موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253266 / تحميل: 6998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

وكذلك تقديم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المتأخّرين بانتظارهم حتّى اجتمعوا ، وإرجاع المتقدّمين الذين أسرعوا بالسير ، وجمعهم في تلك البقعة ، وفي ذلك الوقت الحارّ ، وقت الظهيرة الشديد الحرّ ، وخصوصاً أنّهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون ، وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول إلى ديارهم وأهليهم.

فما هو ذلك الأمر المهمّ ، الذي يستوجب كُلّ هذا من جمع كبير ، وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب ، وترجع العبد إلى ربّه كالثوب الأبيض ، وتهيأه لتحمّل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء؟

فأوضح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزفّ من بشرى وعيد للمؤمنين ، مع خوفه وإشفاقه على الآخرين ، الذين سيغيّرون ويحدثون في الدين من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما صرّح بذلك في مناسبات أُخر.

٢ ـ القرائن المقالية : وهي ابتداء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ».

فهذه قرينة واضحة لكُلّ عاقل ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد أن يوصي أُمّته وصية موته ، وأمر الأُمّة من بعده ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور وأهل بيتي »(١) ففيها دلالة على ترك البديل لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والممثّل الشرعي من بعده.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أذكركم الله في أهل بيتي » تأكيد عميق منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد أن أكّد ذلك ثلاث مرّات بالتكرار ، للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل ، الذي يتوقّع عدم قبوله من أكثرهم.

وأمّا في الرواية الأُخرى ، ففي بدايتها يشهدهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : بلى ، فأكّد ثانياً ، وقال : «ألست أولى

____________

١ ـ صحيح مسلم ٧ / ١٢٣ ، سنن الدارمي ٢ / ٤٣٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٣٠ و ١١٤ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٩٧.

٤٢١

بكُلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى ، بعد الإقرار منهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم ، وله الولاية العظمى عليهم ، أتبع ذلك بقوله : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه »(١) ، فهذا تفريع على ذلك الإقرار وتلك المقدّمة.

وأمّا عدم قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أولى صراحة فلأنّه إمام البلغاء ، فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول : «من كنت أولاه فعلي أولاه » ، وهذا لا يجوز في اللغة العربية ، وكذلك أنّ لفظة « أولى » مبنية على أفعل التفضيل ـ الذي فيه مشاركة وزيادة ـ فتعني أنّ علياً أولى من ولي آخر ، ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت ، لأنّ الإمام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد ، وهذا بديهي ومسلّم من الجميع.

وعليه ، فإنّ علياًعليه‌السلام الولي الوحيد بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى :( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، وإنّما تفيد الحصر والقصر.

ولو أردت قرائن أُخر ، وروايات شتّى ، وأقوال لعلماء أهل السنّة ، وحتّى الصحابة بمعنى الولاية وقصدها من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لزدناك.

( أُمّ محمّد ـ الكويت ـ ٤٠ سنة ـ جامعية )

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب :

س : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله تعالى لنبيّه الكريم في آية ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢١ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ و ٧ / ٣٨٥ ، المناقب : ١٥٥ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٩٨.

٢ ـ المائدة : ٥٥.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤٢٢

خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقوله : إنّه ليهجر؟

ج : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر الله عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى الله سبحانه بهما لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل الله تبارك وتعالى عليه :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر الله عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة »(١) .

وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قوله :( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من ولاية عليعليه‌السلام ،( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ،( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قد وفى الله تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه(٢) .

وعن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : أمر الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه الآية(٣) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٤٣٦.

٢ ـ شرح أُصول الكافي ٦ / ١١٩.

٣ ـ مجمع البيان ٣ / ٣٨٢.

٤٢٣

وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنّ الله أوحى إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستخلف علياًعليه‌السلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه(١) .

وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل(٢) .

ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تحقّقت بشقّيها ـ سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب ـ حيث سلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب عليعليه‌السلام .

وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسىعليه‌السلام حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى الله تعالى عنه :( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (٣) ، وقد قتل علياًعليه‌السلام من قريش نفوساً كثيرة.

وأيضاً تحقّق له أمر تصديقهم له ، وتسليمهم لعليعليه‌السلام بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية عليعليه‌السلام ، وقد تحقّق ذلك للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( فايز الزبيدي ـ اليمن ـ ٤٠ سنة )

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه :

س : عندما أرسل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الرسائل إلى قيصر الروم وملك فارس ، يدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ، لم يذكر فيها الإمام علي عليه‌السلام إذ قال

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ٣٨٣.

