موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

موسوعة الأسئلة العقائديّة8%

موسوعة الأسئلة العقائديّة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
ISBN: 978-600-5213-05-8
الصفحات: 667

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 667 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 296938 / تحميل: 6703
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الأسئلة العقائديّة

موسوعة الأسئلة العقائديّة الجزء ٥

مؤلف:
ISBN: ٩٧٨-٦٠٠-٥٢١٣-٠٥-٨
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٦ - إذا تساويا في عدد الشهود سمعت دعوى من كانت شهوده أقوى عدالة مع يمينه.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (وهكذا، لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة، رجح بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى عدالة)(١) .

وقال صاحب كتاب (الخلاف)(٢) إن الطائفة أجمعت على ذلك، وكذلك الروايات الواردة في هذا الصدد تثبت ما قال وقد ذكر هذه الرواية:

عن أبي بصير، قال سألت [الإمام] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: (أكثرهما بينة يستحلف ويدفع إليه) وذكر أن علياًعليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا ولم يهبوا. وأقام هؤلاء البينة أنّهم أنتجوها على مذودهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم(٣) .

٧ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه مع وجود الشاهدين للمدّعي.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٤) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٧.

(٢) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٤ - ٦٥ ب حكم المدعيين في حق يقيم كل واحد منهما البينة على أنه له ح٣٣٤٤، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب ٢١ الشاهدين يشهدان على رجل بطلاق امرأته وهو غائب فيحضر الرجل وينكر الطلاق ح٦، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٤ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٩ ب ١٢ حكم تعارض البينتين، وما ترجح به أحدهما، وما يحكم به عند فقد الترجيح ح١.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤١

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٨ - إذا كان المدّعى به في يد المدّعى عليه وأقام المدّعي البينة على أنه له وأقام المدّعى عليه شاهدان فالحكم أن ينتزع الشيء من يد المدّعى عليه ويسلم للمدّعي لأن البينة عليه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا ادعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره، وأقام بذلك البينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدّعي لأن البينة عليه)(١) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦١، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٩، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٩، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٣٨٥، تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ٢: ١٤٩، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٨٨، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٢ ح٣، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٩١ ح ٥ مع اختلاف يسير.

٤٢

النقطة الثانية: أسباب عدم سماع الدّعوى

١ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه عند قيام دعوى عليه حتى تنتهي دعوى المدّعي بصدور الحكم.

جاء ذلك في كتاب (شرائع الإسلام)(١) بما نصه: (السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن الدّعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو).

٢ - لا تسمع الدّعوى إذا فقد أحد أركانها الثلاثة وهم المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث اشترط بعضهم بقوله: (أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق …إلى آخره)، وقال: (أن يكون للمدّعي طرف يدعي عليه، فلو ادعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فلا تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدّعوى المحتملة…إلى آخره)(٢) .

٣ - لا تسمع الدّعوى في الحدود بدون بينة لأنه ليس فيها يمين على المنكر.

فأفتى بذلك بعض الفقهاء(٣) بقوله: (الثالثة: لا تسمع الدّعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه اليمين على المنكر).

٤ - لا تسمع الدّعوى لو تحقق كذب البينة.

قال ذلك صاحب كتاب شرائع الإسلام)(٤) بقوله: (الأولى: لو شهد للمدّعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعاً أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).

٥ - إذا شهد للمدّعي شاهدان وطلب المدّعى عليه يمينه لم يُصْغَ له.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٥) .

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

____________________

(١) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١.

(٢) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١١ - ٤١٢.

(٣) رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي٢: ٤٠٥، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٤٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٣، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٩٦، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٧١

(٤) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٤٧٤، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٩٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٩٠١ - ٩٠٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ١١٦، كتاب القضاء للسيد الگبايگاني ٢: ٢٢.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤٣

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٦- تسقط الدّعوى إذا رد المدّعى عليه اليمين، ولم يكن للمدّعي شاهدان، ولم يحلف، لعدم ترتب الأثر على دعواه.

دليلنا في ذلك ما ذكره الفقهاء(١) بقولهم: (فإن رد المدّعى عليه اليمين على المدّعي إذا لم يكن للمدّعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له).

٧ - إذا رضي المدّعي بيمين المدّعى عليه سقط حقه بذلك وإن أقام البينة بعد ذلك.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إن حلف المنكر (المدّعى عليه) سقطت الدّعوى)(٢) .

والظاهر أنهم استدلوا على هذه الفتوى بهذه الروايات وهي:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدّعي فلا دعوى له، قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه)(٣) .

ب - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده قال: (إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٠، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٦٨ ح٢٥، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٦، وكذلك الهداية: ٢٨٥، المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢١٥.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٢٩٤، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٦ - ٣٩٧، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٧٢، مستمسك العروة للسيد الحكيم ١٢: ١٨٦ - ١٨٧، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٣، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ١٧١، الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ١٨: ٤١١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٢٠٦، كتاب القضاء للشيخ الآشتياني: ١١٢، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٣١ مع اختلاف الألفاظ.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٧ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين وإن كانت له بينة ح ١، التهذيب للشيخ الطوسي ٦: ٢٣١ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح١٦، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦١ ب بطلان حق المدّعي بالتحليف وإن كان له بينة ح ٣٣٤٠.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٠١ ب آداب اقتضاء الدين ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٥ زاد في ذلك بقوله (وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئاً وإن تركه … إلى آخر الحديث )، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٨٦ ب ٤٨ ح ١.

٤٤

وقد قيّدت هذه الروايات سقوط الدّعوى في هذا الفرض بشرطين وهما: الأول: طلب المدّعي اليمين من المدّعى عليه، والآخر: حلف المدّعى عليه، وإلاّ فلا تسقط الدّعوى، وله حق المطالبة بما يدّعي به.

وهناك روايات أخرى تدل على المطلوب، ولكن بمضامين أخرى مثل: (إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته فيه)(١) ، أو (ليس له أن يطلب منه)(٢) ، أو (إن كان قد ظلمك فلا تظلمه)(٣) تركناها مخافة التطويل.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية الدعوى

أولاً: الكتاب الكريم

جاءت مشروعية الدّعوى في طريق القرآن الكريم بقوله تعالى في الآيات الكريمة الآتية:

١- قوله تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) . أي يمتنعون عن ذلك ويرفضون، لأنهم يعلمون أن الحق سوف يكون عليهم.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٥: ٩٨ ب قصاص الدين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٦، الاستبصار للشيخ الطوسي٣: ٥٢ ب ٢٧ ح ٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ١٩٧ ح ٦٢ وص٣٤٨ ح ١٠١.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمن وإن كان له بينة ح ٣، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٢ ح ٥٦٧ و٨: ٢٩٤ ح١٠٨٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٠ - ٤٣١ ح١٤، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٥٣ - ٥٤ ح ١٧٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٨٩ ح ٨٠٢، و٨: ٢٩٣ ح ١٠٨٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٦ - ٢٤٧ ب ١٠ ح ٢.

(٤) سورة النور: آية ٤٨.

٤٥

وهذه صفة المنافقين حيث يقول صاحب كتاب (التبيان) في حقهم: (إذا دعوا إلى رسول الله ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه وامتنعوا ظلماً لأنفسهم، وكفروا بنبيهم، وأما إذا كان الحكم لصالحهم يأتوا إليه مذعنين أي منقادين من غير إكراه)(١) .

من خلال فهمنا لمنطوق الآية الكريم يظهر أن هناك دعوى قائمة بين من دعتهم هذه الآية إلى حكم الله ورسوله، وهذا يثبت لنا مشروعية الدّعوى فيها من خلال الأمر الصادر الذي مفاده الرجوع عند المخاصمة إلى الله تعالى ورسوله ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، والرجوع إلى الله تعالى أي إلى ما جاء في كتابه الكريم من سن القوانين بعد أن يفسره رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢) .

يقول صاحب كتاب (التبيان)، وكذلك صاحب كتاب (مجمع البيان)(٣) أن الحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء:

أحدهما: أن يكون نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: أن يكون أمر إبراهيم فإن دينه الإسلام.

الثالث: أن يكون حداً من الحدود (الرجم) لأنهم نازعوا في ذلك.

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣ بتصرف.

(٢) سورة آل عمران: آية ٢٣.

