موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة11%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296965 / تحميل: 6703
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

متعة الحجّ :

( ـ ـ )

ماهيّتها وتحريم عمر لها :

س : شكراً على المجهود الذي تبذلونه من أجل نشر مذهب أهل البيت ، ووفّقكم الله إلى ذلك ، وأرجو منكم وبدون مزاحمة أن توضّحوا لي : ما المقصود بمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين

ج : ينقسم الحجّ إلى ثلاثة أقسام : حجّ إفراد ، وحجّ قِران ، وحجّ تمتّع ، ولكُلّ قسم أحكامه وخصائصه ، وقد كان القسمان الأوّل والثاني ـ أي الإفراد والقِران ـ معروفين حتّى حجّة الوداع ، حيث هبط جبرائيل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعلمه بقسم ثالث من الحجّ ، وهو حجّ التمتّع.

وحجّ التمتّع : أن يحرم من الميقات ، ويأتي مكّة محرماً ، فيطوف حول البيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي صلاة الطواف ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة ، ويقصّر فيحل من إحرامه ، فإذا أحلّ من إحرامه حلّ له كُلّ شيء من النساء والطيب ، وكُلّ تروك الإحرام.

وهذه الفترة بين عمرته ـ هي عمرة التمتّع ـ حتّى الوقوف بعرفة تسمّى متعة الحجّ ، فيتمتّع الحاج خلال هذه الفترة بكُلّ ما كان محظوراً عليه من تروك الإحرام ، فهذه هي متعة الحجّ.

٢٠١

وقد عارض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك عمر بن الخطّاب حيث قال : كيف نحلّ يا رسول الله ونتمتّع بالنساء والطيب وغير ذلك؟! وأصرّ عمر أن لا يفعلها!! وأعلن تحريمها عند خلافته ، كما اعترفت بذلك صحاح أهل السنّة.

روى البخاري : « عن عمران بن حصين : تمتّعنا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء »(١) .

وقال العسقلاني : « قال رجل برأيه ما شاء هو عمر بن الخطّاب لا عثمان بن عفّان ، لأنّ عمر أوّل من نهى عنها ، فكان مَن بعده تابعاً له في ذلك »(٢) .

وروى أحمد : « عن أبي موسى أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، حتّى لقيه فسأله ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبيّ قد فعله وأصحابه ، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم »(٣) .

وهذه مخالفة واضحة صريحة من عمر بن الخطّاب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أحكامه ، وهو يعلم أنّ رسول الله( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٤) .

فماذا تعني هذه المخالفة وهذا الرأي قبال حكم الله ورسوله؟!

( إبراهيم ـ ـ ٢٧ سنة )

أدلّتها ومن نهى عنها :

س : الرجاء بيان المقصود من حجّ التمتّع؟ وما الدليل عليه؟ ومن نهى عنه؟ ولكم جزيل الشكر.

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ١٥٣ و ٥ / ١٥٨.

٢ ـ إرشاد الساري ٤ / ٨٨.

٣ ـ مسند أحمد ١ / ٥٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٥ / ٢٠ ، فتح الباري ٣ / ٣٣٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٢ / ٣٤٩ ، صحيح مسلم ٤ / ٤٥ ، سنن ابن ماجة ٢ / ٩٩٢.

٤ ـ النجم : ٣ ـ ٤.

٢٠٢

ج : المقصود من حجّ التمتّع هو : إحرام الشخص بالحجّ في أشهره المعروفة ـ شوّال وذي القعدة وذي الحجّة ـ والإتيان بأعمالها ، وهو الإحرام من الميقات بالعمرة إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف بالبيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف في مقام إبراهيم ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ يقصر ، بأن يقلّم شيئاً من أظفاره ، أو يأخذ شيئاً من شعره ، فيحلّ له حينئذ جميع ما حرّم عليه بالإحرام.

ثمّ ينشئ بعد ذلك إحراماً للحجّ من مكّة يوم التروية ، والإتيان بأعماله من الوقوف بعرفات ، والإفاضة إلى المشعر الحرام الخ.

ويصحّ هذا النوع من الحجّ ممّن كان آفاقياً ، أي من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، بحيث يبتعد بيته عن مكّة بمقدار يجوز فيه تقصير الصلاة ، والمسافة هي عند الإمامية ( ٤٨ ) ميلاً من كُلّ جانب ، وهي لا تتجاوز عن ( ١٦ ) فرسخاً.

وقد تظافرت الروايات المروية عند الفريقين أنّ متعة الحجّ ورد ذكرها وأحكامها في القرآن ، وهو قوله تعالى :( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١) .

وتفسير الآية الشريفة : إنّ من( تَمَتَّعَ ) بسبب الإتيان( بِالْعُمْرَةِ ) بما يحرم على المحرم ـ كالطيب والمخيط والنساء ـ ومتوجّهاً( إِلَى الْحَجِّ ) ،( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي عليه ما استيسر من الهدي من البدنة أو البقرة أو الشاة ، ثمّ تبيّن الآية الشريفة حكم من لم يقدر على ذلك ، وهو الصيام عشرة أيّام.

وكيفية الصيام هي( ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) متواليات و( وَسَبْعَةٍ إِذَا

__________________

١ ـ البقرة : ١٩٦.

٢٠٣

رَجَعْتُمْ ) إلى أوطانكم( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ،( ذَلِكَ ) التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فرض( لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي لم يكن من أهل مكّة وقُراها( وَاتَّقُواْ اللهَ ) فيما أُمرتم به ، ونُهيتم عنه في أمر الحجّ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

والآية صريحة في جواز التمتّع بمحظورات الإحرام بعد الإتيان بأعمال العمرة ، وقبل الإحرام للحجّ ، ولم يدّع أحد أنّ الآية نسخت بآية أُخرى ، أو قول أو فعل من قبل النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أكّدها وأمر بها.

روى أحمد : « عن عائشة زوج النبيّ قالت : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الحجّ ، لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، ولا يذكر الناس إلاّ الحجّ ، حتّى إذا كان بسرف وقد ساق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معه الهدي ، وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلّوا بعمرة إلاّ من ساق الهدي ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكّة ، فحلّ كُلّ من كان لا هدي معه ، وحلّ نساؤه بعمرة »(١) .

وروى ابن هشام : عن حفصة ابنة عمر قالت : لمّا أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نساءه أن يحللن بعمرة قلن : فما يمنعك يا رسول الله أن تحلّ معنا؟ فقال : «إنّي أهديت ولبدت ، فلا أحلّ حتّى أنحر هديي »(٢) .

