موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253048 / تحميل: 6993
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أقول : تخيّلوا معي ، لو أنّ المسلمين اليوم تسابقوا مع زوجاتهم ، تأسّياً بما رواه أئمّتهم عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق؟ أين آداب الطريق يا رسول الله؟ أين هي الغيرة؟ وهل من الخُلق العظيم أن يتسابق الرجل مع زوجته؟ وهل يبقى لرسول الله ولأُمّ المؤمنين عائشة هيبة إذا رآهما أحد؟!

وعن أبي سلمة قال : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة ، فسألها أخوها عن غسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت ، وافاضت على رأسها ، وبيننا وبينها حجاب(١) .

سؤال : هل يعقل أن يصدر هذا الفعل من امرأة ، يفترض أن تكون عنواناً للعفّة والأخلاق ، وقدوة حسنة للمؤمنات ، بحكم كونها أُمّهم؟! فماذا ترون يا سادة يا كرام ، فيمن يرمي نبيّكم بهذا الكلام؟

( غانم النصار ـ الكويت ـ )

حكمها في الدنيا الإسلام :

س : هل يقول كبار علماء الشيعة بأنّ عائشة كافرة؟ جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ حكمها في هذه الدنيا الإسلام ، وكونها مسلمة ، وما ارتكبته من مخالفات لله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ هذا متعلّق بيوم القيامة.

( جعفر صادق ـ البحرين ـ )

خلاصة حرب الجمل :

س : ما هي خلاصة حرب الجمل؟

ج : بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايع الناس الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومن بين المبايعين طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وطلباً منهعليه‌السلام أن يولّيهما بعض ولاياته ، ولكن الإمامعليه‌السلام قال لهما : «واعلما إنّي لا أشرك في

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ٦٨.

٢٤١

أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ، ومن عرفت دخيلته »(١) ، فداخلهما اليأس من المنصب ، فاستأذناه للعمرة ، وخرجا من المدينة إلى مكّة ناكثين بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا وصلا إلى مكّة دخلا على عائشة ، وأخذا يحرّضانها على الخروج ، فخرجت عائشة معهما على جمل ـ مطالبة بدم عثمان ـ قاصدين الشام ، فصادفهم في إثناء الطريق عبد الله بن عامر ـ عامل عثمان على البصرة ـ قد صرفه أمير المؤمنينعليه‌السلام بحارثة بن قدامة السعدي ، فرجّح لهم البصرة ، لما فيها من كثرة الضيع والعدّة ، فتوجّهوا نحوها ، فمانع عنها عثمان بن حنيف ، والخزّان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، ثمّ اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته.

ولمّا سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام بوصولهم ، جهّز جيشاً وخرج إلى البصرة ، ولمّا وصلها بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلاّ الحرب لقتاله.

ثمّ أخذ الإمامعليه‌السلام يناشد طلحة والزبير فلم تنفع معهما ، عند ذلك نشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن قتل ستة عشر ألف وسبعمائة وسبعون رجلاً من أصحاب الجمل ، وأربعة آلاف رجلاً من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وانكسار جيش أصحاب الجمل.

ثمّ إنّ الإمامعليه‌السلام أمر محمّد بن أبي بكر ، أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث ، ثمّ أمر بإرجاعها إلى المدينة ، ورجع هوعليه‌السلام إلى الكوفة.

هذا ، ومع العلم بأنّ أكثر المؤرّخين ذكروا : أنّ عائشة كانت من أوائل المحرّضين على قتل عثمان ، وعباراتها مشهورة ومعروفة : « اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً فقد كفر» !!(٢) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣١.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥ و ٢٠ / ١٧ ، تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، الإمامة والسياسة ١ / ٧٢.

٢٤٢

( أبو الزين ـ الأردن ـ )

تفسير القمّي في قوله تعالى :( فَخَانَتَاهُمَا )

س : أيّها الأحبّة ، جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً فَخَانَتَاهُمَا ) (١) : « والله ما عنى بقوله :( فَخَانَتَاهُمَا ) إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى »(٢) .

فكيف بعد ذلك تنفون الموضوع بشدّة وتقولون : الشيعة قاطبة على القول بأنّ الآية نازلة في حقّ مارية ، مع أنّ طائفة قليلة من علمائهم فقط أشارت لذلك.

