موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة6%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253138 / تحميل: 6996
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

الغناء والموسيقى :

( محمّد سلمان الغافلي ـ السعودية ـ )

نصوص التحريم :

س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟

ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :

١ ـ قوله تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١) .

حيث فسّرت الأخبار ـ من العامّة والخاصّة ـ لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا »(٢) .

وسئلعليه‌السلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً الله معرض عن أهلها »(٣) ، وقالعليه‌السلام : « الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وهو ممّا قال الله :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ ) »(٤) .

٢ ـ قوله تعالى :( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (٥) .

____________

١ ـ لقمان : ٦.

٢ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ١٩٣.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤ ـ الكافي ٦ / ٤٣٣ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢٠٧.

٥ ـ الحجّ : ٣٠.

٤٤١

حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء(١) .

٣ ـ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (٢) .

حيث فسّرت الزور باللهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل(٣) .

وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.

فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : والله ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقالعليه‌السلام : « لله أنت أمّا سمعت الله عزّ وجلّ يقول :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٤) »(٥) .

وسُئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقالعليه‌السلام : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٦) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كان إبليس أوّل من تغنّى »(٧) .

وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول الله ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.

____________

١ ـ التبيان ٧ / ٣١٢ ، مجمع البيان ٧ / ١٤٨.

٢ ـ الفرقان : ٧٢.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٥ / ٢٤٤.

٤ ـ الإسراء : ٣٦.

٥ ـ الكافي ٦ / ٤٣٢.

٦ ـ المصدر السابق ٥ / ١٢٠.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ / ٤٠.

٤٤٢

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ الله لقد رزقك الله حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم الله من رزقه مكان ما أحلّ الله من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى الله ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً »(١) .

٤ ـ قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (٢) .

قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا »(٣) .

٥ ـ خطاب الله تعالى لإبليس :( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (٤) .

قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللهو »(٥) .

وقد جاء في السنّة الشريفة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث الله تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك »(٦) .

( ـ السعودية ـ ٢٧ سنة ـ بكالوريوس )

حرمتهما عقلاً :

س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟

____________

١ ـ المعجم الكبير ٨ / ٥١ ، مسند الشاميين ٤ / ٣٩٠ ، كنز العمّال ١٥ / ٢٢٢.

٢ ـ النجم : ٦١.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٢٣.

٤ ـ الإسراء : ٦٤.

٥ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٨.

٦ ـ فتح القدير ٤ / ٢٣٦ ، مجمع الزوائد ٨ / ١١٩ ، المعجم الكبير ٨ / ٢٠٤ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٥٩.

٤٤٣

لو فكّرنا أنّ الله حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!

تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.

أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.

ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً ـ لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث ـ وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى باللهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) (١) .

فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى ـ كالواجبات مثل قراءة القرآن ـ وعدم طاعة الكافرين والمنافقين ـ وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء ـ وهذا كُلّه

____________

١ ـ الأحزاب : ١ ـ ٤.

٤٤٤

يحتاج إلى تقوى في النفس من الله تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على الله لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.

كما أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال : «جهاد النفس »(١) .

ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى :( مَّا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

( ـ ـ )

تعريف الغناء وروايات في تحريمه :

س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.

ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.

وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.

____________

١ ـ الكافي ٥ / ١٢ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٥٣ ، معاني الأخبار : ١٦٠.

٤٤٥

استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :

١ ـ عن عبد الله بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فحين استقبلني قال : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».

قال : فما زال يقول : «الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : والله ما عنى غيري(١) .

٢ ـ عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : «شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(٢) .

٣ ـ عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها »(٣) .

٤ ـ عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت »(٤) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسي : ٧٢٠.

٢ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٣ ـ الاستبصار ٣ / ٦١.

٤ ـ الكافي ٥ / ١٢٠.

٤٤٦

٥ ـ عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك »(١) .

٦ ـ عن أبي أُسامة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «الغناء غشّ النفاق »(٢) .

٧ ـ عن يونس قال : سألت الخراسانيعليه‌السلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفرعليه‌السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت »(٣) .

٨ ـ عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : «منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت »(٤) .

٩ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «شرّ الأصوات : الغناء »(٥) .

١٠ ـ عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر »(٦) .

١١ ـ عن عنبسة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع »(٧) .

____________

١ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٣٣.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٥.

٣ ـ الكافي ٦ / ٤٣٥.

٤ ـ وسائل الشيعة ١٧ / ٣٠٩.

٥ ـ المقنع : ٤٥٦.

٦ ـ الخصال : ٢٤.

٧ ـ الكافي ٦ / ٤٣٤.

٤٤٧

٤٤٨

الغيبة :

( أبو جعفر ـ البحرين ـ )

الدليل العقلي على غيبة الحجّة :

س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟

ج : إنّ الله تعالى وعد ـ ووعده الحقّ ـ بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله :( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (١) .

وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا في زمن الأئمّةعليهم‌السلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّةعليهم‌السلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل ـ ولا يتحقّق وعد الله تعالى ـ فالله تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمامعليه‌السلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما

____________

١ ـ التوبة : ٣٣.

٤٤٩

ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن الله تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.

( ـ الكويت ـ )

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :

س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليه‌السلام حجّة الله على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام الله التوفيق لكم.

ج : قد سُئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهديعليه‌السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب »(١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام ـ بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور ـ : «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(٢) .

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : «وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(٣) .

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهديعليه‌السلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :

١ ـ الإمام المهديعليه‌السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

____________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٢٥٣ ، كفاية الأثر : ٥٤.

٢ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ٢٥٣ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الاحتجاج ٢ / ٢٨٤.

٤٥٠

٢ ـ إنّ منكر وجودهعليه‌السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

٣ ـ إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبتهعليه‌السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

٤ ـ إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

٥ ـ إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر الله ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :

س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.

السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّةعليه‌السلام ؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهم‌السلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟

٤٥١

ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّةعليهم‌السلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود ـ كما قرّر في محلّه ـ.

ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية ـ إن وجدت ـ فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.

وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.

