موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296831 / تحميل: 6701
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

١ ـ الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (١) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين »(٢) .

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

٢ ـ الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال :( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (٤) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد الله هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله :( يَمْحُو اللهُ

__________________

١ ـ يس : ١٢.

٢ ـ تفسير الصافي ٤ / ٢٤٦.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٦٦.

٤ ـ الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩.

٤١

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) ، وهو المذكور في قوله :( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٢) »(٣) .

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

٣ ـ اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : «( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام الله ، وأنّه حقّ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس(٤) »(٥) .

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

٤ ـ الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك الله ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب الله الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال :( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (٦) ، ما تفسيرها في الباطن؟

__________________

١ ـ الرعد : ٣٩.

٢ ـ الزخرف : ٤.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ٣ / ٥٤.

٤ ـ المائدة : ٨٣.

٥ ـ مجمع البيان ٣ / ٤٠٢.

٦ ـ الزخرف : ١ ـ ٣.

٤٢

فقال : « أمّا حم فهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وأمّا الليلة ففاطمةعليها‌السلام »(١) .

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق الله عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهوعليه‌السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٥ ـ محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (٣) .

٦ ـ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : « أنا والله الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٤) .

فعليعليه‌السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياًعليه‌السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام ،( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ،( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ،( فَيَتَّبِعُونَ مَا

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين ٤ / ٦٢٣.

٢ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٧ / ٧٠.

٣ ـ آل عمران : ٧.

٤ ـ تفسير القمّي ٢ / ٢١٢.

٤٣

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

( أبو مهدي ـ السعودية ـ )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن الله تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم ـ سبع قراءات ـ فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى :( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (٢) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك ـ أي قراناً ـ ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٤١٤.

٢ ـ يوسف : ٣١.

٤٤

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(١) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(٢) .

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم »(٣) .

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ البيان في تفسير القرآن : ١٦٤.

٤٥

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهمعليهم‌السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهمعليهم‌السلام ، بقولهم : «اقرأ كما يقرأ الناس »(١) .

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء »(٢) .

( ـ ـ )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند(٣) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى ـ كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما ـ وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٣.

٢ ـ مجمع البيان ٥ / ٣٩٢.

٣ ـ أُنظر : الخصال : ٣٥٨ ، تفسير العيّاشي ١ / ١٢.

٤٦

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : «إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة »(١) .

ومنها : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد »(٢) .

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث ـ في مصادر الشيعة ـ تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين(٣) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

__________________

١ ـ الكافي ٢ / ٦٣٠.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ أُنظر : البرهان في علوم القرآن ١ / ٢١٢.

٤٧

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى الله تعالى ، ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيتعليهم‌السلام .

( ـ ـ )

حصل جمعه في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن ـ مع اهتمام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين به ـ عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٢٩ و ٦ / ١٠٣ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٩ ، الجامع الكبير ٥ / ٣٣١ ، مسند أحمد ٣ / ٢٣٣ و ٢٧٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٢١١ ، مسند أبي داود : ٢٧٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٩ ، مسند أبي يعلى ٥ / ٢٥٨ و ٤٦٧ و ٦ / ٢٢ ، صحيح ابن حبّان ١٦ / ٧٢.

٤٨

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف(١) .

( العلام غزوي ـ المغرب ـ ٤٠ سنة ـ أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي ـ كما يوضّحه في كتابه الميزان ـ هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى :( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (٢) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى :( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (٤) .

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

__________________

١ ـ أُنظر : الجامع لأحكام القرآن ١ / ٥٤ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٩٥.

٢ ـ النحل : ٨٢.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ النساء : ١٧٤.

٤٩

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي ـ السعودية ـ ٢٢ سنة ـ طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان ـ كما في سورة القدر( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ـ وبين لقاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( ٢٣ ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

__________________

١ ـ العنكبوت : ٦٩.

٥٠

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها ـ أي حصول مواردها ـ وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

١ ـ المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة ـ وهي الحمد ـ نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

٢ ـ إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

٣ ـ معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

٤ ـ كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

٥ ـ شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

٦ ـ إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق ـ أوائل ـ وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

٥١

( علي ـ البحرين ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

المخاطب في قوله( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (١) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه‌السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث ـ وكان الشيطان يسمّى بالحارث ـ فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ الله سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدمعليه‌السلام ؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدمعليه‌السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة الله في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ الله سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء الله تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان ـ وليس إلى آدم وحوّاء ـ وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من الله سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

__________________

١ ـ الأعراف : ١٩٠.

٥٢

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي ـ الكويت ـ ٣٠ سنة ـ دبلوم )

معنى( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (١) ؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : «يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزّ وجلّ »(٢) .

__________________

١ ـ القصص : ٤١.

٢ ـ الكافي ١ / ٢١٦.

٥٣

( فادي نجدي ـ لبنان ـ ٢٧ سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه‌السلام ؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الوحي عن الله تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (١) إذا أخذنا ترتيب الآيات ـ وهو ما نسمّيه بسياق الآيات ـ بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام عليعليه‌السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) (٢) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى :( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ) (٣) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٦٦.

٣ ـ المائدة : ٦٨.

٥٤

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه الله تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية عليعليه‌السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهودهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ الله سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) (١) ، على آية( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية عليعليه‌السلام .

( ـ ـ )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (٢) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائيقدس‌سره ما نصّه : « قوله تعالى :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ،

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ الإسراء : ٣٦.

