موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

موسوعة الأسئلة العقائديّة10%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-04-1
الصفحات: 585

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 585 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 253257 / تحميل: 6998
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٤

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٤-١
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٦ - إذا تساويا في عدد الشهود سمعت دعوى من كانت شهوده أقوى عدالة مع يمينه.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (وهكذا، لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة، رجح بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى عدالة)(١) .

وقال صاحب كتاب (الخلاف)(٢) إن الطائفة أجمعت على ذلك، وكذلك الروايات الواردة في هذا الصدد تثبت ما قال وقد ذكر هذه الرواية:

عن أبي بصير، قال سألت [الإمام] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: (أكثرهما بينة يستحلف ويدفع إليه) وذكر أن علياًعليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا ولم يهبوا. وأقام هؤلاء البينة أنّهم أنتجوها على مذودهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم(٣) .

٧ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه مع وجود الشاهدين للمدّعي.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٤) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٧.

(٢) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٤ - ٦٥ ب حكم المدعيين في حق يقيم كل واحد منهما البينة على أنه له ح٣٣٤٤، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب ٢١ الشاهدين يشهدان على رجل بطلاق امرأته وهو غائب فيحضر الرجل وينكر الطلاق ح٦، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٤ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٩ ب ١٢ حكم تعارض البينتين، وما ترجح به أحدهما، وما يحكم به عند فقد الترجيح ح١.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤١

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٨ - إذا كان المدّعى به في يد المدّعى عليه وأقام المدّعي البينة على أنه له وأقام المدّعى عليه شاهدان فالحكم أن ينتزع الشيء من يد المدّعى عليه ويسلم للمدّعي لأن البينة عليه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا ادعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره، وأقام بذلك البينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدّعي لأن البينة عليه)(١) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦١، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٩، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٩، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٣٨٥، تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ٢: ١٤٩، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٨٨، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٢ ح٣، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٩١ ح ٥ مع اختلاف يسير.

٤٢

النقطة الثانية: أسباب عدم سماع الدّعوى

١ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه عند قيام دعوى عليه حتى تنتهي دعوى المدّعي بصدور الحكم.

جاء ذلك في كتاب (شرائع الإسلام)(١) بما نصه: (السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن الدّعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو).

٢ - لا تسمع الدّعوى إذا فقد أحد أركانها الثلاثة وهم المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث اشترط بعضهم بقوله: (أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق …إلى آخره)، وقال: (أن يكون للمدّعي طرف يدعي عليه، فلو ادعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فلا تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدّعوى المحتملة…إلى آخره)(٢) .

٣ - لا تسمع الدّعوى في الحدود بدون بينة لأنه ليس فيها يمين على المنكر.

فأفتى بذلك بعض الفقهاء(٣) بقوله: (الثالثة: لا تسمع الدّعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه اليمين على المنكر).

٤ - لا تسمع الدّعوى لو تحقق كذب البينة.

قال ذلك صاحب كتاب شرائع الإسلام)(٤) بقوله: (الأولى: لو شهد للمدّعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعاً أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).

٥ - إذا شهد للمدّعي شاهدان وطلب المدّعى عليه يمينه لم يُصْغَ له.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٥) .

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

____________________

(١) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١.

(٢) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١١ - ٤١٢.

(٣) رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي٢: ٤٠٥، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٤٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٣، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٩٦، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٧١

(٤) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٤٧٤، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٩٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٩٠١ - ٩٠٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ١١٦، كتاب القضاء للسيد الگبايگاني ٢: ٢٢.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤٣

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٦- تسقط الدّعوى إذا رد المدّعى عليه اليمين، ولم يكن للمدّعي شاهدان، ولم يحلف، لعدم ترتب الأثر على دعواه.

دليلنا في ذلك ما ذكره الفقهاء(١) بقولهم: (فإن رد المدّعى عليه اليمين على المدّعي إذا لم يكن للمدّعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له).

٧ - إذا رضي المدّعي بيمين المدّعى عليه سقط حقه بذلك وإن أقام البينة بعد ذلك.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إن حلف المنكر (المدّعى عليه) سقطت الدّعوى)(٢) .

والظاهر أنهم استدلوا على هذه الفتوى بهذه الروايات وهي:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدّعي فلا دعوى له، قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه)(٣) .

ب - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده قال: (إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٠، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٦٨ ح٢٥، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٦، وكذلك الهداية: ٢٨٥، المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢١٥.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٢٩٤، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٦ - ٣٩٧، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٧٢، مستمسك العروة للسيد الحكيم ١٢: ١٨٦ - ١٨٧، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٣، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ١٧١، الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ١٨: ٤١١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٢٠٦، كتاب القضاء للشيخ الآشتياني: ١١٢، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٣١ مع اختلاف الألفاظ.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٧ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين وإن كانت له بينة ح ١، التهذيب للشيخ الطوسي ٦: ٢٣١ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح١٦، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦١ ب بطلان حق المدّعي بالتحليف وإن كان له بينة ح ٣٣٤٠.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٠١ ب آداب اقتضاء الدين ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٥ زاد في ذلك بقوله (وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئاً وإن تركه … إلى آخر الحديث )، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٨٦ ب ٤٨ ح ١.

٤٤

وقد قيّدت هذه الروايات سقوط الدّعوى في هذا الفرض بشرطين وهما: الأول: طلب المدّعي اليمين من المدّعى عليه، والآخر: حلف المدّعى عليه، وإلاّ فلا تسقط الدّعوى، وله حق المطالبة بما يدّعي به.

وهناك روايات أخرى تدل على المطلوب، ولكن بمضامين أخرى مثل: (إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته فيه)(١) ، أو (ليس له أن يطلب منه)(٢) ، أو (إن كان قد ظلمك فلا تظلمه)(٣) تركناها مخافة التطويل.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية الدعوى

أولاً: الكتاب الكريم

جاءت مشروعية الدّعوى في طريق القرآن الكريم بقوله تعالى في الآيات الكريمة الآتية:

١- قوله تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) . أي يمتنعون عن ذلك ويرفضون، لأنهم يعلمون أن الحق سوف يكون عليهم.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٥: ٩٨ ب قصاص الدين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٦، الاستبصار للشيخ الطوسي٣: ٥٢ ب ٢٧ ح ٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ١٩٧ ح ٦٢ وص٣٤٨ ح ١٠١.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمن وإن كان له بينة ح ٣، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٢ ح ٥٦٧ و٨: ٢٩٤ ح١٠٨٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٠ - ٤٣١ ح١٤، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٥٣ - ٥٤ ح ١٧٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٨٩ ح ٨٠٢، و٨: ٢٩٣ ح ١٠٨٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٦ - ٢٤٧ ب ١٠ ح ٢.

(٤) سورة النور: آية ٤٨.

