موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253310 / تحميل: 6999
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

( موسى ـ السعودية ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكركم على هذا الردّ الوافي ، وأتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وأن ينفع الله بعلمكم الأُمّة الإسلامية.

( عبد الله ـ ـ )

اعتراضاته :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنا من الذين يتعرّضون لبعض المواجهات مع بعض الأشخاص من العامّة والوهّابية ، وحيث إنّه يوجّهون بعض الإشكالات على مذهب الحقّ ، ورغبتنا منّا في الحصول على الردّ المناسب وعدم الرد المتسرّع ، أوجّه لكم هذه الرسالة من أحد أهل السنّة ، والتي سوف أكون شاكراً لكم ، لو حصلت على الردّ المناسب على هذه الرسالة.

أمّا أنّ عمر ابن الخطّاب اعترض على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، فاعلم أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله له أمران : أمر في شؤون الدين والتشريع ، فلا يسع أحداً أن يشاور فيها ، ولا يقدّم بين يدي الله ورسوله ، وأمر في شؤون الحياة ، وهو الذي تطبّق فيه الشورى.

في غزوة بدر نزل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصحابة في مكان ، وأشار الحباب بن المنذر بمكان أخر فاختير مكان الحباب.

في غزوة أُحد كان رأي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله المكوث في المدينة ، وكان رأي شباب الصحابة الخروج ، وكان الخروج

هنا يقول : أنّه لم يصدر أيّ حديث بذمّ عمر بن الخطّاب من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أيّ قول أثر عن علي بن أبي طالب يذمّ فيه عمراً ، إذا كان لديك قول ممّا سبق فإلينا به.

ثالثاً : إذا حكمت بعدم عدالة عمر ، فهذا يعني أنّه ليس بكفؤ للزواج من بنت علي بن أبي طالب ، فلماذا زوجّه إذن؟ إن قلت : بسبب التهديد ، فهذا قول

٤٠١

مردود ، لأنّه لا اعتقد أنّ الفارس يرضخ لتهديد عمر ، الذي ذكرتم في جبنه الأقاويل.

وإن قلت : بسبب التهديد ، فكيف يحلّ لمعصوم أن يتنازل عن أمر فاضل إلى مفضول تحت التهديد ، وهو المعصوم من الله عصمتين ، عصمة من الخطأ في أمر الدين ، وعصمة من أن يقتله أحد من البشر ، قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (١) ، وقال تعالى :( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٢) .

فإن أسقطت هاتين العصمتين على الإمام علي بن أبي طالب ، فهذا يتنافى تماماً مع رضوخه للتهديد ، وإن لم تسقطها عليه ، فهذا يناقض عقيدة العصمة عندكم ، وإن قلت بالأُولى دون الثانية ، فهذا يعني أنّ كلام الإمام هو وحي من الله ، فهل أنت تقول بهذا القول؟ وإن قلت بالثانية دون الأُولى ، فالإمام علي مات شهيداً مقتولاً.

إن قلت : إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّج ابنته بأحد المشركين قبل الهجرة ، فأقول لك : إنّ ذلك قبل اكتمال شرائع الدين ، ولكن بعد اكتمال شرائع الدين لا يحلّ ذلك ، وإن قلت : إنّ الإمام زوّج عمر عن رضى منه ، فهذا يعني كفاءة وعدالة عمر ، وهو عكس ما أنت عليه الآن.

وإن قلت بالقول الشائع ، إنّه هناك ملابسات خاصّة ، فعليك بذكر تلك الملابسات.

وإن قلت : إنّ الإمام زوّجها خطأً ، فذلك ينافي العصمة ، وهل صحيح أنّه هناك من اجتهد مقابل قول الرسول في حياته ، ولم يصدر من الرسول أيّ شيء حيال هذا الاجتهاد؟

انتظر الردّ بفارغ الصبر ، وأرجو أن يكون سريعاً.

ج : يمكنكم أن تبعثوا بهذه الرسالة إلى من ذكر لكم هذه الإشكالات لتكون جواباً على استفساراته :

____________

١ ـ النجم : ٣.

٢ ـ المائدة : ٦٧.

٤٠٢

أودّ في البداية أن الفت انتباهكم إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّكم في مقام الاستشهاد والاستدلال تحاولون التمسّك بالأخبار والتاريخ الوارد في كتبكم ، وتجعلون ذلك حجّة علينا ، أمّا حينما تصل النوبة إلينا فلا حقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في كتبنا ، فلماذا باؤكم تجرُّ دون بائنا؟ وهل هذا من العدل والإنصاف؟!

وعلى أيّ حال ما أشرتم إليه أوّلاً من انقسام الأمر إلى قسمين فهذا وجيه ، ولكن ماذا نفعل إذا كانت المخالفة في شؤون الدين ، فتعال واقرأ :

١ ـ عن ابن عباس : لما حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هلمَّ اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، قال عمر : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله.

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربّوا يكتب لكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال رسول الله : «قوموا »(١) .

وينقل البخاري نفسه أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

إنّه ما أعظمه من اعتراض! وهل يوجد اعتراض أكبر من هذا يوجّه إلى النبيّ؟ ويقابل به بهذا الشكل من الوقاحة؟ إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلب أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، وهل يوجد كتاب أعظم من هذا الكتاب الذي لا يضلّ بعده المسلمون؟ ويأتي الاعتراض والردّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه غلبه الوجع أو هجر ، وهل تعلم ما معنى ذلك؟ أي أنّه يتكلّم بلا شعور ولا إدراك ، في الوقت الذي

____________

١ ـ صحيح البخاري ٧ / ٩ و ٨ / ١٦١ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٦ ، المصنّف للصنعاني ٥ / ٤٣٨ ، مسند أحمد ١ / ٣٢٤.

٢ ـ صحيح البخاري ٤ / ٣١.

٤٠٣

يقول عنه تعالى :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (١) ، ماذا يتصوّر من جريمة أعظم من هذه الجريمة؟

واقبح من هذا أن يأتي المرقّع فيقول : إنّ المقصود الاستفهام ، أي أهَجَر ، وهل الاستفهام أقلّ قبحاً من نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من دون الاستفهام.

٢ ـ عن أبي وائل قال : « قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ألسنا على حقّ وهم على باطل؟

قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : « بلى » ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال : «يا بن الخطّاب إنّي رسول الله ، ولن يضيعني الله أبداً ».

قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيّظاً ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : فعلامَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟

فقال : يا بن الخطّاب إنّه رسول الله ، ولن يضيعه الله أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاه ، فقال : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : «نعم » فطابت نفسه ورجع »(٢) .

ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الشدّة اعتراضاً.

____________

١ ـ النجم : ٣ ـ ٤.

٢ ـ صحيح مسلم ٥ / ١٧٥ ، صحيح البخاري ٤ / ٧٠ و ٦ / ٤٥ ، مسند أحمد ٣ / ٤٨٦.

٤٠٤

وقد يقول قائل : هل في المشورة بأس؟ وهل من القبيح أن يدلي بعض الصحابة برأيه في موضوع معيّن؟ ولماذا لا نحمل هذين الخبرين على ذلك؟

والجواب واضح ، فإنّ التشاور يعني إبداء الرأي من دون رفض ومعارضة بخلاف الاعتراض ، فإنّه يعني الرفض والإنكار دون مجرد إبداء الرأي ، وواضح أنّه في هذين الحديثين نجد الرفض والإنكار بأعلى درجاته ، إنّه إلى حدِّ نسبة الهجر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلى حدٍّ لا يكتفي عمر بجواب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يذهب إلى أبي بكر ، وينزل القرآن بعد ذلك ، وتطيب آنذاك نفس الخليفة ، إنّه إلى حدٍّ يتغيّض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه هل هناك ذمّ من الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فجوابه : إنّ الشخص الذي تصدر منه مثل هذه المواجهة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الذي هو أعظم شخصية إسلامية ـ ويسكت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خوفاً على الإسلام من أن يصاب بثلمة بسبب الاختلاف ، فكيف بالإمام عليعليه‌السلام ؟

هل تتوقّعون منه الاعتراض والذمّ؟ وقد صدر أكبر ذمّ منهعليه‌السلام للخليفة الثاني ، وذلك بعد موت الخليفة في الخطبة الشقشقية المعروفة ، التي من أجلها أنكرتم وأنكر أصحابكم نسبة نهج البلاغة إلى الإمام عليعليه‌السلام ، ولكن ليس وراء الحقّ إلاّ الضلال.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه إذا حكمت بعدم عدالة عمر فكيف زوجّه الإمامعليه‌السلام بابنته ، بعد عدم كونه كفؤاً ، فهو مضحك حقّاً ، حيث ليس لكم اطلاع على أنّ المسلم كفؤ المسلمة ، وليس العادل كفؤ العادلة ، إنّ التكافؤ لابدّ أن يكون بالإسلام وليس بالعدالة ، وبهذا تبطل جميع المقدّمات والشقوق المنطقية أو العقلية ، التي سوّدتم صحيفتكم بها.