وتظافرت الروايات حول هذه الواقعة وما أمر به النبيّ ، وسنذكر هنا قسماً منها.

١ ـ روى ابن داود : عن جابر بن عبد الله : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة : يطوفوا ، ثمّ يقصّروا ، ويحلّوا ، إلاّ من كان معه الهدي ، فقالوا : أفنطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟! فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت »(٣) .

__________________

١ ـ مسند أحمد ٦ / ٢٧٣ ، تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٠١.

٢ ـ السيرة النبوية لابن هشام ٤ / ١٠٢١.

٣ ـ سنن أبي داود ١ / ٤٠٢.

٢٠٤

٢ ـ روى مسلم : « عن أبي رجاء قال : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله ـ يعني متعة الحجّ ـ وأمرنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ، ولم ينه عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء »(١) .

وكان عمر بن الخطّاب أوّل من نهى عنها ، وبهذا تواترت الأخبار ، منها :

١ ـ روى الطبراني : « عن سعيد بن المسيّب : إنّ عمر بن الخطّاب نهى عن المتعة في أشهر الحجّ وقال : فعلتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنها ، وذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً في أشهر الحجّ ، فإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ، ثمّ يقدم فيطوف بالبيت ويحلّ ويلبس ويتطيّب ويقع على أهله إن كانوا معه ، حتّى إذا كان يوم التروية أهل بالحجّ ، وخرج إلى منى يلبّي بحجّة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلاّ يوماً ، والحجّ أفضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الإزار »(٢) .

٢ ـ روى ابن حزم : « ثمّ اتفق أيوب وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطّاب : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهى عنهما وأضرب عليهما ، هذا لفظ أيّوب ، وفي رواية خالد : أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحجّ »(٣) .

٣ ـ روى أحمد : « عن جابر قال : مُتعتان كانتا على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهانا عنهما عمر فانتهينا »(٤) .

ولا نريد الاستطراد أكثر من هذا في ذكر الروايات التي أكّدت أنّ عمر بن الخطّاب نهى عن متعة الحجّ ، وأنّه كان يعاقب عليها ، وهي جزء من التشريع ، وسنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٤ / ٤٨.

٢ ـ مسند الشاميين ٣ / ٣٢٠ ، كنز العمّال ٥ / ١٦٤.

٣ ـ المحلّى ٧ / ١٠٧.

٤ ـ مسند أحمد ٣ / ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣.

٢٠٥

( ـ الكويت ـ ٢٠ سنة )

موقف المسلمين من نهي عمر :

س : اخوتي الأعزّاء : ما هو موقف المسلمين من نهي عمر لمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد عارض المسلمون هذا النهي الصريح من عمر ، وإليك الروايات الدالّة على ذلك مختصرة :

١ ـ روى مالك : « عن محمّد بن عبد الله ، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص ، والضحّاك بن قيس ، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك بن قيس : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر الله عزّ وجلّ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه »(١) .

وللقارئ أن يمعن جيّداً في قول الضحّاك : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر الله عزّ وجلّ ، إذ إنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هي من أوامر الله الصريحة في القرآن الكريم ، لكنّها أصبحت عنده بسبب نهي عمر عنها مخالفة لأمر الله!!

وهذا من أسوأ آثار البدعة في الدين ، إذ تتحوّل الشريعة إلى بدعة عند الجهلة.

٢ ـ روى الترمذي : « عن ابن شهاب : أنّ سالم بن عبد الله حدّثه : أنّه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال عبد الله بن عمر : حلال.

فقال الشامي : إنّ أباك قد نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر أبي يتبع أم أمر رسول الله؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله ، فقال : لقد صنعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

__________________

١ ـ الموطّأ ١ / ٣٤٤ ، الجامع الكبير ٢ / ١٥٩.

٢ ـ الجامع الكبير ٢ / ١٥٩ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٤١٥.

٢٠٦

٣ ـ عن ابن تيمية : « وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة ، فقال له : قال أبو بكر وعمر ، فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتقولون : قال أبو بكر وعمر »(١) .

٤ ـ روى الهيثمي : « عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن ينهى عن متعة الحجّ ، فقال له أُبي : ليس ذلك لك ، قد تمتّعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأضرب عمر »(٢) .

لكن هذا الإضراب كان مؤقّتاً ، فقد نهى عنها فيما بعد.

ثمّ إنّ المتأخّرين قاموا بحفظ كرامة عمر ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وأوّلوا نهي عمر بوجهين :

١ ـ قال القرطبي : « وذلك أن يحرم الرجل بالحجّ حتّى إذا دخل مكّة ، فسخ حجّه في عمرة ، ثمّ حلّ وأقام حلالاً حتّى يهل بالحجّ يوم التروية »(٣) .

وهذا كما ترى ، لا يوافق ما مرّ من النصوص ، خصوصاً ما نقلناه من المناظرة بين سعد والضحّاك بن قيس ، ومن وقف على النصوص الكثيرة ، والمناظرة الدائرة بين النبيّ وأصحابه ، وبين الصحابة أنفسهم يقف على أنّه نهى عن حجّ التمتّع.

روى البخاري : عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي ـ أي النهي ـ أهل بهما : لبيك بعمرة وحجّة قال : «ما كنت لأدع سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد »(٤) .

٢ ـ إنّ نهي عمر عن متعة الحجّ لأجل اختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول الله فحسب.

__________________

١ ـ الفتاوى الكبرى ٢ / ٤٦٠.

٢ ـ مجمع الزوائد ١ / ٢٨٥.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢.

٤ ـ صحيح البخاري ٢ / ١٥١.

٢٠٧

ويكفينا في الردّ عليه ما نقله ابن القيّم : « فإنّ هذه الآثار ـ أي الدالّة على الاختصاص بالصحابة ـ بين باطل لا يصحّ ، عمّن نسب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تعارض به نصوص المعصوم »(١) .

ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : « لا بل للأبد »(٢) .

قال العيني في قوله تعالى :( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٣) : « وهذا عام ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتّع في جميع الأعصار ، وإنّما اختلفوا في فضله ، وأمّا السنّة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصّة أو هي للأبد؟ قال : « هي للأبد » ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحجّ نحو هذا.

ومعناه : أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ، ولا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، فجوّزوا ، فبيّن النبيّ أنّ الله قد شرع العمرة في أشهر الحجّ ، وجوّز المتعة إلى يوم القيامة »(٤) .

__________________

١ ـ زاد المعاد ٢ / ١٩١.