ثمّ أودّ أن أسألكم : هل أنّ زوجات الأنبياء متّفق عند الإمامية على منع وقوع الفاحشة منهن شرعاً تكريماً للنبي؟ أم أنّ في المسألة خلاف؟ وشكراً.

ج : بالنسبة للرواية المنقولة من تفسير القمّي فيلاحظ :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية ـ ومنها إجماع الإمامية ـ قائمة على تنزيه زوجات الأنبياءعليهم‌السلام من الفواحش ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياءعليهم‌السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

ثانياً : لا يوجد هناك تفسير شيعي يشير إلى أنّ الآية المذكورة قد نزلت في حقّ مارية ، وأغلب الظنّ أنّ الذين أسندوا هذا القول للشيعة خلطوا بين هذه الآية وبين شأن نزول الآيات الأوّل من السورة ، التي وردت روايات كثيرة بأنّها نزلت في حقّ مارية ، عندما أفشى بعض زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سرّها.

ثالثاً : إنّ الرواية المذكورة ليست تامّة السند ، فللبحث السندي فيها مجال ، فمثلاً : أنّ الروايات الموجودة في نفس الصفحة كُلّها مسندة إلى المعصومعليه‌السلام ، ولكن هذه الرواية بظاهرها هي مقول قول علي بن إبراهيم ، ولم يسندها إلى الإمامعليه‌السلام .

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ٣٧٧.

٢٤٣

مضافاً إلى أنّ إسناد تفسير القمّي ليست كُلّها معتبرة ، ففيها الصحيح وفيها غيره ، فلابدّ من ملاحظة السند في كُلّ مورد ، وهو كما ترى في المقام.

رابعاً : إنّ الرواية لم تصرّح باسم الشخص ، ولا يمكننا الجزم بنية القائل في استعمال فلان وفلانة ، وتمييزهما دعوى بدون دليل.

خامساً : من المسلّم القطعي بإجماع المسلمين ، حرمة نكاح زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بصراحة :( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (١) ، فكيف يحتمل مخالفة هذا الحكم القطعي بمرأى ومسمع من المسلمين؟!

وبالجملة : فالاستدلال المذكور مفنّد من أساسه عقلاً ونقلاً.

( أبو توفيق ـ السعودية ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة :

س : أمّا بعد ، هل قال أحد من علماء الإمامية : بأنّ عائشة قد زنت؟ علماً بأنّ عثمان الخميس في مناظرته على قناة المستقلّة ذكر : أنّ القمّي والمجلسي ورجب البرسي قد ذكروا هذا الفعل من عائشة ، ولم يرد السيّد محمّد الموسوي كلامه.

أفيدونا جزاكم الله خيراً.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية ـ ومنها إجماع الإمامية ـ قائمة على تنزيه زوجات الأنبياءعليهم‌السلام من الفاحشة ـ أي الزنا ـ ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياءعليهم‌السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

وعليه فما ادّعاه عثمان الخميس ـ من أنّ المجلسي والقمّي والبرسي ذكروا في كتبهم زنا عائشة ـ فهو كذب وافتراء عليهم ، ولا صحّة له من الواقع ، فهذه كتبهم ومؤلّفاتهم مطبوعة ، وفي متناول أيدي الناس.

____________

١ ـ الأحزاب : ٦.

٢٤٤

نعم ، قال القمّي عند تفسير قوله تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (١) ما نصّه : « والله ما عنى بقوله فخانتاهما إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى قال لها فلان : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم ، فزوّجت نفسها من فلان »(٢) .

وقد نقل العلاّمة المجلسي هذا عن القمّي وقال عنه ما نصّه : « فيه شناعة شديدة ، وغرابة عجيبة ، نستبعد صدور مثله عن شيخنا علي بن إبراهيم ، بل نظنّ قريباً أنّه من زيادات غيره ، لأنّ التفسير الموجود ليس بتمامه منهقدس‌سره ، بل فيه زيادات كثيرة من غيره ، فعلى أيّ هذه مقالة يخالفها المسلمون بأجمعهم ـ من الخاصّة والعامّة ـ وكُلّهم يقرّون بقداسة أذيال أزواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا ذكر ، نعم بعضهم يعتقدون عصيان بعضهنّ لمخالفتها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام »(٣) .