نسأله تبارك وتعالى الهداية والتوفيق.

٤٠٥
٤٠٦

العولمة والحداثة :

( خليفة الرحمن ـ السعودية ـ )

موقف الإسلام منهما :

س : ما مفهوم كُلّ من المصطلحين التاليين : الحداثة؟ العولمة؟ وما موقف الإسلام منهما؟ وما دور الشباب المسلم تجاه ما يعنيانه؟ وفّقكم الله وسدّد خطاكم.

ج : تارة نتكلّم عن الحداثة في مفهومها اللغوي ، وتارة في مفهومها العلماني.

فالحداثة بمفهومها اللغوي هي بمعنى الأكثر جدّة ، فهذا الجديد أو الأجد إذا كان ينسجم مع أحكام الإسلام وقوانينه ولا يعارضه ، فموقف الإسلام منه موقف إيجابي لا سلبي ، فالإسلام لا يحارب الجدّة والحداثة ، نعم هو يحارب كُلّ ما يتعارض مع أحكامه وقوانينه.

وأمّا الحداثة بمفهومها العلماني هي عبارة عن الابتداع في كُلّ شيء من شؤون الحياة ، حتّى لو أدّى إلى ضرب الدين عرض الجدار ، وهذا ممّا لاشكّ فيه يتنافى مع روح الإسلام ، فالإسلام مع الحداثة التي تنسجم مع قوانينه الخالدة ، وضدّ الحداثة التي هي الدعوة إلى ضدّها ، ولكن بأسلوب جديد وحديث.

٤٠٧

وأمّا بالنسبة إلى العلمانية فهي بمفهومها الوضعي عبارة عن الرجوع إلى نتائج البحث العلمي البشري البحت بعيداً عن الدين ، فالعلمانية بهذا المفهوم تتنافى مع الدين.

ولاشكّ أنّ الدين قائم على أساس العلم ، والعلم قائم على الأسس العقلية المتينة ، والقواعد المنطقية الصحيحة ، ولا يوجد في الدين ما يتنافى مع ضرورات العقل ، والمقرّرات العقلية للعلم ، أمّا المقرّرات غير القطعية فبما أنّها عُرضة للتغيير فلا يمكن أن نربط الدين بها ، فيصبح الدين متغيّراً ، فليس من الصحيح أن نقول : أنّ الدين تبع للعلم.

إذاً ، العلمانية لا تعتقد بالثوابت الدينية ، وإنّما تعتمد على نتائج الفكر البشري المحدود.

وبتعبير آخر أوضح : إنّ العلمانية أُريد لها أن تكون شيئاً مضادّاً للدين ، يعني هناك أطروحتان لإدارة الحياة : أطروحة إلهية ، وأطروحة وضعية بشرية بعيدة عن قوانين الدين ، ولهذا حينما تقارن التشريعات يقال : هذا تشريع ديني إلهي ، وهذا تشريع وضعي بشري.

فالأطروحة العلمانية هي الأطروحة الوضعية التي تتقيّد بنتائج الفكر البشري ، بعيدة عن الدين عقائداً وأخلاقاً وأحكاماً ، وبهذا تتنافى مع الدين.

وليس المقصود من العلمانية في الاصطلاح معناها اللغوي المشتقّ من العلم ، لأنّ العلم في حدود القواعد المنطقية والأُسس العقلية السليمة يقرّ بالدين ، ولا يتنافى مع الدين في الحدود المسموح بها.

أمّا هناك أُمور غير مسموح بها لأنّها فوق طاقة العقل البشري ، ولهذا تجد المختبرات العلمية تكتشف اليوم أمراً ثمّ تنسفه غداً ، أمّا في الدين لا يوجد شيء من هذا القبيل إنّما حلال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

٤٠٨

فالتغيّر إنّما يكون في الموضوعات أو في المصاديق ، أمّا في أصل الأحكام فإنّها ثابتة لا تقبل التبديل والتعديل.

( ـ ـ )

المجتمع الحديث :

س : ما هو المقصود من المجتمع الحديث؟ وشكراً.

ج : المجتمع الحديث هو الذي يستخدم أفراده وحكومته أكثر المنجزات العلمية والتكنولوجية تطوّراً في إنجاز أعمالهم ونيل أهدافهم ، أي أنّهم في المجتمع الحديث ، إذا أرادوا إرسال نداء أو رسالة لا يرسلون قاصداً بل يستخدمون أفضل وسائل الاتصال في أسرع وقت ، وفي منتهى الدقّة ، كما أنّ الحكومة تمتلك أفضل المعلومات ، وتستخدم أرقى العلوم تطوّراً لتحليل قضاياها ، كما أنّها مسلّحة بآخر المنجزات الصناعية.

٤٠٩
٤١٠

الغدير :

( حميد ـ عمان ـ )

دلالة حديث الغدير على إمامة عليعليه‌السلام :

س : ما هو حديث الغدير؟ وكيف يدلّ على إمامة علي عليه‌السلام ؟

ج : حديث الغدير هو : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع بغدير خم ، حينما قام في الناس خطيباً ـ من خطبة طويلة ـ : « يا أيّها الناس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ».

وقد روى هذا الحديث كثير من الصحابة ، وأورده جمع كبير من علماء الفريقين في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(١) .

ودلالة الحديث على خلافة وولاية عليعليه‌السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية الله وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١٥٢ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠ ، الجامع الكبير ٥ / ٢٩٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٥ ، المستدرك ٣ / ١٠٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ ، المعجم الكبير ٤ / ١٧ و ٥ / ١٧٠ و ٥ / ١٩٢ و ٥ / ٢٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١ ، التاريخ الكبير ١ / ٣٧٥ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٣ / ٢٥٦ ، ٦ / ٨٢ و ٣٥٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢١٣ و ٢١٧ و ٢٣٠ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٨٤ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٩٦ ، الجوهرة : ٦٧ ، البداية والنهاية ٥ / ٢٣١ ، السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٤٢١ ، ينابيع المودّة ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٣ و ٣٩١.

٤١١

شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » ، فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية الله تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعليعليه‌السلام ، وذلك لقوله : «من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهم الأُمور عنده ، وأعزّها عليه.

وهذا ما صنعه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمره لتبليغ الشاهد الغائب.

كُلّ هذا فعله الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم ، فهل يليق بحكيم ذلك؟ وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ عليعليه‌السلام للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أن ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) .

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( عبد السلام ـ هولندا ـ سنّي )

عيد من الأعياد الإسلامية :

س : هل للمسلمين عيدين فقط ، كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ وهل هناك أحاديث بأنّ صيامه سنّة مؤكّدة؟ اذكروها إن أمكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اتفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام ، عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية ، مثل حرمة الصيام فيهما.

____________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٤١٢

أمّا مسألة صومه ، فهناك أحاديث كثيرة في فضله ، رويت من طرق الشيعة وأهل السنّة على السواء.

وإليك بعض ما روي في كتب السنّة : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة ، كتب الله له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب فقال : « ألست ولي المؤمنين» ؟

قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كُلّ مسلم ، فأنزل الله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ) (١) .

وعليه فعيد الغدير من الأعياد الإسلامية الكبرى ، لأنّه المتمّم لمفاهيم عيدي الفطر والأضحى ، إذ بعيد الفطر يتميّز الصائمون من غيرهم ، وبعيد الأضحى يتميّز الحجّاج ، ومن يعظّمون الحجّ عن غيرهم ، وبعيد الغدير يتميّز من يقدّس هذين العيدين بأبعادهما الإسلامية كاملة.