٢ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٣ / ١١٤ ، صحيح مسلم ٤ / ٣٧.

٣ ـ البقرة : ١٩٦.

٤ ـ عمدة القاري ٩ / ٢٨٤.

٢٠٨

متعة النساء :

( ندى ـ ـ )

في الكتاب والسنّة :

س : ما هو البرهان من القرآن والسنّة الصحيحين على جواز المتعة؟

ج : لاشكّ ولا ريب في تشريع متعة النساء ـ الزواج المؤقت ـ في الإسلام ، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وإنّما الخلاف بين المسلمين في نسخها أو عدمه؟ فذهب أهل السنّة إلى أنّها منسوخة ، واستدلوا لذلك بعدّة روايات متعارضة فيما بينها ، بينما ذهبت الشيعة إلى بقاء هذا التشريع المقدّس وعدم نسخه لا من القرآن ولا السنّة.

وقبل التطرّق إلى الأدلّة نودّ القول : أنّ زواج المتعة ما هو إلاّ قضية فقهية ثابتة عند قوم ، وغير ثابتة عند آخرين ـ كسائر القضايا والأحكام الفقهية الأُخرى التي يمكن الاختلاف فيها ـ فليس من الصحيح التشنيع والتشهير بالشيعة وجعل زواج المتعة أداة لذلك ، فإنّ هذه الأساليب غير العلمية تكون سبباً للفرقة بين المسلمين ، في الوقت الذي تتركّز حاجتنا إلى لمّ الشعث ورأب الصدع.

وأمّا ما دلّ على مشروعيتها في القرآن الكريم قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، فقد روي عن جماعة ـ من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه ـ التصريحُ

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢٠٩

بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، منهم : عبد الله بن عباس ، وأُبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة(١) .

وما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة :

أخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٢) .

مضافاً إلى ذلك الإجماع المنقول ، نصّ على ذلك القرطبي حيث قال : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ، ثمّ نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكامه(٣) .

وكذا الطبري ، فقد نقل عن السدّي : هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى(٤) .

وعن ابن عبد البرّ في التمهيد : وأجمعوا أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه ولا ولي ، وإنّه نكاح إلى أجلٍ ، تقع فيه الفرقة بلا طلاق ، ولا ميراث بينهما(٥) .

__________________

١ ـ أُنظر : صحيح البخاري ٦ / ١٢٩ ، جامع البيان ٥ / ١٨ ، معاني القرآن : ٦١ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٨٤ ، نواسخ القرآن : ١٢٤ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، فتح القدير ١ / ٤٤٩ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٥ ، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧١ ، سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٠٨.

٢ ـ المائدة : ٨٧ ، وأُنظر : مسند أحمد ١ / ٤٣٢ ، صحيح البخاري ٦ / ١١٩ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٧٩ و ٢٠٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٧١ و ٣٩١ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٣٣٧ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٢٦٠ ، صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٤٩.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٢.

٤ ـ جامع البيان ٥ / ١٨.

٥ ـ التمهيد ١٠ / ١١٦.

٢١٠

وما زالت متعة النساء سارية المفعول مباحة للمسلمين زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزمن أبي بكر ، وشطراً من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال : مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما ، وقد أورد مقالته هذه جمهرة من الكتّاب والحفّاظ في كتبهم(١) .

فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الإسلام ، ومات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي بعد مشرّعة غير محرّمة ، حتّى حرّمها عمر في أيّام خلافته.

( قيس ـ الدانمارك ـ )

أنواع الزواج وشروطه :

س : ما هي أنواع الزواج في الإسلام؟ وما هي شروطه؟

ج : في نظر الشيعة الإمامية أنّ الزواج الثابت في الإسلام هو : الزواج الدائم ، والزواج المؤقت ـ المتعة ـ ولا يوجد في زماننا اتصال واقتران بين الزوجين شرعي إلاّ من خلال هذين الزواجين.

وأمّا شروطهما فهي :

١ ـ يشترط في كليهما التلفّظ بصيغة عقد الزواج من الإيجاب والقبول.

ففي الدائم تقول المرأة للرجل : زوّجتكَ نفسي ـ أو أنكحتك نفسي ـ على المهر المعلوم.

فيقول الرجل لها : قبلت.

__________________

١ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، معرفة السنن والآثار ٥ / ٣٤٥ ، الاستذكار ٤ / ٦٥ و ٥ / ٥٠٥ ، التمهيد ٨ / ٣٥٥ و ١٠ / ١١٣ و ٢٣ / ٣٥٧ و ٣٦٥ ، المحلّى ٧ / ١٠٧ ، المبسوط للسرخي ٤ / ٢٧ ، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٧ / ٥٣٧ ، شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٦ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٣٣٨ و ٣٥٤ و ٣ / ٣١٢ ، التفسير الكبير ٤ / ٤٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤١.

٢١١

وفي المؤقت تقول المرأة للرجل : متّعتك نفسي ـ أو أنكحتك نفسي ـ على المهر المعلوم في المدّة المعلومة.

فيقول الرجل لها : قبلت.

٢ ـ يشترط في كليهما تعيين المهر.

ولا فرق بين أن يكون المهر مالاً ـ كألف دينار أو درهم ـ أو غير مال ، كمنفعة أو عمل أو تعليم أو غير ذلك.

٣ ـ يشترط في كليهما إذن الولي على الأحوط عند المشهور ـ الأب والجد من طرف الأب ـ إذا كانت البنت بكراً ، ولا يشترط في كليهما إذن الولي إذا كانت المرأة ثيّباً.

٤ ـ يشترط في كليهما العدّة بالمدخول بها ، لمن تريد أن تتزوّج ثانية.

٥ ـ يشترط في الدائم النفقة على الزوجة ، ولا يشترط في المؤقت إلاّ مع الشرط ضمن العقد.

٦ ـ يشترط في المؤقت ذكر مدّة التمتّع ، كسنة أو شهر أو يوم أو غير ذلك.

٧ ـ يشترط في الدائم التوارث بين الزوجين دون المؤقت.

٨ ـ يشترط الإشهاد في طلاق الزوجة الدائمة.

٩ ـ لا طلاق في زواج المؤقت ، وإنّما تبين المرأة بانقضاء المدّة المقرّرة ، أو بهبة بقية المدّة لها.

١٠ ـ لا يشترط في كليهما الإشهاد حال العقد ، بل هو أمر مستحبّ.

