موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 297033 / تحميل: 6703
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وأصحابه الماء ثلاثاً ، قال له بعضهم : أُنظر إليه كأنّه كبد السماء ، لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً »(١) .

٣ ـ قال ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه »(٢) .

وقال : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب »(٣) .

٤ ـ قال ابن الأثير : « وحالوا بين الحسين وبين الماء ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيّام ، ونادى عبد الله بن أبي الحصين الأزدي ، وعداده في بجلية : يا حسين أما تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً »(٤) .

وقد ذكر في مقدّمة كتابه أنّه يعتمد على المصادر الموثوقة.

٥ ـ نفس كلام الكامل ذكره الطبري في تاريخه ، فارجع إليه(٥) .

٦ ـ قال ابن الدمشقي الشافعي : « واشتدّ العطش بالحسين ، فحاول أن يصل إلى الفرات فمانعوه دونه ، فخلص إلى شربة من الماء ، فلمّا هوى إليها رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه فأثبته فيه »(٦) .

٧ ـ وارجع أيضاً إلى تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام .

٨ ـ قال أبو الفداء : « واشتدّ بالحسين العطش ، فتقدّم ليشرب ، فرمي بسهم فوقع في فمه »(٧) .

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة ٢ / ٥٧٦.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ٢٠٣.

٣ ـ المصدر السابق ٨ / ١٨٦.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٤ / ٥٣.

٥ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣١٢.

٦ ـ جواهر المطالب ٢ / ٢٨٨.

٧ ـ المختصر في أخبار البشر ١ / ٢٦٥.

١٨١

٩ ـ قال القندوزي الحنفي : « فمنعهم جيش عمر بن سعد ، فحمل عليهم العباس ، فقتل رجالاً من الأعداء حتّى كشفهم عن المشرعة ، ودفعهم عنها ، ونزل فملأ القربة ، وأخذ غرفة من الماء ليشرب ، فذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فنفض الماء من يده »(١) .

وارجع إلى كتاب سبل الهدى والرشاد ، ومقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي وغيرها ، لترى الواقعة ثابتة بما لا يقبل أدنى شكّ(٢) .

ويكفي شهادة ابن كثير المتعصّب الذي لا يخفى حاله على أحد ، لكن أبت المكابرة أن تفارق أهلها.

( ـ ـ )

تقدّم كربلاء بالخلق بمعنى التقدير :

س : رأيت هذه الرواية يتداولها أهل السنّة ، وأحببت معرفة مدى صحّتها؟

عن أبي جعفر قال : « خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عاماً ، ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه في الجنّة »(٣) .

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ قُدسية كربلاء لم تكن لأجل أرض كربلاء ، بل لأجل من دُفن فيها ، فقد دُفن فيها أقدس إنسان في زمانه ، سيّد شباب أهل الجنّة ، الإمام الحسينعليه‌السلام ، الذي ضحّى بكُلّ شيء حتّى نفسه المقدّسة في سبيل الله تعالى ، ومن أجل الدين والعقيدة ، من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من أجل إحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ٣ / ٦٧.

٢ ـ سبل الهدى والرشاد ١١ / ٧٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٢.

٣ ـ كامل الزيارات : ٤٥٠.

١٨٢

وليس معنى أنّ كربلاء مقدّسة إنكار كون بيت الله الحرام مقدّس ، فالبيت مقدّس باعتباره يرمز إلى توحيد الله تعالى ، ونبذ الشيطان ، وهكذا كربلاء ، فإنّها ترمز إلى التضحية من أجل بقاء التوحيد الصحيح ، ونكران شياطين الإنس المتمثّلة بالطواغيت والظلمة ، والغاصبين للحقوق الله تعالى والناس.

ولو تنزّلنا وقلنا : إنّ قُدسية كربلاء لم تكن من قُدسية الإمام الحسينعليه‌السلام ، مع ذلك فإنّ لها قُدسية خاصّة ، تفوق قُدسية الحرم الشريف ، وذلك بجعل من الله تعالى لها ، كما جعل المسح في الوضوء على ظاهر القدم ، مع أنّ باطنه أحقّ بالمسح من ظاهره ، وكما جعل الموقف خارج الحرم ، ولو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم ، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم.

ثمّ إنّ من أشهر معاني الخلق في الآيات والأخبار هو التقدير ، ومنه قوله تعالى :( فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (١) ، فيكون تقدّم أرض كربلاء بالخلق بمعنى التقدير ، وتقدّم الكعبة بالخلق بمعنى الإيجاد.

ولعل المراد بالقبلية القبلية بالشرف ، وبالأعوام ، والدرجات.

( عبد الله ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

فضل كربلاء

س : لماذا سمّيت الحسينيات بحسينيّات؟ ولم تسم مثلاً بمحمّديات أو عليّات؟ مع أنّ النبيّ أفضل من الحسين؟ ولماذا حازت كربلاء فضلاً لم تحزه باقي الأراضي كالنجف والبقيع؟

ولماذا أصبحت مصيبة الحسين من أشدّ المصائب؟ ففقد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا يعد من أشدّ المصائب؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول :

__________________

١ ـ المؤمنون : ١٤.

١٨٣

سمّيت بالحسينيّات نسبة إلى ما يقام فيها من مجالس الحزن والعزاء على الإمام الحسينعليه‌السلام ، هذه المجالس التي أهتمّ بإحيائها أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وحثّوا شيعتهم على إحيائها وإظهار الحزن والبكاء فيها على مصيبة الإمام الحسينعليه‌السلام ، باعتبار أنّ مأساته لا مثيل لها ، ومصيبته من أعظم المصائب ، كما يظهر من قول الإمام الحسنعليه‌السلام : «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله »(١) .