( أحمد جعفر ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي :

س : أودّ أن أسأل حضراتكم عن الآيتين :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، و( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟

فالأُولى رقمها ( ٦٧ ) في سورة المائدة ، والثانية رقمها ثلاث في نفس السورة ، وكما نسمع في الروايات أنّ آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال ، لكن في القرآن نجدها بعد آية الإكمال ، كيف ذلك؟

ثمّ هل إنّ الروايات القائلة بنزول الآيتين في شأن الإمام عليعليه‌السلام متواترة؟

ج : إنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى

____________

١ ـ المائدة : ٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ و ٢٠٣ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٨٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٦ ، المناقب : ١٥٦.

٤١٣

بالنظم ـ أي نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معينة ، قد تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك ـ.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) إذا أخذنا فيها ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) ، والآية التي بعدها هي :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، إن هو بلّغ الإسلام ، فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته ، وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لذا أخبره تعالى أنّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم ، مضافاً إلى أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) نزلت في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام (١) ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها.

لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على آية( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، فإنّ روايات أهل السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

____________

١ ـ أُنظر : أسباب نزول القرآن : ١٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ و ٢٤٩ و ٢٥٦ و ٣٥٣ و ٤٠٢ و ٢ / ٣٩١ و ٤٥١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، فتح القدير ٢ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، المناقب : ٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩ و ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٥.

٤١٤

( أبو مهدي ـ ـ )

أحد الأدلّة على إمامة علي :

س : لقد ناقشت أحد إخواننا السنّة حول قضية الغدير ، والتي صرّح فيها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية لعليعليه‌السلام ، فأجابني : بأنّ الموقف كان بيان من الرسول ليوضّح منزلة عليعليه‌السلام منه وحبّه ، والسبب الوحيد هو ليزيل ما في قلوب بعض الصحابة عليه ، ولو أراد خلافته فلم لم يصرّح بوضوح ، كأن يقول : يا أيّها الناس إنّ علياً إمامكم من بعدي ، وقد فرض الله طاعته عليكم.

فالرجاء إعطائي جواباً شافياً مع الشكر الجزيل.

ج : قد صرّح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام من بعده في عدّة أحاديث ، من بداية الدعوة الإسلامية وإلى يوم الغدير ، ومن تلك الأحاديث :

١ ـ حديث الدار : عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (١) : « دعاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لي : يا علي ، إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه »(٢) ، فهل تجد أصرح من هذه العبارة؟

٢ ـ حديث الولاية : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي »(٣) ، أو : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي ومؤمنة »(٤) ، أو : « أنت وليّي في كُلّ مؤمن بعدي »(٥) .

____________

١ ـ الشعراء : ٢١٣.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١١٤ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١١ ، جواهر المطالب ١ / ٨٠ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٦٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، السيرة النبوية لابن كثير ١ / ٤٥٩.

٣ ـ ذخائر العقبى : ٨٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٠ ، مسند أبي داود : ٣٦٠ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٩ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٦.

٤ ـ المستدرك ٣ / ١٣٤.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٣٣١ ، كتاب السنّة : ٥٥٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٢.

٤١٥

أليس هذا الحديث يدلّ على ثبوت الأولوية بالتصرّف لعليعليه‌السلام ؟ وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة.

٣ ـ حديث الغدير : أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح وغيره عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له : وادي خم ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فمن كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللهم عاد من عاداه ، ووال من والاه »(١) .

فأثبت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث لعليعليه‌السلام ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم ـ أي الصحابة ـ جميعاً بايعوه على هذا ، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّؤوه ، ونظمت فيه الأشعار.

( هاشم ـ الكويت ـ ١٨ سنة ـ طالب جامعة )

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير :

س : نشكركم على إتاحة الفرصة لنا بالاستفادة منكم ، أدام الله توفيقكم.

سؤالي هو : لماذا لا تكون عبارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فهذا مولاه » دليلاً وقرينة على أنّ معنى « المولى » هو المحبّ والنصير؟

ج : إنّ هذه الشبهة هي محاولة منسوخة من قبل البعض لتأويل معنى « المولى » في حديث الغدير(٢) ، ولكنّها مردودة لوجوه :

منها : إنّ صدر الحديث لا يحتمل فيه هذا التوجيه ، إذ لا يعقل أن يأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بالاجتماع والإصغاء إلى مجرّد معنى المحبّة والنصرة.

وبعبارة أُخرى : لدينا قرينة حالية صريحة بأنّ ذاك الاهتمام البالغ لا يتصوّر أن ينصب فقط لبيان كون عليعليه‌السلام محبّاً وناصراً ، لمن كان النبيّ محبّاً وناصراً له ، أو بمعنى : من أحبّني وتولاّني فليحبّ علياً وليتولّه.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٧٢ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨٥.

٢ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٦٨.

٤١٦

ومجمل الكلام : إنّ القرينة المقامية والحالية توجب رفع اليد عن معنى المحبّ والناصر للمولى في صدر الحديث ، بل وصرفه إلى معنى الأولوية على الأنفس التي هي الإمامة.

وأمّا تتمّة الحديث ، فلابدّ من لحاظها مع صدر الحديث لا بالاستقلال ، فيكون الدعاء الوارد في ذيل الحديث متوجّهاً إلى من قبل إمامة عليعليه‌السلام .

( أبو حسين ـ الكويت ـ )

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ :

س : عندي سؤال حفظكم الله :

بالنسبة لواقعة غدير خم ، ما هو المغزى لتأخّر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بإبلاغ الناس عن ولاية الإمام علي عليه‌السلام ؟ لماذا لم يخطب بالناس في الحجّ؟ مع أنّ الناس هناك كانوا أكثر؟ أفيدوني.

ج : إنّ الوحي الإلهي لا يخضع في أصل وجوده وكيفية نزوله للعقل البشري ، لأنّ دوره هو هداية الإنسان ، فلا يقع تحت شمول القواعد والتحليلات العقلية.

وفي المقام ، لا يسعنا التكهّن بمصلحة مكان وزمان واقعة الغدير ، بل وحتّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد تعبّد فيهما ، فعندما نزل الوحي وقرأ جبرائيلعليه‌السلام آية التبليغ ، انصدع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمر السماء ، وبلّغ ما أمر به ، ولم يتقدّم أو يتأخّر في تنفيذه.

فالمهم في الموضوع : أن نرى تواتر حديث وواقعة الغدير ، فإنّها ـ بحمد الله تعالى ـ مسجّلة في أُمّهات مصادر الفريقين ، ولم ولن يستطيع المناوئون إخفاء فضائل أهل البيتعليهم‌السلام أو تضييعها ، فأصل الحادث أمر مسلّم ، وأمّا حكمة إبدائه في ذلك المقطع من الزمان والمكان فيه شيء آخر ، قد يذكر له وجوه استحسانية ، فلا يهمّنا معرفتها بعد أن تيقّنا أصل الواقعة.

٤١٧

ثمّ إنّ مدلول حديث الغدير هو إمامة أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وهذا المعنى جاء في حديث الثقلين ، ثمّ إنّ حديث الثقلين قد ورد في عدّة أمكنة ، منها : في حجّة الوداع عند زمزم(١) ، وفي عرفات(٢) ، وفي مسجد الخيف(٣) .

فترى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلّغ في أزمنة وأمكنة متعدّدة ـ قبل وبعد الغدير ـ ولاية الإمام عليعليه‌السلام ، وأمّا خصوصية الغدير فتكمن في نزول آية التبليغ والإكمال فيها ، وبيعة المسلمين الذين حضروا المشهد بأجمعهم مع أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهذه المسألة فريدة في نوعها في تثبيت إمامة الإمام عليعليه‌السلام والتأكيد عليها.

( سعد ـ الكويت ـ )

تحقيق حول معنى المولى :

س : أهل السنّة يقولون : إنّ كلمة مولاه لا تعني أولى بالشيء ، ويقولون : تعني النصرة والمحبّة ، ويستندون بآية( فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكيف نردّ على هذه الآية؟

ثمّ هل هناك فرق بين كلمة مولى وكلمة والي وكلمة أُولي؟ ولماذا لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغدير أُولي؟ وشكراً.