(٣) التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٢٥، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٢: ٢٦٥.

٤٦

ونحن لا يهمنا هذا التفصيل، لأنه ليس غرضنا التفسير، بل يهمنا ثبوت مشروعية الدّعوى في هذه الآية الكريمة، وقد ثبت بأمر الأفراد المتنازعة بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ليكون حكماً بينهم، ومعنى هذا أن هناك دعوى قائمة مشروعة.

٣ - قوله تعالى:( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . أي الفائزون برضا الله لطاعتهم لرسوله وانقيادهم لأوامره ونواهيه وهي مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما جاء ذلك في تفسير (التبيان)(٢) .

وهذه الآية الثالثة التي تدل على ثبوت مشروعية الدّعوى لما تحمله من تشويق وترغيب على أن من يقبل أن يتحاكم إلى الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو إلاّ دليل على صحة إيمانه بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه سوف يكون من الفائزين في الآخرة.

٤ - قوله تعالى:( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (٣) . أي إصابة الحكم الحق وذلك بالطلب من المدّعي البينة ومن المدّعى عليه اليمين(٤) .

إن الله تعالى أمر نبيه داودعليه‌السلام أن يحكم بين المتخاصمين وأن يثبت على المدّعي البينة واليمين على المدّعى عليه لدليل على صحة مشروعية الدّعوى وثبوتها.

____________________

(١) سورة النور: آية ٥١.

(٢) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٢، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣.

(٣) سورة ص: آية ٢٠.

(٤) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٨: ٥٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٨: ٣٤٩.

٤٧

ثانياً: السنّة الشريفة

وردت أحاديث كثيرة بصدد مشروعية الدّعوى نقتصر على بعض منها:

١ - ما جاء في الكافي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن(إن الله البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم).

٢ - وأيضاً في الكافي(٢) : عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة فقال: (الحقوق كلها البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذ رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله وإلاّ حلف المدّعى عليه قسام خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).

٣ - ما جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ - ٣٦٢ ح٦.

(٢) ن. م ٧: ٣٦١ ح ٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٢ - ٣ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢١٦.

٤٨

٤ - وفي مَن لا يحضره الفقيه أيضاً(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: (أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقٍّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا قال الله بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ… الآية ) (٢) ).

ثالثاً: الإجماع

لقد انعقد الإجماع منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا - بل منذ نشأت الاختلافات بين أفراد النوع البشري وإلى أن تنتهي الدنيا - على مشروعية الدّعوى وجوازها، وذلك لضرورتها في الحياة.

حيث من خلالها يتم قطع الخصومات وانتهاء المنازعات بين الأطراف لكي يسود العالم الأمن والأمان والسعادة.

وهذه كتب الفقهاء ومؤلفاتهم تثبت ذلك، فهي لا تخلوا من كتاب يسمى ب- (كتاب القضاء) الذي يثبتون فيه معنى القضاء وما يتعلق به من مسائل لا مجال لذكرها فمن أراد فليراجع الكافي، والوسائل، وكتب العلامة، والمحقق، والجواهري، وغيرهم.

رابعاً: العقل

لقد ثبت عقلاً أن حل النزاعات بين الناس وحسم أمر الدّعوى حسن، وكل أمر حسن مرغوب فيه عند العقل، ويحكم بلزوم فعله. وبهذا نثبت صحة مشروعية الدّعوى.

____________________

(١) ن .م: ٤ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢٢٠.

(٢) سورة النساء: آية ٦٠.

٤٩

المطلب الثالث: ترجيح أحد المدّعيين وجعله مدعياً

هناك جملة من المرجحات التي يمكن أن تجعل أحد المدّعيين مدّعياً والآخر مدّعى عليه، وهي كالآتي:

١ - الترجيح بالأسبقية:

إذا قدم الخصمان دعوى على بعضهما البعض، قدمت دعوى الأسبق.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث قالوا: (إذا تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى، فالذي يدعي بالدّعوى أولاً أحق من صاحبه أن يسمع منه)(١) .

٢ - الترجيح بالجلوس على يمين المدّعي الآخر:

إذا تشاح الخصمان في الابتداء سمعت دعوى من كان على يمين خصمه.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (أن الخصمين إذا ابتدرا الدّعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن يمين خصمه)(٢) .

الدليل على ذلك: هو إطباق الطائفة عليه، كما عبّر الشريف المرتضى بذلك(٣) .

ثم قال الشريف الرضي معللاً ذلك بقوله: (لأن مّنْ خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣ - ١٢٤ مع اختلاف بالألفاظ.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥، السرائر لابن إدريس ٢: ١٥٧، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٤، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٣٤، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١ مع اختلاف بالألفاظ.

(٣) الانتصار للشريف الرضي: ٤٩٥.

(٤) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥.

٥٠

وبعدها اعترض على ابن الجنيد - عندما فسّر رواية ابن محبوب، التي رواها عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والتي نصها: (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام)(١) - قائلاً: (قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدّعي، لأن اليمين مردودة إليه، قال ابن الجنيد: إلاّ أن ابن محبوب فسّر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى والٍ أو قاضٍ فكن عن يمينه - يعني عن يمين الخصم -)(٢) ، وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم)(٣) .

ونحن نرى ما يراه الشريف المرتضى لأنه هو الأرجح والأصح، لما للرواية من وضوح في هذه المسألة.

٣ - تقديم من له بيّنة وإلاّ فالترجيح بالقرعة:

إذا ادعى كلاهما أنه أحضر صاحبه للدّعوى فإن كان لأحدهما بينة سمع منه، وإلاّ أقرع بينهما.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الوسيلة) بقوله: (وإذا حضر خصمان للتداعي لم يخل حالهما من أربعة أوجه: … أو ادعى كلاهما أنه قد أحضره للدّعوى، … والثاني: إن كان لأحدهما بينة حكم عليها، وإن لم يكن أقرع بينهما)(٤) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٧ ب ٨٨ آداب الحكام ح ٨، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢١٨ ب ٥ يستحب للإنسان أن يقوم عن يمين خصمه ح ١.

(٣) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤) الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١.

٥١

٤ - تقديم من له شاهدان على من له شاهد ويمين:

إذا كان لأحد المدّعيين شاهدان وللآخر شاهد وامرأتان تساويا في الدّعوى، وأما إذا كان لأحدهما شاهدان والآخر شاهد ويمينه فلا.

أفتى بذلك الشيخ الطوسي والقمي(١) بقولهما: (إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي، فإنهما لا يتقابلان).

واستدلا على ذلك بالإجماع على تقابلهما، وبأن التهمة تلحق من حلف لنفسه، ولا تلحق الشاهدين لأنهما يحلفان لغيرهما.

٥ - الترجيح بالقرعة عند تعارض البينتان:

إذا تساوت البينتان ولا مرجّح لأحدهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق له، لأن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه.

ذكر ذلك الفقهاء(٢) بقولهم: ( إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق).

مستدلين عليه بالإجماع على أن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه، مضافاً إلى ذلك الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في بحث القرعة فلا داع للإعادة.

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤ وكذلك المبسوط ٨: ٢٥٨ - ٢٥٩، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٦١٦.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٧ وكذلك المبسوط ٨: ٢٤١، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٥٣٥، جامع الخلاف والوفاق للقمّي: ٦١٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٨، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٢: ٥٥٤، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٢٦١.

٥٢

المبحث الثاني: أنواع الدّعوى

لربما يتساءل البعض عن مورد هذا البحث وما هو ربطه بالبحث ؟

إنا لسنا بصدد ذكر أنواع الدّعوى، بل الهدف من هذا البحث هو ذكر بعض أنواع الدعاوى التي يمكن قبولها من المدّعي لصحتها والفرق بينها وبين التي لا يمكن قبولها لفسادها.

ونحن لو تتبعنا كلمات الفقهاء بما كتبوه في الدعاوى لوجدناهم يقسمون الدّعوى من

ناحية الصحة والفساد إلى قسمين وهما:

القسم الأول: الدّعوى الصحيحة

وهي التي استوفت الشروط بحيث يمكن سماعها.