٤٥

وهذه صفة المنافقين حيث يقول صاحب كتاب (التبيان) في حقهم: (إذا دعوا إلى رسول الله ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه وامتنعوا ظلماً لأنفسهم، وكفروا بنبيهم، وأما إذا كان الحكم لصالحهم يأتوا إليه مذعنين أي منقادين من غير إكراه)(١) .

من خلال فهمنا لمنطوق الآية الكريم يظهر أن هناك دعوى قائمة بين من دعتهم هذه الآية إلى حكم الله ورسوله، وهذا يثبت لنا مشروعية الدّعوى فيها من خلال الأمر الصادر الذي مفاده الرجوع عند المخاصمة إلى الله تعالى ورسوله ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، والرجوع إلى الله تعالى أي إلى ما جاء في كتابه الكريم من سن القوانين بعد أن يفسره رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢) .

يقول صاحب كتاب (التبيان)، وكذلك صاحب كتاب (مجمع البيان)(٣) أن الحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء:

أحدهما: أن يكون نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: أن يكون أمر إبراهيم فإن دينه الإسلام.

الثالث: أن يكون حداً من الحدود (الرجم) لأنهم نازعوا في ذلك.

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣ بتصرف.

(٢) سورة آل عمران: آية ٢٣.

(٣) التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٢٥، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٢: ٢٦٥.

٤٦

ونحن لا يهمنا هذا التفصيل، لأنه ليس غرضنا التفسير، بل يهمنا ثبوت مشروعية الدّعوى في هذه الآية الكريمة، وقد ثبت بأمر الأفراد المتنازعة بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ليكون حكماً بينهم، ومعنى هذا أن هناك دعوى قائمة مشروعة.

٣ - قوله تعالى:( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . أي الفائزون برضا الله لطاعتهم لرسوله وانقيادهم لأوامره ونواهيه وهي مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما جاء ذلك في تفسير (التبيان)(٢) .

وهذه الآية الثالثة التي تدل على ثبوت مشروعية الدّعوى لما تحمله من تشويق وترغيب على أن من يقبل أن يتحاكم إلى الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو إلاّ دليل على صحة إيمانه بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه سوف يكون من الفائزين في الآخرة.

٤ - قوله تعالى:( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (٣) . أي إصابة الحكم الحق وذلك بالطلب من المدّعي البينة ومن المدّعى عليه اليمين(٤) .

إن الله تعالى أمر نبيه داودعليه‌السلام أن يحكم بين المتخاصمين وأن يثبت على المدّعي البينة واليمين على المدّعى عليه لدليل على صحة مشروعية الدّعوى وثبوتها.

____________________

(١) سورة النور: آية ٥١.

(٢) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٢، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣.

(٣) سورة ص: آية ٢٠.

(٤) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٨: ٥٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٨: ٣٤٩.

٤٧

ثانياً: السنّة الشريفة

وردت أحاديث كثيرة بصدد مشروعية الدّعوى نقتصر على بعض منها:

١ - ما جاء في الكافي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن(إن الله البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم).

٢ - وأيضاً في الكافي(٢) : عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة فقال: (الحقوق كلها البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذ رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله وإلاّ حلف المدّعى عليه قسام خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).

٣ - ما جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ - ٣٦٢ ح٦.

(٢) ن. م ٧: ٣٦١ ح ٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٢ - ٣ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢١٦.

٤٨

٤ - وفي مَن لا يحضره الفقيه أيضاً(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: (أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقٍّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا قال الله بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ… الآية ) (٢) ).

ثالثاً: الإجماع

لقد انعقد الإجماع منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا - بل منذ نشأت الاختلافات بين أفراد النوع البشري وإلى أن تنتهي الدنيا - على مشروعية الدّعوى وجوازها، وذلك لضرورتها في الحياة.

حيث من خلالها يتم قطع الخصومات وانتهاء المنازعات بين الأطراف لكي يسود العالم الأمن والأمان والسعادة.

وهذه كتب الفقهاء ومؤلفاتهم تثبت ذلك، فهي لا تخلوا من كتاب يسمى ب- (كتاب القضاء) الذي يثبتون فيه معنى القضاء وما يتعلق به من مسائل لا مجال لذكرها فمن أراد فليراجع الكافي، والوسائل، وكتب العلامة، والمحقق، والجواهري، وغيرهم.

رابعاً: العقل

لقد ثبت عقلاً أن حل النزاعات بين الناس وحسم أمر الدّعوى حسن، وكل أمر حسن مرغوب فيه عند العقل، ويحكم بلزوم فعله. وبهذا نثبت صحة مشروعية الدّعوى.

____________________

(١) ن .م: ٤ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢٢٠.

(٢) سورة النساء: آية ٦٠.

٤٩

المطلب الثالث: ترجيح أحد المدّعيين وجعله مدعياً

هناك جملة من المرجحات التي يمكن أن تجعل أحد المدّعيين مدّعياً والآخر مدّعى عليه، وهي كالآتي:

١ - الترجيح بالأسبقية:

إذا قدم الخصمان دعوى على بعضهما البعض، قدمت دعوى الأسبق.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث قالوا: (إذا تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى، فالذي يدعي بالدّعوى أولاً أحق من صاحبه أن يسمع منه)(١) .

٢ - الترجيح بالجلوس على يمين المدّعي الآخر:

إذا تشاح الخصمان في الابتداء سمعت دعوى من كان على يمين خصمه.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (أن الخصمين إذا ابتدرا الدّعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن يمين خصمه)(٢) .

الدليل على ذلك: هو إطباق الطائفة عليه، كما عبّر الشريف المرتضى بذلك(٣) .

ثم قال الشريف الرضي معللاً ذلك بقوله: (لأن مّنْ خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣ - ١٢٤ مع اختلاف بالألفاظ.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥، السرائر لابن إدريس ٢: ١٥٧، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٤، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٣٤، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١ مع اختلاف بالألفاظ.

(٣) الانتصار للشريف الرضي: ٤٩٥.

(٤) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥.

٥٠

وبعدها اعترض على ابن الجنيد - عندما فسّر رواية ابن محبوب، التي رواها عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والتي نصها: (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام)(١) - قائلاً: (قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدّعي، لأن اليمين مردودة إليه، قال ابن الجنيد: إلاّ أن ابن محبوب فسّر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى والٍ أو قاضٍ فكن عن يمينه - يعني عن يمين الخصم -)(٢) ، وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم)(٣) .

ونحن نرى ما يراه الشريف المرتضى لأنه هو الأرجح والأصح، لما للرواية من وضوح في هذه المسألة.

٣ - تقديم من له بيّنة وإلاّ فالترجيح بالقرعة:

إذا ادعى كلاهما أنه أحضر صاحبه للدّعوى فإن كان لأحدهما بينة سمع منه، وإلاّ أقرع بينهما.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الوسيلة) بقوله: (وإذا حضر خصمان للتداعي لم يخل حالهما من أربعة أوجه: … أو ادعى كلاهما أنه قد أحضره للدّعوى، … والثاني: إن كان لأحدهما بينة حكم عليها، وإن لم يكن أقرع بينهما)(٤) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٧ ب ٨٨ آداب الحكام ح ٨، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢١٨ ب ٥ يستحب للإنسان أن يقوم عن يمين خصمه ح ١.

