمام المعتزلة، كان مقلّدا للشافعي في الفروع، وعلى رأس المعتزلة في الأصول، وله في ذلك التصانيف المشهورة، تولى قضاء القضاة بالري، ورد بغداد حاجّاً وحدّث بها عن جماعة كثيرين، توفي في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة، ذكره ابن الصلاح * إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه:

« أبو جعفر الاسكافي، فهو شيخنا محمد بن عبد الله الاسكافي، عدّه قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة، مع عباد بن سليمان الصيمري ومع زرقان ومع عيسى بن الهيثم الصوفي، وجعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن، ثم أبا عثمان الجاحظ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المرداد، ثم أبا عمران يونس بن عمران، ثم محمد بن شبيب، ثم محمد بن إسماعيل العسكري، ثم عبد الكريم بن روح العسكري، ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحّام، ثم

___________________

(١). الأنساب - الاسكافي.

(٢). معجم البلدان ١ / ١٨١.

٢٦٥

أبا الحسين الصالح، ثم صالح قبة، ثم الجعفران جعفر بن جرير وجعفر بن ميسر، ثم أبا عمران بن النقاش، ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي، ثم عباد ابن سليمان ثم أبا جعفر الاسكافي هذا.

وقال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً، وصنّف سبعين كتاباً في علم الكلام وهو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته، ودخل الجاحظ سوق الورّاقين ببغداد، فقال: من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرّض لنقض كتابي - وأبو جعفر جالس -؟ فاختفى منه حتى لم يره، وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد يبالغ في ذلك، وكان علويّ الرأي، محققاً منصفاً، قليل العصبية ».

٣. قال الخطابي: الجاحظ ملحد

ولهذه الأمور وغيرها صرّح الحافظ الخطابي بأن الجاحظ رجل ملحد وهل يستند الى ترك رواية هذا الرجل حديث الغدير للطعن فيه؟

إنّه لا قيمة لكلام هكذا شخص ولا وزن له في معرفة الأحاديث النبوية الشريفة مطلقا

أما كلام الخطابي فقد أورده الشيخ محمد طاهر الكجراتي * المتوفى سنة ٩٨٦، ترجمه الشيخ العيدروس في ( النور السافر عن أخبار القرن العاشر ) في حوادث السنة المذكورة بقوله: « استشهد الرّجل الصّالح العلامة جمال الدين محمد طاهر الملقب بملك المحدثين الهندي – رحمه ‌الله آمين - على يدي المبتدعة من فرقتي الرافضة السّبابة والمهدوية القتّالة وهو الذي أشار إليه النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالمزية في الرؤيا التي رآها الشيخ علي المتقي السابقة، وناهيك بها من منقبة علية، وكان على قدم من الصلاح والورع والتبحّر في العلم، كانت ولادته سنة ٩١٣، وحفظ القرآن وهو لم يبلغ الحنث، وجدّ في العلم ومكث كذلك نحو خمسة عشر سنة، وبرع في فنونٍ عديدة وفاق الأقران، حتى لم يعلم أن أحداً من

٢٦٦

علماء كجرات بلغ مبلغه في فن الحديث. كذا قال بعض مشايخنا. وله تصانيف نافعة » * في كتابه ( تذكرة الموضوعات ) حيث قال:

« في المقاصد: « اختلاف أمتي رحمة » للبيهقي، عن الضحاك، عن ابن عباس، رفعه في حديث طويل بلفظ: واختلاف أصحابي لكم رحمة، وكذا الطبراني والديلمي والضحاك عن ابن عباس منقطع، وقال العراقي: مرسل ضعيف، وقال شيخنا: إن هذا الحديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في القياس، وكثر السؤال عنه، فزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له. لكن ذكره الخطابي وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان، أحدهما ما جن والآخر ملحد، وهما: إسحاق الموصلي والجاحظ، وقالا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا، ثم رد الخطابي عليهما »(١) .

و قد نقله الشيخ نصر الله الكابلي أيضاً، حيث قال في ( صواعقه ):

« الثامن - ما رواه البيهقي في المدخل، عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - انه قال -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -: إختلاف أمتى رحمة. قال شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر العسقلاني: هو حديث مشهور على الألسنة. وقال الخطابي في غريب الحديث: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ما جن والآخر ملحد وهما: إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعاً: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً ».

وفي شرح حديث القرطاس من شرح مسلم للنووي عن الخطابي في الجاحظ إنه « مغموص عليه في دينه ».

ترجمة الخطابي

وقد ذكر الخطابي مترجموه بكل إطراء وثناء، فقد ترجم له:

___________________

(١). تذكرة الموضوعات / ٩٠ - ٩١.

٢٦٧

١ - السمعاني: « أبو سليمان أحمد(١) بن محمد بن ابراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، إمام فاضل، كبير الشأن، جليل القدر، صاحب التصانيف الحسنة مثل: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، ومعالم السنن في شرح الأحاديث التي في السنن، وكتاب غريب الحديث، والعزلة، وغيرها. سمع أبا سعيد ابن الأعرابي بمكة، وأبا بكر محمد بن بكر بن داسة التمّار بالبصرة وإسماعيل ابن محمد الصفار ببغداد، وغيرهم. وروى عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي، وجماعة كثيرة.

وذكره الحاكم أبو عبد الله في التاريخ فقال: الفقيه الأديب البستي أبو سليمان الخطابي، أقام عندنا بنيسابور سنين، وحدّث بها وكثرت الفوائد من علومه، وتوفي في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ببست »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « كان فقيهاً، أديباً محدثاً، له التصانيف البديعة وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً »(٣) .

٣ - الذهبي ، ووصفه بـ « الفقيه الأديب » وقال: « كان علامة محققاً »(٤) .

٤ - اليافعي ، ووصفه بـ « الامام الكبير والحبر الشهير » قال: « كان فقيهاً أديباً، محدثاً »(٥) .

٥ - الصفدي ، وذكر عن السمعاني قوله: « كان الخطابي حجة صدوقاً » وعن الثعالبي: « كان يشبّه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام »(٦) .

___________________

(١). في بعض المصادر اسمه: حمد.

(٢). الأنساب - الخطابي.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٤٥٣.

(٤). العبر - حوادث سنة ٣٨٨.

(٥). مرآة الجنان - حوادث سنة ٣٨٨.

(٦). الوافي بالوفيات ٧ / ٣١٧.

٢٦٨

٦ - الأسنوي: « كان فقيهاً، رأساً في علم العربية والأدب وغير ذلك »(١) .

٧ - ابن قاضي شهبة الأسدي، وأضاف: « ومحلّه من العلم مطلقا ومن اللّغة خصوصاً، الغاية العليا »(٢) .

٨ - السيوطي: « الخطابي الامام العلامة المفيد المحدث الرحّال وكان ثقة ثبتاً [ متثبتاً ] من أوعية العلم »(٣) .

٩ - محمد بن محمد السنهوري الشافعي، وصفه بـ « العلامة الحافظ »(٤) .

١٠ - عبد الحق الدهلوي: « المشار إليه في عصره والعلامة فريد دهره في الفقه والحديث والأدب ومعرفة الغريب، له التصانيف المشهورة والتأليفات العجيبة »(٥) .

١١ - ( الدهلوي )، ذكر النووي البغوي والخطابي وقال: « إنّهم من علماء الشافعية وهم معتمدون جدّاً، وكلامهم متين مضبوط »(٦) .

١٢ - الفخر الرازي، حيث مدحه وأطراه بقوله: « والمتأخرون من المحدثين فأكثرهم علماً وأقواهم قوة وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء وهم:

أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبد الله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الاصفهاني، والحافظ أبو بكر البيهقي، والامام أبو بكر عبد الله بن محمد بن زكريا الجوزقي صاحب كتاب المتفق، والامام الخطيب صاحب تاريخ بغداد. والامام أبو سليمان الخطابي الذي كان بحراً في علم الحديث واللغة، وقيل في وصفه: جعل الحديث لأبي سليمان كما جعل الحديد لأبي سليمان، يعنون داود النبي

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٦٧.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ١٥٩.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤٠٣.

(٤). التعليق على فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي - مخطوط.

(٥). رجال المشكاة لعبد الحق الدهلوي: ٣٨٤.

(٦). أصول الحديث: ٢٣.

٢٦٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حيث قال تعالى فيه: وألنّا له الحديد.

فهؤلاء العلماء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متفقون على تعظيم الشافعي»(١) .