( شاكر أحمد ـ السعودية ـ سنّي )

جوازها :

س : ما هو الدليل لجواز زواج المتعة؟ وهل ترضى أن تطبّقها على أُختك أو ابنتك؟

٢١٢

ج : الشيعة تستدلّ بالكتاب والسنّة الشريفة على إباحته ، وأنّ هذا الزواج كان مباحاً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعهد أبي بكر ، وشطراً من عهد عمر ، إلى أن حرّمه عمر بن الخطّاب ، وعمر هو من رواة حديث جواز المتعة ، حيث قال : « مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرّمهما » ، فالشيعة تأخذ بروايته وتترك درايته.

وأمّا قولك : هل ترضى أن تطبّقها ، فنقول : إنّ هذا الحكم مباح ، والإباحة ليست فيها إلزام بالعمل ، وكم من مباحات نتركها أو لا ترضاها عاداتنا وتقاليدنا ، وعلى سبيل المثال نقول : قال تعالى :( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) (١) ، فهي صريحة في جواز تعدّد الزوجات ، فهل ترضى أن تزوّج أُختك إلى من له ثلاث زوجات؟ مع أنّ في جوازه نصّ قرآني صريح.

( عبد الله المحمّدي ـ السعودية ـ )

كيفية صيغتها :

س : أودّ الإفادة عن زواج المتعة بالبكر والثيّب ، وكيفية نطقه وشروط صحّتهما ، وهل يجوز التمتّع بمن لا تعتقد بزواج المتعة؟

ج : المشهور بين فقهاء الإمامية هو : عدم جواز التمتّع بالبكر غير الرشيدة ، إلاّ بإذن وليّها.

أمّا الرشيدة ، فالمسألة خلافية بين الفقهاء ، بين مجيزٍ وناهٍ ، ومعلّق ذلك على إذن الولي ، وبذلك يلزم رجوع المكلّف إلى مقلّده في هكذا أحكام شرعية ، هذا عن التزويج بالبكر.

أمّا الزواج بالثيّب ، فلا إشكال في جوازه ومشروعيته.

__________________

١ ـ النساء : ٣.

٢١٣

أمّا كيفية نطقه وشروط صحّته : فيشترط فيه تعيين المدّة والمهر ، وعدم كونها في عدّة آخر ، كأن تقول للرجل : متّعتك نفسي ـ أو أنكحتك نفسي ـ في المدّة المعلومة على المهر المعلوم ، وتلحظ حين قولها : المدّة المعلومة ، شهراً أو سنة أو يوماً ، أو غير ذلك ممّا تعاقدا عليه من الزمن في التمتّع ، وفي حين قولها : المهر المعلوم ، تلحظ ما تعاهدا عليه من مال ـ كألف دينار أو درهم ـ أو ما له المالية ـ كالسجّاد والتعلّم ـ أو غير ذلك ممّا لحظوه في العقد.

ويلزم على المرأة أن تعني بكلامها الإنشاء لا الإخبار ، ويقول الرجل ـ حين سماعه بكلام المرأة ـ : قبلتُ.

وأمّا اللاتي لا يؤمن بزواج المتعة من المسلمين فالأولى ترك التمتّع بهنّ.

أمّا الناصبة المعلنة بعداوة أهل البيتعليهم‌السلام ، فلا يجوز التمتّع بها ، لكونها كافرة ، بل هي شرّ من اليهود والنصارى على ما روي في أخبار أهل البيتعليهم‌السلام .

هذا ، وعليكم الرجوع إلى من تقلّدونه في الأحكام للأخذ بها.

( أمير العرادي ـ الكويت ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو الدليل على جواز زواج المتعة؟ وما هو ردّكم على من يقول : أنّ المتعة تسبّب اختلاط الأنساب ، لأنّه قد يتزوّج الفرد امرأة تزوّجها والده ، أو أخوه دون علم ، وأنجب منها الاثنان ، وأنّ المتعة تشبه زواج المقت؟

ج : إنّ زواج المتعة ـ أي الزواج المنقطع ـ ممّا اتفقت عليه الإمامية ، واُعتبر من مختصّاتهم ، واستدلّوا له بأدلّة عديدة من القرآن الكريم ، والسنّة القطعية ـ كالتواتر ـ والإجماع.

ونذكر لك بعض الروايات في ذلك :

٢١٤

ورى الشيخ الكلينيقدس‌سره عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المتعة؟ فقال : نزلت في القرآن( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (١) .

وروى عن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «كان علي عليه‌السلام يقول : لولا ما سبقني به بني الخطّاب ما زنى إلاّ شقي »(٢) .

وقد وردت أحاديث كثيرة أيضاً في استحباب زواج المتعة ، منها : عن محمّد ابن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال لي : « تمتّعت »؟ قلت : لا ، قال : «لا تخرج من الدنيا حتّى تحيي السنّة »(٣) .

وهنالك روايات أُخرى تثبت عدم نسخ هذا الحكم وبقاءه إلى اليوم ، ففي الوسائل بأسانيد كثيرة إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام : هل نسخ آية المتعة شيء؟ قال : «لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقي »(٤) .

فما يقال من أنّها منسوخة بروايات عن الصحابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى ضعف سندها ، وتناقضها وتعارضها فيما بينها ، لا يقابل ولا يعارض ما ثبت بالضرورة عند الإمامية من شرعيّتها ، وعدم نسخها إلى يوم القيامة.

وبعد أن ثبت بالدليل والبرهان جوازها ، فلا مجال للاستحسان وإبداء الرأي وأشباه ذلك ، فهذه الأُمور متأخّرة عن الدليل الشرعي ، حتّى عند القائلين بحجيّتها وصحّتها.

والإشكال الذي أوردته من اختلاط الأنساب غير وارد ، وذلك لأنّ الأحكام الشرعية الثابتة لا تبطل اعتماداً على ما ربما تترتّب عليها ، وحكم ما ذكرته

__________________

١ ـ النساء : ٢٤ ، الكافي ٥ / ٤٤٨.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٣ ـ وسائل الشيعة ٢١ / ١٥.

٤ ـ المصدر السابق ٢١ / ١١.

٢١٥

حكم الرضاع ، فما ربما يتسبّب من الاختلاط في الرضاع أكثر بكثير من موردنا ، فهل يصحّ لنا أن نحرّم الرضاع لأجله؟! وكذا ما ذكرته قد يقع في الزواج الدائم وإن كان نادراً.