القسم الثاني: الدّعوى الفاسدة

وهي التي لم تستوف الشروط كلها أو بعضها بحيث لا يمكن سماعها.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من الدعوى الصحيحة، ومن خلالها تتضح لنا الدعوى الفاسدة لأنه كل ما ترتب على الدعوى الصحيحة من شروط ترتب عكسه للدعوى الفاسدة.

٥٣

نماذج من الدعوى الصحيحة

أولاً: دعوى البيعان

هناك مسائل خلافية تحدث بين البائع والمشتري حول المبيع وما يرتبط به، ونحن هنا نذكر بعضاً من هذه المسائل وهي:

١ - إذا كان الخلاف بين البائع والمشتري في مقدار ثمن المبيع أو جنسه فهنا فرعان:

أ - إذا كان المثمن تالفاً فالقول قول المشتري مع يمينه.

ب - إذا كان المثمن سالماً فالقول قول البائع مع يمينه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه)(١) .

وقد استدل بعضهم على ذلك بعدة أدلة منها:

أولاً - إجماع الفرقة على ذلك.

ثانياً - هناك عدة روايات في هذا الصدد نذكر منها:

الرواية الأولى: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (البينة على مّنْ ادّعى واليمين على مّنْ أنكر)(٢) ، وفي غيرها (واليمين على مَنْ ادّعي عليه)(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٧، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، السرائر لابن إدريس الحلي ٢: ٣١٨ - ٣١٩، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧، المختصر النافع للمحقق الحلي: ١٢٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١، كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٢٧٨، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٢: ٣٦٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤ بتصرف.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٩٣ ب ٢٥ وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافه وجواز الشهادة لصاحب اليد بالملك وأنه لا يجب على القاضي تتبع أحكام من قبله وحكم اختلاف الزوجين في متاع البيت ح٣.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح١، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ٢: ٥٢٠ - ٥٢١ ح١٨٥٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٩ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٣ ب٣ أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه في المال وحكم دعوى القتل والجرح وأن بينة المدعى عليه لا تقبل مع التعارض وغيره ح١.

٥٤

والمشتري مدّعى عليه وهو المنكر، لأنهما - أي البائع والمشتري - اتفقا على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك، والبائع يدّعي عليه الزيادة وهو ينكرها، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.

ولكن روي عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا: (القول قول البائع) فحملنا على أنه مع بقاء السلعة(١) .

الرواية الثانية - مضافاً إلى ما ذكره المستدلون على هذه المسألة فهناك رواية لأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومع أنها مرسلة لكن منجبرة بعمل الأصحاب بها، كما يذكر ذلك بعض الفقهاء(٢) ، وهي كالآتي:

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في رجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل ما قال البائع ؟ قال: (القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه)(٣) .

وقد ردّ العلامة الحلي هذه الرواية بكتابه ( مختلف الشيعة) قائلاً: (إنه منقطع السند فلا حجة فيه)(٤) ، وهو مردود بانجبارها بعمل الأصحاب كما ذكرنا ذلك.

وتردد في أصل المسألة بكتابه (تحرير الأحكام) قائلاً: (وعندي في ذلك تردد)(٥) .

____________________

(١) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٨، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠ بتصرف.

(٢) راجع كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٤: ٤٤١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ٣: ٢٥٨، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٧٤ ب إذا اختلف البائع والمشتري ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٧: ٢٦ ب٢ عقود البيع ح ٢٦ وص ٢٢٩- ٢٣٠ ب ٢١ من الزيادات ح٢١، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٨: ٥٩ ب ١١ حكم اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن ح ١.

(٤) راجع مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦.

(٥) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

٥٥

٢ - إذا اختلف البائع والمشتري في نوع المبيع، وليس هناك بينة، فالقول قول البائع مع يمينه بأنه ما باع المشتري ما يدّعيه، والقول قول المشتري مع يمينه بأنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، ولا يجب عليهما في الحلف النفي والإثبات.

فإن حلف البائع إنه ما باع المشتري ما يدّعيه، بقي هذا المبيع على ملكه يتصرف به كيف يشاء. وإما المشتري، فإن حلف أنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، فإن كان ما يدّعيه البائع في يد المشتري، فلا يجوز للبائع مطالبته به لأنه يدّعيه، وإن كان ما يدّعيه البائع بيده فلا يحق له التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، نعم يجوز له بيعه وأخذ مقدار ثمنه منه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله:

(إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منها الجمع بين النفي والإثبات، ولا يكون هذا تحالفاً، وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف بها.

وأما المشتري، فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع فإنه لا يجوز التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن)(١) .

مستدلاً على ذلك بقوله: (إن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادّعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادّعى المشتري أنه اشترى الجارية، كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين)(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (الجامع للشرايع): أنهما يتحالفان، كل واحد منها لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، ولم يذكر التفصيل بأن العبد بيد المشتري أم لا(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٢.

(٢) م. س: ١٥٣.

(٣) راجع الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ - ٢٧٢.

٥٦

٣ - إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن أوالمثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في الثمن، لأصالة عدم الزيادة فيه، والقول قول ورثة البائع مع يمينهم في المثمن لأصالة عدم البيع.

أفتى بذلك بعض فقهاء الطائفة بقوله: (إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين)(١) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن، لأن ورثة المتبايعان قد اتفقا على البيع، ولكن ادّعى ورثة البائع أن الثمن أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعلى مدّعي الزيادة البينة، فإذا عدمت فعلى منكرها اليمين لأصالة عدم الزيادة.

واستدل على أن القول قول ورثة البائع في المثمن، لأن الأصل عدم البيع فمن ادّعاه فعليه البينة، وعلى منكره اليمين لأصالة بقاء ملك البائع على ورثته(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (تحرير الأحكام) الشق الأول من المسألة (مقدار الثمن) قائلاً: (القول قول ورثة المشتري على كل حال، سواء كانت تالفة أو باقية)(٣) .

٤ - إذا اختلف المتبايعان في شرط يفسد البيع، فالقول قول مدّعي الصحة، وعلى مدّعي الفساد البينة، لأصالة الصحة في العقود.

قال بهذا بعض الفقهاء بقولهم: (إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، كان القول قول مّنْ يدّعي الصحة، وعلى مّنْ ادّعى الفساد البينة)(٤) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على ذلك: بأن الأصل في العقد الصحة، فمن ادّعى الفساد فعليه الدلالة(٥) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣ - ١٥٤ بتصرف.

(٣) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ بتصرف.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠ بتصرف.

٥٧

٥ - إذا اختلفا في جودة الثمن وعدمه فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع مدّعٍ فعليه البينة والمشتري منكر فعليه اليمين، والأصل أن البائع قد قبضه جيداً.

أفتى بهذا صاحب كتاب (المبسوط) بقوله: (إذا قبض البائع الثمن، ثم ادّعى أن فيما قبضه زيفاً، وأنكر المشتري ذلك، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفاً فيحتاج إلى بينة، والأصل أنه قبضه جياداً)(١) .

ثانياً: دعوى الزوج والزوجة

يتعرض الزوج والزوجة في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل العالقة في بيت الزوجية مثل: النفقة والتمكين وما إلى ذلك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية لهذه المشاكل حلولاً وأحكاماً، نذكر ما يخص أمر الدّعوى والإنكار:

١ - إذا اختلفا في قبض المهر وعدمه، أو النفقة وعدمها، فالقول قول الزوج مع يمينه.

أفتى بهذا فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج، وعليها البينة)(٢) .

مستدلين على ذلك بعدة أدلة منها:

١ - إجماع الفرقة على ذلك.

٢ - الأخبار الواردة في هذا الصدد.

٣ - مضافاً إلى العادة الجارية بين الناس بأن الزوجة لا تمكن الزوج إلاّ بعد استلام المهر، ولا تقيم معه إلاّ إذا أنفق عليها، وخلاف هذا عليها البينة(٣) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ١٥٥، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٩.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٥: ١١٦.

(٣) ن. م: ١١٦.

٥٨

٢ - إذا اختلعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس فالقول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه)، والزوج هنا مدّعٍ، لأنه يدّعي ما تنكره الزوجة، فكانت عليه البينة، فإذا لم تكن، كان القول قول الزوجة(١) .

٣- إذا اختلفا في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها.

أفتى بذلك صاحب كتاب (منهاج الصالحين) بقوله: (إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمنيها، إذا لم يكن للزوج بينة)(٢) .