٥٥

وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً

وقوله :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في (كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى( كُلُّ ) ، فيكون( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله :( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله :( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ الله سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها الله الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، والله سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى :( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ـ إلى أن قال ـ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

٥٦

سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) (١) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف الله النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى :( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية(٢) .

قال في المجمع في معنى قوله :( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى »(٣) .

__________________

١ ـ فصّلت : ٢٠ ـ ٢٣.

٢ ـ يس : ٦٥.

٣ ـ الميزان في تفسير القرآن ١٣ / ٩٢.

٥٧

وقال الشيخ الطبرسيقدس‌سره ما نصّه : «( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال :( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل الله العباد فيما استعملوها »(١) .

( عبد الماجد ـ فرنسا ـ ٣٤ سنة ـ ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه الله من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد الله بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد الله بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً »(٢) .

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره(٣) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر

__________________

١ ـ مجمع البيان ٦ / ٢٥١.

٢ ـ معالم التنزيل ٤ / ٢٩٢ ، الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٩٤ ، تفسير القرآن العظيم ٤ / ٣٠٢.

٣ ـ أُنظر : مجمع البيان ٩ / ٣٥٤.

٥٨

ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه الله ، وأحبّه إلى الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد »(١) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادقعليه‌السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه »(٢) .

( نسمة ـ الإمارات ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم الله تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (٣) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع

__________________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ١١٧.

٢ ـ الكافي ٢ / ٨٧.

٣ ـ الأنعام : ١٤٩.

٥٩

الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم »(١) .

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها »(٢) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى :( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٣) .

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند الله سبحانه »(٤) .

__________________

١ ـ الميزان في تفسير القرآن ٧ / ٣٦٦.

٢ ـ التبيان ٤ / ٣١١.

٣ ـ النساء : ٩٨.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٥ / ٥١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ج٢ : إنّ كان معنى الثأر هو قتل نفس القتلة ـ عبيد الله بن زياد ، وعمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وشمر بن ذي الجوشن ، وحرملة بن كاهل ، و ـ فقد قيّض الله تعالى لهؤلاء المختار بن أبي عبيد الثقفي وقتلهم جميعاً ، كما نال من كثير ممّن اشتركوا في واقعة كربلاء ضدّ الحسينعليه‌السلام .

وإن كان معنى الثأر هو فضح مخطط هؤلاء ، ومن ورائهم يزيد بن معاوية ، فإنّ الإمام السجّادعليه‌السلام لم يتوان عن ذلك ، وثأر لدماء شهداء كربلاء في دمشق ، وبمحضر الجهاز الحاكم ـ لاحظوا خطبته في ذلك المجلس ـ حتّى أنّ يزيد أمر المؤذّن أن يقطع عليه خطبته ، لأنّه افتضح أمام أهل الشام المغفّلين ، وقد عرّفه ـ الإمام السجّادعليه‌السلام هذه الحقيقة ـ حينما قال : ستعرف من الغالب ، وذلك عند رفع المؤذّن للأذان.

ج٣ : إنّ تلبية الإمام الحسينعليه‌السلام لدعوة أهل الكوفة تنطوي على عدّة مضامين منها :

١ ـ إنّ استجابتهعليه‌السلام لهم هي لقطع الألسنة وقطع المعاذير ، والحقيقة أنّ الأمر أعمق من ذلك ، وهذا ما سيتبيّن في النقاط التالية.

٢ ـ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام كان يعلم بمقتله ، لأنّ جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بذلك ، ودفع إليه بتربة من كربلاء ـ وهذا يرويه علماء من الفريقين ـ كما أنّه قالعليه‌السلام : «وخيّر لي مصرع أنا لاقيه »(١) .

٣ ـ إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لم يكن ينوي اللجوء إلى مكان آمن ـ لغرض السلامة ـ بل قالها بصراحة : «إنّما خرجت أُريد آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي »(٢) .

فالإمام الحسينعليه‌السلام قصد الكوفة باعتبارها واحدة من الحواضر المتمرّدة على الحكم الأموي ـ غالباً ـ وباعتبار الأعراق والقوميات المختلفة فيها ،

__________________

١ ـ شرح الأخبار ٣ / ١٤٦ ، مثير الأحزان : ٢٩.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٤١.

١٢١

وباعتبار الواجب الذي يراهعليه‌السلام ملقىً على عاتقه ، ومثل هذه المسألة ـ الغدر والخيانة ـ لا يأب بها الإمام حتّى يترك هدفه ، وإلاّ لكان أبوهعليه‌السلام أولى بمغادرة الكوفة من قبل! فاحتمال العصيان والنكول لا يسقط واجب التصدّي.

ج٤ : ليس من السهولة بمكان أن يرجع الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ، ومعه من النساء والأطفال ما يتجاوز المائة نفر ، كما أنّ الدولة الأموية ستحول بينه وبين المدينة ، لأنّها بدأت بالنفير وتجريد الجيوش لقتاله على كُلّ الساحات ، كما أنّ نفس مكّة والمدينة لم تكن صالحة للنصرة لعدّة أُمور :

١ ـ إنّ هاتان المدينتان حرم الله وحرم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يجوز انتهاكهما.

٢ ـ لو كان هناك أنصار واتباع ، لساروا معه ، ولما تركوه يسير بأهل بيته ، وبقلّة من الأنصار ، حتّى أنّ الإمام السجّادعليه‌السلام يؤكّد هذه الحقيقة بقوله : «ما بمكّة ولا بالمدينة عشرون رجلاً يحبّنا »(١) !!