وجاء في البحار بعد نقله قول القمّي ما نصّه :

« بيان : المراد بفلان طلحة ، وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأُصول ، وإن كان قد يبدو من طلحة ما يدلّ على أنّه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك ، لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلاً ونقلاً وعرفاً وعادةً ، وترك التعرّض لأمثاله أولى »(٤) .

ومن هذا يتّضح أنّ العلاّمة المجلسي مجرد ناقل قول القمّي ، ورادّ عليه ، فكيف يتّهمه الخميس بأنّه قائل بذلك.

وأمّا الحافظ البرسي ، فعلى فرض أنّه نقل شيئاً من ذلك ، فعلماؤنا لا يأخذون بما تفرّد بنقله.

____________

١ ـ التحريم : ١٠.

٢ ـ تفسير القمّي ٢ / ٣٧٧.

٣ ـ بحار الأنوار ٢٢ / ٢٤٠.

٤ ـ المصدر السابق ٣٢ / ١٠٧.

٢٤٥

وقال العلاّمة المجلسي حول كتب البرسي : « ولا اعتمد على ما يتفرّد بنقله ، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع »(١) .

( المنصور ـ البحرين ـ )

زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها كان بأمر الله :

س : هل زواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من عائشة بأمر من الله تعالى؟

ج : إنّ زواج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من عائشة كان بأمر من الله تعالى ، ومن ضمن الأهداف التي تحصّلت من هذا الزواج وغيره ارتباط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع قبائل العرب ، فهناك حكمة إلهية وتدبير منه تعالى ، وتمييز من يطيعه عمّن يعصيه ، ولا ينفعها ذلك إن كانت خانت الله والرسول ، بخروجها على إمام زمانها

قال تعالى :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٢) .

( ألياس ـ السعودية ـ ٢٤ سنة ـ طالب جامعة )

موقفها من دفن الحسن :

س : هل توجد أدلّة في كتب التاريخ عن ما جرى في دفن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، من منع دخول الإمام الحسين عليه‌السلام بجثمان أخيه من قبل عائشة وقولها : أتدخلون بيتي من لا أحبّ؟

ج : نعم ، ذكرت كتب التاريخ والسير موقف عائشة من دفن الإمام الحسنعليه‌السلام ، وإليك بعضها :

____________

١ ـ المصدر السابق ١ / ١٠.

٢ ـ التحريم : ١٠.

٢٤٦

١ ـ روى الشيخ الكلينيقدس‌سره بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « لمّا احتضر الحسن بن عليعليهما‌السلام قال للحسين : يا أخي إنّي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيّئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمةعليها‌السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع.

واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قُبض الحسنعليه‌السلام وضع على سريره ، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّى على الحسنعليه‌السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فادخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بلغ عائشة الخبر ، وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ـ فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ـ فوقفت وقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول الله حجابه.

فقال لها الحسين بن عليعليهما‌السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول الله قربه ، وإنّ الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحدث به عهداً.

واعلمي أنّ أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره ، لأنّ الله تبارك وتعالى يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (١) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجال بغير أذنه ، وقد قال الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (٢) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٥.

٢ ـ الحجرات : ٢.

٢٤٧

إذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المعاول ، وقال الله عزّ وجلّ :( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (١) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتالله يا عائشة ، لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللهعليهما‌السلام جائزاً فيما بيننا وبين الله ، لعلمت أنّه سيدفن ، وإن رغم معطسك ».

قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.

قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسينعليه‌السلام : « وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ».

قال : فقالت عائشة للحسينعليه‌السلام : نحّوا ابنكم ، واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.

قال : فمضى الحسينعليه‌السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع »(٢) .

٢ ـ قال الشيخ الحرّ العامليقدس‌سره : لمّا توفّي الحسنعليه‌السلام مسموماً ، وخرج به أخوه الحسينعليه‌السلام ليجدد به العهد بقبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرجت عائشة على بغلة شهباء ، يحف بها بنو أُمية وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ ، إنّ دفن الحسن في بيتي لتجز هذه ، وأومأت إلى ناصيتها.

____________

١ ـ الحجرات : ٣.

٢ ـ الكافي ١ / ٣٠٢.