وقد استظهر السيد الخوئي بأن القول قول الزوجة وذلك بقوله: ( فالظاهر أن القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين أن يكون الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه وغير ذلك)(٣) ولم يذكر: إذا لم يكن للزوج بينة.

٤ - إذا اختلفا في الإعسار واليسار، وادعى الزوج أنه غير قادر على الإنفاق، وادعت الزوجة القدرة فالقول قول الزوج مع يمينه.

نعم إذا كان موسراً وادعى تلف ماله وقد صار معسراً فالقول قول الزوجة مع يمينها.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إذا اختلفا في الإعسار واليسار، فادعى الزوج الإعسار، وأنه لا يقدر على الإنفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه، نعم إذا كان الزوج موسراً، وادعى تلف أمواله، وأنه صار معسراً، فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها)(٤) .

____________________

(١) جواهر الفقه للقاضي ابن البراج: ١٧٨ بتصرف.

(٢) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

(٣) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩٠.

(٤) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩١، منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

٥٩

ثالثاً: دعوى الزوجة وورثة الزوج

كثيراً ما تقع مشاكل بين الزوجة وورثة الزوج في مسألة الإرث، وما إلى ذلك من المسائل، وقد جاء ديننا الحنيف بحلول لهذه المشكلات العالقة بينهما، وحل النزاعات، نذكر بعضاً منها:

١- إذا ادّعت الزوجة أن ما في يدها هو ملكها أو في مقابل مهرها أو دين كان عنده وما إلى ذلك، ولم يكن لها بينة، فالقول قول الوارث مع يمينه(١) .

٢- إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار ثم مات، وادّعى الوارث بأن الزوج لم ينقلها، فالقول قولها، لأنها والوارث متساويان في عدم العلم بمراد الزوج، وأن ظاهر قوله موافق لدعواها، لأن قول الزوج: اخرجي إلى المصر الفلاني ظاهره النقل(٢) .

رابعاً: الدّعوى بحق الميت

نذكر بعض المسائل الخلافية بين ورثة الميت والمدّعي عليه ومنها:

١- إذا أوصى الميت لشخص أن له حظ أو نصيب أو شيء من ماله وما إلى ذلك، وادّعى الموصى له أن ورثته يعلمون مقداره، فالقول قول الورثة مع يمينهم بأنهم لا يعلمون.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (إذا قال لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل فإنه يرجع إلى الورثة ويقال لهم أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال أعطوه شيئاً من مالي إلاّ أن يدّعي الموصى له أكثر من ذلك، وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء)(٣) .

____________________

(١) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٣، القضاء للسيد الكلبايكاني ٢: ٢٧٠ بتصرف.

(٢) جواهر الفقه للقاضي ابن البرّاج: ١٩٣ بتصرف.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٤: ٧ - ٨، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ٢: ٤٩٩، وكذلك إرشاد الأذهان ١: ٤٦١ ، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٤٧٥، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٥٣٣، جامع المقاصد للمحقق الكركي١٠: ٢١٤، الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري: ٩٦، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٨: ٣٣٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أنّهم يتزوّجون من مسيحيات ، ممّا يجعلهم يختلطون معهم في حفلات مختلطة ، وغناء ورقص وغير ذلك.

وأنا ـ كسنّي ـ فهمت بأنّ زواج المتعة حلال ، وله أدلّته كالزواج الدائم ، كما ذكر السيّد السيستاني وغيره من العلماء والمراجع ، يحفظهم الله أجمعين ، ولكن لماذا يحلّل بعض العلماء الزواج المؤقت من الزانية والمشهورة بالزنى؟ أو ليس هناك آية صريحة يقول فيها الله :( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) (١) ، أو ليس هذا اجتهاد صريح مقابل النصّ؟! أرجو التوضيح.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم اذكره أجد فيه غرابة ، واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التامّ للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إنشاء الله تعالى.

ج : مسألة التمتّع بالزانية محلّ خلاف عند فقهاء الشيعة ، فمنهم من يرى الكراهة ، ومنهم من لا يجوّزها خصوصاً في المشهورة بالزنا ، ويعتمد كُلّ منهم على نصوص وأحاديث ـ كما هو مقرّر في محلّه ـ ولكن بنحو الإجمال نشير إلى أنّ الآية التي ذكرتموها( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) ، قد يحتمل فيها وجه آخر وهو : أنّ الزاني والزانية بعد توبتهما يصبحان كمن لا ذنب له ، والآية ـ على هذا الاحتمال ـ في مجال ذكر حكمهما قبل التوبة.

وعلى فرض التنزّل ، فالمسألة محلّ خلاف حتّى عند السنّة أيضاً ، وفي هذا المجال لابأس أن يراجع إلى المجموع للنووي(٢) ، اعتماداً على حديث «لا يحرّم

__________________

١ ـ النور : ٣.

٢ ـ المجموع ١٦ / ٢١٩.

٢٢١

الحرام الحلال »(١) ؛ فالمسألة هي محلّ بحث ونقاش عند الفريقين ، وليس بالأمر المسلّم حتّى يعتمد عليه.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها ، نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد الله ـ الكويت ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق :

س : السلام عليكم يا اتباع الحقّ.

في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول الله ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

( حسام ـ ـ سنّي )

التطبيق العملي لها :

السؤال : الإخوة الأفاضل في مركز الأبحاث العقائدية.

__________________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ١٦٨ ، سنن الدارقطني ٣ / ١٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٤٩.

٢٢٢

أُحبّ أن أشكركم على الكتب التي أرسلتموها لي في الفترة الماضية ، والحقيقة تقال : أنّ لديكم علماء ذوي أقدام راسخة في العلم ، وللأسف نحن أهل السنّة لا نعرفهم ، وهذا من باب إغلاق العقول وللأسف ، ولكنّني لست ممّن يغلق عقله ، بل على العكس أُحبّ الانفتاح على الفرق المخالفة لأهل السنّة ، بل لي كثير من الأفكار التي تخالفهم ، والحقيقة أنّني أقرأ كتبكم بحبّ وشوق ، وأنا حريص على الحقيقة.

ولكن عندي تساؤل وهو : إذا قلنا بالمتعة وجوازها بناء على الأدلّة ، كيف سيتمّ تطبيق ذلك عملياً ، ومقصدي : أنّ المرأة حينما تتزوّج بطريق المتعة عدّة مرّات ، ألا يعتبر ذلك عيباً في حقّها ، حتّى أنّ الأمر قد يصل إلى أن تفتح النساء مجالاً لأن تتزوّج بالمتعة ، فهل هذه التطبيقات العملية تكون مجدية أم لا يعتبر ذلك من العيوب؟ فيصير الأمر كأنّه شبيه ببيوت الدعارة؟ أرجو الإفادة في هذه النقطة.

ج : نسأل الله تعالى أن يوفّقكم لكُلّ خير ، ويبارك في جهودكم ويسدّد خطاكم ، ونلفت انتباهكم إلى عدّة أُمور :

١ ـ المتعة كالزواج الدائم في وجوب العدّة ، فكما يجب على المرأة المطلّقة في الزواج الدائم أن تعتدّ ، فكذا يجب على المرأة في المتعة أن تعتدّ بعد أن تنقضي المدّة المقرّرة ، وبناء على هذا الأصل لا يرد ما ذكرتموه.

ويكون حال المتمتعة كحال المرأة التي تطلّق عدّة مرّات ثمّ تتزوّج ، وما أكثر أمثال هذه الموارد في عصرنا الحاضر ، بالأخص في الخليج ، حيث أنّ الطلاق عندهم كثير جدّاً ، والمرأة تطلّق وتتزوّج عدّة مرّات.

٢ ـ أنّ المتعة بُنيت على الكتمان ، كما ورد في الحديث.

٣ ـ أنّ المتعة من المسائل التي جعلها الإسلام لحلّ المسألة الجنسية والاحتياج الجنسي في المجتمع ، وذلك بصورة منتظمة ، وذلك لئلاّ يقع الناس في حرج

٢٢٣

ويرتكبوا المحرّم ، حتّى أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام صرّح : «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي »(١) .

وعن ابن عباس : « ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها هذه الأُمّة ، ولولا نهي عمر بن الخطّاب عنها ما زنى إلاّ شقي »(٢) .