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول :

حازت ذلك باعتبارها صارت محلاًّ لدفن جثمان الإمام الحسينعليه‌السلام ، والشهداء من أهل بيته وأصحابه ، الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله تعالى ، وأبلوا بلاءً حسناً من أجل الدين والعقيدة ، حتّى قُتلوا بتلك القتلة البشعة ، فكبرت ظلامتهم ومصيبتهم.

وهناك بعض الروايات جاءت بهذا المضمون ، منها :

١ ـ قال الإمام علي بن الحسينعليهما‌السلام : «اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة ، وأفضل مسكن في الجنّة لا يسكنها إلاّ الأنبياء والمرسلون ، وأنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدّسة الطيّبة المباركة ، التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة »(٢) .

٢ ـ قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «الغاضرية هي البقعة التي كلّم الله فيها موسى ابن عمران عليه‌السلام ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأبناء نبيّه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية »(٣) .

__________________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٧٧.

٢ ـ كامل الزيارات : ٤٥١.

٣ ـ المصدر السابق : ٤٥٢.

١٨٤

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يقبر ابني بأرض يقال لها : كربلاء ، هي البقعة التي كانت فيها قبّة الإسلام التي نجّا الله عليها المؤمنين ، الذين آمنوا مع نوح في الطوفان »(٢) .

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول :

إنّما صارت مصيبة الإمام الحسينعليه‌السلام من أشدّ المصائب ، لعظم ما جرى فيها من المأساة والظلامات التي لم تجر على أحد من الأئمّةعليهم‌السلام ، بل لم ير مثلها في التاريخ.

__________________

١ ـ نفس المصدر السابق.

١٨٥
١٨٦

اللعن :

( علي ـ أمريكا ـ ٢٧ سنة ـ طالب )

جواز لعن بعض الصحابة :

س : ما هو حكم سبّ الخلفاء الراشدين؟ وإذا كانت الإجابة بالنهي ، إذاً قصّة فاطمة الزهراء عليها‌السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب البيت وغيرها ، هي قصّة غير مؤكّدة.

ج : نقول في الجواب : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين :

١ ـ قسم منهم توفّوا في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

٢ ـ قسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي أوصى بها في عدّة مواطن ، فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ الله تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن منها : قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (١) .

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٧.

١٨٧

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي ـ في مصادر أهل السنّة ـ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها »(١) .

وما روي أيضاً ـ في صحيح البخاري وغيره ـ من أنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي واجدة ـ أي غاضبة ـ على أبي بكر(٢) ، يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

وأمّا قصّة فاطمة الزهراءعليها‌السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب بيتها ، فيمكنك مراجعة المصادر الآتية للتحقّق من صحّة هذه الواقعة : المصنّف لابن أبي شيبة ، تاريخ الطبري ، العقد الفريد ، المختصر في أخبار البشر ، وغيرها من المصادر(٣) .

( أبو محسن ـ الكويت ـ )

من لعنهم الله ورسوله :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما مدى صحّة لعن الصحابة ، وهل هي جائزة؟ ولماذا؟

ج : نحن لا نعمل شيئاً ولا نفعله إلاّ على طبق ما ورد في القرآن الكريم ، أو السنّة الشريفة.

فنحن لا نلعن أحداً من الصحابة إلاّ من لعنه الله تعالى في كتابه العزيز ، أو لعنه الرسول العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الميامينعليهم‌السلام في السنّة الشريفة.

فقد لعن الله تعالى المنافقين والمنافقات في كتابه الكريم بقوله :( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ

__________________

١ ـ الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٥٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٥ / ٨٢ ، مسند أحمد ١ / ٩ ، صحيح مسلم ٥ / ١٥٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٠٠ ، صحيح ابن حبّان ١١ / ١٥٣ و ١٤ / ٥٧٣ ، مسند الشاميين ٤ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣١٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٦٩.

٣ ـ الإمامة والسياسة ١ / ٣٠ ، المختصر في أخبار البشر ١ / ٢١٩ ، العقد الفريد ٥ / ١٣ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٤٣ ، السقيفة : ٥٢ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٥٦ و ٦ / ٤٨ ، الملل والنحل ١ / ٥٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٥٧٢ ، كنز العمّال ٥ / ٦٥١.

١٨٨

عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (١) .

وعليه ، فحقّ لنا أن نلعن كُلّ من ثبت بالأدلّة القطعية نفاقه وفسقه.

كما لعن الله تعالى أيضاً الذين في قلوبهم مرض بقوله :( رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (٢) .

ولعن أيضاً الظالمين بقوله :( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٣) .

فنحن أيضاً نلعن كُلّ من ظلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وبالأخص ابنته المظلومة المغصوب حقّها فاطمة الزهراءعليها‌السلام .

ولعن أيضاً كُلّ من آذى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٤) .

ولاشكّ ولا ريب أنّ المتخلّف عن جيش أُسامة متخلّف عن طاعة رسول الله ، والتخلّف عن طاعة رسول الله يوجب أذى رسول الله ، وأذيّة رسول الله توجب اللعنة بصريح الآية.

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ بعض الصحابة قد تخلّف عن جيش أُسامة فاستحقّ اللعنة.

كما لاشكّ ولا ريب أنّ أذيّة فاطمة الزهراءعليها‌السلام توجب أذيّة رسول الله لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها »(٥) .

وقد نقل ابن أبي الحديد والجوهري : «أنّ فاطمة ماتت وهي غضبى على قوم ، فنحن غضاب لغضبها »(٦) .