هذا، وقد اعتمد عليه نصر الله الكابلي في ( صواقعه ) في الجواب عن منع عمر المغالاة في المهر، واصفاً إيّاه بـ « الحافظ ». وكذا ( الدهلوي ) في ( التحفة ) في الجواب عن القضية المذكورة، وحيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( منتهى الكلام )(٢) .

٤. آراء العلماء في الجاحظ

ومن المناسب أن نورد هنا طرفاً من كلمات أئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، الصريحة في سقوط الرجل عن درجة الاعتبار، وفي عدم وثوقهم به:

١ - الحافظ الذهبي: « عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً »(٣) .

٢ - الذهبي أيضاً: « عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل. قال ثعلب: ليس ثقة ولا مأموناً. قلت: وكان من أئمّة البدع »(٤) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الجاحظ العلّامة المتبحر، ذو الفنون، ابو عثمان عمرو ابن بحر بن محبوب البصري المعتزلي، صاحب التصانيف، أخذ عن النظام وروى

___________________

(١). فضائل الشافعي للفخر الرازي: ٦٥.

(٢). وله ترجمة أيضاً في يتيمة الدهر ٤ / ٣٣٤، إنباه الرواة ١ / ١٢٥، معجم الأدباء ٤ / ٢٤٦، شذرات الذهب ٣ / ١٢٧ تذكرة الحفاظ ١٠١٨ المنتظم حوادث ٣٨٨، تاريخ ابن كثير والنجوم الزاهرة في حوادث السنة المذكورة.

(٣). المغني في الضعفاء ٢ / ٤٧١.

(٤). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٤٧.

٢٧٠

عن أبي يوسف القاضي وثمامة بن أشرس. روى عنه أبو العيناء، ويموت بن المزرع ابن أخته. وكان أحد الأذكياء.

قال ثعلب: ما هو بثقة، وقال: قال يموت: كان جدّه جمالاً أسود. وعن الجاحظ: نسيت نسبي ثلاثة أيام حتى عرفني أهلي.

قلت: كان ماجناً قليل الدين، له نوادر

قلت: يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق.

قال اسماعيل بن الصفار: أنا أبو العيناء، قال: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك، فادخلناه على الشيوخ ببغداد، فقبلوه إلّا ابن شيبة العلوي، فإنّه قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله.

أخبرنا أحمد بن سلامة كتابة، عن أحمد بن طارق، أنبأنا السلفي، أنبأ المبارك بن الطيوري، أنبأ محمد بن علي الصوري إملاء، أنبأ خلف بن محمد الحافظ بصور، أنبأ أبو سليمان بن زبر، ثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أتيت الجاحظ فاستأذنت عليه فاطلع عليَّ من كوّةٍ في داره، فقال: من أنت؟ فقلت رجل من أصحاب الحديث، فقال: أو ما علمت أني لا أقول بالحشوية! فقلت إني ابن أبي داود. فقال: مرحباً بك وأبيك، أدخل. فلما دخلت قال لي: ما تريد؟ فقلت تحدثني بحديثٍ واحد. فقال: أكتب: أنبأ حجاج بن المنهال أنبأ حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - صلى على طنفسة فقلت: زدني حديثاً آخر، فقال: ما ينبغي لابن أبي داود أن يكذب.

قلت: كفانا الجاحظ المئونة، فما روى في الحديث إلّا النزر اليسير، ولا هو بمتّهم في الحديث، بلى في النفس من حكاياته ولهجته، فربما جازف، وتلطخه بغير بدعة أمر واضح، ولكنه أخباري علامة صاحب فنون وأدب باهر، وذكاء بين. عفا الله تعالى عنه »(١) .

___________________

(١). سير أعلام النبلاء ١١ / ٥٢٦.

٢٧١

٤ - وقال ابن حجر العسقلاني بترجمته ما ملخصه:

« عمرو بن بحر الجاحظ صاحب التصانيف، روى عنه أبو بكر بن أبي داود فيما قيل: قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. قلت: وكان من أئمّة البدع.

قلت: وروى الجاحظ عن حجاج الأعور وأبي يوسف القاضي وخلق كثير وروايته عنهم في أثناء كتابه في الحيوان.

وحكى ابن خزيمة أنه دخل عليه هو وإبراهيم بن محمود. وذكر قصة.

وحكى الخطيب بسند له: أنه كان لا يصلّي.

وقال الصولي: مات سنة خمسين ومائتين.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: سمعت أبا العيناء، يقول: أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك.

وقال الخطابي: هو مغموص في دينه.

وذكر أبو الفرج الاصبهاني أنه كان يرمى بالزندقة، وأنشد في ذلك أشعاراً.

وقد وقفت على رواية ابن أبي داود عنه، ذكرتها في غير الموضع، وهو في الطيوريات.

قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: ثم نصير إلى الجاحظ وهو أحسنهم للحجة استنارة، وأشدّهم تلطّفاً، لتعظيم الصغير حتى يعظم وتصغير العظيم حتى يصغر، ويكمل الشيء وينقصه، فتجده مرة يحتج للعثمانية على الرافضة، ومرة للزندقة على أهل السنة، ومرة يفضّل عليا ومرة يؤخّره، ويقول: قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - كذا، ويتبعه أقوال المجان، ويذكر في الفواحش ما يجل رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أن يذكر في كتاب ذكر أحد منهم فيه، فكيف في ورقة أو بعد سطر أو سطرين؟ ويعمل كتابا يذكر حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرد عليهم تجوز الحجة، فكأنّه إنما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون وتشكيك الضعفة، ويستهزء بالحديث إستهزاءً لا يخفى على أهل العلم، وذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض فسوّده المشركون، قال: وقد كان يجب

٢٧٢

أن يبيّضه المسلمون حين استلموه، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب، وهو مع هذا أكذب الأمة، وأوضعهم للحديث، وأنصرهم للباطل.

وقال النديم: قال المبرد: ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة: الجاحظ وإسماعيل القاضي والفتح بن خاقان.

وقال النديم - لما حكى قول الجاحظ لما قرأ المأمون كتبي، قال هي كتب لا يحتاج إلى تحضير صاحبها -: إن الجاحظ حسّن هذا اللفظ تعظيماً لنفسه وتفخيماً لتآليفه. وإلّا فالمأمون لا يقول ذلك.

وقال ابن حزم في الملل والنحل: كان أحد المجّان الضلّال، غلب عليه قول الهزل، ومع ذلك فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإنْ كان كثير الإِيراد لكذب غيره.

وقال أبو منصور الأزهري في مقدّمة تهذيب اللّغة: وممّن تكلّم في اللغات بما حصده لسانه وروى عن الثقات ما ليس من كلامهم الجاحظ. وكان أوتي بسطة في القول، وبياناً عذباً في الخطب ومجالاً في الفنون، غير أنّ أهل العلم ذمّوه، وعن الصدوق دفعوه.

وقال ثعلب: كان كذّاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس »(١) .

ترجمة أبي منصور الأزهري

والأزهري - الذي قال عن الجاحظ ما نقله الحافظ ابن حجر - هو: محمد ابن أحمد اللغوي من كبار علماء أهل السنة وأئمّتهم:

ترجم له ابن خلكان وقال: « الامام المشهور في اللغة، كان فقيهاً شافعي المذهب، غلبت عليه اللّغة فاشتهر بها، وكان متفقاً على فضله وثقته ودرايته وورعه »(٢) .

___________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٣٥٥.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٤٥٨.

٢٧٣

وقال السبكي: « وكان إماماً في اللغة، بصيراً بالفقه، عارفاً بالمذهب، عالي الاسناد، كثير الورع، كثير العبادة والمراقبة، شديد الإِنتصار لألفاظ الشافعي متحرّياً في دينه »(١) .

وقال اليافعي: « وفيها الامام العلّامة اللغوي الشافعي »(٢) .

وذكره الذهبي في حوادث السنة المذكورة(٣) .

وقال السيوطي: « وكان عارفاً عالماً بالحديث، عالي الاسناد، كثير الورع »(٤) .

ترجمة ثعلب

واما ثعلب - الذي قال عن الجاحظ: « ليس ثقة ولا مأموناً » وقال: « كان كذاباً على الله وعلى رسوله وعلى الناس » - فهو أيضاً من كبار المحدّثين، ومن أساطين الفقه والأدب واللغة

قال السيوطي: « ثعلب الامام المحدث، شيخ اللغة والعربية أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني مولاهم البغدادي، المقدّم في نحو الكوفيين. ولد سنة ٢٠٠، وابتدأ الطلب سنة ١٦ حتى برع في علم الحديث.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريري ألف حديث.

وقال الخطيب: كان ثقة ثبتاً حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ. مات في جمادى الآخرة سنة ٢٩١»(٥) .