ج : إنّ الولاية التي نؤمن بها هي : الإمامة والإمارة ، والسلطة الدينية والدنيوية ، وقيادة الأُمّة بعد نبيّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصراط المستقيم ، والمحجّة البيضاء ، والحفاظ على الإسلام والمسلمين.

____________

١ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٠٩.

٢ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٢٨ ، المعجم الأوسط ٥ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٦٦ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦ ، نظم درر السمطين : ٢٣٢ ، ينابيع المودّة ١ / ١٠٩ و ١٢٥.

٣ ـ ينابيع المودّة ١ / ١٠٩.

٤ ـ التحريم : ٤.

٤١٨

وقد عبَّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذه الولاية بعدّة ألفاظ منها : « ولي ومولى » ، وهذين اللفظين قد صحّحهما أهل السنّة أيضاً ، ووردت بألفاظٍ أُخرى عند الفريقين ، ولكن أهل السنّة ضعّفوها ، مثل لفظ : « خليفة وأمير و... ».

وأمّا النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين ، فهما بالاتفاق بمعنى واحد ، وهو الولاية ، قال الفرّاء : والوليُّ والمولى واحدٌ في كلام العرب.

قال أبو منصور : من هذا قولُ سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيُّما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها » ، ورواه بعضهم : «بغير إذن وليِّها » لأنّهما بمعنى واحد.

وروى ابن سلام عن يونس قال : ومنه قول سيّدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : مَنْ كنت وليُّه.

قال الزجاج : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة والوليُّ : ولي اليتيم الذي يلي أمره ، ويقوم بكفايته ، وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.

وقال ابن منظور : وليّ : في أسماء الله تعالى : الوليُّ هو الناصر ، وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها.

وقال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي(١) .

ومن هذا القول الأخير لابن الأثير تعلم الردّ على أهمّ إشكالاتهم حول الولاية ، بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجب عليه أن يقول « والي» ، وليس ولي أو مولى.

فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً ، غير متوفّر في الإمام عليعليه‌السلام في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله على قيد الحياة ، فهوعليه‌السلام لم يعمل ، ولم يباشر بالولاية في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أبداً ، وهذا ما أشار إليه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الروايات بقوله : «بعدي ».

____________

١ ـ لسان العرب ١٥ / ٤٠٦.

٤١٩

وفي البعض الآخر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « تركت فيكم » ، وفي حديث الغدير قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين »(١) .

وروي عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ »(٢) .

فهذا البيان كُلّه قد قرَّره أهل اللغة ، وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة على أساسه ، ونرى ما إذا دلّت على ذلك.

فبعد أن رأينا أنّ لفظة « ولي أو مولى » تأتي في اللغة بمعان عديدة ، منها ما ندّعيه هنا في هذا المقام ، وكذلك تدلّ على معانٍ عدّة أُخرى ، فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي : بأنّ اللفظ المشترك بين معانٍ متعدّدة ، يسمّى مشتركاً لفظياً ، ولا يجوز استخدامه في أيّ معنى من المعاني ، حتّى تنصب له القرينة الدالّة ، والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلّم.

ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة ، منها حالية ، ومنها مقالية ، نذكر أهمها :

١ ـ القرائن الحالية : وهي اختيار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله غدير خم ـ ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكّة والمدينة ـ وبعد الحجّ ، بل بعد حجّة الوداع التي دعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين كافّة للتشرّف بحضورها ، حتّى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر ، وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع إلى ديارهم ، وهو أقرب نقطة على كلّ أحد من الجهات المختلفة للبلاد الإسلامية.

فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأكثر المسلمين في ذلك الوقت ، قبل الافتراق والرحيل إلى الرفيق الأعلى.

____________

١ ـ مسند أحمد ٤ / ٣٦٧ ، صحيح مسلم ٧ / ١٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٤٨ ، الجامع الصغير ١ / ٢٤٤ ، كنز العمّال ١ / ١٧٨ ، دفع شبه التشبيه : ١٠٣.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٢٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢٣٨ ، جامع البيان ٢١ / ١٤٧ ، تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤٧٦ ، الدرّ المنثور ٥ / ١٨٢.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

ثمّ أنّ الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين ، وعلى من ذكرناهم من النساء ، فقد أوحى الله تعالى إلى كُلّ من :

١ ـ النحل ، قال تعالى :( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ) (١) .

٢ ـ الحواريون ـ أصحاب عيسىعليه‌السلام ـ قال تعالى :( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ) (٢) .

٣ ـ السماوات ، قال تعالى :( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ) (٣) .

٤ ـ الأرض ، قال تعالى :( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (٤) .

ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أُخرى : أنّ الوحي ليس مختصّ بالأنبياء والرسل فقط ، بل هو يتعدّى إلى أولياء الله تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات ، المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء ، بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة : الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً : الطريقة الخاصّة التي يتّصل بها الله تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وإنّما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ، ولذا عبّر الله تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي.

قال تعالى :( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) (٥) .

____________

١ ـ النحل : ٦٨.

٢ ـ المائدة : ١١١.

٣ ـ فصلت : ١٢.

٤ ـ الزلزلة : ٥.

٥ ـ النساء : ١٦٣.

٤٨١

وقال تعالى :( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١) .

وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختصّ بالأنبياء والمرسلين ، أمّا الآيات الأُخرى المتقدّمة الذكر ، فلها معاني آخر للوحي ، والذي نقول به : إنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام إنّما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي ، الذي بيّنته الآيات الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حدّثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.

ولا أدري ، لماذا تقوم قيامة البعض إذا قلنا بأنّ الزهراءعليها‌السلام يوحي لها ، وقد أوحى الله تعالى إلى السماوات والأرض والحشرات وهي لا تعقل ، فما وجه نفي الوحي عن الزهراءعليها‌السلام وهي بشر ، بل أفضل البشر قاطبة؟

فإنّ من أوحى لأحجار وحشرات لقادر على أن يُوحي لأفضل بريّته بعد رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا رجعت إلى مرويّات أهل السنّة لرأيت العجب العجاب في نزول الوحي على محبّيهم ، فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عندهم ، لنرى كيف يدعى تحدّث الملائكة مع الكثير من رجالهم :

١ ـ أخرج البخاري عن أبي هريرة ، ومسلم عن عائشة : أنّ عمر بن الخطّاب كان من المحدّثين(٢) .

وقد حاول شرّاح البخاري أن يأوّلوه بأنّ المراد أنّه من الملهمين ، أو من الذين يلقى في روعهم ، أو يظنّون فيصيبون الحقّ ، فكأنّه حدث ، وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ.

____________

١ ـ الشورى : ٥١.

٢ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٠٠ ، صحيح مسلم ٧ / ١١٥ ، مسند أحمد ٢ / ٣٣٩ ، مسند الحميدي ١ / ١٢٣ ، كتاب السنّة : ٥٦٩ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٤ / ٩٤ ، سير أعلام النبلاء ١٩ / ٥٤٦ ، تأويل مختلف الحديث : ١٥٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٣ / ١٧٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ١١٠ ، تهذيب الكمال ٢١ / ٣٢٤.

٤٨٢

٢ ـ ممّن أُدّعي أنّ الملائكة تحدّثهم ، عمران بن الحصين الخزاعي ـ المتوفّى سنة ٥٢ هـ ـ قالوا : « كانت الملائكة تسلم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عامّاً ، ثمّ أكرمه الله بردّ ذلك »(١) .

٣ ـ ومنهم أبو المعالي الصالح ـ المتوفّى سنة ٤٢٧ هـ ـ رووا أنّه كلّمته الملائكة في صورة طائر(٢) .

٤ ـ أبو يحيى الناقد ـ المتوفّى سنة ٢٨٥ هـ ـ رووا أنّه كلّمته الحوراء(٣) .

وأمثال هذه المرويّات في كتب أهل السنّة غير قليل ، ولم يستنكر ذلك أحد ، ولم يتّهم أصحابها بالغلوّ.

ومن الجدير بالذكر : أنّ الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة ، ولا تلازم بين الوحي والنبوّة ، وإن كان كُلّ نبيّ لابدّ أن يُوحى إليه ، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآن ، فبالنسبة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن كُلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار بالموضوعات الخارجية ، وأمثال ذلك ، وكُلّها ليست قرآناً.