__________________

١ ـ الفتح : ٦.

٢ ـ محمّد : ٢٠ ـ ٢٣.

٣ ـ هود : ١٨.

٤ ـ الأحزاب : ٥٧.

٥ ـ الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦٢ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ / ١٥٦.

٦ ـ شرح نهج البلاغة ٦ / ٤٩ و ١٦ ٢٣٢ ، السقيفة : ٧٥ و ١١٨.

١٨٩

هذا كُلّه بالنسبة إلى من لعنهم المولى تعالى في كتابه الكريم ، وهناك أصناف أُخر لعنهم في كتابه فراجع.

وأمّا بالنسبة إلى من لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد لعن كُلّ من تخلّف عن جيش أُسامة(١) .

ولعن أيضاً معاوية وأباه وأخاه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم العن القائد والسائق والراكب » ، فالراكب هو أبو سفيان ، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق(٢) .

ولعنصلى‌الله‌عليه‌وآله عمرو بن العاص بقوله : « اللهم إنّ عمرو بن العاص هجاني ، وقد علم أنّي لست بشاعر ، فالعنه واهجه عدد ما هجاني »(٣) .

كما أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعن آخرين ، ومن هنا جاز لنا أن نلعن من لعنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على فرض عدم جواز لعن بعض الصحابة ، فلماذا بعض الصحابة والتابعين لعنوا بعض أكابر الصحابة؟ من قبيل معاوية ابن أبي سفيان ، فإنّه لعن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام مدّة أربعين سنة من على المنابر ، مع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في عليعليه‌السلام : «من سبّ علياً فقد سبّني »(٤) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : «من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله عزّ وجلّ »(٥) .

__________________

١ ـ الملل والنحل ١ / ٢٣ ، شرح نهج البلاغة ٦ / ٥٢ ، السقيفة : ٧٧.

٢ ـ وقعة صفّين : ٢٢٠.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٢ / ١٨٨ ، كنز العمّال ١٣ / ٥٤٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٦ / ١١٨ ، لسان العرب ١٥ / ٣٥٣.

٤ ـ مسند أحمد ٦ / ٣٢٣ ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المستدرك ٣ / ١٢١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٣٣ ، خصائص أمير المؤمنين : ٩٩ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ / ٦٠٨ ، كنز العمّال ١١ / ٥٧٣ و ٦٠٢ ، فيض القدير ٦ / ١٩٠ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٣٢ و ٣٠ / ١٧٩ و ٤٢ / ٢٦٦ و ٥٣٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩١ ، المناقب : ١٣٧ و ١٤٩ ، جواهر المطالب ١ / ٦٥ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٥٠.

٥ ـ ذخائر العقبى : ٦٥ ، الجوهرة : ٦٦.

١٩٠

كما بالغ مروان بن الحكم في سبّ الإمام عليعليه‌السلام ولعنه ، وانتقاصه حتّى امتنع الإمام الحسنعليه‌السلام عن الحضور في الجامع النبوي(١) .

وأخيراً أنّ للشيعة على لعن بعض الصحابة أدلّة قاطعة.

( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )

دعاء صنمي قريش :

س : ما هو دعاء صنمي قريش؟ الذي تتحدّث عنه بعض الكتب التي صدرت للتشهير بمذهب أهل البيت؟ والذي يحتوي على سبّ ولعن للشيخين وابنتيهما ، وإقرار بأنّهما حرّفا القرآن؟ هل تعتقدون بثبوته؟ وهل صحيح ما يقولونه بعض الأعلام ، فإنّه قد صدّق هذا الدعاء وأقرّه؟

ج : نودّ إعلامكم بأنّ هذا الدعاء قد ذكر في بعض المجامع الروائية ، وكتب الدعاء القديمة ، وقبوله وعدمه مبني على قواعد درائية وأُصول حديثية مختلف فيها عند العلماء سنداً ، كما ولهم في شرحه وبيان معانيه رسائل ، وتحليلات خاصّة قد ذكرت في محلّها ، وما ذكرته من تصديق الأعلام لهذا الدعاء ، لا نعرف له مستنداً ولا شاهداً ، مع بحثنا عن ذلك في مضانّه.

ولا تنسى أنّ أعداء الشيعة يترصّدون كُلّ صغيرة وكبيرة ، ويتوسّلون بكُلّ ذريعة للكيد بالمذهب والتنقيص به ، وليس هذا بجديدٍ منهم.

( إيمان ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

المقصود من لعن بني أُمية قاطبة :

س : ورد في زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام لعن بني أُمية قاطبة ، فهل يعني أنّ اللعنة تشمل جيلهم إلى يومنا هذا؟ وربما أنّ فيهم من تشيّع وليس له يد فيما حصل.

__________________

١ ـ تطهير الجنان واللسان : ١٦٣.

١٩١

ج : ينبغي الالتفات إلى أنّ اللعن يشتمل على معنيين ، أحدهما : البراءة من ذلك الملعون ، ومن ثمّ عمله ، والثاني : الدعاء والطلب من الله تعالى إبعاده عن رحمته ورضاه.

ومقتضى الأوّل ـ وهو البراءة من الملعون ومن عمله ـ يقتضي تشخيص تلك الجهة ومعرفتها ، والإشارة إلى ذلك العمل المتبرأ منه ، كُلّ ذلك يعني الدافع الذي حثّ عليه أهل البيتعليهم‌السلام إلى التأكيد على لعن أعدائهم ، وهذه قضية جديرة بالاهتمام والتمعّن.