( ـ السعودية ـ ٢٢ سنة )

الفرق بينها وبين زواج المسيار :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق هو الأسامي والاصطلاحات؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : زواج المسيار هو أن يتّفق الزوجان فيما بينهما على إسقاط حقوق الزوجة من النفقة ، وتقسيم الليلة بين الزوجتين ، ثمّ ينتهي بالطلاق ، أو يستمرّا في حياتهما إن شاءا كذلك.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاقٌ بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا ـ عن عمدٍ أو عن جهل ـ أن يذعنوا إلى حكم شرعي شرّعه الله تعالى في كتابه ـ كما شرّع الزواج الدائم ـ وهو نكاح المتعة ، فبما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ، شرّع الله تعالى ـ وهو العالم بما يحتاجه خلقه ـ شرّع زواج المتعة تلافياً لأي عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية المجنونة.

وزواج المتعة هو عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث ـ أي لا يرث أحدهما الآخر ـ إن مات أحدهما في مدّة العقد ، وعلى الزوجة أن تعتد بحيضة واحدة ، أو بخمسٍ وأربعين يوماً ، إذا كانت ممّن لا تحيض.

٢١٦

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، لم ينسخ حكم زواج المتعة أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواجٌ قائم بذاته له خصوصياته ، وللزوجة مهرها وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( كوثر ـ المغرب ـ دكتورة في الرياضيات )

فرقها مع الزنا ، ولم تحرّم يوم خيبر :

س : لدي عدّة أسئلة حول الزواج المؤقت :

١ ـ ما الفرق بين المتعة والزنا؟

٢ ـ هل هذا الزواج يجوز لرجل له زوجة في البيت ، ويعيش مع أطفاله وعائلته ، بدون أن يستأذن زوجته؟

٣ ـ هل يجوز للمتمتعة أن تفسخ عقد المتعة؟

٤ ـ ما رأيكم حول هذا الحديث : قال عليعليه‌السلام : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر » (١) ؟

ج : أوّلاً : أنّ قولك : ما الفرق بين المتعة والزنا ، هو كقولك : ما الفرق بين الزواج والزنا؟ أو ما الفرق بين البيع والربا؟ وهكذا ، فالزواج هو تشريع من الله تعالى بعقدٍ يقع بين الطرفين ، لتتمّ العلاقة الجنسية بين الزوجين ، والزنا هو تمرد على ذلك العقد ، فتقع العلاقة بين الرجل والمرأة دون الاستناد إلى شرعية هذا الاقتران.

وهكذا البيع فهو تبادل منفعة محلّلة ، والربا هو كسب الفائدة من الزيادة حراماً ، وهكذا يتمّ التقابل بين التشريع وبين غير التشريع ، أي بين الحلال

__________________

١ ـ صحيح مسلم ٤ / ١٣٤ ، البداية والنهاية ٤ / ٢١٩.

٢١٧

وبين الحرام ، فبالكلام يقع التحليل ، وبالكلام يتمّ التحريم ، فالكلام الذي هو العقد له أثره في التشريعات ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فالمتعة عقد شرعي يقع بين الزوجين على مهرٍ معيّن ، والزنا هو اتفاق محرّم لا يستند إلى عقدٍ بين الرجل والمرأة.

ثمّ إنّ مشروعية هذا العقد تؤكّدها الآية الكريمة( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

قال السيوطي في تفسير الآية : « وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان متعة النساء في أوّل الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه ، فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته ، فتنظر في متاعه ، وتصلح له ضيعته ، وكان يقرأ : فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى »(٢) .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال : يعني نكاح المتعة(٣) .

وأخرج عن السدي في الآية قال : « هذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجلٍ مسمّى ، وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه »(٤) .

وعلى هذا ، فإنّ المتعة زواج شرعي يتمّ بعقدٍ بين الزوجين ، وعلى مهر معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، أي أنّ الفرق بينها وبين الزواج الدائم ، أنّ في المتعة تحديداً للأجل ، وهذا كما تعلمين ـ أيّتها الأُخت ـ محاولة تشريعية راعى بها

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢ ـ الدرّ المنثور ٢ / ١٣٩.

٣ ـ جامع البيان ٥ / ١٨.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٢١٨

الإسلام تهذيب الدوافع الجنسية ، ومحاولة السيطرة عليها ، وتجنّب المزالق الأخلاقية ، التي تؤدّي بالمجتمع إلى مخاطر الانحراف والسقوط ، وعلينا أن نفرّق بين التشريع وحكمته وبين عواطفنا الفردية ومصالحنا الشخصية ، وأن لا نحمّل مسؤولية ذلك على حكمة التشريع البديعة والحكمة الإلهية الرائعة.

ثانياً : نعم ، يحقّ للزوج أن يتزوّج متعة دون أن يستأذن زوجته ، فإنّ ذلك معلّق برغبة الزوج وإرادته ، فكما يحقّ للزوج أن يتزوّج زوجة ثانية بالزواج الدائم ، يحقّ له أن يتزوّج ثانية بالزواج المنقطع.

وأعلمي أنّ هذا الزواج المنقطع سيجنّب العائلة من أزماتٍ ومشاكل خطيرة ، حيث أنّ الرجل لو رغب في امرأةٍ ما ، ولم يحقّ له الاقتران بها ، فإنّه سوف يرى كُلّ شيء حوله غير مقنعٍ ، وسيعكس هذه الحالة على زوجته ، وعلى علاقته بها وبأطفاله ، وسيجعل ذلك سبباً في عدم قناعته بحياته الزوجية ، فيلجأ إلى ارتكاب ما حرّمه الله وهو الزنا ، فتكون المشكلة وبالاً عليه وعلى عائلته ، وعلى المجتمع جميعاً ، في حين إذا وجد هناك مجالاً لتنفيذ رغبته بطريق حلال ، فسوف يكون ذلك حافزاً لحبّ زوجته واحترامها وحبّ أطفاله كذلك ، لإمكانية تنفيذ رغبته واستجابة عواطفه.

وسيجد أنّ الإسلام قد استجاب في تشريعاته لرغباته ، فسيكون أكثر التزاماً وأكثر تمسّكاً ، وعلى الزوج في الوقت نفسه مراعاة علاقته بزوجته وأطفاله ، وأن لا يكون اقترانه بأُخرى متعة على حساب حبّه لزوجته ولأطفاله ، كما عليه مراعاة احتياجات عائلته بكُلّ مسؤولية.

ثالثاً : لا يحقّ للمرأة فسخ عقد المتعة مادامت هي في مدّة العقد ولم ينته أجله ، نعم يحقّ للزوج أن يهبها المدّة المتبقية ، فإنّ عصمة الزوجية بيد الزوج لا بيد الزوجة ، فهو الذي يملك إنهاء المدّة وإبراءها ، كما لا يحقّ للمرأة أن تطلّق نفسها في الزواج الدائم ، لأنّ الزوجية بيد الزوج وليست بيد الزوجة ، فانتهاء المدّة في المتعة هو بمثابة الطلاق في الزواج الدائم.