فاتّضح أنّ تحديث الملائكة للزهراءعليها‌السلام لم يكن من الوحي النبوي ، ولا من الوحي القرآني ، وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة : ما رواه صاحب بصائر الدرجات ، عن حمران بن أعين قال : قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : «إنّ علياً كان محدّثاً » ، فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم : جئتكم بعجيبة! قالوا : ما هي؟ قلت : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «كان علياً محدّثاً » ، قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته : من يحدّثه؟ فرجعت إليه فقلت له : إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟

____________

١ ـ أُنظر : الطبقات الكبرى ٤ / ٢٨٨ و ٧ / ١١ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٠٧ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٩٤.

٢ ـ أُنظر : صفة الصفوة ٢ / ٧٠١.

٣ ـ تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٣.

٤٨٣

فقال لي : « يحدّثه ملك » ، قلت : فنقول : إنّه نبيّ؟ قال : فحرّك يده هكذا ثمّ قال : « أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما أبلغتكم أنّه قال وفيكم مثله »(١) .

ومن الروايات الدالّة على نزول الملائكة على الزهراءعليها‌السلام .

١ ـ عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيلعليه‌السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان عليعليه‌السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة »(٢) .

٢ ـ عن أبي حمزة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما »(٣) .

٣ ـ عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً »(٤) .

٤ ـ عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليعليهم‌السلام عن مصحف فاطمةعليها‌السلام ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها » ، قلت : ففيه شيء من القرآن؟ فقال : « ما فيه شيء من القرآن »(٥) .

____________

١ ـ بصائر الدرجات : ٣٤١.

٢ ـ المصدر السابق : ١٧٤.

٣ ـ المصدر السابق : ١٧٩.

٤ ـ المصدر السابق : ١٧٧.

٥ ـ المصدر السابق : ١٠٥.

٤٨٤

٥ ـ عن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « إنّما سمّيت فاطمة محدّثة ، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها ، كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك وطهّرك ، واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين ـ إشارة إلى آية ٤٢ من آل عمران ـ فتحدّثهم ويحدّثونها.

فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ الله عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين »(١) .

٦ ـ عن إسماعيل بن بشّار قال : « حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمّد بن أبي بكر لمّا قرأ :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ) (٢) ولا محدّث ، وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبية وكانت محدّثة ، وأُمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ، ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبية ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت محدّثة ، ولم تكن نبية »(٣) .

والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.

____________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٨٢.

٢ ـ الحجّ : ٥٢.

٣ ـ علل الشرائع ١ / ١٨٣.

٤٨٥

والنتيجة : أنّ الوحي كان ينزل على الزهراءعليها‌السلام ، لا وحي نبوي ، أي يدلّ على نبوّتها ، ولا وحي قرآني ، أي أنّه يحمل لها آيات قرآنية ، بل وحي يوحى لها ، كما أوحي إلى مريم وسارة وأُمّ موسى.

( عبد الله ـ البحرين ـ سنّي )

معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما :

س : أنا من أهل السنّة ، ولديّ سؤال أرجو منكم الإجابة عليه : تقولون أنّ الله عزّ وجلّ قال لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » فكيف يكون ذلك؟

هل أنّ علياً وفاطمة أفضل من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ لذلك لولاهما لما خلق الله رسوله ، وإلاّ فما هو المقصود بذلك الكلام؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.

ج : إنّ فهم هذا الحديث يتوقّف على فهم معنى الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ، والالتفات إلى حقيقة الإمامة عندهم ، فإذا فهمت معنى الإمامة عندهم ، عند ذلك تستطيع فهم الحديث ، فلذلك نقول : تعتقد الشيعة أنّ الإمامة رئاسة عامّة على الدين والدنيا ، ومنصب إلهي يختاره ويعيّنه الله تعالى بسابق علمه ، ويأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يعلم الناس به ، ويأمرهم باتباعه ، ووظيفة الإمام مكمّلة لوظيفة النبيّ ، فالنبيّ هو الذي يأتي بشريعة ويبلّغها إلى الناس ، والإمام من بعده يصبح قيّم على الرسالة ، ويكون ناظراً عليها وعلى الأُمّة ، وحفظ الدين من التحريف والتبديل.

وبما أنّ الدين الإسلامي الحنيف رسالة خالدة ، وشريعة دائمة على مرّ الأزمان والدهور ، فلابدّ فيها من وجود إمام بعد النبيّ يكمل المسيرة النبوية ، ويحفظ الشريعة الربّانية ، هذا مفهوم الإمامة بشكل مجمل عند الشيعة الاثني عشرية.

وكُلّ ما تقدّم كان من الناحية الكُلّية ، وتحديد معنى الإمامة بشكل عام ، أمّا في مقام التطبيق الخارجي ، فالشيعة الإمامية تعتقد بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٨٦

نصّب إماماً من بعده ، وذلك الإمام هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأدلّة كثيرة ذكرت في محلّها : كحديث الثقلين ، والكساء ، والغدير ، وغيرها الكثير.

ومن تلك الأدلّة على إمامة عليعليه‌السلام قوله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (١) ، فعن أبي هريرة قال : « لمّا كان يوم غدير خم ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعلي مولاه » ، فنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم »(٢) .

وقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (٣) .

فقد أخرج الحاكم الحسكاني والقندوزي الحنفي والسيوطي وابن عساكر وغيرهم أنّها نزلت في شأن عليعليه‌السلام بغدير خم(٤) ، إلى غير ذلك من الأدلّة الكثيرة.

إذا عرفت معنى الإمامة عند الشيعة ، وعرفت أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر ، ستعرف معنى الحديث : فالله لم يخلق الوجود إلاّ للنبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله خلق الكون لأجل إيصاله إلى الغاية المطلوبة منه ، كما قال :( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (٥) ، فهو خلقه لأجل أن يوصله إلى كماله المطلوب منه.

____________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٢٥٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٤ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ١٥.

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤ ـ أسباب نزول القرآن : ١٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ و ٢٤٩ و ٢٥٦ و ٣٥٣ و ٤٠٢ و ٢ / ٣٩١ و ٤٥١ ، الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، فتح القدير ٢ / ٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، المناقب : ٧ ، ينابيع المودّة ١ / ٣٥٩ و ٢ / ٢٤٩ و ٢٨٥.

٥ ـ طه : ٤٨.

٤٨٧

وبما أنّ أفضل الموجودات هو الإنسان ، وخلق الله تعالى الإنسان لأجل أن يوصله إلى كماله اللائق به ، أو قل : هي معرفة ربّه وعبادته ، كما في قوله تعالى :( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) ، وهذه العبادة تحتاج إلى معلّم ومرشد يبيّنها ، ويكون عارف بها ، أو قل : يحتاج الإنسان إلى واسطة بين عالم الغيب وبينه ، والواسطة هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أشرف الكائنات ، وهو المبين للرسالة السماوية ، فلولاه لما خلق الكائنات ، لأنّ الكائنات خلقت لأجل غاية ، وهذه الغاية لا تحصل إلاّ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ الإمامة هي واسطة ومكمّلة للنبوّة كما بيّنّا لك ذلك.

فإذاً النبوّة تحتاج إلى الإمامة ، وبما أنّ الإمام هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فيكون معنى قوله : «ولولا علي لما خلقتك » أي : أنّ الغاية لا تحصل إلاّ بك وبعلي ، والهدف لا يكمل إلاّ بكما ، فأحدكما مكمّل لدور الآخر.

وليس يعني ذلك أنّ علياً أفضل من النبيّ ، لأنّه ورد في آية المباهلة أنّ علياً نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورد في أحاديث أُخرى : أنّ الله خلق آدم لأجل هؤلاء الخمسة ـ كما في حديث الكساء ـ فإنّ هذا توهّم باطل ، بل المقصود بالحديث هو التوقّف في الدور الذي تلعبه الإمامة ، إذ كما أنّ الناس بحاجة إلى النبوّة هم بحاجةٍ إلى الإمامة.