٢ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٨ ، الأم ٤ / ١٦٨ ، بحار الأنوار ٨٩ / ١٦٤ ، الخرائج والجرائح ٣ / ١٠٤٥.

٣ ـ القصص : ٣٣.

٤٢٤

فيما معناه : « أن تشهد أنّ لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله » ولم يضف : « علي ولي الله » ، لماذا؟

ج : من المعلوم لديكم أنّ أحكام الشريعة المقدّسة قد نزلت بالتدرّج ، ولم تنزل دفعة واحدة ، فإنّك تجد مثلاً أنّ النطق بالشهادتين في أوّل الدعوة مدعاة لعصمة المال والدم ، كما ورد في الأحاديث الشريفة المتضافرة : (لا أزال أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على الله »(١) .

ثمّ بعد نزول الفرائض وتوسّع الأحكام ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شهد أن لا إله إلاّ الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم »(٢) .

لذا فالرسائل التي بعثها النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى رؤساء البلدان في أوّل الدعوة كانت وفق هذا السياق ، وهو إعلان التوحيد الذي أراده الله سبحانه ، بأن لا يشرك به عباده شيئاً ، والإقرار بنبوّة نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي يعني التسليم بكُلّ ما سيبلّغه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للأُمّة ، ومنها ولاية عليعليه‌السلام التي نزل أمر الله سبحانه للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتبليغ بها في آخر الدعوة ، كما هو المعلوم في قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) .

وقد جمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه في ذلك الموقع الذي يقال له غدير خم في حادثة مشهورة معروفة ، ليخبرهم بأمر الله في التبليغ بولاية عليعليه‌السلام ، وبعد التبليغ بولايتهعليه‌السلام نزل قوله تعالى : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا »(٤) .

____________

١ ـ الأُم ٦ / ٤ و ١٧٠ ، المصنّف للصنعاني ١٠ / ١٧٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠ ، المعجم الأوسط ٦ / ٢١٥ و ٢٩٩ ، المعجم الكبير ٢٠ / ٦٣.

٢ ـ صحيح البخاري ١ / ١٠٣ سنن النسائي ٧ / ٧٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٢٨٠.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤ ـ المائدة : ٣.

٤٢٥

نعم ورد التبليغ بولاية عليعليه‌السلام وخلافته بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد خاصّة ـ لا على نحو التبليغ العام كما جرى في غدير خم ـ كما في يوم الدار عند نزول قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) ، حيث قال : النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله آخذاً بيد عليعليه‌السلام : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(٢) .

ولعلّ للتأخّر في الإبلاغ العام بولاية عليعليه‌السلام أسباب كثيرة ، فيها موقع سيف عليعليه‌السلام في الذود عن حمى الرسالة ، ووتره لكُلّ القبائل العربية بقتل أبنائها في الحروب التي واجهوا بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولخصائصه النفسية وقربه الشديد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث جعله موضع حسد البعض وتحاملهم عليه.

لذا نجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يخشى التبليغ بأمر الولاية بشكل عام ، والله سبحانه قد علم من نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الخشية ، فأخبره سبحانه بأنّه سيعصمه من الناس من حيث القتل والتكذيب عند التبليغ ، وقد وفى سبحانه لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما وعده عليه ، حيث سلّم جميع الحاضرين في يوم غدير خم على الإمام عليعليه‌السلام بالولاية.

وقد اشتهر قول عمر في تلك الواقعة : هنيأً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كُلّ مؤمن ومؤمنة(٣) .

____________

١ ـ الشعراء : ٢١٣.

٢ ـ تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٣.

٣ ـ مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ، شرح نهج البلاغة ٥ / ٨ ، نظم درر السمطين : ١٠٩ ، كنز العمّال ١٣ / ١٣٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٢٢ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٢٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤١٧ ، جواهر المطالب ١ / ٨٤.

٤٢٦

الغسل :

( حسن أحمد الملاّح ـ البحرين ـ )

كيفية تغسيل الميت التالف :

س : نرجو التفضّل بإفادتنا حول كيفية إجراء غسل الميت في الحالات التالية :

١ ـ إذا تعرّض الإنسان لحرق أدّى لتفحّم الجثّة ، أو شبه التفحّم ، مع فقدان أعضاء التيمّم ، وعدم إمكان صبّ الماء بالطريقة المتعارفة في عملية الغسل ، خشية الضرر على الجثّة.