___________________

(١). طبقات الشافعية ٣ / ٦٣ - ٦٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٧٠.

(٣). العبر حوادث ٣٧٠.

(٤). بغية الوعاة: ١ / ١٩.

(٥). طبقات الحفاظ ٢٩٠.

٢٧٤

وترجم له السيوطي أيضاً ترجمة حافلة ووصفه فيها بـ « الامام » وأورد كلمات العلماء في حقه وقال: « قال أبو بكر بن مجاهد: قال لي ثعلب: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واصحاب الحديث بالحديث ففازوا، وأصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما ذا يكون حالي. فانصرفت من عنده فرأيت النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - في تلك الليلة فقال لي: إقرأ أبا العباس منّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل ».

قال السيوطي: « وذكره الداني في طبقات القراء »(١) .

وقال ابن خلكان: « كان إمام الكوفيين في النحو واللغة وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث. فكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه...»(٢) .

وقال اليافعي: « وفي السنة المذكورة توفي الامام العلامة الأديب أبو العباس المشهور بثعلب صاحب التصانيف المفيدة، إنتهت اليه رئاسة الأدب في زمانه وكان ثقة صالحاً، مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة ...»(٣) .

وترجم له الحافظ الذهني، وذكر أنه سمع من عبيد الله القواريري وطائفة »(٤) .

وكذا ترجم له ابن الوردي في تاريخه(٥) .

وقال النووي بترجمته ما ملخصه:

« ثعلب مذكور في باب الوقف من المهذّب والوسيط، هو الامام المجمع على

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٩٦ - ٣٩٨.

(٢). وفيات الاعيان ١ / ١٠٢ - ١٠٤.

(٣). مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

(٤). العبر - حوادث سنة ٢٩١.

(٥). تتمة المختصر - حوادث سنة ٢٩١.

٢٧٥

إمامته، وكثرة علومه وجلالته، إمام الكوفيين في عصره لغةً ونحواً، وثعلب لقب له. قال الامام أبو منصور الأزهري في خطبة كتابه تهذيب اللغة: أجمع أهل هذه الصناعة من العراقيين أنه لم يكن في زمن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس محمد بن يزيد المبرد مثلهما، وكان أحمد بن يحيى أعلم الرجلين وأورعهما وأرواهما للّغات والغريب، وأوجزهما كلاماً وأقلّهما فضولاً »(١) .

أقول: فهذا رأي علماء أهل السنّة وأئمّة الجرح والتعديل في الجاحظ، فهل يليق بالرازي أن يستند إلى ترك هكذا شخص رواية حديث الغدير، ويستدل بذلك على عدم صحته؟

٥. اتصاف الجاحظ بالصفات الذميمة

والجاحظ - بالاضافة إلى ما تقدم - متصف بصفات ذميمة وأعمال قبيحة تسقطه عن درجة الاعتبار، ولا تدع مجالاً للتوقف في عدم جواز الاعتماد على كلامه في رواية أو قدحه في حديث:

فمن ذلك: أنه كان لا يصلي وقد ذكر ذلك في ترجمته من كتاب ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: أنه كان كذّاباً وقد تقدم ذلك أيضاً في ( لسان الميزان ).

ومن ذلك: انه كان مختلفاً وقد صرح بذلك الحافظ الذهبي.

بل ذكر جماعة من علمائهم وضعه - مع أبي العيناء - حديث فدك، وممن ذكر ذلك سبط ابن العجمي في ( الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث ) والسيوطي في ( تدريب الراوي ) وابن الأثير في ( جامع الأصول ).

ومن ذلك: أنه كان كثير الهزل نص على ذلك ابن الوردي وغيره.

ومن ذلك: انه كان يستمع إلى الغناء ويجتمع بالمغنيات، وذكر ذلك ابن

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٢ / ٢٧٥.

٢٧٦

خلكان واليافعي في تاريخيهما.

٦. الآثار المترتبة على الاعتماد على الجاحظ

وأخيراً، فإن الاعتماد على الجاحظ في الروايات والأخبار، والدفاع عنه ونفي عداوته للإمام أمير المؤمنين -عليه‌السلام ، وتنزيهه عمّا نسب اليه، يؤدّي إلى وقوع أهل السنة في إشكال قوي يصعب بل يستحيل التخلّص منه

وبيان ذلك: انه قد ثبت أن الجاحظ كان يتبع شيخه إبراهيم النظّام في جميع أقو اله وآرائه وما كان يدين به وقد ثبت أيضاً أن النّظام كان يعتقد بإسقاط عمر بن الخطاب جنين فاطمة الزهراء -عليها‌السلام - وبغير ذلك من الأمور التي لا يرتضيها أهل السنة عامة كما جاء في ترجمته من كتاب ( الوافي بالوفيات ).

وقد صرح باقتفاء الجاحظ أثر النّظام في جميع مقالاته جماعة من الأعلام كاليافعي وابن الوردي وابن خلكان.

فلو جاز للفخر الرازي أن يستدل بترك الجاحظ رواية حديث الغدير - أو قدحه فيه - جاز للامامية الاستدلال بكلام شيخه النظّام في باب الطعن في عمر ابن الخطاب وخلافته

ولقد اعتمد ( الدهلوي ) تبعاً لابن حزم على كلام النظّام في الطعن في مؤمن الطاق -رحمه‌الله تعالى - وهكذا استشهد الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) بأشعار النظّام التي أنشدها في ذمّ أبي يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي - تلميذ أبي حنيفة - على قبره.

فإنْ قيل: ذمُّ النظام أبا يوسف القاضي غير مسموع، لذمّ العلماء النظّام وقدحههم فيه، كما في ( الأنساب ) و ( لسان الميزان ) و ( الوافي بالوفيات ) وغيرها

قلنا: إن هذا إنّما يتوجه فيما إذا لم يركن العلماء إلى أقواله، ولم يعتمد المحدّثون على مقالاته، ولم يبذلوا قصارى عهدهم في الدفاع عن تلميذه

٢٧٧

الجاحظ الأخذ بأقواله والمقتفي لآثاره، والناقل عنه وجوه المناقشة في فضائل مولانا أمير المؤمنين -عليه‌السلام -.

وإذا كان الجاحظ معتمداً عليه كما يدل عليه صنيع الرازي فقد ثبت ان الجاحظ قد انتقد أبا بكر وعمر على منعها ميراث فاطمة الزهراء من أبيها رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وظلمهما لها وتعدّيهما عليها في كلام طويل له في الموضوع، ذكره الشريف المرتضى -رحمه‌الله - حيث قال:

« فإنْ قيل: إذا كان أبو بكر قد حكم بخطأ في دفع فاطمة -عليها‌السلام - عن الميراث واحتج بخبر لا حجة فيه، فما بال الأمّة أقرّته على هذا الحكم ولم تنكر عليه؟ وفي رضائها وإمساكها دليل على صوابه.

قلنا: قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا، إلّا في المواضع التي لا يكون له وجه سوى الرضا، وبيّنا في الكلام على إمامة أبي بكر هذا الموضع بياناً شافياً.

وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال، جواباً جيّد المعنى واللفظ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها.

قال: وقد زعم أناس أن الدليل على صدق خبرهما - يعني أبا بكر وعمر - في منع الميراث وبراءة ساحتهما: ترك أصحاب رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النكير عليهما.

ثم قال: فيقال لهم: لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما دليلاً على صدق دعوتهم واستحسان مقالتهم، لا سيّما وقد طالت به المناجاة وكثرت المراجعة والملاحاة، وظهرت الشكية واشتدّت المواجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، ولقد كانت قالت له حين أتته طالبة حقها ومحتجة برهطها:

٢٧٨

من يرثك يا أبا بكر إذا متَّ؟

قال: أهلي وولدي.

قالت: فما بالنا لا نرث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فلمّا منعها ميراثها وبخسها حقّها واعتلّ عليها وحلج في أمرها، وعاينت التهضم وأيست من النزوع، ووجدت من الضعف وقلة الناصر، قالت:

و الله لأدعونَّ الله عليك.

قالت: والله لأدعونَّ الله لك.

قالت: والله لا أكلمّك أبداً.

قال: والله لا أهجرك أبداً.

فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلاً على صواب منعه، إنّ في ترك النكير على فاطمة دليلاً على صواب طلبها، وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها على الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء، وأن تقول هجراً وتجور عادلاً وتقطع واصلاً، فاذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعاً فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، أوجب علينا وعليكم.