وقوله : «لولا فاطمة لما خلقتكما » يصبح واضحاً ، لأنّ فاطمةعليها‌السلام هي أُمّ الأئمّة الأحد عشر بعد الإمام علي ، وبما أنّ الإمامة هي المكمّلة لدور النبوّة ، وبما أنّ فاطمة هي أُمّ الأئمّةعليهم‌السلام ، فلذلك لولاها لما حصلت الغاية والمطلوب من خلق الموجودات وجميع الكائنات ، فهي أُمّ إحدى عشر إماماً ، والإمامة هي المكمّلة لمسيرة النبوّة ، وتقدّم أنّه لولا النبوّة لما خلق الكون ، وفاطمةعليها‌السلام هي أُمّ الإمام المهدي الثاني عشر ، الذي يصلح العالم ، ويقيم العدل الإلهي ، فهو

____________

١ ـ الذاريات : ٥٦.

٤٨٨

الموعود من الله بإصلاح الأرض ومن عليها ، وهذا الوعد الإلهي يتحقّق على يده ، وهذا المهدي أُمّه فاطمة.

فالحديث لا يعطي الأفضلية ، ولا يفهم منه ذلك لمن عرف معنى الإمامة ، ولمن لاحظ بقية الروايات ، بل المقصود بالحديث ما ذكرناه ، والثابت عند الشيعة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الكائنات على الإطلاق.

( أُمّ أحمد ـ البحرين ـ )

تفسير : السرّ المستودع فيها :

س : ما المقصود بـ : « اللهم صلّي على فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، والسرّ المستودع فيها » ، فما المقصود بالسرّ المستودع فيها؟

ج : لم يرد نصّ خاصّ يفسّر لنا معنى « السرّ المستودع فيها ».

نعم ، يمكن أن يقال في معناه عدّة احتمالات :

١ ـ إشارة إلى الأئمّة من ولدهاعليهم‌السلام .

٢ ـ إشارة إلى ولدها المحسن ، الذي أسقطته اليد الظالمة ، وصار شعاراً لمظلومية الإمامة ، ودليلاً على أحقّية أهل البيتعليهم‌السلام بالإمامة.

٣ ـ إشارة إلى الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً ، وأنّه من ذرّيتها.

٤ ـ إشارة إلى مظلوميتها.

٥ ـ إشارة إلى كونها حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، وبما أنّ الإمامة هي استمرار للنبوّة ، فلولا حلقة الوصل لما استمرت النبوّة بالإمامة.

( رباب ـ ـ )

معنى : السرّ المستودع فيها :

س : أُودّ أن اسأل ما معنى : « اللهم إنّي أسألك بحقّ الزهراء وأبيها ، والسرّ المستودع فيها » ، ما معنى السرّ المستودع فيها؟ وما هو هذا السرّ؟

٤٨٩

ج : الذي يقوى في النظر أنّ السر المذكور هو الميزة الفريدة التي أودعها الله تعالى في نشأة سيّدة نساء العالمين الزهراءعليها‌السلام ، وهي كونها الحلقة الوسيطة بين النبوّة والإمامة ، فبما أنّها بضعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تكويناً ، وبتصريح الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما ورد في روايات كثيرة ـ تحمل في وجودها أسرار النبوّة ومميّزاتها.

ومن جانب آخر أصبحتعليها‌السلام تحتضن الإمامة ، بما أنّها كانت بجانب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، تربّي ولديها الإمامين الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فهي أصبحت تعتبر أُمّاً للأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

وبالجملة : فهي بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوجة الإمام عليعليه‌السلام ، وأُمّ الأئمّةعليهم‌السلام ، وهذه صفة لا نظير لها في الخلق ، وبهذا الاعتبار لا يبعد التوسّل والتمسّك بهذا السرّ المخزون في ذاتها ، في التقرّب إلى الله تعالى ، والعلم عند الله.

( أبو علي البحراني ـ ـ )

مصادر ضربها وإسقاط جنينها :

س : هل صحيح ما نسمعه من بعض الشيوخ والمحاضرين ، الذين يروون أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام قد ضربت من قبل الخليفة الثاني ، وأسقطت حملها أيضاً ، ما صحّة هذه الرواية؟ وهل هي من كتب الإمامية ، أو من كتب السنّة؟ دمتم للخير.

ج : لقد نقلت كتب الفريقين ـ قديماً وحديثاً ـ ما جرى على سيّدتنا فاطمة الزهراءعليها‌السلام من مأساة وظلامات ـ بعد رحيل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الرفيق الأعلى ـ أدّت بها إلى استشهادهاعليها‌السلام .

٤٩٠

من تلك الظلامات التي تسأل عن وجودها ، هو ضربها ، وإسقاط جنينهاعليها‌السلام ، فنذكر لك بعض المصادر التي ذكرت ضربهاعليها‌السلام ، وعليك بالمراجعة(١) .

ونذكر لك بعض المصادر التي ذكرت إسقاط جنينهاعليها‌السلام ، وعليك بالمراجعة(١) .

( عبد المنعم ـ البحرين ـ )

مظلوميتها ثابتة :

س : هل قضية ضرب الزهراء مثبتة حقّاً وبالنصّ الأكيد؟ أرجو منكم الردّ سريعاً ، وذلك لاختلاج السؤال في ذهني.

ج : إنّ الله تعالى خلق الإنسان وعرّفه طريق الخير من الشر ،( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٢) ليختار أيّ الطريقين( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٣) ، وبالاختيار هذا الذي وهبه الله لعبده يستحقّ العبد الثواب أو العقاب ، ولولا الاختيار هذا لبطل الأجر.

وإنّ الله تعالى ـ وإتماماً للحجّة ـ جعل الأنبياء والأوصياء والأئمّة ليكونوا حجّة الله على الخلق ، فالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بكُلّ ما يجري على أهل بيته ، بالأخصّ ابنته الزهراءعليها‌السلام .

____________

١ ـ الهداية الكبرى : ١٧٩ و ٤٠٧ ، تفسير العيّاشي ٢ / ٣٠٨ ، تفسير نور الثقلين ٣ / ٢٠٠ ، الاحتجاج ١ / ١٠٩ ، بيت الأحزان : ١٢٣.

٢ ـ الاحتجاج ١ / ١٠٩ ، إقبال الأعمال ٣ / ١٦٦ ، الأمالي للشيخ الصدوق : ١٧٦ ، بشارة المصطفى : ٣٠٧ ، كتاب سليم بن قيس : ١٥٣ ، تلخيص الشافي ٣ / ١٥٦ ، إثبات الهداة ٢ / ٣٧٠ ، بحار الأنوار ٢٨ / ٢٨٣ و ٩٧ / ٢٠٠ ، مرآة العقول ٥ / ٣٢٠.

٣ ـ البلد : ١٠.

٤ ـ الإنسان : ٣.

٤٩١

وحتّى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لاقى الكثير من التعدّي والأذى من قومه ، فصبر وصابر حتّى استطاع أن يوصل هذا الدين إلى الأرض المعمورة ، ويتمّ الحجّة على الناس.

ثمّ إنّ الإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وسائر الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام ظُلموا وقُتلوا ، وتحمّلوا أنواع الأذى لأجل الدفاع عن الدين وبقائه.

فكُلّ هذه المظلومية ثابتة بنصوص بلغت بعضها حدّ التواتر ، وبذلك نعلم عظمة أهل البيتعليهم‌السلام في صبرهم ، وتحمّلهم أنواع الظلم ، وسقيهم بدمائهم شجرة الإسلام ، التي منع النواصب عنها الماء.

( نوح الحاج ـ لبنان ـ )

لها خادمة لا ينافي زهدها :

س : السيّدة الزهراء عليها‌السلام كانت قمّة الزهد دون شكّ ، لكن الإشكال هو : كيف كانت لها خادمة اسمها فضة؟

ج : إنّ فاطمة الزهراءعليها‌السلام كانت المثل العليا لكافّة الصفات الحسنة والمكرمات الأخلاقية ، كما تصرّح بها نصوص الحديث والتاريخ والسيرة.

وأمّا في موضوع السؤال ، فإنّ الروايات المتضافرة دالّة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد منحها ، وعلّمها التسبيحة التي نسبت فيما بعد إليها ، بدلاً من الاستعانة بخادمة في البيت(١) .