(٣) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤) الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١.

٥١

٤ - تقديم من له شاهدان على من له شاهد ويمين:

إذا كان لأحد المدّعيين شاهدان وللآخر شاهد وامرأتان تساويا في الدّعوى، وأما إذا كان لأحدهما شاهدان والآخر شاهد ويمينه فلا.

أفتى بذلك الشيخ الطوسي والقمي(١) بقولهما: (إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي، فإنهما لا يتقابلان).

واستدلا على ذلك بالإجماع على تقابلهما، وبأن التهمة تلحق من حلف لنفسه، ولا تلحق الشاهدين لأنهما يحلفان لغيرهما.

٥ - الترجيح بالقرعة عند تعارض البينتان:

إذا تساوت البينتان ولا مرجّح لأحدهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق له، لأن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه.

ذكر ذلك الفقهاء(٢) بقولهم: ( إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق).

مستدلين عليه بالإجماع على أن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه، مضافاً إلى ذلك الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في بحث القرعة فلا داع للإعادة.

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤ وكذلك المبسوط ٨: ٢٥٨ - ٢٥٩، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٦١٦.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٧ وكذلك المبسوط ٨: ٢٤١، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٥٣٥، جامع الخلاف والوفاق للقمّي: ٦١٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٨، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٢: ٥٥٤، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٢٦١.

٥٢

المبحث الثاني: أنواع الدّعوى

لربما يتساءل البعض عن مورد هذا البحث وما هو ربطه بالبحث ؟

إنا لسنا بصدد ذكر أنواع الدّعوى، بل الهدف من هذا البحث هو ذكر بعض أنواع الدعاوى التي يمكن قبولها من المدّعي لصحتها والفرق بينها وبين التي لا يمكن قبولها لفسادها.

ونحن لو تتبعنا كلمات الفقهاء بما كتبوه في الدعاوى لوجدناهم يقسمون الدّعوى من

ناحية الصحة والفساد إلى قسمين وهما:

القسم الأول: الدّعوى الصحيحة

وهي التي استوفت الشروط بحيث يمكن سماعها.

القسم الثاني: الدّعوى الفاسدة

وهي التي لم تستوف الشروط كلها أو بعضها بحيث لا يمكن سماعها.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من الدعوى الصحيحة، ومن خلالها تتضح لنا الدعوى الفاسدة لأنه كل ما ترتب على الدعوى الصحيحة من شروط ترتب عكسه للدعوى الفاسدة.

٥٣

نماذج من الدعوى الصحيحة

أولاً: دعوى البيعان

هناك مسائل خلافية تحدث بين البائع والمشتري حول المبيع وما يرتبط به، ونحن هنا نذكر بعضاً من هذه المسائل وهي:

١ - إذا كان الخلاف بين البائع والمشتري في مقدار ثمن المبيع أو جنسه فهنا فرعان:

أ - إذا كان المثمن تالفاً فالقول قول المشتري مع يمينه.

ب - إذا كان المثمن سالماً فالقول قول البائع مع يمينه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه)(١) .

وقد استدل بعضهم على ذلك بعدة أدلة منها:

أولاً - إجماع الفرقة على ذلك.

ثانياً - هناك عدة روايات في هذا الصدد نذكر منها:

الرواية الأولى: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (البينة على مّنْ ادّعى واليمين على مّنْ أنكر)(٢) ، وفي غيرها (واليمين على مَنْ ادّعي عليه)(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٧، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، السرائر لابن إدريس الحلي ٢: ٣١٨ - ٣١٩، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧، المختصر النافع للمحقق الحلي: ١٢٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١، كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٢٧٨، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٢: ٣٦٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤ بتصرف.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٩٣ ب ٢٥ وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافه وجواز الشهادة لصاحب اليد بالملك وأنه لا يجب على القاضي تتبع أحكام من قبله وحكم اختلاف الزوجين في متاع البيت ح٣.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح١، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ٢: ٥٢٠ - ٥٢١ ح١٨٥٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٩ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٣ ب٣ أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه في المال وحكم دعوى القتل والجرح وأن بينة المدعى عليه لا تقبل مع التعارض وغيره ح١.

٥٤

والمشتري مدّعى عليه وهو المنكر، لأنهما - أي البائع والمشتري - اتفقا على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك، والبائع يدّعي عليه الزيادة وهو ينكرها، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.

ولكن روي عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا: (القول قول البائع) فحملنا على أنه مع بقاء السلعة(١) .

الرواية الثانية - مضافاً إلى ما ذكره المستدلون على هذه المسألة فهناك رواية لأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومع أنها مرسلة لكن منجبرة بعمل الأصحاب بها، كما يذكر ذلك بعض الفقهاء(٢) ، وهي كالآتي:

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في رجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل ما قال البائع ؟ قال: (القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه)(٣) .

وقد ردّ العلامة الحلي هذه الرواية بكتابه ( مختلف الشيعة) قائلاً: (إنه منقطع السند فلا حجة فيه)(٤) ، وهو مردود بانجبارها بعمل الأصحاب كما ذكرنا ذلك.

وتردد في أصل المسألة بكتابه (تحرير الأحكام) قائلاً: (وعندي في ذلك تردد)(٥) .

____________________

(١) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٨، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠ بتصرف.

(٢) راجع كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٤: ٤٤١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ٣: ٢٥٨، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٧٤ ب إذا اختلف البائع والمشتري ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٧: ٢٦ ب٢ عقود البيع ح ٢٦ وص ٢٢٩- ٢٣٠ ب ٢١ من الزيادات ح٢١، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٨: ٥٩ ب ١١ حكم اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن ح ١.

(٤) راجع مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦.

(٥) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

٥٥

٢ - إذا اختلف البائع والمشتري في نوع المبيع، وليس هناك بينة، فالقول قول البائع مع يمينه بأنه ما باع المشتري ما يدّعيه، والقول قول المشتري مع يمينه بأنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، ولا يجب عليهما في الحلف النفي والإثبات.

فإن حلف البائع إنه ما باع المشتري ما يدّعيه، بقي هذا المبيع على ملكه يتصرف به كيف يشاء. وإما المشتري، فإن حلف أنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، فإن كان ما يدّعيه البائع في يد المشتري، فلا يجوز للبائع مطالبته به لأنه يدّعيه، وإن كان ما يدّعيه البائع بيده فلا يحق له التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، نعم يجوز له بيعه وأخذ مقدار ثمنه منه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله:

(إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منها الجمع بين النفي والإثبات، ولا يكون هذا تحالفاً، وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف بها.

وأما المشتري، فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع فإنه لا يجوز التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن)(١) .