وإنْ قالوا: كيف يظنّ بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها، وكلّما ازدادت فاطمة عليه غلظة ازداد لها ليناً ورقة، حيث يقول: والله لا أهجرك أبداً ثم تقول: والله لأدعونَّ الله عليك، فيقول: والله لأدعونَّ الله لك!؟ ولو كان كذلك لم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة بحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنزيه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذراً ومتقرّباً بالكلام المعظّم لحقّها المكرّم لمقامها، والصائن لوجهها والمتحنّن عليها: ما أحد أعن به عليَّ منك فقراً، ولا أحب إليّ منك غنى، ولكني سمعت رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يقول: إنا معشر الأنبياء لا نرث ولا نورّث ما تركناه صدقة.

٢٧٩

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من العمد، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً أن يظهر كلام المظلوم وذلّة المنتصب وحدب الوامق ومقة المحق.

وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمراً قال على منبره: « متعتان كانتا على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - متعة النّساء ومتعة الحج وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » فما وجدتم أحداً أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطّئه في معناه، ولا تعجّب منه ولا استفهمه؟

وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السّقيفة وبعد ذلك: أنّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - قال: « الأئمّة من قريش » ثمّ قال في شكاته: ولو كان سالم حيّاً ما تخالجني فيه شك - حين أظهر الشك في استحقاق كلّ واحد من الستّة الذين جعلهم شورى - وسالم عبد لامرأةٍ من الأنصار، وهي أعتقته وحازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر ولا قابل إنسان بين خبريه ولا تعجّب منه؟

وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة له ولا رهبة عنده، دليلاً على صدق قوله وصواب عمله، فأمّا ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والاطلاق، فليس بحجّة نفي ولا دلالة ترضيّ.

قال: وقال آخرون: بل الدليل على صدق قولهما وصواب عملهما إمساك الصحابة عن خلعهما والخروج عليهما، وهم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل وردّ المنصوص، ولو كانا كما يقولون وما يصفون ما كان سبيل الأمة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، وعثمان كان أعزّ نفراً وأشرف رهطاً وأكثر عدداً وثروة وأقوى عدّة.

قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل ولم ينكرا المنصوص، ولكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث وما عليه الظاهر من الشريعة، إدّعيا رواية وتحدّثا بحديثٍ لم يكن مجال كذبه ولا يمتنع في حجج العقول مجيؤه، وشهد له عليه من علمه مثل علمهما فيه، ولعلّ بعضهما كان يرى التصديق للرجل إذا كان عدلاً في رهطه، مأموناً في

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم »(١) .

وبعد هذا البيان الجلي ، والحجّة الناصعة ، تحصل القناعة لكُلّ عارف بصير ، فالحاصل : أنّ التسليم بما هو قضاء الله وقدره ليس من الإلقاء للنفس في التهلكة.

الثاني : إنّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام كانوا مجبورين في حياتهم الشخصية ، وأمام الأحداث والظواهر على العمل بعلمهم العادي المتأتّي من العلل الطبيعية ، والأسباب المتداولة المتوفّرة للجميع.

ويؤكّد على ذلك استسلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمام إرادة الله تعالى ، جاء في التاريخ : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في المسجد ، فأخبروه بسوء حال ابنه إبراهيم ، فذهبصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت واحتضن ابنه ، فقال له ـ وهو ينظر إليه ـ : «يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من الله شيئاً ، إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، ونهانا عن الصياح ، ولولا أنّه وعد صادق وموعود جامع وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه »(٢) .

وكان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق الإعجاز والولاية ، تلك الولاية التي كانت للسيّد المسيحعليه‌السلام في معجزاته في إحياء الموتى ، وإعادة صحّة وسلامة المرضى من أمراضهم الصعبة ، أن يعيد سلامة ابنه.

كان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ببركة الدعاء المستجاب الذي منحه الله تعالى أن يغيّر الحالة التي كانت لابنه ، وكان بإمكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق العلم الغيبي

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ٢٦١.

٢ ـ السيرة الحلبية ٣ / ٤٣٤.

٣٦١

أن يقضي على عوامل المرض لكي لا يمرض ابنه ، ولكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخدم في هذا الأمر ، ولا في الأُمور الأُخرى هذه الأسباب المؤثّرة ، ولم يخطُ خارج الأحداث الطبيعية والأسباب العادّية ، لماذا؟!

لأنّ هذه الأسباب غير العادّية أُعطيت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهداف أُخرى ، وأنّه عليه أن يستخدمها فيما يخصّ بإثبات الولاية ، أو في المواقف التي يحتاج إليها فيها ، لا في المسائل الصغيرة والأعمال الشخصية العادّية.

نعم ، إنّه يستطيع استخدام هذه الأسباب عندما يقترن الأمر بإذن إلهي ، عندما يريد أن يثبت ويبرهن نبوّته وارتباطه بمقام الربوبية مثلاً.

ومن أسباب عدم استخدام هذه الأُمور رعاية الجوانب التربوية ، فإنّ حياة الزعيم القائد والإمام لو كانت بعيدة عن المصائب والمشاكل ، والبلايا والأمراض مثلاً ، لم يستطع أن يوصي الآخرين بالصبر والتحمّل في المشاكل والمصائب ، أو يدعو الأُمّة للمقاومة وتحمّل الصعاب والصبر عليها ، إذ لاشكّ في أنّ صبر القائد والإمام في المصائب والمشاكل ، ومقاومته وإيثاره في ميادين الجهاد قدوة للآخرين ، لأنّ الشخص الذي لا يعرف الألم وعدم الراحة ، ولم يلمس طوال حياته المصائب والمشاكل ، لا يمكنه أن يكون نموذجاً في الأخلاق ، وقدوة لحياة الإنسان.

ولهذا ترى في التاريخ أنّ الشخصيات الإلهية كانت تسعى كالآخرين لحلّ مشاكلها ، ومواجهة مصائبها بالوسائل العادّية.

ويؤكّد على ذلك ما نشاهده في أسلوب حياة المعصومينعليهم‌السلام من أنّه لا يختلف كثيراً عن حياة الآخرين ، كانوا يمرضون مثلهم ، ويتوسّلون لشفائهم بالأدوية التي كانت في زمنهم ، وفي الحياة الاجتماعية ، أو المعارك الجهادية يستخدمون نفس الوسائل التي يستخدمها الآخرون ، ويرسلون الأشخاص ليأتوهم بالتقارير عن المعارك ، فإنّ كُلّ ذلك يدلّ على أنّهم لم يكونوا ليستفيدون من الوسائل الإعجازية.

٣٦٢

فصفوة البحث : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة يعلمون الغيب ، ولكن لا يستخدمون ذلك العلم إلاّ في المواقف الخاصّة ، لا في حياتهم اليومية العادّية.

فكانواعليهم‌السلام يعلمون أنّ هذا الطعام الذي يأكلونه مسموم ، ولكنّهم يسلّمون لأمر الله تعالى وقدره.

( السيّد الموسوي الساري ـ البحرين ـ )

يشمل الموضوعات الخارجية :

س : هل الإمام يعلم بالموضوعات الخارجية المحضة؟ وما هو الدليل؟

ج : إنّ علم الإمامعليه‌السلام كتب حوله الكثير من علمائنا الأبرار ، وذكروا أدلّتهم عليه ، فتارة نبحث في علم الإمام ، وتارة نفرّق بين علمه بالموضوعات الخارجية المحضة وغيره ، فإذا فرغنا من الأدلّة الدالّة على علم الإمام ، وأثبتنا بالدليل والبرهان هذه المسألة ، فالأدلّة تشمل علم الإمام بكُلّ نواحيه ، والفرق بين علمه بالموضوعات الخارجية وغيره يحتاج إلى دليل ، لا أنّ علمه بالموضوعات الخارجية المحضة يحتاج إلى دليل ، إذ الأدلّة عامّة تشمل كُلّ العلوم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

أضف إلى هذا ، توجد أدلّة صريحة في علم الإمام بالموضوعات الخارجية ، لا نطيل بذكرها الجواب.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

علمه بيوم موته :

س : هل يعلم الإمام عليه‌السلام بيوم موته؟ وأنّه متى يموت؟

ج : لقد ثبت في محلّه عقلاً ونقلاً : أنّ الأرض بل كُلّ الكون الرحب الوسيع لا يخلو من حجّة لله تعالى ، إمّا ظاهراً وإمّا مستوراً ، ويكون كالشمس خلف السحاب ، والحجّة هو الإنسان الكامل الذي يكون بمنزلة قطب رحى عالم

٣٦٣

الإمكان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، وهذه الحجّة الإلهية التي تتجلّى وتتبلور في الإنسان الكامل ، الذي هو خليفة الله في أسمائه وصفاته ، إنّما تكون بنصّ ونصب واختيار واصطفاء من الله سبحانه.