من هنا أمكننا تشخيص الجهة والأفراد الذين يشملهم اللعن ، ومقتضى ذلك أن يكون كُلّ فردٍ قد سلك بسلوك أعدائهم ، أو رضي بفعل أُولئك الذين قتلوا وغصبوا ، وأسّسوا أساس الظلم والجور والعدوان.

لذا فإنّنا نعني في اللعن لبني أُمية قاطبة ، أي من تسبّب في قتل أئمّة آل البيتعليهم‌السلام ، ومن رضي بفعلهم ، ألا تجدين اليوم من يبرّر فعل بني أُمية؟ ويلتزم فكرتهم في غصب حقوق آل البيتعليهم‌السلام وقتلهم؟ أي أنّه لا يزال يتربّص لأن يفعل ما فعل آباؤه من الظلم والعدوان.

نعم إنّنا لا نقصد من كان على خير وهدى منهم ، أمثال سعد بن عبد الملك الأموي ، الذي كان ملازماً للإمام الباقرعليه‌السلام ، فكان يسمّيه سعد الخير لجلالته وعلوّ شأنه ، مع أنّه أحد بني أُمية ، ممّا يعني أنّنا بلعننا لهؤلاء لا نقصد من كان على هدى وخير ، وهذا واضح جلي.

( محمّد ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالب جامعة )

لا ينافي التقريب :

س : كيف نقرّب بين المذاهب الإسلامية ، وأهل المذاهب الأُخرى يبغضوننا؟ لأنّنا نسبّ ونشتم ونلعن عمر بن الخطّاب وغيره من الصحابة؟ ألا يحتاج ذلك منّا إلى وقفة لتدارس هذا الأمر والنهي عنه؟

١٩٢

ج : في الجواب نشير إلى بعض المطالب باختصار :

١ ـ الاختلاف بين الشيعة والسنّة حقيقة ثابتة لا يمكن أن ينكرها أحد ، وأنّ التجاهل بهذا الاختلاف ظاهراً ليس هو إلاّ تصنّع لا تحمد عواقبه.

ولكن المهمّ هو أن نعرف كيف نتعامل مع هذا الاختلاف ، والطرح الذي نؤكّد عليه باستمرار هو الحوار الهادئ الأخوي ، واستمرارية هذا الحوار ، مع التأكيد على أُسس الحوار الموضوعي ، فإن توصّل المتحاورون إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فلا يفسد الاختلاف للودّ قضية.

٢ ـ اللعن غير الشتم فلا نخلط بينهما ، إذ اللعن حقيقة ثابتة في القرآن والسنّة ، لأنّ اللعن هو الدعاء على أشخاص أن يطردهم الله من رحمته ، بينما السبّ والشتم قد نهى عنه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّةعليهم‌السلام .

فإذا عرفنا هذا ، علينا أن نعرف حقيقة اللعن أوّلاً ، ثمّ نبحث عن مَن يستحق لهذا اللعن.

هذا ، ونوصيكم بالبحث أكثر والتعمّق في المسائل ، لئلاّ نقع في أخطاء لا تحمد عواقبها بسبب جهل بعض الأُمور.

( ـ ـ سنّي )

السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن :

س : كيف تشتمون وتلعنون معاوية؟ بدلاً من أن تسبّوا شارون أو بوش تلعنون الصحابة؟ احذروا إذا كان معاوية قد أخطأ في حكمه ، أو أي شيء ، فحسابه على الله تعالى ، فكيف توقدون شعلة قد انتهت وانقرضت من زمان؟ وشكراً.

ج : السبّ والشتم والكلام البذيء مرفوض في ديننا دون اللعن ، فإنّه حقيقة ثابتة في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ، ويكفيك مراجعة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن في مادّة « لعن » ، لتقف بنفسك على موارد اللعن في القرآن.

١٩٣

لا يقال : هذا اللعن مختصّ بالله تعالى ، لأنّ الآية تقول :( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (١) .

وهنا حقيقة أُخرى علينا أن نبحثها بحثاً موضوعياً ، وهي هل جميع الصحابة عدول؟ إن قلنا : نعم ، فما هو الدليل؟ هل الدليل لأنّهم معصومون؟ كلاّ ، لم يقول أحد بعصمتهم.

وهل الدليل الآيات القرآنية الواردة في مدح الصحابة؟ أيضاً هذه الآيات لم تدلّ على أنّ جميعهم عدول ، ولا توجد ولا آية واحدة صريحة في عدالتهم جميعاً.

هل الدليل الحديث المشهور : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »؟ وأيضاً فهذا الحديث حكم بوضعه وضعفه وعدم قابليته للحجّية أكثر علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة(٢) .

فإذاً الصحابة ليسوا جميعاً عدول ، وعليه فحالهم حال غيرهم في إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم.

فلا حاجة لنا بأن نخلق المبرّرات لمعاوية بأنّه أخطأ ، وما إلى ذلك من الخزعبلات ، التي ليس وراءها إلاّ إيجاد المبرّرات لأخطاء وقع فيها زعماء الأُمّة العربية ، وهذه المبرّرات هي التي ساقتنا إلى ما نحن عليه اليوم ، حيث الكثير منّا يبحث عن مبرّرات لزعمائه الخونة ، الذين هم في الحقيقة شاركوا شارون في طغيانه وعدوانه على الفلسطينيين ، فلو كنّا من اليوم الأوّل وقفنا أمام الظالمين ولعناهم ، وأعلنا براءتنا من معاوية لما قام به من الظلم والعدوان ، لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه ، ولكن كُلّ ما كان منّا هو خلق المبرّرات ، وهذه تعاستنا.

__________________

١ ـ البقرة : ١٥٩.