مضافاً إلى أنّ الله تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ لحكم الإمامعليه‌السلام .

ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.

ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهمعليه‌السلام .

٤٥٢

( منصور جواد ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :

س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.

وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟

ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهديعليه‌السلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ )

أسباب غيبة الإمام المهدي :

س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام ؟

ج : إنّ غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابهعليه‌السلام :

١ ـ الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن ـ رجالاً ونساءً ـ هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظرعليه‌السلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو

٤٥٣

الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمامعليه‌السلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمامعليه‌السلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقالعليه‌السلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل(١) .

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهورهعليه‌السلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار »(٢) .

٢ ـ الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمامعليه‌السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « أمّا والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ الله ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه »(٣) .

ولقد جرت سنّة الله تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) ، وقال تعالى :( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٥) .

____________

١ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٦ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٢٩.

٣ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٥ ، الكافي ١ / ٣٣٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٩١.

٤ ـ الملك : ٢.

٥ ـ العنكبوت : ٢.

٤٥٤

وغيبة الإمامعليه‌السلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد الله تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

٣ ـ الغيبة من أسرار الله تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام بأنّها من أسرار الله تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة »(١) .

٤ ـ عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمامعليه‌السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : «كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول الله؟ قالعليه‌السلام : «لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ «لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف »(٢) .

وأعلن الإمام المهديعليه‌السلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائيعليهم‌السلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي »(٣) .

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظرعليه‌السلام ، وأكبر الظنّ أنّ الله تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهورهعليه‌السلام .

____________

١ ـ كفاية الأثر : ١٦٨ و ٢٥٠ ، ينابيع المودّة ٣ / ٣١٠.

٢ ـ علل الشرائع ١ / ٢٤٥ ، عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٤٧.

٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢.

٤٥٥

( فاطمة حسن ـ ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.

الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّةعليه‌السلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ الله عزَّ وجلّ يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (١) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى» (٢) .

فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :

١ ـ الغيبة سرّ مِن أسرار الله فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمامعليه‌السلام واستشهد بالآية.

٢ ـ غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.

٣ ـ إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.

٤ ـ الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.

____________

١ ـ المائدة : ١٠١.

٢ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٩٢ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٤٨٥.

٤٥٦

٥ ـ طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى الله بتعجيل فرجه له تأثير عند الله بتقريب ظهوره.

٦ ـ إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهديعليه‌السلام في غيبته كذلك.

٧ ـ إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ الله به البلاد والعباد.

٨ ـ قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.

٩ ـ إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى الله تعالى.

١٠ ـ إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ الله التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.

جعلنا الله وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.

وعلى كُلّ واحد ـ أينما كان ـ أن يجعل ارتباطه بالله تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.

نسألكم الدعاء.

( يوسف ـ الكويت ـ )

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :

س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمرعليه‌السلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيتعليهم‌السلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّةعليهم‌السلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على

٤٥٧

منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.

وبما أنّ الإمام المهديعليه‌السلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.

وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهديعليه‌السلام ، ولو قلنا بإمامته ـ مع غيبته ـ فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.

أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.

ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها ـ كما ذكر في محلّه ـ ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمامعليه‌السلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمامعليه‌السلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمامعليه‌السلام .

نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّةعليه‌السلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهتهعليه‌السلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.

وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمامعليه‌السلام ـ لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».

٤٥٨

( حيدر ـ ـ )

لا يطرأ عليها البداء :

س : شكراً على الإجابة.

لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم الله ورعاكم.

ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهديعليه‌السلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.

نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.

وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضاعليهما‌السلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قالعليه‌السلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قالعليه‌السلام : «إنّ القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد »(١) ، وفيها إشارة إلى الآية( إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (٢) .

( جاسم محمّد علي ـ الكويت ـ )

شبهات وردود حول مسألة السرداب :

س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.

____________

١ ـ الغيبة للنعماني : ٣٠٣.

٢ ـ آل عمران : ٩ ، الرعد : ٣٣.

٤٥٩

ج : كان الإمام المهديعليه‌السلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب ـ ولا يزال حتّى اليوم ـ يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.

فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية الله ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.

وحين بدأت غيبته الكبرىعليه‌السلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض الله الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ الله ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكريعليهما‌السلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهديعليه‌السلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.

فقد عرفنا أنّ الإمام المهديعليه‌السلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره الله لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.

وعلينا نحن إلى ذلك الوقت ـ وقت ظهوره الشريف ـ أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب

٤٦٠

الظالمين ، لنستحقّ أن نكون من جنودهعليه‌السلام ـ جنود الحقّ والعدل والإيمان ـ داعين إلى الله سبحانه أن يعجّل فرجه ، ويسهّل مخرجه ، ويجعلنا من أنصاره ، والدعاة إلى سبيله.

كما قلنا : إنّ السرداب هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الأماكن الحارّة عادة ، يكون بعيداً عن الشمس ، وقريباً من الرطوبة يكون بارداً ، وقد كان ذلك من القديم ، ولكن اعتقاد الشيعة به ليس لأجل أنّه يسكن فيه الإمام ، حيث لم يتفوّه بذلك أحد قط ، بل لأجل أنّه كان في بيت الإمام الهادي والإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، وأنّ الإمام الحجّة كان في أوائل عمره فيه ، لأجل كونه تراثاً فيه ذكريات الأئمّة نحترمه ، وأمّا كون الإمام يسكن فيه فهو تهمة مفتراة ، وهي ليست تهمة مستحدثة ، بل كانت من القديم.

نعم ، هناك رواية واحدة تقول : إنّ الإمام حينما هجموا عليه بعد الصلاة على أبيه ، التجأ إلى السرداب ، وغاب عن الأنظار ، ولكن ليس معنى ذلك ، أنّه مقيم فيه إلى الآن.