ج٥ : لم نر أي خبر ينقل : أنّ فعل الإمام الحسنعليه‌السلام لو كان كفعل الإمام الحسينعليه‌السلام من حيث إعلان الثورة ، سيكون وصمة عار ، إنّ لكُلّ زمان ظروف ، وأنّه لولا صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لما تمهّدت الأرضية أمام الحسينعليه‌السلام للثورة.

ج٦ : القائل هو زهير بن القين ، والمراد من قوله : قتال هؤلاء ، قتال أصحاب الحرّ قبل مجيء جيش عمر بن سعد ، وأجابه الإمام الحسينعليه‌السلام بقوله : «فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال »(٢) .

ج٧ : ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام خيارين لعمر بن سعد بدلاً من قتاله وهما : دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

فأرسل عمر رسالة إلى عبيد الله بن زياد يذكر له ذلك ، لكن ابن زياد أجابه برسالة أرسلها بيد شمر بن ذي الجوشن : « إنّي لم أبعثك إلى الحسين

__________________

١ ـ الغارات ٢ / ٥٧٣ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٤.

٢ ـ الأخبار الطوال : ٢٥٢.

١٢٢

لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعذر عنه ، ولا لتكون له عندي شافعاً ، أُنظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم ، وتمثّل بهم فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا ، والسلام »(١) .

فبعدما قرأ ابن سعد الكتاب ، قال له شمر : أخبرني بما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه ، وإلاّ فخل بيني وبين الجند والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولّى ذلك فدونك ، فكن أنت على الرجّالة.

( بدر ـ قطر ـ )

أسئلة تتعلّق بها :

س : لديّ بعض الأسئلة ، وهي :

١ ـ هل حقّاً كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام عليلاً؟ وفي بعض الروايات تقول : أنّ الإمام قاتل هل هذا صحيح أم لا؟

٢ ـ هل دفن رأس الحسينعليه‌السلام مع جسده الطاهر؟ وإذا كان صحيحاً متى دفن الرأس مع الجسد؟ وإذا لم يكن صحيحاً ، أين دفن رأس الحسينعليه‌السلام ؟

٣ ـ ما هي الحكمة في العدد؟ حيث أربعين الإمام الحسينعليه‌السلام ، واختلاء موسىعليه‌السلام لربّه ( ٤٠ ) يوماً ، وأيضاً معرفة الجنين في بطن أمّه بعد ( ٤٠ ) يوماً ، وبعض الرياضات الروحية المتعلّقة بـ ( ٤٠ ) يوماً.

ولكم جزيل الشكر والتقدير ، وأتمنّى لكم التوفيق وإلى الأمام.

ج : نجيب على أسئلتكم واحداً تلو الآخر.

ج ١ : الصحيح أنّه كان مريضاً ، ولم يقاتل لمنع الإمام الحسينعليه‌السلام .

__________________

١ ـ روضة الواعظين : ١٨٢ ، الإرشاد ٢ / ٨٨.

١٢٣

ج ٢ : الصحيح الذي عليه محققّو علماء الطائفة : أنّ الرأس الشريف أُلحق بالجسد الشريف في العشرين من صفر عند رجوع السبايا إلى كربلاء.

ج ٣ : لا يبعد أن يكون لعدد الأربعين خصوصية ، ولكنّها خصوصية غيبية لم يهتد إليها العلم الحديث إلى الآن ، ولكن جاءت في النصوص الدينية ، ولا يبعد أن يكون هناك ربط بين عدد الأربعين وبين آثار معيّنة يكشف عنها الشارع ، وإن لم يتوصّل العلم بعد إلى كشفها ، ككثير من الحقائق التي لم يهتد العلم إليها بعد ، وإنّما يكتشفها بالتدريج.

( عزيز العرادي ـ ـ )

لطم الخدود وشق الجيوب :

س : أودّ الاستفسار عن ما إذا كانت بعض الروايات التي يعتمدها خطباء المنبر الحسيني صحيحة وثابتة تماماً أو لا؟ من مثل تلك الروايات التي تقول : بأنّ السيّدة زينب عليها‌السلام لطمت خدّها ، وشقّت جيبها حزناً على مصاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، أو تلك الواردة في الزيارة المشهورة عن الإمام المهدي عليه‌السلام : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ، ونظرن سرجك عليه ملويّا ، خرجن من الخدور ، ناشرات الشعور ، وبالعويل داعيات » ، والسلام.

ج : الحقيقة أنّ ما وصلنا ـ من وقائع عاشوراء وتوابعها ـ هو أقلّ بكثير ممّا كان ، وإنّ الفجائع الواقعة على أهل البيتعليهم‌السلام لم تنتقل على حقيقتها إلينا ، ولذلك لا يستغرب من مثل هذه الأخبار التي أشرتم إليها ، وإن كان بعضها لم يبلغنا بسند معتبر.

( علي سالم ـ السعودية ـ )

زواج القاسم :

س : ما هي حقيقة حدوث زواج للقاسم بن الحسن يوم عاشوراء؟ بالرغم من تضارب الأقوال في ذلك وتعارضها ، خاصّة عندما يحدّد زواجه من سكينة بنت

١٢٤

الإمام الحسينعليه‌السلام ! وما هي آراء الفقهاء السابقين والمعاصرين حول هذه الحادثة؟

ج : إنّ مسألة حدوث زواج القاسمعليه‌السلام يوم عاشوراء ، لم تذكره المصادر المعتبرة والمقاتل المعتمد عليها ، وإن حاول بعض الأعلام ـ كالعلاّمة الدربندي في كتابه « أسرار الشهادات » ـ إثبات هذه الحادثة ، وذكر عدّة أدلّة.