٢٤٨

وليت شعري ألم تسمع أُمّ المؤمنين قول جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه : « اللهم إنّي أحبّه فاحبّه ، وأحبّ من يحبّه »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم إنّ هذا ابني وأنا أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن »(٣) (٤) .

٣ ـ روى ابن عساكر بسنده عن أبي عتيق قال : « سمعت جابر بن عبد الله يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي ومروان بن الحكم ، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال فليدفن بالبقيع ، فأبى مروان أن يدعه ، ومروان يومئذ معزول ، يريد أن يرضي معاوية بذلك ، فلم يزل مروان عدوّاً لبني هاشم حتّى مات.

قال جابر : فكلّمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبد الله اتق الله ، فإنّ أخاك كان لا يحبّ ما ترى ، فادفنه بالبقيع مع أُمّه ففعل »(٥) .

____________

١ ـ مسند أحمد ٢ / ٢٤٩ و ٣٣١ و ٥٣٢ ، صحيح البخاري ٣ / ٢٠ و ٧ / ٥٥ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٧٦ ، مسند الحميدي ٢ / ٤٥١ ، مسند ابن الجعد : ٢٩٥ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٩ ، مسند أبي يعلى ١١ / ٢٧٩ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٤١٧ ، المعجم الكبير ٣ / ٣٢ ، نظم درر السمطين : ١٩٨ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ١٧٦ و ١٨٦ و ١٩٢ و ٢٨٨ ، تهذيب الكمال ٦ / ٢٢٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٥٠ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٨ ، سبل الهدى والرشاد ٩ / ٣٦٩ و ١١ / ٦٤ ، ينابيع المودّة ٢ / ٤٤ ، ذخائر العقبى : ١٢٢.

٢ ـ كنز العمّال ١٣ / ٦٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ١٩٧.

٣ ـ الجامع الصغير ٢ / ٦٠٩ ، موارد الظمآن : ٥٥٣ ، كنز العمّال ١٢ / ١١٦ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٠٩ ، الأنساب ٣ / ٤٧٦ ، البداية والنهاية ٨ / ٣٩ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٠٢.

٤ ـ وسائل الشيعة ١ / ٣٥.

٥ ـ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٧.

٢٤٩

وعن ابن عمر قال : « حضرت موت حسن بن علي ، فقلت للحسين : اتق الله ولا تثر فتنة ، ولا تسفك الدماء ، وادفن أخاك إلى جنب أُمّه ، فإنّ أخاك قد عهد بذلك إليك ، فأخذ بذلك الحسين »(١) .

٤ ـ جاء في تاريخ اليعقوبي : « وقيل : إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت »(٢) .

( ـ ـ سنّي )

كانت مخطئة ومخالفة لأمر الله ورسوله :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل ما سمعت عن كره الشيعة للسيّدة عائشة صحيح؟ جزاكم الله كُلّ خير.

ج : إنّ مسألة الحبّ والبغض من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين كافّة ، وهي الحبّ في الله ، والبغض في الله ، وكذلك الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعدائه.

قال تعالى :( لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) .

____________

١ ـ المصدر السابق ١٣ / ٢٨٨.

٢ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٥.

٣ ـ المجادلة : ٢٢.

٢٥٠

ولا عداء شخصي للشيعة مع أحد أبداً ، وإنّك ترى أنّ أهل البيتعليهم‌السلام يرحمون حتّى أعداءهم وقاتليهم ، ويبكون عليهم ويوصون بهم.

وترى أنّ الشيعة يتعاملون مع المسلمين كافّة كُلّ بحسبه ، فالمؤمن الصادق موقّر لديهم ، وإن كان ابن كافر ، والمنحرف مذموم لديهم ، وإن كان ابن أو أخ إمام.

فهذا عمّار وسلمان وأبو ذر والمقداد وأُمّ سلمة وعبد الله بن عباس ومحمّد بن أبي بكر ، وغيرهم من المؤمنين الملتزمين الممدوحين في الأحاديث الشريفة الصحيحة.

وها هو عبيد الله بن العباس وجعفر الكذّاب ، وغيرهم من السادة الهاشميين ، ولكنّهم يتبرّأون منهم ، ويبغضون أعمالهم.