وقد علّق الأُستاذ محمّد أبو زهره عن الفرقة الإثنى عشرية بقوله : « والاثنا عشرية ، يرون أنّ الإمامة بعد الحسين لعلي زين العابدين ابنه ، ثم لمحمّد الباقر ، ثمّ لجعفر الصادق ، وبعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم ، ثمّ لعلي الرضا ، ثمّ لمحمّد الجواد ، ثمّ علي الهادي ، ثمّ للحسن العسكري ، ثمّ ‏لمحمّد ابنه ، وهو الإمام الثاني عشر ، ويعتقدون أنّه دخل سرداباً في دار أبيه بسر من رأى ، وأُمّه تنظر إليه ، ولم ‏يعد بعد ، وهو المهدي المغيّب ، ويترقّبون كُلّ حين ليحكم ويملأ الأرض عدلاً ».

وليت الأُستاذ أبو زهره قد تأمّل ـ ولو قليلاً ـ لوجد نفسه غنياً عن هذه المقولة المجحفة ، فالإمامية تقول بغيبة ‏الإمام المهديعليه‌السلام ، ودخوله إلى السرداب كانت حالة طارئة ، دفعته للاختفاء فيه عند مداهمة السلطة لبيت أبيهعليه‌السلام ، وكانت خطوة احترازية ذكية ، أربك فيها السلطة وقت ذاك ، بعد أن كانت القوّة

٤٦١

المسلّحة المرسلة من قبل ‏الخليفة لم تتوقّع دخوله في سرداب بيته ، فإن إخفاء نفسه في بيته المداهم لم يكن متوقّعاً ، فمن المستبعد لديهم أنّ المهدي الملاحق من قبلها ، يختفي في مكان قريب منها ، ثمّ هو يخرج من بينهم خارج الدار ، وهم ‏ينظرون إليه ، لعدم توقّعهم أنّ الملاحق هذا الفتى الذي يخرج من السرداب ، ولم يعرفوا شكله ‏حيث أخفاه أبوه عن أعين العامّة ، فمتى يتاح للقوّة المداهمة معرفته ، وملاحقته بعد ذلك؟

هذا ما كان من خبر السرداب الذي ترويه الشيعة ، وهو الموافق تماماً للخطوات الاحترازية الأمنية المتّخذة من‏ قبل أيّ شخص مطارد ، وقد دوهم بيته غيلة ، فضلاً عن المهديعليه‌السلام ، الذي اتّخذ في اختفائه خطوات طبيعية ، ثمّ هي ‏مناورة سريعة غير مرتقبة لا من قبل النظام ، ولا من قبل القوّة المداهمة ، حيث أربكها تماماً ، واسقط ما في أيديها ، ورجعت خائبة لم تحقّق مهمّتها بعد ذلك.

إذاً ، لم تعد كلمة السرداب انتقاصاً لمسألة الغيبة ، حتّى يعدّها الآخرون عملية مستهجنة ، تدلل على سخف ‏فكرة الغيبة ، فأصل الغيبة ومستلزماتها لا علاقة لها أصلاً بقضية السرداب ، إنّما هو مقدّمة تكتيكية كان الإمام قد عملها بعد مداهمة قوّات الأمن لبيته ، ثمّ يعاجلهم بعد ذلك بالخروج فوراً دون أدنى تأخير ، فلم تكن مسألة‏ السرداب هي المعبّر عن الغيبة إذن.

ولم يقل أحد أن سيظهر من السرداب ، بل تردّد في الأحاديث أنّه يخرج في بيت الله الحرام ، نعم قد وردت زيارة في السرداب ، كما وردت زيارات في أماكن أُخرى ، بل تستحبّ زيارته في كُلّ مكان ، وفي كُلّ زمان.

إنّ اعتماد مفردات بسيطة مستهجنة سوف يوحي للآخرين شعوراً بالسخرية والاستخفاف ، وهكذا فإن‏ّ اقتران أيّة فكرة مهما تكن عظيمة في جميع خطواتها بهذا النحو من المفردات الساذجة سيوحي بسذاجتها ، لما يتركه هذا الاقتران من انطباع نفسي لدى القارئ أو السامع ، فالسرداب الذي جعله البعض

٤٦٢

شعاراً لغيبة الإمام المهديعليه‌السلام ، هو تسرّع غير لائق في تحليل فكرة إسلامية أصيلة ، استندت إلى برنامج علمي دقيق ، وخطوات أمنية محسوبة ، ‏فضلاً عن دعمها بنصوص نبوية متواترة.

إنّ خطوات المشاريع التثقيفية ، خصوصاً في طرح غيبة المهدي ، ترافقها خطوات استفزازية ، تحفّز القارئ إلى‏ الحذر من فكرة المهدي ، وتسلّمه إلى دائرة التشكيك في مبتنيات الفكرة المهدوية.

ولعلّ من أحسن من انصف في مجال التاريخ للفرقة الإثنى عشرية ، هو الأُستاذ أبو زهرة ، ومع ذلك فإنّ توجّساً يحيط كلامه بالحذر مرّة ، والاستخفاف ثانية ، عند طرحه لعقيدة المهدي ، ولعلّ الذي دعاه إلى ذلك عدّة أُمور ، منها :

أوّلاً : الموروث الثقافي الذي يطارده.

وثانياً : فإنّ عدم رجوعه إلى أحاديث نبوية قد سلّم هو بها ، كما سلّم غيره عن ظهور المهدي ، قد أربك تقييماته ‏هذه ، فجاءت وكأنّها استجابة لمشاريع تقليدية مضادّة.

وثالثها : ولعلّ الأهمّ هو إغفاله لكتب علماء الإمامية ، ومراجعة ما أثبتته بطرق الفريقين حول فكرة المهدي ، وكونها فكرة إسلامية ، قالت بها جميع المذاهب ، وأنّ مسألة السرداب لم تكن شعاراً لأطروحة الغيبة الإلهية ، وإنّما هي ‏من إفرازات العصبية المذهبية ، ابتدعها نفر للتقليل من شأن هذه الأطروحة ، والاستخفاف بفلسفتها.