فكان أوّل مخلوق لله هو نور محمّد المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نور أمير المؤمنين عليعليه‌السلام اشتقّ من نور رسول الله ، وكلاهما من نور الله ، ومن شجرة واحدة ، كما في الأحاديث الشريفة عند السنّة والشيعة ، فأعطاهما الله الولاية العظمى في خلقه ، ثمّ كانت في عترتهما الأئمّة الأطهارعليهم‌السلام ، وفي الأنبياء والأوصياء ، فكُلّ واحد في عصره كان حجّة الله على خلقه ، ولازم الحجّية أن يعلم الحجّة بعلم لدُّني وغيبي من لدن حكيم عليم من الله سبحانه ، فاطلعهم الله برضاه على مغيّباته.

ومن المغيّبات علم المنايا والآجال ، فالنبيّ وكذلك الوصي حجّة الله يعلم علم المنايا والآجال ، ولولا ذلك العلم لما تمّت الحجّة الإلهية ، ولله الحجّة البالغة ، فلابدّ لحجّة الله أن يعلم متى يموت؟ وتنتقل الحجّة منه إلى وصيّه وخليفته من بعده ـ من نبي أو وصي ـ فكُلّ إمام معصوم حجّة الله يعلم متى يموت ، ومتى يُسلّم مقاليد الإمامة والحجّة إلى الإمام الذي من بعده ، بنصّ ونصب من الله تعالى ، ومن لم يعلم بزمان موته ، كيف يكون حجّة الله على الخلائق؟ وكيف يسلّم مقاليد وأزمة الأُمور طرّاً إلى من كان بعده.

فالعقل وكذلك النقل يقضي أن يكون الحجّة عالماً بما كان وما يكون ، وما هو كائن ، كُلّ ذلك بإذن من الله تعالى وبإرادته ، فإنّ الله جلّ جلاله هو العالم بالغيب على الإطلاق ، إلاّ أنّه يطلع على الغيب من ارتضى من رسول ، فالرسول يعلم الغيب إلاّ أنّه بإذن الله سبحانه ، فالحجّة ـ النبيّ أو الوصي ـ يعلم موته ، ويعلم بالمغيّبات ، ولولا ذلك لما كان حجّة الله على الطبيعة وما ورائها ، فتدّبر.

٣٦٤

( هناء علي سلمان ـ البحرين ـ )

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر :

س : لماذا يا ترى لا يدفع الأئمّة عليهم‌السلام الأذى عن أنفسهم؟ مع علمهم بوجود الضرر ، والذي يؤدّي بهم إلى الوفاة؟

ج : علم المعصوم شيء ، وعمله وتكليفه شيء آخر ، إذ المعصومعليه‌السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، ليتمّ الاختيار الذي وهبه الله للبشرية ، فالنبيّ والإمامعليهما‌السلام وظيفتهما العمل بالظاهر ، وخير شاهد على هذا : لو رجعنا إلى زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لرأيناه ما كان يقيم الحدّ إلاّ على من تمّت الشهادة عليه ، ونعلم قطعاً بوجود مخالفات في عهد الرسول لم تقام الشهادة عليها ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعاقب عليها بالاعتماد على علمه بالأُمور.

( سمير ـ السعودية ـ )

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر :

س : دائماً ما يسألني زملائي في المدرسة عن حقيقة أنّ الأئمّة المعصومين يعلمون الغيب ، وأنا طبعاً أجاوبهم بالتأكيد أنّهم يعلمون الغيب ـ حسب ما تعلّمناه من شيوخنا في القطيف وغيرها ـ ولكن سألني أحدهم قائلاً : ما دام أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام يعلم الغيب ، فلماذا لم يجتنب عبد الرحمن بن ملجم الخارجي لعنه الله عندما قتله؟ ولماذا لم يتراجع الحسين عليه‌السلام عن الذهاب إلى كربلاء ، وهو يعلم أنّه سيخذل وسيقتل ، وشكراً.

ج : إنّ علم الغيب المطلق من مختصّات ربّ العالمين ، فلا يعلم الغيب إلاّ هو ، نعم يطلع الله أنبياءه ورسله وأولياءه على الغيب ، وذلك كإحياء الموتى الذي هو من مختصّات الله جلّ جلاله إلاّ من إذن له ، هذا أوّلاً.

٣٦٥

وثانياً : إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء الذين يطلعهم الله على الغيب ، وظيفتهم العملية ترتيب الأثر على الظاهر.

توضيح ذلك : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يقيم الحدّ إلاّ بعد أن تتمّ البيّنة ، مع أنّنا نجزم بأنّ في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان الناس يعصون في خلواتهم ، ونجزم بأنّ النبيّ كان يعلم بأفعالهم ، ولكن ما كان يقيم الحدّ إلاّ إذا تمّت البيّنة.

مثال آخر : قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (١) .

فهنا يرد سؤال : كيف تزوّج نوح ولوطعليهما‌السلام بامرأتين طالحتين مع علمهما بحالهما؟

الجواب : إنّ نوح ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين والأولياءعليهم‌السلام لم تكن وظيفتهم ترتيب الأثر إلاّ على الظاهر ، إلاّ في موارد نادرة ، وذلك لئلا يبطل الاختيار وسنّة الحياة التي سنّها الله تعالى.

هذا ، وفي المسألة أقوال أُخرى ، نشير إلى بعضها :

١ ـ إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء إذا شاءوا علموا ، وهذه الموارد من الموارد التي لم تتعلّق مشيئتهم بالعلم بها.

٢ ـ إنّ الله تعالى ينسيهم ما كانوا يعلمون في هذه الموارد.

٣ ـ إنّ من عظمة المعصومين أن يعلموا ويسلّموا التسليم المطلق لإرادة الله سبحانه في هذه الموارد.

وختاماً : ننبّهكم بأنّ مسألة علم الإمام فرع لمسألة الإمامة ، لا يمكن أن نبحثها قبل البحث في مسألة الإمامة والتسليم بها.

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٣٦٦

( محمّد ـ اليمن ـ )

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية :

س : كيف يكون الإمام علي عالماً بالغيب ، مع أنّه عزل قيس بن سعد من ولاية مصر بخدعة من معاوية؟ ألم يكن الإمام عالماً بهذا؟ أرجو الإجابة.

ج : في البداية أرى من الضروري التمييز بين مصطلحين : علم الغيب ، وتعلّم الغيب من عالم الغيب.

فالأوّل ـ أعني علم الغيب ـ هو من مختصّات الله سبحانه( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (١) ،( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (٢) .

وأمّا الثاني ـ أعني تعلّم الغيب من عالم الغيب ـ فيمكن ثبوته لغير الله سبحانه ، قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٣) ،( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (٤) ، وكان عيسىعليه‌السلام يعلم الغيب( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (٥) .

وكان الخضرعليه‌السلام يعلم الغيب ، كما صرّح القرآن الكريم بذلك في سورة الكهف حيث قتل الغلام ، وأقام الجدار ، وأعاب السفينة ، ولم يتمكّن موسى من الصبر على هذا الغيب ، حتّى بيَّن له الخضر النكات الغيبية في ذلك :( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ

____________

١ ـ الأنعام : ٥٩.

٢ ـ الأعراف : ١٨٨.

٣ ـ آل عمران : ١٧٩.

٤ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٥ ـ آل عمران : ٤٩.

٣٦٧

جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) (١) ، ومن خلال هذا نخرج بهذه النتيجة ، وهي أنّه لا يوجد أيّ محذور في ثبوت الغيب لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن ارجع لاستدرك وأقول هو تعلّم الغيب وليس علماً بالغيب.

وباتضاح هذا نعود إلى التساؤل الذي أشرتم إليه ونقول : إنّ أصل القضية التي قام بها معاوية هي مجرّد نقل تاريخي ، وليس كُلّ نقل تاريخي يمكن الاعتماد عليه ، والذي نقل تلك القضية هو إبراهيم الثقفي في كتابه الغارات(٢) .

ويوجد كلام حول أصل كتاب الغارات ، فضلاً عن سند الرواية ، ولو سلّمنا صدقها فمن المحتمل أن يكون الإمامعليه‌السلام عالماً بالخدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً على عزل قيس بسبب ضغط بعض أصحابه ، كما هو الحال في حرب صفّين في قضية الحكمين ، فإنّهعليه‌السلام كان يعلم بأنّ قضية الحكمين خدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً إلى قبولها لضغط بعض أصحابه.