وكُلّ ما ذكرتموه من اشكالات وتصوّرات ترتابها الشكوك عن الواقع العملي للمتعة ، إنّما ينشأ لعدم أُلفة مجتمعاتنا لهذه المسألة ، ولم يكن تحريماً بسيطاً كسائر التحريمات ، وإنّما تحريم وعقاب ، تحريم مع تهديد بالرجم ، مع التشديد في العقوبة.

ففي المبسوط للسرخسي قال عمر : « لا أُوتي برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته ، ولو أدركته ميّتاً لرجمتُ قبره »(٣) .

وإنّ تحريم عمر للمتعة وتغليظه في التحريم ، ممّا جعل هذه المسألة تكون غير مألوفة في المجتمعات الإسلامية ، وإلاّ فإنّها كانت في غاية البساطة ، حتّى أنّ عبد الله بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد الله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٤) .

وروي عن ابنة أبي خثيمة : « أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ،

__________________

١ ـ المصنّف للصنعاني ٧ / ٥٠٠ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٤١ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥.

٢ ـ شرح معاني الآثار ٣ / ٢٦ ، الاستذكار ٥ / ٥٠٦ ، التمهيد ١٠ / ١١٤ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٨٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤١.

٣ ـ المبسوط للسرخي ٥ / ١٥٣.

٤ ـ المائدة : ٨٧ ، وأُنظر : مسند أحمد ١ / ٤٣٢ ، صحيح البخاري ٦ / ١١٩ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٧٩ و ٢٠٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٣ / ٢٧١ و ٣٩١ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٣٣٧ ، مسند أبي يعلى ٩ / ٢٦٠ ، صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٤٩.

٢٢٤

فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم ، قال : ما حملك على الذي فعلته؟

قال : فعلته مع رسول الله ثمّ لم ينهاها عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهاها عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً ، فقال عمر : أما والذي نفسي بيده ، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك »(١) .

فمن هذا يتبيّن : أنّ المسألة كانت في غاية السهولة من ناحية الدافع العملي ، ولو كانت مجتمعاتنا قد رضيت بهذه المسألة وطبّقتها عملياً ، لكانت مجتمعاتنا مجتمعات صالحة يسودها كُلّ خير ، ولما اضطرّت إلى اختراع زواج المسيار!!

هذا ، وإنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، ليس لنا أن نرفضها لمجرّد بعض الفرضيات ، ولو فتحنا هكذا باب لرفضنا الكثير من الأحكام الشرعية ، أمثال مسألة الرضاع التي ربما سبّبت بعض المشاكل.

( إبراهيم عبد الكريم ـ النيجر ـ سنّي )

الشيعة تحلّلها :

س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل الله أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه ، سؤالي هو : إنّ الشيعة يحلّلون زواج أكثر من أربع نساء.

ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

الشيعة لا تحلّل الزواج أكثر من أربع نساء ، نعم تحلّل الزواج المؤقت ، وله شروط منها : أن لا تكون البنت بكراً ، فلو كانت بكراً توقّف الجواز على إذن أبيها ، وتعيين الوقت والمهر ، والعدّة بعد انقضاء المدّة.

__________________

١ ـ كنز العمّال ١٦ / ٥٢٢.

٢٢٥

وزواج المتعة اتفق المسلمون على أنّه كان حلالاً زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبي بكر ، وبعض خلافة عمر ، حتّى حرّمه عمر بقوله : « مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »(١) .

( أحمد منصور ـ البحرين )

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة :

س : أودّ في بداية هذه الرسالة أن أشكركم على جهودكم لتبيين كلمة الحقّ ، ودحض الحجج الواهية لأعداء مذهب الحقّ ، ممّا يأخذه بعضهم علينا مسألة التمتّع بالصغيرة أو الرضيعة ، وضّحوا لنا هذه المسألة ، جزاكم الله خيراً ، وكتبه في ميزان أعمالكم.

ج : أكثر علمائنا يشترط في التمتّع بالبنت بلوغها سنّاً يصدق عليه عرفاً إمكان التمتّع بها ، وهذا غير العقد على الصغيرة ، فالعقد شيء والتمتّع شيء آخر.

وهذه الشبهة ممّا أُثيرت مؤخّراً ضدّ الشيعة ، مع أنّها ليست من مختصّات فقه الشيعة ، بل يشترك فيها الكثير من علماء مذاهب أهل السنّة ، فهذا النووي يذكر في كتابه المجموع الكثير من الآراء لفقهاء المذاهب الإسلامية ، وفي أبواب مختلفة من كتابه تصبّ مصبّ التمتّع بالصغيرة(٢) .

__________________

١ ـ أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، معرفة السنن والآثار ٥ / ٣٤٥ ، الاستذكار ٤ / ٦٥ و ٥ / ٥٠٥ ، التمهيد ٨ / ٣٥٥ و ١٠ / ١١٣ و ٢٣ / ٣٥٧ و ٣٦٥ ، المحلّى ٧ / ١٠٧ ، المبسوط للسرخي ٤ / ٢٧ ، المغني لابن قدامة ٧ / ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٧ / ٥٣٧ ، شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٦ ، أحكام القرآن للجصّاص ١ / ٣٣٨ و ٣٥٤ و ٣ / ٣١٢ ، التفسير الكبير ٤ / ٤٢ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ / ٣٩٢ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤١.

٢ ـ المجموع ١٦ / ٢٧ و ٤٠ و ١٦٨ و ١٧٢ و ١٩٦ و ٣٣٠ و ٣٤٠ و ٣٧٤ و ٤٠٨ و ١٧ / ٩ و ٥١ و ٧٤ و ١٥٤ و ١٦٩ و ٣٠٨ و ٣٩٥.

٢٢٦

( ـ الجزائر ـ )

حلّ من الحلول للزانية :

س : في اعتقادنا أنّ الزانية أصلح ما يكون لها هو زواج المتعة بعد استتابتها ، لأنّه أحفظ لها من الضياع المطلق ، والفساد الأكيد الذي يحرق الأخضر واليابس ، فالزانية أخطر على الأُمّة من الأسلحة الفتّاكة ، لأنّ الزنا يفسد الحرث والنسل ، ولو دقّقتم في الأمر ، وتتبّعتم التسلسل القرآني لوجدتم ما أشرنا له.

ج : نعم ، الزانية يمكن أن يكون زواج المتعة حلّ من الحلول لها بعد استتابتها ، ولكن لا يمكن لنا أن نحصر فلسفة زواج المتعة بهذا المنظار الضيّق ، ولا أنّ الحلّ للزانية التائبة بزواج المتعة.

وعلى كُلّ حال ، فما ذكرتموه بعمومه جيّد.

( ـ السعودية ـ سنّي )

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع :

س : بالنسبة لزواج المتعة لدي سؤال واحد فقط : هل ترضى أن تزوّج أُختك أو ابنتك زواج متعة؟ يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر ، هذا هو البلاء وعدم الاستقرار ، وهضم كامل لحقوق المرأة ، وبه أصبحت المرأة مجرّد سلعة رخيصة يلهو بها الرجال بين الحين والآخر ، يأكلون منها يوماً ويتركونها يوماً ، وبزواج المتعة ليس هناك حفظ للنسل ، ولا لحقوق المرأة ، فأيّ زواج هذا الذي تصبح به المرأة مجرّد شهوة وقتية يقضي به الرجل شهوته ثمّ يتركها؟ وألا تعتقد أنّ هذا الزواج قريب جدّاً من الزنا؟

ج : تارة نبحث عن أصل المشروعية له ، وما ذكر حوله في القرآن والسنّة ، وأنّه كان ثابتاً قطعاً ، فهل نسخ؟! وكما هو المعلوم النسخ لابدّ أن يأتي متواتراً ، وإذا كان قد نسخ ، لماذا قال عمر بن الخطّاب : « مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »؟! ولماذا كان ابن عباس

٢٢٧

يفتي بالمتعة إلى آخر حياته؟! وهل يصدّق بأنّ ابن عباس لم يصل إليه النسخ؟! تساؤلات علينا أن نبحث فيها.

وتارة نبحث أترضى كذا وكذا ، فهل هذا بحث علمي ، أم هو من كلام العاجزين عن الدليل الذين يهذون بهذه الترهات.