وعلى كُلّ حال ، فالمسألة تبقى في حيّز الاحتمال.

( ـ ـ )

علي بن الحسين هو علي الأكبر :

س : من هو المقصود في : « السلام على علي بن الحسين »في زيارة عاشوراء؟ هل هو علي الأكبر أو علي الأصغر أو السجّاد عليه‌السلام ؟ ولماذا هذا التخصيص؟ وشكراً.

ج : إنّ المقصود به علي الأكبرعليه‌السلام ، وذلك لبيان عظيم منزلته ، حتّى أنّكم لو راجعتم المقاتل ، لشاهدتم بوضوح أنّ من أشدّ المصائب على أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام كانت عندما برز علي الأكبر إلى القتال ، وعند شهادته.

( ـ ـ لبنان )

شبهات وردود حولها :

س : أنا أخوكم في الله من لبنان ، وقد حدث شيء أُريد أن أطلعكم عليه ، وهو : أنّ جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهّابية ، وبعض الجمعيات المتعصّبة في مصر ، يسمّون جمعيتهم هنا في لبنان بجمعية الاستجابة ، ومن أنشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا ، والتي معظم سكّانها من المذهب السنّي ، وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة ، رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ، ولذلك سخّروا الكثير من الإمكانيات ، حتّى يوقفوا هذا الانتشار ، ومن هنا

١٢٥

بدأوا بطبع كتب مجّانية وكتيّبات ، وتوزيعها مجّاناً على الناس ، حتّى لا يتأثّروا بالامتداد الشيعي.

ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزّع في العاشر من المحرّم ، والآن هم يوزّعون منه بمناسبة الأربعين ، لاستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهذا الكتيّب اسمه : « البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي » ، وبما أنّي إذا أرسلت هذا الكتيّب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً ، وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الإلكتروني ، وحتّى ترسلوا لي الردّ بالطريقة التي تروها ، حتّى ندافع عن هذا المذهب الحقّ بعون الله.

وهذا الكتيّب كتب فيه : بويع يزيد للخلافة سنة ستّين للهجرة ، وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة ، ولم يبايع الحسين بن علي ، ولا عبد الله بن الزبير.

ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه ، أنّهم مشوا إلى محمّد بن الحنفية ـ محمّد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين ـ فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، قال : ابن مطيع : إنّ يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة.

وبلغ الخبر أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع ليزيد ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب : أنّا قد بايعناك ولا نريد إلاّ أنت ، حتّى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب ، كُلّها جاءت من الكوفة.

فأرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، ليتقصّى الأُمور ويعرف حقيقة الأمر ، فلمّا وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين ، فتمّت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.

فما كان من يزيد إلاّ أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة ، لكي لا تعود الأُمور كما كانت قبل عام الجماعة ، فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام ، ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين.

وبعد أن استقرّت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل ، أرسل إلى الحسين أن أقدم ، وأنّ الجوّ قد تهيّأ ، فخرج الحسين من مكّة في يوم التروية قاصداً الكوفة.

١٢٦

فلمّا علم عبيد الله بن زياد بذلك ، أمر بقتل مسلم بن عقيل ، فما كان من الأخير إلاّ أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة ، وحاصر قصر بن زياد ، إلاّ أنّ أهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، حتّى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف ، فقتل يوم عرفة.

وكان الحسين قد خرج قاصداً العراق يوم التروية ، وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج ، منهم أبو سعيد الخدري ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وكذلك أخوه محمّد بن الحنفية ، وابن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

قال الشعبي : كان ابن عمر بمكّة ، فلمّا علم أنّه توجّه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال ، فقال : أين تريد؟ فقال : العراق ، وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنّهم معه.

فقال له : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال ابن عمر : لا تأتيهم ، فأبى الحسين إلاّ أن يذهب ، فقال ابن عمر : إنّي محدّثك حديثاً : أنّ جبرائيل أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فأختار الآخرة ولن يريد الدنيا ، وأنّك بضعة منه ، والله لا يليها أحد منكم أبداً ، ولا صرفها الله عنكم إلاّ الذي هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال : استودعك الله من قتيل.

وكلّمه أبو سعيد الخدري قال : يا أبا عبد الله إنّي ناصح لك ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغنا أنّ قوماً من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة ، فلا تخرج إليهم ، فإنّي سمعت أباك يقول : « والله إنّي مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني ».

ولمّا علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين ، أمر الحرّ بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق ، فلقيه قريباً من القادسية ، وأخبره بخبر مسلم بن عقيل ، وأنّ أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك ، فهمّ الحسين أن يرجع ، فتكلّم أبناء مسلم بن عقيل ، قالوا : لا والله لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع.

وأراد أن يتقدّم فجاء الحرّ بن يزيد فسايره وقال : إلى أين تذهب يا ابن بنت رسول الله؟ قال إلى العراق ، قال : ارجع من حيث أتيت ، أو اذهب إلى الشام

١٢٧

حيث يزيد بن معاوية ، ولكن لا ترجع إلى الكوفة ، فأبى الحسين ، ثمّ سار إلى العراق والحرّ بن يزيد يمنعه.

فقال الحسين : ابتعد عنّي ثكلتك أُمّك ، فقال الحرّ بن يزيد : والله لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ، ولكن ماذا أقول وأُمّك سيّدة نساء العرب ، فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب ، ثمّ جاءت مؤخّرة الجيش ، وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.