وما نقوله ليس مجرد احتمال ، بل تساعده بعض الكتب التاريخية ، فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف أنّه كان مضطرّاً إلى عزل قيس من قبل أصحابه(٣) ، ونقل ذلك أيضاً الطبري في تاريخه(٤) .

وملخّص ما نريد أن نقوله : أنّ قضية خدعة معاوية ، قد نقلها الثقفي في كتابه ، ومجرد النقل التاريخي لا يصلح أن يكون مدركاً لتسجيل الإشكال ، وإذا كان يصلح لذلك ، فهناك نقل تاريخي معاكس يدلّ على اضطرار الإمامعليه‌السلام لقبول عزل قيس ، وهو نقل البلاذري والطبري.

____________

١ ـ الكهف : ٧٤ ـ ٨٠.

٢ ـ الغارات ١ / ٢١٧.

٣ ـ أنساب الأشراف : ٣٩٢.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٥٥٤.

٣٦٨

( جمال أحمد ـ البحرين ـ )

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي :

س : قرأنا أنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ينقسم إلى ناسوتي ولاهوتي ، الرجاء شرح هذين القسمين مع الأمثلة إن أمكن.

ج : إنّ علم الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام قد يكون من مبدأ الوحي بلا واسطة أو بواسطة ، فهذا علم إلهي ، أو قد يعبّر عنه البعض بعلمٍ لاهوتي.

وقد يكون منشأ علمهم الطرق المتعارفة والمألوفة عند الناس ، وهذا علم عادي ، وقد يسمّيه البعض بعلم ناسوتي.

ثمّ إنّ القسم الأوّل هو المايز بين المرتبطين بعالم الوحي وغيرهم ، إذ لا إشكال في عدم طرق الخطأ والزلل في هذا العلم ، ومن ثمّ سوف يكون عالمه معصوماً من جميع الجهات ، كما هو واضح بأدنى تأمّل ، ومن هذا القسم ، علم الأحكام والعقائد والمعارف الإلهية.

وأمّا القسم الثاني ، فيحصل من مقدّمات عادية ومتداولة ، وهذا القسم يشمل العلم بالموضوعات الصرفة التي لا علاقة لها بأصل الدين والوحي ، فالنبيّ أو الإمامعليه‌السلام يتصرّف في مورده بمعونة القواعد العقلية والعرفية.

وهذا القسم وإن كان يحتمل فيه الخطأ والخلل عند الناس بصورة عامّة ، إلاّ أنّ المصلحة الإلهية تقتضي نفي هذا الاحتمال بالنسبة للنبي والإمامعليه‌السلام ، وهذه المصلحة هي حفظ مكانة المعصومعليه‌السلام في أعين الناس عن مطلق السهو والخطأ ، ولأنّ التمييز بين الأحكام والموضوعات ليس أمراً سهلاً عند الجميع ، فينبغي سدّ باب الاحتمال لئلا يكون إغراءً لهم في المقام.

على أن تقسيم علم النبي والإمامعليهما‌السلام إلى ناسوتي ولاهوتي غير صحيح ، لأنّ المطّلع على العلم اللاهوتي له إطلاع على العلم الناسوتي ، أو بالأحرى لا يحتاج له أصلاً.

٣٦٩

( أبو علي ـ لبنان ـ ٣٣ سنة ـ طالب علم )

الفرق بينه وبين علم الله :

س : ما هو القول الفصل لديكم حول علم الإمام المعصومعليه‌السلام ؟ هل هو حصولي أم هو حضوري؟ علماً أنّ هناك لكُلّ من القولين روايات عدّة تؤيّده ، فأيّ طائفة من الروايات تؤيّدون؟

أرجو الإجابة مع الدليل القاطع إن أمكن ، ولكن الأجر.

ج : تارة نبحث عن علم المعصومعليه‌السلام هل هو حضوري ـ أي حاضر عنده بدون أن يتعلّم ويكتسب العلم ـ أو هو حصولي ـ أي يحصل عنده من خلال التعلّم والتكسّب ـ؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهمعليهم‌السلام حضوري.

وأُخرى نبحث عن علم المعصومعليه‌السلام على رأي المشهور ـ أي أنّ علمهعليه‌السلام حضوري لا حصولي ـ فنقول : هل أنّ علمهعليه‌السلام حاضر عنده بالفعل ـ بمعنى أنّ المعلومات منكشفة عنده فعلاً ـ أو حاضر عنه بالقوّة ـ بمعنى متى ما أراد وأشاء أن يعلم علم ـ؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهعليه‌السلام فعلي.

وما أُثير من أنّه يلزم على هذا الرأي اتحاد علم الله تعالى مع علم المعصومعليه‌السلام ، وبالتالي يلزم الشرك والغلوّ.

فيردّه : بأنّ هناك فروق بين علمه تعالى الحضوري وعلم المعصومعليه‌السلام الحضوري الفعلي ، منها :

١ ـ إنّ علمه تعالى قديم وعلم المعصوم حادث.

٢ ـ إنّ علمه تعالى علّة وعلم المعصوم معلول.

٣ ـ إنّ علمه تعالى عين ذاته وعلم المعصوم عرضي موهوب منه تعالى.

٣٧٠

٤ ـ إنّ علمه تعالى مطلق وعلم المعصوم محدود ، بمعنى أنّهعليه‌السلام يعلم ما كان وما يكون ، وما هو كائن بمقدار ما اطلعه الله تعالى عليه ، ولا يعلم العلم المخزون المكنون الذي استأثر الله به لنفسه.

وقد ذكر علماؤنا في بحث علم الإمامعليه‌السلام مجموعة من المؤيّدات للنصوص ـ من الآيات والروايات ـ المثبتة لعموم علمهعليه‌السلام وفعليته.

هذا وقد حملوا النصوص ـ من الآيات والروايات ـ النافية لعموم علم المعصومعليه‌السلام ، والنافية لفعلية علمهعليه‌السلام على عدّة محامل ، فلتراجع في مظانّها.

( علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

ثابت بسبب تعليم من الله :

س : لدي عدّة أسئلة عن علم الغيب :

١ ـ هل علم أهل البيتعليهم‌السلام لدنّي؟

٢ ـ هل الإمام المهديعليه‌السلام الآن مثلاً يعلم بأمر رسالتي هذه إليكم؟ أي هل عنده علم الغيب الذي من هذا النوع؟

٣ ـ ما معنى الفقرة : « ارتضاكم لغيبه » الواردة في شرح الزيارة الجامعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : إذا كنتم تقصدون من العلم اللدنّي العلم الذاتي الذي لا يحتاج إلى تعليم حتّى بالطرق غير المتعارفة ـ وذلك كما هو الحال في علم الله سبحانه ـ فالجواب : كلا ، إنّ علمهم ليس علماً لدنّياً بالمعنى المذكور ، كيف وأمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب من العلم ، يفتح كُلّ باب ألف باب »(١) .

كيف وعندهم الصحيفة الجامعة ، التي فيها علم كُلّ شيء حتّى أرش الخدش ، كيف والمولود منهم إذا وُلد ضرب له عمود من نور يرى من خلاله

____________

١ ـ الخصال : ٥٧٢.

٣٧١

الأشياء ، كيف وهم يزدادون في كُلّ ليلة جمعة ، إنّ هذا وما شاكله يدلّ على أنّ علمهم ليس ذاتياً كعلم الله تعالى.

وإن كنتم تقصدون منه العلم الذي لا يحتاج إلى تعليم بالطرق المتعارفة ، بل يحصل لهم بطرق غير متعارفة ، فنسلّم أنّ علمهم لدنّي بالمعنى المذكور.

فحصيلة الجواب إذاً : أنّه لابدّ من التفصيل ، فعلمهم لدنّي بالمعنى الثاني ، وليس لدنّياً بالمعنى الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : نعم ، أيّ مانع في أن يكون الإمامعليه‌السلام علم برسالتك هذه ، فإنّ علم الغيب على قسمين ، علم بالغيب من دون تعليم من الله سبحانه ، وهذا من مختصّات الله سبحانه( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (١) ، وعلم بالغيب بسبب تعليم من الله سبحانه ، وهذا هو الثابت للنبي والإمام ، قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٢) ، وقال :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (٣) .

وكان عيسىعليه‌السلام يعلم الغيب( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (٤) ، وكان الخضرعليه‌السلام يعلم الغيب أيضاً على ما نقل القرآن الكريم في القصّة التي دارت بينه وبين موسىعليه‌السلام :( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ) (٥) .

وجاء في نهج البلاغة : أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حينما أخبر عن التتار بقوله : « كأنّي أراهم قوماً كأنّ وجوههم المجانُّ المطرّقة ، يلبسون السَرَق والديباج ،

____________

١ ـ الأنعام : ٥٩.