٢ ـ في حالة تعرّض الجثّة إلى التعجّن أو ما شابه ـ كما في حالات الكوارث من الطيران أو السيّارات ـ بحيث يختلط العظم باللحم والأحشاء ، ممّا لا يبقي الجثّة على صورتها الطبيعية ، بل يحوّلها إلى كومة من الخليط اللحمي ، أجارنا الله وإيّاكم والمؤمنين والمؤمنات من سوء هذا الأمر.

أفيدونا مأجورين.

ج : لقد ثبت في الفقه الإسلامي وأُصوله : إنّ لكُلّ موضوع حكماً ، وأنّ الحكم تابع للموضوع ، ومع فقد الموضوع يسقط الحكم ، كما أنّ مع تغيّر الموضوع يتغيّر الحكم ، وسقوط الحكم الشرعي إنّما يكون بواحدة من هذه الأُمور :

إمّا بالطاعة ، كمن يتوجّه إليه حكم الصلاة فصلّى ، فإنّ حكم وجوب الصلاة يسقط عنه ، وكذلك يسقط بالمعصية ، كمن لم يصلّ في وقتها

٤٢٧

معصيةً ، فإنّه يسقط عنه حكم الأداء ، ويبقى عليه حكم القضاء ، وقد أثم بترك الأداء لو كان متعمّداً.

وممّا يوجب سقوط الحكم أيضاً فقدان الموضوع ، كوجوب غسل الميت لو كان الميت موجوداً ، ومع عدمه ـ كما لو أكله الحيوان ، أو أخذه السيل ـ فإنّه يسقط الغسل أو التكفين ، ومفروض المسألة : لو كان يمكن غسله ولو بصبّ الماء عليه فإنّه يلزم ذلك ، أمّا لو كان بنحو لا يمكن حتّى صبّ الماء عليه ، فهو بحكم المفقود ، فيلزم سقوط الغسل عنه حينئذٍ.

وعن الإمام علي بن الحسين ، أو عن الإمام الصادقعليهم‌السلام قال : «المجدور والكسير والذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّاً »(١) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه سُئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبّوا عليه الماء صبّاً ، وأن يصلّى عليه(٢) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً قال : « إنّ قوماً أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه »(٣) .

وطبقاً لهذه الروايات الشريفة ، إن أمكن صبّ الماء عليه فليصب ، وإلاّ فيتيمّم ، إن كانت أعضاء التيمّم سالمة ويمكن تيمّمه ، وإلاّ فإنّه يسقط الحكم الشرعي ، أي وجوب الغسل بزوال الموضوع ، أو عدم التمكّن منه.

وجاء في كتاب العروة الوثقى : « القطعة المبانة من الميت ، إن لم يكن فيها عظم ، لا يجب غسلها ولا غيره ، بل تلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم ، وكان غير الصدر تغسل ، وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً.

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢١٣ ، تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٣ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٣٣.

٤٢٨

وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر ، إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصدر ، وإن لم يكن معه لحم.

وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً »(١) .

إن بقي جميع عظام الميّت بلا لحم ، وجب إجراء جميع الأعمال(٢) .

نقول : ولمّا كانت بعض هذه الموارد مورد احتياط واختلاف بين الفقهاء ، فالمفروض أن تسأل من تقلّده ، وترجع إليه في الفتوى.

( ـ البحرين ـ ١٨ سنة )

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة :

س : هل يوجد اختلاف في الغسل بيننا وبين أهل السنّة ، كما هو موجود في الوضوء؟

ج : واجبات الغسل عندنا هي :

أوّلاً : النية ، ثانياً : غسل تمام البشرة ، ثالثاً : الترتيب بين أعضاء الغسل أي بين الرأس والطرفين ، وبين الشقّ الأيمن والأيسر ، رابعاً : تطهير تمام البدن من كُلّ نجاسة.

بينما نجد واجبات الغسل عند أهل السنّة تختلف حسب اختلاف المذاهب :

فقد اتفق الأئمّة الأربعة على أنّ تعميم الجسد كُلّه بالماء فرض ، واختلفوا في داخل الفم والأنف ، فقال الحنابلة والحنفية : إنّه من البدن ، فالمضمضة الاستنشاق فرض عندهما في الغسل ، أمّا الشافعية والمالكية فقد قالوا : إنّ الفرض هو غسل الظاهر فقط ، فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل.

____________

١ ـ العروة الوثقى ٢ / ٤٦.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٤٢٩

واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كُلّ ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ، واتفقوا على إزالة كُلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ، إلاّ أنّ الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر ، إذا كان يتعذّر عليهم إزالته دفعاً للحرج.

واتفقت الشافعية والمالكية على أنّ النية فرض ، وأمّا الحنابلة يقولون : إنّ النية شرط لا فرض ، والحنفية يقولون : إنّها سنّة.

( ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )

الإمامعليه‌السلام يحتاج إليه :

س : هل الإمام المعصوم عليه‌السلام يحتاج إلى غسل؟ وإذا كان الجواب بنعم ، فما معنى طهارتهم في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) ؟

ج : إنّ حكم الغسل جار للمعصوم وغيره ، فالإمامعليه‌السلام يغتسل ويغسّل غسل الميت ، ولهذا ورد أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله(٢) .

وأمّا المقصود من الطهارة للإمامعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) هو : الطهارة من الآفات والمعاصي والذنوب.

فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الآفات والذنوب »(٣) .

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٨٥ ، الخرائج والجرائح ١ / ٢٦٤.

٣ ـ تفسير فرات الكوفي : ٣٤٠.

٤٣٠

الغلوّ :

( ـ ـ سنّي )

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله :

س : أُودّ أن أفهم مدى الغلوّ في الإمام علي؟ وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف أنّ الإمام علي ( كرّم الله وجه ) قال : « أنا عبد من عبيد الرسول »؟

ج : نودّ إعلامك : أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحقّ ) (١) ، لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن الله ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن الله ، وغلوّ في حقّ الله تعالى لأنّهم نسبوا له ولداً ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام عليعليه‌السلام هو الحبّ الذي تكنّه الشيعة له ، فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك الله تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ، يفتح الله عليه » ، فإذا نحن بعليٍ وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففتح الله عليه(٢) .

____________

١ ـ المائدة : ٧٧.

٢ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، مسند أحمد ٥ / ٣٣٣ ، صحيح البخاري ٤ / ٢٠ و ٢٠٧ و ٥ / ٧٦ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٦٢ ، مجمع الزوائد ٦ / ١٥٠ ، مسند أبي داود : ٣٢٠ ، كتاب

٤٣١

وعن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني »(١) .

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كُلّ خير ، وفي موالاته كُلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً ، أعيذك بالله أن تجعل ما فعله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع عليعليه‌السلام لا يتجاوز ما أمرنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في حبّه وولايته.

وأيضاً في قوله تعالى :( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٢) فعن ابن عباس قال :( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ ) يعني يحبّ الله ،( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ،( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ،( فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة الله ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ الله في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «رحم الله علياً ، اللهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

____________

السنّة : ٥٩٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٦ و ١٠٨ و ١٧٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٤٩ و ٥٦ و ٦١ ، المعجم الكبير ٧ / ٣١ و ١٨ / ٢٣٧ ، دلائل النبوّة : ١٢٤ ، شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٤ و ١٣ / ١٨٦ ، نظم درر السمطين : ٩٨ ، كنز العمّال ١٠ / ٤٦٨ و ١٣ / ١٦٢ ، فيض القدير ٦ / ٤٦٥ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٦ ، الثقات ٢ / ١٢ و ٢٦٧ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٨٢ و ٨٨ و ٩٧ و ١١٨ و ١٢٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الإصابة ٤ / ٤٦٦ ، أنساب الأشراف : ٩٣ ، الجوهرة : ٦٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٦ ، البداية والنهاية ٤ / ٢١١ و ٧ / ٢٥١ و ٣٧٢ ، السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٧٩٧ ، المناقب : ١٠٨ و ١٧٠ و ١٩٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٣٥١ ، سبل الهدى والرشاد ٢ / ٣٢ و ١٠ / ٦٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٥٣ و ٢ / ٢٣١ و ٣٩٠ ، النهاية في غريب الحديث ٢ / ١٤٠ ، لسان العرب ١٠ / ٤٣٠ و ١٤ / ٣٥٢ ، تاج العروس ٧ / ١٣٣.

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ، المناقب : ٧٠.

٢ ـ المائدة : ٥٦.

٤٣٢

قال ابن مؤمن ـ من علماء أهل السنّة ـ : « لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي »(١) .

فإذا كان الأمر في علي هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في عليعليه‌السلام ، فهذه مرويّات أهل السنّة تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من السؤال : كيف أنّ الإمام عليعليه‌السلام روح من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فإنا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني به إمّا قبل الخلقة ، وإمّا بعد الخلقة :

أمّا قبل الخلقة : فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجزء عليعليه‌السلام ، وهذا الحديث قد تواتر عند علماء أهل السنّة ، كما تواتر عند علماء الشيعة ، فعن سلمان المحمّدي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب »(٢) .

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين : أحدهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والآخر عليعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة : فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى :( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا

____________

١ ـ شواهد التنزيل ١ / ٢٤٦.