ولمّا رأى الحسين أنّ الأمر جدّ ، قال لعمر بن سعد : « إنّي أخيّرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء » ، قال : ما هي؟ قال الحسين : « أن تدعني أرجع ، أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، أو تتركني أذهب إلى يزيد ».

وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر ، فرضي عبيد الله بأيّ واحدة يختارها الحسين ، وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن ، قال : لا حتّى ينزل على حكمك ، فقال ابن زياد : نعم حتّى ينزل على حكمي ، بأن يأتي إلى الكوفة ، وأنا أسيّره إلى الشام ، أو إلى الثغور ، أو أرجعه إلى المدينة ، وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين ، إلاّ أنّ الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.

فتوافق الفريقين ، وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارساً ، قال الحسين لجيش بن زياد : « راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل ينفعكم مثل هذا القتال ، وأنا ابن بنت نبيّكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لي ولأخي : سيّدا شباب أهل الجنّة ».

فانضمّ الحرّ بن يزيد إلى الحسين ، فقيل له : كيف جئت معنا أمير المقدّمة ، والآن تذهب إلى الحسين؟ قال : « ويحكم والله إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، والله لأختار الجنّة على النار لو قطّعت وأُحرقت ».

وبات الحسين تلك الليلة يصلّي ويدعو الله ، ويستغفر هو ومن معه ، وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه ، فلمّا أصبح الصبح شبّ القتال بين الفريقين ، وذلك لأنّ الحسين رفض أن يستأثر عبيد الله ابن زياد.

١٢٨

ولمّا رأى الحسين بأنّه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش ، أصبح همّهم الوحيد الموت بين يدي الحسين ، فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر ، حتّى فنوا جميعاً ، لم يبق منهم أحد إلاّ الحسين بن علي ، وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً ، لا يقدم عليه أحد حتّى يرجع ، لأنّه لا يريد أن يبتلي بالحسين ، فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن : « ويحكم ما حلّ بكم؟ أقدموا نحو الحسين فاقتلوه » ، كان ذلك في العاشر من محرّم سنة ٦١ هجرية ، والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي ، وقيل أنّه الشمر بن ذي الجوشن.

قتل مع الحسين كثير من أهل بيته ، وممّن قتل من أولاد علي بن أبي طالب : الحسين وجعفر والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمّد ، وثمانية عشر رجلاً كُلّهم من آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولمّا بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجّع عليه ، وظهر البكاء في داره ، ولم يسب لهم حريماً أصلاً ، بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتّى ردّهم إلى ديارهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ، أي أنّ خروجه ما كان سليماً ، لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك ، يقول : بل يمكن أُولئك الطغاة من سبط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده ، ولكنّه أمر من الله تعالى ، وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس.

وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء ، وقد قدّم رأس يحيى ابن زكرياعليهما‌السلام لبغي ، ونشر زكريا ، وأرادوا قتل موسىعليه‌السلام وعيسىعليه‌السلام ، وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي ، وهؤلاء كُلّهم أفضل من الحسين ، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك ، بل هذا منهي عنه.

فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب » ، والواجب على الإنسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى :( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) .

اللهم ارحم شهداء آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسائر شهداء وموتى المسلمين ، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، واجمعنا على كتابك المنزل ، وعلى سنّة نبيّك المرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه وسلم

١٢٩

انتهى نصّ الكتيّب.

هذا النصّ أضعه بين يديكم الكريمة ، وبأذن الله ترون كيف تردّون عليهم ، ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ شبيه هذا الكتاب ـ الذي أرسلتموه ـ تمّ توزيعه في الكويت وغيرها من الدول ، التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء ، وقد تصدّى الشيخ عبد الله حسين للردّ عليه ردّاً علمياً ، ولأهمّيته نورده إليكم بنصّه ، إذ فيه فوائد كثيرة ، ونكات ظريفة.

قال : إنّ نعم الله تعالى على أُمّة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأُمم ، فقد حظيت هذه الأُمّة بمقوّمات تجعلها أفضل أُمّة ، فدينها مرضي عند الله ، وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ورسولها أكرم خلق الله عنده تبارك وتعالى ، ولكن

وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة ، فإنّ تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه ، ممّا تعرّض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد.

بل الأدهى من ذلك أنّ رسول الله نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه ، وأمّا آله فقد سامهم بعض من أدّعى الإسلام ألوان العذاب والاضطهاد ، حتّى كأنّ الله قد أوصى الأُمّة بقتلهم لا بمودّتهم واتباعهم.

ويتّضح ذلك بجلاء في مصاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل سبطه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد ارتكبت حكومة بني أُمية أسوأ جريمة في حقّهعليه‌السلام ، وحقّ أهل بيته ، وكوكبة من أصحابه ، الذين قلّ نظيرهم على هذه الأرض ، وسجّل لنا التاريخ ذلك ، ونقله إلينا المؤرّخون والمحدّثون بما يندى له الجبين!

لقد اهتزت الأُمّة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسينعليه‌السلام في عصره ، وفي كُلّ العصور على اختلاف مذاهبها ومشاربها لكن للأسف أنّ هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيتعليهم‌السلام ، بل كانوا يرصدون ـ كما ينقل ابن كثير وابن عساكر ـ لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام ومحبّيهم ، ويسفكون

١٣٠

دماءهم ، ويحبسوهم ليمنعوهم حتّى من إظهار الحزن ، كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيّام تسلّطهم.