وأمّا ما جاء من وجود خادمة لهاعليها‌السلام اسمها فضّة ، فهذا قد حدث متأخّراً بعد ما تحسّن وضع المسلمين نوعاً ما ، بسبب كثرة الفتوحات والغنائم ، فأتحفها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فضّة ، لتستعين بها على بعض الأشغال في البيت ، حتّى تتفرّغ لعبادتها أكثر.

____________

١ ـ شرح الأخبار ٣ / ٦٧ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٠ ، علل الشرائع ٢ / ٣٦٦.

٤٩٢

ثمّ هناك نقطة هامّة يجب الانتباه إليها ـ وهي مطّردة في حياة المعصومينعليهم‌السلام جميعاً ـ وهي : أنّهم كانوا يربّون أشخاصاً في بيوتهم تحت عنوان الخادم ، والغلام والعبد والأمة وغيرها ، وهؤلاء بدورهم كانوا يبثّون علوم ومعارف أهل البيتعليهم‌السلام بين الناس ، وهذا ما نشاهده في بعض الأحاديث المذكورة ، والكلمات المنقولة عن فضّة مثلاً.

وعليه ، فتواجد الخادمة في بيت فاطمةعليها‌السلام ، قد كان من أجل تربيتها وتثقيفها أوّلاً وبالذات ، كما حدث كذلك.

( محمّد الزين ـ البحرين ـ )

مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية :

س : ما رأي أكثر الفقهاء في مسألة ضرب السيّدة الزهراء عليها‌السلام ؟ هل يعتبر من أساسيات المذهب؟ أم أنّه مجرد مسألة تاريخية؟ ودمتم في خدمة الإسلام.

ج : لا يخفى على أحد أنّ من أهمّ أركان التشيّع :

١ ـ التولّي والولاية ، وهو عبارة عن موالاة أولياء الله واتباعهم ، وجعلهم القدوة في كُلّ الأُمور.

٢ ـ التبرّي والبراءة من أعداء الله ، سواء في ذلك بالعلن أو الخفية ، بالجنان واللسان.

فلا يصدق على أحد أنّه شيعي إذا أخلّ بأحد هذين ، إذ لا يمكن للولاء أن يتمّ من دون التبرّي ، ولأجل التبرّي والبراءة في الفكر الشيعي لقّب الشيعة بالروافض ، ولأجل هذا نشاهد أنّ المؤرّخين ينعتون من كان يروي من علماء أهل السنّة روايات في فضائل أهل البيت : « شيعي بلا رفض » أو « يتشيّع بلا رفض ».

ومن أهمّ المصاديق التي يبتني عليه التبرّي ، هو مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام عموماً ، ومظلومية الزهراءعليها‌السلام خصوصاً.

٤٩٣

فالذين يشككّون ـ أيّاً من كان ـ في مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام ، ومظلومية الزهراءعليها‌السلام ، هم الذين في قلوبهم مرض ، يريدون أن يجعلوا التشيّع في الولاء فقط من دون تبرّي ، وذلك لأغراض أضمروها في قلوبهم.

وبعد هذا كُلّه ، يمكن للقارئ العزيز أن يشخّص هو بنفسه أنّ مظلومية أهل البيتعليهم‌السلام عموماً ، ومظلومية الزهراءعليها‌السلام خصوصاً ، هل هي من أساسيات المذهب ، أم أنّها مجرد مسائل تاريخية؟

( أُمّ حسين ـ البحرين ـ )

قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد :

س : في متابعتي لحياة السيّدة الزهراء عليها‌السلام ، وجدت أنّها تقول : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » في حين أنّها عليها‌السلام قد ذهبت مع ثلّة من نساء بني هاشم إلى مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لمطالبة أبي بكر بفدك ، وهو جالس مع جماعة من المهاجرين والأنصار ، وألقت خطبتها الشهيرة ، في حين أنّنا نعلم أيضاً أنّ صوت المرأة عورة ، أليس هناك تناقض في ذلك؟ مع شكري الجزيل.

ج : قول الزهراءعليها‌السلام فيما هو الخير للمرأة : « أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل »(١) هو بمعنى الأفضل والأحسن للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل ، وذلك في الأوقات والحالات الطبيعية العادية ، وأمّا في الأوقات والحالات الضرورية ، التي تتطلّبها مقتضيات الحياة فلا ، كخروجها لصلة أرحامها ، أو ذهابها إلى الطبيب لمعالجتها ، وغير ذلك.

بل قد يتوجّب عليها الخروج بسبب الحفاظ على الدين وضرورياته ، ولا ضرورة أوجب من الدفاع عن الإمامة ، وعن مظلومية إمام اغتصبت فيه الخلافة ، كما فعلته الزهراءعليها‌السلام ، وذلك لتبيين الحقائق للأُمّة الإسلامية ، وعليه فلا تناقض في ذلك.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١١٩.

٤٩٤

( حسين قرقور ـ البحرين ـ )

سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم :

س : من الآداب الإسلامية ، إذا جاء أحد لزيارة أحد البيوت يخرج الرجل إلى استقبال الزائر ، فلماذا لم يخرج الإمام عليعليه‌السلام يوم هجوم القوم على الزهراء؟ وهو جالس في المنزل؟ أليس على الإمامعليه‌السلام هو الذي يخرج ليستقبلهم بدل الزهراء؟

أو لماذا لم يخرج أحد الصحابة الذين كانوا مع الإمام عليعليه‌السلام في ذلك الوقت لاستقبالهم؟ لماذا تذهب امرأة لمقابلة رجال.

ج : أوّلاً : لم يأت القوم إلى بيت الزهراءعليها‌السلام زيارة ، وإنّما كان هجوماً كما ذكرتم ، حيث جاء جماعة للحرب على صورة همجية بصياح وعربدة.

وثانياً : خروج الزهراءعليها‌السلام لهم كان من باب أن يرتدع القوم من الهجوم على بيت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ المخاطب لهم من وراء الباب هو بنت نبيّهم ، التي قال في حقّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها »(١) .

فهل ارتدع القوم ورجعوا؟! أم أنّ عمر لمّا أمر بإحراق البيت ، قيل له : إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن!!(٢) ، وإن في شخوص الزهراء خلف الباب ، ومحاججتها مع القوم ، هو إتمام الحجّة عليهم ، وعلى جميع المسلمين ، ولكن أين مَن له قلب؟! وأين من يلقي السمع وهو شهيد؟!

____________

١ ـ صحيح البخاري ٦ / ١٥٨ ، مسند أحمد ٤ / ٥ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٦٠ ، المستدرك ٣ / ١٥٩ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٧ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٣٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٥٣ و ٤٧٨ ، الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٥٦.

٢ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٣٠.

٤٩٥

( أحمد ـ السعودية ـ )

كان علي في بيتها عند هجوم القوم :

س : هل كان الإمام علي عليه‌السلام موجود في البيت عندما ضربت فاطمة الزهراء عليها‌السلام ؟

ج : ذكرت الأخبار وجود الإمام عليعليه‌السلام والحسنينعليهما‌السلام في الدار ، حين هجوم القوم على دار الزهراءعليها‌السلام ، وعصرها ما بين الحائط والباب ، وأضافت بعض الأخبار وجود الزبير وفضّة أيضاً(١) .

هذا وقد استفاد البعض من وجود الإمام عليعليه‌السلام في الدار لإثارة بعض الشبهات لتكذيب ما ورد من المآسي على الزهراءعليها‌السلام .

من تلك الشبهات : أنّ وجودهعليه‌السلام في الدار ، وعدم نصرته للزهراءعليها‌السلام ينافي الشجاعة.

قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : « لو صحّ هذا دلّ على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإنّ غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع ».

وقد أجاب عن هذه الشبهة أحد علماء الزيدية ـ وهو ابن حمزة ـ في كتابه الشافي ما نصّه : « أنّا قد بيّنا أنّه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة حقّ ، ولا باطل ، ولا على جبن ، وهو إمام معصوم بالنصّ ، لا يفعل بالعصبية ، وإنّما يفعل بالأمر ، وقد أُمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالاً لأمر الله تعالى ، وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً »(٢) .