٢ ـ آل عمران : ١٧٩.

٣ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٤ ـ آل عمران : ٤٩.

٥ ـ الكهف : ٨٠.

٣٧٢

ويعتقبون الخيل العتاق » ، فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحكعليه‌السلام وقال للرجل ـ وكان كلبياً ـ : « يا أخا كلب ، ليس هو بعلم الغيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم »(١) .

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معناها واضح ، وهو أنّهمعليهم‌السلام يعلمون الغيب ، بسبب التعليم من قبل الله سبحانه ، فالعلوم الغيبية الثابتة لله سبحانه قد ثبت بعضها لهمعليهم‌السلام كما قال تعالى :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (٢) ،( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٣) .

( سامي جحهف ـ اليمن ـ زيدي ـ ١٩ سنة ـ طالب )

لا يتنافى مع قوله( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )

س : قال الله تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (٤) فقد نفى الله أن يكون النبيّ يعلم الغيب ، فكذلك من هم أقلّ منه منزلة ، وهم الأئمّة فما هو ردّكم؟

ج : إنّ عقيدتنا في علم المعصومعليه‌السلام تتلخّص فيما يلي :

أ ـ علمهمعليهم‌السلام علم لدنّي ، أي أعطي من قبل الله تعالى كرامةً لهم.

ب ـ يعلمون الغيب بصراحة القرآن :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (٥) .

ج ـ إنّ حدود علمهمعليهم‌السلام من جهة الكمّية والكيفية تتبع إرادة الله تعالى ، فلا يكون ذاتياً ولا أزلياً.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٨ / ٢١٥.

٢ ـ آل عمران : ١٧٩.

٣ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٤ ـ التوبة : ١٠١.

٥ ـ الجنّ : ٢٦ ـ ٢٧.

٣٧٣

د ـ إنّهمعليهم‌السلام ليسوا مكلّفين بالعمل على طبق هذا العلم ، بل وليست وظيفتهم إظهاره في كافّة الموارد.

وعليه ، فكثيراً ما كانوا يتعاملون مع الواقع الموجود على ضوء العلوم العادّية والظاهرية بدلاً من علم الغيب ، لمصالح شتّى ذكرت في مظانّها.

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ عدم العلم المذكور في الآية هو بالنظر إلى العلوم العادّية ، لا العلم اللدنّي المسمّى بعلم الغيب ، وهذا نتيجة الجمع بين الأدلّة في المقام.

ولتقريب المعنى نذكر مورداً آخر يدلّ بوضوح على الموضوع ، فمثلاً : يخاطب القرآن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة لبعض المنافقين ويقول :( وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ) (١) ، أي كان ممكناً أن يعرّف الله تعالى المنافقين بواسطة الوحي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بإمكانه أيضاً أن يتعرّف عليهم ـ المنافقين ـ من خلال العلم العادي.

فالنتيجة : إنّ إعطاء علم الغيب للمعصومعليه‌السلام لا ينكر ، وهذا بمعنى قابليتهعليه‌السلام لهذا المقام ، وأمّا تطبيقه له في الموارد المختلفة ، فذلك أمر آخر.

____________

١ ـ محمّد : ٣٠.

٣٧٤

عمر بن الخطّاب :

( ـ الكويت ـ )

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه :

س : جاء في مقالة لأحد الكتّاب السنّة ، وهي : ورغبة منّا في بيان بعض صفات الفاروق في أسفار أهل الكتاب ، نقول : قد وردت نبوآت كثيرة ومتواترة في أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاءت تترى في كتب اليهود والنصارى ، ومن ذلك :

يقول النبيّ زكريا وفي سفره : ابتهجي يا بنة صهيون ، اهتفي يا بنت أورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ، وديع وراكب على حمار ، وعلى جحش بن آتان ، واقطع المركبة من افرايم ، والفرس من أورشليم ، وتقطع قوس الحرب ، ويتكلّم بالسلام ـ أي الإسلام ـ للأُمم ، وسلطانه من البحر إلى البحر ، ومن النهر إلى أقاصي الأرض « سفر زكريا ٩ / ٩ طبعة البروتستنتية ـ دار الكتاب المقدّس ».

وأورشليم هي القدس ، والمَلِك الذي فتح القدس بالصلح والموادعة هو قطعاً عمر ، وأبرز صفة فيه هي العدل ، وقد ركب عمر في طريقه إلى بيت المقدس ، وهذا مصداق لقوله : يأتي إليك ، وراكب على جحش ابن آتان ، وهو البرذون ، وقد حاول القسّ المسيحي وليم باركلي في كتابه تفسير العهد الجديد ، أن يزوّر هذه البشارة فيقول : حاول بعض مفكّري وعلماء الإسلام أن يثبتوا هذه البشارة على أحد خلفائهم ، الذي أتوا بعد محمّد ، والصحيح أنّ كلامهم

٣٧٥

باطل ، بل المبشّر به هو الربّ يسوع المسيح ، عندما يأتي في الدينونة ، يدين الناس بالحقّ ، والكلمة في آخر العالم « تفسير العهد الجديد : ١٧٤ ».

وأقول أنا : أنّ كلامه في غاية الهذيان والبطلان ، لأنّ هذا الملك هو بشر ، وليس ربّ وإله!! ثمّ إنّه من زمن زكريا إلى زمن عيسى إلى ما بعدهم لم يأت ملك عادل تدين له القدس ، بل كانت القدس تحت السيطرة الوثنية للرومان المحتلّين بحكم الحديد والنار ، وأوّل فتح إسلامي للقدس هو في زمن الفاروق ، بل وهو الذي أتى بنفسه لفتحها بكُلّ وداعة وعدل ، فليتأمّل كُلّ من ورم أنفه!!

ولو تأمّلت قليلاً ، وركّزت ذهنك برهة ، لوجدت أنّ الصفات التي جاءت في حقّ الفاروق ، كالتالي : عادل ، منصور وديع ، راكب على حمار!!

إنّها ثلاثة صفات تدلّ على الفاروق خاصّة ، في مسيره نحو بيت المقدس ، وتجد كُلّ صفة منها مفصول بينها حرف : العطف « واو » ، والذي يلفت النظر بحقّ ، أنّنا لو رتّبنا الحروف الأُولى من هذه الصفات لوجدنا : عادل = ع ، منصور = م ، راكب حمار = ر ، فإنّ النتيجة تكون : عمر!!

وممّا يؤكّد ذلك أيضاً ، ما جاء في سفر حبقوق قدامه : ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ، وقف وقاس الأرض نظر فرجفت الأُمم ، ودكّت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القدم ، مسالك الأزل له ، رأيت خيام كوشان تحت رجليه ، وجفّت أرض مدين « سفر حبقوق قدامة ٣ / ٥ ».

وأنا أقول : من الذي ظهرت في طريقه الحمى؟ ألم تسمعوا بطاعون عامواس! وكيف أنّه ظهر في مقدم عمر إلى القدس ، ومن الذي دكّت الجبال الدهرية على يديه ـ فارس والروم ـ؟

من الذي صارت خيام كوشان ـ هي مصر كما جاء في قاموس الكتاب المقدّس ـ تحت رجليه؟ انتهى كلام الكاتب السنّي.

وبالتالي فإنّه يستدلّ على صحّة خلافة عمر بن الخطّاب بما جاء في كتب أهل الكتاب ، مثلما جاءت البشارات في رسول الله محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فنرجو منكم الردّ على هذا الاستدلال ، ولو كان ردّاً مختصراً ، وفّقكم الله لمرضاته.

٣٧٦

ج : في الإجابة عدّة نقاط :

الأُولى : إنّ الكتاب المقدّس « العهد القديم» ـ وكما هو معروف ـ قد كتب باللغة العبرانية ، وهذا ما اتفق عليه معظم علماء الكتاب المقدّس ، إذ إنّها كانت اللغة السائدة في ذلك الزمان ، ومن ثمّ ترجم إلى اللغات الأُخرى ، كاليونانية والإنكليزية والعربية ، وغيرها.

ومعظم النسخ الأصلية لهذا الكتاب مفقودة ، وأقدم نسخة التي وجدت تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، وهي ناقصة ، إذ لا تحتوي إلاّ على بعض الأسفار من العهد القديم ، وهذا أحد أسباب الشكّ في نسبة هذا الكتاب كُلّه إلى الوحي الإلهي.

الثانية : فيما يخصّ سفر زكريا ، فإنّ علماء الكتاب المقدّس قسّموا هذا السفر إلى قسمين : الأوّل يبدأ من الإصحاح « ١ ـ ٨ » ، وأمّا القسم الثاني فإنّه يبدأ من الإصحاح « ٩ ـ ١٤ ».