٢ ـ أُنظر : تحفة الأحوذي ١٠ / ١٥٥ ، لسان الميزان ٢ / ١٣٧.

١٩٤

( باحث عن الحقيقة ـ ـ سنّي )

البحث فيه يستلزم التجرّد عن كُلّ موروث :

س : إنّكم تجيزون السبّ واللعن للشيخين وابنتيهما.

ج : على كُلّ باحث عن الحقيقة أن يتّبع الدليل ، ومهما كانت النتيجة فيقبلها برحابة صدر ، وإن كانت مخالفة للموروث العقائدي الذي وصل إليه.

تارة نبحث عن أصل اللعن ومشروعيته ، وتارة نبحث عن المصاديق والأفراد الذين يستحقّون اللعن ، وصفات من يستحقّ اللعن ، وفي هذه المسألة علينا أن نجرّد أنفسنا عن كُلّ موروث ونبحث بحثاً موضوعياً ، ثمّ مهما كانت النتيجة نركن إليها ، لأنّنا سمّينا أنفسنا بالباحثين عن الحقيقة ، وكما تعلم : فإنّ قبول الحقّ المخالف لما عليه الفرد صعب ومرّ.

ونوصيك بالبحث والتحقيق بحثاً موضوعياً في كُلّ مسألة تريد الاعتقاد بها.

( ـ السعودية ـ )

معناه ودليل جوازه من الكتاب والسنّة :

س : لديّ عدد من الأسئلة ، أرجو الإجابة عليها بشكل موجز :

١ ـ ما هو معنى اللعن؟

٢ ـ متى يجوز اللعن؟

٣ ـ ما هو الدليل على جوازه من القرآن الكريم؟

٤ ـ ما هو دليل جوازه من سنّة الرسول والمعصومينعليهم‌السلام ؟

٥ ـ هل يوجد دليل عقلي على جوازه؟ وشكراً.

ج : إنّ معنى اللعن هو : الدعاء على شخص أو أشخاص أن يبعدهم الله تعالى ، ويطردهم عن رحمته ، وهو جائز وثابت في الشريعة الإسلامية ، والدليل على جوازه من القرآن الكريم آيات كثيرة ، منها :

١ ـ قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ) (١) .

__________________

١ ـ الأحزاب : ٦٤.

١٩٥

٢ ـ قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (١) .

٣ ـ قوله تعالى :( أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) .

٤ ـ قوله تعالى :( لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) .

٥ ـ قوله تعالى :( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (٤) .

ومن السنّة الشريفة روايات كثيرة منها :

١ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعنة الله على الراشي والمرتشي »(٥) .

٢ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحدث في المدينة حدثاً ، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله »(٦) .

٣ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله »(٧) .

٤ ـ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه »(٨) .

بالإضافة إلى هذا الدليل النقلي ، فقد قام الدليل العقلي على جواز اللعن ، فالعقل يحكم بصحّة وجواز دعاء المظلوم على الظالم ـ بإبعاده عن رحمة الله ـ والغاصب والخائن والقاتل والكاذب وغيرهم.

خصوصاً لمن يظلم آل البيتعليهم‌السلام ، ويغصب حقّهم ، ويقتل شيعتهم ، ويخون في أمانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

١ ـ الأحزاب : ٥٧.

٢ ـ هود : ١٨.

٣ ـ آل عمران : ٦١.

٤ ـ البقرة : ١٥٩.

٥ ـ نيل الأوطار ٩ / ١٧٠ ، المصنّف للصنعاني ٨ / ١٤٨ ، مسند ابن الجعد : ٤٠٦ ، الجامع الصغير ٢ / ٤٠٥.

٦ ـ الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٦.

٧ ـ المحاسن ١ / ٢٣١ ، الكافي ١ / ٥٤.

٨ ـ الملل والنحل ١ / ٢٣.

١٩٦

( شري ـ البحرين ـ ٢٠ سنة ـ طالبة )

حقيقته :

س : هل صحيح سبّ ولعن أبي بكر وعمر وعثمان مباح عندنا نحن الشيعة؟

ج : إذا عرفنا أنّ اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد ، لعنه لعناً ـ من باب نفع ـ : طرده وأبعده(١) ، فإذا قيل لأحد : لعنه الله ، فهو دعاء على هذا الشخص بالطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.

وإذا عرفنا أنّ اللعن حقيقة قرآنية ، وأنّ لفظ اللعن ورد في القرآن في أكثر من ثلاثين آية ، منها :

١ ـ( إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ ) (٢) .

٢ ـ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ ) (٣) .

٣ ـ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) (٤) .

٤ ـ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (٥) .

٥ ـ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) (٦) .

٦ ـ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (٧) .

إذا عرفنا كُلّ هذا ، يكون تشخيص المصداق الخارجي سهل ، يمكن معرفته بأدنى تأمّل في تراجم الأشخاص ، وذلك بمعرفة من تنطبق عليه هذه

__________________

١ ـ لسان الميزان ١٣ / ٣٨٧ ، القاموس المحيط ٤ / ٢٦٧ ، تاج العروس ٩ / ٣٣٤.

٢ ـ الأحزاب : ٦٤.

٣ ـ المائدة : ١٣.

٤ ـ النساء : ٩٣.

٥ ـ الأحزاب : ٥٧.

٦ ـ النساء : ٥٢.

٧ ـ البقرة : ١٥٩.

١٩٧

الآيات : من اللذين كتموا ما أنزل من البينات والهدى ، ومن اللذين آذوا الله ورسوله ، ومن اللذين نقضوا ميثاقهم ؛ فهؤلاء اللذين يستحقون اللعنة :( يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) .