فإذا استطعنا أن نثبت أصل الحكم الشرعي ، لا يمكن أن نورد هكذا خزعبلات ، وإذا فتحنا الباب أمام هذه المغالطات ، فإنّها ستجري على جميع الأحكام الشرعية.

فلو كانت أُختك أو ابنتك قد طلّقت ، وتزوّجت ثانية ، وطلّقت ، وأرادت الزواج مرّة أُخرى ، فكيف ترضى أن يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر؟!

وكما هو معلوم لدى أهل التحقيق : أنّ المتعة لها شروط منها : أن لا تكون بكراً ، فإذا كانت بكراً يشترط في زواجها متعة إذن الولي ، ومنها : العدّة ، فإذا انقضت المدّة وأرادت أن تتمتّع بآخر لا يمكن لها إلاّ بعد العدّة.

فالمتعة حقيقة ثابتة ، تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع ، وذلك إذا طبّقت بشرطها وشروطها.

( كنان حداد ـ ـ )

تساؤلات حول المتعة :

س : وجزاكم الله كُلّ خير ، أرجو إجابتكم المفصّلة عن هذه الأسئلة التي طالما أرقتني وأضاقت صدري ، وأشعلت الشكوك في نفسي :

١ ـ هل تمتّع الأئمّةعليهم‌السلام أو نساء أهل البيت؟ ـ مع الدليل ـ وإذا لم يفعلوها ، فلماذا نفعل ما لم يفعلوه؟

٢ ـ لماذا لم يعد الإمام عليعليه‌السلام العمل بالمتعة عند خلافته ، وإذا أعادها فما الدليل؟

٣ ـ كيف يمكن التوفيق بين شرط العدل بين الزوجات وبين زواج المتعة؟

٤ ـ كيف يمكن التوفيق بين أبغض الحلال عند الله الطلاق ، وبين استحباب التمتّع ، بل وأكثر من مرّة؟

٢٢٨

٥ ـ كيف تكون المستمتع بها مستأجرة وهو عقد بين طرفين؟

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

١ ـ إنّ الكلام في موضوع المتعة هو الكلام في جوازه لا في وجوبه حتّى يلتزم كُلّ مسلم بإتيانه ، فنحن نثبت جواز هذا العمل في السنّة النبوية ، ومن ثمّ تفسيق من حرّمه.

هذا ، وقد يستفاد من بعض النصوص أنّ المعصومينعليهم‌السلام قد أتوا بهذه السنّة في بعض الأحيان(١) .

ثمّ إنّ هذا العمل أساسه على الكتمان والتستّر ، خصوصاً بعد أن عرفنا أنّ السلطات آنذاك كانت تطارد المجوّزين ، وتصرّ على الحرمة.

٢ ـ من الطبيعي أن لا تكون الإعادة بالإشهار ، فهل يعقل أنّ الإمامعليه‌السلام يعلن الجواز على رؤوس الإشهاد؟ وما هي المصلحة من وراء ذلك؟ بل الطريق المتعارف هو عدم الردع عن العمل من جهة ، والإشارة إلى شناعة اجتهاد عمر في المسألة من جهة أُخرى ، وهذا ما صدر عنهعليه‌السلام إذ قال : «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي »(٢) .

٣ ـ لا علاقة بين المسألتين ، فإنّ المتعة لا تعارض حقوق الزوجات ، فللرجل أن يجمع بين الجهات المذكورة ، وأمّا إن فرضنا أنّ رجلاً لا يتمكّن من الجمع المذكور ، فهذا أمر يخصّه ، ولا يرتبط بمبدأ تشريع الحكم.

٤ ـ الفرق واضح بين المقامين : فإنّ حكمة الزواج الدائم تأسيس كيان في المجتمع ـ العائلة ـ بناؤه على الدوام والاستمرار ، وحينئذٍ فانقطاعه في الحقيقة يحدث تضعضعاً في نظام المجتمع والأُسرة ، فهو حدث غير مرغوب فيه على شذوذه وندرته بخلاف زواج المتعة ، إذ هو عقد منقطع ومؤقت إلى أجل معلوم ، فلم يؤخذ فيه الاستمرارية حتّى نصطدم بانقضاء المدّة ، أي أن انتهاء الأجل في

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٢١ / ١٠ و ١٣.

٢ ـ المصنّف للصنعاني ٧ / ٥٠٠ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٤١ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥.

٢٢٩

الزواج المنقطع هو فرض قد أُخذ في العقد ، والطرفان على علم مسبق به ، ولكنّ الطلاق في الزواج الدائم هو أمر غير متوقّع في الأصل ، بل هو حلّ لحالات استثنائية وطارئة.

٥ ـ نعم ، زواج المتعة عقد بين الطرفين ، ولا ينافي ذلك أن يكون عقد إجارة ، والمقصود من عقد الإجارة في المقام هو التنظير بين المسألتين في الحكم من حيث اعتبار المدّة والأجل والأجرة في مشروعية العمل في كلا الموردين.

( أبو هادي ـ فلسطين ـ سنّي ـ بكالوريوس تجارة )

صحيحة عقلاً وشرعاً :

س : أودّ أن أسأل عن زواج المتعة وحكمه؟ مع الاسترشاد بالأحاديث أو الآيات القرآنية الكريمة.

ج : هو حلّ معقول وجذري للمشكلة الجنسية في ظروف عدم التمكّن من الزواج الدائم ، أو موارد حرجة أُخرى ، هذا بحسب العقل.

وأمّا من جهة النصوص ، فلا خلاف في ثبوت تشريع المتعة عند علماء المذاهب الإسلامية بأجمعهم ، معتمدين في ذلك على آية( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) ، حتّى أن بعضهم قد قرأها بالشكل التالي :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ) (٢) ، وهذا صريح في إرادة الزواج المؤقت.

وعلى أيّ حال ، فالكُلّ متّفقون على إباحة المتعة بالكتاب والسنّة(٣) .

__________________

١ ـ النساء : ٢٤.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٠٥ ، السنن الكبرى للبيهقي ٧ / ٢٠٦ ، المعجم الكبير ١٠ / ٣٢٠ ، الاستذكار ٥ / ٥٠٥ ، التمهيد ١٠ / ١١٣ ، جامع البيان ٥ / ١٨ ، معاني القرآن ٢ / ٦١ ، أحكام القرآن للجصّاص ، الكشف والبيان ٣ / ٢٨٦ ، معالم التنزيل ١ / ٤١٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، تفسير البحر المحيط ٣ / ٢٢٥ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٨٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠.

٣ ـ أُنظر : جامع البيان ٥ / ١٨ ، الجامع لأحكام القرآن ٥ / ١٣٠ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٨٦.

٢٣٠

ثمّ إنّ المخالفين للجواز يدّعون ورود النسخ لهذه الآية بآيات أظهرها من حيث الدلالة هي :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (١) بتوهّم حصر الزواج الشرعي في الدائم ، وملك اليمين ، ولكن من الواضح أنّ هذه الآية مكّية ، وآية المتعة مدنية ، ولا يعقل تقدّم الناسخ على المنسوخ ، على أنّ الآية المذكورة لا تنفي مشروعية المتعة ، إذ أنّها زواج شرعي ـ استناداً إلى الأدلّة التي ذكرناها ـ فتدخل ضمن( أَزْوَاجِهِمْ ) في الآية.

وأيضاً قد اعتمدوا في إثبات الناسخ بروايات وأحاديث قد يوهم بعضها النسخ ، ولكن يردّه ـ مع غضّ النظر عن أسانيدها ـ بأنّها مختلفة فيما بينها في محلّ ورود النسخ ، حتّى أُشير إلى ستّة مواطن : خيبر ، عمرة القضاء ، عام الفتح ، أوطاس ، تبوك ، حجّة الوداع ، حنين(٢) ، ممّا يوجب الاضطراب في مفادها ومضامينها ، ومن ثمّ عدم الركون إليها ، خصوصاً أنّها أخبار آحاد ، لا تصلح لنسخ الكتاب ـ على مبناهم ـ.