وقد ساهمت حقبة فكرية غير ناضجة في قلب صورة الحدث الإسلامي ، وراحت تزاحم مبتنيات تركيبة العقل ‏المسلم ، الذي درج على مرتكزات الخلافة ، والتي عنونتها أدبيات الفكر المعصومي على إنّها خلافة نبوّة ، وجاهدت مبتنيات سياسية غير رشيدة ، أن تعنونها على أنّها خلافة ملك قيصري ، أو أبهة كسروية ، وبين هذين العنوانيين حفلت مطوّلات التاريخ

٤٦٣

الإسلامي بلائحة من التبريرات ، يتكفّلها الكاتب التقليدي ، ليلزم بها القارئ المتطّلع إلى قراءة الحدث الإسلامي بموضوعية وواقعية ، وهيأت هذه الحقّبة الفكرية للكاتب الإسلامي أن يكون مجرد سارد قصصي ، يحاكي في نقل التاريخ قصص ألف ليلة وليلة ، ليسرد الحدث الإسلامي هكذا دون تحليل ، أو إذا أحسن التدبير فإنّه لا يكون سوى مخرج لدراما قصصية ، يتفكّه بها القارئ ليضيفها إلى دائرة ترفه الأدبي.

أثقلت الحقّبة الأُموية كاهل التاريخ الإسلامي بخروقات يرتكبها الخليفة الأُموي ، ليطلب بعد ذلك من كتّاب ‏البلاط أن يؤرّخوا شخصية إسلامية ، على أنّها أسهمت في تطوير المفهوم الإسلامي ، وإعلاء كلمة الله في ظل‏ حكمه.

لم يكن هذا التحرّك الفكري ينطلق من فراغ ، بل كان على أنقاض سياسة ما بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتي فتحت أبواب التبرير السياسي ، واستخدام مصطلحات الاعتذار ، فمن محاولة إطفاء نائرة الفتنة التي توجسها كادر السقيفة ، كانت أهمّ أطروحة تبريرية سياسية لم تلق نجاحاً ملحوظاً ، حتّى محاولات استخدام اصطلاحات اعتذارية ، كالإجماع ، وأهل ‏الحلّ والعقد ، وأقلّ ما يقال : إنّها محاولات مرتبكة أخفقت في مجال التطبيق الميداني.

هذه السياسة استخدمها الأُمويون ، ولهج في تطويرها منظروهم من كتّاب البلاط ، فقدّموا صيغاً تبريرية ‏جاهزة ، يستخدمها البلاط حتّى ما بعد حياة الخليفة الأُموي ، فمن اللهو والعبث الذي قرّره كتّاب البلاط ، على أنّه ‏تقدّم رائع في مجال الفنّ الإسلامي ، وصورة من صور تواضع الخلافة ، إلى الترف والبذخ داخل البلاط ، الذي عبّروا عنه أنّه قمّة الكرم والسخاء ، ومن البطش والجبروت الذي امتاز به آل أُمية ، فصوّروه بأنّه البأس والشجاعة في ‏ذات الله وعزّة الدولة الإسلامية ، إلى حالات الإخفاق الفكري والثقافي ، فكان في منظوره حالة من حالات الوعي ‏الفكري والنضوج الثقافي.

٤٦٤

لم تتوقّف حالات الخرق الفكري هذه عند بني أُمية فحسب ، بل تابعهم على ذلك بنو العبّاس ، وافتتحوا عهد حكمهم بأهمّ شعار تبريري رفعوه كلافته ثورية تنادي بـ « الرضا من آل محمّد» ، وأكّدوا على ذلك في جميع أدبياتهم ، حتّى بدأت شعاراتهم تتهاوى إبّان عهد خليفتهم السفّاح ، الذي قرّر مشروع ملاحقة آل علي ، والتضييق ‏عليهم ، وأكّد ذلك المنصور ، وطوّره الرشيد ، وتبعه الباقون.

وإذا أردنا دراسة هذه الحقّب الحاكمة ، ومعرفة ما أثقلته من خروقات شرعية وفكرية وثقافية على المفهوم ‏الإسلامي ، فإنّ دراسة تقليدية لم تكن لتقدّم المطلوب ، بل محاولة دراسة التاريخ المقارن بين قائمتين من ‏مدرستي النزاع كفيلة بأن تقدّم الرواية الإسلامية الواعية.

فدراسة قائمة خلفاء مدرسة النصّ ، المتمثّلة بآل البيت النبويعليهم‌السلام ، وما صاحبها من قراءة سيرة ‏الأئمّة الأطهار ، الذين مثّلوا الورع والتقوى والهدى والخير والصلاح ، كفيلة بأن تكشف خروقات قائمة خلفاء مدرسة الإجماع ، وهو كما ترى فضح للتاريخ التبريري ، الذي درج عليه البعض من الكتّاب ، وإسقاط لجميع ‏المرتكزات المغلوطة في أذهان الأُمّة ، من أنّ الخليفة ملك كسروي ، أو أمير قيصري ، بل إنّ الخلافة وراثة نبوّة ، وحمل رسالة ، وعيبة وحي السماء.

وعليه ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة ، لأنّ الحجّةعليه‌السلام غاب فيه ـ كما زعمه البعض من يجهل التاريخ ـ بل لأنّ بعض الأولياء تشرّف بخدمته ، وحيث إنّه مبيت الثلاثة من الأئمّة ، ومعبدهم طوال المدّة ، كما حظى فيه عدّة من الصلحاء بلقائه ، صار من البقاع المتبرّكة ، فينبغي إتيانه بخضوع وحضور قلب ، والوقوف على الباب والدعاء.

وإنّ الإمامية تعتقد أنّ الحجّة اسمه يطابق اسم رسول الله ، وكنيته كنيته ، وشمائله شمائله ، وقد ولد في سر من رأى في ١٥ من شعبان سنة ٢٥٦ هـ ، فلما

٤٦٥

توفّى أبوه غاب عن الأنظار ، لا أنّه دخل في السرداب ، وأُمّه تنظر إليه ، كما توجد هذه العبارات في بعض كتب العامّة ، وأنّ الشيعة الإمامية براء من هذه المعتقدات ، التي يلصقها بهم من أراد الحطّ من كرامة مذهبهم.

لقد أجمعت الفرقة الناجية على هذا الرأي الحسن ، الذي يعتري من الخرافات والخزعبلات الواهنة ، والقدسية التي نعقدها ، ما هي إلاّ ارتباط روحي ووجداني مع أثر من آثار ثلاثة أئمّة من أئمّة المسلمين في مكان واحد.