٢١٩

رابعاً : أنّ روايات تحريم المتعة مضطربة اضطراباً عجيباً ، فبعضها تذكر أنّ علياًعليه‌السلام قال : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حرّمها في خيبر » ، والأُخرى تقول : أنّه حرّمها في حجّة الوداع ، وثالثة تقول : بتحريمها في عام أوطاس ، وهكذا رابعة وخامسة ، وكُلّ رواية تحكي أنّ وقت التحريم يختلف عمّا حكته الرواية الأُخرى ، على أنّ نسخ الحكم ـ أي إلغائه ـ لا يكون إلاّ بآية بيّنة من كتاب الله ، أو بسنّة قطعية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا أخبار الآحاد ـ أي التي لم تصل إلى حدّ اليقين والعلم ـ لا يمكن الاعتماد عليها ، وهذه الرواية من هذا القبيل ، أي من قبيل أخبار الآحاد وهي ظنّية ، فلا يمكنها نسخ حكم قطعي يقيني كنكاح المتعة ، الذي أحلّه كتاب الله تعالى وقرّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبهذا فقد ثبت جواز نكاح المتعة ، والإبقاء على حلّيته مهما كانت الظروف ، وافترضت المقتضيات.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

جائزة مع الزانية :

س : في البداية أودّ أن أقول بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تُخفى عليّ ، المهمّ أُحبّ أن أقول بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم الله خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

مع أنّي لست مع زواج المتعة كثيراً ، لأنّه بدأ الشباب بالعزوف عن الزواج العادي ، بحجّة جواز زواج المتعة لكُلّ شخص بالغ ، حيث أنّي لاحظت أنّ المراهقين عندنا في الكويت ـ يعني الذين عمرهم ما بين ١٥ إلى ١٨ ـ أكثر إقبالاً على هذا النوع من الزواج ، ممّا يجعلهم يتعوّدون على النساء ، والمشكلة

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والذي يدل على تمدحه شيئان:

أحدهما: إجماع الأمة فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالى تمدح بهذه الآية، فقولنا تمدح بنفي الإدراك عن نفسه لاستحالته عليه، وقال المخالف تمدح لأنه قادر على منع الأبصار من رؤيته. فالإجماع حاصل على أن فيها مدحة.

والثاني: أن جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز أن يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل على أن الإدراك يفيد الرؤية أن أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصاً، وآنست، وأحسست ببصري. وأنه يراد بذلك أجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الإدراك لجاز الخلاف فيما عداه من الأقسام.

فأما الإدراك في اللغة، فقد يكون بمعنى اللحوق كقولهم: أدرك قتادة الحسن. ويكون بمعنى النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وإدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال.

وأيضاً فإن الإدراك إذا أضيف إلى واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. ألا ترى أنهم يقولون: أدركته بأذني يريدون سمعته، وأدركته بأنفي يريدون شممته، وأدركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك إذا قالوا: أدركته ببصري يريدون رأيته. وأما قولهم أدركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولا مسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لأن قولهم حرارة الميل تقييد لأن الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال أدركت الميل ببصري لما استفيد به إلا الرؤية.

وقولهم إن الإدراك هو الإحاطة باطل، لأنه لو كان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لإحاطة جميع ذلك بما فيه، والأمر بخلاف ذلك. وقوله: حتى إذا أدركه الغرق، فليس المراد به الإحاطة بل المعنى حتى إذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلاناً إذا لحقته، ومثله: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، أي لملحوقون.

٣٠١

والذي يدل على أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، قوله:لا تأخذه سنة ولا نوم ، وقوله:ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.

فإن قيل: كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.

قلنا: إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للأبصار، وبذلك تميز من جميع الموجودات، لأنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.

فإن قيل: ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.

قلنا: قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً، أو ما قالوه من أنه يقدر على منع الأبصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك، وما قالوه باطل لقيام الدلالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل: إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يدل على مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن تكون الأبصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الإدراك إلى الأبصار ويراد به ذووا الأبصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟

قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك أن تستدل بأن تقول: هو تعالى نفى الإدراك عن نفسه نفياً عاماً كما

٣٠٢

أنه أثبت لنفسه ذلك عاماً، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركاً. وإذا ثبت نفي إدراكه على كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفياً عاماً فالقول بنفيها عموماً، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية مايدل على جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إنشاء الله.

- تفسير التبيان ج ١ ص ٢٢٨

وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلى لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلى ربها ناظرة على ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لأنهم يقولون: إنما أنظر إلى الله ثم إليك بمعنى أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جرتني نعماء

وقال جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمان تأتي بالفلاح

وأتوا ب- (إلى) على معنى نظر الإنتظار.

والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: ما زلت أنظر إليه (حتى رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتى رأيته، ولأنهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.

- تفسير التبيان ج ١٠ ص ١٩٧

ثم قسم تعالى أهل الآخرة فقال(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، نضر وجهه

٣٠٣

ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق، والملائكة على أنهم مؤمنون مستحقون الثواب.

وقوله:إلى ربها ناظرة ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن يصل إليهم.

وقيل (ناضرة) أي مشرفة (إلى) ثواب ربها (ناظرة) وليس في ذلك تنغيص، لأن الإنتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله إلى المنتظر أو هو محتاج إليه في الحال، والمؤمنون بخلاف ذلك، لأنهم في الحال مستغنون منعمون، وهم أيضاً واثقون أنهم يصلون إلى الثواب المنتظر.

والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلباً للرؤية، ويكون النظر بمعنى الإنتظار، كما قال تعالى:(وإنّي مرسلة إليهم بهدية فناظرة) أي منتظرة، وقال الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمن تأتي بالفلاح

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وقد يقول القائل: إنما عيني ممدودة إلى الله وإلى فلان، وأنظر إليه أي أنتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته، وقوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة، معناه لا ينيلهم رحمته.

ويكون النظر بمعنى المقابلة، ومنه المناظرة في الجدل، ومنه نظر الرحمة أي قابله بالرحمة، ويقال: دور بني فلان تتناظر أي تتقابل، وهو وينظر إلى فلان أي يؤمله وينتظر خيره، وليس النظر بمعنى الرؤية أصلاً، بدلالة أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره، فلو كان بمعنى الرؤية لكان متناقضاً، ولأنهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يجعل الشيء غاية لنفسه لا يقال: بما زلت أراه حتى رأيته، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا.