٢ ـ نظم درر السمطين : ٧ و ٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، جواهر المطالب ١ / ٦١ ، ينابيع المودّة ١ / ٤٧ و ٢ / ٣٠٧ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٧١ ، المناقب : ١٤٥ ، الرياض النضرة ٣ / ١٠٣.

٤٣٣

وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (١) ، فعن جابر :( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول الله وعلي ،( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ،( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(٢) .

وعن ابن عباس قال : نزلت في رسول الله وعلي( وَأَنفُسَنَا ) (٣) ، وقال الشعبي :( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(٤) .

والخطاب كان موجّهاً من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للنصارى بقوله: ( وَأَنفُسَنَا ) ، يعني نفس النبيّ الذي هو علي ، لأنّ الضمير « نا » وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي ، فعليعليه‌السلام نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمقتضى سياق الآية.

هذا ما أمكننا ذكره في هذه العجالة ، ومنه ثبت أنّ علياً نفس النبيّ ، أي روحه كما عبّرت في سؤالك.

وعن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي »(٥) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي منّي وأنا منه » يعني أنّ « من » التي تفيد التبعيض ، تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ، أي امتداد له وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدّعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

____________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٣٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٣٧٩.

٣ ـ شواهد التنزيل ١ / ١٦٠.

٤ ـ أسباب نزول الآيات : ٦٨.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٢ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، الآحاد والمثاني ٣ / ١٨٣ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ و ١٢٨ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٠ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦ ، نظم درر السمطين : ٧٩ ، الجامع الصغير ٢ / ١٧٧ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ، كشف الخفاء ١ / ٢٠٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥ ، تهذيب الكمال ٥ / ٣٥٠ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٢١٢ ، الجوهرة : ٦٣ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ و ٧ / ٣٩٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٧٨ و ٩٦ و ٣ / ١٤٣ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٥٦.

٤٣٤

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ عليعليه‌السلام ومنزلته ، فعن ابن السمّاك : أنّ أبا بكر قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :« لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (١) .

أمّا قولك : إنّ علياًعليه‌السلام قال :« أنا عبد من عبيد الرسول » ، فهذا لا ينافي عبودية علي لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول الله عبد لله تعالى ، ومعنى قوله :« أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي أنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرواً ، فالعبد هنا تابع لسيّده ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص علي للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

( هادي محمّد ـ الكويت ـ )

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ :

السؤال : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالةً ، بل كُلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومينعليهم‌السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر ، لو أُريد منها معانيها الظاهرية أمثال قولهمعليهم‌السلام : « نحن الأوّل ، والآخر ، والظاهر ، والباطن» وإلى غير ذلك.

فنقول وبالله التوفيق : إنّ الأُمّة المحمّدية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومينعليهم‌السلام

____________

١ ـ ذخائر العقبى : ٧١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٠٤ و ٣ / ٢٣٠ ، الصواعق المحرقة ٢ / ٣٦٩ ، الرياض النضرة ٣ / ١١٨.

٤٣٥

بالرجال الثقات والممدوحين ، وعليه فكُلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً لا قيمة له ولا حجّية ، من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نُسب ، وما أرسل منه أو رفع ، أو وقف له أحكامه الخاصّة به ، مذكورة في محلّها ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل ـ بالمعنى الأعم ـ مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : صرف وجود خطبة أو رواية في كتاب ـ مهما كان ـ لا يكفي على مذهب الإمامية للحجّية ، ما لم يقرن بقرائن خاصّة مذكورة في محلّها ، وهذا ما يسمّى بالوجادة ، التي لا حجّية فيها ولا سندية لها في نفسها.

ثالثاً : إنّ إعراض العلماء موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً وهو في مرأى ومسمع منهم ، وأيضاً عدم وجوده في كتب الأُصول « لأُم» عند الطائفة ، وعدم درجه فيها مضعّف له.

رابعاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض ـ الأخبار العلاجية ـ وما ورد عنهمعليهم‌السلام مستفيضاً من قولهم عن الحديث : «ما خالف كتاب الله فهو : زخرف : لم نقله : وأضربه عرض الجدار ، و ... » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كُلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام فنقول :

أوّلاً : لقد نُسب للسيّد الخوئيقدس‌سره في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للرّد والإبرام ، خصوصاً مع كون «حديثنا صعب مستصعب » ، وقولهمعليهم‌السلام : « ردّوه إلينا » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى من غير من هو أهل لذلك.

٤٣٦

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى :( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ) (١) ، وقوله عزّ من قائل :( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله عزّ اسمه :( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (٣) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهمعليهم‌السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ بالله.