أوردت كتب التاريخ في عصر قتل الإمام الحسينعليه‌السلام قضيّة في غاية الغرابة.

فعندما حمل رأس الحسينعليه‌السلام على أسنة الرماح ، وطافوا به البلدان والأقطار ، مروا براهب مسيحي يتعبّد في صومعته ، أناخوا الرحال قليلاً ليستريحوا من عناء السفر ، فسألهم الراهب : رأس من هذا؟ فقالوا له : رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، فسكت قليلاً ، ثمّ أعاد الراهب السؤال مرّة أُخرى : رأس من هذا؟ فقالوا له : هو رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، ثمّ أعاد نفس السؤال عليهم مرّة ثالثة ، ممّا أثار غضبهم.

تعجب الراهب من عملهم ، واستنكر عليهم فعلتهم المشينة ، فقال لهم : هذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه ، وسلبتم أهل بيته وعياله ، ونحن لم نجد ما نتقرّب به إلى الله ، فنصبنا معبداً لحافر حمار نبيّنا المسيح نتبرّك به ، ليقرّبنا إلى الله زلفى ، فاسلم الراهب ببركة رأس الحسينعليه‌السلام ، بعد أن حمل عليهم وأثقل القول فيهم.

فهل يصحّ أن نلام؟ ونحن نتتبع آثار العترة الطاهرة ، ونبحث عن بركاتهم ، وكُلّ ما يتّصل بهم ، مهما كانت ظروف تلك الموجودات ، وطبائعها الكونية.

قطعاً لا ، إنّ التجاذب الروحي ، وعنصر العاطفة الذي يتأجّج مع اقتراب المحبوب من حبيبه ، هو أساس السلوكيات التي نسلكها مع تلك الآثار الطيّبة ، كتعبير على مدى الحبّ المتفجّر من جوانب المحبّين ، والموالين للأئمّةعليهم‌السلام .

٤٦٦

( فاطمة ـ إيران ـ ٢٨ سنة ـ خرّيجة ابتدائية )

العامل في عصرها كالعامل في عصر الظهور :

س : نشكركم على ما تبذلونه من خدمة لمذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، لدي سؤال : لا أدري هل هو مناسب أن أطرحه هنا أم لا؟

دائماً ما يخطر ببالي إذا نحن لم تكن لنا السعادة لكي نكون مع سيّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام لنفوز الفوز العظيم ، ولا سمح الله أن لم نكن مع مولانا الحجّةعليه‌السلام لننصره ، ونستشهد بين يديه ، أو نكون تحت ظلّه ، فما هي السعادة التي يجب أن نحصل عليها؟

أو بعبارة أُخرى : فما هو ذنبنا ، وما هو تقصيرنا لأنّنا لم نكن مع أئمّتناعليهم‌السلام ؟ هل هذا يتبع عالم الذرّ؟ وهو نتيجة امتحاننا في ذلك العالم؟ والله أنا لا أعلم كيف كنت في عالم الذرّ ، ولكنّي الآن أنا قلبي يقطر دماً على فراق مولاي ومولى كُلّ مؤمن ومؤمنة أبا صالح المهدي ، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

ولا أعلم هل تفوتني السعادة إن قلّ عمري وطال الظهور؟ مثلما لم نحضر زمان أبي عبد الله لننصره ونستشهد بين يديه؟ وشكراً لكم.

ج : إنّ العاملين بوظيفتهم في عصر الغيبة ينالون من المقام والرفعة والرتبة ما لا يقل عن عصر الظهور ، كما صرّحت به الأحاديث الكثيرة :

١ ـ قال الإمام زين العابدينعليه‌السلام : «إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته ، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كُلّ زمان أُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً »(١) .

٢ ـ عن الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : «يا علي! واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبيّ ، وحجب عنهم الحجّة ، فآمنوا بسوادٍ في بياض »(٢) .

____________

١ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٣٢٠.

٢ ـ بحار الأنوار ٥٢ / ١٢٥.

٤٦٧

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « انتظار الفرج بالصبر عبادة »(١) .

٤ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر ، كمن هو مع القائمعليه‌السلام في فسطاطه ، لا بل كمن قارع معه بسيفه ، لا والله ألا كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٥ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره »(٣) .

٦ ـ قال الإمام عليعليه‌السلام : « المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله »(٤) .

٧ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ »(٥) .

٨ ـ قال الإمام الرضاعليه‌السلام : « انتظار الفرج من الفرج »(٦) .

٩ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد »(٧) .

١٠ ـ قال الإمام الباقرعليه‌السلام : « من مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه ، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر »(٨) .

١١ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره »(٩) ، وغيرها من الأحاديث ، ممّا تدلّ جميعاً على ما ذكرنا ، بشرط الالتزام والبقاء على العقيدة الصحيحة والعمل الصالح.

____________

١ ـ الدعوات : ٤١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٧ ، الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٣٢٣.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٧٤ ، شرح الأخبار ٣ / ٥٧١.

٣ ـ الكافي ١ / ٣٧١ ، الغيبة للنعماني : ٣٢٩.

٤ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٦٤٥ ، شرح الأخبار ٣ / ٥٦٠.

٥ ـ كمال الدين وتمام النعمة : ٦٤٤.

٦ ـ تفسير العيّاشي ٢ / ١٣٨ و ١٥٩ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٤٥٩.

٧ ـ الإمامة والتبصرة : ١٢٦ ، الكافي ١ / ٣٣٥.

٨ ـ الكافي ١ / ٣٧١ ، الغيبة للنعماني : ٣٣٠.

٩ ـ نفس المصدرين السابقين.

٤٦٨

( عبد المنعم الخلف ـ السعودية ـ ٣١ سنة ـ دبلوم )

من أسبابها :

س : لماذا الإمام المهدي عليه‌السلام غائب إلى هذا الوقت؟ وما الحكمة من اختفائه؟ والأُمّة في أمسّ الحاجة إليه؟ هذا ووفّقكم الله ، وسدّد خطاكم.