٣٠٤

ودخول (إلى) في الآية لا يدل على أن المراد بالنظر الرؤية، ولا تعليقه بالوجوه يدل على ذلك، لأنا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف (إلى) والمراد به الإنتظار، وقال جميل بن معمر:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جدتني نعما

والمراد به الإنتظار والتأميل.

وأيضاً، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار: تظن أن يفعل بها فاقرة، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب، والكفار يظنون الفاقرة، وكله راجع إلى فعل القلب.

ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها، لأن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.

ويجوز أيضاً أن يكون إلى واحد إلاء وفي واحدها لغات (ألا) مثل قفا و (ألي) مثل معي و (ألي) مثل حدي و (أل) مثل حسا، فإذا أضيف إلى غيره سقط التنوين، ولا يكون (إلى) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية على الله تعالى.

وليس لأحد أن يقول: إن الوجه الأخير يخالف الإجماع، أعني إجماع المفسرين، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك: إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن عليعليه‌السلام .

وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي، يقولون: نظر غضبان، ونظر راض، ونظر عداوة ونظر مودة، قال الشاعر:

تخبرني العينان ما الصدر كاتم

ولا حن بالبعضاء والنظر الشزر

والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها، فدل على أن النظر غير الرؤية، والمرئي هو المدرك، والرؤية هي الإدراك بالبصر، والرائي هو المدرك، ولا تصح الرؤية وهي الإدراك إلا على الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يستحيل عليه تعالى، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالى!

٣٠٥

أمير المؤمنينعليه‌السلام يدفع الشبهات

- كتاب التوحيد للصدوق ص ٢٥٤ - ٢٦٩

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال لهعليه‌السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟

قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وقال أيضاً: نسوا الله فنسيهم، وقال: وما كان ربك نسياً، فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً.

قال: وأجد الله يقول: يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وقال: يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً، وقال: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار، وقال:لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقال:نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم: والله ربنا ما كنّا مشركين: ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع.....

٣٠٦

قال: هات ويحك ما شككت فيه.

قال: وأجد الله عز وجل يقول:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، ويقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، ويقول:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، ويقول: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، ومن أدركته الأبصار فقد أحاط به العلم، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟....

فقالعليه‌السلام : وأما قوله عز وجل:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، وقوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وقوله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، وقوله:: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، فأما قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: إلى ربها ناظرة، وإنما (عنى) بالنظر إليه النظر إلى ثوابه يعني لا تحيط به الأوهام. وهو يدرك الأبصار، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علواً كبيرا، وقد سأل موسىعليه‌السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل: رب أرني أنظر إليك، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني.. فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسى صعقاً، يعني ميتاً، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

٣٠٧

وأما قوله: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، يعني محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى، رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الإحتجاج ج ١ ص ٣٥٨ - ٣٦٢ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٢

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥

(يا من يَرى ولا يُرى)

طال التشاجر بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها، وللمشبهة والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة، لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وحرر بعض متأخري الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان، فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة، وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا.

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك....

٣٠٨

ومنها، قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير .

ومنها، هذا الإسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.

وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والإنكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد على ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى، هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلى، خذ الغايات ودع المباديَ أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق، وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضاً لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا على سبيل الإكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالى.

٣٠٩

ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالى: ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، أي ليعرفون، وفي الحديث القدسي: فخلقت الخلق لأعرف، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالى:من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت .يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك .شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم . والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده، وهكذا كل آية مشتملة على ما دل على الشهود حتى لفظ الإيمان باعتبار بعض درجاته العالية....

قال سيد الأولياءعليه‌السلام : لم أعبد رباً لم أره. ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه.

وقال ابنه سيد الشهداءعليه‌السلام : عميت عين لا تراك.

وقال أيضاً: تعرفت بكل شيء فما جهلك شيء. تعرفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء، فأنت الظاهر لكل شيء.

وليكف هذا اليسير من الكثير لأن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لاصطياد هذا الصيد العديم المثال، فتمام سهام قصودهم واقعة على هذا الغرض الرفيع المنال، وحيث حملنا الرؤية على الشهود فلا تخصيص له بالآخرة، فإن أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى:

روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن الله تعالى هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت: جعلت

٣١٠

فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى عما يصفه المشبهون والملحدون.

وقال سيد الموقنين ومولى المكاشفين: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً....

وقولهعليه‌السلام ما ازددت يقيناً، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية، ومن ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العيش عيش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبد الرحمن الجاميقدس‌سره السامي:

تا بود باقى بقاياى وجود

كى شودصاف از كدر جام شهود

تا بود پيوند جان وتن بجاى

كى شود مقصود كل برقع گشاى

تا بود قالب غبار چشم جان

كى توان ديدنرخ جانان عيان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة.

ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعنى الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كنه ذاته، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ويمكن بالنسبة إلى وجهه:أينما تولوا فثم وجه الله .

بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر على وجهه الكريم كما قال المعصومعليه‌السلام بنقل القاضي سعيد القمي: لا أرى إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدى، يا من يحيي ولا يحيى، يا من يسأل ولا يسأل. هذا الإسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الأوقات مع تشابهها، وما المرجح للإمساك في

٣١١

أوقات غير متناهية، كما هو مذهبهم من التعطيل والإفاضة في وقت؟ مع كونه تعالى علة تامة غير محتاج إلى شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة، وبالجملة ما به يتم فاعليته؟ قالوا: لا يسئل عما يفعل، والتزموا القدرة الخرافية.

ومنها، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح، قالوا: لا يسأل عما يفعل.... إلخ.

واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة، نذكر بعضها ونترك أكثرها، لأن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ على تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر على إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤية.

فمنها، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية ككون الحاسة سليمة وكون الشيء جايز الرؤية وكون الشيء مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها، والستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالى لتنزهه عن الجهة والحيز، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة، قال:

- وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة: لا تدركه الأبصار، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الأبصار.

٣١٢

- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، يقول لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.

- تفسير الطبري ج ٩ ص ٣٨

معاوية عن علي (بن طلحة) عن ابن عباس قوله تعالى:سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. انتهى.