مستدلاً على ذلك بقوله: (إن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادّعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادّعى المشتري أنه اشترى الجارية، كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين)(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (الجامع للشرايع): أنهما يتحالفان، كل واحد منها لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، ولم يذكر التفصيل بأن العبد بيد المشتري أم لا(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٢.

(٢) م. س: ١٥٣.

(٣) راجع الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ - ٢٧٢.

٥٦

٣ - إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن أوالمثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في الثمن، لأصالة عدم الزيادة فيه، والقول قول ورثة البائع مع يمينهم في المثمن لأصالة عدم البيع.

أفتى بذلك بعض فقهاء الطائفة بقوله: (إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين)(١) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن، لأن ورثة المتبايعان قد اتفقا على البيع، ولكن ادّعى ورثة البائع أن الثمن أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعلى مدّعي الزيادة البينة، فإذا عدمت فعلى منكرها اليمين لأصالة عدم الزيادة.

واستدل على أن القول قول ورثة البائع في المثمن، لأن الأصل عدم البيع فمن ادّعاه فعليه البينة، وعلى منكره اليمين لأصالة بقاء ملك البائع على ورثته(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (تحرير الأحكام) الشق الأول من المسألة (مقدار الثمن) قائلاً: (القول قول ورثة المشتري على كل حال، سواء كانت تالفة أو باقية)(٣) .

٤ - إذا اختلف المتبايعان في شرط يفسد البيع، فالقول قول مدّعي الصحة، وعلى مدّعي الفساد البينة، لأصالة الصحة في العقود.

قال بهذا بعض الفقهاء بقولهم: (إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، كان القول قول مّنْ يدّعي الصحة، وعلى مّنْ ادّعى الفساد البينة)(٤) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على ذلك: بأن الأصل في العقد الصحة، فمن ادّعى الفساد فعليه الدلالة(٥) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣ - ١٥٤ بتصرف.

(٣) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ بتصرف.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠ بتصرف.

٥٧

٥ - إذا اختلفا في جودة الثمن وعدمه فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع مدّعٍ فعليه البينة والمشتري منكر فعليه اليمين، والأصل أن البائع قد قبضه جيداً.

أفتى بهذا صاحب كتاب (المبسوط) بقوله: (إذا قبض البائع الثمن، ثم ادّعى أن فيما قبضه زيفاً، وأنكر المشتري ذلك، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفاً فيحتاج إلى بينة، والأصل أنه قبضه جياداً)(١) .

ثانياً: دعوى الزوج والزوجة

يتعرض الزوج والزوجة في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل العالقة في بيت الزوجية مثل: النفقة والتمكين وما إلى ذلك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية لهذه المشاكل حلولاً وأحكاماً، نذكر ما يخص أمر الدّعوى والإنكار:

١ - إذا اختلفا في قبض المهر وعدمه، أو النفقة وعدمها، فالقول قول الزوج مع يمينه.

أفتى بهذا فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج، وعليها البينة)(٢) .

مستدلين على ذلك بعدة أدلة منها:

١ - إجماع الفرقة على ذلك.

٢ - الأخبار الواردة في هذا الصدد.

٣ - مضافاً إلى العادة الجارية بين الناس بأن الزوجة لا تمكن الزوج إلاّ بعد استلام المهر، ولا تقيم معه إلاّ إذا أنفق عليها، وخلاف هذا عليها البينة(٣) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ١٥٥، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٩.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٥: ١١٦.

(٣) ن. م: ١١٦.

٥٨

٢ - إذا اختلعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس فالقول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه)، والزوج هنا مدّعٍ، لأنه يدّعي ما تنكره الزوجة، فكانت عليه البينة، فإذا لم تكن، كان القول قول الزوجة(١) .

٣- إذا اختلفا في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها.

أفتى بذلك صاحب كتاب (منهاج الصالحين) بقوله: (إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمنيها، إذا لم يكن للزوج بينة)(٢) .

وقد استظهر السيد الخوئي بأن القول قول الزوجة وذلك بقوله: ( فالظاهر أن القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين أن يكون الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه وغير ذلك)(٣) ولم يذكر: إذا لم يكن للزوج بينة.

٤ - إذا اختلفا في الإعسار واليسار، وادعى الزوج أنه غير قادر على الإنفاق، وادعت الزوجة القدرة فالقول قول الزوج مع يمينه.

نعم إذا كان موسراً وادعى تلف ماله وقد صار معسراً فالقول قول الزوجة مع يمينها.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إذا اختلفا في الإعسار واليسار، فادعى الزوج الإعسار، وأنه لا يقدر على الإنفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه، نعم إذا كان الزوج موسراً، وادعى تلف أمواله، وأنه صار معسراً، فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها)(٤) .

____________________

(١) جواهر الفقه للقاضي ابن البراج: ١٧٨ بتصرف.

(٢) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

(٣) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩٠.

(٤) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩١، منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

٥٩

ثالثاً: دعوى الزوجة وورثة الزوج

كثيراً ما تقع مشاكل بين الزوجة وورثة الزوج في مسألة الإرث، وما إلى ذلك من المسائل، وقد جاء ديننا الحنيف بحلول لهذه المشكلات العالقة بينهما، وحل النزاعات، نذكر بعضاً منها:

١- إذا ادّعت الزوجة أن ما في يدها هو ملكها أو في مقابل مهرها أو دين كان عنده وما إلى ذلك، ولم يكن لها بينة، فالقول قول الوارث مع يمينه(١) .

٢- إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار ثم مات، وادّعى الوارث بأن الزوج لم ينقلها، فالقول قولها، لأنها والوارث متساويان في عدم العلم بمراد الزوج، وأن ظاهر قوله موافق لدعواها، لأن قول الزوج: اخرجي إلى المصر الفلاني ظاهره النقل(٢) .

رابعاً: الدّعوى بحق الميت

نذكر بعض المسائل الخلافية بين ورثة الميت والمدّعي عليه ومنها:

١- إذا أوصى الميت لشخص أن له حظ أو نصيب أو شيء من ماله وما إلى ذلك، وادّعى الموصى له أن ورثته يعلمون مقداره، فالقول قول الورثة مع يمينهم بأنهم لا يعلمون.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (إذا قال لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل فإنه يرجع إلى الورثة ويقال لهم أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال أعطوه شيئاً من مالي إلاّ أن يدّعي الموصى له أكثر من ذلك، وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء)(٣) .

____________________

(١) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٣، القضاء للسيد الكلبايكاني ٢: ٢٧٠ بتصرف.

(٢) جواهر الفقه للقاضي ابن البرّاج: ١٩٣ بتصرف.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٤: ٧ - ٨، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ٢: ٤٩٩، وكذلك إرشاد الأذهان ١: ٤٦١ ، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٤٧٥، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٥٣٣، جامع المقاصد للمحقق الكركي١٠: ٢١٤، الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري: ٩٦، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٨: ٣٣٢.