ومع التنزّل فإنّ هذه الأخبار متعارضة مع الأحاديث الدالّة على الجواز ، والتي هي صحاح تصل إلى حدّ الاستفاضة ، فإن قلنا بتساقط الطرفين في المعارضة ، أو ترجيح طرف الجواز لموافقتها لآية المتعة ـ كما هو المقرّر في علم الأُصول في حلّ التعارض بين الأخبار ـ تثبت نظرية الشيعة في التمسّك بالجواز في المقام.

وهنا لابأس أن نشير بورود بعض الروايات التي تدلّ بصراحة على أنّ المنع لم يشرّع في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أنّه كان باجتهاد خاصّ من قبل عمر!(٣) حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ عمر أسند النهي والمنع عن المتعة إلى نفسه ، لا إلى تشريع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

__________________

١ ـ المؤمنون : ٥ ـ ٦ ، المعارج : ٢٩ ـ ٣٠.

٢ ـ فتح الباري ٩ / ١٣٨.

٣ ـ فتح الباري ٣ / ٣٣٩ و ٩ / ١٤١ ، كنز العمّال ١٦ / ٥٢٣ ، جامع البيان ٥ / ١٩ ، الدرّ المنثور ٢ / ١٤٠ ، مسند أحمد ٣ / ٣٨٠.

٤ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢٣١

( محمود أحمد عباس ـ العراق )

النهي عنها محمول على التقية :

س : وجدت حديثاً في كتاب وسائل الشيعة عن المتعة ، والحديث يقول : عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة » (١) ، فهذا الحديث يدلّ على أنّ النبيّ قد حرّم المتعة؟

ج : عند مراجعة سند الحديث نجد فيه : الحسين بن علوان : لم ينصّ على توثيقه ، بعكس أخيه ، ونسبه البعض إلى العامّة أو الزيدية ، وهو إلى الزيدية أقرب ، بدلالة من يروي عنهم.

وعمرو بن خالد : نُسب إلى العامّية ، وذكروا أنّه بتري زيدي ، بل من رؤسائهم ، وهو الأقرب(٢) .

وعلّق على الحديث الحرّ العاملي في الوسائل : حمله الشيخ وغيره على التقية ـ يعني في الرواية ـ لأنّ إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية.

فهذه الرواية لا تنهض حجّة على تحريم المتعة ، وذلك : لما مرّ آنفاً ما في سندها من وهن ، مع معارضتها لظاهر القرآن ، والروايات الصحيحة الكثيرة في حلّية المتعة ، وبعدها فهي محمولة على التقية.

( عبد السلام ـ المغرب ـ )

التمتّع بملك اليمين :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : حكم التمتّع بالأمة ملك اليمين؟ هل لازال هذا الحكم قائماً؟ وجزاكم الله خيراً.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ٢١ / ١٢.

٢ ـ أُنظر : منتهى المطلب ٤ / ٢٥٥ ، رجال الطوسي : ١٤٢ ، رجال ابن داود : ٢٦٤ ، نقد الرجال ٣ / ٣٣١ ، طرائف المقال ٢ / ٣٣ ، معجم رجال الحديث ١٤ / ١٠٢ ، وغيرها.

٢٣٢

ج : ملك اليمين والعبيد والإماء في عصرنا الحاضر ليس لهم وجود ، وفي زمان وجودهم كُلّ من كان يملك أمة فيحقّ له أن يتمتّع بها بملكها ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

تكره مع المشهورة بالزنا :

س : لا أعرف ردّ هذه الشبهة ، فالرجاء المساعدة ـ وجدتها في بعض المنتديات ـ الخميني يجيز التمتّع بالزانية ، يقول في كتابه « تحرير الوسيلة » : مسألة ١٨ : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور. تحرير الوسيلة ٢ / ٢٩٢.

ج : هذه الفتوى لم ينفرد بها السيّد الخميني ، بل هي قول الكثير من علمائنا ، بل المشهور جوازه بلا كراهة ما لم تكن مشهورة بالزنا ، فيكون السيّد أشدّ من غيره ، وأكثر احتياطاً بقوله بالكراهة مع وجوب منعها حينئذ من الزنا فلا مؤاخذة عليه.

وأمّا الآية الكريمة :( الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

فسوف لن أقول لك راجع التفاسير وكتب الفقه لمذهبك ، وأُنظر الاختلاف في فهمها منذ الرعيل الأوّل من الصحابة ، وثمّ التابعين ، ثمّ المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها ، ولكنّني سوف أردّ ردّاً واحداً وبسيطاً وهو : لو كانت الآية على ظاهرها للزم جواز زواج الزاني المسلم من المشركة ، والزانية المسلمة من المشرك ، وهذا لا يقول به مسلم ، وانعقد الإجماع على خلاف ذلك وعدم جوازه ، وبالتالي نقول : أنّ الآية صحيح أنّ ظاهرها يقتضي تحريم الزواج من الزانية ، ولكنّ الظاهر إذا اصطدم بإجماع أو نصّ ـ كما قدّمنا آنفاً ـ فحينئذ لا يكون الظاهر حجّة.

__________________

١ ـ النور : ٣.

٢٣٣

( أحمد ـ الإمارات ـ ١٩ سنة ـ طالب حوزة )

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : لو سألت هذا السؤال : هل يجوز لأيّ رجل أن يدخل أيّة أُنثى أيّ مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ، ثمّ يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرّد أن يتبادلا التلفّظ ببضع كلمات عن الثمن والمدّة أو عدد المرّات ، ومتّعتك نفسي وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عمّا إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنّها من الزانيات؟

لجاء الجواب ومن أوثق المصادر : بسمه تعالى يجوز ذلك!! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ النكاح المنقطع ـ أو زواج المتعة كما يسمّى ـ هو زواج شرعي دلّت عليه النصوص القرآنية والنبوية الشريفة بما لا غبار عليه ، ودعوى نسخه دعوى باطلة لم يرد بها كتاب أو سنّة ، ومن أجل الوقوف التفصيلي على أدلّة هذا الزواج ومشروعيته وضوابطه انصح السائل أو المستشكل بالعودة إلى بعض البحوث المهمّة التي تناولت هذا الزواج بالشرح والتحقيق ككتاب « مسائل فقهية » للسيّد عبد الحسين شرف الدينقدس‌سره .

وكذلك كتاب « المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي » للأستاذ توفيق الفكيكي ، ليقف المرء على شروط وضوابط هذا الزواج الشرعي الصحيح ، وأنّه متى تحتاج المرأة إلى إذن وليّها في هذا الزواج ومتى لا تحتاجه ، وأيضاً ليتعرّف على الصفات التي يحثّ الشرع على توفّرها في المرأة المتمتّع بها.

فالمسألة ليست كما يتوهّم البعض أنّها مسألة سائبة لا ضوابط فيها ، كي تكون محلاً للترهات والأقوال الجاهلة ، وبالعودة إلى تلك المصادر وقراءتها بتمعّن وتدبّر يزداد المرء فهماً وعلماً بدينه وأحكام شريعته.

٢٣٤

المسح على الرجلين :

( سارة حسين ـ الكويت ـ )

في قوله( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

س : بالنسبة لآية الوضوء الواردة في سورة المائدة ، هل صحيح أنّ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) معطوفة على اغسلوا ، حيث أنّ الآية تقول : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١) ، ولستُ ضالعة بقواعد اللغة العربية ، فهي معطوفة على من؟ أرجو إفادتي بأقرب وقت ممكن ، وجزاكم الله خيراً.

ج : في قوله تعالى :( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

القراءة بالرفع ، ووصفت هذه القراءة بالشذوذ ، والوجه بالرفع قالوا : بأنّ الرفع هذا على الابتداء ، وكُلّ مبتدأ يحتاج إلى خبر ، فقال بعضهم : الخبر مغسولة ، يعني : وأرجلكم مغسولة.

قال الآلوسي : « وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين ، إذ لكُلّ أن يقدّر ما شاء ، ومن هنا قال الزمخشري فيها : إنّها على معنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة »(٢) .

وأمّا القراءة بالجر ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة : تعطف الأرجل على الرؤوس ، والرؤوس ممسوحة فتكون الأرجل أيضاً ممسوحة.

__________________

١ ـ المائدة : ٦.

٢ ـ روح المعاني ٣ / ٢٥١.