وقد حالت بعد ذلك رحمة الله زمناً بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن ، وبدأنا نلمس من المنصفين من إخواننا من أهل السنّة التعاون الجميل ، والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيّام العزاء ، بل إنّ بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيّام كما شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت ، فعادت الشرذمة للظهور ، وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية ، يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الأُلفة بين المسلمين ، ليفرّقوا صدوراً مؤتلفة على محبّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا دين النواصب أنّى كانوا ، فلا غرابة ، ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين ، لذا كانت هذه السطور.

الهدف من هذه الرسالة :

قد أثبتت الأيّام بأنّ كثيراً من أهل السنّة يتعاطفون مع مصاب أهل البيتعليهم‌السلام كما الشيعة ، بل ويتوسّلون بهم ، فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيتعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ، والعراق ومصر وخراسان ، متوسّلين باكين متبرّكين ، ممّا أوغر صدوراً خصبة يرتع فيها الشيطان ، فجاء أُولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الأمر ، ليهدّموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهّرينعليهم‌السلام .

إنّا نعتقد جازمين : بأنّ المنصفين من أهل السنّة ، لا يقيمون وزناً لأمثال أُولئك المتعصّبين ، الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها ، وحمل الأسفار دون أن يفهموها.

حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة ، التي توزّع في أيّام عزاء سيّد الشهداء ، وإحياء ذكرى مصابه ، مندّدة بمثل هذه الشعائر الإسلامية ، مفرّقة بيننا كمسلمين ، يستغل أصحابها اختلافنا في الاجتهادات ، غافلين عن اجتماعنا على محبّة أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.

١٣١

من الذي يفرّق بين المسلمين؟

إنّنا لنعجب ممّن ينشر تلك المنشورات ، فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة : لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنوياً ، إلاّ أنّه يغفل عن أنّه هو زارع الفرقة ، بما تحويه منشوراته من مغالطات وأكاذيب ، فيا عجباً لهذا الكاتب الجاهل ، الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسينعليه‌السلام زرعاً للشقاق بين المسلمين ، ويغفل عن أنّه غارق في إيذاء المسلمين ، ينشر أكاذيبه في كُلّ سنة.

وللمتابع أن يلاحظ : أنّ الشيعة ـ منذ زمن طويل ـ يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة ، بجوار إخوانهم السنّة ، وفي قلب مناطقهم بكُلّ رحابة صدر ، فأيّ شقاق تحقّق لولا بروز تلك الدعوات الشاذّة؟ نعم إنّ بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجّرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودّة؟

ولو أنّ هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير ، ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شرّ لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات ، لساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنّة والشيعة المحبّين لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن كيف ذلك؟ وهل يرجى القبول بالحقّ ممّن سيطر عليه قرينه؟

المنشور الأسود :

تناولت الشرذمة المتسلّفة في منشورها قصّة مقتل الحسينعليه‌السلام ، وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم ، ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبيّن لك أيّها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي ، وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصّبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته ، وسيتبيّن لك من خلال هذه المناقشة أنّهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ ، قائدهم الهوى ، فلا أُصول علمية عندهم ، ولا هم يحزنون!

١٣٢

وهنا نتعرّض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات ، مع بعض الردود الكافية لفضح تعصّبهم ، والله المستعان.

لماذا لم يتّخذ يوم وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مأتماً؟

في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير : ورسول الله سيّد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتّخذ أحد يوم موتهم مأتماً(١) .

نقول : إنّ هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحقّ ، فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

وإن كان يقصد التميّز الموجود في إحياء ذكرى سيّد الشهداءعليه‌السلام ، فليعلم أنّ ذكرى شهادة الإمام الحسينعليه‌السلام هي ذكرى مأساة لا مثيل لها ، فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها ، وبراءتنا ممّن قتل سبط الرسول وحبيبه ، ونعلن أنّنا نواليه وندين ما فعله أعداؤه.

إنّ زيارة خاطفة يقوم بها أيّ من المنصفين لهذه المجالس ، ودور العبادة والحسينيات المباركة ، يجد أنّنا نبكي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته جميعاً ونتبرّك بذلك ، فليس البكاء مخصوصاً للحسينعليه‌السلام ، هذا فضلاً عن الأحاديث النبوية ، وعن أهل البيتعليهم‌السلام ، التي تبيّن خصوصية ظلامة الحسينعليه‌السلام ، وأهمّيتها عند الرسول وأهل بيته ، فنحن نتأسّى بهم.

ظهور الكرامات عند مقتل الحسينعليه‌السلام .

قال الكاتب : ولا ذكر أحد أنّه ظهر يوم موتهم ، وقبلهم شيء ممّا ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأُمور المتقدّمة.

نقول : إنّ هذا جهل من الكاتب ، أو كذب مبين ، فإنّ الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم ، وقد كذب

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٢١.

١٣٣

من قال أنّه لم يتحقّق في السابقين شيء من تلك الأُمور ، فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره :

وقد روى ابن جرير عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : ظهر بخت نصّر على الشام ، فخرّب بيت المقدس وقتلهم ، ثمّ أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كبا ، فسأل ما هذا الدم؟

فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا ، وكُلّما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من اليهود وغيرهم فسكن ، وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهذا هو المشهور(١) .

وقال في كتابه قصص الأنبياء : « وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام عن سعيد بن المسيّب قال : قدم بخت نصّر دمشق ، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي ، فسأل عنه فأخبروه ، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن ، وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهو يقتضي أنّه قتل بدمشق ، وأنّ قصّة بخت نصّر كانت بعد المسيح ، كما قاله عطاء والحسن البصري ، فالله أعلم »(٢) .