٦٠

الإيمان ، وهذا حكم عامّ لا استثناء فيه حتّى في تلك الموارد التي رخّص الله تعالى لرسوله الكريم مشورة الناس فيها.

قال تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (١) .

فمدار القرار ومحوره عزم الرسول وإقدامه في تحديد أيّ موقف ، ولا رأي للناس في ذلك ، ولم تكن مشورتهم إلاّ لتطيب خواطرهم ، وإشعارهم بشخصيتهم في ميدان العمل والتطبيق ، مضافاً إلى ما للمشورة من تأثير على تمسّكهم بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، خصوصاً في مواطن الشدّة كالحرب.

هذا ، وإنّ الشورى لم تتحقّق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سقيفة بني ساعدة ، فقد حضرها مجموعة قليلة من الأنصار والمهاجرين ، ولم يكونوا يمثّلون جميع أهل الحلّ والعقد ، خصوصاً وأنّ علياً ‎عليه‌السلام قد أبدى اعتراضه على ما جرى في السقيفة ورفض البيعة ، كما اعترض كبار الصحابة : كالمقداد ، وسلمان ، والزبير ، وعمّار ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن عبادة ، والعباس ابن عبد المطلب ، وأُسامة بن زيد ، وأُبي بن كعب ، وعثمان بن حنيف.

ولو تنزّلنا وقلنا : حصلت الشورى في انتخاب الخليفة الأوّل ، لكنّها لم تحصل في الخليفة الثاني ، حيث تمّ تعيينه مباشرة ومن دون مشورة أحد.

وهكذا لم تحصل في الخليفة الثالث ، حيث إنّ عمر رشّح ستة أشخاص ، ووضع لهم طريقة خاصّة في انتخاب الخليفة ، كما ورد في كتب التاريخ(٢) .

ثمّ لو كانت الشورى مشروعة في تعيين الخليفة لبيّنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفع الغموض عنها ، مع أنّه لم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيء في هذا المجال.

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٩٥ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٢٤.

٦١

وهل يعقل أنّ النبيّ ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يهتمّ في مسألة الحاكم الذي يليه ، بينما يكون غيره ـ كأبي بكر وعمر ـ أكثر حرصاً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقدما على الوصاية من بعدهما ، ولا يقدم نبي الرحمة على ذلك؟

والخلاصة : حيث إنّه لم يؤثر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه تحدّث عن الشورى كأسلوب في تعيين الخليفة من بعده ، فلابدّ من الرجوع إلى النصوص المأثورة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله والدالّة على تنصيب الإمام عليعليه‌السلام كخليفة المسلمين.

( ـ السعودية ـ )

ليست أساس الحكم والخلافة :

س : حاول المتجدّدون من متكلّمي أهل السنّة ، صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (١) ، فما هو ردّكم؟

ج : إنّ الآية الشريفة حثّت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أُمورهم ، وكون تعيين الإمام داخلاً في أُمورهم فهو أوّل الكلام ، إذ لا ندري ـ على الفرض ـ هل هو من شؤونهم أو من شؤون الله سبحانه؟ ولا ندري ، هل هي إمرة وولاية إلهية تتمّ بنصبه سبحانه وتعيينه ، أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخّل فيها؟ فما لم يحرز تعيين الإمام أمر مربوط بالمؤمنين لم يجز التمسّك بعموم الآية في أنّها تشمل تعيين الإمام.

____________

١ ـ الشورى : ٣٨.

٦٢

الشيعة :

( فاطمة السنّية ـ سنّية ـ ٢٥ سنة ـ طالبة )

دفع تهم عنهم :

س : أرجو منكم الردّ عليّ فوراً يا شيعة : سئل الإمام مالك عن الشيعة ، فقال : لا تكلّمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنّهم يكذبون.

وقال الشافعي : ما رأيت أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.

وقال شيخ الإسلام : لا توجد فرقة تقدّس الكذب سوى الرافضة.

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا يُؤخذ هكذا ، ولا يكون بالحكم على الأشياء سلفاً دون الاعتماد على تقصّي الوقائع ، ودون اللجوء إلى استماع الأقاويل ، وتقليد الآخرين في حكمهم ، فإنّ الله غداً سائلنا عن كُلّ ما نقوله ، فماذا نعتذر غداً إذا لم نملك حجّة نعتذر بها عند الله تعالى؟

قال تعالى :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (١) ، نحن مسؤولون عن كُلّ صغيرة وكبيرة ، عن ظلمنا لشخص واحد ، فكيف بظلمنا لطائفةٍ من المسلمين؟

علينا أن نبحث أوّلاً عن نشوء مصطلح الرافضة ، ومن هم؟ فاصطلاح الرافضة ليس من الضروري أن يطلق على الشيعة ، إلاّ أنّ الأنظمة السياسية عزّزت من

____________

١ ـ الإسراء : ٣٦.

٦٣

فكرة استخدام هذا المصطلح على الشيعة ، وقلّدهم الآخرون في ذلك ، فأطلقوا هذا المصطلح على كُلّ شيعي ، من هنا نشكّك في دعوى انتساب هذا المصطلح إلى التشيّع ، ومنه يمكننا إلغاء كُلّ ما تدّعينه في حقّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وتنسبين أقوال هؤلاء العلماء في حقّهم ، وهذا الكلام يؤيّده ما قاله إمام الشافعية :

إذا نحن فضّلنا علياً فإنّنا

روافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وقال كذلك :

إذا في مجلس ذكروا علياً

وسبطيه فاطمة الزكية

يقال تجاوزوا يا قوم هـذا

فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أُناسٍ

يرون الرفض حبّ الفاطمية

وقال كذلك :

قالوا ترفّضت قلت كلاّ

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمامٍ وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً

فإنّني أرفض العبادِ(١)

وهكذا فرّق الشافعي بين مصطلح التشيّع الذي هو ولاء علي وأولادهعليهم‌السلام وبين مصطلح الرافضة الذي أطلقه النظام السياسي الحاكم على معارضيه ، ومن هنا فإنّ الذي تذكرينه عن الشافعي لا يستقيم.

أمّا ما تذكرينه عن مالك في حقّ الشيعة ، فلم يثبت في مصدر يعوّل عليه ، ولم تذكرين لنا المصدر الذي تأخذين هذا القول عنه ، ويستحيل أن ينسب مالك هذا الكلام لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________

١ ـ نظم درر السمطين : ١١١.

٦٤

واعلمي أنّ الشيعة لم يضعوا الحديث ، ولم يكذّبوا فيه ، فإنّهم كانوا تحت رقابةٍ مشدّدة من التعديلات الرجالية ، بحيث كان الرجاليون يترقّبون كُلّ من وضع الحديث ، أو كذّب فيه ، فيسقطونه عن الاعتبار ، وكانوا يتحرّجون في ذلك أشدّ التحرّج ، ولو كان قد صدر منهم كذب في حديث لوجدتِ أنّ الأنظمة الحاكمة قد جعلت ذلك ذريعة للتشهير بهم ، ومحاربتهم بحجّة وضع الحديث وكذبهم فيه.