٢٣٥

وأمّا القراءة بالنصب ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة على محلّ الجار والمجرور ، يعني : على محلّ كلمة :( بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ومحلّ( بِرُؤُوسِكُمْ ) منصوب ، والعطف على المحلّ مذهب مشهور في النحو ، ولا خلاف في هذا على المشهور بين علماء النحو ، فيكون حكم الأرجل المسح كما هو في الرأس ، بناءً على العطف على محلّ( بِرُؤُوسِكُمْ ) .

وتجدون الاعتراف من كبار علماء أهل السنّة على أنّ قراءة الجر والنصب على وجوب المسح دون الغسل(١) .

( محمّد السعيد ـ البحرين ـ )

القرآن صريح في وجوبه :

س : دخلت بعض المنتديات ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ الشيعة يمسحون على أرجلهم ولا يغسلونها ، مع أنّه هناك من هو كثير العرق ، والذي رائحة رجله مؤذية

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا إعمال ما تشتهيه أنفسنا ، ولماذا كذا؟ أو هل إذا كان كذا كان كذا.

فالقرآن صريح في وجوب المسح على الرجلين ، لأنّ قوله تعالى :( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (٢) إذا قرأت بالنصب أو الجرّ فإنّها معطوفة على برؤوسكم ، أو على محلّ برؤوسكم ، فيكون حكم الأرجل المسح ، فالشارع يوجب المسح ، ومن شاء بعد المسح أن يغسل فإنّه ليس من الوضوء ، بل أمر آخر خارج عن الوضوء.

__________________

١ ـ أُنظر : المبسوط للسرخي ١ / ٨ ، المغني لابن قدامة ١ / ١٢٠ ، التفسير الكبير ٤ / ٣٠٥.

٢ ـ المائدة : ٦.

٢٣٦

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

معنى الكعب في قوله( إِلَى الْكَعْبَينِ ) :

س : إنّ سؤالي بسيط جدّاً ، وهو عن موضوع مسح الرجلين في الوضوء : إنّي قرأت الكثير من الكتب في هذا المجال من السنّة والشيعة ، وكُلّ له دلائله ، ولكن سؤالي هو : لماذا ذكرت الآية القرآنية( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، ونحن كشيعة لا نصل إلى الكعبين مطلقاً؟

نعم ، نحن نمسح كما في الآية المباركة ، ولكنّنا كما قلت أنّنا لا نصل إلى الكعبين ، وهم ـ أي أهل السنّة ـ يصلون إلى الكعبين ولكنّهم يغسلون ، لماذا توجد كلمة في القرآن ونحن لا نطبّقها ، أعني بذلك كلمة الكعبين؟

أرجو المعذرة ، ولكنّي فعلاً لا أستطيع أن أُجيب أيّ أحد ، وهل هي مجرّد زيادة في القرآن والعياذ بالله؟ عندما يقول لي : إنّ الآية قالت : إلى الكعبين ، فلماذا لا نصل للكعبين؟

ج : إنّ الكعبين لا تعنيان أسفل القدم كما ربما يتوهّمه البعض ، بل المقصود من الكعبين هو قبّة القدم ، أي : أعلاه ، بمعنى : الارتفاع الظاهر فوق القدم ، هذا هو تعريف الكعبين.

ولا يمكن الاعتماد على قول أهل اللغة هنا لتحديد مفهوم الكعبين ، لاختلافهم في تعريفهما ، والرجوع إلى روايات أهل البيتعليهم‌السلام في تحديد مفهوم الكعبين هو الأهم في هذا المقام.

ففي صحيحة أحمد بن محمّد البزنطي عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال : « سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم »(١) .

وهذا ظاهر أنّ المراد من الكعبين هو : العظم الناتي من قبّة القدم ، وليس شيئاً آخر ، وذلك بقرينة قولهعليه‌السلام : «إلى الكعبين إلى ظاهر القدم » ، وقوله : «ظاهر القدم » بيان لمعنى الكعبين.

__________________

١ ـ الكافي ٣ / ٣٠ ، الاستبصار ١ / ٦٢.

٢٣٧

وما ورد عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله »؟ ثمّ أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه ثمّ مسح رأسه وقدميه ، ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : «هذا هو الكعب » ، وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : «إنّ هذا هو الظنبوب »(١) .

فالظنبوب هو : منتهى العرقوب إلى أسفل ، أي سفل القدم من مؤخّره ، وقد اشتبه على أهل السنّة بأنّ هذا هو الكعب ، لذا فقوله تعالى :( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ليس كلاماً زائداً بل حكيماً ، ولا اشتباه فيما التزمه الشيعة من المسح على هذه المنطقة ، فالمسح أوفق في تحديدنا هذا بالكعب.

ولا يصلح الغسل بعد ذلك ، إذ كيف يمكنك غسل هذه المنطقة دون التعدّي إلى ما خلف الكعبين ، لذا فمسح الكعبين هو ما ذهب إليه الشيعة وهو ما ذكرناه لك.

__________________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٧٥.

٢٣٨

مصحف فاطمة عليها‌السلام :

( أحمد الخاجة ـ البحرين ـ ١٥ سنة ـ طالب ثانوية )

عند الإمام المهدي :

س : هل ينزل الوحي بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وما صحّة الرواية أنّ الوحي نزل على فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ليوحي لها بمصحف فاطمة؟ وهل مصحف فاطمة لا يزال موجوداً؟ وهل هو نفس المصحف الذي نراه عند بعض الإيرانيين في البقيع ، والذي يكتب عليه مصحف فاطمة؟

ج : وردت أحاديث ـ فيهّن صحاح ـ على وجود مصحف لفاطمةعليها‌السلام ، من إملائها أو إملاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخطّ عليعليه‌السلام ، وفي بعضها أنّ ملكاً أو جبرائيل كان يحدثّها ، ثمّ هي تملي على أمير المؤمنينعليه‌السلام ليخطّه(١) ، ولكن هذا ليس بمعنى نزول الوحي بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أنّ الوحي هو نزول جبرائيل بالرسالة النبوية ومتطلّباتها.

والحال أنّ المصادر التي أثبتت وجود المصحف المذكور أكّدت في نفس الوقت بعدم علاقته بالتشريع ، بل فيه إخبارات عن التكوين ، وإنباءات عن المستقبل ، وبين المقامين بون شاسع كما ترى.

ثمّ الذي ينبغي أن يقال هو : إنّ هذا المصحف لم يكن موجوداً في متناول أيدينا ، بل هو عند إمام العصر المهديعليه‌السلام ، وعليه لا معنى للظفر عليه عند بعض الشيعة!!

__________________

١ ـ الكافي ١ / ٢٤٠ ، بصائر الدرجات : ١٧٣.

٢٣٩

( عبد الله ـ السعودية )

ليس هو قرآن الشيعة :

س : أُريد أن أعرف هل صحيح أنّ للشيعة قرآناً غير هذا القرآن الموجود في البلاد الإسلامية؟ ويسمّونه بمصحف فاطمة.

ج : لقد أثار مصحف فاطمةعليها‌السلام حفيظة العديد من الكتّاب ، واتخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على أتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، باستغلال اسمه باعتبار أنّه يطلق عليه مصحف ، وجعله باباً لاتهام الشيعة بأنّهم لا يعترفون بالقرآن الموجود بين الدفتين ، والمتداول بين المسلمين قاطبة ، فيوقعون الناس في وهم : بأنّ مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة.

وهنا لابدّ من معالجة هذه الشبهة التي أُثيرت حول مصحف فاطمةعليها‌السلام ، والضجّة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتّاب ، الذين ينقصهم الاطلاع الكافي والدقّة العلمية إن أحسنّا الظنّ بهم ، أو تنقصهم الأمانة والإنصاف ، فنقول :

أنّ الشيعة تعتقد بأنّ مصحف فاطمةعليها‌السلام ليس قرآناً ، بل القرآن هو ذلك الكتاب المنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمتداول الآن بين يدي المسلمين.

وأمّا مصحف فاطمةعليها‌السلام فهو مجرّد كتاب كتبه الإمام عليعليه‌السلام ، ذكر فيه أخبار ما كان وما يكون التي نقلتها له فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وليس فيه آية من آيات القرآن الكريم ، كما صرّحت بذلك الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نذكر منها :

١ ـ عن أبي عبيدة عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه‌السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها‌السلام »(١) .

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ١٧٣.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667