ثمّ روى قصّة مقتل يحيى عن ابن عساكر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن قاسم مولى معاوية ، ثمّ قال : قال سعيد بن عبد العزيز : وهي دم كُلّ نبي ، ولم يزل يفور حتّى وقف عنده أرمياعليه‌السلام فقال : أيّها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن الله ، فسكن(٣) .

جريمة قتل الحسينعليه‌السلام وجريمة قتل نبي الله يحيىعليه‌السلام !

إنّ الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنّة تقارن بين جريمة قتل يحيىعليه‌السلام وقتل الحسينعليه‌السلام ، فقد روى الحاكم في مستدركه ، بستّة طرق عن أبي نعيم : ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ،

__________________

١ ـ تفسير القرآن العظيم ٣ / ٢٨.

٢ ـ قصص الأنبياء ٢ / ٣٦٤.

٣ ـ المصدر السابق ٢ / ٣٦٦.

١٣٤

عن ابن عباس قال : أوحى الله تعالى إلى نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً(١) .

إنّ هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسينعليه‌السلام خطراً عظيماً ، يعادل قتل نبي الله يحيىعليه‌السلام !! فكيف يصحّ لمن يدّعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسينعليه‌السلام ، ويستنكر البكاء على الحسين؟!!

وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(٢) ، وقد صحّحه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم.

إنّ المنصف يرى أنّ قتل الحسينعليه‌السلام ـ وبشهادة جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري ، أراد تعالى أن يخلّدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي الله يحيىعليه‌السلام ، إذ لا يقل الحسينعليه‌السلام عن خاصّة أولياء الله ، كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة.

مقتل الحسينعليه‌السلام :

قال الكاتب مدّعياً أنّه ينقل قصّة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم : بلغ أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية ، وذلك سنة ٦٠ هـ ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة ، وذلك أنّهم لا يريدون يزيد ولا أباه ، ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر ، إنّهم لا يرون إلاّ علياً وأولاده.

نقول : أوّلاً : لم يحدّد الكاتب المصدر الذي اعتمده ، وهذا أوّل التدليس! فأين الثقات الذين قال إنّه ينقل عنهم؟!!

ثانياً : حاول الكاتب أن يظهر أنّ قتلة الحسين هم الشيعة ، الذين يرفضون أبا بكر وعمر ، وأنّهم لا يريدون إلاّ علياً وأولاده.

__________________

١ ـ المستدرك ٢ / ٢٩٠.

٢ ـ المصدر السابق ٣ / ١٧٨.

١٣٥

والجواب : أنّهم شيعة آل أبي سفيان ، كما خاطبهم الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهذه بعض النصوص التي تبيّن مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن ، فقد نقل ابن بطّة أحد علماء السنّة في المنتقى : « عن عبد الله بن زياد بن جدير قال : قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة ، قال لنا شمر بن عطية : قوموا إليه ، فجلسنا إليه ، فتحدّثوا ، فقال أبو إسحاق : خرجت من الكوفة ، وليس أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون ، لا والله ما أدري ما يقولون ».

وقال محبّ الدين الخطيب في حاشية المنتقى : « هذا نصّ تاريخي عظيم في تحديد تطوّر التشيّع ، فإنّ أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها ، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان ، قبل شهادته بثلاث سنين ، وعمّر حتّى توفّي سنة ١٢٧هـ ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي ».

إذاً ، فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها ، كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاماً في سنة استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، ومنه نفهم بأنّ الناس في الكوفة ـ في ذلك العام بالذات ـ كانوا على حسب قوله : ليس منهم أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وبناءً على ذلك ، فالذين كاتبوا الإمام الحسينعليه‌السلام ثمّ خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة ، يقدّمون علي بن أبي طالبعليه‌السلام على أبي بكر وعمر.

وقد ذكر التاريخ : أنّ عبيد الله بن زياد ، قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسينعليه‌السلام حتّى امتلأت سجونه منهم ، فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت!

ولذا قال الذهبي في الميزان : « كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم ، مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بيّنة فالشيعي الغالي في زمان السلف ، وعرّفهم هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية ، وطائفة ممّن حارب علياً وتعرّض لسبّهم »(١) .

__________________

١ ـ ميزان الاعتدال ١ / ٥.

١٣٦

هذا ما يردّ كلامه من نصوص السنّة ، وأمّا من نصوص الشيعة :

فمنه : ما ذكره الشيخ الكليني في خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام : عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لتفرّق عنّي جندي ، حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي ، وفرض إمامتي من كتاب الله وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذاً لتفرّقوا عنّي ، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ، ما لقيت من هذا الأُمّة من الفرقة ، وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار »(١) .

قال العلاّمة المجلسي عن هذا الخبر : « عندي معتبر لوجوه ، ذكرها محمّد ابن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره »(٢) .

وهذا يثبت للقارئ بأنّ أكثرية الذين راسلوا الحسينعليه‌السلام من أهل الكوفة ، لم يكونوا ممّن يقدّمونه على غيره ، كما يفعل الشيعة الموالون ، كيف وأهل الكوفة لم يقدّموا علياًعليه‌السلام على الخليفتين ، وهو أولى بالتقديم من الحسينعليه‌السلام ؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب ، الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم ، ولم يذكر مصدراً واحداً يثبت مزاعمه الباطلة!!