إلاّ أنّنا نعلمك : أنّ آفة وضع الحديث قد امتاز بها غير الشيعة ، وشهد لذلك ابن حجر الهيثمي وغيره لهذه المشكلة فقال : « وقد اغتر قوم من الجهلة ، فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا : نحن لم نكذب عليه ـ أي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته »(١) .

وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن صبح ـ وهو من رواة أهل السنّة ـ يقول : أنا وضعت خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوصفت هذا الحديث حسبة(٣) .

وهكذا ، فإنّ الوضع لم يكن عند الشيعة كما تذكرين ، بل هؤلاء علماء أهل السنّة يعترفون بمشكلة الوضع عند رواة أهل السنّة ، وهي مشكلة تعمّ الكثير من الأحاديث ، وعليكِ متابعة الموضوع من مصادره ، ليتبيّن لكِ الحقّ والواقع.

نسأل الله تعالى أن يكشف لكِ الكثير من الحقائق لتقفين بنفسكِ على كثيرٍ من الأُمور.

____________

١ ـ فتح الباري ١ / ١٧٨.

٢ ـ التاريخ الصغير ٢ / ١٩٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١ / ٧٨ ، البرهان في علوم القرآن ١ / ٤٣٢.

٦٥

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لقد قرأت سؤال الأُخت فاطمة السنّية ، حيث نقلت عن بعض النواصب : إنّ الشيعة يكذبون ، وأردت أن أبيّن الحقيقة لكُلّ من يطلبها ، وأبيّن من هم الكذّابين؟ وأرجو منكم أن تنشروا هذه الفقرات تبياناً للحقيقة ، وخدمة لأهل البيت عليهم‌السلام .

فأقول بعد الصلاة على محمّد وآل محمّد :

١ ـ قال ابن الأثير في تاريخه : « فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، ثمّ كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم ، فقام مروان فيهم وقال : إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله »(١) .

لكن البخاري ذكر الحديث في باب : « والذي قال لوالديه أُفّ لكما ، فقال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب وجعل يذكر يزيد لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل الله فيه : والذي قال لوالديه أُفّ لكما أتعدانني ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذري »(٢) .

لاحظوا جيّداً كيف حذف الشيخ البخاري كلام عبد الرحمن عندما قال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ،

____________

١ ـ الكامل في التاريخ ٣ / ٥٠٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٤٢.

٦٦

ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كُلّما مات هرقل قام هرقل ، وأبدله بعبارة : فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، وحذف قول عائشة لمروان : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله .

٢ ـ روى الطبري في تاريخه في وصف مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عن عائشة قالت : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين رجلين من أهله ، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر ، قال عبيد الله : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال : هل تدري من الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ، ولكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع »(١) .

ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته(٢) .

٣ ـ أخذ ابن هشام من سيرة ابن إسحاق برواية البكائي ، وقال في ذكر منهجه في أوّل الكتاب ، وتارك بعض ما أورده ابن إسحاق في هذا الكتاب ، وأشياء يشنع الحديث به ويسوء الناس ذكره ، وكان ممّا يسوء الناس ذكره ممّا حذف : خبر دعوة النبيّ بني عبد المطلب حينما نزلت( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٣) .

فقد روى الطبري في تاريخه : أنّه بعد نزول هذه الآية دعا النبيّ بني عبد المطلب وقال لعلي : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(٤) ، وقد تدارك الطبري أهمّية هذا الحديث ، فتدارك في تفسيره ما غفل عنه في تاريخه ، فلمّا أورد الحديث بنفس الإسناد في تفسير الآية قال : فقال النبيّ لعلي : «إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا »(٥) .

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٣.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٢ / ٢١٨.

٣ ـ الشعراء : ٢١٣.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣.

٥ ـ جامع البيان ١٩ / ١٤٩.

٦٧

وكذلك فعل ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، حيث حذف كلمة : أخي ووصيي ، وأبدلها بعبارة : كذا وكذا ، وكذلك محمّد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأُولى من كتابه حياة محمّد ، لكنّه حذفه في الطبعة الثانية.

٤ ـ أورد الطبري وابن الأثير في تاريخهما خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام فقالوا : قال الحسين : « أمّا بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه »؟!(١) .

لكن ابن كثير ذكر الخبر وحذف عبارة : وابن وصيه وابن عمّه!(٢) .

٥ ـ ابن تيمية الذي يتهمّ الشيعة بالكذب ، فحسبنا أنّه أنكر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه(٣) .

ويقول الشيخ الألباني : « فزعم ـ ابن تيمية ـ أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها »(٤) .

وبهذه الأمثلة من كتب أهل السنّة يتبيّن للأخوة القرّاء عامّة ، وللأخت فاطمة خاصّة ، من هم الكذّابين الحقّيقيين؟!

وإنّ ما نسب للشيعة وعلمائنا الكبار أنّه محض افتراء ، وفي هذا بيان كافّ إن شاء الله تعالى.

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٦١.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٣.

٣ ـ منهاج السنّة ٧ / ٣١٩.

٤ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٤٤.

٦٨

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب ثاني على الجواب السابق :

إتماماً للفقرة الأُولى التي ذكر فيها بعض الأمثلة على كذب علماء العامّة ، أرجو منكم أن تضيفوا هذه الفقرات نظراً لأهمّيتها ، وخدمة للقرّاء الكرام.

١ ـ نقل الذهبي في ترجمة الإمام النسائي قال : « سئل النسائي عن فضائل معاوية : ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث : « اللهم لا تشبع بطنه » ، فسكت السائل ».

قال الذهبي : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيّ : « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة »!(١) .

وجاء ابن كثير من بعده فقال : « لقد انتفع معاوية بهذه الدعوة »(٢) .

وقد روى مسلم في صحيحه حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يذمّ فيه معاوية : « لا اشبع الله بطنه » (٣) .

وعندما وقع أهل السنّة في حيرة من هذا الحديث ـ وقد روته صحاحهم ـ نسبوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « اللهم من لعنته أو شتمته فجعل ذلك له زكاة ورحمة » فربطوا بين الحديثين ، وجعلوا منهما منقبة لمعاوية.

سبحان الله ، هل يعقل أنّ سيّد الخلق يسبّ ويشتم المؤمنين! وهل يعقل أنّ النبيّ الذي خاطبه الله تعالى بقوله :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، وبقوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (٥) ،هل يعقل أن يتحوّل هذا النبيّ الكريم من الرسول القدوة إلى من يسبّ ويلعن المؤمنين؟

____________

١ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٩.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٢٨.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٤ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٥ ـ آل عمران : ١٥٩.

٦٩

٢ ـ ما فعله الطبراني بالحديث الآتي عن سلمان الفارسيرضی‌الله‌عنه قال : قلت يا رسول الله لكُلّ نبي وصي فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : « يا سلمان » ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : « تعلم من وصي موسى »؟ قلت : نعم يوشع بن نون ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من اترك بعدي ، وينجز عدّتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

فبعد روايته للحديث قال الطبراني : « قوله وصيي يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة »(١) .