ولبّ الجواب عليه ـ فضلاً عمّا سلف ـ هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهمعليهم‌السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهمعليهم‌السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : «أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة »(٤) .

ب ـ سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام : كيف أصبحت؟ فقال : «أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا

____________

١ ـ النجم : ٤٣ ـ ٤٤.

٢ ـ الحديد : ٣.

٣ ـ البقرة : ٢٥٨.

٤ ـ إعلام الورى ١ / ٥١ ، كشف الغمّة ١ / ١٣.

٤٣٧

الآخر ، وأنا الباطن وأنا الظاهر ، وأنا بكُلّ شيء عليم ، وأنا عين الله ، وأنا جنب الله ، وأنا أمين الله على المرسلين ، بنا عبد الله ، ونحن خزّان الله في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ».

فتعجّب الإعرابي من قوله ، فقالعليه‌السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن بطين من العلم ، وأنا بكُلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكُلّ شيء أخبر الله به نبيّه فأخبرني به ، فأمّا عين الله ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب الله ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في الله ، ولم يخبر لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتماً من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيين محمّد سيّد النبيين ، فأنا سيّد الوصيين.

وأمّا خزّان الله في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول الله ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) »(١) .

ج ـ روي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : «ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون » ، قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : «قوموا بنا » ، فدخل الدار.

فقال : «أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن » ، فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا.

فقال عليعليه‌السلام للباب : «يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب ، فقال : «ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون؟!

____________

١ ـ آل عمران : ١٦٩ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٠٥.

٤٣٨

تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّى آمنتم بالله ورسوله ، وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن بالله وأسلم ، وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبه ودفنه ، وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنا فرّج الله عنك(١) .

د ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا وجه الله ، أنا جنب الله ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل الله ، وبه عزمت عليه ».

قال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(٢) .

وعلّق عليه العلاّمة المجلسيقدس‌سره بقوله : « وبه عزمت عليه ، أي بالله أقسمت على الله عند سؤال الحوائج عنه »(٣) .

( ـ البحرين ـ )

ليس عندنا غلوّ :

س : يطلقون علينا ألفاظ كالرافضة والغلاة ، فما معنى الغلوّ لغة واصطلاحاً؟ وهل ينطبق علينا الغلوّ واقعاً؟

ج : إنّ الغلوّ لغة هو : مجاوزة الحدّ ، قال ابن منظور : « وغلا في الدين ، والأمر يغلو غلوّاً : جاوز حدّه التهذيب : قال بعضهم : غلوت في الأمر غلوّاً وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ ، وأفرطت فيه »(٤) .

____________

١ ـ الاختصاص : ١٦٣.

٢ ـ اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٧١.

٣ ـ بحار الأنوار ٣٩ / ٣٤٩.

٤ ـ لسان العرب ١٥ / ١٣٢.

٤٣٩

فالغلوّ : هو الارتفاع والتجاوز للحدّ ، وهو في كُلّ شيء بحسبه.

أمّا الغلوّ اصطلاحاً هو : تجاوز أشخاص البشر عن مقاماتها من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم ، كما في قوله تعالى :( لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ) (١) ، وهذا وارد بحقّ النصارى في عيسىعليه‌السلام ، حين رفعوه من مقام النبوّة إلى مقام الربوبية والأُلوهية.

والغالي في الإسلام : الذي يقول في محمّد وآلهعليهم‌السلام بما لا يقولون : كأنّ يدّعي فيهم النبوّة والأُلوهية ، كالغلاة الذين قالوا بأُلوهية الإمام عليعليه‌السلام ، فحكم فيهم بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّةعليهم‌السلام عليهم بالإكفار ، والخروج عن الإسلام.

أمّا نحن الشيعة الإمامية الإنثا عشرية فلا ندّعي في أئمّتناعليهم‌السلام شيئاً من ذلك ، بل نقول فيهم كما قال الإمام عليعليه‌السلام : «لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا »(٢) .

لذا تجدنا نقول في زيارتهمعليهم‌السلام : السلام على عباد الله المكرمين ، السلام على عباد الله المخلصين.

____________

١ ـ المائدة : ٧٧.

٢ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٣٣.

٤٤٠

الغناء والموسيقى :

( محمّد سلمان الغافلي ـ السعودية ـ )

نصوص التحريم :

س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟

ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :

١ ـ قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) .

حيث فسّرت الأخبار ـ من العامّة والخاصّة ـ لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا »(٢) .