ومن يطالع هذا السِفر يجد الاختلاف في الأسلوب بين القسمين ، حتّى شاعت بين العلماء نسبة هذا السِفر إلى كاتبين مختلفين ، وحاولوا بشتّى الوسائل حلّ هذا الاختلاف ، لكي لا يفقد هذا السِفر قيمته ، وبالتالي يؤدّي إلى التشكيك بصحّة العهد القديم.

ولكن للاختصار نترك البحث في هذه المسألة ، ونسلّم بأنّ كاتب السِفر هو النبيّ زكرياعليه‌السلام .

وأمّا النصوص :

١ ـ أمّا قول الكاتب السنّي : هو ذا ملكك يأتي إليك.

فالمشهور أنّ الخليفة الثاني لم يكن ملكاً لأورشليم ولا لفلسطين ، بل كُلّ ما في الأمر أنّه قدم إلى بيت المقدس ـ سنة ١٥ أو ١٦ هجرية ـ لعقد الصلح مع أهلها ، ودفعهم للجزية ، ولم يلبث فيها إلاّ أيّاماً معدودة ، ومن ثمّ عاد إلى المدينة ، فهو لم يحكم أورشليم ، ولا استفاد أهلها بظلّ عدله!!

٣٧٧

فهل ينطبق هذا على كون ملك أورشليم المنتظر ، الذي بشّر به النبيّ زكرياعليه‌السلام هو الخليفة الثاني ، والذي لم يمكث في بيت المقدس إلاّ أيّاماً؟!

٢ ـ وأمّا الصفات التي ذكرها الكاتب ، وحاول جاهداً إلباسها للخليفة الثاني ، كي تنطبق عليه ما جاء في سِفر زكرياعليه‌السلام ، فهي غير صحيحة ، لأنّ الكاتب يقول عند ذكر صفة هذا الملك : عادل ومنصور وديع ، ويفسّر منصور وديع ، أي الذي فتح القدس بالصلح والموادعة ، وهذا خلاف ما يفهم من النصّ ، فالوديع هنا صفة للملك ، وليست صفة للنصر ، ولأنّ المشهور والمعروف عن الخليفة الثاني ـ بل تكاد تكون أبرز صفة فيه ـ هي غلظته وشدّته وقساوته ، وهذا ما تواترت به كتب التاريخ والحديث ، ولهذا فإنّ الكاتب السنّي ، وهروباً من هذه الحقيقة ، جعل صفة « وديع» للنصر ، وهذا ما لا يرضاه أيّ باحث له إلمام بسيط باللغة العربية.

وحتّى ما فسّره الكاتب بالفتح بوداعة ، فهو مردود أيضاً ، فإنّ الصلح كان بعد معارك بين المسلمين ، وأهل ايليا ، فهذا الأزدي يذكر : أنّ أهل ايليا قاتلوا المسلمين ساعة ثمّ انهزموا ، ثمّ قاتلوهم ثمّ انهزموا إلى داخل حصونهم ، بل يضيف الواقدي : « ولم يزل أبو عبيدة ينازل أهل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة ، وما من يوم إلاّ ويقاتلهم قتالاً شديداً »(١) ، ومن بعد هذه المعارك جاء عمر وعقد الصلح ، فهل يعني ذلك أنّ فتح أورشليم كان عن وداعة!!

٣ ـ وأمّا قوله : بأنّ أبرز صفة فيه هي العدل ، ففي ذلك أيضاً شكّ ، فإنّ الخليفة الثاني هو أوّل من أعطى العطايا على السابقة ، وفرّق بين المسلمين في العطاء ، وفي الواقع هو أوّل من أرسى النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي ، والذي كان نتيجة طبيعية لهذا التمايز في الفرض والعطاء ، حتّى وصل ذروته في زمن الخليفة الثالث ، الذي انتهج سيرة عمر.

____________

١ ـ فتوح الشام ١ / ٢٢٤.

٣٧٨

ولعلّ أحد الأسباب غير الظاهرية لحرب الجمل في زمان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، هي رفض أمير المؤمنينعليه‌السلام التفاضل في العطاء بين المسلمين للسابقة ، ممّا دفع بعض الصحابة الأوائل ـ كطلحة والزبير ـ إلى اتخاذ مواقف سلبية من أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وإشعال نار الفتنة والحرب ضدّه.

٤ ـ وما ذكره الكاتب حول ركوب الخليفة الثاني للبرذون ، فنقول :

أوّلاً : لماذا لم يشر الكاتب إلى أنّ هذا الملك الموعود يكون راكباً على حمار كما ذكر النصّ؟

والجواب : لأنّ المؤرّخين بلا استثناء ما ذكر أحداً منهم أنّ الخليفة الثاني ركب الحمار عند خروجه من المدينة إلى بيت المقدس ، بل اختلفوا في أنّه امتطى فرساً أو ناقة ، ولهذا نرى الكاتب يغمض عينيه عن هذا المقطع.

وثانياً : حتّى ما ذكره حول ركوب الخليفة للبرذون غير مقبول ، وذلك لأنّ الخليفة لم يركب البرذون إلاّ للحظة واحدة فقط ، فهذا ابن كثير يقول : ثمّ سار عمر إلى بيت المقدس من الجابية وقد توحّى فرسه ، فأتوه ببرذون فركبه ، فجعل يهملج به ، فنزل عنه وضرب وجهه ، وقال : لا علم الله من علّمك هذا من الخيلاء(١) ، وأضاف الواقدي : « قال عمر : احسبوا ، احسبوا ، ما كنت أرى الناس يركبون الشيطان قبل هذا ، فأتى بجمله فركبه ».

وقال الطبري : « ثمّ دعا بفرسه بعد ما أجمه أيّاماً يوقحه فركبه ، ثمّ سار حتّى انتهى إلى بيت المقدس ولم يركب برذوناً قبله ولا بعده» (٢) .

فليت شعري هل يعقل أن يتنبأ النبيّ زكرياعليه‌السلام بملك أورشليم العظيم ، والمنتظر بصفة كانت له للحظة واحدة ، وهي ركوبه للبرذون؟!

٥ ـ وأمّا ردّه على القسّ المسيحي ، فذلك أيضاً فيه نظر ، وذلك لأنّ النبيّ زكرياعليه‌السلام عندما ذكر نبؤته ، كان يعلم أنّ المسيحعليه‌السلام ليس ربّاً ولا

____________

١ ـ البداية والنهاية ٧ / ٦٧.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ١٠٦.

٣٧٩

إلهاً ، بل هذا من تحريفات النصارى ، الذين ألبسوا المسيحعليه‌السلام ثوب الألوهية زوراً وبهتاناً.

٦ ـ وأمّا ترتيبه للحروف بهذا الشكلّ ، فليس عليه دليل إلاّ الحمية والعصبية ، فيا ترى لو تأمّل أيضاً قليلاً ، ورتّب الحروف من الحرف الرابع ، لكانت النتيجة : ب ول = مادّة نجسة!! فهل هذا يحسب تنبّؤاً؟!

وذكره عن سِفر حبقوق ، فالأمر اغرب ، فقد تكلّف الكاتب السنّي كثيراً ، واكتفى بنقل مقتطفات من النصّ ، وليته لم يفعل ، وهنا سنبيّن النصّ كاملاً ، ولنرى هل ينطبق على الخليفة الثاني أم لا؟!

وإليك هذا النصّ : الله جاء من تيمان ، والقدّوس من جبل فاران ، سلاه ، جلاله غطّى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور ، له من يده شعاع ، وهناك استتار قدرته ، قدامه ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى

فالضمير في « قدامه » يعود إلى القدّوس الآتي من جبل فاران ، ولا أدري كيف لم يلتفت إلى هذه المسألة البديهية الكاتب السنّي ، فهو يصف القدّوس بأنّ « جلاله غطّى السماوات و... » ، فهل تنطبق هذه الصفات على الخليفة الثاني؟! يا حبّذا لو يبيّن الكاتب السنّي ذلك لنستضيء بعلمه.

وختاماً نقول : إنّ الذي يُؤذي ويُغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يستحقّ أن يكون خليفة للمسلمين ، والخليفة الأوّل والثاني قد أغضبا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك كما نُقل عن صحيح البخاري : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال عن فاطمةعليها‌السلام : «فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها »(١) ، وأيضاً هجرها لأبي بكر ، وأنّها لم تكلّمه حتّى توفّيت(٢) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٥٨.

٢ ـ المصدر السابق ٥ / ٨٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585