سبحان الله ، انظروا كيف أوّل الطبراني هذا الحديث حسب هواه ، والحديث واضح ، وهو يؤكّد أنّ علياًعليه‌السلام وصي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدق الله العظيم حين يقول في كتابه :( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (٢) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٣ ـ قال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري : « فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال : لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبيّ.

قلت : ثمّ تغيّر رأي الحاكم ، وأخرج حديث الطير في مستدركه ، ولا ريب أنّ في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحّة ، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه.

وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ، وأمّا حديث : « من كنت مولاه » ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضاً »(٣) .

____________

١ ـ المعجم الكبير ٦ / ٢٢١.

٢ ـ الجاثية : ٢٣.

٣ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢.

٧٠

فالذهبي ينقل فضل الحاكم ، وبما أنّ الحاكم نقل في مستدركه أحاديث في فضائل علي ، وما فيه انتقاص لمعاوية ، طعنوا فيه وقالوا : ثقة في الحديث رافضي خبيث.

قال الذهبي : « أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكُلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ، وليته لم يصنّف المستدرك على الصحيحين ، فإنّه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه »(١) .

ومن العجيب أنّ ابن كثير بعدما نقل في أربع صفحات من تاريخه ، ملئها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته ، ونحو أكثر من مائة ممّن رووا عن أنس هذا الحديث قال : « وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه » (٢) .

انظروا إلى هذا التعصّب الأعمى ، كيف جعلهم يتّهمون عالماً من علمائهم بالتشيّع والرفض ، بسبب روايته أحاديث لا تعجبهم ، والأعجب بعد هذا أن يقول ابن كثير بعد روايته للحديث : في القلب من صحّة هذا الحديث نظر!

والجدير بالذكر : أنّ حديث الطير رواه الترمذي في سننه ، والطبراني في المعجم الأوسط ، وغيرهما من أعلام السنّة(٣) ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّه لو كان الحديث يخصّ أحد الصحابة ـ خاصّة الخلفاء الأوائل ـ لدقّوا عليه الطبول.

ومن أمثلة الأحاديث التي رواها الحاكم :

١ ـ عن علي عليه‌السلام قال : « اخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله فمحبّونا ، قال : من ورائكم ».

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ١٠٤٥.

٢ ـ البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠.

٣ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠ ، المناقب : ١٠٨ ، سبل الهدى والرشاد ٧ / ١٩١ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٠ ، المستدرك ٣ / ١٣٠ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٠ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٠٧ و ٦ / ٩٠ و ٧ / ٢٦٧ و ٩ / ١٤٦ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٥٠ و ٢٥٧.

٧١

قال الحاكم : « صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(١) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه ».

٢ ـ عن عليعليه‌السلام قال : « سمعت النبيّ يقول : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب : غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمر » (٢) .

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٣) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « لا والله بل موضوع ».

وأخرج الحاكم بإسناده إلى عليعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، قال علي : « رسول الله المنذر وأنا الهادي ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(٥) ، وقال الذهبي : « بل كذب قبّح الله واضعه ».

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فقال : « قبّح الله أبا الصلت »(٦) .

لاحظوا كيف استدلّوا على وضع الأحاديث التي لم تعجبهم : فتارة يستشهدون بالقلب ، وتارة باليمين ، وتارة بالسبّ ، وهل يعقل أن نستشهد على وضع الحديث بالقلب أو اليمين بلا دليل؟ فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٤ ـ نقل ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٧) ، قال

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ١٥١.

٢ ـ ذخائر العقبى : ٤٨ ، نظم درر السمطين : ١٨٢ ، الجامع الصغير ١ / ١٢٧ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٨ ، فيض القدير ١ / ٥٤٩ ، كشف الخفاء ١ / ٩٦ ، أُسد الغابة ٥ / ٥٢٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٨ و ١٣٧.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٥٣.

٤ ـ الرعد : ٧.

٥ ـ المستدرك ٣ / ١٣٠.

٦ ـ الموضوعات ١ / ٣٥٤.

٧ ـ النساء : ٦٤.

٧٢

ابن كثير : وقد ذكر جماعة ، منهم الشيخ أبو منصور بن الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ انشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم فقال : « يا عتبي الحق الإعرابي فبشّره أنّ الله قد غفر له »(١) .

وذكر هذه القصّة النووي الشافعي في كتابه « الأذكار » ، ولكن عندما طبع الكتاب سنة ١٤٠٩ هجري في دار الهدى في الرياض ، حذفت قصّة العتبي ، وحذف قول النووي : « اعلم أنّ على كُلّ من حجّ أن يتوجّه إلى زيارة النبيّ ، فإنّ زيارته من أهمّ القربات ».

لماذا حذفت قصّة العتبي وحذف قول النووي؟ بالطبع لأنّ الوهّابية تحرّم الاستشفاع والتوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ قصّة العتبي رواها كبار علماء السنّة ، فلم يجدوا المخرج إلاّ بتحريف الكتاب ، فحذفوا ما لا يروقهم ، فهل من الأمانة العلمية أن تحرّف الكتب؟! هذا سؤال يبقى مطروح على علماء الوهّابية.

ويشبه هذا ما يفعله علماء الوهّابية حالياً بكتاب الرحّالة ابن بطّوطة ، إذ إنّ ابن بطوطة عندما يصف رحلته إلى الشام يذكر ابن تيمية ، ويقول عنه : أنّه إنسان مجنون ، ونقل عن ابن تيمية أنّه كان ينزل من أعلى المنبر إلى أسفله ، ثمّ يقول : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر(٢) .

____________

١ ـ تفسير القرآن العظيم ١ / ٥٣٢.

٢ ـ رحلة ابن بطّوطة : ٩٥.

٧٣

لكن الكتب التي تطبع حالياً ـ خاصّة في الأوساط الوهّابية ـ تنزع منها هذه العبارة ، ولكن في النسخ القديمة ما زالت موجودة ، والحمد لله.

يقول الشيخ محمّد إبراهيم شقرة في شريط اسمه لا دفاعاً عن ابن تيمية ، ولكن إظهاراً للحقّ : إنّ ابن بطّوطة كان ينقل عن العوام ، وما نقله عن ابن تيمية سمعه ولم يره ، ولهذا فكتب ابن بطّوطة تحذف منها هذه العبارة الآن!

سبحان الله ، كيف يجوّزون لأنفسهم حذف الأخبار والأحاديث ـ التي لا تعجبهم ـ ثمّ يتّهمون الشيعة بالكذب ، وهل يقبل إنسان عاقل هذه التبريرات منهم؟ وهل اصبحوا كاليهود حيث يقول الله تعالى عنهم :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (١) .