فنحن لدينا موازين شرعية نضع الناس بحسبها لا بأهوائنا ولا بالنسب ، وإنّما بالتقوى والسيرة الحسنة ، أو العكس لأيّ شخص كائناً من كان.

وأمّا بخصوص عائشة ، فقد ثبت أنّها آذت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من المواقف ، كما في قصّة المغافير ، وتهديد الله تعالى لها أشدّ تهديد في القرآن لأحد من العالمين ، قال تعالى :( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (١) ، وكذلك في الكثير من أقوالها وأفعالها معهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكذلك موقفها من الإمام عليعليه‌السلام بعد تحذير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاها من ذلك الخروج ، وحرب أمير المؤمنين والخروج على إمام زمانها.

وأيضاً موقفها من دفن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام مع جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعدم إذنها بذلك ، وغير ذلك ممّا هو معلوم لدى الجميع.

فموقفنا ليس شخصياً وعداءً لذاتها ، بل هو موقف من أعمالها ، وعدم كونها بمستوى المسؤولية والموقع الرفيع ، بكونها زوجة خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________

١ ـ التحريم : ٤.

٢٥١

وقد قال تعالى :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (١) ، وكان عمر في زمن خلافته يمنعهن حتّى من الخروج للحجّ ، حتّى أذن لهن في آخر خلافته ، فكيف بالخروج على إمام زمانها ومحاربته.

فإنا نعتقد أنّها كانت مخطئة ومخالفة لأمر الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى هذا فالدليل يسوقنا إلى عدم موالاتها ، ولا غرابة ، فالقرآن يعلّمنا البراءة من زوجة نوح ولوط ، وموالاة آسية امرأة فرعون.

( عيسى الشيباني ـ الإمارات ـ ٢٦ سنة ـ طالب ثانوية عامّة )

كانت تعلم بمبايعة الناس لعليعليه‌السلام :

س : وفّقكم الله لخدمة الإسلام والمسلمين ، وأظهر الحقّ على لسانكم وفي كتبكم المقدّسة ، يدّعي البعض بأنّ خروج عائشة في معركة الجمل عن عدم درايتها بأنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد تمّت له البيعة ، واستلام الخلافة له , وبالتالي هي معذورة في خروجها على الإمام في تلك الحرب ، حيث أنّها لو علمت لما خرجت على رأس الجيش؟

الرجاء توضيح هذه الشبهة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : المعروف أنّ واقعة الجمل كان سببها خروج عائشة مع طلحة والزبير للمطالبة بدم عثمان ، إلاّ أنّ الثابت تاريخياً أنّ عائشة هي التي حرّضت الناس على قتل عثمان بن عفّان ، وأصدرت فتوى بقتله بعد نعته بنعثل اليهودي ، وقالت : « اقتلوا نعثلاً فقد كفر »(٢) ، تعني عثمان ، وفي رواية أُخرى : « اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً »(٣) تعني عثمان ، ونعثل هو رجل يهودي كان يعيش في

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٠ ـ ٣٣.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٧ ، شيخ المضيرة أبو هريرة : ١٧١.

٣ ـ تاج العروس ٨ / ١٤١ ، لسان العرب ١١ / ٦٧٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥ و ٢٠ / ٢٢.

٢٥٢

المدينة طويل اللحية ، بل ورد أنّ حفصة وعائشة قالتا لعثمان : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاك نعثلاً تشبيها بنعثل اليهودي »(١) ، وقيل : « إنّ نعثل هو الشيخ الأحمق ، وهو رجل من أهل مصر كان طويل اللحية وكان يشبه عثمان »(٢) .

وقال ابن أبي الحديد : « قال كُلّ من صنّف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان ، حتّى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته»(٣) .

وقد صدّق المسلمون ـ وعلى رأسهم الصحابة ـ دعوى عائشة ، واستجابوا لتحريضها ، فشاركوا في قتله ، ودفنوه في مقبرة اليهود(٤) .