ج : أسباب غيبة الإمام المهديعليه‌السلام كثيرة ، منها :

١ ـ عدم وجود الناصرين بمقدار الكفاية ، لأنّ جل من يتمنّاه أو يدعو لظهوره ، إنّما يفعل طمعاً في الراحة والرخاء ، والطمأنينة الدنيوية التي يأمل المسلمون أن يحصلوا عليها في ظل رعايته ، وأيّام ظهوره ، فهؤلاء إنّما يدعون لأنفسهم.

٢ ـ إنّ النفوس غير مستعدّة لتقبّل الحكم على طبق الواقع ، الذي سوف يمارسهعليه‌السلام ويحكم في إطاره.

٣ ـ غلبة الأهواء وأهل الفسق والفجور على أزمة الأُمور في جلّ بلاد العالم ، ولابدّ لإزاحة هؤلاء من نفوس طاهرة طيّبة مطيعة للإمام ، كإطاعة جوارح الإنسان لمشيئته وإرادته.

٤ ـ الحكمة الإلهيّة اقتضت غيبة الإمامعليه‌السلام ، وهذه النقطة الحقيقة التي يدور عليها غيبة الإمامعليه‌السلام ، وأمّا الأُمور الأُخرى المذكورة فهي أسباب أو حكم ذكرت في بعض الآثار ، وهي أجوبة وقتية لا مطلقة ، لأنّ الإمام يراعي الظروف الموجودة فيه والموضوعات التي تحكم الواقع الخارجي ، فالسرّ في غيبة الإمام كالسرّ في كون الأئمةعليهم‌السلام اثني عشر إماماً لا أكثر ولا أقل. وعلى المسلم المؤمن التسليم لأوامر الله سبحانه وتعالى وما تقتضيه حكمته.

٤٦٩
٤٧٠

فاطمة الزهراء عليها‌السلام :

( حسين الحائري ـ إيران ـ )

التهديد بحرق بابها في كتب أهل السنّة :

س : أهدي سلامي وتحيّاتي إلى الإخوة العاملين في هذا المركز المبارك.

هل هناك أدلّة عند أهل السنّة على استشهاد الزهراءعليها‌السلام ، بسبب الحادثة التي وقعت بعد وفاة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من حرق باب دارها عليها‌السلام ؟

ج : ليس من الضروري والمهمّ وجود ما نعتقد به عند أهل السنّة وكتبهم ، بل المهمّ والضروري هو وجوده في مصادرنا وكتبنا بطرق كثيرة ، ربما تصل إلى حدّ التواتر ، فهناك الكثير ممّا هو أبسط من هذا الأمر بل وأشهر ، ومع ذلك لا تجد عن أهل السنّة إلاّ مثل هَمَل النعم ، وإلاّ النزر القليل والشاذّ النادر ، الذي يسطّر ويذكر في كتابه بعضاً منها ، فكيف بهذا الأمر الخطير ، الذي حاولوا بشتّى الطرق كتمانه والتستّر عليه ، ومع كُلّ هذا الجهد المبذول للتعتيم ، ظهر من هنا وهناك من كتّابهم وحفّاظهم وعلمائهم ، من أشار أو صرّح بهذه المصيبة العظمى ، نذكر بعضاً منهم :

١ ـ روى ابن قتيبة الدينوري بإسناده عن عبد الرحمن الأنصاري : « وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي ( كرّم الله وجهه ) ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

٤٧١

فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن » !!(١) .

٢ ـ روى أبو الفداء إسماعيل : « فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة وقالت : «إلى أين يا بن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا »!! قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت به الأُمّة »!(٢) .

٣ ـ روى ابن جرير الطبري عن زياد بن كليب قال : « أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقنّ عليكم ، أو لتخرجنّ إلى البيعة! فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه »(٣) .

٤ ـ روى الجوهري عن مسلمة بن عبد الرحمن قال : « لمّا جلس أبو بكر على المنبر ، كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة ، فجاء عمر إليهم فقال : والذي نفسي بيده لتخرجن للبيعة أو لأحرقن البيت عليكم »(٤) .

٥ ـ روى البلاذري بإسناده عن سليمان التميمي ، وعن ابن عون : « أنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه قبس ، فتلقّته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة : «يا بن الخطّاب! أتراك محرّقاً عليّ بابي »؟ قال : نعم ، وذلك أقوى لما جاء به أبوك »(٥) .

٦ ـ روى الشهرستاني عن النظّام أنّه قال : « وكان عمر يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها!! وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين »(٦) .

____________

١ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٣٠.

٢ ـ المختصر في أخبار البشر ١ / ٢١٩ ، العقد الفريد ٥ / ١٣.

٣ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٤٣.

٤ ـ السقيفة : ٥٢ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٦ و ٦ / ٤٨.

٥ ـ جمل من أنساب الأشراف ٢ / ٢٦٨.

٦ ـ الملل والنحل ١ / ٥٧.

٤٧٢

٧ ـ روى ابن أبي شيبة عن زيد بن اسلم ، عن أبيه اسلم ـ وهو مولى عمر ـ : « أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله ، والله ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ، إنّ أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت »(١) .

وسند هذه الرواية صحيح ، أو قل : حسن بالتعبير الدارج على ألسنة المحدثين.

٨ ـ روى ابن عبد ربّه : « فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : « يا بن الخطّاب ، أجئت لتُحرق دارنا »؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة »(٢) .

٩ ـ وروى المتّقي الهندي عن أسلم : « فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتّى دخل بيت على فاطمة فقال : يا بنت رسول الله وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب ، فلمّا خرج عليهم عمر جاؤها قالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب »(٣) ، وغيرها من مصادر أهل السنّة.

وممّا يؤيّد ما سبق اعتراف أبي بكر وإقراره ، بل وتظاهره بالندم على كشفه لبيت الزهراءعليها‌السلام ، فعن عبد الرحمن بن عوف قال : « دخلت على أبي بكر أعوده فاستوى جالساً ، فقلت : ما أرى بك بأساً والحمد لله ، فلا تأس على الدنيا ، فو الله إن علمناك إلاّ كنت صالحاً مصلحاً ، فقال أبو بكر : إنّي

____________

١ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٢.