هذه بعض الأمثلة سقناها للقرّاء الكرام حول كيفية تحريف علماء العامّة عامّة والوهّابية خاصّة للأخبار والأحاديث التي لا تعجبهم.

والآن نأتي بأمثلة أُخرى من كتبهم حول تركهم للسنّة بدعاوى مختلفة :

١ ـ قال ابن حزم : « وأمّا قولنا في الرجلين فإنّ القرآن نزل بالمسح ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والشعبي ، وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري »(٢) .

قال ابن الجوزي في المنتظم : « كان ابن جرير ـ أي الطبري ـ يرى المسح على القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهذا نسب إلى الرفض » (٣) .

لاحظوا كيف ينسبون علماءهم ويتهمونهم بالرفض والتشيّع إذا اقرّوا بالحقيقة ، ومعروف في التاريخ : أنّ الطبري حاصره الحنابلة ـ أجداد الوهّابية والسلفية ـ في داره ، ومنعوا من دفنه ، وادعوا عليه الإلحاد حتّى دفن ليلاً.

____________

١ ـ النساء : ٤٦.

٢ ـ المحلّى ٢ / ٥٦.

٣ ـ المنتظم ١٣ / ٢١٧.

٧٤

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه : « أنّه إنّما أخفيت حاله ، لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار ، وادعوا عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد »(١) .

٢ ـ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد : « التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة » (٥) .

وقال الغزّالي : « ثمّ التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض » !(٢) .

٣ ـ ذكر الزرقاني في شرح المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ على رواية علي في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ذكر قول الحافظ العراقي : « كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعار الإمامية فينبغي تجنّبه ، لترك التشبه بهما » (٣) .

٤ ـ قال الزمخشري في كيفية الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك شعاراً لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض » (٤) .

قال ابن تيمية عند بيان التشبّه بالشيعة : « ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم » (٤) .

سبحان الله ، هل يعقل أن يترك من يدّعي أنّه يتبع السنّة ، السنّة الصحيحة ، بدعوى أنّ من يسمّوهم الرافضة تتبع هذه السنن.

فهل أمر الله تعالى أو نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله بمخالفة الشيعة؟! وإذا وجب مخالفة الشيعة ، فلماذا لا يفتي علماؤهم لاتباعهم بترك الصلاة والحجّ ، لأنّ الشيعة

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ رحمة الأُمّة : ١٠٢.

٣ ـ الوجيز ١ / ٧٨.

٤ ـ شرح المواهب اللدنية ٥ / ١٣.

٥ ـ الكشّاف ٥ / ٩٦.

٦ ـ منهاج السنّة ٤ / ١٥٤.

٧٥

يصومون ويحجّون؟! وهل يعقل أن يخالف المرء السنّة بحجّة أنّ الشيعة يعملون بها؟!

ومن هم الرافضة؟! أهم الذين رفضوا الإسلام كما يروّجه الوهّابية؟ أم من رفضوا البدع ، وحكّام الجور ، وتمسكوا بالسنّة؟! هذه أسئلة نطرحها على كُلّ إنسان له ضمير حيّ ، وعلى كُلّ إنسان جرّد نفسه من التعصّب الأعمى.

وممّا يجدر بالذكر أنّ كُلّ الأمثلة التي ذكرت هي من أُمّهات كتب السنّة ، ولا يوجد حديث أو رواية واحدة من كتب الشيعة حتّى تكون الحجّة عليهم ، وكما قيل : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.

( عاشق التوحيد ـ السعودية ـ سنّي )

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :

س : إنّ علياًرضی‌الله‌عنه وأولاده ، كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم ـ المدّعين حبّهم واتباعهم ـ وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد.

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان »(١) .

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(٢) .

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٢ / ٧٥.

٢ ـ الكافي ٨ / ٢٢٨.

٧٦

وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم » (١) .

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط الله تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون.

إنّ ما ذكرته : إنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة عليعليه‌السلام هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد الله بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء؟ وكيف أنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة عليعليه‌السلام ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمامعليه‌السلام على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : «فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء »(٢) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه.

وعبّرعليه‌السلام عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقالعليه‌السلام : « فخرجوا يجرّون

____________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٤.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٧٤.

٧٧

حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة »(١) .

فقد أنّب الإمام عليعليه‌السلام كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء ـ كما تعلم ـ كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمامعليه‌السلام يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ الذي هو أحد رؤوس الخوارج ـ إلى اغتيال الإمامعليه‌السلام في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة.

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس ـ رأس المنافقين ـ طابور خيانة داخل دولة الإمامعليه‌السلام ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمامعليه‌السلام قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام.

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته.

____________

١ ـ المصدر السابق ٩ / ٣٠٨.

٧٨

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ إنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم ـ المسلم وغير المسلم ـ بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسينعليه‌السلام .

فكيف تنسب أعداء الحسين ـ الذين خرجوا لحربه ـ إلى كونهم شيعته؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق.

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأرادعليه‌السلام أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه.

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من الله تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته.

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّةعليهم‌السلام إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ.

٧٩

( أبو أحمد ـ مصر ـ )

موقفهم من أهل السنّة :

س : لماذا هذا العداء بين الشيعة والسنّة؟ مع العلم أنّ العداء من الطرفين.

ج : عليك بالتأمّل في كتب التاريخ لترى بوضوح : إنّ العداء لم يشرع من الشيعة في مقابل إخوانهم السنّة ، ولا أيضاً استمرّ من قبلهم ، فالشيعة وعلى مرّ العصور في موقف دفاع ، فهم دائماً يعانون أنواع الظلم الذي يجري عليهم ، وحتّى يومنا الحاضر ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع ، وأكثر ما استعمله الشيعة في موقف الدفاع هو الردّ بالدليل وتأليف الكتب ، حتّى وإن كان ما واجهوه من الظلم بالاعتداء على النفوس المحترمة والأموال ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع بالطريق العلمي المستدلّ.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

كيفية انتشارها في إيران :

س : كيف انتشر التشيّع في إيران؟ هل صحيح أنّ أحد حكّام الدولة الصفوية قديماً قام بفرضه على الناس؟ حيث كان وزيره شيعياً ، وذهب معه إلى النجف ، ثمّ اقتنع بالتشيّع ، أو هناك روايات أُخرى؟

ج : إنّ كيفية انتشار التشيّع هي حديث التاريخ لا المذهب والعقيدة ؛ ولكن باختصار نقول :

أوّلاً : إنّ العلّة الأساسية لبسط نفوذ الشيعة في أي منطقة ـ ومنها إيران ـ تكمن وراء ثلاث نقاط :

١ ـ عدالة قضيّتهم وحقّانيتهم المدعومة بالأدلّة الواضحة والمبرهنة.

٢ ـ مظلوميّتهم لما يرونه من السلطات وتحدّيهم لهؤلاء حكّام الجور.

٣ ـ نشاطات علمائهم ومبلّغيهم لنشر أفكارهم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585