ولكن السؤال المثير هو : لماذا خرجت عائشة للمطالبة بدم عثمان؟ وتجييش الجيوش من أجل ذلك؟

قال الطبري عن تلك الأحداث : « أنّ عائشة لما انتهت إلى سرف ـ موضع ستة أميال من مكّة ـ راجعة في طريقها إلى مكّة ، لقيها عبد ابن أُمّ كلاب ، وهو عبد ابن أبي سلمة ينسب إلى أُمّه ، فقالت له : مهيم؟

قال : قتلوا عثمان ، فمكثوا ثمانياً ، قالت : ثمّ صنعوا ماذا؟

قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع ، فجازت بهم الأُمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : والله ليتَ إنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ، ردّوني ردّوني ، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوماً ، والله لأطلبن بدمه ، فقال لها ابن أُمّ كلاب : ولم؟ فو الله أنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.

____________

١ ـ كشف الغمّة ٢ / ١٠٨.

٢ ـ لسان العرب ١١ / ٦٩٩.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢١٥.

٤ ـ أُنظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٧٨.

٢٥٣

قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل ، فقال ابن أُمّ كلاب :

منكِ البداء ومنكِ الغير

ومنكِ الرياح ومنكِ المطر

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا أنّه قد كفر

فهبنا أطعناكِ في قتله

وقاتله عندنا من أمر

إلى آخر الأبيات.

فانصرفت إلى مكّة ، فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر ، فسترت واجتمع إليها الناس ، فقالت : يا أيّها الناس ، إنّ عثمان قُتل مظلوماً ، ووالله لأطلبن بدمه »(١) .

والحاصل : إنّ عائشة كانت تعلم بمبايعة الناس لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ومن هنا كانت نقطة الانقلاب في موقفها ، وبمراجعة يسيرة إلى المصادر التاريخية تجد أنّ عائشة حتّى عند إخبارها بمقتل عثمان قبل علمها بمبايعة عليعليه‌السلام كانت تسمّيه نعثلاً وتتشفّى بمقتله ، ولكن علمها بمبايعة الإمامعليه‌السلام قلب موقفها تماماً ، وقادها إلى القيام بتلك الفتنة الكبيرة التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين ، فكيف لا تعلم عائشة بمبايعة الناس لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهي عندما قدمت إلى البصرة وجدت عليها عثمان بن حنيف عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام عليها ، وقد أرسل أليها أبو الأسود الدؤلي يسألها عن خبرها ، وعن علّة مجيئها إلى البصرة ، فقالت له : أطلب بدم عثمان ، قال : إنّه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ولكنّهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة(٢) .

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٧٦.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٦.

٢٥٤

وعندما لم تجد عائشة آذاناً صاغية من عثمان بن حنيف وأصحابه في البصرة في مطالبها ، اشتد النزاع بين الفريقين حتّى حصلت تلك الواقعة المسمّاة بـ « واقعة الجمل الأصغر » ، والتي كان من آثارها أن قتل أربعون رجلاً من شيعة عليعليه‌السلام في المسجد ، وسبعون آخرون في مكان آخر ، وأسروا عثمان بن حنيف ، وكان من فضلاء الصحابة ، فأرادوا قتله ، ثمّ خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار ، فنتفوا لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه وضربوه وحبسوه ، ثمّ طردوه من البصرة(١) .

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر عائشة عن خروجها هذا وحذّرها منه ، وقال لها : «لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب » ، والحوأب هو وادي كثير الماء نبحت كلابه عند مسير عائشة إلى البصرة ، وعندما سألت عنه أخبروها أنّ هذا المكان يسمّى بماء الحوأب.

فقالت : ردّوني ، ردّوني ، وذكرت التحذير الذي سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن وبمحضر من طلحة والزبير أحسّ بجسامة الموقف ، فاحضر خمسين رجلاً ، وشهدوا بأنّ هذا المكان لا يسمّى بماء الحوأب ، وكانت تلك أوّل شهادة زور في الإسلام كما يذكره المؤرّخون(٢) .

وخلاصة القول في مسير عائشة هو قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبة له : « أيّها الناس ، إنّ عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكُلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، وأما الزبير فختنها ، والله لو ظفروا بما أرادوا ـ ولن ينالوا ذلك أبداً ـ ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٤٨٥ ، انساب الأشراف : ٢٢٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٠ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٦.

٢ ـ أُنظر : مسند أبي يعلى ٨ / ٢٨٢ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٢٢٥ و ٩ / ٣١٠ ، انساب الأشراف : ٢٢٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٥٨ ، المناقب : ١٨١.