٢ ـ العقد الفريد ٥ / ١٣.

٣ ـ كنز العمّال ٥ / ٦٥١.

٤٧٣

لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث ، وددت أنّي لم أفعلهن : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته »(١) .

( علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

موقفها من أبي بكر :

س : ما هي قصّة فاطمة الزهراء عليها‌السلام مع الخليفة الأوّل ، هل هي مؤكّدة؟

ج : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين : قسم منهم توفّوا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم ، وقسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ التي أوصى بها في عدّة مواطن ـ فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ الله تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن ، منها قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (٢) .

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما انصبها »(٣) ، وقال أيضاً : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها »(٤) .

____________

١ ـ السقيفة : ٧٥ ، شرح نهج البلاغة ٢٠ / ٢٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٤١٩ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦١٩ ، كنز العمّال ٥ / ٦٣١.

٢ ـ الأحزاب : ٥٧.

٣ ـ مسند أحمد ٤ / ٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٦٠ ، المستدرك ٣ / ١٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٧ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٣٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٥٣ و ٤٧٨.

٤ ـ الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٥٦.

٤٧٤

وما روي أيضاً في صحيح البخاري وغيره : من أنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي واجدة ـ أي غضبانة ـ على أبي بكر(١) يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

( أبو محسن ـ الكويت ـ )

مصادر شيعية في كسر ضلعها :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ؟

ج : إنّ الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراءعليها‌السلام هو النصوص الكثيرة الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر لكم نموذجاً منها :

١ ـ جاء في رواية : « وحالت فاطمةعليها‌السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، وإنّ بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها ، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ، فألجأها إلى عُضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها »(٢) .

٢ ـ جاء في زيارتهاعليها‌السلام : « الممنوعة إرثها ، المكسور ضلعها ، المظلوم بعلها ، المقتول ولدها »(٣) .

٣ ـ عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله : « وأمّا ابنتي فاطمة وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها »(٤) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٥ / ٨٢ ، مسند أحمد ١ / ٩ ، صحيح مسلم ٥ / ١٥٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٠٠ ، صحيح ابن حبّان ١١ / ١٥٣ و ١٤ / ٥٧٣ ، مسند الشاميين ٤ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٦٩.

٢ ـ بحار الأنوار ٢٨ / ٢٨٣ ، مرآة العقول ٥ / ٣٢٠ ، الاحتجاج ١ / ١٠٩.

٣ ـ إقبال الأعمال ٣ / ١٦٦ ، بحار الأنوار ٩٧ / ٢٠٠.

٤ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٧٦ ، بشارة المصطفى : ٣٠٧.

٤٧٥

٤ ـ روي في كتاب سليم بن قيس : « فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلّى الله عليها من ذلك شهيدة »(١) .

٥ ـ قال السيّد الحميريقدس‌سره في شعره :

ضربت واهتضمت من حقّها

وأذيقت بعده طعم السلع

قطع الله يدي ضاربها

ويد الراضي بذاك المتبع(٢)

السلع : الشقّ والجرح.

وشعر السيّد الحميري يدلّ على شيوع هذا الأمر في عهد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وذيوعه ، حتّى لتذكره الشعراء ، وتندّد به ، وتزري به على من فعله.

وخلاصة الأمر : إنّه لا يمكن بملاحظة كُلّ ما ذكرناه تكذيب هذا الأمر ، ما دام أنّ القرائن متوفّرة على أنّهم قد هاجموها ، وضربوها ، واسقطوا جنينها ، وصرّحت النصوص بموتها شهيدة أيضاً ، الأمر الذي يجعل من كسر الضلع أمراً معقولاً ومقبولاً في نفسه ، فكيف إذا جاءت روايته في كتب الشيعة والسنّة ، بل وأشار إليه الشعراء أيضاً ، ولاسيّما المتقدّمون منهم.

ثمّ لا يخفى عليكم أننّا لا نحتاج في إثبات هذه القضايا إلى صحّة السند ، بل يكفي الوثوق بصدورها ، وعدم وجود داع إلى الكذب كافّ لصحّة الأخذ بالرواية.

( هويدا ـ ـ )

تسبيحتها وكيفيته :

س : ما هي تسبيحة الزهراء؟ وكيف تكون؟

____________

١ ـ كتاب سليم بن قيس : ١٥٣ ، الاحتجاج ١ / ١٠٩.

٢ ـ الصراط المستقيم ٣ / ١٣.

٤٧٦

ج : نحيطك علماً بأنّ تسبيح الزهراءعليها‌السلام قد ورد في فضله الكثير من الروايات عن النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام .

وكيفيته هي : أن تقول أربع وثلاثون مرّة الله أكبر ، وثلاث وثلاثون مرّة الحمد لله ، وثلاث وثلاثون مرّة سبحان الله ، وذلك بعد كُلّ صلاة فريضة.

وأصل هذا التسبيح علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، كما ورد في عدّة روايات.

( ـ ـ )

قضيتها عقائدية لا تاريخية محضة :

س : هناك من يعتقد ويقول : بأنّ بعض القضايا التاريخية يجب على الإنسان المسلم الشيعي أن لا يقف عندها طويلاً ، لأنّها ليست من الأُمور الهامّة في الإسلام ، كقضية فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وما جرى عليها من المصائب ، فهي قضية حصلت منذ فترة من الزمن وانتهت ، وأنّه ليس من الضروري الخوض في تفاصيل تلك المسألة؟

فما هو ردّكم على هذا القول؟ إذ من المعلوم حقّاً بأنّ العقائد لا تقليد فيها ، إذ يجب على الفرد المسلم أن يبحث ويدقّق في تلك العقائد حتّى تطمئن نفسه ، فسؤالي هو : ما هي العقائد التي ترونها لا تقليد فيها ، فهل المطروح حالياً في الساحة من الإشكالات حول ما يطرحه البعض من قضية الزهراءعليها‌السلام مثلاً هو من العقائد؟ أدامكم الله للإسلام والمسلمين.