وقد تقدم استدلال عائشة بالآية على عدم إمكان الرؤية، قال الرازي في المطالب العالية ج ١ جزء ١ ص ٨٧: إن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية، ثم قرأت:لا تدركه الأبصار .

محاولاتهم تأويل الآية وإبطال معناها

- رد النووي على عائشة في شرح مسلم - هامش الساري ج ٢ ص ٩٣ فقال : فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه الأبصار. فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لايحاط به! وإذا ورد النص بنفي الإحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهى. ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر، وهو أعم من الرؤية الجزئية والإحاطة!

- وقال الجويني في لمع الأدلة ص ١٠١ - ١٠٥

مذهب أهل الحق أن الباري تعالى مرئي، ويجوز أن يراه الراؤون بالأبصار....

والدليل على جواز الرؤية عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود مرئي. وبيان ذلك: أنا نرى الجواهر والألوان، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يرى الجوهر، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يرى كل موجود، والباري سبحانه وتعالى: موجود فصح أن يرى.

فإن قالوا: إنما يرى ما يرى لحدوثه والرب تعالى أزلي قديم الذات فلا يرى، فالجواب من وجهين: أحدهما أن نقول كلامكم هذا نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث، وعندكم يستحيل أن ترى.

٣١٣

ثم الجواب الحقيقي أن نقول: الحدوث ينبيء عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية، فانحصر التصحيح في الوجود، فدل على أن كل موجود صح أن يرى.

ويستدل على جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. والنظر إذا عدي بإلى اقتضى رؤية البصر. وإن عارضونا بقوله تعالى: لا تدركه الأبصار. قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالى يرى ولا يدرك فإن الإدراك ينبيء عن الإحاطة ودرك الغاية، والرب مقدس عن الغاية والنهاية. فإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسىعليه‌السلام : لن تراني، فزعموا أن لن تقتضي النفي على التأييد.....

قلنا: هذه الآية من أوضح الأدلة على جواز الرؤية! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه الله تعالى لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه، ويجوز على الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم، فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسىعليه‌السلام جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلى السؤال. وما سأل موسىعليه‌السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها، والجواب نزل على قضية الخطاب. انتهى. وقد تقدم أن موسىعليه‌السلام لم يطلب رؤية ذات اللّه تعالى، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه.

- وروى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية، في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: هذا في الدنيا!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله:لا تدركه

٣١٤

الأبصار ! فقال له عكرمة: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال فكلها ترى! (يقصد بما أن الله تعالى كبير فإنا نرى جزءً منه فقط!)

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قال عكرمة فقلت له: أليس الله يقول لا تدركه الأبصار! وهو يدرك الأبصار قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر. انتهى. وهو يقصد أن ذات اللّه تعالى ترى ولكن نوره لاتدركه الأبصار!!

ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في ج ٣ ص ٣٧ قول ابن جريح في تفسير الآية أن الأبصار لا تدرك الله تعالى كله لكبر حجمه! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله على ربك. قال: هل تدرين على من تستشفعين، إنه ملأ كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع، ثم قال: إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: لا تدركه الأبصار، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام. انتهى.

وأعجب منه روايتهم التي تفسر الأبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول، ومع ذلك تدركه أبصار العيون!! قال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قارئ أهل مكة يقول: لا تدركه الأبصار قال أبصار العقول. انتهى.

وقد تقدم في أول الباب عن (إمام الأئمة) ابن خزيمة حملته الشديدة على عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الأبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه! قال في كتاب التوحيد ص ٢٢٦

لأن قوله: لا تدركه الأبصار، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي

٣١٥

صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة، لا أحسب غريباً يجيء من طريق اللغة أن يقال لبصر امريء واحد أبصار وإنما يقال لبصر امريء واحد بصر، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امريء واحد بصران فكيف أبصار، ولو قلنا: إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة! انتهى.

وقد علق على ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة.

- وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالى تنافيها، ولكن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية!

قال في تفسيره ج ٧ ص ٢٠٠ - ٢٠٣:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة

٣١٦

إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر....

وقال آخرون.. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلى. وقال آخرون: الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها.... والصواب من القول في ذلك: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر. انتهى.

ولم يبين الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن!

- قال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٦٤

قوله تعالى في سورة الأنعام:لا تدركه الأبصار ، وأجاب المثبتون بأن معنى الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون! أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالى فيهم قوة يقدرون بها على الرؤية. انتهى.

ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية، خرجوا عن موضوع البحث، بل هربوا منه، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة، في أحسن صورة، وكما يرى القمر ليلة البدر على حد زعمهم!

- وقال الشوكاني في فتح القدير ج ٢ ص ١٨٥

في قوله:لا تدركه الأبصار .... التقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين!....

٣١٧

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٧ ص ٢٩٦

سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شيء يرى بالعين فهو في مقابلتها، فقال له القاضي ابن الطيب: لا يرى بالعين، قال له الملك: فبماذا يرى؟ قال: بالإدراك الذي يحدثه الله في العين.. وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يرى بها شيئاً! انتهى.

- وقال في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى؟ قال: قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ! فنظر بعض المعتزلة إلى بعض وقالوا: جنَّ القاضي، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم، وهو ساكت، ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك: الحائط لا يبصر قالوا: لا.. قال: فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا نعم، قال: فكذلك قوله تعالى(لا تدركه الأبصار) لولا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه. انتهى. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها!

وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل، ولكنهم إذا وصلوا إلى آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة، حتى يجعلوا من النفي إثباتاً، وقد يجعلون من الكفر إيماناً!

* *

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأى

قال الله تعالى:وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ

٣١٨

الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

قال أهل البيت: رأى ربه بفؤاده ورأى آياته بعينيه

تقدم في الفصول السابقة عدد من الأحاديث عن النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير هذه الآية، ونضيف إليها هنا مايلي:

- روى الصدوق في كتاب التوحيد ص ١٠٨:

أبيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

- و في ص ١١٦:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل يعني بقلبه، وتصديق ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: ما كذب الفؤاد ما رأى، أي لم يره بالبصر، لكن رآه بالفؤاد.

- وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان (ما جاء في الرؤية) ص ١٠٧ ، نورد بعض روايته قال:

٣١٩

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال: مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : غض بصرك فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقصر من يديك فإنك لن تناله.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله ، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقععليه‌السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى.

قال: وسألته هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه؟ فوقععليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- وفي علل الشرائع ج ١ ص ١٣١

حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراقرضي‌الله‌عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن الله جل

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667