( فاطمة ـ بريطانيا ـ ٢٠ سنة ـ طالبة )

آيات وروايات تنهى عن السبّ :

س : ما هو حكم سبّ من ثبت نصبه لأهل البيت بمطلق السباب ـ باللغة العامية ، أو العربية الفصحى ـ؟ هل هو جائز أو غير جائز؟

ج : قد وردت عندنا روايات وآيات تنهى عن السبّ ، منها : قوله تعالى :( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (١) ، وكذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام ، فقال : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر »(٢) .

وكذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لقنبر ، وقد رام أن يشتم شاتمه : « مهلاً يا قنبر ، دع شاتمك مهاناً ، ترض الرحمن وتسخط الشيطان ، وتعاقب عدّوك »(٣) .

وكذلك قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم »(٤) .

وكذلك قول الإمام الكاظمعليه‌السلام لمّا رآى رجلين يتسابّان : « البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ، ما لم يعتذر إلى المظلوم »(٥) .

وكذلك قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : «المتسابّان ما قالا ، فعلى البادي حتّى يعتدي المظلوم »(٦) .

__________________

١ ـ الأنعام : ١٠٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢١.

٣ ـ الأمالي للشيخ المفيد : ١١٨.

٤ ـ الكافي ٢ / ٣٦٠.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ ميزان الحكمة ٢ / ١٢٣٧.

١٩٨

وكذلك قول الإمام عليعليه‌السلام : «ما تسابّ اثنان إلاّ غلب الأمهما »(١) .

وكذلك قول الإمام الكاظمعليه‌السلام : « ما تساب اثنان إلاّ انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل »(٢) .

وكذلك قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما سأله عياض بن حماد : يا رسول الله ، الرجل من قومي يسبّني وهو دوني ، فهل عليّ بأس أن انتصر منه؟ فقال : «المتسابّان شيطانان يتعاويان ويتهاتران »(٣) .

فعلى الإنسان أن يترفّع عن السبّ ، وإن كان جائزاً ، لما عرف من الآيات والروايات الناهية عن السبّ.

ولكن هناك فرق بين السبّ واللعن ، وقد أوضحنا ذلك في موقعنا ، تحت عنوان الأسئلة العقائدية : السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن.

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٩ / ٢٠٤.

٢ ـ ميزان الحكمة ٢ / ١٢٣٧.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

١٩٩
٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

السقيفة، فعارضها أهل البيت وجماعة من الأنصار والمهاجرين، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فكان الهجوم على بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلى يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الإسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

- قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة ص ١٨٠

فهنا مقصدان: المقصد الأول، في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان: الأول، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني، إعراض إخواننا أهل السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الإعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) إلا دون ما يرجعون فيه إلى مقاتل بن سليمان المجسم المرجيء الدجال، وعدم الإحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهى.

وإنى لأعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد، الذين بحثوا في توحيد الله تعالى وصفاته، ورووا حتى عن أقل الصحابة والتابعين، برهم وفاجرهم، وعن

٢٨١

اليهود والنصارى، معتدلهم ومتطرفهم.. كيف لم يطلعوا على الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام وكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد كانت هذه الخطب والأحاديث وما تزال في متناولهم، مودعة في المصادر المختلفة، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شيء من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضى قاعدة (إحمل أخاك المسلم على الأحسن) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الأكبر من جرأة بعض إخواننا على تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم، واتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

وتواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

- قال السمعاني المتوفى ٥٦٢ في كتابه الأنساب ج ٥ ص ٦٤٣

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة، وهم الهشامية الأولى والأخرى. أما الأولى فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم، وكان يقول إن معبوده جسم ذو حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الأخرى فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، وكان يزعم أن معبوده جسم، وأنه على صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإنسان ويد ورجل وسائر الأعضاء، وأن نصفه الأعلى مجوف، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة

٢٨٢

الفضة، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه، ويكفرهما غيرهما. انتهى.

وقد وصل الأمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شيء من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الأنساب ج ٥ ص ٤٣: الكرامي: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلى أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري.... من أهل نيسابور، ثم أزعج عنها وانتقل إلى بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روى عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكى عنه من الزهد والتقشف أشياء، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم، وذكر في كتاب له سماه (عذاب القبر) في وصف الرب عز وجل، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر، فشارك النصارى في وصفه إياه بالجوهر، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص، وأنه مماس لعرشه من فوقه، وهكذا حكي عنه. انتهى. ولكن من حكي عنه، ومن أين أخذ ما نقله عنه.. هذا ليس مهماً عند من يريد الاتهام.

- وقال المسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ١٠٣، ١٠٤

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه على مذهبه، وكان أبو الهذيل يذهب إلى نفي التجسيم ورفض التشبيه.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ١٤٢

الملل والنحل، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القارئ ملتحداً عن

٢٨٣

تفنيدها، فإليك نماذج منها:

١ - قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

٢ - قال في حق علي: إنه إله واجب الطاعة..

٣ - وقال هشام بن سالم: إن الله على صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

٤ - وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

٥ - قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور على صورة إنسان، ويأبى أن يكون جسماً.

٦ - وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ ص ٨٩

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنه أبعد منه عن أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السلام على المؤمنين إنما يقولون السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح على الخفين، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد على قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة.

٢٨٤

اليهود لا تسجد حتى تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلى الشيعة شعورك الحر، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلى الله المشتكى.