وسئلعليه‌السلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها »(٣) ، وقالعليه‌السلام : « الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ ) »(٤) .

٢ ـ قوله تعالى :( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٥) .

____________

١ ـ لقمان : ٦.

٢ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ١٩٣.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤ ـ الكافي ٦ / ٤٣٣ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢٠٧.

٥ ـ الحجّ : ٣٠.

٤٤١

حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء(١) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (٢) .

حيث فسّرت الزور باللهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل(٣) .

وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.

فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : والله ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقالعليه‌السلام : « لله أنت أمّا سمعت الله عزّ وجلّ يقول :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٤) »(٥) .

وسُئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقالعليه‌السلام : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٦) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كان إبليس أوّل من تغنّى »(٧) .

وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول الله ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.

____________

١ ـ التبيان ٧ / ٣١٢ ، مجمع البيان ٧ / ١٤٨.

٢ ـ الفرقان : ٧٢.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ٢٤٤.

٤ ـ الإسراء : ٣٦.

٥ ـ الكافي ٦ / ٤٣٢.

٦ ـ المصدر السابق ٥ / ١٢٠.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ / ٤٠.

٤٤٢

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك الله حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم الله من رزقه مكان ما أحلّ الله من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى الله ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً »(١) .

٤ ـ قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (٢) .

قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا »(٣) .

٥ ـ خطاب الله تعالى لإبليس :( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (٤) .

قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللهو »(٥) .

وقد جاء في السنّة الشريفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك »(٦) .

( ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ بكالوريوس )

حرمتهما عقلاً :

س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟

____________

١ ـ المعجم الكبير ٨ / ٥١ ، مسند الشاميين ٤ / ٣٩٠ ، كنز العمّال ١٥ / ٢٢٢.

٢ ـ النجم : ٦١.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٣.

٤ ـ الإسراء : ٦٤.

٥ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٨.

٦ ـ فتح القدير ٤ / ٢٣٦ ، مجمع الزوائد ٨ / ١١٩ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٠٤ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٥٩.

٤٤٣

لو فكّرنا أنّ الله حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!

تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.

أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.

ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً ـ لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث ـ وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى باللهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) (١) .

فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى ـ كالواجبات مثل قراءة القرآن ـ وعدم طاعة الكافرين والمنافقين ـ وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء ـ وهذا كُلّه

____________

١ ـ الأحزاب : ١ ـ ٤.

٤٤٤

يحتاج إلى تقوى في النفس من الله تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على الله لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.

كما أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : «جهاد النفس »(١) .

ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى :( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

( ـ ـ )

تعريف الغناء وروايات في تحريمه :

س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.

ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.

وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.

____________

١ ـ الكافي ٥ / ١٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٥٣ ، معاني الأخبار : ١٦٠.

٤٤٥

استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :

١ ـ عن عبد الله بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فحين استقبلني قال : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».

قال : فما زال يقول : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : والله ما عنى غيري(١) .

٢ ـ عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٢) .

٣ ـ عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها »(٣) .

٤ ـ عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت »(٤) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٧٢٠.

٢ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٣ ـ الاستبصار ٣ / ٦١.

٤ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٤٤٦

٥ ـ عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك »(١) .

٦ ـ عن أبي أُسامة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «الغناء غشّ النفاق »(٢) .

٧ ـ عن يونس قال : سألت الخراسانيعليه‌السلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفرعليه‌السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت »(٣) .

٨ ـ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : «منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت »(٤) .

٩ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «شرّ الأصوات : الغناء »(٥) .

١٠ ـ عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر »(٦) .

١١ ـ عن عنبسة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع »(٧) .

____________

١ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٣٣.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٥.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٥.

٤ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٩.

٥ ـ المقنع : ٤٥٦.

٦ ـ الخصال : ٢٤.

٧ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤٤٧

٤٤٨

الغيبة :

( أبو جعفر ـ البحرين ـ )

الدليل العقلي على غيبة الحجّة :

س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟

ج : إنّ الله تعالى وعد ـ ووعده الحقّ ـ بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) .

وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا في زمن الأئمّةعليهم‌السلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّةعليهم‌السلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل ـ ولا يتحقّق وعد الله تعالى ـ فالله تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمامعليه‌السلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما

____________

١ ـ التوبة : ٣٣.

٤٤٩

ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن الله تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.

( ـ الكويت ـ )

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :

س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليه‌السلام حجّة الله على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام الله التوفيق لكم.

ج : قد سُئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهديعليه‌السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب »(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام ـ بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور ـ : «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(٢) .