ج : إنّ ردّنا على هذا القول هو : إنّ أقلّ ما يفيدنا الوقوف عند هذه القضية هو كون الزهراءعليها‌السلام ، وأمير المؤمنينعليه‌السلام مظلومين ، وأنّ القوم ظلموهما ، وظلموا أهل البيت ، وأقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، والوقوف عليها كون أُولئك القوم ظالمين ، وقد قال الله تعالى :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ،

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٤٧٧

وهذا أقلّ ما يستفاد من دراسة تلك القضية ، أنّ فلاناً وفلاناً لم يكونا لائقين لأنّ يجلسا مجلس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقوما مقامه من بعده ، وهذا أمر يرجع إلى مسألة الإمامة التي هي عندنا من أُصول الدين.

فالتحقيق عن قضية الزهراءعليها‌السلام في الحقيقة ، تحقيق عن مسألة عقائدية هي من صلب الإيمان ، وليست قضية تاريخية محضة ، ومن يقول بهذه المقولة التي ذكرتموها ، إن كان جاهلاً فعلينا أن نعلمه وننبّهه ، وإن كان يفهم ما يقول ، ففي قلبه مرض ، والشيعي حقّاً لا يقول بمثل هذا الكلام.

ثمّ إنّ قضية الزهراءعليها‌السلام ترجع إلى أمر من صلب الدين ، وتتعلّق بقضية مصيرية للإسلام والمسلمين ، وقد ذكرنا بأنّ أقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، وتدلّ عليه : أنّ خصوم الزهراء وأمير المؤمنين كانوا ظلمة ، فلم يستحقّوا الإمامة والنيابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

إذن دراسة قضية الزهراءعليها‌السلام تنتهي إلى نفي إمامة وخلافة غير أمير المؤمنين ، من الذين تصدّوا الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهذه القضية إذن قضية ضرورية عقائدية ، وجديرة بالبحث والتحقيق فيها ، وأمّا القضايا العقائدية الأُخرى المطروحة في الساحة الآن ، والتي تقع موقع البحث والردّ والإيراد ، فتلك على قسمين :

منها : ما هو من ضروريات الدين والمذهب ، فهنا يجب الاعتقاد بها عن اجتهاد لا عن تقليد ، والضروري هو ما يجب الاعتقاد به ، وإن إنكاره أو التشكيك فيه خروج عن الدين أو المذهب.

ومنها : ما ليس من ضروريات الدين والمذهب ، وإنكاره أو التشكيك فيه ، ليس بمخرج عن الدين أو المذهب ، وقول علمائنا : بأنّ أُصول الدين والعقائد لا تقليد فيها ، ليس معنى ذلك أن يقول الإنسان بما تهواه نفسه ، بل المراد من عدم التقليد في أُصول الدين والمسائل العقائدية هو : أن يكون الإنسان معتقداً بتلك العقيدة عن دليل ، وبرهان قطعي.

٤٧٨

على أنّ مسألة فاطمة الزهراءعليها‌السلام مرتبطة بالإمامة ؛ لأنّ الأمور التي جرت عليها بسبب غصب الحقّ الشرعي لعليعليه‌السلام وأبنائهعليهم‌السلام ، فالمسألة من صميم العقيدة وليست هامشية حتى يمكن التغاضي عنها.

( الهادي ـ بريطانيا ـ )

بعض الأدلّة على عصمتها :

س : هل هناك دليل على عصمة الزهراء عليها‌السلام ؟ وما هو الدليل على ضرورة عصمتها عليها‌السلام ؟ وشكراً.

ج : هناك عدّة آيات وروايات تدلّ على عصمتهاعليها‌السلام ، منها آية التطهير التي تدلّ بالصراحة على عصمتهاعليها‌السلام ، والتي لا شبهة ولا خلاف في كون الزهراءعليها‌السلام داخلة تحت هذه الآية المباركة.

هذا مضافاً إلى أنّهاعليها‌السلام بضعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يعقل أن تكون بضعته غير معصومة.

وبالنسبة إلى ضرورة عصمتهاعليها‌السلام ، فليست العصمة دائرة مدار الإمامة حتّى يقال : بأنّ الزهراءعليها‌السلام لم تكن إماماً ، وإنّما العصمة منزلة إلهية توجد عند الإنسان ، بفضل قربه من الله تعالى ، ويترتّب على ذلك وجوب إطاعته والاقتداء به ، وأنّ الله تعالى يجعله حجّة بينه وبين الخلق ، ومن يحتجّ به الله تعالى لابدّ وأن يكون معصوماً.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

نزول الملائكة عليها :

س : هل هناك روايات تقول بأنّ الملائكة لم تنزل على السيّدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؟ وهل هي صحيحة مقابلة مع الروايات الصحيحة والمعتبرة ، التي تقول بأنّ الملائكة قد نزلت عليهاعليها‌السلام ؟

٤٧٩

وهل أنّ قول الرسول بما معناه : بأنّ الوحي سينقطع من بعده ، هل كان يقصد به الوحي النبوي إن صحّ التعبير؟

ج : لا توجد عندنا روايات تنفي نزول الملائكة على فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، بل العكس هناك روايات تثبت نزول الملائكة عليهاعليها‌السلام وتكلّمها معها ، ومن هنا ورد في الروايات أنّ من ألقابهاعليها‌السلام محدّثة ، أي أنّ الملائكة كانت تحدّثها بعد وفاة أبيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا ليس ببعيد ، بعدما نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة ، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات ، وإنّما كنّ وليّات من أولياء الله ، منهن :

١ ـ مريمعليها‌السلام ، قال تعالى :( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) (١) .

٢ ـ سارةعليها‌السلام ، قال تعالى :( وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (٢) .

٣ ـ أُمّ موسىعليهما‌السلام ، قال تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٣) .

والاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراءعليها‌السلام لا يعدّ غلوّاً ، ولا مبالغة في فضلها ، فهيعليها‌السلام سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وأفضل من مريم بنت عمران ، ومن سارة امرأة إبراهيمعليه‌السلام ، ومن أُمّ موسىعليهما‌السلام ، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهن للملائكة وتكليمهن لهم ، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهن؟

____________

١ ـ آل عمران : ٤٢.

٢ ـ هود : ٦٩ ـ ٧٣.

٣ ـ القصص : ٧.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585