- وقال الأميني في الغدير ج ٣ هامش ص ٩٠ واصفاً كتاب الإنتصار لعبد الرحيم الخياط:

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزى إليه على عدد صفحاته ١٧٣ الصفحة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص على العجب العجاب، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة، وإنا نرجىَ إيقافك عليها إلى ظفرك بالكتاب نفسه، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الأساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلى تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال:

١ - الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل، وأنه كان غير عالم فعلم.... إلى أن قال: هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم، فأما جملتهم ومشا يخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعلي بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منور، والسكاك، فقولهم ما حكيت عنهم.

٢ - الرافضة تقول وهي معتقدة: إن ربها جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

٣ - فهل على وجه الأرض رافضي إلا وهو يقول: إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات، ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

٢٨٥

وتضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم وحرّية الفكر

- قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام ج ١ ص ٤٢٤

- الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

- وقال في تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٥٨

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلى ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً.. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

- فتاوى الألباني ص ٤٤١

إن الإسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفى.. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة... والشيعة والرافضة، كل هؤلاء يدعون الإسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الإسلام وتقديمه للناس.

- وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة ، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الأولى، وأوصت بجعله مصدراً (أكاديمياً) في جامعات المملكة، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة!

قال القفاري في ج١ ص ٨٧:

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول: إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام. انتهى.

٢٨٦

وكأن هذا (الباحث) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم، ونظّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة، وما زالوا، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفى سنة ١١١١ هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الإصفهاني السني المتوفى سنة ٤٣٥ هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتى أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولى بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية، الأجداد السنيون أم الأبناء الشيعيون!

على أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً، ولابد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويرى من أين جاءت ومن تبناها، ومن وقف ضدها.. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة، ودرجت في قصورها ومساجدها، وتربت على يد كبار شخصياتها، وأن أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم وقفوا ضدها، وأفتوا بأنها دخيلة، وأن آباءها يهوداً!!

* *

٢٨٧

الفصل الثامن

تفسير مقارن للآيات المتعلّقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ . الأنعام ١٠٢ - ١٠٣

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ . الشورى - ١١

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا . طه - ١١٠

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . البقرة - ٢٢

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ . الأعراف - ١٤٣

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ .. البقرة - ٥٥

٢٨٨

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا . النساء - ١٥٣

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا . الفرقان ٢١ - ٢٢

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . الإخلاص ١ - ٤

الآيات المتشابهة التي استدلّوا بها على الرؤية

كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ . القيامة ٢٠ - ٢٥

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُون * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . القلم ٣٩ - ٤٣

آيات: استوى على العرش

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

٢٨٩

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد أوردنا عدداً من الأحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية، لأنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

* *

٢٩٠

تفسير آية: لا تدركه الأبصار

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .الأنعام. ١٠٢ - ١٠٣

النبي وآله يقولون: لا تدركه الأبصار ولا.. الأوهام

- روى الصدوق في التوحيد ص ٣٩٨

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكلرضي‌الله‌عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثني محمد بن أبي بشير، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟

قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله، كيف هو؟

قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف، لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال: فأين هو؟

قال: إن ربي لا يوصف بالأين، لأن الأين مخلوق وهو أينه.

قال: فهل رأيته يا محمد؟

قال: إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام.

قال: فبأي شيء نعلم أنه موجود؟

قال: بآياته وأعلامه.

٢٩١

قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال: فكيف خروج الأمر منه؟

قال: بإحداث الخطاب في المحال.

قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال: بلى.

قال: فبأي شيء اصطفى منهم قوماً لرسالته؟

قال: بسبقهم إلى الإقرار بربوبيته.

قال: فلم زعمت أنك أفضلهم

قال: لأني أسبقهم إلى الإقرار بربي عز وجل؟

قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال: لا.

قال: ولم؟

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلى؟

قال: نعم إنه يقول عز وجل: وما ربك بظلام للعبيد، ويقول:إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعالمين ، ويقول:وما الله يريد ظلماً للعباد .

قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوحعليه‌السلام وفيهم الأطفال؟

فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالى عن الظلم والجور علواً كبيراً.

٢٩٢

قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال: يخلده على نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره على نيته، ونيته في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لأطاع الله أبداً، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عز وجل يقول: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً .

قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب، واسمه في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً، والله إني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

- وروى الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٨

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:لا تدركه الأبصار ، قال: إحاطة الوهم، ألا ترى إلى قوله:قد جاءكم بصائر من ربكم ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها، ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يرى بالعين....

٢٩٣

محمد بن أبي عبد الله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسى، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما تقرأ القرآن قلت بلى، قال أما تقرأ قوله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار قلت بلى، قال: فتعرفون الأبصار قلت: بلى، قال: وما هي قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام.

- وروى النيسابوري في روضة الواعظين ص ٣٣

عن الإمام الرضاعليه‌السلام في قول الله عز وجل:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، قال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل يرى الله في المعاد؟ فقال: سبحان الله تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيرا، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير: دخلت على سيدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقلت له: يابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي

٢٩٤

لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان،و لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ، وهو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادقعليه‌السلام هل لله تعالى رضى وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاًعليه‌السلام : إن الله تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والإنتقال، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

- وروى المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٤٦

نص: الحسين بن علي، عن هارون بن موسى، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رأى ربه، على أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، على أي صورة يرونه؟ فتبسمعليه‌السلام ثم قال: يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قالعليه‌السلام : يا معاوية إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وإن الرؤية على وجهين: رؤية القلب، ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو

٢٩٥

مصيب ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شبه الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال: وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. فإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير. وقوله: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً، وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسى صعقاً، أي ميتاً، فلما أفاق ورد عليه روحه، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك ترى، ورجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك، وأنا أول المؤمنين، وأول المقرين بأنك ترى ولا ترى، وأنت بالمنظر الأعلى.