٢٥٥

منهما شديد ، والله إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ، ولا تحل عقدة إلاّ في معصية الله وسخطه ، حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة »(١) .

وقد حذّر الله سبحانه قبل هذا نساء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الخروج من بيوتهنّ وأمرهنّ بالقرار فيها بقوله :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (٢) ، ولذا نقول : ما حكم من خرجت من بيتها ومدينتها بل وكُلّ بلادها ، وذهبت إلى بلاد أُخرى تبعد عنها آلاف الأميال ، وأشعلت كُلّ هذه الفتنة التي يراها البعض بداية لفتن صفّين والنهروان ، وثمّ تولّي معاوية على رقاب المسلمين ، ثمّ واقعة كربلاء ، وما جرى على المسلمين إلى يومنا هذا؟ التي يعدّها البعض نتيجة حتمية لضعف العرب والمسلمين بسبب الفتن التي أشعلها الأوائل بوجه الخلافة العلوية.

ولا نريد أن نشير هنا إلى قول النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي رواه مسلم عن ابن عمر قال : خرج رسول الله من بيت عائشة فقال : «رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان »(٣) ، بل جاء في صحيح البخاري عن عبد الله قال : قام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً ، فأشار نحو مسكن عائشة فقال : «هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان »(٤) .

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١ / ٢٣٣.

٢ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ١٨١.

٤ ـ صحيح البخاري ٤ / ٤٦.

٢٥٦

عالم الذرّ :

( ميسون رضا ـ لبنان ـ ٢٣ سنة ـ دراسة ماجستير في العلوم الإلهية )

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله :

س : فكرة موجزة عن عالم الذرّ : أهم العلماء الذين يؤيّدون هذه النظرية ، بعض المصادر التي تناولت هذا الأمر من خلال أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام .

ج : ننقل لك ما قاله العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره حول الموضوع :

قوله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) (١) .

أخذ الشيء من الشيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه ، واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلّقة بها ، والاعتبارات المأخوذة فيها ، كأخذ اللقمة من الطعام ، وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعير ، وهو نوع آخر ، أو أنواع مختلفة أُخرى ، وكأخذ العلم من العالم ، وأخذ الأهبة من المجلس ، وأخذ الحظّ من لقاء الصديق وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربية ، وهو نوع إلى غير ذلك.

فمجرد ذكر الأخذ من الشيء لا يوضّح نوعه إلاّ ببيان زائد ، ولذلك أضاف الله سبحانه إلى قوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض.

____________

١ ـ الأعراف : ١٧٢.

٢٥٧

قوله :( مِن ظُهُورِهِمْ ) ليدلّ على نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادّة منها ، بحيث لا تنقص المادّة المأخوذ منها بحسب صورتها ، ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثمّ تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تامّاً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده ، وقد كان جزء ، ثمّ يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تامّاً مستقلاً من والديه ، بعدما كان جزء منهما.

ثمّ يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر ، وعلى هذه الوتيرة حتّى يتمّ الأخذ ، وينفصل كُلّ جزء عمّا كان جزء منه ، ويتفرّق الأناسي وينتشر الأفراد ، وقد استقلّ كُلّ منهم عمّن سواه ، ويكون لكُلّ واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها ، وعليها ما عليها ، فهذا مفاد قوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، ولو قال : أخذ ربّك من بني آدم ذرّيتهم أو نشرهم ونحو ذلك ، بقي المعنى على إبهامه.

وقوله :( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ينبأ عن فعل آخر إلهي تعلّق بهم ، بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بين كُلّ واحد منهم وغيره ، وهو إشهادهم على أنفسهم ، والإشهاد على الشيء هو إحضار الشاهد عنده ، وإراءته حقيقته ، ليتحمّله علماً تحمّلاً شهودياً ، فإشهادهم على أنفسهم ، هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ، ليتحمّلوا ما أُريد تحمّلهم من أمرها ، ثمّ يؤدّوا ما تحمّلوه إذا سئلوا.

وللنفس في كُلّ ذي نفس جهات من التعلّق والارتباط بغيرها ، يمكن أن يستشهد الإنسان على بعضها دون بعض ، غير أنّ قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) يوضّح ما أشهدوا لأجله ، وأُريد شهادتهم عليه ، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم ، فيؤدّوها عند المسألة.

فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ ، وغرّته مساعدة الأسباب ما غرّته ، واستهوته لا يسعه أن ينكر أنّه لا يملك وجود نفسه ، ولا يستقلّ بتدبير أمره ، ولو ملك نفسه لوقّاها ممّا يكرهه من الموت ، وسائر آلام الحياة

٢٥٨

ومصائبها ، ولو استقلّ بتدبير أمره لم يفتقر إلى الخضوع قبال الأسباب الكونية ، والوسائل التي يرى لنفسه أنّه يسودها ويحكم فيها ، ثمّ هي كالإنسان في الحاجة إلى ما وراءها ، والانقياد إلى حاكم غائب عنها ، يحكم فيها لها أو عليها ، وليس إلى الإنسان أن يسدّ خلّتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلى ربّ ـ مالك مدبّر ـ حقيقة الإنسان ، والفقر مكتوب على نفسه ، والضعف مطبوع على ناصيته ، لا يخفى ذلك على إنسان له أدنى الشعور الإنساني ، والعالم والجاهل ، والصغير والكبير ، والشريف والوضيع في ذلك سواء.

فالإنسان في أيّ منزل من منازل الإنسانية نزل ، يشاهد من نفسه أنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، وكيف لا يشاهد ربّه وهو يشاهد حاجته الذاتية؟ وكيف يتصوّر وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه؟

فقوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بيان ما أشهد عليه ، وقوله :( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه ، ولذا قيل : إنّ الآية تشير إلى ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا ، أنّه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده ، وما يتعلّق به وجوده من اللوازم والأحكام ، ومعنى الآية إنّا خلقنا بني آدم في الأرض ، وفرّقناهم وميّزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد ، وأوفقناهم على احتياجهم ، ومربوبيتهم لنا ، فاعترفوا بذلك قائلين : بلى شهدنا أنّك ربّنا.

وعلى هذا يكون قولهم :( بَلَى شَهِدْنَا ) من قبيل القول بلسان الحال ، أو إسناد اللازم القول إلى القائل بالملزوم ، حيث اعترفوا بحاجاتهم ، ولزمه الاعتراف بمن يحتاجون إليه ، والفرق بين لسان الحال ، والقول بلازم القول :

أنّ الأوّل انكشاف المعنى عن الشيء لدلالة صفة من صفاته ، وحال من أحواله عليه ، سواء شعر به أم لا ، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها ، وكيف لعب الدهر بهم؟ وعدت عادية الأيّام عليهم؟ فأسكنت

٢٥٩

أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وكما يتكلّم سيماء البائس المسكين عن فقره ومسكنته وسوء حاله.

والثاني انكشاف المعنى عن القائل ، لقوله بما يستلزمه أو تكلّمه بما يدلّ عليه بالالتزام.

فعلى أحد هذين النوعين من القول ، أعني القول بلسان الحال ، والقول بالاستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالى :( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) ، والأوّل أقرب وأنسب ، فإنّه لا يكتفي في مقام الشهادة إلاّ بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الالتزام.

ومن المعلوم : أنّ هذه الشهادة على أيّ نحو تحقّقت فهي من سنخ الاستشهاد المذكور في قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ، فالظاهر أنّه قد استوفى الجواب بعين اللسان الذي سألهم به ، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن يحمل عليه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإنّ الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل ، والإيجاد كلام حقيقي ـ وإن كان بنحو التحليل ـ كما تقدّم مراراً في مباحثنا السابقة ، فليكن هنا قوله :( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وقولهم :( بَلَى شَهِدْنَا ) من ذاك القبيل ، وسيجيء للكلام تتمّة.

وكيف كان فقوله :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الآية ، يدلّ على تفصيل بني آدم بعضهم من بعض ، وإشهاد كُلّ واحد منهم على نفسه ، وأخذ الاعتراف على الربوبية منه ، ويدلّ ذيل الآية وما يتلوه أعنّي قوله :( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (١) على الغرض من هذا الأخذ والإشهاد.

وهو على ما يفيده السياق إبطال حجّتين للعباد على الله ، وبيان أنّه لولا هذا الأخذ والإشهاد ، وأخذ الميثاق على انحصار الربوبية ، كان للعباد أن يتمسّكوا

____________

١ ـ الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585