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : «وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(٣) .

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهديعليه‌السلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :

١ ـ الإمام المهديعليه‌السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

____________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٥٣ ، كفاية الأثر : ٥٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٥٣ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الاحتجاج ٢ / ٢٨٤.

٤٥٠

٢ ـ إنّ منكر وجودهعليه‌السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

٣ ـ إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبتهعليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

٤ ـ إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

٥ ـ إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر الله ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :

س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.

السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّةعليه‌السلام ؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهم‌السلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟

٤٥١

ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّةعليهم‌السلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود ـ كما قرّر في محلّه ـ.

ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية ـ إن وجدت ـ فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.

وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.

مضافاً إلى أنّ الله تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ لحكم الإمامعليه‌السلام .

ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.

ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهمعليه‌السلام .

٤٥٢

( منصور جواد ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :

س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.

وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟

ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهديعليه‌السلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ )

أسباب غيبة الإمام المهدي :

س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

ج : إنّ غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابهعليه‌السلام :

١ ـ الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظرعليه‌السلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو

٤٥٣

الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمامعليه‌السلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمامعليه‌السلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقالعليه‌السلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل(١) .

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهورهعليه‌السلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار »(٢) .

٢ ـ الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمامعليه‌السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه »(٣) .

ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) ، وقال تعالى :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٥) .

____________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٦ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٢٩.

٣ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٥ ، الكافي ١ / ٣٣٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩١.

٤ ـ الملك : ٢.

٥ ـ العنكبوت : ٢.

٤٥٤

وغيبة الإمامعليه‌السلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

٣ ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة »(١) .

٤ ـ عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمامعليه‌السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : «كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قالعليه‌السلام : «لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ «لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف »(٢) .

وأعلن الإمام المهديعليه‌السلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائيعليهم‌السلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي »(٣) .

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهورهعليه‌السلام .

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٦٨ و ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٣ / ٣١٠.

٢ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢.

٤٥٥

( فاطمة حسن ـ ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.

الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّةعليه‌السلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ الله عزَّ وجلّ يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى» (٢) .

فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :

١ ـ الغيبة سرّ مِن أسرار الله فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمامعليه‌السلام واستشهد بالآية.

٢ ـ غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.

٣ ـ إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.

٤ ـ الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.

____________

١ ـ المائدة : ١٠١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥.

٤٥٦

٥ ـ طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه له تأثير عند الله بتقريب ظهوره.

٦ ـ إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهديعليه‌السلام في غيبته كذلك.

٧ ـ إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ الله به البلاد والعباد.

٨ ـ قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.

٩ ـ إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى الله تعالى.

١٠ ـ إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ الله التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.

جعلنا الله وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.

وعلى كُلّ واحد ـ أينما كان ـ أن يجعل ارتباطه بالله تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.

نسألكم الدعاء.

( يوسف ـ الكويت ـ )

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :

س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمرعليه‌السلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيتعليهم‌السلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّةعليهم‌السلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على

٤٥٧

منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.

وبما أنّ الإمام المهديعليه‌السلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.

وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهديعليه‌السلام ، ولو قلنا بإمامته ـ مع غيبته ـ فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.

أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.

ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها ـ كما ذكر في محلّه ـ ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمامعليه‌السلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمامعليه‌السلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمامعليه‌السلام .

نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّةعليه‌السلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهتهعليه‌السلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.

وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمامعليه‌السلام ـ لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».

٤٥٨

( حيدر ـ ـ )

لا يطرأ عليها البداء :

س : شكراً على الإجابة.

لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم الله ورعاكم.

ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهديعليه‌السلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.

نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.

وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قالعليه‌السلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قالعليه‌السلام : «إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد »(١) ، وفيها إشارة إلى الآية( إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٢) .

( جاسم محمّد علي ـ الكويت ـ )

شبهات وردود حول مسألة السرداب :

س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.

____________

١ ـ الغيبة للنعماني : ٣٠٣.

٢ ـ آل عمران : ٩ ، الرعد : ٣٣.

٤٥٩

ج : كان الإمام المهديعليه‌السلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب ـ ولا يزال حتّى اليوم ـ يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.

فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.

وحين بدأت غيبته الكبرىعليه‌السلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض الله الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ الله ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهديعليه‌السلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.

فقد عرفنا أنّ الإمام المهديعليه‌السلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره الله لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.

وعلينا نحن إلى ذلك الوقت ـ وقت ظهوره الشريف ـ أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585