ثم قالعليه‌السلام : إن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوته، وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر....

ثم قال: يا معاوية جعلت لك أصلاً في هذا فاعمل عليه، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالى يرى بالبصر.

٢٩٦

قال: وقد قالوا أعجب من هذا، أولم ينسبوا آدمعليه‌السلام إلى المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيمعليه‌السلام إلى ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داودعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلى ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسىعليه‌السلام إلى ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما نسبوه من حديث زيد!

أولم ينسبوا علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا على أعقابهم، أعمى الله أبصارهم كما أعمى قلوبهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٣ وص ٣٩ وفيه (إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه، وهو يدرك الأوهام).

- وروى نحوه في بحار الأنوار ج ٤ ص ٢٩ وفيه (لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسيرحمه‌الله :

بيان: هذه الآية إحدى الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين:

أحدهما: أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسناداً للفعل إلى الآلة، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعنى اتحاد المفهومين أو تلازمهما، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير، وبشهادة استعمال الفصحاء، وصحة الإستثناء، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالى وهو محال.

واعترض عليه: بأن اللام في الجمع لو كان للعموم والإستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية، وقد دخل عليها النفي، فرفعها وهو رفع الإيجاب الكلي، ورفع الإيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تدركه الأبصار

٢٩٧

سالبة مهملة في قوة الجزئية، فكان المعنى لا تدركه بعض الأبصار، ونحن نقول بموجبه حيث لا يراه الكافرون، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات فيحمل على نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الأدلة.

والجواب: أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلى باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالى: وما الله يريد ظلماً للعباد، وما على المحسنين من سبيل، حتى أنه لم يرد في سياق النفي في شيء من الكتاب الكريم إلا بمعنى عموم النفي، ولم يرد لنفي العموم أصلاً، نعم قد اختلف في النفي الداخل على لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعنى الذي ذكرنا كقوله تعالى: والله لا يحب كل مختال فخور، إلى غير ذلك، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا يخفى فساده، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها على بعض، وهو أحد الأدلة على العموم عند علماء الأصول.

وأيضاً صحة الإستثناء دليل عليه، وهل يمنع أحد صحة قولنا: ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة، ولا أكلمه إلا يوم العيد، وقال تعالى: ولا تعضلوهن، إلى قوله: إلا أن يأتين. وقال: ولا تخرجوهن، إلى قوله إلا أن يأتين.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلى ذاته تعالى فهو للتأبيد وعموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الأبصار جميعاً لشيء لا يختص بشيء من الموجودات، خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات، فلا يختص به تعالى، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شيء من الأبصار له في شيء من الأوقات.

وثانيهما: أنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالى عنه، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل، والثاني عدل، وكلاهما كمال.

٢٩٨

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٩

ولا يجوز عليه تعالى الرؤية بالبصر، لأن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة، أو في حكم المقابل، والمقابلة يستحيل عليه لأنه ليس بجسم، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لأنه ليس بعرض على ما بيناه.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده، لأن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالى لأنه من صفات الأجسام والجواهر.

وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشيء من الحواس الباقية، فلا وجه للتطويل بذكره، والحاسة السادسة غير معقولة، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.

وأيضاً قوله تعالى: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، دليل على استحالة رؤيته، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، كقوله: لا تأخذه سنة ولا نوم، وقوله تعالى: ما اتخذ الله من ولد، وقوله تعالى: ولم تكن له صاحبة ولا ولداً، وقوله تعالى: لا يظلم الناس شيئاً، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي، فكان إثباته نقصاً. والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح، والإدراك في الآية بمعنى الرؤية، لأنه نفى عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو يدرك الأبصار.

وقوله: وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة، لا يعارض هذه الآية، لأن النظر المذكور في الآية معناه الإنتظار، فكأنه قال: لثواب ربها منتظرة.

ومثله قوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة، أي منتظرة. وليس النظر بمعنى الرؤية في شيء من كلام العرب، ألا ترى أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره،

٢٩٩

فيثبتون النظر وينفون الرؤية، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة، ويقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يقولون: ما زلت أراه حتى رأيته. ولو سلم أن النظر بمعنى الرؤية لجاز أن يكون معناه: إلى ثواب ربها رائية، وثواب الله يصح رؤيته.

ويحتمل أن تكون إلى في الآية واحد الآلاء، لأنه يقال إلى وإلي وألي، وإنما لم تنون لمكان الإضافة، فتكون إلى في الآية إسماً لا حرفاً، فتسقط بذلك شبهة المخالف.

وقول موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر اليك، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه على ما حكاه الله عز وجل في قوله: فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة، فسأل الله تعالى ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.

ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه، وللأنبياء أن يسألوا تخفيف البلوى في التكليف، كما سأل ابراهيمعليه‌السلام فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهى. ويؤيد الوجه الأخير الذى ذكره الشيخ الطوسيرحمه‌الله تركيب الآية: أرني أنظر اليك، ولم يقل أنظرك، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد اللّه تعالى.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٢٢٣

قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير . الأنعام ١٠٣

في هذه الآية دلالة واضحة على أنه تعالى لا يرى بالأبصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً، والنقص لا يليق به تعالى. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.

وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء: أحدها، أنه تعالى تمدح بالآية. والثاني أن الإدراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667