بالإضافة إلى هذا الردّ ، فقد كان المهاجمون على دار الزهراءعليها‌السلام يريدون استدراج الإمام عليعليه‌السلام لمعركة ، يتضرّر من خلالها الإسلام ، فشجاعة عليعليه‌السلام هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضدّهعليه‌السلام .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ٤٩ ، الاحتجاج ١ / ٢٣٧.

٢ ـ الشافي ٤ / ٢٠٠.

٤٩٦

ومن تلك الشبهات أيضاً : أنّ وجودهعليه‌السلام في الدار ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافى مع الغيرة والحمية.

ونقول في الجواب :

أوّلاً : أنّه لاشكّ في أنّ علياًعليه‌السلام هو إمام الغياري ، وهو صاحب النجدة والحمية.

وثانياً : المهاجمون هم الذين اعتدوا ، وفعلوا ما يخالف الدين والشرع ، والغيرة والحمية ، وحتّى العرف الجاهلي ، أمّا الإمام عليعليه‌السلام فلم يصدر منه شيء من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، حتّى ولو كلّفه ذلك روحه التي بين جنبيه.

وثالثاً : لقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر بعض زوجاته ـ كأُمّ أيمن ـ بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب حين يتقضي الأمر ذلك ، وهل هناك أغير من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

وأخيراً : فإنّ مثول بنت الرسول وراء الباب ، ومحاججتها معهم ، كُلّ ذلك إتماماً للحجّة ، لكي يرجع القوم إلى الحقّ ، ويعرفوا طريقه ،( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

( ـ البحرين ـ )

وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها :

س : ما هو مدلول وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإمام علي عليه‌السلام ؟ فالبعض يقول : إنّها خاصّة بالخلافة ، وليس فيها ما يشير إلى وصيّته بالسكوت عند ضرب الزهراء عليها‌السلام .

ج : إنّ الوصية المذكورة لم تنقل إلينا بتمامها وتفاصيلها ، وإنّما وردت مقاطع منها في نصوص مختلفة ، تدلّ بالمجموع على أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بالصبر على غدر الأعداء ، وتهاون البعض وغير ذلك.

____________

١ ـ الأنفال : ٤٢.

٤٩٧

ومن ضمن الأُمور المنصوصة في هذه الوصية هو : الصبر على انتهاك الحرمة ، وقد وردت نصوص أُخرى تخبر عن المظالم التي سوف تقع على أهل البيتعليها‌السلام عموماً ، والزهراءعليها‌السلام خصوصاً(١) .

فمن مجموع هذه الأخبار ، نستنتج أنّ الإمامعليه‌السلام كان مأموراً بالصبر ، حتّى بالنسبة للمظالم التي وردت على فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

( علي الشهراني ـ البحرين ـ ٢٣ سنة ـ طالب )

السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها :

س : يجادلونا أهل السنّة ويقولون لنا : ما هي الأدلّة أنّ عمر كسر ضلع فاطمة؟ وأسقط جنينها؟ وأحرق بيتها؟ وطبعاً أنا ما عندي شكّ ، ولا تزحزحني أباطيلهم ، نعم هم الذين هجموا على فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

ويقولون لنا : لماذا الإمام علي ما دافع وقتلهم وهم في بيته؟ أنا الذي أعرفه من وصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نرجو منكم ما حكمة هذه الوصية وفلسفتها ، ونريد منكم غير الوصية من الإثباتات؟

وشكراً لكم ، وطيّب الله أنفاسكم ، وجعلكم ذخراً للأُمّة الإسلامية.

ج : الأدلّة على كسر ضلع الزهراءعليها‌السلام ، وإسقاط جنينها ، ولطمها على خدّها ، وإحراق باب دارها ، وعصرها بين الحائط والباب ، هي النصوص المتواترة التي نقلتها كتب الفريقين ، بل بعض أهل السنّة لم يسكتوا عن نقلها حتّى من أشدّها رزية ومصيبة ، منهم :

١ ـ الذهبي : « إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن »(٢) .

٢ ـ ابن قتيبة : « إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي »(٣) .

____________

١ ـ الصراط المستقيم ٢ / ٩٢.

٢ ـ سير أعلام النبلاء ١٥ / ٥٧٨.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٣٣ عن المعارف لابن قتيبة.

٤٩٨

٣ ـ الشهرستاني : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها »(١) .

٤ ـ المسعودي : « وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً »(٢) .

٥ ـ الصفدي : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها »(٣) .

والسبب في عدم دفاع الإمام عليعليه‌السلام عن هجوم القوم على بيته ، هو :

١ ـ قيّدتهعليه‌السلام وصية من أخيه رسول الله ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله بالصبر على ما يلاقيه من القوم للحفاظ على بيضة الإسلام ، فصبرعليه‌السلام امتثالاً لأمر الله تعالى ، وأمر رسول الله ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحمّل أنواع الأذى في هذا السبيل.

٢ ـ إنّ الظروف آنذاك ما كانت تسمح للإمامعليه‌السلام عن أنّ يدافع ويحارب القوم وذلك :

أ ـ لقلّة الناصر ، فقد صرّحعليه‌السلام في خطبه بهذه النقطة.

ب ـ لضياع الدين الإسلامي الأصيل ، فإنّهعليه‌السلام ذكر في كلامه مع الزهراءعليها‌السلام بأنّ مواجهة القوم تؤدّي إلى رفع الشهادة الثانية من الأذان ، وتشويه وتزييف الحقائق ، ولم يكنعليه‌السلام ليفرط في دينه في سبيل شيء آخر.

٣ ـ أرادعليه‌السلام يكشف لمجتمعه وللأجيال القادمة حقيقة القوم في التزامهم لمبادئ الدين الإسلامي.

هذا ولا يخفى ما للوصية من حكم لا يعلمها إلاّ الله تعالى ، ولعلّ من أبرزها هو امتحان الأُمّة في مدى تمسّكها بالثقل الثاني الذي أوصى به رسول الله ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الثقلين.

____________

١ ـ الملل والنحل ١ / ٥٧.

٢ ـ إثبات الوصية : ١٤٦.

٣ ـ الوافي بالوفيات ٦ / ١٥.

٤٩٩

( يوسف ـ الجزائر ـ سنّي ـ ٢٥ سنة )

قبرها مجهول :

س : أخبرني شيخ شيعي : أنّ قبر فاطمة الزهراء غير معلوم لأنّها أوصت بأن لا يُعرف ، بينما أخبرني أحد مشايخ الصوفية : أنّ قبرها موجود في البقيع ، وأنّه قد زاره ، وفسّر وصيتها ، أي أن لا توضع على القبر علامة.

بينما وجدت في كتاب دلائل الخيرات للشيخ سليمان الجزولي : أنّ قبرها موجود بجوار الروضة الشريفة ، فما وجه الصواب في هذه المسألة الخلافية؟

ج : الحقّ ما أخبرك به الشيخ الشيعي ، من أنّ قبرها غير معلوم ، لأنّها أوصت بأن تدفن ليلاً ، وأن لا يشهد أحد من أعداء الله جنازتها ، ولا دفنها ، ولا الصلاة عليها.

وأمّا الروايات التي تقول أنّ قبرها في البقيع ، فذلك لأنّ الصحابة توقّعوا قبرها في البقيع ، فذهبوا فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، لأنّ الإمام قد رشّ أربعين قبراً في البقيع ، ولا يعني هذا أنّ القبر بالبقيع ، لاحتمال كونه في غير البقيع ، كما تخبر بعض الأخبار الأُخرى بذلك.

أمّا كون قبرها في الروضة ، فهو أحد الاحتمالات على ما فهم من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة» ، وذلك بأنّ الروضة هي قبر فاطمةعليها‌السلام على ما توضّحه بعض الروايات عن المعصومينعليهم‌السلام .

وأمّا ما في البقيع فهو قبر فاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، يزوره بعض أهل السنّة على أنّه قبر فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ولكن الحقائق التاريخية تثبت أنّه لفاطمة بنت أسد.

( أبو علي ـ السعودية ـ )

خطبتها في مصادر أهل السنّة :

س : هل وردت في كتب القوم إشارات لخطبة سيّدتنا ومولاتنا الزهراء عليها‌السلام ؟ نرجو تزويدنا بالمصادر ، وفّقكم الله لكُلّ خير.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585