الصحابة ومنعهم الحسينعليه‌السلام عن الخروالجواب :

قال الكاتب : وحاول منعه كثير من الصحابة ، ونصحوه بعدم الخروج ، مثل ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عمرو ، وأخيه محمّد بن الحنفية ، وغيرهم

__________________

١ ـ الكافي ٨ / ٥٨.

٢ ـ مرآة العقول ٢٥ / ١٣١.

١٣٧

وندعو القارئ هنا لتفحّص حقيقة كلام الكاتب ، نقول : لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل : إنّه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام وطاعته ، لا أنّه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!!

فنحن نعرف أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر المسلمين بأنّ أُمّته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك؟

نعم ، الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروايات الشيعة والسنّة تؤكّد ذلك ، فهذه عمرة بنت عبد الرحمن ـ كما ذكر ابن كثير ـ ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول : أشهد لسمعت عائشة تقول ، إنّها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «يقتل الحسين بأرض بابل » ، فلمّا قرأ كتابها قال : « فلابدّ لي إذاً من مصرعي ومضى »(١) .

وذكر أيضاً قول الحسينعليه‌السلام للفرزدق : «لو لم أعجل لأخذت »(٢) ، وكذلك ما رواه عن يزيد الرشك ، من قولهعليه‌السلام : «ولا أراهم إلاّ قاتلي »!

وعن معاوية بن قرّة قال : قال الحسين : « والله لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت » ، وعن جعفر الضبعي عنهعليه‌السلام : «والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي »(٣) .

وذكر ابن كثير قول الإمام الحسينعليه‌السلام لمن طلب منه الرجوع : «إنّه ليس بخفي عليّ ما قلت وما رأيت ، ولكنّ الله لا يغلب على أمره » ، ثمّ ارتحل قاصداً الكوفة(٤) ، فخروج الحسينعليه‌السلام كان بعلم منه بقتله ، بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضاً.

وأمّا نصائح من ذكرهم الكاتب ، فنقول : نصيحة ابن عباس للحسينعليه‌السلام :

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٧٦.

٢ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٠.

٣ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٣.

٤ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٥.

١٣٨

نقل ابن كثير عن ابن عباس قال : استشارني الحسين بن علي في الخروج ، فقلت : لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك ، فلم أتركك تذهب ، فكان الذي ردّ عليّ أن قال : «لأن أُقتل في مكان كذا وكذا ، أحبّ إليّ من أن أُقتل بمكّة » ، قال : فكان هذا الذي سلى نفسي عنه(١) .

إذاً ، فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسينعليه‌السلام عندما علم أنّ بني أُمية قد عزموا على قتله أينما كان ، وأنّ خروجه إنّما هو لئلا يستحلّ بيت الله الحرام ، وتفهّم ابن عباس موقف الحسينعليه‌السلام ! وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب : إنّ ابن عباس نهاه ومنعه!!

روى الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى الله تعالى إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً ، هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك(٢) ، وقد مرّ تصحيح الحاكم والذهبي للحديث.

وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدّاً بمكانة الإمام الحسينعليه‌السلام عند الله تعالى ، لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم ، يقارنه الله بيحيى النبيّعليه‌السلام ، بل يغضب له غضباً يفوق غضبه وانتقامه له؟ البصير يفهم ، وأمّا عمى القلب فمرض عضال.

ونقل الحاكم أيضاً عن ابن عباس قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم نصف النهار ، أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ، فقلت : يا نبي الله ما هذا؟ قال : «هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » ، قال : فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه »(٣) ، وقال الذهبي على شرط مسلم.

__________________

١ ـ المصدر السابق ٨ / ١٧٢.

٢ ـ المستدرك ٣ / ١٧٨.

٣ ـ المصدر السابق ٤ / ٣٩٨.

١٣٩

ونقل ابن كثير : عن أشعث بن سحيم عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ ابني ـ يعني الحسين ـيقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم ذلك فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل مع الحسين(١) .

ويظهر من ابن حجر في ترجمة أنس بن الحارث قبوله للرواية ، قال : قتل مع الحسين بن علي ، سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قاله محمّد عن سعيد بن عبد الملك الحرّاني عن عطاء بن مسلم ، حدّثنا أشعث بن سحيم عن أبيه ، سمعت أنس بن الحارث ، ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ، ومتنه : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ ابني هذا ـ يعني الحسين ـيقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل بها مع الحسين.

قال البخاري : يتكلّمون في سعيد يعني رواية ، وقال البغوي : لا أعلم رواه غيره ، وقال ابن السكن : ليس يروى إلاّ من هذا الوجه ، ولا يعرف لأنس غيره ، قلت : وسيأتي ذكر أبيه الحارث بن نبيه في مكانه ، ووقع في التجريد للذهبي : لا صحبة له وحديثه مرسل ، وقال المزّي : له صحبه فوهم ، انتهى.

ولا يخفى وجه الردّ عليه ممّا أسلفناه ، وكيف يكون حديثه مرسلاً وقد قال : سمعت ، وقد ذكره في الصحابة البغوي ، وابن السكن ، وابن شاهين ، والدغولي ، وابن زبر ، والباوردي ، وابن مندة ، وأبو نعيم ، وغيرهم(٢) .

والبخاري إن عبّر عن سعيد بقوله : يتكلّمون في سعيد ، وهي تفيد بأنّه غير جازم بشيء ضدّه ، لكن ابن حبّان ذكره في كتابه الثقات(٣) .

__________________

١ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢١٧.

٢ ـ الإصابة ١ / ٢٧١.

٣ ـ الثقات ٨ / ٢٦٧.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667